المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في بيان أحكام القذف] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٩

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب في بيان أحكام القذف]

(بَابٌ) قَذْفُ

ــ

[منح الجليل]

الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ (لَمْ نُشْهِدْ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ (حُدَّا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ حَدَّ الزِّنَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الدُّخُولِ بِلَا إشْهَادٍ. فِيهَا إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ زَنَيْت مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ الرَّجُلُ هِيَ زَوْجَتِي، وَقَدْ وَطِئْتهَا أَوْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ فَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ حُدَّا. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ الْإِظْهَارُ وَالْإِعْلَانُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[بَابٌ فِي بَيَان أَحْكَامِ الْقَذْفِ]

(بَابٌ)

فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَذْفِ

(قَذْفُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٌ فِي التَّوْضِيحِ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ إلَى بُعْدٍ، ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا إلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَبْعُدُ وَلَا يَصِحُّ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تبارك وتعالى رَمْيًا فَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] . وَيُسَمَّى فِرْيَةً أَيْضًا مِنْ الِافْتِرَاءِ أَيْ الْكَذِبِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ إجْمَاعًا. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ سَبَّهُ بِهِ حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِسْرٍ مِنْ جُسُورِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَهُ» ، وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْقَذْفُ الْأَعَمُّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ بِالزِّنَا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ، وَالْأَخَصُّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ، فَيَخْرُجُ قَذْفُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ.

الْحَطّ حَدُّهُ الْأَخَصَّ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ قَذْفِ الْمَجْنُونِ فِيهِ، وَفِي التَّوْضِيحِ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَجْنُونًا إذَا كَانَ جُنُونُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ إلَى حِينِ قَذْفِهِ لَمْ تَتَخَلَّلْهُ إفَاقَةٌ. اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ لَوْ صَحَّ فِعْلُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُ قَاذِفِهِ فَلَا تَلْحَقُهُ مَعَرَّةٌ بِهِ،

ص: 269

الْمُكَلَّفِ حُرًّا مُسْلِمًا،

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ جُبَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ، وَكَذَلِكَ الْحَصُورُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ آلَةُ النِّسَاءِ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا فِي أَوَائِلِ الرَّجْمِ يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ وَكَانَ يَجْرِي لَنَا مُنَاقَضَتُهَا فِي الْقَذْفِ كُلُّ مَا لَا يَقُومُ فِيهِ الْحَدُّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ، وَيُجَابُ بِحَمْلِ قَوْلِهَا فِي الرَّجْمِ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا اهـ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهُ إنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَذْفَ بِقَطْعِ النَّسَبِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ اهـ.

قُلْت قَوْلُهُ يَقْتَضِي إلَخْ مَمْنُوعٌ، إذْ قَوْلُهُ أَوْ قَطْعُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نِسْبَةُ لَا عَلَى زِنًا.

وَإِضَافَةُ قَذْفِ (الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْمُلْزَمِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلَةِ فَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ الصَّبِيُّ وَلَا الْمَجْنُونُ. طفي لَوْ قَالَ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ كَمَا قَالَ فِي الدِّمَاءِ لَوَافَقَ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ، إذْ قَذْفُ حَرْبِيٍّ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا أَوْ أُسِرَ فَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَأَمَّا وَإِنْ أَتَى حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ.

وَشَرْطُ الْمَقْذُوفِ كَوْنُهُ (حُرًّا) فَلَا يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ رِقًّا. الْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ " رحمه الله " أَنَّ مَنْ نَفَى نَسَبَ عَبْدٍ لَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِيهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ الْحَدَّ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْعَبْدِ مَاتَا وَلَا وَارِثَ لَهُمَا فَلِلْعَبْدِ حَدُّ سَيِّدِهِ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ اخْتِلَافٌ. فِيهَا إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَسْت لِأَبِيك وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ وَأُمُّهُ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَوَقَفَ فِيهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ لِحَمْلِ أَبِيهِ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ، وَكَوْنُهُ (مُسْلِمًا) فَلَا يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ حُرًّا كَافِرًا سَوَاءٌ كَانَ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا أَوْ بِارْتِدَادٍ، فِيهَا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ أَوْ قَذَفَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ. الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا قَذَفَ حُرٌّ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَطَلَبَ الْعَبْدُ تَعْزِيرَ قَاذِفِهِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَعْزِيرٌ، وَنُهِيَ قَاذِفُهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَاحِشًا مَعْرُوفًا بِالْأَذَى عُزِّرَ وَأُدِّبَ عَنْ أَذَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ يُؤَدَّبُ قَاذِفُ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ لِإِذَايَتِهِ لَهُ.

ص: 270

بِنَفْيِ نَسَبٍ؛ عَنْ أَبٍ، أَوْ جَدٍّ، لَا أُمٍّ وَلَا إنْ نُبِذَ،

ــ

[منح الجليل]

وَصِلَةُ قَذْفٍ (بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ) عَنْ (جَدٍّ لِأَبٍ) صَرِيحًا كَلَسْت ابْنَ أَبِيك أَوْ جَدِّك لِأَبِيك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، كَإِشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ وَهُوَ غَيْرُ أَبِيهِ.

ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُهُ فِي الْمَنْفِيِّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ لَسْت لِأَبِيكَ وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ جُلِدَ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَفَاهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَهُوَ جَدُّهُ وَهُوَ كَافِرٌ، وَإِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَحُرِّيَّتُهُمَا لِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ الْحَدَّ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْعَبْدِ قَدْ مَاتَا وَلَا وَارِثَ لَهُمَا أَوْ لَهُمَا وَارِثٌ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحُدَّ سَيِّدَهُ فِي ذَلِكَ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَحُرِّيَّتِهِ دُونَ أُمِّهِ اخْتِلَافٌ.

فِيهَا إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ وَأُمُّهُ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَوَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ حَمَلَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ صَوَابٌ لِوُضُوحِ الْمَنْصُوصِ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُحَدُّ مَنْ قَطَعَ نَسَبَ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا لَا يُقَيَّدُ بُلُوغُهُ وَلَا عَفَافُهُ، كَقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ لَيْسَ أَبُوك الْكَافِرُ، ابْنَ أَبِيهِ فَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَقُولَ لِلْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لَسْتَ مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ وَنَحْوَهُ فِي غَيْرِهَا.

(لَا) بِنَفْيٍ عَنْ (أُمٍّ) فِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْت ابْنَ فُلَانَةَ وَهِيَ أُمُّهُ فَلَا يُحَدُّ. الْخَرَشِيُّ لِأَنَّ أُمُومَتَهَا لَهُ مُحَقَّقَةٌ مُشَاهَدَةٌ فَنَفْيُهَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا تَلْحَقُهُ بِهِ مَعَرَّةٌ وَأُبُوَّةُ أَبِيهِ لَهُ مَظْنُونَةٌ خَفِيَّةٌ فَلَا يُعْلَمُ كَذِبُ نَافِيهَا فَتَلْحَقُ الْمَعَرَّةُ الْمَنْفِيَّ (وَلَا) يُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مُعَيَّنٍ (إنْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ قَدْ (نُبِذَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ، أَيْ طُرِحَ عَقِبَ وِلَادَتِهِ مَا دَامَ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَحَدٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ نَعْلَمْ مَنْبُوذًا، إلَّا وَلَدَ زِنًا فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَحَدٌ وَلَحِقَ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ مُكَلَّفٌ بِنَفْيِهِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ.

الْبُنَانِيُّ فِي نَفْيِ الْمَنْبُوذِ صُورَتَانِ الْأُولَى نَفْيُهُ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ كَلَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَلَا حَدَّ بِهَذَا اتِّفَاقًا، وَالثَّانِيَةُ رَمْيُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ زِنًا، وَفِيهَا قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ لَا يُحَدُّ. ابْنُ رُشْدٍ يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِرِشْدَةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ خِلَافُ الزَّانِيَةِ، أَيْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَالْأَمْرُ

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

إذَا احْتَمَلَ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَمَعْلُومٌ تَقْدِيمُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خِلَافُهُ، فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ فَهَذَا قَذْفٌ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ بِالزِّنَا لَا لَهُ بِنَفْيِ نَسَبٍ فَلَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِجَهْلِ أَبَوَيْهِ وَابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ الْمَنْبُوذَ لَا يَكُونُ إلَّا ابْنَ زِنًا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ جَهْلَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّ اللَّقِيطَ كَذَلِكَ وَالنَّصُّ حَدُّ قَاذِفِهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا قَذْفٌ بِنَفْيِ نَسَبٍ وَكَلَامُهُ فِيهِ.

الْحَطّ فِي التَّنْبِيهَاتِ اللَّقِيطُ حَيْثُ وُجِدَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ وُجِدَ فِي صِغَرِهِ وَالْمَنْبُوذُ الَّذِي وُجِدَ مَنْبُوذًا أَوَّلَ مَا وُلِدَ، وَقِيلَ اللَّقِيطُ مَا اُلْتُقِطَ مِنْ الصِّغَارِ فِي الشَّدَائِدِ وَالْجَلَاءِ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَذَفَ اللَّقِيطَ بِأَبِيهِ يُحَدُّ، وَمَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِهِ فَلَا يُحَدُّ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا نَعْلَمُ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَا، وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ وَأَرَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يُخَرِّجَ خِلَافَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا، أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ وَسَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ مَنْ يُطْرَحْ يَعِشْ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي النَّادِرِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الْمُعْتَادِ، وَفِي هَذِهِ نَازِلَةٌ وَقَعَتْ شَاذَّةً لَهَا دَلَائِلُ وَإِلَّا فَالْغَالِبُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا اهـ.

قَوْلُهُ وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ يَعْنِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مَنْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لِلَّخْمِيِّ إذْ قَالَ فِي اللَّقِيطِ وَأَمَّا نَسَبُهُ فَإِنَّ مَحْمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَأَنَّهُ لِرِشْدَةٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفِ الْأَبِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لَا أَبَا لَهُ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَا حُدَّ لَهُ.

وَاخْتُلِفَ إذَا اسْتَلْحَقَهُ رَجُلٌ، فَفِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، ثُمَّ قَالَ حُكْمُ الْمَنْبُوذِ حُكْمُ اللَّقِيطِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ. وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ فَجَعَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِلزَّانِيَةِ لَا نَسَبَ لَهُ، وَقَالَ مَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلَا يُحَدُّ، وَقَدْ قِيلَ الْمَنْبُوذُ مَنْ نُبِذَ عِنْدَمَا وُلِدَ وَالشَّأْنُ إنَّمَا يُفْعَلُ هَذَا بِمَا وُلِدَ عَنْ زِنًا وَاللَّقِيطُ مَا طُرِحَ

ص: 272

أَوْ زِنًا، إنْ كُلِّفَ، وَعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ

ــ

[منح الجليل]

عِنْدَ شِدَّةٍ وَجَدْبٍ لَا عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَلِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَبْسُوطَةِ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا مَنْبُوذُ، قَالَ لَمْ نَعْلَمْ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَا، وَأَرَى عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ، وَكُلُّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ، وَسَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ إذَا طُرِحَ عَاشَ، وَهَذَا إنَّمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ اهـ.

ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ أَطْلَقَ ابْنُ شَعْبَانَ عَلَى اللَّقِيطِ لَفْظَ مَنْبُوذٍ، وَتَرْجَمَ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي الْمُوَطَّإِ بِالْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ اللَّقِيطِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَنْبُوذَ هُوَ مَنْ طُرِحَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَأَنَّ اللَّقِيطَ مَنْ طُرِحَ بَعْدَهَا لِشِدَّةٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى اللَّقِيطِ اسْمُ الْمَنْبُوذِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ وَلَا إنْ نُبِذَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَاهُ، وَأَنَّ مَنْ نَفَى مَنْبُوذًا عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مُعَيَّنٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ مُعَيَّنٌ وَلَا جَدَّ فَلَا نَسَبَ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَا أَبَا لَهُ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَا فَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْمَبْسُوطِ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا فِي الْبَيَانِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِح وَالْمُحَشِّي مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْبُوذٍ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ فَبَعِيدٌ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي نَفْيِ النَّسَبِ لَا فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِمَنْبُوذٍ يَا وَلَدَ الزَّانِي أَوْ الزَّانِيَةِ، وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا كَوْنُهُ وَلَدَ زَانِيَةٍ لَا كَوْنُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ غَيْرَ مَعْرُوفَيْنِ لِأَنَّ هَذَا فِي اللَّقِيطِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى حَدِّ مَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ.

(أَوْ) قَذَفَ الْمُكَلَّفُ حُرًّا مُسْلِمًا بِ (زِنًا) بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلِّوَاطِ (إنْ كُلِّفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ أُلْزِمَ الْمَقْذُوفُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ فَلَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بِزِنًا (وَ) إنْ (عَفَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُثَقَّلًا، أَيْ صَانَ الْمَقْذُوفُ نَفْسَهُ عَنْ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا، وَلَوْ حُدَّ فِيهِ وَتَابَ مِنْهُ وَصِلَةُ عَفَّ (عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ الرَّجْمَ أَوْ الْجَلْدَ، وَإِنْ لَمْ يَعِفَّ عَمَّا دُونَهُ كَمُقَدِّمَاتٍ وَإِتْيَانِ بَهِيمَةٍ.

ص: 273

بِآلَةٍ، وَبَلَغَ كَأَنْ بَلَغَتْ الْوَطْءَ،

ــ

[منح الجليل]

الْبُنَانِيُّ الْعَفَافُ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ حُدَّ فِي الزِّنَا وَلَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا هَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْأُسْتَاذِ: الْعَفَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِمَوَاضِعِ الزِّنَا، فَفِي النَّوَادِرِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ قَذَفَ مَنْ جُلِدَ فِي زِنًا فَلَا يُحَدُّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُؤَدَّبُ بِإِذَايَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ حُدَّ فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَذِيَّةٍ لِإِذَايَتِهِ لِلْمَقْذُوفِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ مُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ حُدَّ فِي الزِّنَا أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ فِيهِ. الْمُوَضَّحُ لَا يَعُودُ الْعَفَافُ أَبَدًا وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَعَفَافُ الْمَقْذُوفِ الْمُوجِبُ حَدَّ قَاذِفِهِ مَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّهُ السَّلَامَةُ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا قَبْلَ قَذْفِهِ وَبَعْدَهُ. وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ حَالَ كَوْنِهِ (بِآلَةٍ) لِلْوَطْءِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْبُوبِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَالْعِنِّينِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فَلَا مَعَرَّةَ عَلَى الْمَقْذُوفِ (وَ) إنْ (بَلَغَ) الْمَقْذُوفُ بِأَنَّهُ فَاعِلُ الْحُلُمَ وَصَرَّحَ بِهِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلِّفَ لِيُشَبِّهَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (بَلَغَتْ) الْأُنْثَى (الْوَطْءَ) أَيْ إطَاقَتَهُ وَلَمْ تَبْلُغْ الْحُلُمَ فَيُحَدُّ قَاذِفُهَا بِالزِّنَا لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهَا بِهِ وَمِثْلُهَا الذَّكَرُ الْمُطِيقُ الْمَقْذُوفُ بِاللِّوَاطِ فِيهِ، فَفِي التَّوْضِيحِ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ فِي الْقَذْفِ بِاللِّوَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَاعِلِ لَا الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْبِنْتِ بِذَلِكَ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ.

ابْنُ عَرَفَةَ مُطِيقَةٌ لِوَطْءٍ كَالْبَالِغَةِ لِقَوْلِهَا مَنْ قَذَفَ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ الْحَيْضَ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ يُجَامَعُ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ " رضي الله عنهم " يُحَدُّ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُحَدُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهَا بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ تَكْلِيفُ الْقَاذِفِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِذَلِكَ، وَشَرْطُ الْمَقْذُوفِ بِفِعْلِهِ بُلُوغُهُ وَإِسْلَامُهُ وَعَفَافُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَعَقْلُهُ حِينَ رَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ لِقَوْلِهَا كُلُّ مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ رَمَى امْرَأَةً بِبَهِيمَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَكَذَا

ص: 274

أَوْ مَحْمُولًا،

ــ

[منح الجليل]

مَنْ رَمَى بِهِ بَرِيئًا مِنْ الرِّجَالِ وَقَالَ رَبِيعَةُ فِيهِ النَّكَالُ.

(أَوْ مَحْمُولًا)" غ " كَذَا فِي النُّسَخِ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نُبِذَ، أَيْ أَوْ كَانَ مَحْمُولًا وَلَا يَخْفَاك مَا فِيهِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ أَوْ مَفْعُولًا كَأَنَّهُ قَالَ كَأَنْ بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ الْوَطْءَ أَوْ سَمَّى الْقَاذِفَ الصَّبِيَّ مَفْعُولًا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ فِي اللِّوَاطِ إذَا كَانَ فَاعِلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَفْعُولًا بِهِ فَلَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الصَّبِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَهُوَ مِمَّا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ تَقَايِيدِ أَئِمَّتِنَا الْفَاسِيِّينَ. طفى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَحْمُولُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ لِأَنَّ الْمَحْمُولِينَ لَا تُعْلَمُ صِحَّةُ أَنْسَابِهِمْ لِآبَائِهِمْ الْمُعَيَّنِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ آبَاؤُهُمْ فَمَنْ نَفَى أَحَدَهُمْ عَنْ بُنُوَّةِ فُلَانٍ مَثَلًا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ نَسَبِهِ فَلَمْ يَقْذِفْهُ، ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ فَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَجْهُولَ النَّسَبِ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْمَحْمُولِ عَنْ الْأَبِ مُطْلَقًا بِأَنْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا أَنَّهُ يُحَدُّ قَائِلُ ذَلِكَ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَاهُمْ التَّوَارُثَ بِالنَّسَبِ لِجَهْلِنَا آبَاءَهُمْ لَا أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ زِنًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ إذَايَةَ الْمَحْمُولِينَ بِنَفْيِ أَنْسَابِهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ دُونَ إذَايَةِ غَيْرِهِمْ بِذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ مُسَاوَاتُهُمْ.

" غ " انْتَحَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ نَفْيُ الْمَحْمُولِ عَنْ الْأَبِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ لِأَحَدِهِمْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ابْنُ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَاهُمْ التَّوَارُثَ بِالنَّسَبِ بِجَهْلِنَا آبَاءَهُمْ لَا أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ زِنًا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ تَوْأَمَيْ الْمُحْتَمِلَةِ شَقِيقَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ إذَايَةَ الْمَحْمُولِينَ بِنَفْيِ أَنْسَابِهِمْ دُونَ إذَايَةِ غَيْرِهِمْ بِهِ، فَامْتَنَعَتْ مُسَاوَاتُهُمْ فِي الْحُكْمِ. وَفِي التَّوْضِيحِ الْمَحْمُولُونَ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ الْمَسْبِيُّونَ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ قَالَ لَهُ يَا وَلَدَ الزِّنَا قَالَهُ أَشْهَبُ اهـ.

طفي مَا قَالُوهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَحْمُولُ يُحَدُّ مَنْ قَذَفَهُ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَحْمُولِ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْمَنْبُوذِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَفِي التَّوْضِيحِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ الْغَرِيبِ يُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ

ص: 275

وَإِنْ مُلَاعَنَةً وَابْنَهَا، أَوْ عَرَّضَ غَيْرُ أَبٍ،

ــ

[منح الجليل]

الزَّانِيَةِ وَهُوَ لَا تُعْرَفُ أُمُّهُ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " أَرَى أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ إذَا كَانَ رَجُلًا مُسْلِمًا وَقَدْ يَقْدَمُ الرَّجُلُ الْبَلَدَ فَيُقِيمُ فِيهِ سِنِينَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَيَقْذِفُهُ رَجُلٌ أَيُقَالُ لَهُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أُمَّك حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَأَرَى أَنْ يُضْرَبَ مَنْ قَذَفَهُ وَالظَّالِمُ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ أُمَّ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ نَسْخَهُ مَجْهُولٌ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ تَصْحِيفٌ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ. اهـ. أَيْ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْغَرِيبِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمَجْهُولَ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُحَدُّ الْمُكَلَّفُ الَّذِي قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَفِيفًا بِآلَةٍ بَالِغًا أَوْ مُطِيقًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُلَاعَنَةٍ وَابْنَهَا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ مَرْأَةً (مُلَاعَنَةً) مِنْ زَوْجِهَا لِرُؤْيَتِهَا تَزْنِي أَوْ ظُهُورِ حَمْلٍ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَابْنَهَا) أَيْ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ فَمَنْ رَمَاهَا بِالزِّنَا الَّذِي لَاعَنَهَا زَوْجُهَا بِهِ، أَوْ قَالَ لِابْنِهَا، يَا ابْنَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ ثَبَتَ لَرُجِمَتْ وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُ الْمَلَاعِنِ وَلَدَهَا. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " عَلَى قَاذِفِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَقَاذِفِ أُمِّهِ الْحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ الْمُلَاعَنَةُ وَابْنُهَا كَغَيْرِهِمَا وَاضِحٌ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الزِّنَا لِعَدَمِ انْتِفَاءِ عِفَّتِهِمَا بِمَا اتَّصَفَا بِهِ. وَفِيهَا مَنْ قَذَفَ مُلَاعَنَةً الْتَعَنَتْ بِوَلَدٍ أَوْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ. ابْنُ يُونُسَ مَنْ قَالَ لِابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لَا أَبَا لَهُ حُدَّ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ، وَسَوَاءٌ صَرَّحَ الْمُكَلَّفُ بِالْقَذْفِ (أَوْ عَرَّضَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مُعْجَمًا الضَّادُ بِهِ، وَفَاعِلُ عَرَّضَ (غَيْرُ أَبٍ) لِلْمَقْذُوفِ بِتَعْرِيضِ الْأَبِ بِقَذْفِ ابْنِهِ لَا يُوجِبُ حَدَّهُ. عج أَرَادَ بِالْأَبِ الْجِنْسَ الشَّامِلَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمَّهَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، فَلَوْ قَالَ عَرَّضَ غَيْرُ أَصْلٍ لَوَفَى بِهَذَا. طفي اُنْظُرْ مُسْتَنَدَهُ مِنْ النَّقْلِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي عِبَارَاتِ الْأَئِمَّةِ كَالْمُوَضِّحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ الْأَبُ. ابْنُ مُحْرِزٍ مَنْ عَرَّضَ لِوَلَدِهِ فَلَا يُحَدُّ لِبُعْدِهِ عَنْ التُّهْمَةِ فِي وَلَدِهِ. اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ التَّعْرِيضُ مِنْ الْأَبِ لِوَلَدِهِ فَلَا يُحَدُّ. الْبُنَانِيُّ التَّعْلِيلُ بِالْبُعْدِ عَنْ التُّهْمَةِ يُفِيدُ مَا قَالَهُ عج لِوُجُودِهِ فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ.

قُلْت وَيُفِيدُهُ أَيْضًا تَعْبِيرُ ابْنِ مُحْرِزٍ بِمَنْ.

ص: 276

إنْ أَفْهَمَ يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَإِنْ كَرَّرَ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ

ــ

[منح الجليل]

وَشَرْطُ حَدِّ غَيْرِهِ بِالتَّعْرِيضِ بِهِ (إنْ أَفْهَمَ) التَّعْرِيضُ الْقَذْفَ بِقَرِينَةٍ نَحْوِ خِصَامٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ زَوْجًا لِزَوْجَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ صَرِيحَةٌ وَهِيَ مَا دَلَّ بِذَاتِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى إرَادَةِ غَيْرِهِ. الْبَاجِيَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَقَالَ أَرَدْت أَنَّهُ زَانٍ فِي الْجَبَلِ يُقَالُ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ إذَا صَعِدْت، قَالَ أَصْبَغُ يُحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَمْ يَقُلْهُ فِي مُسَابَّةٍ. ابْنُ حَبِيبٍ يُرِيدُ وَيَحْلِفُ وَتَعْرِيضٌ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ بَيِّنَةٍ. ابْنُ شَاسٍ كَقَوْلِهِ أَمَا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ قُلْت إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفُ الْفَرْجِ وَمَا أَنَا بِزَانٍ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُحَدُّ فَقَيَّدَ الْحَدَّ بِقَوْلِهِ مَا أَنَا بِزَانٍ بِكَوْنِهِ فِي مُشَاتَمَةٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شَاسٍ بِقَوْلِهِ أَمَّا أَنَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا أَنَا بِزَانٍ أَوْ أُخْبِرْت أَنَّك زَانٍ حُدَّ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الصِّقِلِّيُّ بِشَيْءٍ، وَفِي الْمُوَطَّإِ تَقْيِيدُهُ بِالْمُسَابَّةِ وَخَبَرُ قَذْفُ الْمُكَلَّفِ إلَخْ (يُوجِبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ الْقَذْفَ عَلَى الْقَاذِفِ (ثَمَانِينَ جَلْدَةً) إنْ قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا وَاحِدًا وَلَمْ يُكَرِّرْهُ، بَلْ (وَلَوْ كَرَّرَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الْقَذْفَ (لِ) مَقْذُوفٍ (وَاحِدٍ أَوْ) كَانَ قَذَفَهُ لِ (جَمَاعَةٍ) مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ قَامُوا عَلَيْهِ مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ قَامَ بَعْضُهُمْ وَسَكَتَ غَيْرُهُ فَلَا يُكَرَّرُ حَدُّهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَمَانِينَ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ قَذَفَ أُنَاسًا شَتَّى فِي مَجَالِسَ فَحَدُّهُ لِأَحَدِهِمْ حَدٌّ لِجَمِيعِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ حِينَ حَدِّهِ. اللَّخْمِيُّ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ إنْ اجْتَمَعُوا وَقَامُوا بِهِ حُدَّ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ افْتَرَقُوا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَدُّهُ، وَذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ ثَالِثًا أَنَّهُ يُحَدُّ بِعَدَدِ مَنْ رَمَى كَانَ الْقَذْفُ مُفْتَرِقًا وَفِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.

ابْنُ رُشْدٍ خَالَفَ الْمُغِيرَةَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَقَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ، لِقَوْلِهِمْ الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ الْحُدُودِ إلَّا الْفِرْيَةَ فَيُحَدُّ لَهَا ثُمَّ يُقْتَلُ، وَفِيهَا مَعَ سَمَاعِ عِيسَى مَنْ قَذَفَ قَوْمًا فَلَمْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حَتَّى حُدَّ لِشُرْبِ خَمْرٍ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ كُلِّ فِرْيَةٍ كَانَتْ قَبْلَهُ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ هَذَا أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يَدْفَعُ مَعَرَّةَ الْقَذْفِ. ابْنُ حَارِثٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَدْخُلُ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَيُقَامُ

ص: 277

إلَّا بَعْدَهُ

وَنِصْفَهُ عَلَى الْعَبْدِ، كَلَسْتُ بِزَانٍ، أَوْ زَنَتْ عَيْنُكَ أَوْ مُكْرَهَةً،

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ الْحَدَّانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَدْخُلُ حَدُّ الْفِرْيَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا. اللَّخْمِيُّ إنْ شَرِبَ خَمْرًا مِرَارًا أَوْ زَنَى مِرَارًا أَوْ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ مِرَارًا أَجْزَأَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَذَفَ جَمَاعَةً.

(إلَّا) أَنْ يُكَرِّرَهُ لِوَاحِدٍ أَوْ يَقْذِفَ غَيْرَ الْمَقْذُوفِ أَوَّلًا (بَعْدَهُ) أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ فَيُعَادُ الْحَدُّ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ قَذْفٌ مُؤْتَنَفٌ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّكَرُّرِ بَيْنَ التَّصْرِيحِ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ مَا كَذَبْت أَوْ لَقَدْ صَدَقْت. ابْنُ عَرَفَةَ فِي رَجْمِهَا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيَةً حُدَّ لَهُ ثَانِيَةً، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الضَّرْبِ صَدَقْت عَلَيْك أَوْ مَا كَذَبْت جُلِدَ ثَمَانِينَ لِأَنَّهُ قَذْفٌ مُؤْتَنَفٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْعُقُوبَةُ فِي تَمَادِيهِ عَلَيْهِ.

(وَ) يُوجِبُ الْقَذْفُ (عَلَى) الْقَاذِفِ (الْعَبْدِ) أَوْ الْأَمَةِ (نِصْفَهُ) أَيْ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَقَدْرُ حَدِّهِ عَلَى الْحُرِّ ثَمَانُونَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَشَطْرُهَا عَلَى ذِي الرِّقِّ، وَمَثَّلَ لِلتَّعْرِيضِ فَقَالَ (كَ) قَوْلِهِ فِي مُشَاتَمَةٍ (لَسْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (بِزَانٍ أَوْ زَنَتْ عَيْنُك) أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ أُذُنُك فَيُحَدُّ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِزِنَا فَرْجِهِ لِأَنَّ زِنَاهُ يَسْرِي لِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، فَيَلْزَمُ مِنْ نِسْبَتِهِ لِبَعْضِهَا نِسْبَتُهُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعَيْنِ الذَّاتَ فَهُوَ مِنْ الصَّرِيحِ. ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مِثْلِ زَنَتْ عَيْنُك أَوْ رِجْلُك قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ الْحَدِّ وَقَوْلُ أَشْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ مِنْ التَّعْرِيضِ أَمْ لَا وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَثَرِ مَا تَكَلَّمَ بِبَاطِلٍ أَوْ بَطَشَ بِهِ أَوْ سَعَى فِيهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَلَا يُحَدُّ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَى فَرْجُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك حُدَّ. الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَشْهَبَ لَا يُحَدُّ فِي قَوْلِهِ زَنَتْ يَدَاك أَوْ رِجْلَاك وَيُنَكَّلُ.

(أَوْ) قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ حَالَ كَوْنِك (مُكْرَهَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الزِّنَا فَيُحَدُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ أَوْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ وَيُلَاعِنُهَا. فِيهَا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ

ص: 278

أَوْ عَفِيفُ الْفَرْجِ

أَوْ لِعَرَبِيٍّ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ،

ــ

[منح الجليل]

زَنَيْتِ مُسْتَكْرَهَةً أَوْ قَالَهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ الزَّوْجَةَ وَيُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ فِي هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا اسْمُ الزِّنَا لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْأَخْبَارَ بِوَطْئِهَا غَصْبًا.

أَبُو الْحَسَنِ هَذَا مُعَارِضٌ لِقَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ أَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ قَالَهُ لِرَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَمْ يَنْفَعْهُ وَيُحَدُّ لِأَنَّ هَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزِّنَا فَجَعَلَهُ فِي الْمُكْرَهَةِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ زِنًا، وَفِي الْمَسَائِلِ الْأُخْرَى يُحَدُّ وَإِنْ أَثْبَتَ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ زِنًا وَهَذَا هُوَ النَّصُّ، وَهُوَ وُجُودُ الْعِلَّةِ، وَلَا حُكْمَ فَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الِاسْتِكْرَاهِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُمَا وُطِئَتَا غَصْبًا، إذْ هَذَا حَادِثٌ عَظِيمٌ يُتَحَدَّثُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ لَا عَلَى الْقَذْفِ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْأُخْرَى لَا يَتَحَدَّثُ بِزِنَا أَهْلِ الصِّغَرِ وَالْكُفْرِ.

(أَوْ) قَوْلُهُ فِي مُشَاتَمَةٍ أَنَا أَوْ أَنْتَ (عَفِيفُ الْفَرْجِ) فَيُحَدُّ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِزِنَا الْمُخَاطَبِ فَإِنْ قَالَهُ فِي غَيْرِ مُشَاتَمَةٍ فَلَا يُحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي مُشَاتَمَةٍ: إنِّي لَعَفِيفٌ حُدَّ، وَلَوْ قَالَهُ لِرَجُلٍ حُدَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ عَفِيفًا فِي الْمَكْسَبِ وَالْمَطْعَمِ فَلْيَحْلِفْ وَلَا يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفُ الْفَرْجِ حُدَّ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ حَلَفَ مَا أَرَادَ قَذْفًا وَعُوقِبَ. أَصْبَغُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ.

(أَوْ) قَوْلُهُ (لِ) شَخْصٍ (عَرَبِيٍّ) أَيْ مَنْسُوبٍ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ سَجِيَّةً سَوَاءٌ سَكَنُوا حَاضِرَةً أَوْ بَادِيَةً لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ (مَا) نَافِيَةٌ (أَنْتَ بِحُرٍّ) فَيُحَدُّ لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ. ابْنُ مَرْزُوقٍ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ صِحَّةِ تَسْلِيطِ الرِّقِّيَّةِ عَلَى الْعَرَبِ وَأَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي صِحَّةِ اسْتِرْقَاقِهِمْ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ سِوَى الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. وَأَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْغَلَبَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَلَّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ بَحْثَ ابْنِ مَرْزُوقٍ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الْحُكْمِ لَا فِي تَوْجِيهِهِ فَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ لَا يُقَالُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا مَوْلَى

ص: 279

أَوْ يَا رُومِيُّ كَأَنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ، بِخِلَافِ جَدِّهِ،

ــ

[منح الجليل]

أَوْ يَا عَبْدُ حُدَّ. اهـ. وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَا بِمُتَسَاوِيَيْنِ لِأَنَّ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ مِنْ قَبِيلِ التَّلْوِيحِ وَالْكِنَايَةِ لِتَعَدُّدِ الِانْتِقَالِ وَمَوْلًى وَعَبْدٌ مِنْ قَبِيلِ التَّعْرِيضِ لِاتِّحَادِهِ، وَفِيهِ وَرَدَ النَّصُّ عَنْ عُمَرَ " رضي الله عنه " بِالْحَدِّ، هَذَا مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي هُوَ مَتْبُوعُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْفَرْعِ خِلَافًا لِغَيْرِهِ فِي إطْلَاقِ التَّعْرِيضِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ.

وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّعْرِيضُ إنْ كَانَ مَفْهُومًا كَالصَّرِيحِ مِثْلُ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ وَالْكِنَايَةُ كَذَلِكَ مِثْلُ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ أَوْ يَا رُومِيُّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ لِعَرَبِيٍّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ تَقْرِيرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيضِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْكِنَايَةِ وَالْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ " رضي الله عنه " إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْرِيضِ، وَهَذَا أَصْلُ الْبَابِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكِنَايَةِ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ، اعْتِرَاضٌ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي إلْحَاقِ الْكِنَايَةِ بِالتَّعْرِيضِ، وَهُوَ عَيْنُ إشْكَالِ ابْنِ مَرْزُوقٍ، وَيَلْزَمُ ابْنَ الْحَاجِبِ اعْتِرَاضٌ آخَرُ وَهُوَ عَبْدٌ يَا رُومِيُّ وَيَا فَارِسِيُّ مِنْ الْكِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ التَّعْرِيضِ، وَلِذَا قَصَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ اعْتِرَاضَهُ عَلَى مَا أَنْتَ بِحُرٍّ وَذَكَرَ النَّاسُ الْحَدَّ فِي يَا رُومِيُّ وَيَا فَارِسِيُّ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا أَنْتَ بِحُرٍّ، قَالَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ زِكْرِيّ، قَالَهُ الْبُنَانِيُّ.

(أَوْ) قَوْلُهُ لِعَرَبِيٍّ (يَا رُومِيُّ) أَوْ يَا نَبَطِيُّ أَوْ يَا بَرْبَرِيُّ أَوْ يَا قِبْطِيُّ فَيُحَدُّ لِقَطْعِهِ نَسَبَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ لَسْت مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ قَالَ لَهُ يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ أَوْ يَا رُومِيُّ أَوْ يَا بَرْبَرِيُّ حُدَّ، وَإِنْ قَالَ لِفَارِسِيٍّ أَوْ بَرْبَرِيٍّ يَا عَرَبِيُّ فَلَا يُحَدُّ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِبَرْبَرِيٍّ أَوْ لِرُومِيٍّ يَا حَبَشِيُّ هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا، وَأَرَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.

وَشَبَّهَ فِي الْحَدِّ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ (نَسَبَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ (لِعَمِّهِ) أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ عَمُّهُ أَوْ زَوْجُ أُمِّهِ فَيُحَدُّ لِقَطْعِهِ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ (بِخِلَافِ) نِسْبَتِهِ لِ (جَدِّهِ) لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلَا تُوجِبُ الْحَدَّ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ وَهُوَ جَدُّهُ لِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ، فَقَدْ صَدَقَ فِي نِسْبَتِهِ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مُشَاتَمَةٍ

ص: 280

وَكَأَنْ قَالَ: أَنَا نَغِلٌ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ فَنَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ وَلَوْ فِي مُشَاتَمَةٍ فَلَا يُحَدُّ، وَكَذَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ حُدَّ، وَكَذَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ عَلَى غَيْرِ سِبَابٍ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْبَاجِيَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحَدُّ، قَالَ وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ، قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ، مِثْلُ أَنْ يَتَّهِمَ جَدَّهُ بِأُمِّهِ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا يُحَدُّ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ فِي خُلُقٍ أَوْ طَبْعٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي نِسْبَتِهِ إيَّاهُ إلَى عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجِ أُمٍّ، قَالَ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ، قَالَ أَصْبَغُ قَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعَمَّ أَبًا فَقَالَ {إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَنَحْوُهُ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ شَاسٍ، وَظَاهِرُهُ أَوْ نَصُّهُ أَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ كَقَوْلِ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ فِي مُشَاتَمَةٍ فَلَا يُحَدُّ إلَّا بِبَيَانِ الْقَذْفِ بِخِلَافِ عَمِّهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ فِيهِمَا، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا بِخِلَافِ خَالِهِ وَزَوْجِ أُمِّهِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ أَصْبَغَ خِلَافُ نَقْلِ مَنْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ أَخَذَ نَصَّ قَوْلِ أَصْبَغَ بِالْجَدِّ وَالْعَمِّ مِنْ مَفْهُومِ اسْتِدْلَالِهِ.

وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْحَدِّ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَكَأَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (قَالَ) الْمُكَلَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (أَنَا نَغِلٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. الْجَوْهَرِيُّ أَيْ فَاسِدُ النَّسَبِ. الزُّبَيْدِيُّ أَيْ وَلَدُ زَانِيَةٍ فَيُحَدُّ لِقَذْفِهِ أُمَّهُ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْمَالِكِيُّ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا نَغْلٌ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ هُوَ نَغِلٌ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ، وَكَذَا لَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ لِبَطْنٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ عَشِيرَةٍ غَيْرِ بَطْنِهِ وَنَسَبِهِ وَعَشِيرَتِهِ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ. قُلْت اللَّفْظَةُ بِالنُّونِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. الْجَوْهَرِيُّ نَغِلَ الْأَدِيمُ بِالْكَسْرِ، أَيْ فَسَدَ فَهُوَ نَغِلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ نَغِلٌ إذَا كَانَ فَاسِدَ النَّسَبِ. قُلْت يَنْبَغِي ضَبْطُ الْغَيْنِ بِالْكَسْرِ عَلَى وَزْنِ حَذِرٍ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ طَرْدُ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا ثُمَّ عَفَا الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ عَنْ الْقَاذِفِ

ص: 281

أَوْ وَلَدُ زِنًا، أَوْ كَيَا قَحْبَةُ

أَوْ قَرْنَانُ، أَوْ يَا ابْنَ مُنْزِلَةِ الرُّكْبَانِ،

ــ

[منح الجليل]

أَنَّ لِأُمِّهِ الْقِيَامَ بِحَقِّهَا فِي الْحَدِّ. قُلْت هَذَا اللَّازِمُ حَقٌّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْتَ لِأَبِيك ضُرِبَ الْحَدَّ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ ذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَطَعَ نَسَبَ عَبْدٍ وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.

(أَوْ) قَالَ الْمُكَلَّفُ لِنَفْسِهِ إنَّهُ (وَلَدُ زِنًا) فَيُحَدُّ لِقَذْفِهِ أُمَّهُ (أَوْ) قَالَهُ لِمَرْأَةٍ (كَيَا قَحْبَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْقَحْبِ أَصْلُهُ الطَّعْنُ فِي السِّنِّ وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَدْعُو الْفَاجِرَةَ بِالْقِحَابِ وَالرَّوَاءِ، أَيْ السُّعَالِ وَالْقَيْحِ فِي الرِّئَةِ أُطْلِقَ عَلَى الزَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْعُلُ وَتَتَنَحْنَحُ رَامِزَةً بِذَلِكَ لِمَنْ يُرِيدُهَا فَيُحَدُّ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ صَبِيَّةً بِالتَّصْغِيرِ وَعَاهِرَةً وَفَاجِرَةً إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِقَصْرِهَا عَلَى الزَّانِيَةِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ فِيهِ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ طفي لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ وَلَا فِي شَامِلِهِ لَفْظَ فَاجِرَةٍ هُنَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَدَبُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ وَيَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ.

(أَوْ) قَالَ لِرَجُلٍ (يَا قَرْنَانُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَنُونَانِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ عَلَمُ جِنْسٍ لِزَوْجِ الزَّانِيَةِ لِقَرْنِهِ غَيْرَهُ مَعَهُ عَلَيْهَا فَيُحَدُّ لِلْمَرْأَةِ وَيُؤَدَّبُ لِلرَّجُلِ مِنْ الْقِرَانِ وَهُوَ الْجَمْعُ، وَكَذَلِكَ قَرْنٌ وَقِرَانٌ وَمُعَرَّصٌ وَطَحَّانٌ. الْقَرَافِيُّ الْمَدَارُ عَلَى الدَّلَالَاتِ الْعُرْفِيَّةِ.

(أَوْ يَا ابْنَ مُنْزِلَةِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ فَتْحِ مُثَقَّلِ الزَّايِ (الرُّكْبَانِ) فَيُحَدُّ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا طَلَبَتْ الْفَاحِشَةَ أَنْزَلَتْ الرُّكْبَانَ عِنْدَهَا، وَضَابِطُ هَذَا الِاشْتِهَارَاتُ الْعُرْفِيَّةُ وَالْقَرَائِنُ الْحَالِيَّةُ، فَمَتَى فُقِدَ أُحْلِفَ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا يُحَدُّ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْعُرْفُ وَبَطَلَ بَطَلَ الْحَدُّ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ ذَاتَ الرَّايَةِ وَمُنْزِلَةَ الرُّكْبَانِ لَا يُوجِبَانِ حَدًّا الْآنَ، وَأَنَّهُ لَوْ اُشْتُهِرَ فِي الْقَذْفِ مَا لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ لَأَوْجَبَهُ.

ص: 282

أَوْ ذَاتِ الرَّايَةِ، أَوْ فَعَلْتُ بِهَا فِي عُكَنِهَا؛ لَا إنْ نَسَبَ جِنْسًا لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَبْيَضَ لِأَسْوَدَ،

ــ

[منح الجليل]

(أَوْ) قَالَ (يَا ابْنَ ذَاتِ الرَّايَةِ) فَيُحَدُّ فِي الذَّخِيرَةِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا طَلَبَتْ الْفَاحِشَةَ جَعَلَتْ عَلَى بَابِهَا رَايَةً (أَوْ) قَالَ (فَعَلْت) بِضَمِّ التَّاءِ (بِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (فِي عُكَنِهَا) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ جَمْعُ عُكْنَةٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، أَيْ طَيَّاتِ بَطْنِهَا مِنْ سِمَنِهَا فَيُحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ (لَا) يُحَدُّ (إنْ نَسَبَ) الْمُكَلَّفَ (جِنْسًا) أَيْ صِنْفًا مِنْ الْإِنْسَانِ غَيْرِ الْعَرَبِ بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ الْمَنْسُوبُ أَبْيَضَ لِمِثْلِهِ كَقَوْلِهِ لِلرُّومِيِّ يَا شَامِيُّ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ لِمِثْلِهِ كَقَوْلِهِ لِلْبَرْبَرِيِّ يَا حَبَشِيُّ أَوْ عَكْسُهُ، بَلْ (وَلَوْ) نَسَبَ (أَبْيَضَ لِأَسْوَدَ) كَقَوْلِهِ لِلرُّومِيِّ يَا زِنْجِيُّ أَوْ عَكْسِهِ بِأَنْ قَالَ لِلْحَبَشِيِّ يَا رُومِيُّ.

فِيهَا إنْ قَالَ لِفَارِسِيٍّ يَا رُومِيُّ أَوْ يَا حَبَشِيُّ أَوْ لِرُومِيٍّ يَا حَبَشِيُّ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَا يُحَدُّ. ابْنُ الْقَاسِمِ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا وَأَنَا أَرَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ أَسْوَدُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فَأَمَّا إنْ نَسَبَهُ إلَى حَبَشِيٍّ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ وَهُوَ بَرْبَرِيٌّ، فَالْحَبَشِيُّ وَالرُّومِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ إذَا كَانَ بَرْبَرِيًّا. ابْنُ يُونُسَ سَوَاءٌ يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ أَوْ يَا رُومِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الرُّومِيِّ فَلَا يُحَدُّ، وَكَذَا عَنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ أَوْ يَا رُومِيُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمِصْرِيٍّ يَا يَمَانِيُّ أَوْ لِقَيْسِيٍّ يَا كَلْبِيُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُنْسَبُ إلَى آبَائِهَا، وَهَذَا نَفْيٌ لَهَا عَنْ آبَائِهَا.

ابْنُ رُشْدٍ الْعَرَبُ تَحْفَظُ أَنْسَابَهَا فَمَنْ نَسَبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ، بَلْ إلَى غَيْرِ قَبِيلَتِهِ يُحَدُّ، بِخِلَافِ مَنْ نَسَبَ غَيْرَهُمْ لِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ نَسَبِهِ، إذْ لَعَلَّهُ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَنُونَ بِمَعْرِفَةِ أَنْسَابِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ فَتَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَعُدُّ مِنْ آبَائِهِ الْعَشَرَةَ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ فَائِدَةٍ مُزْرِيَةٍ عَلَى غَيْرِهِمْ إذْ هُوَ عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ، وَجَهَالَتُهُ لَا تَضُرُّ كَمَا فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا. زَرُّوقٌ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَعْمِيقًا وَإِلَّا فَعِلْمُهُ يَضُرُّ وَجَهَالَتُهُ تَنْفَعُ.

ص: 283

إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ قَالَ مَوْلًى لِغَيْرِهِ: أَنَا خَيْرٌ

أَوْ مَا لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ

أَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ

ــ

[منح الجليل]

الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الظَّاهِرُ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِ عَلَى التَّعْمِيقِ فِيهِ وَإِلَّا فَعِلْمُ مَا يُعْرَفُ بِهِ الرَّحِمُ لِيُوصَلَ، وَالْمَحَارِمُ لِتُجْتَنَبَ فِي النِّكَاحِ مَحْمُودٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْعَرَبُ لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، فَرَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى تَعَمُّقِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِ لَا يَتَحَاشَوْنَ عَنْ الزِّنَا فَإِنَّهُ طَعْنٌ فِي فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فُرْسٍ وَرُومٍ وَبَرْبَرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَاقِعُ يُكَذِّبُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَرْضَى بِالزِّنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فُسَّاقُهُمْ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.

(إنْ لَمْ يَكُنْ) الْجِنْسُ الْمَنْسُوبُ لِغَيْرِهِ (مِنْ الْعَرَبِ) كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ فَعَلَى الْقَائِلِ الْحَدُّ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ قَالَ مَوْلًى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، أَيْ عَتِيقٌ (لِغَيْرِهِ) أَيْ حُرٍّ أَصْلِيٍّ (أَنَا خَيْرٌ مِنْك) فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ وُجُوهَ الْخَيْرِيَّةِ كَثِيرَةٌ مِنْ الدِّينِ وَالْخُلُقِ وَالْخَلْقِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي زَاهِي ابْنِ شَعْبَانَ لَوْ قَالَ مَوْلًى لِعَرَبِيٍّ أَنَا خَيْرٌ مِنْك حُدَّ وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَا ابْنَيْ عَمٍّ قَالَهُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، وَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اخْتِلَافٌ، وَبِهَذَا أَقُولُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ تَكُونُ فِي الدِّينِ أَوْ الْخُلُقِ أَوْ الْمَجْمُوعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الْبِسَاطُ عَلَى إرَادَةِ النَّسَبِ.

(أَوْ) قَالَ الْمُكَلَّفُ لِشَخْصٍ (مَا لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ) فَلَا يُحَدُّ وَلَوْ فِي مُشَاتَمَةٍ لِأَنَّهُ لِذَمِّ الْأَفْعَالِ لَا لِقَطْعِ النَّسَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحَدُّ فِي الْمُشَاتَمَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَيْسَ لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا يُحَدُّ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُحَدُّ.

وَقِيلَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ الْحَدُّ وَلِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ قَالَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ أَدَبٌ خَفِيفٌ مَعَ السَّجْنِ، وَإِنْ قَالَهُ لِعَرَبِيٍّ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ فَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ قَطْعَ نَسَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَالَهُ لِغَيْرِ عَرَبِيٍّ الْأَدَبُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ يُحَدُّ.

(أَوْ قَالَ) الْمُكَلَّفُ (لِجَمَاعَةٍ) مُسْلِمِينَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عَفِيفَيْنِ عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ ذَوِي آلَاتِ

ص: 284

أَحَدُكُمْ زَانٍ؛ وَحُدَّ فِي مَأْبُونٍ، إنْ كَانَ لَا يَتَأَنَّثُ

وَفِي يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ، أَوْ الْأَزْرَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ كَذَلِكَ

ــ

[منح الجليل]

أَحَدُكُمْ زَانٍ) فَلَا يُحَدُّ، سَوَاءٌ قَامُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا، أَوْ أَحَدُهُمْ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ادَّعَى الْقَائِمُ أَنَّهُ أَرَادَهُ. ابْنُ شَاسٍ إلَّا أَنْ تَتَبَيَّنَ إرَادَتُهُ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ أَوْ ابْنُ زَانِيَةٍ فَلَا يُحَدُّ إذْ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ وَلَوْ قَامَ بِهِ جَمَاعَتُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَالَهُ لِأَحَدِهِمْ فَلَا حُجَّةَ لَهُ إذَا قَامَ بِهِ جَمِيعُهُمْ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَهُ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّهُ أَرَادَهُ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ.

(وَحُدَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمُكَلَّفُ (فِي) قَوْلِهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَفِيفٍ مُطِيقٍ (مَأْبُونٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (إنْ كَانَ) الْمَقُولُ لَهُ (لَا يَتَأَنَّثُ) أَيْ لَا يَتَشَبَّهُ بِالْإِنَاثِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَإِنْ كَانَ يَتَأَنَّثُ فَلَا يُحَدُّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأَنُّثَ لَا الْفِعْلَ فِيهِ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَنْ قِيلَ لَهُ يَا مَأْبُونُ وَهُوَ رَجُلٌ فِي كَلَامِهِ تَأْنِيثٌ يُضْرَبُ الْكَبَرَ وَيَلْعَبُ فِي الْأَعْرَاسِ وَيُغَنِّي وَيُتَّهَمُ بِمَا فِيهِ، قِيلَ فَمَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا تَحْقِيقُ ذَلِكَ. قُلْت الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ فِي الْمَقْذُوفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) حُدَّ (فِي) قَوْلِهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ (يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ) مَثَلًا (أَوْ) يَا ابْنَ (الْأَزْرَقِ) أَوْ الْأَسْوَدِ أَوْ الْأَقْطَعِ أَوْ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَحْمَقِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ) أَيْ الْمَقُولِ لَهُ أَحَدٌ (كَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي الِاتِّصَافِ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَالزُّرْقَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ كَذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ نَسَبِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحَدُّ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ. قُلْت رُبَّمَا أُجْرِيَا عَلَى التَّفْكِيرِ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِهِ.

قَالَ يَا ابْنَ الْأَقْطَعِ أَوْ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَحْمَقِ أَوْ الْأَزْرَقِ أَوْ الْآدَمِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ كَذَلِكَ يُحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يُحَدُّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَإِنْ قَالَ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ أَوْ الْخَيَّاطِ، وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ مِنْ الْعَرَبِ يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَوَالِي فَلَا يُحَدُّ. وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ عَنْ آبَائِهِ. الْعَدَوِيُّ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ

ص: 285

وَفِي مُخَنَّثٍ، إنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَأُدِّبَ فِي: يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، أَوْ الْفَاجِرَةِ، أَوْ حِمَارُ يَا ابْنَ الْحِمَارِ، أَوْ أَنَا عَفِيفٌ، أَوْ إنَّكِ عَفِيفَةٌ، أَوْ يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، وَإِنْ قَالَتْ " بِكِ " جَوَابًا " لِزَنَيْتِ " حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ

ــ

[منح الجليل]

فِي يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ وَنَحْوِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ التَّشْدِيدُ فِي السَّبِّ لَا قَطْعُ النَّسَبِ.

(وَ) حُدَّ (فِي) قَوْلِهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَفِيفٍ مُطِيقٍ (مُخَنَّثٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ مُثَقَّلًا (إنْ لَمْ يَحْلِفْ) الْقَائِلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ. عب هَذَا إذَا لَمْ يَخُصَّهُ الْعُرْفُ بِمَنْ يُؤْتَى وَإِلَّا كَمُصِرٍّ حُدَّ وَلَوْ حَلَفَ (وَأُدِّبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْقَائِلُ (فِي) قَوْلِهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ (يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ) يَا ابْنَ (الْفَاجِرَةِ أَوْ) قَوْلِهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ (يَا حِمَارُ يَا ابْنَ الْحِمَارِ) الْخَرَشِيُّ لَوْ قَالَ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ أَوْ يَا خِنْزِيرُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ. الْعَدَوِيُّ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ فَلَيْسَ نَصًّا فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِقَصْرِ الْفِسْقِ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَإِلَّا فَيُحَدُّ، وَكَذَا يُقَالُ فِي يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ.

(أَوْ) قَالَ (أَنَا عَفِيفٌ) بِإِسْقَاطِ لَفْظِ الْفَرْجِ فَلَا يُحَدُّ وَيُؤَدَّبُ (أَوْ) قَالَ لِامْرَأَةٍ (إنَّك) بِكَسْرِ الْكَافِ (عَفِيفَةٌ) فَيُؤَدَّبُ (أَوْ) قَالَ لِرَجُلٍ (يَا فَاسِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ) فَيُؤَدَّبُ (وَإِنْ قَالَتْ) الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا (بِكَ) حَالَ كَوْنِ قَوْلِهَا بِكَ (جَوَابًا لِ) قَوْلِ قَاذِفِهَا (زَنَيْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ (حُدَّتْ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَرْأَةُ الْقَائِلَةُ بِك (لِ) لِاعْتِرَافِهَا بِ (الزِّنَا) مَا لَمْ تَرْجِعْ عَنْهُ (وَ) حُدَّتْ (لِلْقَذْفِ) إنْ كَانَ قَاذِفُهَا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَسْقُطُ حَدُّهُ لِقَذْفِهَا لِاعْتِرَافِهَا بِالزِّنَا. وَلِأَصْبَغَ يُحَدَّانِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ. طفى فِي التَّوْضِيحِ هَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى فِي الْعُتْبِيَّةِ فَقَالَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَمَا فِي

ص: 286

وَلَهُ، حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ

ــ

[منح الجليل]

الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الزَّوْجَةِ لَا أَرَى عَلَيْهَا شَيْئًا لِأَنَّهَا تَقُولُ أَرَدْت إصَابَتَهُ إيَّايَ بِالنِّكَاحِ وَيُجْلَدُ الزَّوْجُ الْحَدَّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ.

قَالَ عِيسَى لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ، فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْحَطّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهَا، وَلَعَلَّ نُسْخَتَهُ لِامْرَأَتِهِ بِالضَّمِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَنَصُّهَا مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بِكَ حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ الزِّنَا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ فَقَطْ، وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْفَرْقِ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ.

(وَ) إنْ قَذَفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَ (لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ (حَدُّ أَبِيهِ) إنْ صَرَّحَ بِقَذْفِهِ (وَفُسِّقَ) الْوَلَدُ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ حُكِمَ بِفِسْقِهِ بِحَدِّ أَبِيهِ بِقَذْفِهِ، وَاسْتُشْكِلَ تَفْسِيقُهُ مَعَ الْحُكْمِ بِإِبَاحَةِ حَدِّهِ أَبَاهُ بِقَذْفِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَفْسِيقِهِ سُقُوطُ عَدَالَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمُبَاحِ كَالْمَشْيِ حَافِيًا وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ. الْحَطّ هَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِرِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَأَنْ يَحُدَّهُ وَيَكُونُ عَاقًّا بِذَلِكَ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْهَا.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ لَا يُقْضَى لَهُ بِتَحْلِيفِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَلَا مِنْ حَدِّهِ فِي حَدٍّ يَقَعُ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُقُوقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْيَمِينِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْحَدِّ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ كَرِهَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ خُصُومَةٌ أَنْ يُحَلِّفَهُ. ابْنُ رُشْدٍ لِهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَلَا يَكُونُ عَاقًّا لَهُ بِتَحْلِيفِهِ إذْ لَا إثْمَ فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الثَّمَانِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْمَبْسُوطِ الْحَطّ فَتَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ أَبَاهُ إلَّا

ص: 287

وَالْقِيَامُ بِهِ: وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ: كَوَارِثِهِ، وَإِنْ بَعْدَ مَوْتِهِ

ــ

[منح الجليل]

الْمُنْقَلِبَةَ وَالْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَمَشَى هُنَاكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَشَى هُنَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَقَدْ اسْتَثْنَى ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا الْمُنْقَلِبَةَ وَالْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلِ) لِشَخْصِ (الْمَقْذُوفِ الْقِيَامُ بِهِ) أَيْ حَدِّ قَاذِفِهِ إنْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ مِمَّا قَذَفَهُ بِهِ، بَلْ (وَإِنْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمَقْذُوفُ الْمَقْذُوفَ بِهِ حَصَلَ (مِنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْقَاذِفَ أَفْسَدَ عِرْضَهُ وَكَشَفَ سِتْرَهُ وَلَيْسَ لِقَاذِفِهِ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ مَا قَذَفَهُ بِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَقْذُوفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَانٍ وَإِنْ عَلِمَ الْمَقْذُوفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ زَنَى فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ يَحُدَّهُ. اللَّخْمِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاذِفَ رَآهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحْصَنٍ.

وَشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِيَامِ بِحَدِّ الْقَاذِفِ فَقَالَ (كَوَارِثِهِ) أَيْ الْمَقْذُوفِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ حَدِّ قَاذِفِهِ بِلَا عَفْوٍ عَنْهُ وَلَا إيصَاءٍ بِالْقِيَامِ بِهِ لِغَيْرِهِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ، وَلَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْإِرْثِ مَانِعٌ كَرِقٍّ وَقَتْلٍ وَكُفْرٍ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَيَاتِهِ، بَلْ (وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِحَدِّهِ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلِأَبِيهِ وَإِنْ عَلَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ، وَالْأَبْعَدُ كَالْأَقْرَبِ، وَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ مَعَ هَؤُلَاءِ قِيَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلِلْعَصَبَةِ الْقِيَامُ وَلِلْأَخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ الْقِيَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَإِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَأَوْصَى بِالْقِيَامِ بِقَذْفِهِ فَلِوَصِيِّهِ الْقِيَامُ بِهِ.

اللَّخْمِيُّ إنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَقَدْ عَفَا فَلَا قِيَامَ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ أَوْصَى بِالْقِيَامِ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ عَفْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ وَلَمْ يُوصِ فَالْحَقُّ لِوَارِثِهِ الْعَاصِبِ مَنْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ عَاصِبٍ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَهَا الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ فَأَدْخَلَ النِّسَاءَ وَالْعَصَبَةَ فِي الْقِيَامِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَمَّا الْإِخْوَةُ وَالْبِنْتُ وَالْجَدَّاتُ وَغَيْرُ أَبٍ وَابْنٍ فَلَا قِيَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَهُ فَأَسْقَطَ الْإِخْوَةَ

ص: 288

مِنْ وَلَدٍ وَوَلَدِهِ، وَأَبٍ، وَأَبِيهِ؛ وَلِكُلٍّ الْقِيَامُ. وَإِنْ حَصَلَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ

وَالْعَفْوُ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَوْ بَعْدَهُ، إنْ أَرَادَ سِتْرًا

ــ

[منح الجليل]

وَالْعَصَبَةَ وَسَائِرَ النِّسَاءِ. وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَأَمَّا بِنْتُ الْبِنْتِ وَالزَّوْجَةُ فَلَا.

وَبَيَّنَ وَارِثَهُ الَّذِي لَهُ الْقِيَامُ بِحَدِّ قَاذِفِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ (مِنْ وَلَدٍ) لِلْمَقْذُوفِ شَمَلَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ (وَوَلَدِهِ) أَيْ الْوَلَدُ شَمَلَ بَنِي الِابْنِ وَبَنَاتِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَدُ الْوَلَدِ (وَأَبٍ) لِلْمَقْذُوفِ (وَأَبِيهِ) أَيْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ وَالْأَبِ وَأَبِيهِ أَنَّهُ لَا قِيَامَ بِهِ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ وَلَا لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إلَّا فِي إدْخَالِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ. طفي وَالْأَوْلَى الْمَشْيُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(وَلِكُلٍّ) مِنْ الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ وَالْأَبِ وَأَبِيهِ (الْقِيَامُ بِهِ) أَيْ حَدِّ قَاذِفِ الْمُوَرِّثِ إنْ كَانَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، بَلْ (وَإِنْ حَصَلَ) أَيْ وُجِدَ (مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ) أَيْ الْقَائِمِ كَابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَالْأَبِ مَعَهُمَا وَالْجَدُّ مَعَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهَا وَالْأَبْعَدُ كَالْأَقْرَبِ

(وَ) لِلْمَقْذُوفِ (الْعَفْوُ) عَنْ قَاذِفِهِ (قَبْلَ) بُلُوغِ (الْإِمَامِ) الْقَذْفَ، أَيْ الْحَاكِمِ خَلِيفَةً كَانَ أَوْ قَاضِيًا أَوْ صَاحِبَ شُرْطَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَفْوُهُ عَنْهُ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِشَفَاعَةِ شَفِيعٍ أَوْ لِإِرَادَةِ السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ.

(أَوْ) الْعَفْوُ عَنْهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بُلُوغِ الْقَذْفِ الْإِمَامَ فَيَجُوزُ (إنْ أَرَادَ) الْمَقْذُوفُ بِالْعَفْوِ عَنْ قَاذِفِهِ (سَتْرًا) عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شُهْرَةِ نِسْبَةِ مَا قُذِفَ بِهِ إلَيْهِ أَوْ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الشَّفَقَةَ عَلَى قَاذِفِهِ أَوْ جَبْرَ خَاطِرِ مَنْ شَفَعَ عِنْدَهُ فِي الْعَفْوِ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «هَلَّا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنَا لِمَنْ سَرَقَ رَجُلٌ بُرْدَتَهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَوَسِّدُهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَرَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ عَفَوْت عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» «وَلِعَدَمِ قَبُولِهِ صلى الله عليه وسلم شَفَاعَةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -

ص: 289

وَإِنْ حَصَلَ فِي الْحَدِّ اُبْتُدِئَ لَهُمَا، إلَّا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ، فَيُكَمَّلُ الْأَوَّلُ.

ــ

[منح الجليل]

فِي عَدَمِ قَطْعِ يَدِ السَّارِقَةِ بَعْدَ رَفْعِهَا لَهُ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» .

فِيهَا لَهُ الْعَفْوُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ إنْ أَرَادَ السَّتْرَ مِثْلَ أَنْ يَخَافَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْفُ قِيلَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " كَيْفَ يَعْلَمُ الْإِمَامُ ذَلِكَ، قَالَ يَسْأَلُ الْإِمَامُ عَنْ ذَلِكَ سِرًّا، فَإِنْ أُخْبِرَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ قَدْ سُمِعَ وَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَازَ عَفْوُهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَعْنَى إرَادَةِ السَّتْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَدِيمًا فَيَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْآنَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَعْنَى إرَادَةِ السَّتْرِ كَوْنُ مِثْلِهِ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ ظُهُورُ ذَلِكَ عَارٍ عَلَيَّ. فَأَمَّا الْعَفِيفُ الْفَاضِلُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ. الصِّقِلِّيُّ هَذَا إنْ قَذَفَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ قَذَفَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَقَدْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ فَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ.

(تَنْبِيهٌ)

لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ عَفْوِ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الْحَطّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَلَوْ قَامَ بِهِ وَبَلَغَ الْإِمَامَ.

(وَإِنْ قَذَفَ) الْقَاذِفُ أَيْ حَصَلَ مِنْهُ قَذْفٌ آخَرُ لِلْمَقْذُوفِ أَوَّلًا أَوْ لِغَيْرِهِ (فِي أَثْنَاءِ حَدِّهِ) أَيْ الْقَاذِفِ أُلْغِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِّهِ وَ (اُبْتُدِئَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ حَدُّهُ (لَهُمَا) أَيْ الْقَذْفَيْنِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يَبْقَى) مِنْ الْحَدِّ الَّذِي قَذَفَ فِيهِ عَدَدٌ (يَسِيرٌ) كَخَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا (فَيُكَمَّلُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَالْمِيمِ الْحَدُّ (الْأَوَّلُ) وَيُسْتَأْنَفُ حَدُّ الثَّانِي.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَلَمَّا ضُرِبَ أَسْوَاطًا قَذَفَهُ ثَانِيًا أَوْ قَذَفَ آخَرَ اُبْتُدِئَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانِينَ مِنْ حِينَ قَذَفَ ثَانِيًا وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ السِّيَاطِ. الْبَاجِيَّ إنْ بَقِيَ مِثْلُ الْأَسْوَاطِ

ص: 290