الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْمَرْهُونِ، وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَالِكِ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ بِأَرْشِهَا، وَلَوْ قَالَ: بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعَيْنِ، وَمَا هُنَاكَ فِي الدَّيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ: أَنَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ الْمُصَدَّقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى، وَالطَّلَبُ كَقَوْلِهِ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ كَذَا.
فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ امْرَأَةٌ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ سَقَطَ حَقُّهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدُ، وَادَّعَى نِكَاحَهَا لَمْ يُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحًا مُجَدَّدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ لَهَا فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ لِآخَرَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ وَكَذَّبَهُ سَقَطَ، وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ، وَفِي الْمَالِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ، فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ، فَإِذَا أَقَرَّ وَنَفَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَحَدِ عَبْدَيْنِ وَعَيَّنَهُ فَرَدَّهُ وَعَيَّنَ الْآخَرَ لَمْ يُقْبَلْ فِيمَا عَيَّنَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَصَارَ مُكَذِّبًا لِلْمُقِرِّ فِيمَا عَيَّنَهُ لَهُ.
[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ:
فَصْلٌ
فِي الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ) وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَأَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ كَعَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَهُ (وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ) الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عُرْفًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ.
وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَوْ هُنَا فَقَالَ: عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيمَا سَيَأْتِي فَقَالَ: مَعِي أَوْ عِنْدِي لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ (وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا ظَرْفَانِ، فَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَيْنٍ لَهُ بِيَدِهِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ: قِبَلِي بِكَسْرِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْعَيْنِ، وَالدَّيْنُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ، وَآخَرَ عَلَى الدَّيْنِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ.
(وَلَوْ قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ) لَهُ: (زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك) أَوْ هِيَ صِحَاحٌ (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِهْزَاءِ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ: (بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ إي بِمَعْنَى نَعَمْ (أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ؛ فَلِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ؛ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: صَدَقْت أَوْ نَحْوَهُ يُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ إقْرَارًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَالْأَدَاءِ وَالْإِيرَادِ: أَيْ: كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِيرَادِهَا مِنْ الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ عَجَبًا، وَإِنْكَارًا. اهـ.
فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: مُسْتَهْزِئًا: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ.
تَنْبِيهٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْرَأْتنِي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَهُوَ حِيلَةٌ لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْحَقِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي، فِي أَنَا مُقِرٌّ بِهِ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ: أَنَا مُقِرٌّ لَكَ بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ.
وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ: أَيْ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْتُ بِهِ
وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ.
وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
غَيْرَكَ كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الدَّرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِ؛ (أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ أَوْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ كَانَ إقْرَارًا مَعَ احْتِمَالِ الْوَعْدِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَنَا أُقِرُّ بِهِ.
(وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ) أَوْ هَلْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا (وَفِي نَعَمْ) فِي صُورَةِ الْمَتْنِ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ، فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لَهُ قَالَهُ فِي النَّفْيِ، بِخِلَافِ بَلَى، فَإِنَّهَا لِرَدِّ النَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا، فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ. وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ بَلَى إقْرَارًا دُونَ نَعَمْ.
فُرُوعٌ لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ، وَنَعَمْ إقْرَارٌ بِالْعَبْدِ مَثَلًا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدِي كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدِي، لَا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَاهُ: لَا تَدُمْ الْمُطَالَبَةُ، وَمَا أَكْثَرُ مَا تَتَقَاضَى لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ: اشْتَرَيْتُهَا أَوْ مَلَكْتُهَا مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك كَانَ إقْرَارًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ، وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا.
(وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ
وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ، أَوْ أَجِدَ) أَيْ: الْمِفْتَاحَ مَثَلًا، أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ (فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِالْتِزَامِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ فِي أَقْضِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ: أَعْطِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ اللَّفْظَ بِدُونِهِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ دُونَ أَنَا مُقِرٌّ، وَلَوْ قَالَ: كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَانَتْ لَك عِنْدِي دَارٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ مِلْكَك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ.
وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك مِنْهَا كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ، وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ: أَسْكَنْتُكَهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُ: لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَ عَلَيَّ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَهُمَا صَادِقَانِ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَا عَلَيَّ بِأَلْفٍ صَدَّقْتهمَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ مَا لَوْ قَالَ: مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ: إذَا قَالَ زَيْدٌ: إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ.
وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ: كَمْ تَمُنُّ بِهِ عَلَيَّ، أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك غَيْرَهُ كَانَ إقْرَارًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْك كَذَا: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ بِفَتْحِ اللَّامِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك، أَمَّا لَوْ قَالَ: مِنْ مَالِكَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت، فَهُوَ إقْرَارٌ لِزَيْدٍ، وَلَوْ كَتَبَ زَيْدٌ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَغَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ