المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

. . . . . . . . . . - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٣

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْر الْمُسْلِم فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا جنى الْمَرْهُونُ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ]

- ‌بَابُ الْحَجْرِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]

- ‌بَابُ الصُّلْحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌بَابُ الضَّمَانِ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ]

- ‌كتاب الشركة

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رد الْعَارِيَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌[فَرْعٌ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا]

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا]

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا]

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِ النَّاظِرِ وَوَظِيفَتِهِ]

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَذْكُرُ نَدْبًا بَعْضَ أَوْصَافِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ]

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

الفصل: . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

خَاتِمَةٌ: لَوْ أَقَرَّ ابْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَنِينَ بِأَخٍ لَهُمْ وَشَهِدَا لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ لَهُمَا نَفْعًا بَلْ ضَرَرًا، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَقَالَ مُنْفَصِلًا أَرَدْتُ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يُحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرَّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، فَإِنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا قُبِلَ.

[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

1

ص: 312

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

ــ

[مغني المحتاج]

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِخَطِّهِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ، وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ، وَلِعَقْدِهَا، مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ: عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، وَقِيلَ: مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ كَانَتْ عَيْبًا مَا فَعَلَهَا، وَبِأَنَّ أَلِفَ الْعَارِيَّةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، فَإِنَّ أَصْلَهَا عَوَرِيَّةٌ. وَأَمَّا أَلِفُ الْعَارِ فَمُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ بِدَلِيلِ عَيَّرْته بِكَذَا، وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ

ص: 313

شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ

ــ

[مغني المحتاج]

بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ وَالطَّاعَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً: أَيْ: أَصَالَةً، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ بِوُجُوبِ إعَارَةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا كَتَبَ صَاحِبُهَا اسْمَ مَنْ سَمِعَهُ لِيَكْتُبَ نُسْخَةَ السَّمَاعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا، بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إذَا كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً، وَقَدْ تُحَرَّمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَإِعَارَةِ الْغِلْمَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطِ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ.

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُبَيِّنًا لِشَرْطِهِ فَقَالَ: وَ (شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ جَوَازُ إعَارَةِ السَّفِيهِ بَدَنَ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَالِهِ عَنْهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: تَبَرُّعٌ نَاجِزٌ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ عَارِيَّتُهُ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُعِيرُ الْعَيْنَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعَارَةِ تَعْطِيلٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا كَإِعَارَةِ الدَّارِ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَّا، فَيَمْتَنِعُ (وَ) شُرِطَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا (مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَقَيَّدَ

ص: 314

فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ.

ــ

[مغني المحتاج]

ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاظِرًا وَهُوَ وَاضِحٌ (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ (لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ مَا أُبِيحَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ. وَالثَّانِي: يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يُؤَجِّرَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَنْ يُعِيرُ لَهُ، فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ مِنْ الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِئَ وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَ هَذَا الْحُكْمُ (وَ) لَكِنْ (لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ) كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فِي حَاجَتِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ خَادِمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ، وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةً بِهَا، وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مَا يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بِهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى هَذَا لَا يُرَدُّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ مَسْكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا اهـ.

أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ. وَهُوَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَلَى خِدْمَةٍ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. أَمَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِحَقَارَتِهِ، فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَفْعَالُ السَّلَفِ، أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ.

وَلَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا يَقْرَأُ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا، فَيَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ يُعْلِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ لِرَدَاءَةِ خَطٍّ وَنَحْوِهِ امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِمَالِيَّتِهِ لَا إصْلَاحٌ، أَمَّا الْكِتَابُ الْمَوْقُوفُ فَيُصْلَحُ جَزْمًا خُصُوصًا مَا كَانَ خَطَأً مَحْضًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ،.

وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ، فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ إذْ الصَّحِيحُ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ، مَعَ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لَا جَرَمَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ

ص: 315

وَالْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

صِحَّتِهَا. اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا مِنْهُ، وَمِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِعَقْدِ وَلِيِّهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَهُوَ وَاضِحٌ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (وَ) شَرْطُ (الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ) ، فَلَا يُعَارُ مَا لَا يَنْفَعُ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ. وَأَمَّا مَا تُوُقِّعَ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ، وَلَيْسَ هَذِهِ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ انْتِفَاعًا مُبَاحًا لِيَخْرُجَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةً قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ إذْ مَنْفَعَةُ التَّزْيِينِ بِهِمَا وَالضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّ مَا تُقْصَدُ وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزْيِينِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا، أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ. وَيَنْبَغِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَطْعُومِ بِالْآتِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَانْتَفَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَحْجَارًا أَوْ أَخْشَابًا يَبْنِي بِهَا الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوَارِيِّ جَوَازُ اسْتِرْدَادِهَا، وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ.

(وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ) ذَكَرٍ (مَحْرَمٍ) لِلْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِي ذَلِكَ، وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمَحْرَمِ الْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا، كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ، وَكَذَا الطِّفْلُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ، فَيَجُوزُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ لِخِدْمَتِهِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الذَّكَرُ الْأَجْنَبِيُّ، فَلَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لَهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ قَبِيحَةً يُؤْمَنُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَإِنْ رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ فِيهِمَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرَةِ دُونَ الْكَبِيرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُلْحَقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْهَا لِخِدْمَتِهَا الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ رُؤْيَتِهَا مَعَهَا نَظَرٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الذِّمِّيَّةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ نَظَرُ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُمْكِنُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ اهـ.

وَهَذَا أَوْجَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ

ص: 316

وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ، وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ إجَارَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَهَاةِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بِهَا إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ لَهُ فَقَطْ فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ.

(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (إعَارَةً) وَإِجَارَةُ (عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا امْتِهَانًا، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَيَسْتَأْجِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ عَلَا لِلْخِدْمَةِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَتِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْقِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمَّا إعَارَةُ وَإِجَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ قَالَ: أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ: اُدْخُلْ الدَّارَ فَخُذْ مَا أَرَدْتُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ، وَخَالَفَتْ الْإِجَارَةَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا.

فَرْعٌ يَحْرُمُ إعَارَةُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلْكَافِرِ وَإِعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ. فَإِنْ اسْتَعَارَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لَلَهُ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِمَالِكِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ، وَيَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ آخِذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ، وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ أَبَاحَهُمَا لَهُ أَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ الشَّاةَ لَأَخَذَ ذَلِكَ أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا أَوْ الْبِئْرَ لِيَأْخُذَ مَاءَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا جَازَ وَكَانَ إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَالشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكٌ لِلْمُعَارِ، لَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ

ص: 317

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْإِبَاحَةِ، وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ، وَهِيَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ، وَكَذَا الْبَاقِي اهـ. .

وَهُوَ كَلَامٌ مَتِينٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ مَلَّكَهُ دَرَّ الشَّاةِ وَنَسْلَهَا أَوْ أَبَاحَهَا لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَلْفَهَا، فَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ فَاسِدَانِ، فَيَضْمَنُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ كَمَنْ أَعْطَى سَقَّاءً شَيْئًا لِيَشْرَبَ فَأَعْطَاهُ كُوزًا فَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ دُونَ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْرَبُهُ لَمْ يَضْمَنْ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا فَانْكَسَرَ الْكُوزُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِعَارَةٍ فَاسِدَةٍ دُونَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ، فَقَالَ (وَالْأَصَحُّ) فِي نَاطِقٍ (اشْتِرَاطُ لَفْظٍ) فِي الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَالِ الْغَيْرِ يَعْتَمِدُ إذْنَهُ (كَأَعَرْتُكَ) ، هَذَا أَوْ أَعَرْتُكَ مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْعَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ (أَوْ أَعِرْنِي) أَوْ خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا الْقَلْبِيِّ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ (وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ.

فَرْعٌ لَوْ أَضَافَ شَخْصًا وَفَرَشَ لَهُ لِيَنَامَ فِيهِ، وَقَالَ: قُمْ وَنَمْ فِيهِ فَقَامَ أَوْ فَرَشَ بِسَاطًا فِي بَيْتٍ وَقَالَ لِآخَرَ: اُسْكُنْ فِيهِ تَمَّتْ الْعَارِيَّةُ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ حَتَّى لَوْ رَآهُ حَافِيًا، فَأَعْطَاهُ نَعْلًا أَوْ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أَوْ فَرَشَ لَهُ مُصَلًّى أَوْ وِسَادَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عَارِيَّةً، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ. اهـ.

وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي إبَاحَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ أَصْلِهِ مَا يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي، عَلَى مَا قَالَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فِي ظَرْفٍ، فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَهُوَ مُعَارٌ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ لَا إنْ كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَخْرَسِ

ص: 318

وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ.

وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَفْهُومِ الْإِشَارَةِ وَاسْتِعَارَتِهِ بِهَا وَبِكِتَابَتِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ جَوَازُهَا بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى بِالْمُرَاسَلَةِ.

فَرْعٌ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِعَارَةِ وَتَأْخِيرُ الْقَبُولِ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ فِي غِرَاسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ بَعْدَ الشَّهْرِ عَارِيَّةٌ غَرَسَ أَمْ لَا، وَقَبْلَهُ أَمَانَةٌ حَتَّى لَوْ غَرَسَ قَبْلَهُ قَلَعَ (وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ) أَيْ فَرَسِي مَثَلًا (لِتَعْلِفَهُ) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهُ بِعَلَفِك (أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ) أَوْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (فَهُوَ إجَارَةٌ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى (فَاسِدَةٌ) لِجَهَالَةِ الْعَلَفِ فِي الْأُولَى وَالْعِوَضِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةُ فِي الثَّالِثَةِ (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) إذَا مَضَى بَعْدَ قَبْضِهِ زَمَنٌ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمَضْمُونَةٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا عِنْدَ جَهْلِ الْعِوَضَيْنِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّف. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهَا شَهْرًا مِنْ الْآنَ بِعَشْرَةٍ، أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ سَنَةً مِنْ الْآنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، وَالثَّانِي إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُسْتَعَارِ لَيْسَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَلْ عَلَى الْمَالِكِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

(وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَارِيَّةِ إذَا كَانَ لَهَا مُؤْنَةٌ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

وَأَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، هَذَا إنْ رَدَّ عَلَى مَنْ اسْتَعَارَ مِنْهُ، فَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَرَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ عِنْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا حُجِرَ عَلَى الْمَالِكِ الْمُعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَطَلَبَهُ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَيْهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الضَّمَانُ وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ (لَا بِاسْتِعْمَالٍ) لَهَا مَأْذُونٍ فِيهِ (ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ، «بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ، فَيَضْمَنُ

ص: 319

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَالٍ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ،

ــ

[مغني المحتاج]

عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ، فَلَوْ أَعَارَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِصِحَّتِهَا وَلَا لِفَسَادِهَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ صِحَّتُهَا وَإِلَيْهِ يُومِئُ تَعْبِيرُهَا بِأَنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ.

فَرْعٌ لَوْ أَعَارَ عَيْنًا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ وَقْفَةٌ، وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ، وَسَكَتَ عَنْ ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ، إذَا أُتْلِفَتْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَوْ اسْتَعَارَ حِمَارَةً مَعَهَا جَحْشٌ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِتَعَذُّرِ حَبْسِهِ عَنْ أُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهَا فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمَالِكُ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَهُوَ أَمَانَةٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ. فَإِنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبُلْقِينِيُّ لِابْتِنَاءِ يَدِهِ عَلَى يَدِ مَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَضْمَنُ الْكِتَابَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَوْ جَعَلَ رَأْسَ مَالٍ السَّلَمِ مَنْفَعَةً. فَإِنَّهُ إذَا أَعَارَهَا مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا فَتَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) ، أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ) أَيْ يَتْلَفُ بِالْكُلِّيَّةِ (أَوْ يَنْسَحِقُ) ، أَيْ يَنْقُصُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بِاسْتِعْمَالٍ) مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُ لِحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ ضَمِنَهُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ) دُونَ الْمُنْسَحِقِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِعَارَةِ الرَّدُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُنْمَحِقِ، فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ الْمُنْسَحِقِ

ص: 320

وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا فَلَا ضَمَانَ،

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ تَلَفُ الدَّابَّةِ بِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ مُعْتَادَيْنِ كَالِانْمِحَاقِ وَتَعِيبُهَا بِذَلِكَ كَالِانْسِحَاقِ، وَلَوْ أَعَارَهُ سَيْفًا يُقَاتِلُ بِهِ فَانْكَسَرَ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَانْسِحَاقِ الثَّوْبِ، قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَيُسْتَثْنَى الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ يَجُوزُ إعَارَتُهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَا بِذَلِكَ ضَمِنَ. اهـ.

فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَعِيرَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُعِيرَ لَزِمَ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا بِضَمَانِ الْمُعِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَنَا عَارِيَّةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ فِيهَا إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ: أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُعِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ (وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) إجَارَةً صَحِيحَةً (لَا يَضْمَنُ) التَّالِفَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَهُوَ لَا يَضْمَنُ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَقْرِضِ مِنْ الْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ضَمِنَا مَعًا، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي هُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَاسِدَةَ لَيْسَتْ حُكْمَ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا يَقْتَضِيه بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا يَتَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِعَارَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ، فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْغَاصِبِ فِي بَابِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ فَقِيهٌ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِحِرْزِ قِيمَتِهِ فَسُرِقَ مِنْ حِرْزِهِ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَإِنْ سُمِّيَ عَارِيَّةً عُرْفًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْعَارِيَّةِ رَهْنٌ وَلَا ضَامِنٌ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ بَطَلَتْ.

(وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ) لَهُ (بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ، أَوْ) تَلِفَتْ (فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضهَا) أَيْ: يُعَلِّمَهَا الْمَشْيَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ بَلْ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، هَذَا، إذَا رَكِبَهَا فِي الرِّيَاضَةِ، فَإِنْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ، وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ غُلَامَهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ أَرْكَبَ الْمَالِكُ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا فِي الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبَ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكَبُ وَإِنْ أَرْدَفَهُ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ، وَلَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ، وَقَالَ لَهُ: سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوَضْعِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا

ص: 321

وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ.

فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ، أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ مِنْهَا بِقِسْطِ مَتَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهَا بِقِسْطِهِ مِمَّا عَلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا، فَإِنْ سَيَّرَهَا مَالِكُهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَاضِعُ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا، بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ لَهُ طَرْحُهُ عَنْهَا، وَلَوْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَ شَخْصٍ بِسُؤَالِ الشَّخْصِ فَهُوَ مُعِيرٌ، أَوْ بِسُؤَالِهِ هُوَ فَهُوَ وَدِيعٌ (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ) بِالْمُعَارِ (بِحَسَبِ الْإِذْنِ) لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا فِي الرُّجُوعِ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَوْ أَخَّرَ الْإِجَارَةَ. عَنْ الْعَبَّادِيِّ: أَنَّ لَهُ الرُّكُوبَ فِي الرَّدِّ وَأَقَرَّاهُ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَى مَوْضِعٍ، فَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لِلْمُسْتَعِيرِ فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ رُكُوبَهَا فِي الْعَوْدِ بِالْعُرْفِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ ضَمِنَ أُجْرَةَ ذَهَابِ مُجَاوَزَتِهِ عَنْهُ وَرُجُوعِهِ إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ. وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا إلَى مَكَانِهَا الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُجَاوَزَةِ فَيُسَلِّمُهَا إلَى حَاكِمِ تِلْكَ الْبَلَدِ. وَثَانِيهمَا نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ عَنْ وَكَالَتِهِ بِتَعَدِّيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ جَائِزٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أُجْرَةُ الرُّجُوعِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِالْقُرْعَةِ وَزَادَ مُقَامُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَضَى إلَيْهِ قَضَى الزَّائِدَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ، وَفِي قَضَاءِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا قَضَاءَ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا مَثَلًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ، فَإِنْ لَبِسَهُ صَارَ عَارِيَّةً وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ وَدِيعَةً، وَلَوْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ طَرَحَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا وَلَوْ جَاهِلًا بِهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي، وَهُوَ تَسَلُّطُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَالَ:(فَإِنْ أَعَارَهُ) أَرْضًا (لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ) مَثَلًا (زَرَعَهَا) لِإِذْنِهِ فِيهَا (وَمِثْلَهَا) أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ، فَإِنْ قَالَ: أَزْرَعُ الْبُرَّ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجُلُبَّانِ وَالْحِمَّصِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْأَرْضِ فَوْقَ ضَرَرِ مَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهُ كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ وَالْأُرْزِ هَذَا (إنْ لَمْ يَنْهَهُ) عَنْ غَيْرِهَا فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهُ تَبَعًا لِنَهْيِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِمِائَةٍ وَلَا تَشْتَرِ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ عَيَّنَ نَوْعًا وَنَهَى عَنْ غَيْرِهِ اُتُّبِعَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (أَوْ) أَعَارَهُ أَرْضًا (لِشَعِيرٍ) يَزْرَعُهُ فِيهَا (لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَإِنْ خَالَفَهُ وَزَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ،

ص: 322

وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ وَلَا عَكْسَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ،

ــ

[مغني المحتاج]

كَأَنْ أَذِنَ فِي الْبُرِّ فَزَرَعَ الذُّرَةَ جَازَ لِلْمُعِيرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ مَا بَيْنَ زِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذُّرَةِ؟ احْتِمَالَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي، فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ.

تَنْبِيهٌ تَنْكِيرُ الْمُصَنِّفِ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وَأَعَارَهُ لِزِرَاعَتِهِ جَوَازَ الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْإِجَارَةِ. وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا مَنْعُهُ. وَلِهَذَا عَرَّفَهَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَصَرَّحَ فِي الشَّعِيرِ بِمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ لَمْ يُزْرَعْ فَوْقَهُ. وَفِي الْحِنْطَةِ بِمَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ وَمِثْلِهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ (الزِّرَاعَةَ) أَيْ: الْإِذْنَ فِيهَا كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُك لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا (صَحَّ) عَقْدُ الْإِعَارَةِ (فِي الْأَصَحِّ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ. وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ هُنَاكَ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ ضَرَرِ الْمَزْرُوعِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ قِيلَ يَصِحُّ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَخَفِّهَا ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ، إنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَصَحَّ، وَهَذَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّ أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَالْعُقُودُ تُصَانُ عَنْ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ أَوْلَى مَا أَعَارَهُ لِيَزْرَعَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مُطْلَقٌ (وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ) لِغَرْسِ (غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ) إنْ لَمْ يَنْهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْأَرْضَ، فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ لِلزَّرْعِ فَلَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ وَيُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ (وَالصَّحِيحُ) وَفِي الرَّوْضَةِ: الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ) ، أَيْ لَا يَبْنِي مُسْتَعِيرٌ لِغِرَاسٍ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِلتَّأْبِيدِ.

تَنْبِيهٌ مَوْضِع الْمَنْعِ فِي الْغِرَاسِ مَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ. أَمَّا مَا يُغْرَسُ لِلنَّقْلِ فِي عَامِهِ، وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ فَكَالزَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ عُرُوقِهِ

ص: 323