الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الرَّهْنِ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الرَّهْنِ]
(كِتَابُ الرَّهْنِ) هُوَ لُغَةً: الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ: أَيْ: الثَّابِتَةُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هُوَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
الِاحْتِبَاسُ، وَمِنْهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَشَرْعًا: جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ» أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرِ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ، وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ
لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ صَحَّ الْعَقْدُ.
وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ
ــ
[مغني المحتاج]
عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَفْتَكَّهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ، أَوْ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً: أَيْ وَقَصَّرَ. أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي عَزْمِهِ الْوَفَاءُ فَلَا تُحْبَسُ نَفْسُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اقْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ. وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ: شَهَادَةٌ، وَرَهْنٌ، وَضَمَانٌ. فَالْأُولَى لِخَوْفِ الْجَحْدِ، وَالْأَخِيرَتَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ. وَأَرْكَانُ الرَّهْنِ أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَرْهُونٌ، وَمَرْهُونٌ بِهِ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إلَيْهِمَا كَالْبَيْعِ، وَالْقَوْلُ فِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مَعَ الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْقَبُولِ هُنَا كَالْبَيْعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَكَ ثَوْبِي هَذَا رَهْنًا فَيُعْطِيَ الْعَشَرَةَ وَيُقَبِّضَهُ الثَّوْبَ (فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ) أَيْ الرَّهْنِ (مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ، (أَوْ) شُرِطَ فِيهِ (مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ) بِهِ (أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونَ كَذَا (صَحَّ الْعَقْدُ) فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَالْبَيْعِ وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ.
(وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ) ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الرَّاهِنُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ يَكُونَ مَضْمُونًا أَوْ لَا يَقْدَمُ بِهِ (بَطَلَ الرَّهْنُ) أَيْ عَقْدُهُ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ (وَإِنْ نَفَعَ) الشَّرْطُ (الْمُرْتَهِنَ، وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ) زَوَائِدِ
مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَرْهُونِ، أَوْ (مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِحَدِيثِ «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وَكَذَا: الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَهُوَ بَاطِلٌ» (وَكَذَا) يَبْطُلُ (الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ) لِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَالشَّرْطِ الَّذِي
وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ،
ــ
[مغني المحتاج]
يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ذَلِكَ: كَالْقَرْضِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ فِي بَيْعٍ بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ: إذَا أَطْلَقَ الْمَنْفَعَةَ، فَلَوْ قَدَّرَهَا وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ كَقَوْلِهِ: وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ لِي سَنَةً فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ.
(وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ) أَيْ الْمَرْهُونِ كَصُوفِهِ وَثَمَرَتِهِ وَوَلَدِهِ (مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَمَجْهُولَةٌ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِلزَّوَائِدِ
وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ فَسَدَ الْعَقْدُ.
ــ
[مغني المحتاج]
لِضَعْفِهِ. فَإِذَا قَوِيَ بِالشَّرْطِ سَرَى، وَاحْتُرِزَ بِالزَّوَائِدِ عَنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهَا بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَرْهُونَةً بَطَلَ قَطْعًا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ مَتَى فَسَدَ) الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ (فَسَدَ الْعَقْدُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا
وَشَرْطُ الْعَاقِدِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ
ــ
[مغني المحتاج]
الْقَوْلَانِ فِي فَسَادِ الرَّهْنِ بِفَسَادِ شَرْطِ الْمَنَافِعِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهُهُمَا، فَلَوْ قَالَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ، أَوْ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً إلَخْ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَاقِدُ فَقَالَ.
: (وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ (كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ) أَيْ بِأَنْ
فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ مُخْتَارًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
، (فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ) أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا) . أَمَّا الرَّاهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ، فَهُوَ حَبْسٌ لِمَالِهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَأَمَّا الِارْتِهَانُ فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِحَالٍّ مَقْبُوضٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ارْتِهَانَ، وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِيمَا ذُكِرَ، فَلَوْ قَالَ: وَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ مَحْجُورِهِ لَشَمِلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْوَلِيُّ وَيُطْلِقُ (إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِثَالُهُمَا لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَرْهَنَ عَلَى مَا يَقْتَرِضُ لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ لِيُوفِيَ مِمَّا يُنْتَظَرُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ، أَوْ نَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِضَرُورَةِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ أَنْ يَرْهَنَ مَا يُسَاوِي مِائَةً عَلَى ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ نَسِيئَةً لِغِبْطَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ مِنْ أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وَأَجَلٍ قَصِيرٍ فِي الْعُرْفِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ نَسِيئَةً أَوْ أَقْرَضَهُ لِنَهْبٍ ارْتَهَنَ جَوَازًا إنْ كَانَ قَاضِيًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا، فَإِنْ خَافَ تَلَفَ الْمَرْهُونِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِ الْمَرْهُونِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ الَّذِي فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَبَرَّعُ بِهِ، وَحَيْثُ جَازَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُعَامِلَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا
وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الْأَصَحِّ.
وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ
وَالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَيَتَوَلَّيَا الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا ذَلِكَ، وَرَهْنُ الْمُكَاتَبِ وَارْتِهَانُهُ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ مَالًا، وَإِلَّا فَإِنْ اتَّجَرَ بِجَاهِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: اتَّجِرْ بِجَاهِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ مَالًا فَكَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَرْبَحْ، فَإِنْ رَبِحَ بِأَنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْمُكَاتَبَ، فَيُسْتَثْنَى رَهْنُهُ وَارْتِهَانُهُ مَعَ السَّيِّدِ، وَمَا لَوْ رَهَنَ عَلَى مَا يُؤَدِّي بِهِ النَّجْمَ الْأَخِيرَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْعِتْقِ.
ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَرْهُونُ فَقَالَ:(وَشَرْطُ الرَّهْنِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (كَوْنُهُ عَيْنًا) يَصِحُّ بَيْعُهَا (فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ رَهْنُهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَنْفَعَةٍ جَزْمًا كَأَنْ يَرْهَنَ سُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَتْلَفُ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا اسْتِيثَاقٌ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً بِلَا إنْشَاءٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ فَبَدَّلَهُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي: رُهِنَ عَلَى الْأَرْجَحِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.
وَلَا رَهْنَ عَيْنٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَوَقْفٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ (وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ) كَرَهْنِ كَلِّهِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الشَّرِيكِ، وَيُقْبَضُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ أَبَى الْإِذْنَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ تَنَازَعَا نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَيُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤَجَّرُ، وَتَجْرِي الْمُهَايَأَةُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ كَجَرَيَانِهَا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ.
(وَ) يَصِحُّ رَهْنُ (الْأُمِّ) قَالَ الشَّارِحُ: مِنْ الْإِمَاءِ (دُونَ وَلَدِهَا) غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ رَهْنُهُ دُونَهَا؛ لِأَنَّ
وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا
ــ
[مغني المحتاج]
الْمِلْكَ فِيهِمَا بَاقٍ فَلَا تَفْرِيقَ، وَهُوَ فِي الْأُمِّ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَهَا ذَاتَ وَلَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَتْنَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذْ كَلَامُهُمْ فِي الْأَمَةِ، وَأَيْضًا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ إنَّمَا تَأْتِي فِيهَا (وَعِنْدَ الْحَاجَةِ) إلَى تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَرِ الْمَرْهُونِ (يُبَاعَانِ) مَعًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ) عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ (وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا) إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَرْهُونَةَ فَتُقَوَّمُ مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا ذَاتَ وَلَدٍ حَاضِنَةً لَهُ. فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهَا مِائَةٌ
ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَثَلًا حُفِظَ (ثُمَّ) تُقَوَّمُ (مَعَ الْوَلَدِ) فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَثَلًا (فَالزَّائِدُ) عَلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ خَمْسُونَ (قِيمَتُهُ) فَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ ثُلُثَا الثَّمَنِ يَقْضِي مِنْهُ
وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا.
وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ
وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الدَّيْنَ وَلِلرَّهْنِ الثُّلُثُ لَا تَعَلُّقَ لَلْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ فِي صُورَةِ رَهْنِ الْوَلَدِ دُونَهَا أَنَّ التَّقْوِيمَ يَنْعَكِسُ فَيُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَحْدَهُ مَحْضُونًا مَكْفُولًا ثُمَّ مَعَ أُمِّهِ. فَالزَّائِدُ قِيمَةُ الْأُمِّ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ مَعَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِ مَعَ الْأُمِّ.
(وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا) وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا قَوَدٌ أَوْ بِذِمَّتِهِ مَالٌ، وَفِي الْخِيَارِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ، وَإِذَا صَحَّ رَهْنُ الْجَانِي لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ بَاقٍ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ، وَرَهْنُ الْمُحَارِبِ صَحِيحٌ أَيْضًا كَبَيْعِهِ.
(وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ، وَقِيلَ يَجُوزُ كَبَيْعِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ وَكَانَ رُجُوعًا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ.
(وَ) رَهْنُ (الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) تَتَقَدَّمُ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ بِأَنْ يُتَيَقَّنَ الْحُلُولُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا لَوْ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ أَوْ عُلِمَتْ الْمُقَارَنَةُ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ بَلْ كَانَ (يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) إذَا لَمْ يُشْرَطْ بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ مُخْرِجٌ مِنْ رَهْنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا خَشِيَ تَلَفَهُ وَجَعْلُ ثَمَنِهِ رَهْنَهُ، وَالظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ لِغَرَضِهِ فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ شَرَطَ بَيْعَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، أَوْ تَيَقَّنَ حُلُولَهُ قَبْلَهَا بِأَنْ رَهَنَهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ وُجُودِهَا بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ صَحَّ الرَّهْنُ جَزْمًا، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُدَبَّرُ لَا يُعْلَمُ فِيهِ ذَلِكَ، فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ يُمْنَعُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ النُّصُوصِ اهـ.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُدَبَّرِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ: أَيْ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ عَتَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِتْقِ
وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فَعَلَ، وَإِلَّا رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُعَلَّقِ بِحَالِ التَّعْلِيقِ لَا بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ التَّعْلِيقَ كَمَا فِي رَهْنِ الْجَانِي.
(وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ) بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ الْفَسَادِ أَوْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ الْبَيْعَ (فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ) يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ عِنَبٌ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، أَوْ لَحْمٌ طَرِيٌّ يُتَقَدَّدُ (فَعَلَ) حِفْظًا لِلرَّهْنِ، وَالْمُجَفِّفُ لَهُ هُوَ الْمَالِكُ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ. أَمَّا إذَا كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَى حَالِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ وَاللَّحْمِ الَّذِي لَا يُتَقَدَّدُ وَالْبُقُولُ يُنْظَرُ (فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ) بِزَمَنٍ يَسَعُ بَيْعُهُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ (أَوْ) يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَكِنْ (شَرَطَ) فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (بَيْعَهُ) عِنْدَ إشْرَافِهِ عَلَى الْفَاسِدِ (وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا) مَكَانَهُ (صَحَّ) الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ. فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ بِشَرْطِ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا لَا يَصِحُّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ هُنَا لِلْحَاجَةِ. (وَيُبَاعُ) الْمَرْهُونُ وُجُوبًا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَحِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ، وَكَذَا يُبَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ. (وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ) قَبْلَ الْحُلُولِ (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمَقْصُودِ التَّوَثُّقِ.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَسَدَ) الرَّهْنُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الرَّهْنِ، وَهَذَا مَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضُهُ لِلْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إتْلَافَ مَالِهِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ) الْمَرْهُونُ (قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ صَحَّ) الرَّهْنُ الْمُطْلَقُ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ. وَالثَّانِي: يَفْسُدُ لِجَهْلِنَا إمْكَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحِلِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَا يُعْلَمُ تَتَقَدَّمُ أَوْ تَتَأَخَّرُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ ثَمَّ وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَوْجُودٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ عَلَامَةَ الْفَسَادِ هُنَا تَظْهَرُ دَائِمًا بِخِلَافِهَا ثَمَّ، وَبِأَنَّ الشَّخْصَ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ.
وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
فِي إتْلَافِ مَالِهِ وَلَهُ غَرَضٌ فِي عِتْقِهِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَفَرَّطَ بِأَنْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَتَرَكَ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ: ضَمِنَ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَهَنِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَيْهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهُ ثَمَّ إنَّمَا امْتَنَعَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالِاسْتِعْجَالِ فِي تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِيَكُونَ وَثِيقَةً لَهُ، وَلَوْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرِ صَحَّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ كَانَ الثَّمَرُ لَا يَتَجَفَّفُ فَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَصِحُّ فِي الشَّجَرِ مُطْلَقًا، وَوَجْهُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ فِي الثَّمَرَةِ الْبِنَاءُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَجَفَّفُ فَهِيَ كَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَجَفَّفُ جَازَ رَهْنُهَا وَلَوْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يُبْطِلُ بِاحْتِيَاجِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعُ فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي يَبْطُلُ، وَلَوْ رَهَنَهَا بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الْجِدَادِ وَأَطْلَقَ الرَّهْنَ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ الْقَطْعَ وَلَا عَدَمَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثِّمَارِ الْإِبْقَاءُ إلَى الْجِدَادَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى إصْلَاحِهَا مِنْ سَقْيٍ وَجِدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ تَرَكَ إصْلَاحَهَا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وَهُمَا مُطْلَقَا التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ قَطْعِهَا وَقْتَ الْجِدَادِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَنْعُ إنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَلَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً يُخْشَى اخْتِلَاطُهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا قَبْلَهُ صَحَّ إذْ لَا مَانِعَ، وَإِنْ أُطْلِقَ الرَّهْنُ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ انْفَسَخَ لِعَدَمِ لُزُومِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ رَهْنًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ، وَرَهْنُ مَا اشْتَدَّ حَبُّهُ مِنْ الزَّرْعِ كَبَيْعِهِ، فَإِنْ رَهَنَهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ بَقْلٌ فَكَرَهْنِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ أَوْ مُنْفَرِدَةً قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ مَرَّ.
(وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ) قَبْلَ الْحُلُولِ (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ) وَإِنْ تَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْآبِقَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ، فَكَذَا هُنَا، وَسَوَاءٌ طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، بَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَجْفِيفِهِ عَلَى بَيْعِهِ وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ) بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثَّقَ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لَا
وَهُوَ فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ
فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ
، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ
ــ
[مغني المحتاج]
يَمْلِكُهُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَتَصِحُّ إعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إعَارَتُهُمَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، (وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ (فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ) أَيْ بَاقٍ عَلَيْهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ إلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ) مِنْ الْمُعِيرِ (فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ) الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلدَّيْنِ بِذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ.
(فَيُشْتَرَطُ) عَلَى هَذَا (ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ) كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (وَقَدْرِهِ) كَعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةٍ (وَصِفَتِهِ) مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَحُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الضَّمَانِ (وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ) فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ لِضَعْفِ الْغَرَضِ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ، وَمَتَى خَالَفَ مَا عَيَّنَهُ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْمُخَالَفَةِ لَا إنْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ لَهُ كَأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِرِضَا الْمُعِيرِ بِهِ فِي ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَوْ قَالَ: ارْهَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، وَلَوْ رَهَنَهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي الزَّائِدِ فَقَطْ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ وَاحِدٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخَرِ، فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ: ضَمِنْتُ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْكَ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَفَى وَكَانَ كَالْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ.
، (فَلَوْ تَلِفَ) الْمَرْهُونُ الْمُعَارُ بَعْدَ رَهْنِهِ أَوْ بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ (فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَا عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَقَّ عَنْ ذِمَّتِهِ وَيَضْمَنُهُ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ. أَمَّا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ فَكَإِعْتَاقِ
وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ.
وَيُبَاعُ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَرْهُونِ فَيَنْفُذُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أُقِيمَ بَدَلُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
(وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى، إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ. وَأَفْهَمَ جَوَازُ الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حِينَئِذٍ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ رَهْنُ ذَلِكَ إنْ جَهِلَ الْحَالَ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْمُعَارَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى فَكِّهِ، (فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا) وَأَمْهَلَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِلْمَالِكِ ذَلِكَ، فَإِنْ طَالَبَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ (رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ) فَقَدْ يُرِيدُ فِدَاءَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ رَهَنَ عَنْ دَيْنِ نَفْسِهِ لَوَجَبَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَهُنَا أَوْلَى.
(وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُبَاعُ) الْمُعَارُ (إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ) مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ أَوْ الرَّاهِنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَالِكُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا أَمْ مُوسِرًا كَمَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ يَسَارِ الْأَصِيلِ وَإِعْسَارِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ) عَلَى الرَّاهِنِ (بِمَا بِيعَ بِهِ) الْمَرْهُونُ لِانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِهِ فِي دَيْنِهِ، سَوَاءٌ بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِأَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إنْ بِيعَ بِهَا أَوْ بِأَقَلَّ، وَكَذَا بِأَكْثَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِهَا تُضْمَنُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ: يَرْجِعُ بِمَا بِيعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مِلْكِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ قَضَى مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ الْمَالِكُ فِي عَيْنِ مَالِهِ، فَإِنْ قَضَاهُ الْمَالِكُ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ بِمَا دَفَعَهُ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ قَضَى بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ بِالْإِذْنِ كَالضَّمَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ وَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا إذَا قَضَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا فَلَا. وَحَاصِلُهُ قَصْرُ الرُّجُوعِ فِيهِمَا عَلَى مَحَلِّ الضَّمَانِ، وَهُوَ هُنَا رَقَبَةُ الْمَرْهُونِ وَثَمَّ ذِمَّةُ الضَّامِنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الرَّاهِنُ الْإِذْنَ فَشَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِلْمُعِيرِ قُبِلَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَلَوْ رَهَنَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ بِيعَ بِمَا بِيعَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَنَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ فِيهِمَا. وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ لِغَيْرِهِ: ارْهَنْ عَبْدَكَ مَثَلًا بِدَيْنِي مِنْ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ وَرَهَنَهُ. .