الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ) الرِّدَّةُ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِصَرِيحٍ؛ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ؛
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا]
(الرِّدَّةُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ حَقِيقَتُهَا شَرْعًا (كُفْرُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جِنْسٌ شَمِلَ الرِّدَّةَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الشَّخْصِ (الْمُسْلِمِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، أَيْ الَّذِي ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِبُنُوَّتِهِ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِنُطْقِهِ بِهِمَا عَالِمًا بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مُلْتَزِمًا لَهَا وَالْإِضَافَةُ فَصْلٌ مُخْرِجُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ قَرَّرَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَوَقَفَ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ وَالْتَزَمَهَا تَمَّ إسْلَامُهُ، وَإِنْ أَبَى الْتِزَامَهَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْتِزَامِهَا وَيُتْرَكُ لِدِينِهِ وَلَا يُعَدُّ مُرْتَدًّا وَإِذَا لَمْ يُوقَفْ هَذَا الْإِسْلَامِيِّ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ تُرِكَ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَصُمْ. الْحَطّ اُحْتُرِزَ بِكُفْرِ الْمُسْلِمِ مِنْ انْتِقَالِ كَافِرٍ مِنْ دِينِهِ لِدِينٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ، وَقِيلَ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَافِرِ الَّذِي يَتَزَنْدَقُ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ لِخُرُوجِهِ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ وَسَوَاءٌ كَفَرَ (بِ) قَوْلٍ (صَرِيحٍ) فِي الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ كُفْرٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ أَوْ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْإِلَهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ الْعَزِيزُ ابْنُ اللَّهِ (أَوْ) بِ (لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظُ
أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ، وَشَدِّ زُنَّارٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْكُفْرَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا كَجَحْدِ مَشْرُوعِيَّةِ شَيْءٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ الْقُرْآنِ أَوْ الرَّسُولِ، وَكَاعْتِقَادِ جِسْمِيَّةِ اللَّهِ وَتَحَيُّزِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ وَاحْتِيَاجَهُ لِمُحْدِثٍ وَنَفْيِ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْهُ جل جلاله وَعَظُمَ شَأْنُهُ.
(أَوْ) بِ (فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ الْفِعْلُ الْكُفْرَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا (كَإِلْقَاءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَقَافٍ مَمْدُودًا أَيْ رَمْيِ (مُصْحَفٍ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى النُّقُوشِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (بِ) شَيْءٍ (قَذِرٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ مُسْتَقْذَرٍ مُسْتَعَافٍ وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ، وَمِثْلُ إلْقَائِهِ تَلْطِيخُهُ بِهِ أَوْ تَرْكُهُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَكَالْمُصْحَفِ جُزْؤُهُ وَالْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ وَالنَّبَوِيُّ وَلَوْ لَمْ يَتَوَاتَرْ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. الْبُنَانِيُّ بَلَّ أُصْبُعُهُ بِرِيقِهِ وَوَضَعَهَا عَلَى وَرَقِهِ لِتَقْلِيبِهِ حَرَامٌ وَلَيْسَ رِدَّةً لِعَدَمِ قَصْدِهِ التَّحْقِيرَ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْكُفْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَمَنْ وَجَدَ وَرَقَةً مَثَلًا مَكْتُوبَةً مَرْمِيَّةً فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهَا حَرُمَ عَلَيْهِ تَرْكُهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا أَوْ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْأَنْبِيَاءِ وَتَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ.
الْعَدَوِيُّ وَضْعُهُ عَلَى الْأَرْضِ اسْتِخْفَافًا بِهِ كَإِلْقَائِهِ بِقَذِرٍ، ثُمَّ قَالَ لَا بُدَّ فِي الْإِلْقَاءِ مِنْ كَوْنِهِ لِغَيْرِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ ظُهُورُ الرِّدَّةِ إمَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالْكُفْرِ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ بِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ. قُلْت قَوْلُهُ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ كَإِنْكَارِ غَيْرِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ وُجُوبُ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَقَوْلُهُ وَفِعْلٌ يَتَضَمَّنُهُ كَلُبْسِ الزِّنَا وَالِقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي صَرِيحِ النَّجَاسَةِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَ) كَ (شَدِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ رَبْطِ (زُنَّارٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَشَدِّ النُّونِ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ حِزَامٍ فِيهِ خُطُوطٌ مُلَوَّنَةٌ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يَشُدُّ الْكَافِرُ وَسَطَهُ بِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصِّ بِهِ إنْ شَدَّهُ مُسْلِمٌ مَحَبَّةً لِذَلِكَ الدِّينِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ لَا هَزْلًا وَلَعْنًا وَإِنْ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَأَسِيرٍ عِنْدَهُمْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ مَلْبُوسِهِمْ فَلَا يَحْرُمُ
وَسِحْرٍ،
ــ
[منح الجليل]
قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. شب ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُجَرَّدَ شَدِّهِ كُفْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَشْيٌ لِلْكَنِيسَةِ أَوْ نَحْوِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّفَاءِ فِي مَحَلٍّ وَمِثْلُ الزِّنَا وَمَا يَخْتَصُّ بِزِيِّ الْكُفْرِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ.
(وَ) كَ (سِحْرٍ) الشَّارِحُ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ. الْبِسَاطِيُّ هَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ. ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ يَنْشَأُ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ فَخَرَجَتْ الْمُعْجِزَةُ، الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - " السَّاحِرُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا سَحَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ. مَالِكٌ " رضي الله عنه " هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَمَرَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " رضي الله عنها " عَنْهُمَا بِقَتْلِ جَارَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا فَقُتِلَتْ.
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا السِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَالُهُ فَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْبَاجِيَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ قَالَ إنْ عَمِلَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُرْتَدٌّ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ عُوقِبَ اهـ.
أَبُو عُمَرَ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا تَنْكُلُ وَلَا تُقْتَلُ، وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ. قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّ فِعْلَ الْمَرْأَةِ سِحْرٌ، وَأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنْهُ حَادِثٌ فِي أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ أَنَّهُ سِحْرٍ. الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ، وَمَنْ أَظْهَرَ السِّحْرَ وَالزَّنْدَقَةَ يُسْتَتَابُ. وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلَ مَالِكٍ رضي الله عنه لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كُفْرٌ فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَمُحَمَّدٍ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِ خِلَافَ مَا تَأَوَّلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ.
أَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَيُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ. الْبَاجِيَّ يُرِيدُ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ
وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، أَوْ شَكٍّ فِي ذَلِكَ
ــ
[منح الجليل]
لَا يَقْتُلُ السَّاحِرَ إلَّا الْإِمَامُ. أَصْبَغُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ قَتْلُهُ وَإِنْ أَظْهَرَهُ وَتَابَ سَقَطَ قَتْلُهُ وَإِنْ أَسَرَّهُ قُتِلَ، وَلَوْ تَابَ هَلْ يَجُوزُ عَمَلُ مَا يُبْطِلُ السِّحْرَ الْحَسَنَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا سِحْرًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَالُجِ. اللَّخْمِيُّ عَمَلُ مَا يُبْطِلُ وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ جَائِزَانِ.
الْآبِّي حَلَّ الْمَعْقُودَ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَائِزٌ وَبِالْعَجَمِيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ خِلَافُ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ تَكَرَّرَ نَفْعُهُ جَازَ. الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السِّحْرَ رِدَّةٌ، وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ إنْ أَظْهَرَهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا بِنَفْسِهِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ.
(وَ) كَ (قَوْلٍ) أَيْ جَزْمٍ وَتَصْدِيقٍ (بِقِدَمِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ، أَيْ عَدَمِ أَوَّلِيَّةِ (الْعَالَمِ) بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ مَا سِوَى اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْمَوْجُودَاتِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ وَصِفَاتِهِ، لِأَنَّ قِدَمَهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْإِلَهِ الْخَالِقِ لَهُ وَهُوَ كُفْرٌ، إذْ الْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ، وَيَسْتَلْزِمُ بَقَاءَهُ، إذْ كُلُّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَالْقَوْلُ بِبَقَائِهِ كُفْرٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] الْقَصَصَ وقَوْله تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] الرَّحْمَنَ، وَمَحَلُّ الْكُفْرِ إذَا أَرَادَ بِالْقِدَمِ الْقِدَمَ بِالذَّاتِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمُؤَثِّرِ أَوْ بِالزَّمَانِ وَهُوَ عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ وَإِنْ احْتَاجَ لِمُؤَثِّرٍ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ طُولُ الزَّمَانِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ لِمُؤَثِّرٍ وَسَبْقِ الْعَدَمِ فَلَيْسَ كُفْرًا إذْ هُوَ الْوَاقِعُ.
(أَوْ) قَوْلُ بِ (بَقَائِهِ) أَيْ عَدَمِ فَنَاءِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ آخِرِيَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الشِّفَاءِ يُقْطَعُ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ (أَوْ) كَ (شَكٍّ) أَيْ مُطْلَقِ تَرَدُّدٍ (فِي ذَلِكَ) أَيْ قِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، وَصَرَّحَ الشَّاذِلِيُّ عَلَى الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُقَيَّدُ بِمَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ. الْحَطّ قَوْلُ الشَّارِحِ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، يَعْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ فَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ، فَخُرُوجُ هَذَا مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّكِّ فِي ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ. وَأَمَّا الشَّكُّ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ، لَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ
أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ أَوْ فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ عليه الصلاة والسلام
ــ
[منح الجليل]
الْحُكْمَ بِكُفْرِهِ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، كَمَا أَنَّ اعْتِقَادَ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ كُفْرٌ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْكُفْرِ إلَّا بَعْدَ تَلَفُّظِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَوْ) كَقَوْلٍ (بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) الْحَطّ أَيْ انْتِقَالِهَا فِي الْأَشْخَاصِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَأَنَّ تَعْذِيبَهَا وَتَنْعِيمَهَا بِحَسَبِ زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا، فَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ شِرِّيرَةً أُخْرِجَتْ مِنْ قَالِبِهَا الَّتِي هِيَ فِيهِ، وَأُلْبِسَتْ قَالِبًا يُنَاسِبُ شَرَّهَا مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَخَذَتْ جَزَاءَ شَرِّهَا بَقِيَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالِبِ تَنْتَقِلُ مِنْ فَرْدٍ إلَى فَرْدٍ، وَإِنْ لَمْ تَأْخُذْهُ انْتَقَلَتْ إلَى قَالِبٍ أَشَرِّ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَزَاءَ الشَّرِّ، وَفِي الْخَيْرِ تَنْتَقِلُ إلَى أَعْلَى وَهَكَذَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَزَاءَ خَيْرِهَا، وَالْقَائِلُ بِهَذَا أَنْكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالنَّشْرَ وَالْحَشْرَ وَالصِّرَاطَ وَالْحِسَابَ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ وَالْإِجْمَاعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَتْلَهُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ.
(أَوْ) كُفْرٌ (بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ جِنْسٍ) أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ (نَذِيرٌ) أَيْ رَسُولٌ يُنْذِرُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِالرِّسَالَةِ وَلِاسْتِلْزَامِهِ تَكْلِيفَهَا وَهُوَ جَحْدٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا مُكَلَّفَ إلَّا الْإِنْسَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ. عِيَاضٌ وَيَكْفُرُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا أَوْ نَبِيًّا حَتَّى مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَالدَّوَابِّ وَالدُّودِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ وَصْفَ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِصِفَاتِ الْبَهَائِمِ الذَّمِيمَةِ، وَهَذَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ غَيْرُ الْبَيِّنِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] فَاطِرَ، فُسِّرَتْ الْأُمَّةُ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ صلى الله عليه وسلم.
(أَوْ) كُفْرٌ بِأَنْ (ادَّعَى شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ شَخْصًا مُشَارِكًا فِي النُّبُوَّةِ (مَعَ نُبُوَّتِهِ) أَيْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ (عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] الْأَحْزَابَ.
عِيَاضٌ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ وَالْحُرْمِيَّةِ وَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ.
أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ، أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ، أَوْ اسْتَحَلَّ: كَالشُّرْبِ،
ــ
[منح الجليل]
وَ) كَفَرَ (بِ) دَعْوَى جَوَازِ (مُحَارَبَةِ نَبِيٍّ) مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلَى مُحَارَبَتُهُ بِالْفِعْلِ. عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ اسْتَخَفَّ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَزْرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ حَارَبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ.
(أَوْ) كُفْرٍ بِأَنْ (جَوَّزَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْوَاوِ وَالزَّايِ مُثَقَّلًا، أَيْ قَالَ بِجَوَازِ (اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَالْجَدِّ فِي الْعِبَادَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ جَوَازَهَا بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَتَوْهِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَعَامَّةِ الْمُتَصَوِّفَةِ.
(أَوْ) كُفْرٌ بِأَنْ (ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ يَرْقَى (إلَى السَّمَاءِ) عِيَاضٌ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أَوْ أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَوْ) أَنَّهُ (يُعَانِقُ الْحُورَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ جَمْعُ حَوْرَاءَ بِالْمَدِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالشِّفَاءِ مُكَفِّرَاتٌ كَثِيرَةٌ.
(أَوْ) كُفْرٌ (اسْتَحَلَّ) مُحَرَّمًا مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ (كَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالرِّبَا وَأَنْكَرَ حِلَّ الْبَيْعِ وَأَكْلَ الثِّمَارِ وَوُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلَوْ عَلَى وَلِيٍّ مُكَلَّفٍ، أَوْ وُجُودَ مَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَوَاتِ أَوْ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ زَادَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ إعْجَازَهُ أَوْ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ. عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَخَرَجَ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ، كَوُجُودِ بَغْدَادَ وَغَزْوَةِ تَبُوكَ. طفي عِيَاضٌ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ فَشَمِلَ
لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ
وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ.
ــ
[منح الجليل]
مَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَغَيْرِهِ، وَلِذَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، إذْ لَوْ كَانَ خَاصًّا بِالضَّرُورِيِّ مَا احْتَاجَ لِلْقَيْدِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَأَطْلَقَ، لَكِنْ فَاتَهُ قَيْدُ الْعِلْمِ. وَقَوْلُ عج لَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ غَيْرَ حَسَنٍ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ كَلَامَ عِيَاضٍ، وَقَدْ شَرَحَ بِهِ " ق ". اهـ. وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ.
(لَا) يَكْفُرُ بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ (بِ) قَوْلِهِ (أَمَاتَهُ اللَّهُ) حَالَ كَوْنِهِ (كَافِرًا) قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَصَوَّبَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَصَدَ شِدَّةَ الضَّرَرِ بِالْخُلُودِ فِي سَقَرَ لَا الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فَتْوَى الْكَرْكِيِّ بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَكْفُرُ بِهِ وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى يُسْلِمُ وَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ لِلْعَدُوِّ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْكُفْرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ إذَايَةِ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ.
(وَ) إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكُفْرِ مُسْلِمٍ (فُصِّلَتْ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً، أَيْ بُيِّنَتْ (الشَّهَادَةُ فِيهِ) أَيْ كُفْرُ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَفْكُ دَمٍ وَقَطْعُ عِصْمَةٍ وَحَجْرُ مَالٍ وَمَنْعُ وَارِثٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعَدْلِ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَفَرَ أَوْ ارْتَدَّ حَتَّى يُبَيِّنَ وَجْهَهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ، وَقَدْ يَرَى الشَّاهِدُ تَكْفِيرَهُ بِمَا لَيْسَ كُفْرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ التَّفْصِيلِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ابْنُ شَاسٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ دُونَ تَفْصِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا سَرَقَ مَا
وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ
ــ
[منح الجليل]
يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ هِيَ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ ذَهَبَ بِهَا.
(وَاسْتُتِيبَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَالْمُرْتَدُّ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ، أَيْ طُلِبَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مُتَوَالِيَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ وَلَوْ فِي يَوْمٍ، وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه مَرَّةً، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ بِلَا تَأْخِيرٍ (بِلَا) مُعَاقَبَةٍ بِ (جُوعٍ وَ) لَا بِ (عَطَشٍ وَ) بِلَا (مُعَاقَبَةٍ) بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ. ابْنُ شَاسٍ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَاجِبٌ وَالنَّصُّ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه مَا عَلِمْت فِي اسْتِتَابَتِهِ تَجْوِيعًا وَلَا تَعْطِيشًا وَلَا عُقُوبَةً لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ يُسْتَتَابُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ.
وَرَوَى أَشْهَبُ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ إنْ تَابَ وَلَيْسَ فِي اسْتِتَابَتِهِ تَخْوِيفٌ وَلَا تَعْطِيشٌ فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه. وَقَالَ أَصْبَغُ يُخَوَّفُ بِالْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَيُذَكَّرُ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي الْمُرْتَدِّ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. فِي الْمُوَطَّإِ قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ خَيْرٍ، فَقَالَ نَعَمْ كَفَرَ رَجُلٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ، قَالَ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ، قَالَ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذَا بَلَغَنِي.
الْبَاجِيَّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رُجُوعُ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه.
وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا: قُتِلَ.
وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ.
وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَفَيْءٌ
وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا:
ــ
[منح الجليل]
فَإِنْ تَابَ) الْمُرْتَدُّ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى تَمَّتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ بِغُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُرْتَدُّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ رِقًّا، فَلَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ بِجِزْيَةٍ. وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ مَدِينَةٍ اُسْتُتِيبُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَيُقْتَلُونَ وَلَا يُسَبُّونَ وَلَا يُسْتَرَقُّونَ وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَظَفَرْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ. فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَتُحْسَبُ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الرِّدَّةِ لَا مِنْ يَوْمِ وُقُوعِهَا وَلَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَ الثُّبُوتِ.
(وَ) إنْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَاسْتُتِيبَتْ فَلَمْ تَتُبْ (اُسْتُبْرِئَتْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (بِحَيْضَةٍ) قَبْلَ قَتْلِهَا خَشْيَةَ حَمْلِهَا وَلَوْ حُرَّةً لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا تَعَبُّدٌ، وَالْمُرْتَدَّةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، وَهَذِهِ إحْدَى ثَلَاثٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ كَوْنِ اسْتِبْرَاءِ الْحُرَّةِ كَعِدَّتِهَا.
الثَّانِيَةُ اللِّعَانُ. وَالثَّالِثَةُ حَدُّ الزِّنَا، وَتُؤَخَّرُ الْمُرْضِعَةُ إلَى وُجُودِ مُرْضِعَةٍ يَقْبَلُهَا الْوَلَدُ، وَالْحَامِلُ إلَى وَضْعِهَا أَوْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَوُجُودِ مُرْضِعٍ كَذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَلَوْ مَرَّةً فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِمَرَضٍ أَوْ يَأْسٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، فَإِنْ تُوُقِّعَ حَمْلُهَا اُسْتُبْرِئَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ فِيهَا، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا تُسْتَبْرَأُ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ حَمْلًا وَيُصَدِّقَهَا فِيهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَلَوْ مُخْتَلِفِينَ أَوْ شَاكِّينَ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ، وَالْبَائِنُ إنْ كَانَتْ حَاضَتْ فَلَا تُؤَخَّرُ وَإِلَّا فَتُؤَخَّرُ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا.
(وَمَالُ الْعَبْدِ) الْقِنِّ أَوْ ذِي الشَّائِبَةِ الْمَقْتُولِ بِرِدَّتِهِ (لِسَيِّدِهِ) بِالْمِلْكِ لَا بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُوَرِّثُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ بِرِدَّتِهِ رَقِيقًا بِأَنْ كَانَ حُرًّا (فَ) مَالُهُ (فَيْءٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فَهَمْزٌ، أَيْ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَا الَّذِينَ ارْتَدَّ لِدِينِهِمْ لِعَدَمِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ.
(وَ) إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ (بَقِيَ وَلَدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا) أَيْ مَحْكُومًا
كَأَنْ تُرِكَ وَأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى
ــ
[منح الجليل]
بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ لِعَدَمِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إنْ تَدَيَّنَ بِغَيْرِهِ. وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَافُ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ (تُرِكَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَلَدُ الْمُرْتَدِّ وَغُفِلَ عَنْ جَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى بَلَغَ وَأَظْهَرَ خِلَافَهُ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَأَوْلَى إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافُهُ وَسَوَاءٌ وُلِدَ قَبْلَ ارْتِدَادِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ وُلِدَ حَالَ رِدَّةِ أَبِيهِ إنْ أَدْرَكَ قَبْلَ بُلُوغِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ حَتَّى بَلَغَ تُرِكَ عَلَى كُفْرِهِ لِوِلَادَتِهِ عَلَيْهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَابْنَ الْقَاسِمِ صَغِيرُ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ إنْ كَانَ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْمَوْتُ. وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ جُبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَرُدُّوا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا حَتَّى بَلَغُوا تُرِكُوا وَأُقِرُّوا عَلَى دِينِهِمْ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ ارْتِدَادُ أَبِيهِمْ ارْتِدَادًا لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ حَتَّى شَاخَ وَتَزَوَّجَ فَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْتَلُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ وَلَدُهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ أَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا مَا لَمْ يَشِيخُوا عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَزَوَّجُوا عَلَيْهِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قُلْت هَذَا فِيمَنْ أَبُوهُ مُرْتَدٌّ، وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ صَغِيرًا مُمَيَّزًا وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ فَفِي الْجَنَائِزِ مِنْهَا مَنْ ارْتَدَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي ابْنِ الْمُسْلِمِ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَدْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْعَذَابِ، فَإِنْ احْتَلَمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ قُتِلَ بِخِلَافِ مَنْ يُسْلِمُ ثُمَّ يَرْتَدُّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ، وَجَعَلَهُمْ أَشْهَبُ سَوَاءً، وَقَالَ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ عَقَلَ وَقَارَبَ الْحُلُمَ ثُمَّ احْتَلَمَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ.
(وَأُخِذَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنْهُ) أَيْ مَالِ الْمُرْتَدِّ أَرْشُ (مَا جَنَى) قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا
عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ: أَوْ ذِمِّيٍّ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ، كَأَنْ
ــ
[منح الجليل]
عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ) لِغَيْرِهِ (أَوْ) عَلَى (ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِأَحَدِهِمَا لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ بِالْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ فَتَعَيَّنَ الْمَالُ لِتَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرِدَّتِهِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ (لَا) يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ شَيْءٌ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى (حُرٍّ مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ يَأْتِي عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَسَقَطَ قَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ فِي ارْتِدَادِهِ نَصْرَانِيًّا أَوْ بِجُرْحِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ فِي جُرْحٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَحَالُهُ فِي ارْتِدَادِهِ فِي الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ إنْ أَسْلَمَ كَحَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ جَرَحَ مُسْلِمًا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا فَلَا يُقْتَلُ بِهِ. وَإِنْ جَرَحَهُ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ. عِيسَى وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَقَتْلُهُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ فَمَرَّةٌ نَظَرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَمَرَّةٌ نَظَرَ إلَى حَالِهِ فِيهِمَا يَوْمَ جِنَايَتِهِ، وَمَرَّةٌ فَرَّقَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ فَنَظَرَ فِي الْقَوَدِ إلَى يَوْمِ الْفِعْلِ، وَفِي الدِّيَةِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْحُكْمِ فِيهِمَا قَالَ إنْ قَتَلَ مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ جَرَحَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا أَوْ جَرَحَهُ فَلَا يُقَادُ فِي قَتْلٍ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي جُرْحٍ وَدِيَةُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَوْمَ الْحُكْمِ لَهُ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى قَوْلِهِ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِ يَوْمَ الْفِعْلِ فِيهِمَا يُقَادُ مِنْهُ إنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ كَافِرٌ يَوْمَ الْفِعْلِ، وَإِنْ جَرَحَهُ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ جَرَحَ عَبْدًا مُسْلِمًا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّصْرَانِيِّ يَجْرَحُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمُ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَجْرِي حُكْمُ جِنَايَاتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ.
وَشَبَّهَ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْ مَالِهِ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَعَدَمِهِ إنْ جَنَى عَمْدًا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ
هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَالْخَطَأِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ:
ــ
[منح الجليل]
التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ جَنَى الْمُرْتَدُّ عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حُرٍّ مُسْلِمٍ ثُمَّ (هَرَبَ) الْمُرْتَدُّ (لِبِلَادِ الْحَرْبِ) وَاسْتَمَرَّ بِهَا وَبَقِيَ مَالُهُ فِي بَيْتِ مَالِنَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ، فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِ أَخْذُ دِيَتِهِ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ إنْ شَاءُوا أَوْ عَفَوْا عَنْ الْقِصَاصِ، وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا حَتَّى يَقْتُلُوهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَتَلَ أَيْ الْمُرْتَدُّ حُرًّا مُسْلِمًا وَهَرَبَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِلْأَوْلِيَاءِ فِي مَالِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُمْ إنْ عَفَوْا الدِّيَةُ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافُهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ هَلْ هُوَ الْقَوَدُ فَقَطْ أَوْ التَّخْيِيرُ، لَكِنْ قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى أَشْهَبَ بِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَالْقَاتِلُ هُنَا لَوْ حَضَرَ لَكَانَ مَحْبُوسًا بِحُكْمِ ارْتِدَادِهِ فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ مَعَهُ كَلَامٌ. اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ. أَمَّا عِنْدَ أَسْرِهِ فَلَا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ زَادَ طفي وَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ لِإِفْرَادِهَا بِالذِّكْرِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ السُّقُوطِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقَالَ (إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَتَحْتِيَّةٍ، أَيْ الْقَذْفِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَدِّ بِقَتْلِهِ لِرِدَّتِهِ فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَلُ لِلرِّدَّةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَلَا يُقَامُ غَيْرُ الْفِرْيَةِ وَيُقْتَلُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثُ وَنَحْوُهُ فِي الْقَذْفِ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ إلَّا الْقَذْفَ فَيُحَدُّ لَهُ ثُمَّ يُقْتَلُ، وَجَرَى لَنَا فِي التَّدْرِيسِ مُنَاقَضَةُ قَوْلِهَا فِي الْكِتَابَيْنِ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذَا قَذَفَ حَرْبِيٌّ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ أَوْ أُسِرَ فَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ.
قُلْت فَإِسْقَاطُهُ حَدِّ الْقَذْفِ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ حَدِّ الْقَذْفِ فِي الْقَتْلِ وَالْمَنْصُوصُ لَهُ خِلَافُهُ.
(وَ) الْجُرْحُ أَوْ الْقَتْلُ (الْخَطَأِ) مِنْ الْمُرْتَدِّ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا قُتِلَ لِرِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ أَرْشُهُ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْخُذُ مَالَهُ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ خَطَأٍ عَلَى عَبْدٍ فِي
كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ،
، وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا
ــ
[منح الجليل]
مَالِهِ لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَيَخْرُجُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَالَهُ طفي. وَشَبَّهَ فِي التَّعَلُّقِ بِبَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ (كَأَخْذِهِ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْشِ (جِنَايَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ فِي نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ. الشَّيْخُ عَنْ أَصْبَغَ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَمْدًا قِصَاصُ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَبْطُلُ دَمُهُ وَالْعَمْدُ فِيهِ كَالْخَطَأِ وَدِيَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَعَقْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
(وَ) يَحْجُرُ الْإِمَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَيُطْعِمُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ زَمَنَ اسْتِتَابَتِهِ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ زَمَنَهَا لِعُسْرِهِ بِهَا، فَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَفَيْءٌ وَ (إنْ تَابَ) الْمُرْتَدُّ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ (فَمَالُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ الْمَوْقُوفِ (لَهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُخْلَى بَيْنَهُمَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ ابْنِ الْقَاسِمِ يُوقِفُ الْإِمَامُ مَالَهُ، أَيْ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ قَتْلِهِ، وَالْمَعْرُوفُ إنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ. وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ. ابْنُ شَاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ قُلْت وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَفِي رُجُوعِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ إلَيْهِ بِاسْتِلَامِهِ وَلُزُومِ عِتْقِهِنَّ عَلَيْهِ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ أَوْ لِأَرْبَابِ دُيُونِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِيقَافِ عَلَى أَنَّهُ فَيْءٌ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إنْ تَابَ احْتِمَالُ ظُهُورِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَيُوَفَّى مِنْهُ وَتَوَهُّمُهُ أَنَّهُ وَقْفٌ لَهُ فَيَعُودُ لِلْإِسْلَامِ.
(وَ) إنْ جَنَى الْمُرْتَدُّ عَلَى غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ (قُدِّرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا) أَيْ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ تَابَ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ. وَقِيلَ قُدِّرَ جَانِيًا مِمَّنْ ارْتَدَّ إلَيْهِمْ. فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ النَّظَرِ فِي الْجِنَايَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ يَوْمَ وُقُوعِهَا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُ اعْتِبَارُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ، زَادَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا بِاعْتِبَارِ الْعَقْلِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالْقَوَدِ يَوْمَ الْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً. فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى ذِمِّيٍّ
وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا،
ــ
[منح الجليل]
عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ وَخَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَقِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَفِيمَا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا، وَأَمَّا لَوْ جَنَى غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا وَفِيهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ رُجُوعِ ضَمِيرٍ فِيهِمَا لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ هُوَ الصَّوَابُ بِخِلَافِهِمَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ أَفَادَهُ عب.
طفي الصَّوَابُ قَصْرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْجِنَايَةِ مِنْهُ، فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ تَابَ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا يَصِحُّ تَعْمِيمُهُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ إذْ لَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الضَّمَانِ وَقْتُ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَتْ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ عَادَ لِلْإِسْلَامِ فَدِيَةُ يَدِهِ دِيَةُ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ كِتَابِيٍّ. ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا جُرِحَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَقْلُ جِرَاحَاتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ قُتِلَ، وَلَهُ إنْ تَابَ، وَعَمْدُ جَارِحِهِ كَخَطَئِهِ لَا يُقَادُ مِنْهُ وَلَوْ جَرَحَهُ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَا قَوَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ دِيَةِ يَدِهِ دِيَةَ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُهُ، وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا، وَقَدْ اعْتَمَدَ عج جَعْلَ ضَمِيرِ فِيهِمَا لِلْجِنَايَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَعَارَضَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ دِيَةَ الْمُرْتَدِّ ثُلُثُ خُمُسٍ. وَأَجَابَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَمَا هُنَا فِيمَنْ تَابَ وَأَطَالَ فِيهِ وَكُلُّهُ خَبْطٌ قَدْ عَلِمْتَ عَدَمُ صِحَّتِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ " ق " عَلَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ اهـ وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَقُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الشَّخْصُ الْمُظْهِرُ لِلْإِسْلَامِ (الْمُسْتَسِرُّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَيْ الْمُخْفِي الْكُفْرَ حَدًّا (بِلَا اسْتِتَابَةٍ) أَيْ بِلَا طَلَبِ تَوْبَتِهِ وَلَا تُقْبَلُ إنْ تَابَ، إذْ لَا تُعْلَمُ تَوْبَتُهُ بَاطِنًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا) قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ.
وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ
وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ:
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَرَفَةَ الزِّنْدِيقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ إنْ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ بِإِقْرَارِهِ، وَقَالَ أَتُوبُ، فَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ طَرِيقَانِ، الْأُولَى قَبُولُهَا اتِّفَاقًا. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ أَتَى تَائِبًا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ أُخِذَ عَلَى دِينٍ أَخْفَاهُ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ، قُلْت هَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِسَحْنُونٍ فِي شَاهِدِ الزُّورِ أَنَّهُ إنْ أَتَى تَائِبًا لَا يُعَاقَبُ. الثَّانِيَةُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، عَزَاهُ ابْنُ شَاسٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَالَ وَهُوَ شَاذٌّ بَعِيدٌ. قُلْت وَهُوَ دَلِيلُ مَا حَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ ظَهَرَ كُفْرُهُ مِنْ زَنْدَقَتِهِ أَوْ كُفْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْجَلَّابِ لَا يُسْتَتَابُ الزِّنْدِيقُ. ابْنُ زَرْقُونٍ وَفِي الْمَبْسُوطَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يُقْتَلُ مَنْ أَسَرَّ دِينًا حَتَّى يُسْتَتَابَ وَالْإِسْرَارُ فِي ذَلِكَ وَالْإِظْهَارُ سَوَاءٌ. قُلْت وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ.
(وَ) إذَا قُتِلَ الزِّنْدِيقُ فَ (مَالُهُ لِوَارِثِهِ) الْمُسْلِمِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَكَذَا إنْ مَاتَ بِلَا قَتْلٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ إذَا جَاءَ تَائِبًا عَلَى الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ. ابْنُ شَاسٍ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا أَبْدَاهُ عَنْ عَادَتِهِ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ وَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَبَدَ شَمْسًا أَوْ قَمَرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مُسْتَسِرًّا بِهِ مُظْهِرَ الْإِسْلَامِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَالَ الزِّنْدِيقِ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إذَا تَابَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ فَلَا قَالَهُ ابْنُ بُكَيْر فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ.
(وَقُبِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (عُذْرُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، أَيْ اعْتَذَرَ (مَنْ) أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي (أَسْلَمَ) ثُمَّ ارْتَدَّ (وَقَالَ) فِي اعْتِذَارِهِ (أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) كَخَوْفِ قَتْلٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ ظُلْمًا (إنْ ظَهَرَ) مَا اعْتَذَرَ بِهِ بِقَرِينَةٍ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَوْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَلَا يُقْبَلْ وَيُسْتَتَبْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ
كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ،
ــ
[منح الجليل]
وَلَمْ يَتُبْ فَيُقْتَلْ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِه عَلَى الرِّدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَسْلَمَ كُرْهًا بِأَنْ أُكْرِه عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ جِزْيَةٌ أَوْ ضِيقٌ أَوْ ظُلْمٌ أَوْ جَوْرٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ لَا يُقْتَلُ، وَيُؤْمَرُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحْبَسُ وَيُضْرَبُ.
ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا غَلَطٌ إذْ أَكْثَرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ كَانَ إسْلَامُهُمْ كُرْهًا، وَكَفَى بِالْأَسِيرِ الَّذِي يُقَرَّبُ لِضَرْبِ عُنُقَهُ فَيُسْلِمُ أَيُقَالُ مِنْ إسْلَامِهِ هَذَا، وَكَذَا قَالَ الْأَخَوَانِ. الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ إنَّمَا أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ عَلَيَّ، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ ضِيقٍ نَالَهُ أَوْ خَوْفٍ أَوْ شَبَهِهِ فَعَسَى أَنْ يُعْذَرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. أَشْهَبُ لَا عُذْرَ لَهُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضِيقٍ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ خَوْفِهِ، فَهَذَا يُقْتَلُ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ.
وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ الْعُذْرِ إنْ ظَهَرَ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (تَوَضَّأَ) الْكَافِرُ وُضُوءًا شَرْعِيًّا (وَصَلَّى) صَلَاةً شَرْعِيَّةً مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَالَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِضِيقٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ إنْ ظَهَرَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ (وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ) صَلَاتَهُ وُجُوبًا أَبَدًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، سَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَنْ صَحِبَ قَوْمًا يُصَلِّي بِهِمْ إمَامًا أَيَّامًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ أَعَادُوا مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ أَبَدًا وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَتَسَتَّرَ بِذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَيُعِيدُونَ صَلَاتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُعِيدُ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَأَعَادُوا. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ رضي الله عنه لَا يُقْتَلُ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ لِأَنَّهُ رَأَى صَلَاتَهُ مُجُونًا وَعَبَثًا فَعَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَدَبُ الْمُؤْلِمُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِعَادَةِ أَبَدًا، وَقَالَا ذَلِكَ مِنْهُ إسْلَامٌ، وَسَوَاءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ أَمْ لَا مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ
وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ، وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ: كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ؛ إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا
ــ
[منح الجليل]
الْأَقْضِيَةِ وَتَفْرِقَةِ سَحْنُونٍ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ أَمْ لَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَتَفْرِقَتِهِ فِي الْإِعَادَةِ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ إذَا عُدَّتْ صَلَاتُهُ إسْلَامًا يُسْتَتَابُ عَلَيْهِ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَجِبْ. الْمُتَيْطِيُّ إنْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يُصَلِّ إلَّا أَنَّهُ حَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إسْلَامِهِ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلَّا قُتِلَ. ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا صَلَّى ثُمَّ تَرَكَ أُدِبَّ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُتِلَ.
(وَأُدِّبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (مَنْ) أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي (تَشَهَّدَ) بِفَتَحَاتٍ مُثْقَلًا، أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَمْ يُوقَفْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ، أَيْ يَطَّلِعْ (عَلَى) بَقِيَّةِ (الدَّعَائِمِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِهْمَالِ الْعَيْنِ وَالْهَمْزِ جَمْعُ دِعَامَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَلَمَّا أُوقِفَ عَلَيْهَا ارْتَدَّ، وَهَذَا فِي الطَّارِئِ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ بِهَا. وَأَمَّا الْمَوْلُودُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالطَّارِئِ عَلَيْهَا الَّذِي طَالَتْ إقَامَتُهُ بِهَا حَتَّى عَلِمَهَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ فَهَذَا مُرْتَدٌّ لِأَنَّ نُطْقَهُ بِهِمَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَرْكَانِ رِضَا بِهَا وَالْتِزَامٍ لَهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ مَرْزُوقٍ النَّاصِرِ إنَّمَا كَانَ الْتِزَامُ الدَّعَائِمِ رُكْنًا لِأَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ وَأَعْمَالِهِ الْمَبْنِيِّ هُوَ عَلَيْهَا فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يُصَدِّقْ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَا مُسْلِمًا وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كِفَايَةُ الْإِيمَانِ بِهَا إجْمَالًا بِأَنْ يُصَدِّقَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ إجْمَالًا، وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْدِيقِ بِهَا تَفْصِيلًا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ.
الْعَدَوِيُّ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ إذَا مَاتَ عَقِبَ تَشَهُّدِهِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوَرَّثُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَلَا يُقْتَلُ.
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (سَاحِرٍ) بِالتَّنْوِينِ (ذِمِّيٍّ) نَعْتُ سَاحِرٍ فَيُؤَدَّبُ (إنْ لَمْ يُدْخِلْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ بِسَحَرِهِ (ضَرَرًا
عَلَى مُسْلِمِ
وَأَسْقَطَتْ: صَلَاةً، وَصِيَامًا وَزَكَاةً، وَحَجًّا تَقَدَّمَ،
ــ
[منح الجليل]
عَلَى مُسْلِمٍ) وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ بِسَحَرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ، وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. الْخَرَشِيُّ يُؤَدَّبُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إذَا سَحَرَ مُسْلِمًا وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِسِحْرِهِ، فَإِنْ أَدْخَلَ ضَرَرًا بِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِ عَهْدِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ كَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ كَانَ.
الْبَاجِيَّ فَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَبِعِبَارَةٍ يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ حُكْمُ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ فَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ وَإِنْ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَاجِيَّ. ابْنُ عَرَفَةَ إنْ كَانَ السَّاحِرُ ذِمِّيًّا فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ فَيَكُونَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرَ إسْلَامِهِ، وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ ذِمَّتِهِ أُدِّبَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ فَيُقْتَلَ بِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. الْبَاجِيَّ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ عَمَلَ السِّحْرِ وَجَعَلَ وَمَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا.
(وَأَسْقَطَتْ) الرِّدَّةُ عَنْ الْمُكَلَّفِ (صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً) وَحَجًّا فَعَلَهَا قَبْلَ ارْتِدَادِهِ أَوْ فِي مُدَّتِهِ بِمَعْنَى أَبْطَلَتْ ثَوَابَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا بِمَعْنَى أَسْقَطَتْ تَعَلُّقَهَا بِذِمَّتِهِ وَوُجُوبَ قَضَائِهَا إلَّا الْحَجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ كُلُّهُ وَإِلَّا الصَّلَاةُ الَّتِي رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا وَلَوْ خَرَجَ وَقْتُهَا. الْحَطّ أَيْ أُبْطِلَتْ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْمُرْتَدِّ مِنْ حِينِ ارْتِدَادِهِ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ فَمَعْنَى الْإِسْقَاطِ الْإِبْطَالُ وَإِحْبَاطُ الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْهُ فَمَعْنَاهُ إبْطَالُ تَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ وَوُجُوبُ قَضَائِهِ، وَسَوَاءٌ وَجَبَ ذَلِكَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ أَوْ أَدْرَكَهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلَوْ صَلَّى صَلَاةً ثُمَّ ارْتَدَّ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقْتِهَا بَاقٍ بِحَيْثُ يَسَعُ رَكْعَةً مِنْهَا لَزِمَتْهُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ
وَنَذْرًا، وَكَفَّارَةً، وَيَمِينًا بِاَللَّهِ، أَوْ بِعِتْقٍ، أَوْ ظِهَارٍ،
ــ
[منح الجليل]
وَأَسْقَطَتْ حَجًّا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا بِمَعْنَى إبْطَالِ ثَوَابِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي حُجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ لِآخَرِ الْعُمْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَجِّ وَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ بَطَلَ إحْرَامُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ (نَذْرًا) نَذَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ (وَ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ (يَمِينًا) حَلَفَهَا قَبْلَ ارْتِدَادِهِ (بِ) اسْمِ (اللَّهِ) تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ غَيْرِ الْفِعْلِيَّةِ. فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا فَلَا يُكَفِّرُهَا (أَوْ) يَمِينًا (بِ) تَعْلِيقِ (عِتْقٍ) عَلَى فِعْلِ شَيْءِ أَوْ تَرْكِهِ، فَإِنْ حَنِثَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ. الْحَطّ وَظَاهِرُهُ وَالْمُدَوَّنَةِ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا أَمْ لَا، وَخَصَّهُ ابْنُ الْكَاتِبِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَالَ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ. ابْنُ يُونُسَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ تَدْبِيرَهُ كَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ أَيْمَانِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ إذَا أَسْلَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينُهُ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ. أَبُو الْحَسَنِ كَانَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ، وَنَصُّهُ اخْتَلَفُوا فِي يَمِينِهِ بِالْعِتْقِ الَّتِي أَسْقَطَهَا ارْتِدَادُهُ هَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُ كَالْمُدَبَّرِ وَقِيلَ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ اهـ.
(أَوْ) بِتَعْلِيقِ (ظِهَارٍ) الْحَطّ وَكَذَا الظِّهَارُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْيَمِينِ. أَبُو الْحَسَنِ يَتَحَصَّلُ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ وَالْيَمِينِ بِالظِّهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٌ، أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْيَمِينِ بِالظِّهَارِ فَأَحْرَى الظِّهَارُ الْمُجَرَّدُ. وَالثَّانِي: يَسْقُطَانِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ. وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْيَمِينِ، أَهْوَ الَّذِي اخْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُدَوَّنَةُ، فَإِذَا حَنِثَ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ بِالْوَطْءِ وَتَخَلَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ، أَيْ فَيَسْقُطُ.
وَإِحْصَانًا، وَوَصِيَّةً
ــ
[منح الجليل]
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي الظِّهَارِ هَلْ النَّظَرُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيجِ فَيُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَوْ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالطَّلَاقِ اهـ. اللَّخْمِيُّ لَيْسَ الظِّهَارُ كَالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الطَّلَاقِ مُوَجَّهٌ إلَى الزَّوْجَيْنِ، وَفِي الظِّهَارِ يَتَوَجَّهُ إلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً. اهـ. وَظَاهِرُ الْأُمِّ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُجَرَّدَ يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ، وَنَصَّهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُرْتَدُّ إذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ أَوْ عَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَدْ حَلَفَ بِهَا أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ عَنْهُ ذَلِكَ. اهـ. وَأَمَّا أَيْمَانُهُ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ يَنُصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، لَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا السُّقُوطُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَإِذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ يَمِينٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ فَالرِّدَّةُ تُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَطْرَحُ رِدَّتُهُ إحْصَانَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا أَيْمَانَهُ بِالطَّلَاقِ اهـ.
(وَ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ (إحْصَانًا) تَقَدَّمَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ إسْلَامِهِمَا، فَمَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا زَالَ إحْصَانُهُ، وَلَا يَزُولُ إحْصَانُ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَرْتَدَّ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ إحْصَانَ الْمُرْتَدِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَيَأْتَنِفَانِ الْإِحْصَانَ إذَا ارْتَدَّا، وَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ وَقُبِلَ إحْصَانُهُ فَلَا يُرْجَمُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ارْتَدَّ قَاصِدًا إزَالَةَ إحْصَانِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَزَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ. سَحْنُونٌ لَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُسْقِطَهُ إلَّا أَسْقَطَهُ بِرِدَّتِهِ. ابْنُ يُونُسَ ظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا ارْتَدَّ لِيُسْقِطَ الْحَدَّ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ.
(وَ) أَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ (وَصِيَّةً) تَقَدَّمَتْ فِي " ق " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ بُطْلَانَهَا إنَّمَا هُوَ إذَا تَمَادَى عَلَى رِدَّتِهِ فَانْظُرْهُ. الْحَطّ صَدَرَتْ مِنْهُ حَالَ رِدَّتِهِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَتَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَا أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْطَاهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَقْفَهُ لَا يَبْطُلُ كَعِتْقِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي ثَالِثِ نِكَاحِهَا إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وُضِعَ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ تَرَكَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَدٍّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ بِعِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِظِهَارٍ وَيُؤْخَذُ بِمَا كَانَ لِلنَّاسِ مِنْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا
لَا طَلَاقًا، وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ، بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ
ــ
[منح الجليل]
لَوْ فَعَلَهُ فِي كُفْرِهِ أُخِذَ بِهِ عِيَاضٌ كَذَا رِوَايَتُنَا أَوْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِمُجَرَّدِ الظِّهَارِ أَوْ يَمِينٍ بِهِ وَعَلَيْهِ اخْتِصَارُهَا. الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَتُسْقِطُ يَمِينًا بِالْعِتْقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهَا غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابِ لِاحْتِمَالِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ بِالظِّهَارِ كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْهَا إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَمُدَبِّرُوهُ فِي الثُّلُثِ وَتَسْقُطُ وَصَايَاهُ.
(لَا) تُسْقِطُ الرِّدَّةُ (طَلَاقًا) تَقَدَّمَهَا فَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَأَكْثَرُهُمْ حَمَلُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ طَلَاقَ الْبَنَاتِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ إنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ الطَّلَاقَ، فَيَجُوزُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قَبْلَ رِدَّتِهِ نِكَاحَهَا قَبْلَ زَوْجٍ، وَحَكَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْهُ، وَحَكَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْهُ خِلَافَهُ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ قَبْلَ زَوْجٍ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّا جَمِيعًا ثُمَّ أَسْلَمَا جَازَ أَنْ يَتَنَاكَحَا عِنْدَهُمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَفِي الْحَطّ نَعَمْ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّا جَمِيعًا عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَبَهْرَامُ فِي الشَّامِلِ.
(وَ) لَا تَسْقُطُ (رِدَّةُ) زَوْجٍ (مُحَلِّلٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا تَحْلِيلُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ غَيْرِهِ، أَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ، فَإِنَّ رِدَّتَهُ لَا تُبْطِلُ إحْلَالَهُ لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا (بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ) الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا الَّتِي تَزَوَّجَتْ غَيْرَ مُطَلَّقِهَا وَحَلَّتْ لَهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُبْطِلُ حِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ. الشَّارِحُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ قَلَقٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً إلَخْ، ثُمَّ قَالَ لَا طَلَاقًا، أَيْ لَا تُسْقِطُهُ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا تَسْقُطُ الرِّدَّةُ رِدَّةَ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُهَا فَهُوَ مُعَقَّدٌ وَمُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ. الْبِسَاطِيُّ قَدْ يُجَابُ بِالْعِنَايَةِ. أَنَّ فَاعِلَ " تُسْقِطُ رِدَّةَ " مُضَافًا، أَيْ وَأَسْقَطَتْ رِدَّةَ مُكَلَّفٍ كَذَا وَكَذَا لَا طَلَاقًا وَرِدَّةَ مُحَلِّلٍ لَا تُسْقِطُ تَحْلِيلَهُ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ.
وَأُقِرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ
وَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ:
ــ
[منح الجليل]
وَأُقِرَّ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، أَيْ تُرِكَ شَخْصٌ (كَافِرٌ اُنْتُقِلَ) مِنْ كُفْرِهِ (لِكُفْرٍ آخَرَ) كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ وَنَصْرَانِيٍّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ أَوْ عَكْسُهُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَحْمُولٌ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْبَاجِيَّ مَنْ تَزَنْدَقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ. ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالزَّنْدَقَةِ التَّعْطِيلَ، وَمَذْهَبُ الدَّهْرِيَّةِ مِمَّا لَيْسَ شَرِيعَةً أَوْ يُرِيدُ الْإِسْرَارَ بِمَا خَرَجَ إلَيْهِ وَإِظْهَارَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ الَّذِي تَزَنْدَقَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُقْتَلُ كَمُسْلِمٍ تَزَنْدَقَ ثُمَّ تَابَ.
(وَ) إنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ لَهُ أَوْلَادٌ (حُكِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِإِسْلَامِ مَنْ) أَيْ وَلَدٍ (لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِ) سَبَبِ (إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ) أَيْ لَا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَجَدِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثِ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ، وَإِنَّ إسْلَامَهُ إسْلَامٌ لِصَغِيرِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا وَمِنْ لَفْظِهَا وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ وَوَلَدُهُ صِغَارُهُمْ مُسْلِمُونَ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ. عِيَاضٌ فَضْلُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الرُّوَاةِ مَنْ قَالَ لَيْسَ إسْلَامُ أَبِيهِمْ إسْلَامًا لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا.
قُلْتُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ إسْلَامٌ لِأَوْلَادِهِمَا الصِّغَارِ، وَأَمَّا مَنْ مَيَّزَ فَهَلْ يَكُونُ إسْلَامُهُمَا إسْلَامًا لَهُ قَوْلَانِ. قُلْتُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي سِنِّ مَنْ لَا يُمَيِّزُ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَقِلَ دِينَهُ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ. قُلْتُ فَفِي تَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ لِأَبِيهِ فِي إسْلَامِهِ وَكُفْرِهِ دُونَ أُمِّهِ وَتَبَعِيَّتِهِ لِأَوَّلِهِمَا إسْلَامًا مَعْرُوفَ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ تَبَعِيَّتَهُ لِأُمِّهِ كَالْحُرِّيَّةِ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي
كَأَنْ مَيَّزَ، إلَّا الْمُرَاهِقَ، وَالْمَتْرُوكَ لَهَا، فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ، إنْ امْتَنَعَ
وَوُقِفَ إرْثُهُ
وَلِإِسْلَامِ سَابِيهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ
ــ
[منح الجليل]
نِكَاحِهَا الثَّالِثِ مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَبَهِهَا فَأَبَوْا الْإِسْلَامَ فَلَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضٌ يُجْبَرُونَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمَدَنِيِّينَ.
وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (مَيَّزَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْوَلَدُ الَّذِي أَسْلَمَ أَبُوهُ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْمُرَاهِقَ مِنْهُ فَقَالَ (إلَّا) الْمُمَيِّزَ (الْمُرَاهِقَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، أَيْ الْمُقَارِبِ لِلْبُلُوغِ حَالَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ (وَ) إلَّا الْمُمَيِّزَ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَقْتَ إسْلَامِ أَبِيهِ (الْمَتْرُوكُ) جَبْرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ (لَهَا) أَيْ الْمُرَاهَقَةِ (فَلَا يُجْبَرُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ (بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ) مِنْهُ. وَمَفْهُومُ بِقَتْلٍ جَبَرَهُ بِغَيْرِهِ
(وَ) إنْ مَاتَ أَبُوهُ الَّذِي أَسْلَمَ (يُوقَفْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ بِيَدِ عَدْلٍ وَنَائِبُ فَاعِلِ يُوقَفْ (إرْثُهُ) أَيْ الْمُرَاهِقُ مِنْ أَبِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَخَذُوهُ وَإِلَّا رُدَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ هُنَا لِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ إذَا بَلَغَ وَرَجَعَ عَنْهُ.
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً وَشَبَهَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ وَلَدِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ وَإِلَّا فَلَا يَرِثُهُ وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ فَلَا يَتَعَجَّلُ أَخْذُهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَلَوْ قَالَ الْوَلَدُ لَا أُسْلِمُ إذَا بَلَغْت فَلَا أَنْظُرُ لِذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ إيقَافِهِ إلَى احْتِلَامِهِ. الصِّقِلِّيُّ وَقِيلَ إسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَلَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَمُوتَ أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
(وَ) إنْ سَبَى مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا صَغِيرًا (حُكِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِإِسْلَامِ) مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ (مَسْبِيٍّ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، أَيْ مَأْسُورٍ (تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ
أَبُوهُ
وَالْمُتَنَصِّرُ مِنْ: كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ، إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ؛
وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا، أَوْ عَرَّضَ، أَوْ لَعَنَهُ، أَوْ عَابَهُ،
ــ
[منح الجليل]
الْمَسْبِيِّ (أَبُوهُ) أَيْ الْمَسْبِيِّ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَالصَّغِيرُ الْمَسْبِيُّ لَا أَبَ مَعَهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ الْمُسْلِمَ أَوْ بِنِيَّتِهِ إسْلَامِهِ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرِ الْمَسْبِيِّ وَلَيْسَ أَبُوهُ مَعَهُ فَقِيلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِمِلْكِ سَيِّدِهِ إيَّاهُ قَالَهُ ابْنُ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ مَعْنٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَقِيلَ حَتَّى يَنْوِيَهُ بِهِ سَيِّدُهُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَقِيلَ حَتَّى يَرْتَفِعَ عَنْ حَدَاثَةِ الْمِلْكِ شَيْئًا وَيُزَيِّيَهُ سَيِّدُهُ بِزِيِّ الْإِسْلَامِ وَيُشَرِّعَهُ بِشَرَائِعِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقِيلَ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ وَيَعْقِلَ الْإِجَابَةَ بِبُلُوغِهِ حَدَّ الْإِثْغَارِ. وَقِيلَ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
(وَ) الْمُسْلِمُ (الْمُتَنَصِّرُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَالنُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً أَيْ الْمُرْتَدُّ لِلنَّصْرَانِيَّةِ مَثَلًا (مِنْ كَأَسِيرٍ) وَتَاجِرٍ وَسَائِحٍ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ مَحْمُولٌ (عَلَى الطَّوْعِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْكُلْفِ فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ مِنْ بَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ وَإِيقَافِ مَالِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ إرْثِ مُسْلِمٍ قَرِيبٍ لَهُ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلًى لَهُ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ) عَلَى التَّنَصُّرِ بِالشَّخْصِ وَلَا بِالْعُمُومِ بِأَنْ اشْتَهَرَ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ جُبِرَ أَسِيرُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ إسَاءَتِهِ، فَإِذَا دَخَلَ دِينَهُمْ تَرَكُوهَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثِ وَغَيْرِهِ مِنْهَا وَالْأَسِيرُ يُعْلَمُ تَنَصُّرُهُ وَلَا يُدْرَى طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلْتَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَيُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ كَانَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ فِي نِسَائِهِ وَمَالِهِ. ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِه عَلَى الرِّدَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ سَبَّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ شَتَمَ الْمُكَلَّفُ (نَبِيًّا) أَيْ إنْسَانًا ذَكَرًا أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ أَمْ لَا مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ وَالرَّسُولُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَأْمُورِ بِالتَّبْلِيغِ فَالنَّبِيُّ عَامٌّ وَالرَّسُولُ خَاصٌّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (أَوْ) سَبَّ (مَلَكًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ كَذَلِكَ (أَوْ عَرَّضَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مُعْجَمِ الضَّادِ يَسُبُّ مَنْ ذَكَرَ (أَوْ لَعَنَهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى ضَرَرَهُ (أَوْ عَابَهُ) أَيْ نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ وَهُوَ خِلَافُ
أَوْ قَذَفَهُ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا، وَإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ، أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ، أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ؛ وَقَالَ أَرَدْت الْعَقْرَبَ،
ــ
[منح الجليل]
الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فِي خَلْقٍ أَوْ خُلُقٍ أَوْ دِينٍ (أَوْ قَذَفَهُ) بِنَفْيِ نَسَبِهِ أَوْ بِزِنَا (أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ) بِإِتْيَانِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ تَصْرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا (أَوْ غَيَّرَ) بِفَتْحِ الْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ تَحْتَ مُثَقَّلًا (صِفَتَهُ) بِأَنْ قَالَ أَسْوَدَ أَوْ قَصِيرًا أَوْ مَاتَ بِلَا لِحْيَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قُرَشِيًّا لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ.
(أَوْ أَلْحَقَ) بِقَطْعِ الْهَمْزِ (بِهِ) أَيْ الْمَذْكُورَ (نَقْصًا) فِي دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ، بَلْ (وَإِنْ فِي بَدَنِهِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ دِينُهُ وَمِثْلُهُ فِي الشِّفَاءِ (أَوْ) فِي (خَصْلَتِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ عَادَتِهِ (أَوْ غَضَّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مُثَقَّلًا، أَيْ نَقَصَ (مِنْ مَرْتَبَتِهِ أَوْ) مِنْ (وُفُورِ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَيْ كَمَالِ (عِلْمِهِ أَوْ) مِنْ وُفُورِ (زُهْدِهِ) أَيْ إعْرَاضِهِ عَنْ الدُّنْيَا (أَوْ أَضَافَ) أَيْ نَسَبَ (لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ) مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فِي غَيْرِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ. رَبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَرَوِيُّ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَنْ قَالَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم مَا فِيهِ نَقْصٌ يُقْتَلْ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ، وَجَعَلَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ مَيْلَهُ لِبَعْضِ نِسَائِهِ (أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَذْكُورَ (مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ مَقَامِهِ (الشَّرِيفِ) كَمُدَاهَنَةٍ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ (عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ) لَهُ وَإِضَافَتِهِ لِلْبَيَانِ.
(أَوْ قِيلَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ) صلى الله عليه وسلم (فَلَعَنَ) هـ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَقَالَ أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ (وَقَالَ أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ) الَّذِي لَعَنْتُهُ (الْعَقْرَبَ) مَثَلًا
قُتِلَ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ حَدًّا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ
ــ
[منح الجليل]
وَجَوَابُ إنْ سَبَّ إلَخْ (قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (وَلَمْ) الْأَوْلَى وَلَا (يُسْتَتَبْ) قَتْلًا (حَدًّا) طفي عِبَارَةُ عِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ، وَهِيَ أَشَدُّ، وَمَحَلُّ كَوْنِ قَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا إذَا تَابَ أَوْ أَنْكَرَ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ سَبُّهُ كُفْرًا، وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ كَذَا لِعِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ وَتَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَفَائِدَةُ كَوْنِ قَتْلِهِ حَدًّا وَتَغْسِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرْثِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ. الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ سَبَّ إلَى آخِرِ الْبَابِ زِيَادَةً عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لَخَّصَهُ مِنْ الشِّفَاءِ، وَلَوْ اخْتَصَرَهُ جُمْلَةً لَكَفَاهُ قَوْلُهُ وَإِنْ تَنَقَّصَ مَعْصُومًا وَإِنْ بِتَعْرِيضٍ أَوْ بِاسْتِخْفَافٍ بِحَقِّهِ قُتِلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ قُتِلَ فِي كُلِّ حَالٍ فَقَالَ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يُسْلِمَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ السَّابُّ (الْكَافِرُ) أَصَالَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] الْأَنْفَالَ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ
وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ، لِجَهْلٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ تَهَوُّرٍ؛
ــ
[منح الجليل]
يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَيُقْتَلُ السَّابُّ الْمُسْلِمُ أَوْ الْكَافِرُ إنْ ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَرَادَ ذَمَّهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ (وَإِنْ ظَهَرَ) مِنْ حَالِهِ (أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ يَقْصِدْ بِسَبِّهِ (ذَمَّهُ) وَسَبَّهُ إمَّا (لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ) بِحَرَامٍ، وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ بِقَتْلِ مَنْ شَتَمَ فِي سُكْرِهِ لِظَنٍّ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي صَحْوٍ وَلِأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ وَالسُّكْرُ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ (أَوْ) سَبَّ لِ (تَهَوُّرٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ وَضَمِّ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً أَيْ تَوَسُّعٍ وَمُبَالَغَةٍ (فِي) كَثْرَةِ (كَلَامِهِ) وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ وَعَدَمِ ضَبْطِهِ وَعَجْرَفَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ.
عِيَاضٌ مَنْ أَضَافَ إلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبَ فِيمَا بَلَّغَهُ أَوْ أَخْبَرَ بِهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ آزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَا يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَرَفَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ قَالَ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ أَوْ لَيْسَ كَانَ بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ أَوْ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ أَنْبِيَاءَهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ أَوْ أَنْكَرَهُمْ حُكْمُ مِنْ سَبَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ حُقِّقَ كَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَرِضْوَانَ وَالزَّبَانِيَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتْ الْأَخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ، فَلَيْسَ حُكْمُ سَابِّهِمْ وَالْكَافِرُ بِهِمْ كَحُكْمِ مَنْ ذُكِرَ، إذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنَقَّصَهُم.
وَأَمَّا مُنْكِرُ نُبُوَّتِهِمْ أَوْ مِلْكِيَّتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ زُجِرَ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ، وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا، ثُمَّ قَالَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ سَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ أَوْ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ فَهُوَ سَابٌّ لَهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ لَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا
وَفِيمَنْ قَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، جَوَابًا لِصَلِّ؛
ــ
[منح الجليل]
الْمَقْصِدِ، وَلَا نَمْتَرِي فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا، وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، فَمَشْهُورُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي هَذَا كُلِّهِ قَتْلُهُ حَدًّا لَا كُفْرًا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَفَيْئَتُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ إنْكَارِهِ لِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَالْإِقْلَاعِ عَنْهُ.
وَأَمَّا مَنْ سَبَّهُ مُسْتَحِلًّا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ، وَكَذَا مَنْ كَانَ سَبَّهُ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا كَتَكْذِيبِهِ أَوْ تَكْفِيرِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ وَاعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ فَهَذَا كَافِرٌ بِقَوْلِهِ وَبِاسْتِحْلَالِهِ هَتْكِ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُقْتَلُ كُفْرًا بِلَا خِلَافٍ، وَالذِّمِّيُّ إذَا صَرَّحَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ أَوْ وَصْفِهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَهُ فِي جِهَتِهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ قَاصِدٍ السَّبِّ وَالِازْدِرَاءَ وَلَا مُعْتَقِدًا لَهُ وَتَكَلَّمَ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ، وَظَهَرَ بِدَلِيلِ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ إمَّا لِجَهَالَةِ حَمْلَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ أَوْ ضَجَرٍ أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ وَضَبْطِهِ لِلِسَانِهِ وَعَجْرَفَتِهِ وَتَهَوُّرِهِ فِي كَلَامِهِ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ دُونَ تَوْقِيفٍ.
(وَفِي) قَتْلِ (مَنْ) أَيْ الشَّخْصِ الْمُكَلَّفِ الَّذِي قَالَ (لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (جَوَابًا لِ) قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ (صَلِّ) عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِدُعَائِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ وَغَيْرُهُ وَعَدَمُ قَتْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ فِي الْغَضْبَانِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْتَلُ بِلَا خِلَافٍ.
عِيَاضٌ إنْ لَفَظَ مِنْ الْكَلَامِ بِمُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَهَاهُنَا مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِيمَنْ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ صَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَذَا الْخِلَافُ فِي قَتْلِهِ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَالْبَرْقِيِّ وَأَصْبَغَ، وَبَيْنَ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَغَيْرِهِ. مَوَّاقٌ وَنَصُّ الشِّفَاءِ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ لَهُ صَلِّ
أَوْ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ، جَوَابًا لِتَتَّهِمَنِي، أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَوْلَانِ
ــ
[منح الجليل]
عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَقِيلَ لِسَحْنُونٍ هَلْ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْمِرًا لِلشَّتْمِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ سَحْنُونٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْغَضَبِ فِي شَتْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ كَلَامُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ شَتْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا مُقَدِّمَةَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَلَامُهُ، بَلْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ النَّاسُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْآخَرِ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَمَلَ قَوْلَهُ وَسَبَّهُ لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْآنَ لِأَجْلِ أَمْرِ الْآخَرِ لَهُ بِهَا عِنْدَ غَضَبِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعِلَّةِ صَاحِبَيْهِ. وَذَهَبَ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى الْقَتْلِ فِي مِثْلِ هَذَا.
(أَوْ) فِي قَتْلِ مَنْ (قَالَ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَالْهَاءِ (جَوَابًا لِ) قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ (تَتَّهِمُنِي) وَعَدَمُهُ قَوْلَانِ فَقَدْ أَفْتَى فِيهَا قَاضِي قُرْطُبَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ بِعَدَمِ قَتْلِهِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَنْصُورٍ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَمَّنْ اتَّهَمَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَشَدَّدَ فِي تَصْفِيدِهِ وَإِطَالَةِ سَجْنِهِ، ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى تَكْذِيبِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ جَعْفَرٍ يُقْتَلُ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ.
(أَوْ) قُتِلَ مَنْ (قَالَ) جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ نَقَصْتنِي (جَمِيعُ الْبَشَرِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ النَّاسِ (يَلْحَقُهُمْ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام) مِنْ اللَّهِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَعَدَمُهُ (قَوْلَانِ) فَقَدْ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِطَالَةِ سَجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَتْلِهِ. عِيَاضٌ اسْتَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ مَنْصُورٍ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ
وَاسْتُتِيبَ فِي هُزِمَ، أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ؛ أَوْ تَنَبَّأَ،
ــ
[منح الجليل]
فَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت نَقْصِي بِهِ وَأَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَفْتَاهُ بِإِطَالَةِ سَجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ، وَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِهِ.
الشَّارِحُ وَالْقَوْلُ بِالْقَتْلِ أَظْهَرُ أَفَادَهُ شب. الْعَدَوِيُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَوْلُهُ قَوْلَانِ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ وَحَذْفِهِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ حَقَّهُ إبْدَالُهُ فِي الثَّالِثِ بِتَرَدُّدٍ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ مِرَارًا بِأَنَّهُ قَالَ وَحَيْثُ قُلْت تَرَدُّدٌ وَلَمْ يَقُلْ وَحَيْثُ تَرَدَّدُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَاسْتُتِيبَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى الْمُكَلَّفُ (فِي) قَوْلِهِ (هُزِمَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، فَإِنْ تَابَ فَلَا يُقْتَلُ وَيُشَدَّدُ أَدَبُهُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ وَإِلَّا فَيُقْتَلُ. وَقَالَ رَبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ يُقْتَلُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْمُرَابِطِ وَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ. الْبِسَاطِيُّ إنْ كَانَ ابْنُ الْمُرَابِطِ قَالَ بِاسْتِتَابَةِ السَّابِّ كَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَلِقَوْلِهِ بِالِاسْتِتَابَةِ فِي هُزِمَ وَجْهٌ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ مَنْ قَالَ فَرَّ أَوْ هُزِمَ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ ضَخْمًا فَأَنْكَرَ مَا عُلِمَ مِنْ وَصْفِهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ كُفْرٌ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَضَافَ إلَيْهِ نَقْصًا وَعَيْبًا.
(أَوْ أَعْلَنَ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْعِينِ، أَيْ أَظْهَرَ وَجَهَرَ (بِتَكْذِيبِهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّسَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَيُسْتَتَابُ. طفي أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ عِيَاضٍ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ إلَى تَكْذِيبِهِ فِيمَا قَالَهُ أَوْ أَتَى بِهِ، أَوْ يَنْفِيَ نُبُوَّتَهُ أَوْ رِسَالَتَهُ أَوْ وُجُودَهُ أَوْ يَكْفُرَ بِهِ فَهَذَا كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ وَلَيْسَ بِتَنْقِيصٍ، وَإِذَا كَانَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ بِمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً كُفْرًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلتَّكْذِيبِ فَأَحْرَى التَّصْرِيحُ بِهِ (أَوْ تَنَبَّأَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مَهْمُوزًا، أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَيُسْتَتَابُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، وَنُبُوَّةُ عِيسَى صلى الله عليه وسلم سَابِقَةٌ، وَيُنَزَّلُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا.
عِيَاضٌ لَا خِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ
إلَّا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ،
وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي: أَدِّ وَاشْكُ، لِلنَّبِيِّ أَوْ لَوْ سَبَّنِي مَلَكَ لَسَبَبْتُهُ،
ــ
[منح الجليل]
وَسَحْنُونٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ كَالْمُرْتَدِّ. طفي فَقَوْلُ ابْنِ مَرْزُوقٍ عِنْدِي أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ أَيْ قَوْلُهُ وَاسْتُتِيبَ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ بَابِ السَّبِّ فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ إخْرَاجِهَا مِنْ السَّبِّ ظَاهِرٌ فِي هُزِمَ كَمَا بَيَّنَّاهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ الْمُتَنَبِّي فَقَالَ يُسْتَتَابُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يُسِرَّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ، أَيْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ فَيُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ، فَإِنْ أَتَى تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ. وَفِي النَّوَادِرِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ أَظْهَرَ ذَلِكَ أَمْ لَا. طفي أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ سِرًّا. عِيَاضٌ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مُصَرَّحًا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تَنَبَّأَ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَعْلَنَ بِهِ، فَلَوْ أَسَرَّهُ كَانَ حُكْمُهُ كَإِسْرَارِ التَّنَبِّي كَمَا فِي الشِّفَاءِ، فَلَوْ حَذَفَ أَعْلَنَ لَعَادَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسِرَّ لَهُمَا، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ اسْتِظْهَارُ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّنَبِّي فَقَطْ.
(وَأُدِّبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَدَبًا (اجْتِهَادًا) فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَيُؤَدَّبُ (فِي) قَوْلِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَالًا ظُلْمًا فَقَالَهُ أَشْكُوك لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَدِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ أَعْطِنِي مَا طَلَبْته مِنْك (وَاشْكِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) الشَّارِحُ وَقَعَ لِعَشَّارٍ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ أَشْكُوكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَفْتَى بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِتَأْدِيبِهِ وَبَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَتَّابٍ، سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ عَشَّارٍ قَالَ لِرَجُلٍ اغْرَمْ وَاشْكِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَ الْعَشَّارُ الْقَائِلُ مَا ذُكِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ، وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ أَيْضًا.
(وَ) أُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي قَوْلِهِ (لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ (لَسَبَبْته) لِإِظْهَارِهِ عَدَمِ
أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ، فَقَالَ: تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ، أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكِرٍ، أَوْ مَالِكٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْمُبَالَاةِ بِالْمَلَكِ وَلَمْ يُقْتَلْ لِعَدَمِ وُقُوعِ سَبِّهِ الْمَلَكَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ وَصِيَانَتِهَا مِنْ سَبِّ النَّاسِ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ يَقُولُ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ السُّفَهَاءِ، وَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ (أَوْ عُيِّرَ) بِضَمِّ الْعِينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً (بِالْفَقْرِ فَقَالَ) لِمَنْ عَيَّرَهُ (تُعَيِّرُنِي) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْعِينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً (بِهِ) أَيْ الْفَقْرِ (وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ) الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ عَرَّضَ بِذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَيْ لِأَنَّ رَعْيَهُ صلى الله عليه وسلم الْغَنَمَ لَمْ يَكُنْ لِفَقْرِهِ بَلْ لِتَدْرِيبِهِ عَلَى سِيَاسَةِ أُمَّتِهِ أَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ، أَيْ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَنْقِيصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ رَفَعَ نَفْسَهُ وَدَفَعَ الْعَارَ عَنْهَا.
(أَوْ قَالَ) الْمُكَلَّفُ (لِغَضْبَانَ كَأَنَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَشَدِّ النُّونِ، أَيْ وَجْهِ الْغَضْبَانِ (وَجْهُ مُنْكَرٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ اسْمُ أَحَدِ الْمَلَكَيْنِ السَّائِلَيْنِ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ عَقِبَ دَفْنِهِ (أَوْ) وَجْهُ (مَالِكٍ) اسْمُ الْمَالِكِ الْمُوَكِّلُ بِالنَّارِ فَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَمَّ الْمَلَكِ وَإِلَّا فَيُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ قَالَ لِشَخْصٍ قَبِيحِ الْوَجْهِ كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ وَلِإِنْسَانٍ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ الْغَضْبَانِ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا وَنَكِيرُ أَحَدُ فَتَّانِي الْقَبْرِ وَهُمَا مَلَكَانِ، فَمَا الَّذِي أَرَادَ أَرَوَعُ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ رَآهُ مِنْ وَجْهِهِ أَمْ عَافَ النَّظَرَ إلَيْهِ لِدَمَامَةِ خَلْقِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَهُوَ شَدِيدٌ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ وَالتَّهْوِينِ فَهُوَ أَشَدُّ عُقُوبَةً، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَبِّ الْمَلَكِ، وَإِنَّمَا سَبُّ الْمُخَاطَبِ. وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ.
وَأَمَّا ذِكْرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جَفَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَمَا أَنْكَرَهُ مِنْ عُبُوس الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَبِّسُ لَهُ يَدٌ فَيَرْهَبُ بِعِبْسَتِهِ فَيُشْبِهُهُ الْقَائِلَ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ فِي فِعْلِهِ وَلُزُومِهِ فِي ظُلْمِهِ صِفَةَ مَالِكٍ الْمَلَكُ الْمُطِيعُ لِرَبِّهِ فِي فِعْلِهِ فَيَقُولُ كَأَنَّهُ لِلَّهِ يَغْضَبُ غَضَبَ مَالِكٍ فَيَكُونُ
أَوْ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا: حُجَّةً لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ شَبَّهَ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ، لَا عَلَى التَّأَسِّي، كَإِنْ كُذِّبْت فَقَدْ كُذِّبُوا،
ــ
[منح الجليل]
أَخَفَّ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّعَرُّضُ لِمِثْلِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى عَلَى الْعُبُوسِ بِعِبْسَتِهِ وَاحْتَجَّ بِصِفَةِ مَالِكٍ كَانَ أَشَدَّ وَيُعَاقَبُ الْمُعَاقَبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذَمُّ الْمَلَكِ وَلَوْ قَصَدَ ذَمَّهُ لَقُتِلَ شِفَاءً.
(أَوْ اسْتَشْهَدَ) الْمُكَلَّفُ (بِبَعْضِ) شَيْءٍ (جَائِزٍ عَلَيْهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فِي الدُّنْيَا) مِنْ حَيْثُ هُوَ بَشَرٌ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ اسْتِشْهَادًا (حُجَّةً لَهُ) أَيْ الْمُسْتَشْهِدِ (أَوْ) حُجَّةً (لِغَيْرِهِ) فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ (أَوْ شَبَّهَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا نَفْسَهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لِ) دَفْعِ نَقْصٍ عَنْ نَفْسِهِ (لَحِقَهُ) أَوْ لِتَخْفِيفِ مُصِيبَةٍ نَالَتْهُ (لَا عَلَى) وَجْهِ التَّأَسِّي بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ السِّينِ مُثَقَّلَةً، أَيْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ التَّحْقِيرِ لَهُ صلى الله عليه وسلم بَلْ بِقَصْدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَنْقِيصًا وَلَا عَيْبًا وَلَا سَبًّا فَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ لِعَدَمِ تَوْقِيرِهِ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام (كَ) قَوْلِهِ (إنْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (كُذِّبَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (فَقَدْ كُذِّبُوا) كَذَلِكَ، أَيْ الرُّسُلَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ إنْ أُوذِيت فَقَدْ أُوذُوا أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلُهُ فِي الشِّفَاءِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا، لَكِنَّهُ يَنْزَعُ بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ عليه الصلاة والسلام الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ أَوْ الْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ نَالَتْهُ أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ، بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْفِيرِ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ قَصْدِ الْهَزْلِ وَالتَّنْدِيرِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ إنْ كُذِّبْت فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ إنْ أُوذِيت فَقَدْ أُوذُوا أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَنْبِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلُهُ، أَوْ قَدْ صَبَرْت كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ أَوْ كَصَبْرِ أَيُّوبَ، أَوْ قَدْ صَبَرَ نَبِيُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِدَاهُ وَحِلْمُ عَلِيٍّ أَكْثَرُ مِمَّا صَبَرْت، وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّهُ
…
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ
وَنَحْوُهُ مِنْ أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ:
كُنْت مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ
…
غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِيكُمَا مِنْ فَقِيرٍ
عَلَى أَنَّ آخِرَ الْبَيْتِ شَدِيدٌ وَدَاخِلٌ فِي بَابِ الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَفْضِيلِ حَالِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَقَوْلِهِ:
لَوْلَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
…
قُلْنَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِيهِ بَدِيلُ
هُوَ مِثْلُهُ فِي الْفَضْلِ إلَّا أَنَّهُ
…
لَمْ يَأْتِهِ بِرِسَالَةٍ جِبْرِيلُ
وَصَدْرُ الْبَيْتِ الثَّانِي شَدِيدٌ لِتَشْبِيهِهِ غَيْرَ النَّبِيِّ بِهِ وَعَجْزُهُ مُحْتَمِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ نَقَّصَتْ الْمَمْدُوحَ وَالْآخَرُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهَا، وَهَذَا أَشَدُّ وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وَإِذَا مَا رُفِعَتْ رَايَاتُهُ
…
صَفَّقَتْ بَيْنَ جَنَاحِي جَبْرَتَيْنِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ:
فَرَّ مِنْ الْخُلْدِ وَاسْتَجَارَ بِنَا
…
فَصَبَّرَ اللَّهُ قَلْبَ رِضْوَانَ
وَكَقَوْلِ حَسَّانَ الْمِصِّيصِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْأَنْدَلُسِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَعْرُوفِ بِالْمُعْتَمِدِ وَوَزِيرِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زَيْدُونَ:
كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَبُو بَكْرِ الرِّضَا
…
وَحَسَّانَ حَسَّانُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ
إلَى أَمْثَالِ هَذَا، وَإِنَّمَا أَكَثَرْنَا إنْشَادَ هَذِهِ مَعَ اسْتِثْقَالِنَا حِكَايَتَهَا لِتَعْرِيفِ أَمْثِلَتِهَا، وَلِتَسَاهُلِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي وُلُوجِ هَذَا الْبَابِ الضَّنْكِ وَاسْتِخْفَافِهِمْ فَادِحَ هَذَا الْعِبْءِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ مَا فِيهِ مِنْ الْوِزْرِ وَكَلَامِهِمْ فِيهِ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ (وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) لَا سِيَّمَا الشُّعَرَاءُ وَأَشَدُّهُمْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَلِلِسَانِهِ تَسْرِيحًا ابْنُ هَانِئٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَابْنُ سُلَيْمَانَ الْمَعَرِّيُّ، بَلْ قَدْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمَا إلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالنَّقْصِ وَصَرِيحِ الْكُفْرِ
وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ، وَغَرَضْنَا الْآنَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الَّذِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا غَيْرِ عَجْزِي بَيْتَيْ الْمَعَرِّيِّ وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إزْرَاءً وَغَضًّا فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ وَلَا عَظَّمَ الرِّسَالَةَ وَلَا عَزَّرَ حُرْمَةَ الِاصْطِفَاءِ، وَلَا عَزَّرَ حُظْوَةَ الْكَرَامَةِ حَتَّى شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا أَوْ مَعَرَّةٍ قَصَدَ الِانْتِفَاءَ مِنْهَا أَوْ ضَرَبَ مَثَلًا لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ أَوْ أَغْلَى فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ، وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ، وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ، وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ أَوْ نُدُورِهِ وَلَمْ يَزَلْ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّشِيدُ عَلَى أَبِي نُوَاسٍ قَوْلَهُ:
فَإِنْ يَكُ بَاقٍ سِحْرُ فِرْعَوْنَ فِيكُمْ
…
فَإِنَّ عَصَى مُوسَى بِكَفٍّ خَصِيبٍ
وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَنَا أَنْتَ مُسْتَهْزِئٌ بِعَصَى مُوسَى وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ عَسْكَرِهِ فِي لَيْلَتِهِ، وَذَكَرَ الْعُتْبِيُّ إنَّ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَكُفِّرَ بِهِ أَوْ قَارَبَهُ قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ تَشْبِيهُهُ إيَّاهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:
تَنَازَعَ الْأَحْمَدَانِ الشَّبَهَ فَاشْتَبَهَا
…
خَلْقًا وَخُلُقًا كَمَا قَدْ الشَّرَّا كَانَ
وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ:
كَيْفَ لَا يُدْنِيكَ مِنْ أَمَلٍ
…
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ نَفَرِهْ
لِأَنَّ حَقَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُوجَبِ تَعْظِيمِهِ وَإِنَافَةِ مَنْزِلَتِهِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُضَافَ هُوَ إلَى غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ فِي هَذَا مَا بَسَّطْنَاهُ فِي طَرِيقِ الْفُتْيَا، وَعَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ جَاءَتْ فُتْيَا إمَامِ مَذْهَبِنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَصْحَابِهِ " رضي الله عنه ".
أَبُو الْحَسَنِ فِي شَابٍّ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ قَالَ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ اُسْكُتْ فَإِنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ الشَّابُّ أَلَيْسَ كَانَ النَّبِيُّ أُمِّيًّا فَشَنَّعَ عَلَيْهِ مَقَالَتَهُ وَكَفَّرَهُ النَّاسُ وَأَشْفَقَ الشَّابُّ مِمَّا قَالَ وَأَظْهَرَ النَّدَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَمَّا إطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ فِي ضَلَالَتِهِ فَخَطَأٌ، لَكِنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ وَاعْتَرَفَ وَلَجَأَ إلَى ذَلِكَ فَيُتْرَكُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ قَتْلِهِ وَمَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوْعُ فَاعِلِهِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ.
أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِ فِي: كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا، وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ عليه الصلاة والسلام؛ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ:
ــ
[منح الجليل]
أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ) لَعَنَ (بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ) أَيْ لَاعِنُ الْعَرَبِ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ (أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ) فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَ بَنِي إسْرَائِيلَ، أَوْ لَعَنَ بَنِي آدَمَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِاجْتِهَادِ السُّلْطَانِ. عِيَاضٌ قَدْ يُضَيَّقُ الْقَوْلُ فِي مِثْلِ هَذَا لَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ.
(وَشُدِّدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (فِي) قَوْلِهِ (كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالدَّالِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ قَافٌ، أَيْ مَحَلٍّ جَامِعٍ لِبُيُوتٍ سُفْلَى وَعُلْيَا يَسْكُنُهُ الْغُرَبَاءُ وَالتُّجَّارُ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ (قَرْنَانُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَنُونَانِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، أَيْ يَقْرُنُ رَجُلًا يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ فِي الشِّفَاءِ تَوَقُّفٌ. أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِهِ وَأَمَرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى تُسْتَفْهَمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ وَمَا يَدُلَّ عَلَى مَقْصَدِهِ، وَهَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفُّ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ الْعُمُومُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنْ اكْتَسَبَ الْمَالَ وَدَمُ الْمُسْلِمِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ، وَمَا تُرَدُّ إلَيْهِ التَّأْوِيلَاتُ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْعَانِ النَّظَرِ فِيهِ.
(وَ) شَدَّدَ (فِي) نِسْبَةِ شَيْءٍ (قَبِيحٍ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا (لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ) أَيْ بِنَسَبِهِ فِي الشِّفَاءِ وَقَدْ يُضَيَّقُ الْقَوْلُ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فِي الْمَقَامِ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ بَعْضِ آبَائِهِ، وَإِخْرَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ سَبَّهُ مِنْهُمْ وَرَأَيْت لِأَبِي مُوسَى مِنْ مُنَاسٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إلَّا آدَمَ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ
كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ، أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ، أَوْ لَفِيفٌ فَعَاقَ عَنْ الْقَتْلِ؛
ــ
[منح الجليل]
يُقْتَلْ، وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ غَازِيٍّ وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي آبَائِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَهِيَ الْمُطَابِقَةُ لِكَلَامِ عِيَاضٍ. ابْنُ غَازِيٍّ سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ فِي آبَائِهِ. شب هَذَا صَحِيحُ مُسْلِمٍ، وَإِنْ قَالَ طفي هُوَ أَحَالَهُ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهَا، وَنَظَرَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْأَدَبَ لَا يَخْتَصُّ بِنِسْبَةِ الْقَبِيحِ لِذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ مَنْ نَسَبَ الْقَبِيحَ لِغَيْرِهِمْ يُؤَدَّبُ أَيْضًا. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَبِيحَ الَّذِي لَا تُوجِبُ نِسْبَتُهُ لِغَيْرِهِمْ الْأَدَبَ تُوجَبُ نِسْبَتَهُ لَهُمْ الْأَدَبَ. تت هَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ. قُلْت لَا يُرَدُّ هَذَا التَّنْظِيرُ، فَإِنَّ الْمُخْتَصَّ بِهِمْ شِدَّةُ التَّأْدِيبِ لَا أَصْلِهِ وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشِّفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَبَّهَ فِي تَشْدِيدِ التَّأْدِيبِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ (انْتَسَبَ) شَخْصٌ مُكَلَّفٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ (أَوْ احْتَمَلَ) كَلَامُهُ الِانْتِسَابَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ أَنْتَ شَرِيفٌ مِنْ أَشْرَفِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَسَوَاءٌ كَانَ الِانْتِسَابُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَلُبْسِ عِمَامَةٍ خَضْرَاءَ لِعُمُومِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ ادَّعَى الشَّرَفَ كَاذِبًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْهُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُضْرَبُ ضَرَبًا وَجِيعًا وَيُشْهَرُ وَيُحْبَسُ زَمَنًا طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ كَانَ " رضي الله عنه " يُعَظِّمُ مَنْ طَعَنَ النَّاسُ فِي شَرَفِهِ وَيَقُولُ لَعَلَّهُ شَرِيفٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يُحَدُّ الْمُنْتَسِبُ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ انْتِسَابُهُ قَذْفَ أُمِّهِ بِغَيْرِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا، إنَّمَا قَصَدَ التَّشَرُّفَ وَلِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ مَذْهَبًا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا كَمَا هُنَا، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَدَّعِي شَرَفَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَجْدَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَ النَّاسِ. تت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ احْتَمَلَ، أَيْ كَلَامُ الْمُكَلَّفِ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَكِ غَيْرُ السِّبِّ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي التَّأْدِيبِ وَلَا يُقْتَلُ.
(أَوْ شَهِدَ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ بِالسَّبِّ (عَدْلٌ) وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ مُنْكِرُهُ (أَوْ) شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ (لَفِيفٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، أَيْ نَاسٌ غَيْرُ عُدُولٍ (فَعَاقَ) أَيْ مَنَعَ (عَنْ الْقَتْلِ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَمَ تَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
شَهَادَةِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الْعَدَالَةِ فِي اللَّفِيفِ فَيُشَدَّدُ فِي تَأْدِيبِهِ رَدْعًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ.
فِي الشِّفَاءِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَتْلِ السَّابِّ فَصْلٌ: هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ عُدُولٍ لَمْ يَدْفَعْ فِيهِمْ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَوْ لَفِيفٌ مِنْ النَّاسِ، أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ، وَلَكِنْ اُحْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا أَوْ تَابَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ فَهَذَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلُ وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ وَضَرُورَةِ حَالِهِ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّبَرُّزِ بِالسَّفَهِ وَالْمُجُونِ، فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شَدِيدِ النَّكَالِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي السِّجْنِ وَالشَّدِّ فِي الْقُيُودِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى طَاقَتِهِ مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ لِضَرُورَتِهِ، وَلَا يُقْعِدُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَهَذَا حُكْمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، لَكِنْ وُقِفَ عَنْ قَتْلِهِ لِمَعْنَى أَوْجَبَهُ وَتَرَبَّصَ بِهِ لِأَشْكَالٍ وَعَائِقٍ اقْتَضَاهُ أَمْرُهُ وَحَالَاتُ الشِّدَّةِ فِي نُكُولِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِهِ. (تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: فِي نُسْخَةِ " غ " أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ لَفِيفٌ أَوْ عَاقَ عَائِقٌ عَنْ الْقَتْلِ، قَالَ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ كُلُّهَا فِي الشِّفَاءِ، وَنَقَلَ نَصَّهُ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ فَعَاقَ عَنْ الْقَتْلِ بِعِطْفِ عَاقَ بِالْفَاءِ وَإِضْمَارِ فَاعِلِهِ، أَيْ فَعَاقَ الِاحْتِمَالُ أَوْ كَوْنِ الشَّاهِدِ وَاحِدًا أَوْ لَفِيفًا، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فَقَطْ.
الثَّانِي: اللَّفِيفُ أَخْلَاطُ النَّاسِ، وَفِي الصَّحَاحِ مَا اجْتَمَعَ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى يُقَالُ جَاءُوا بِلَفِّهِمْ وَلَفِيفِهِمْ، أَيْ أَخْلَاطِهِمْ وَقَوْله تَعَالَى {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104] الْإِسْرَاءَ أَيْ مُجْتَمِعِينَ مُخْتَلِطِينَ وَطَعَامٌ لَفِيفٌ إذَا كَانَ مَخْلُوطًا مِنْ جِنْسَيْنِ فَصَاعِدًا وَفُلَانٌ لَفِيفُ فُلَانٍ، أَيْ صَدِيقُهُ وَبَابٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهُ اللَّفِيفُ لِاجْتِمَاعِ حَرْفَيْنِ مُعْتَلَّيْنِ فِي ثُلَاثِيٍّ نَحْوُ ذَوَيْ وَحَيِي. طفي رَدَّ فِي الْقَامُوسِ، قَوْلَ الصِّحَاحِ فُلَانٌ لَفِيفُ فُلَانٍ فَقَالَ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ لَفِيفُهُ صَدِيقُهُ وَهُمْ الصَّوَابُ لَغِيفُهُ بِالْغِينِ. اهـ. وَذَوِي كَرَمْيِ وَرِضَا ذَبَلَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ، أَوْ صَحَابِيًّا؛
ــ
[منح الجليل]
أَوْ سَبَّ مَنْ) أَيْ إنْسَانًا (لَمْ يُجْمَعْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ (عَلَى نُبُوَّتِهِ) كَلُقْمَانَ وَالْخَضِرِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ عليهم السلام فَيُشَدَّدُ تَأْدِيبُهُ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ.
(أَوْ سَبَّ صَحَابِيًّا) فَيُبَالَغُ فِي تَأْدِيبِهِ. عِيَاضٌ سَبُّ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَنْقِيصِهِمْ حَرَامٌ مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي هَذَا الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعِ. الْحَطّ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِ الصَّحَابَةِ وَتَجْرِيمِ سَبِّهِمْ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ كَانُوا عَلَى كُفْرٍ أَوْ ضَلَالٍ كَافِرٌ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ جَحَدَ مَعْلُومًا مِنْ الشَّرْعِ وَكَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا مَنْ كَفَّرَ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ضَلَّلَهُمْ، وَهَلْ هُوَ كَالْمُرْتَدِّ فَيُسْتَتَابُ أَوْ الزِّنْدِيقِ فَلَا يُسْتَتَابُ، وَيُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيهِ خِلَافٌ. وَأَمَّا مَنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَذَفَهُمْ حُدَّ حَدُّهُ وَنُكِّلَ تَنْكِيلًا شَدِيدًا وَخُلِّدَ فِي الْحَبْسِ وَالْإِهَانَةِ مَا خَلَا عَائِشَةَ " رضي الله عنها "، فَإِنَّ قَاذِفَهَا يُقْتَلُ لِتَكْذِيبِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ " رضي الله عنه ".
وَاخْتُلِفَ فِي قَاذِفِ بَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِنَّ فَقِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ آذَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ، وَإِنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ الْقَذْفِ فَيُجْلَدُ جَلْدًا مُوجِعًا وَيُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا.
ابْنُ حَبِيبٍ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " قُتِلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ مُطْلَقًا، وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ قَذَفَهَا. وَفِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيث الْإِفْكِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ " رضي الله عنها " قُتِلَ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ وَسَلَّمَ فَالْمَشْهُورُ حَدُّهُ لِلْقَذْفِ وَعِقَابُهُ لِغَيْرِهِ. وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ: قَتْلَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَبُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَنْقِيصُهُمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاعِلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْ آذَاهُ وَآذَى اللَّهَ تَعَالَى، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِيهِ الِاجْتِهَادُ بِقَدْرِ قَوْلِهِ وَالْمَقُولِ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ، وَمَنْ قَالَ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ فَيُقْتَلْ. وَعَنْ
وَسَبَّ اللَّهَ كَذَلِكَ، وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ: خِلَافٌ: كَمَنْ قَالَ: لَقِيت فِي مَرَضِي، مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ.
ــ
[منح الجليل]
سَحْنُونٍ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ قَالَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ وَيُنَكَّلُ فِي غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يُقْتَلُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا كَقَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". (وَسَبَّ اللَّهَ) تَعَالَى (كَذَلِكَ) أَيْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إيجَابِ الْقَتْلِ (وَفِي اسْتِتَابَةِ) السَّابِّ (الْمُسْلِمِ) فِي الْأَصْلِ قَبْلَ سَبِّهِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ اسْتِتَابَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (خِلَافٌ) عِيَاضٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ شَتَمَ الْحَقَّ سبحانه وتعالى مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كُفْرٌ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. الْجَلَّابُ: مَنْ سَبَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَوْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ. الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ. شب الرَّاجِحُ الثَّانِي.
وَشَبَّهَ فِي الْخِلَافِ فِي الْقَتْلِ فَقَالَ (كَ) قَتْلِ (مَنْ قَالَ لَقِيت) بِكَسْرِ الْقَافِ (فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ)" رضي الله عنه " عَنْهُمَا (لَمْ اسْتَوْجِبْهُ) لِنِسْبَتِهِ اللَّهَ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَعَدَمُ قَتْلِهِ مَعَ التَّشْدِيدِ فِي تَأْدِيبِهِ خِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ فِي هَارُونَ بْنِ حَبِيبٍ أَخِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَقِيهِ، فَأَفْتَى أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَاصِمٍ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقَاضِي يُطْرَحُ الْقَتْلُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى عَلَيْهِ التَّثْقِيلَ بِالْحَبْسِ وَالشِّدَّةِ فِي الْأَدَبِ. وَأَفْتَى إبْرَاهِيمُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ الْآنَ. قَوْلُهُ تَضَمَّنَ تَجْوِيرَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَظَلُّمِهِ مِنْهُ وَالتَّعْوِيضِ فِيهِ كَالتَّصْرِيحِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.