الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي،
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]
ِ (وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالصَّغِيرِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ الصَّبِيَّ يَشْمَلُ الصَّبِيَّةَ، كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ يَشْمَلُ الْأَمَةَ (ثُمَّ جَدُّهُ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَتَكْفِي عَدَالَتُهُمَا الظَّاهِرَةُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا فَإِنْ فَسَقَا نَزَعَ الْقَاضِي الْمَالَ مِنْهُمَا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَهَلْ يَنْعَزِلَانِ بِالْفِسْقِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَيَنْبَغِي الِانْعِزَالُ، وَعَلَيْهِ لَوْ فَسَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ اللُّزُومِ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَلِي وَلَدَهُ الْكَافِرَ. لَكِنْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُقِرَّهُمْ وَنَلِي نَحْنُ أَمْرَهُمْ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الْأَمَانَةُ، وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَقْوَى، وَالْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْمُوَالَاةُ، وَهِيَ فِي الْكَافِرِ أَقْوَى، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (ثُمَّ وَصِيُّهُمَا) أَيْ وَصِيُّ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ (ثُمَّ الْقَاضِي) أَوْ أَمِينُهُ لِخَبَرِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ فَالْوَلِيُّ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ بِمَا يَقْتَضِيه الْحَالُ مَعَ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ أَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ وَالِاسْتِنْمَاءِ فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فِي النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ عَزْوُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاحْذَرْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَلِقَاضِي بَلَدِهِ الْعَدْلِ الْأَمِينِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ فِيهِ، وَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ ثَمَّ، أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ عَقَارًا، وَيَجِبُ عَلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافُهُ بِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَذَا مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَذْكُورِينَ عَلَى مَالِ الْأَجِنَّةِ وَصَرَّحَا بِهِ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيرَاثِ الْحَمْلِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاكِمِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ الْبَقِيَّةُ. قَالَ
وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ.
وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالْجِصِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْجُرْجَانِيِّ: وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي حَالِ مَحْجُورِهِمْ وَتَوَلِّي حِفْظَ مَالِهِ (وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي: تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِمَا لِكَمَالِ شَفَقَتِهَا، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ. نَعَمْ لَهُمْ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ اهـ.
أَمَّا السَّفِيهُ فَوَاضِحٌ.
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَفِيهِ نَظَرٌ. نَعَمْ إنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعٌ تَمْيِيزٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ.
(وَيَتَصَرَّفُ) لَهُ (الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا شَرَّ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ حِفْظُ مَالِ الصَّبِيِّ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَاسْتِنْمَاؤُهُ قَدْرَ مَا تَأْكُلُهُ الْمُؤَنُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا إنْ أَمْكَنَ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ، وَلَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ ظَالِمٍ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ، فَلَهُ بَذْلُ بَعْضِهِ لِتَخْلِيصِهِ وُجُوبًا، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِخَرْقِ السَّيِّدِ الْخَضِرِ السَّفِينَةَ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ كَسْبٌ: أَيْ يَلِيقُ بِهِ أَجْبَرَهُ الْوَلِيُّ عَلَى الِاكْتِسَابِ لِيَرْتَفِقَ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَنُدِبَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْعَقَارَ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ مِنْ رِيعِهِ الْكِفَايَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ جَوْرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَرَابًا لِلْعَقَارِ وَلَمْ يَجِدْ بِهِ نَقْلَ خَرَاجٍ، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقْتَ الْأَمْنِ، وَالتَّسْفِيرُ بِهِ مَعَ ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ نَهْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَا فِي نَحْوِ بَحْرٍ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَالِهِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرُمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هُوَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ، كَمَا يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْحَامِلِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْجَمِيعِ (وَيَبْنِي دُورَهُ) وَمَسَاكِنَهُ (بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ؛ لِأَنَّ الطِّينَ قَلِيلُ الْمُؤْنَةِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ النَّقْضِ وَالْآجُرُّ يَبْقَى (لَا اللَّبِنِ) أَيْ الطُّوبِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ (وَالْجِصِّ) أَيْ الْجِبْسِ؛ لِأَنَّ اللَّبِنَ قَلِيلُ الْبَقَاءِ وَيَتَكَسَّرُ عِنْدَ النَّقْضِ وَالْجِبْسَ
وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَثِيرُ الْمُؤَنِ، وَلَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ عِنْدَ النَّقْضِ بَلْ يَلْصَقُ بِالطُّوبِ فَيُفْسِدُهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " وَالْجِصِّ " بِالْوَاوِ هِيَ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعِبَارَةُ الْكَبِيرِ أَوْ الْجِصِّ بِأَوْ، وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي اللَّبِنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ الطِّينِ أَمْ الْجِصِّ، وَعَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْجِصِّ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ اللَّبِنِ أَمْ الْآجُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفْهَمُ الْمَنْعُ فِيمَا عَدَاهُمَا، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْبِنَاءِ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّاشِيُّ، وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ، وَفِي الْبَيَانِ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ: وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَعِزُّ فِيهَا وُجُودُ الْحِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحِجَارَةُ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْآجُرِّ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ بَقَاءً وَأَقَلُّ مُؤْنَةً، وَيُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنْ يُسَاوِيَ كُلْفَتَهُ، وَقِيلَ: هَذَا قَلَّ أَنْ يُوجَدَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ مَنْعٌ لِلْبِنَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَيَبْنِي دُورَهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ لَهُ بِنَاءَ الْعَقَارِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ: إنَّمَا يَبْنِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ أَحَظَّ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ.
(وَلَا) يَشْتَرِي لَهُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَإِنْ كَانَ مُرِيحًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا (يَبِيعُ عَقَارَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ أَسْلَمُ وَأَنْفَعُ مِمَّا عَدَاهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ بِأَنْ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الِاقْتِرَاضِ، أَوْ خَافَ خَرَابَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَعَقَارُهُ فِي آخَرَ وَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي تَوْجِيهِ مَنْ يَجْمَعُ الْغَلَّةَ فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِبَلَدِ الْيَتِيمِ، أَوْ يَبْنِي فِيهِ مِثْلَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَظْهَرُ أَيْضًا جَوَازُ بَيْعِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ (أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) كَأَنْ يَرْغَبَ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ جَارٌ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ، أَوْ يَكُونَ ثَقِيلَ الْخَرَاجِ: أَيْ الْمَغَارِمِ مَعَ قِلَّةِ رِيعِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " ظَاهِرَةٍ " مِنْ زِيَادَةِ الْمِنْهَاجِ عَلَى بَقِيَّةِ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَضَابِطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِهَا الْعُقَلَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شِرَاءِ الْعَقَارِ، وَكَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ آنِيَةُ الْقُنْيَةِ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ. قَالَ: وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ يَسِيرَةٍ وَرِبْحٍ قَلِيلٍ لَائِقٍ بِخِلَافِهِمَا. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ، بَلْ لَوْ رَأَى الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْ
وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
رَأْسِ الْمَالِ لِيَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا هُوَ مَظِنَّةً لِلرِّبْحِ جَازَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ طَلَبَ مَالَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَجَبَ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَقَارًا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ عِمَارَةَ عَقَارِ مَحْجُورِهِ حَتَّى خَرِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَثِمَ، وَهَلْ يَضْمَنُ كَمَا فِي تَرْكِ عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا كَمَا فِي تَرْكِ التَّلْقِيحِ؟ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ إيجَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِمَا وَيُفَارِقُ تَرْكَ الْعَلَفِ بِأَنَّ فِيهِ إتْلَافُ رَوْحٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ: أَيْ تَلِفَ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ لِتَوَقُّعِ زِيَادَةٍ فَتَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَوْ أَجَّرَ بَيَاضَ أَرْضِ بُسْتَانِهِ بِأُجْرَةٍ وَافِيَةٍ بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى شَجَرِهِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لِلْيَتِيمِ؛ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ شَيْئًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ، أَوْ أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ. أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَلَا يُقْرِضُهُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ إقْرَاضِهِ.
(وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ) الَّتِي يَرَاهَا فِيهِمَا، كَأَنْ يَكُونَ فِي الْأَوَّلِ رِبْحٌ وَفِي الثَّانِي زِيَادَةٌ لَائِقَةٌ، أَوْ خَافَ عَلَيْهِ مِنْ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ (وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ) عَلَى الْبَيْعِ وُجُوبًا (وَارْتَهَنَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَافِيًا بِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا ثِقَةً وَالْأَجَلُ قَصِيرًا عُرْفًا احْتِيَاطًا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ضَمِنَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ: وَقَالَ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيئًا اهـ.
وَالْأَوْجَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ، وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَفِيلُ عَنْ الِارْتِهَانِ. نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ مِنْ نَفْسِهِمَا لَهُ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ بَاعَا مَالَهُ لِأَنْفُسِهِمَا نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي حَقِّهِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا مَالَ وَلَدِهِمَا إذَا رَفَعَاهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتَا أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ بِالْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ وَلَدِهِمَا وَفِي وُجُوبِ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ بِالْعَدَالَةِ لِيُسَجِّلَ لَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الِاكْتِفَاءُ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ كَشُهُودِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي: نَعَمْ كَمَا يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْحُكْمِ لَهُمَا عَلَى الْوِلَايَةِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إقَامَتُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِعَدَالَتِهِمَا،
وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَمَالِ أَنَّهُمَا بَاعَا مَالَهُ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ فَيَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ، بَلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ مَالَ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ نَفْسِهِ لَهُ، وَلَا يَقْتَصُّ لَهُ وَلِيٌّ وَلَوْ أَبًا، وَلَا يَعْفُو عَنْ الْقِصَاصِ. نَعَمْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الصِّبَا لَهُ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ، وَلَا يُعْتِقُ رَقِيقَهُ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَلَا يُكَاتِبُهُ، وَلَا يُدَبِّرُهُ، وَلَا يُعَلِّقُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، وَلَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ لِخَبَرِ «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَلَا يَشْتَرِي لَهُ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَظْهَرُ جَوَازُ شِرَاءِ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ (وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) الَّتِي رَآهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا، فَيَجِبُ الْأَخْذُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ، وَيَحْرُمُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِهِ، فَلَوْ اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْأَخْذُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ هُنَا: وَالنَّصُّ يُفْهِمُهُ، وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَهُ: أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِوُرُودِهَا بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ، وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ فِيهِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَلِيِّ حِينَئِذٍ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يَفُوتُ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْغِبْطَةِ وَلَوْ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ مَعَ الْغِبْطَةِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الرَّدَّ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ، وَيَلْزَمُ لِوَلِيِّ الْبَيِّنَةِ إلَّا عَلَى أَبٍ أَوْ جَدٍّ قَالَ: إنِّي تَرَكْتُهَا لِغِبْطَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ (وَيُزَكِّي مَالَهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ) فِي طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ، فَإِنْ قَتَّرَ أَثِمَ وَإِنْ أَسْرَفَ أَثِمَ وَضَمِنَ وَيُخْرِجُ عَنْهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الدَّيْنُ الْحَالُّ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ دَيْنٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَى طَلَبِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَيُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ
فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الزَّمَانِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ تَوَقُّفِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الطَّلَبِ لَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا أَوْ زَمِنًا يَعْجِزُ عَنْ الْإِرْسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ، وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْوَلِيِّ وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَشُغِلَ بِسَبَبِهِ عَنْ الِاكْتِسَابِ أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وَكَالْأَكْلِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَقِيرًا تَمَّمَهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَهُ أَوْلَى، وَإِذَا أَخَذَ لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْبَدَلِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ. أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى أَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ، وَلِلْوَلِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَمُوَاكِلَتُهُ لِلِارْتِفَاقِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ حَظٌّ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] وَإِلَّا امْتَنَعَ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمُوَلِّيهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ وَإِنْ تَضَجَّرَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بِهَا بِنَفْسِهِ.
(فَإِذَا ادَّعَى) الصَّغِيرُ (بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا) لِمَالِهِ. وَلَوْ عَقَارًا (بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَبُولُ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا كَأُمَّهَاتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ) أَيْ مَنْصُوبِ الْقَاضِي (صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ) لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمَا، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ، وَقِيلَ: لَا يُصَدَّقُ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُمَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. أَمَّا فِيهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا فِيهَا، وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ حُكْمِهِ وَتَوَقَّفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعْزُولًا، ثُمَّ اُعْتُمِدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ. خَاتِمَةٌ: سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ يَتِيمٍ تَحْتَ حَجْرِ الشَّرْعِ لَهُ مَالٌ يُعَامِلُ فِيهِ نَاظِرُ الْأَيْتَامِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ثُمَّ إنَّ الْيَتِيمَ سَكَنَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْقُدْسِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا بُلُوغُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ لَا هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْبُلُوغِ الْمَذْكُورَةِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ وَلَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَجَّرَ الصَّبِيَّ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ سَفِيهَةٍ تَحْتَ الْحَجْرِ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِرُشْدِهَا ثُمَّ حَضَرَ وَلِيُّهَا، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِسَفَهِهَا أَيُّهُمَا تُقَدَّمُ؟ فَقَالَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ السَّفَهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَتَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ، بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَشْرَبُ الْخَمْرَ مَثَلًا. أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الرُّشْدِ.