المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في القرض] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٣

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْر الْمُسْلِم فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا جنى الْمَرْهُونُ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ]

- ‌بَابُ الْحَجْرِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]

- ‌بَابُ الصُّلْحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌بَابُ الضَّمَانِ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ]

- ‌كتاب الشركة

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رد الْعَارِيَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌[فَرْعٌ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا]

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا]

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا]

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِ النَّاظِرِ وَوَظِيفَتِهِ]

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَذْكُرُ نَدْبًا بَعْضَ أَوْصَافِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ]

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

الفصل: ‌[فصل في القرض]

إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ.

فَصْلٌ الْإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

قَبُولِهِ (إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ) إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ (مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ) الْمُحْضَرُ فِيهِ أَوْ الطَّرِيقُ (مَخُوفًا) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ بَذَلَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا.؛ لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَا كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا (فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ) عَلَى قَبُولِهِ لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْحُلُولِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُمَا.

[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

ِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَمَعْنَاهُ الْقَطْعُ، وَيُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُقْرَضِ وَمَصْدَرًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ (الْإِقْرَاضُ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ، وَتُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا (مَنْدُوبٌ) إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صَدَقَةٍ مَرَّةً ". فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصَّدَقَةُ إنَّمَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا حِينَ تَتَصَدَّقُ بِهَا، وَهَذَا يُكْتَبُ لَكَ أَجْرُهُ مَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ. نَعَمْ قَدْ يَجِبُ لِعَارِضٍ كَالْمُضْطَرِّ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ يُكْرَهُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَكْرُوهٍ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ

ص: 29

وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ.

وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْغِنَى، وَيُخْفِيَ الْفَاقَةَ عِنْدَ الْقَرْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ إخْفَاءُ الْغِنَى وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَكَذَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ. لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ جَرُّهُ بِاللَّامِ تَقُولُ: نَدَبْتُهُ لِكَذَا فَانْتُدِبَ لَهُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. أَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ الشَّخْصُ نَفْسُهُ.

وَأَرْكَانُهُ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ:(وَصِيغَتُهُ) أَيْ إيجَابُهُ (أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ) هَذَا (أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ) أَوْ خُذْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ وَرُدَّ بَدَلَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ " خُذْهُ بِكَذَا " أَوْ نَحْوَهُ كِنَايَةٌ فِيهِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى " مَلَّكْتُكَ " فَهُوَ هِبَةٌ فِي الظَّاهِرِ. وَالْقَوْلُ فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَوْلُ الْآخِذِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذِكْرِهِ، وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْعَقْدِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً حَيْثُ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ.

(وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) أَيْ الْإِقْرَاضِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَشَرْطُ الْقَبُولِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى كَالْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا فَقَبِلَ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُقْرِضَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمُسَمَّى أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ. نَعَمْ الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمُحْتَاجِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، لِأَنَّ الْقَرْضَ مَكْرُمَةٌ وَإِبَاحَةُ إتْلَافٍ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الِالْتِمَاسَ مِنْ الْمُقْرِضِ كَاقْتَرِضْ مِنِّي يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، وَمِنْ الْمُقْتَرِضِ كَأَقْرِضْنِي يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَا بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَالَ: " أَقْرِضْنِي كَذَا " فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ بَعَثَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْمَالَ صَحَّ الْقَرْضُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَارُ، وَمَنْ اخْتَارَ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْمُصَنِّفِ قِيَاسُهُ اخْتِيَارُ الْقَرْضِ بِهَا وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُعَاطَاةِ بَذْلُ الْعِوَضِ أَوْ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ

ص: 30

وَفِي الْمُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ

إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَفْقُودٌ هُنَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْمُقْرِضِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ (أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) فِيمَا يُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ شَائِبَةُ تَبَرُّعٍ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَيَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ مَنْعَهُ بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُقْتَرِضِ وَأَمَانَتِهِ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِتَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الْمَالُ كُلُّهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ.

تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ لِشَرْطِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ قَرْضُهُ وَاقْتِرَاضُهُ إلَّا أَنَّ قَبْضَهُ لَا يَكْفِي، وَأَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنَّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ تَبَرُّعٌ وَكَذَا وَصِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ بِمَنْفَعَةِ بَدَنِهِ الْخَفِيفَةِ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَاضُهُ، فَلَوْ قَالَ التَّبَرُّعُ النَّاجِزُ بِالْمَالِ أَوْ مَا قَدَّرْتُهُ لَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفَادَتْ الْعُمُومَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَهْلِيَّةُ جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ:(وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ) لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اقْتَرَضَ بَكْرًا، وَقِيسَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُ الْغِشِّ أَوْ لَا، وَإِنْ قَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا عُرِفَ، وَمَنَعَهُ الرُّويَانِيُّ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ مَا يَسْلَمُ فِي نَوْعِهِ، وَإِلَّا فَالْمُعَيَّنُ لَا يُسْلَمُ فِيهِ، وَالْمُقْرَضُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا قَالَ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا وَقَبِلَ الْمُقْتَرِضُ ثُمَّ تَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ أَلْفًا صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَفَعَ الْأَلْفَ عَنْ الْقَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَعَلَّلَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْأَلْفَ مَثَلًا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ.

، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ (إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ) فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا لَهُ وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يُثْبِتُ الرَّدَّ وَالِاسْتِرْدَادَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى إعَارَةِ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ جَارِيَةً يَحِلُّ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَارِيَةً أَيْضًا؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ مِنْ

ص: 31

وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْجِهَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ جَارِيَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لَهَا بَعْدَ وَطْءِ الْوَلَدِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُتَمَلِّكِ، وَبِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ مَدْلُولُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ وَالرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ فِي بَدَلِهِ فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ عَمَّا لَا تَحِلُّ لَهُ لِمَحْرَمِيَّةٍ أَوْ تَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرِضَهَا لَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إقْرَاضِ الْمُلَاعَنَةِ لَلْمُلَاعَنِ، إذْ عِلَّةُ الْمَنْعِ خَوْفُ الْوَطْءِ وَالرَّدِّ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِر الْمَنْعُ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي الْحَالِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا كَذَلِكَ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِهِ اهـ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى حِلِّ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بِخِلَافِ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا يَحِلُّ قَرْضُهَا مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْرَاضُ الْخُنْثَى لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا قِيلَ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ كَوْنُهُ جَارِيَةً لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: خَطَأٌ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْأَمَةِ لِلْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ وَاضِحًا فَيَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ الْمُلْتَقَطَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ظُهُورَ الْمَالِكِ ثَمَّ بَعِيدٌ اهـ.

وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ. أَمَّا الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ مَاءِ الْقَنَاةِ لِلْجَهْلِ بِهِ (وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ) كَالْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا (لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ أَوْ يَنْدُرُ وُجُودُهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَالْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ قَرْضِ الْخُبْزِ وَزْنًا لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ وَإِنْ صَحَّحَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الْمَنْعَ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا، وَرَجَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَقَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِ جُزْءٍ مِنْ دَارٍ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْجُزْءُ عَلَى النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ مِثْلًا فَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ كَغَيْرِهِ.

وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ الرُّوبَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ، وَهِيَ بِضَمِّ

ص: 32

وَيُرَدُّ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً، وَقِيلَ الْقِيمَةُ

وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ.

وَلَا يَجُوزُ

ــ

[مغني المحتاج]

الرَّاءِ: خَمِيرَةٌ مِنْ اللَّبَنِ الْحَامِضِ تُلْقَى عَلَى الْحَلِيبِ لِيَرُوبَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي إقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ: أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْمَنْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْعِبْرَةُ بِالْوَزْنِ كَالْخُبْزِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَرْضِ الرِّبَوِيِّ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا لَجَازَ فِي غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجْلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمُقْرَضِ فَلَوْ أَقْرَضَهُ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ إنْ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَبِينَ قَدْرَهُ وَيُرَدَّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَوْزُونِ مَكِيلًا وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَتَجَافَ الْمِكْيَالُ كَالسَّلَمِ.

(وَيُرَدُّ) فِي الْقَرْضِ (الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ وَلَوْ فِي نَقْدٍ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ (وَ) يُرَدُّ (فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً)«لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا وَقَالَ: إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَافْتَقَرَ إلَى الْعِلْمِ بِهَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: اعْتِبَارُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي كَحِرْفَةِ الرَّقِيقِ وَفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ اُعْتُبِرَ مَعَ الصُّورَةِ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ (وَقِيلَ الْقِيمَةُ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَبِالْأَكْثَرِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ، وَالْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَأَدَاءُ الْقَرْضِ فِي الصِّفَةِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا.

(وَلَوْ ظَفِرَ) الْمُقْرِضُ (بِهِ) أَيْ الْمُقْتَرَضِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ) مِنْ مَحَلِّهِ إلَى غَيْرِهِ (مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّمَلُّكِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِمِثْلِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْمَانِعُ مِنْ طَلَبِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرٍ: مُؤْنَةُ الْحَمْلِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ: مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَوْنُ قِيمَةِ بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ شَيْخِي بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُؤْنَةِ يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ حُصُولُ الضَّرَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَيَنْقَطِعُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ حَقُّ الْمُقْرِضِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَيْصُولَةِ لَا لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ اجْتَمَعَا بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرِضِ اسْتِرْدَادُهَا.

(وَلَا يَجُوزُ) الْإِقْرَاضُ

ص: 33

بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ.

وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغَا الشَّرْطُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ.

وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ،

وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

فِي النَّقْدِ وَغَيْرِهِ (بِشَرْطِ) جَرِّ نَفْعٍ لِلْمُقْرِضِ كَشَرْطِ (رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ، أَوْ) رَدٍّ (زِيَادَةٍ) أَوْ رَدِّ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ وَيَفْسُدُ بِذَلِكَ الْعَقْدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَدِيثِ «كُلُّ قَرْضٍ يَجُرُّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعَقْدِ الْإِرْفَاقُ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ حَقًّا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَمَنَعَ صِحَّتَهُ (وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا) أَيْ زَائِدًا فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ (بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ «إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُهُ وَلَا أَخْذُ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ، فَبَعْضُهُ شُرِطَ فِيهِ أَجَلٌ، وَبَعْضُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ فِي الْعَقْدِ، وَفِي كَرَاهَةِ الْإِقْرَاضِ مِمَّنْ تَعَوَّدَ رَدَّ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا الْكَرَاهَةُ.

(وَلَوْ شَرَطَ) أَنْ يَرُدَّ (مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ) أَوْ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ (أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ) أَوْ شَيْئًا آخَرَ (لَغَا الشَّرْطُ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِإِحْسَانٍ لَا جَرُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُقْرِضِ بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ، وَالْعَقْدُ عَقْدُ إرْفَاقٍ، فَكَأَنَّهُ زَادَ فِي الْإِرْفَاقِ. وَالثَّانِي: يَفْسُدُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ.

أُجِيبَ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَأَيْضًا وَضْعُ الْعَقْدِ عَلَى جَرِّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ؟ ، فَكَيْفَ يَفْسُدُ الْقَرْضُ بِاشْتِرَاطِهِ.

(وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ) لِارْتِفَاقِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْأَجَلِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَامْتَنَعَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالصَّرْفِ، لَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِالْأَجَلِ لِأَنَّهُ وَعْدٌ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْحَالِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَغَيْرُ الْأَجَلِ مِمَّا ذُكِرَ فِي مَعْنَاهُ. نَعَمْ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ نَذَرَهُ لَزِمَ إنْفَاذُ وَصِيَّتِهِ وَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا بِتَأْجِيلٍ، بَلْ تَأْخِيرُ طَلَبٍ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ.

(وَإِنْ كَانَ) لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ فِي الْأَجَلِ (كَزَمَنِ نَهْبٍ) وَالْمُسْتَقْرِضُ مَلِيءٌ كَمَا قَيْدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ (فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ جَرِّ الْمَنْفَعَةِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيَلْغُو

ص: 34

وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ.

وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ بِالتَّصَرُّفِ.

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

الشَّرْطُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ (شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ) وَإِشْهَادٍ وَإِقْرَارٍ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْثِقَةٌ لِلْعَقْدِ لَا زِيَادَةٌ فِيهِ، فَلَهُ - إذَا لَمْ يُوَفِّ الْمُقْتَرِضُ بِهِ - الْفَسْخُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى رُجُوعٌ بِلَا سَبَبٍ.

(وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ) أَيْ الْمُقْرِضُ (بِالْقَبْضِ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْمَوْهُوبِ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ لِلْعِوَضِ مَدْخَلًا فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ (وَفِي قَوْلٍ) يَمْلِكُ (بِالتَّصَرُّفِ) الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَفِيمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ.

(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ (الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا) فِي مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ (بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ لَهُ طَلَبَ بَدَلِهِ عِنْدَ فَقْدِهِ، فَالْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ. وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ فِيهِ، بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَالْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِلَّا رَجَعَ فِيهِ جَزْمًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِحَالِهِ عَمَّا لَوْ وَجَدَهُ مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ جَنَى فَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَوْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ قَطْعًا. نَعَمْ إنْ نَقَصَ فَلَهُ قَبُولُهُ مَعَ الْأَرْشِ أَوْ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ زَادَ رَجَعَ فِي زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ مَعَ صِدْقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِهِ. فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا بَلْ يَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ فَوَجْهَانِ، وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ. وَبِهِ جَزَمَ الْعِمْرَانِيُّ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) .

فَائِدَةٌ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ اسْتَقْرَضَ فِي حَاجَةٍ غَيْرِ مَكْرُوهَةٍ فَاَللَّهُ مَعَهُ» . وَكَانَ رَاوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِوَكِيلِهِ: اقْتَرِضْ لِي شَيْئًا لِأَبِيتَ وَاَللَّهُ مَعِي.

خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: خُذْ مِنْ مَالِي الَّذِي لِي فِي جِهَةِ زَيْدٍ أَلْفًا قَرْضًا فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَا فِي جِهَةِ زَيْدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ قَرْضُهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَرْضٍ جَدِيدٍ أَوْ عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ صَحَّ قَرْضًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جَعَالَةٌ، فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

أَقْرَضَهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: ادْفَعْ مِائَةً قَرْضًا عَلَيَّ إلَى وَكِيلِي فُلَانٍ فَدَفَعَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْآمِرِ وَقَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخِذِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ ضَمِنَهُ لِلْوَرَثَةِ، وَحَقُّ الدَّافِعِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ عُمُومًا لَا بِمَا دَفَعَ خُصُوصًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ لِلْغَيْرِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يَمْتَنِعُ الْقَرْضُ لِلْإِعْرَاضِ لِقِصَّةِ أَبِي ضَمْضَمٍ، وَهِيَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ «لَمَّا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّ عَلَيْهَا قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَتَصَدَّقُ بِعِرْضِي عَلَى مَنْ نَالَهُ مِنْ خَلْقِكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا فَنَادَى: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ بِعِرْضِهِ فَقَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ قَبِلَ صَدَقَتَكَ» وَفِي الْحَدِيثِ «أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ عَرْضِكَ» .

ص: 36