الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الشُّفْعَةِ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الشُّفْعَةِ]
ِ وَهِيَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ بِمَعْنَى الضَّمِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى الْأَشْهَرِ، مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ، وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ، أَوْ بِمَعْنَى التَّقْوِيَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ: مِنْ الشَّفَاعَةِ. وَشَرْعًا: حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ فِيمَا مُلِكَ بِعِوَضٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ
لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا
ــ
[مغني المحتاج]
الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ " وَالرَّبْعُ: الْمَنْزِلُ، وَالْحَائِطُ: الْبُسْتَانُ وَالْمَعْنَى فِيهِ ضَرَرُ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمِنْوَرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ، وَقِيلَ: دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا، وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهَا الْإِجْمَاعَ لَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارَهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ.
وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مَأْخُوذٌ، وَآخِذٌ، وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (لَا تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (فِي مَنْقُولٍ) كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، سَوَاءٌ أَبِيعَتْ وَحْدَهَا أَمْ مَضْمُومَةً إلَى أَرْضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ يَخُصُّهَا بِمَا تَدْخُلُهُ الْقِسْمَةُ وَالْحُدُودُ وَالطُّرُقُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَدُومُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَيَتَأَبَّدُ فِيهِ ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ، وَالشُّفْعَةُ تَمَلُّكٌ بِالْقَهْرِ، فَنَاسَبَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ ابْتِدَاءً لِتَخْرُجَ الدَّارُ إذَا انْهَدَمَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ نَقْضَهَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَثْبُتُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ التَّنْبِيهِ لَا تَجِبُ (بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ) وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِنْ أَبْوَابٍ مَنْصُوبَةٍ وَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ وَمَسَامِيرَ وَمَفَاتِيحَ غَلْقٍ مُثَبَّتٍ وَدُولَابٍ ثَابِتٍ وَحَجَرِ الطَّاحُونَةِ وَنَحْوِهَا كَغِطَاءِ تَنُّورٍ (وَ) مِنْ (شَجَرٍ تَبَعًا) لَهَا، وَفِي مَعْنَى الشَّجَرِ أَصْلُ مَا يُجَزُّ مِرَارًا كَالْقَتِّ وَالْهِنْدَبَاءِ، وَشَرْطُ تَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِلْأَرْضِ أَنْ تُبَاعَ الْأَشْجَارُ مَعَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَتَخَلَّلُهَا أَوْ مَعَ الْبُسْتَانِ كُلِّهِ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ جِدَارِهِ وَأَسَاسِهِ فَقَطْ أَوْ مِنْ أَشْجَارٍ وَمَغَارِسِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأَسَاسِ
وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْمَغْرَسِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ. فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُمْ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُكَ الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ. أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانَ الْبِنَاءِ، فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: تَبَعًا عَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ جَافَّةٌ شَرَطَا دُخُولَهَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ بِالتَّبَعِ بَلْ بِالشَّرْطِ (وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ) تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لَهَا حَتَّى أُبِّرَتْ لِدُخُولِهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ انْقَطَعَ أَمْ لَا، وَكَذَا كُلُّ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ انْفَصَلَتْ الْأَبْوَابُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشَّجَرَ بِثَمَرَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ. أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ إذَا دَخَلَتْ بِالشَّرْطِ. فَلَا تُؤْخَذُ لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ: كَالزَّرْعِ وَالْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ وَجِزَّةٍ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (
وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ) ، بِأَنْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، إذْ لَا أَرْضَ لَهَا، فَهِيَ كَالْمَنْقُولَاتِ (وَكَذَا) سَقْفٌ (مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ الَّذِي هُوَ أَرْضُهَا لَا ثَبَاتَ لَهُ أَيْضًا. وَالثَّانِي: يَجْعَلُهُ كَالْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْعُلْوُ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ وَنَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ، فَالشُّفْعَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السُّفْلِ، لَا فِي الْعُلْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْهَا، فَالشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي الشَّجَرِ (وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى) أَيْ طَاحُونَةٍ، صَغِيرَيْنِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَمَّامَانِ وَطَاحُونَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ (لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ
وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ إلَخْ، وَالثَّانِي: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ، وَكُلٌّ مِنْ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ: أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْآلَات كَحَجَرِ الطَّاحُونِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ حَجَرَيْنِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالطَّاحُونَةِ فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الرَّحَى، وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ مَعْنَى عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَفِي بِلَادِنَا أَنَّ الطَّاحُونَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانَ وَالرَّحَى عَلَى الْحَجَرِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ، فَالْمُرَادُ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ اهـ.
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَتَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى، وَيَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ إنْ بَاعَ مَالِكُ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ مَالِكِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ لِلْآخَرِ لِأَمْنِهِ مِنْ الْقَسْمِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا فَلَا يُجَابُ طَالِبُهَا لِتَعَنُّتِهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ أَرْضٍ تَنْقَسِمُ وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ لَا تَنْقَسِمُ، وَيُسْقَى مِنْهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِئْرِ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ الثَّابِتِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحِلِّ الشُّفْعَةِ وَالْبِئْرُ مُبَايِنَةٌ عَنْهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَخْذُ، فَقَالَ:(وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ) فِي رَقَبَةِ الْعَقَارِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ، وَلَا لِلشَّرِيكِ فِي غَيْرِ
وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ
ــ
[مغني المحتاج]
رَقَبَةِ الْعَقَارِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ، وَلَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْقَضِ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا لِشَافِعِيٍّ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَتَثْبُتُ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ عَلَى سَيِّدٍ كَعَكْسِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لِيُصْرَفَ فِي عِمَارَتِهِ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ فِي أَرْضٍ فَبَاعَ شَرِيكُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَلَا شَرِيكُهُ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَيْنَ الرَّقَبَةِ. نَعَمْ مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ.
(وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ
فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ
ــ
[مغني المحتاج]
فِي مَمَرِّهَا) فَقَطْ التَّابِعِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَرْبًا غَيْرَ نَافِذٍ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا) لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ وَشِقْصًا مُشْتَرَكًا (وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ) بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ) لَهَا (إلَى شَارِعٍ) أَوْ إلَى مِلْكِهِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ احْتَاجَ إحْدَاثُ الْمَمَرِّ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، (فَلَا) تَثْبُتُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَالثَّانِي: تَثْبُتُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ بِشِرَائِهِ هَذِهِ الدَّارَ، وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ فِي اتِّخَاذِ الْمَمَرِّ عُسْرٌ أَوْ مُؤَنٌ لَهَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا.
تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ الْمَمَرُّ، فَإِنْ اتَّسَعَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْءٌ يَمُرُّ فِيهِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا، وَفِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى الْمُرُورُ بِدُونِهِ الْخِلَافُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَمَّا الدَّرْبُ النَّافِذُ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي مَمَرِّ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِنْهُ قَطْعًا، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبًا يُقْسَمُ مِنْ مَمَرٍّ؛ لَا يَنْفُذُ فَلِأَهْلِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَمَرِّ خَاصَّةً، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةَ إنْ كَانَ مُنْقَسِمًا. فَإِنْ قِيلَ الْمَمَرُّ مِنْ حَرِيمِ الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَقَاءِ الدَّارِ بِلَا مَمَرٍّ فَهُوَ كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهَا بَيْتًا، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بُطْلَانُهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مُتَّصِلَةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ لَهُ دَارٌ لَا مَمَرَّ لَهَا نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَمَرٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْتَرِي تَحْصِيلَ مَمَرٍّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَمَرَّ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ، وَالشَّرِكَةُ فِي صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ، وَفِي مَجْرَى الْمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ، وَفِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمَمَرِّ فِيمَا مَرَّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِث، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِالشُّفْعَةِ، وَقَالَ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ (فِيمَا مُلِكَ) أَيْ فِي شَيْءٍ مَلَكَهُ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ (بِمُعَاوَضَةٍ) مَحْضَةٍ كَالْبَيْعِ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ كَالْمَهْرِ. أَمَّا الْبَيْعُ فَبِالنَّصِّ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ، فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَوَصِيَّةٍ وَفَسْخٍ. أَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِرْثِ، فَلِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ فَلَمْ يَضُرَّ بِالشَّرِيكِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يُدْخِلَ عَلَى الشَّرِيكِ ضَرَرًا، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ تَسَلَّطَ الشَّرِيكُ
مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ.
وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ،
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْفَسْخِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا فَتُؤْخَذُ بِهِ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْفَسْخِ: أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ، فَلَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ انْفَسَخَ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّ الْفَسْخِ، وَالْأَخْذَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ (مِلْكًا لَازِمًا) قَيْدٌ مُضِرٌّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي، وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ خِيَارِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الطَّارِئِ لَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ. نَعَمْ لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ خِيَارُهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ (مُتَأَخِّرًا) سَبَبُهُ (عَنْ) سَبَبِ (مِلْكِ الشَّفِيعِ) . ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ (كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ، وَ) عِوَضِ (صُلْحِ دَمٍ) فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَالْوَاجِبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْإِبِلُ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِجَهَالَةِ صِفَاتِهَا.
تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الصُّلْحِ بِالدَّمِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ لِيَكُونَ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِ الْخُلْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَقَوْلُهُ (وَنُجُومٍ) أَيْ وَعِوَضِ صُلْحٍ عَنْ نُجُومِ كِتَابَةٍ، كَأَنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ شِقْصًا فَصَالَحَ سَيِّدَهُ بِهِ عَنْ النُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالشِّقْصُ لَا يَكُونُ نُجُومَ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا لَا يَكُونُ إلَّا دَيْنًا، وَالشِّقْصُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النُّجُومِ، وَهُوَ وَجْهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ (وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ) هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى مَبِيعٍ، فَلَوْ جَعَلَهُمَا قَبْلَ الْمَهْرِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفَهُمَا عَلَى خُلْعٍ فَيَصِيرَ الْمُرَادُ عِوَضَ أُجْرَةٍ وَعِوَضَ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَوْلَدَةٍ: إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً فَلَكِ هَذَا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ.
(وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (أَوْ) شُرِطَ (لِلْبَائِعِ) وَحْدَهُ (لَمْ يُؤْخَذْ) ذَلِكَ الشِّقْصُ (بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي أَمْ مَوْقُوفٌ.
وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ.
وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ) بِالشُّفْعَةِ (إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (لِلْمُشْتَرِي) وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ (فَلَا) يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ زَمَنَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ غَيْرُ زَائِلٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مَعْلُومِ الزَّوَالِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا الشِّقِّ قَوْلَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ وَجْهَانِ، وَمَا ذُكِرَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَجْرِي فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيُتَصَوَّرُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِإِسْقَاطِ الْآخَرِ خِيَارَ نَفْسِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِثَبْتِ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبَيْعِ وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مُلِكَ.
(وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْءِ (عَيْبًا وَأَرَادَ) الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ)، حَتَّى لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْبَيْعِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ ثَابِتٌ بِالِاطِّلَاعِ. وَالثَّانِي: إجَابَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ إذَا اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَسَلِمَ عَنْ الرَّدِّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعِيبًا كَعَبْدٍ وَأَرَادَ الْبَائِعُ رَدَّهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُطَالَبَةِ الشَّفِيعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الرَّدَّ وَيَأْخُذَ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُفْسَخُ الرَّدُّ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا وَجْهَانِ: صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ وَفَائِدَتُهُمَا كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: الْفَوَائِدُ وَالزَّوَائِدُ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْأَخْذِ، وَيُلْتَحَقُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الرَّدُّ بِالْإِقَالَةِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَقَرَّ لَهَا، وَكَذَا الْعَائِدُ لِلزَّوْجِ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ.
تَنْبِيهٌ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَقَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ) مَعًا (دَارًا أَوْ بَعْضَهَا
وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ.
تَنْبِيهٌ أُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتٍّ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ مِلْكِ الثَّانِي، لَا لِلثَّانِي وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ مِلْكِهِ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَا مُرَتَّبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا دُونَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَجَازَا مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَر، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمِلْكِ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ.
(وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ أَيْ نَصِيبٌ (فِي الْأَرْضِ) ؛ كَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الثُّلُثُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (بَلْ) يَأْخُذُ (حِصَّتَهُ) أَيْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ. وَالثَّانِي: يَأْخُذُ الْمَبِيعَ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّا لَا نَقُولُ اسْتَحَقَّهَا عَلَى نَفْسِهِ بَلْ دَفَعَ الشَّرِيكَ عَنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: خُذْ الْكُلَّ أَوْ اُتْرُكْهُ وَقَدْ أَسْقَطْتُ حَقِّي لَكِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الشُّفْعَةِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ مِثَالٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ) بِهَا لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ (وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ) كَالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَا ذِكْرُ الثَّمَنِ (وَلَا حُضُورَ الْمُشْتَرِي) وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَ) لَكِنْ (يُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَاخْتَرْت الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَلَا يَكْفِي الْمُعَاطَاةُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَلَا أَنَا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ عَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: مُشْكِلٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ
وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَيْهِ أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ لَا تُشْتَرَطُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ تَكْرَارِ لَا النَّافِيَةِ، بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يُشْتَرَطُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَجِيبٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ. وَأَمَّا حُصُولُ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ اهـ.
وَهَذَا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهَا. قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ (وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي) أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا امْتَنَعَ (فَإِذَا تَسَلَّمَهُ) مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ (أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ) بِضَمِّ اللَّامِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْهُ أَوْ قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ (مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَمُقَصِّرٌ فِيمَا بَعْدَهَا (وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الشَّفِيعِ حَيْثُ لَا رِبًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ الشِّقْصَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ رِبًا كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَفَائِحَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا (وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ) أَيْ الشَّفِيعِ (بِالشُّفْعَةِ) أَيْ ثُبُوتِ حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ لَا بِالْمِلْكِ (إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ، وَأَثْبَتَ حَقَّهُ) فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَارَ التَّمَلُّكَ (فَيَمْلِكُ بِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ قَدْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ.
تَنْبِيهٌ اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ هَذِهِ الْأُمُورِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّمَلُّكُ عِنْدَ الشُّهُودِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَجِيزِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجِمَالِ حَيْثُ يَقُومُ الْإِشْهَادُ مَقَامَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهُ هُنَا، وَيُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لِلشَّفِيعِ، وَإِذَا مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ الشِّقْصَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَلَا يَلْزَمُ