المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب أحكام الوصية] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٩

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب أحكام الوصية]

بَابٌ) صَحَّ إيصَاءُ: حُرٍّ،

ــ

[منح الجليل]

[بَابٌ أَحْكَام الْوَصِيَّة]

بَابٌ) (فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ) ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ لَا الْفُرَّاضِ، أَيْ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ قَاصِرَةٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ فِي ثُلُثِ إلَخْ أَخْرَجَ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ.

وَقَوْلُهُ: يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَخْرَجَ تَبَرُّعَ الزَّوْجَةِ بِثُلُثِ مَالِهَا؛ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى مَوْتِهَا. قَوْلُهُ أَوْ نِيَابَةً عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَقًّا، أَوْ تَنْوِيعِيَّةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْوَصِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُهُ بِمَوْتِهِ، وَالثَّانِي عَقْدٌ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْوَصِيَّةَ بِدَيْنٍ لِوُجُوبِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا تُوجِبُهُ الْوَصِيَّةُ، بَلْ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، فَالْعَقْدُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ إقْرَارٌ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِهِ لَا وَصِيَّةً مُتَوَقِّفٌ لُزُومُهَا عَلَى مَوْتِهِ. الْحَطّ لَا خَفَاءَ فِي صِدْقِهِ عَلَى التَّدْبِيرِ. أَحْمَدُ بَابَا لَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ صِدْقِهِ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ بِقَوْلِهِ: يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ لِلُزُومِهِ بِإِنْشَائِهِ وَنَحْوِهِ لِلرَّمَاصِيِّ وَالرَّصَّاعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قِيلَ: التَّدْبِيرُ لَا يَلْزَمُ بِإِنْشَائِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ مِنْهُ الرُّجُوعُ، فَالصَّوَابُ مَا لِلْحَطِّ قُلْت: بَلْ الصَّوَابُ مَا لِلْجَمَاعَةِ، وَإِبْطَالُهُ الدَّيْنَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ لُزُومِهِ، إنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ الثُّلُثِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى لُزُومِهِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ فِي الْحَيَاةِ إلَّا مَا يُبْطِلُ الْعِتْقَ النَّاجِزَ، وَهُوَ الدَّيْنُ السَّابِقُ، أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَلْزَمُ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ الرُّجُوعُ عَنْهُ تَنَاقُضٌ لَا يَخْفَى.

(صَحَّ إيصَاءُ حُرٍّ) فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ رِقٍّ، وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ، وَهَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ حُكْمُهُ الْوُجُوبُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ

ص: 503

مُمَيِّزٍ، مَالِكٍ وَإِنْ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا، وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَنَاقَصْ قَوْلُهُ،

ــ

[منح الجليل]

دَيْنٌ وَنَحْوُهُ، وَالنَّدْبُ، وَإِنْ كَانَ بِقُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، وَالْحُرْمَةُ إنْ كَانَ بِنَحْوِ النِّيَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ بِمَكْرُوهٍ أَوْ فِي قَلِيلِ مَالٍ، وَالْإِبَاحَةُ إنْ كَانَ بِمُبَاحٍ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ حَقٌّ وَجَبَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ، وَنَحْوُهُ لِلْمَازِرِيِّ وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. وَفِي ضَيْح: إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ.

وَأَمَّا يَسِيرُهَا فَلَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِهِ لِلْمَشَقَّةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ» فَخَصَّهُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ بِالْمَوْعُوكِ. ابْنُ رُشْدٍ الصَّوَابُ عُمُومُهُ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ، وَإِنْفَاذُ مَا عَدَا الْمُحَرَّمَ لَازِمٌ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنْفَاذُهُ يَجْرِي عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مُرَادُهُ بِهِ إنْفَاذُهُ مِنْ الْمُوصِي قَبْلَ مَوْتِهِ.

(مُمَيِّزٍ) بِكَسْرِ الْيَاءِ مُثَقَّلًا فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ.

ابْنُ شَاسٍ تَصِحُّ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ (مَالِكٍ) لِلْمُوصَى بِهِ فَلَا يَصِحُّ بِمَالِ الْغَيْرِ فُضُولِيًّا أَوْ مُسْتَفْرِقَ الذِّمَّةِ بِالتَّبَعَاتِ. إنْ كَانَ رَشِيدًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا) ابْنُ عَرَفَةَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْحُرِّ الْمَالِكِ التَّامِّ مِلْكُهُ.

فِيهَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ حَالَ إفَاقَتِهِ لَا حَالَ خَبَلِهِ، وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَقَلَّ مِنْهَا مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ فِي اخْتِلَاطٍ. الْبَاجِيَّ فِي الْمَدَنِيَّةِ عِيسَى رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْيَافِعِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. مُحَمَّدٌ أَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَصِيَّةَ مَنْ يَعْقِلُ مَا أَوْصَى بِهِ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَشَبَهُهُ. أَصْبَغُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ مَا يَفْعَلُ. اللَّخْمِيُّ عَنْهُ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ إذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ. وَلِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَثْغَرَ وَأُدِّبَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّبْيَانُ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهُمْ وَتَمْيِيزُهُمْ، فَمَنْ عُلِمَ تَمْيِيزُهُ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ فِيمَا هِيَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صِلَةُ رَحِمٍ، وَإِنْ جَعَلَهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي مَنْهِيٍّ عَنْهُ رُدَّتْ.

(وَهَلْ) تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ (إنْ لَمْ تَتَنَاقَضْ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى

ص: 504

أَوْ أَوْصَى بِقُرْبَةٍ؟ تَأْوِيلَانِ

وَكَافِرًا، إلَّا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ، لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ،

ــ

[منح الجليل]

كَإِيصَائِهِ بِمَالٍ لِغَنِيٍّ أَجْنَبِيٍّ، وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ (أَوْ) تَصِحُّ إنْ (أَوْصَى) الصَّغِيرُ (بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) وَمِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ بِأَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِمِسْكِينٍ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا تَصِحُّ بِغَيْرٍ قُرْبَةً، وَإِنْ لَمْ تَتَنَاقَضْ، وَهَذَا تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ، فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) لِقَوْلِهَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِلَاطٌ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْبُنَانِيُّ الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَخْلِطْ بَدَلَ إنْ لَمْ تَتَنَاقَضْ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ أَخَصُّ مِنْ التَّخْلِيطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ وَالتَّخْلِيطُ أَنْ لَا يَكُونَ لِكَلَامِهِ مَحْصُولٌ، وَأَيْضًا إذَا قَالَ: أَعْطُوا فُلَانًا ثُمَّ قَالَ: لَا تُعْطُوهُ فَهُوَ تَنَاقُضٌ، فَهُوَ غَيْرُ مَطْرُوحٍ.

الثَّانِي: ابْنُ مَرْزُوقٍ قَوْلُهُ: أَوْ بِقُرْبَةٍ، هَذَا وَإِنْ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَفْسِيرَ كَلَامِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لَهُ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْقُرْبَةِ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ بِدَلِيلِ مُقَابِلَتِهَا بِهَا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ.

الثَّالِثُ: مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ قَوْلُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْأُمَّهَاتِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا مَعْنَى أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ، قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَصِيَّتِهِ اخْتِلَاطٌ، نَقَلَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَصِحُّ إيصَاءُ الْحُرِّ الْمُمَيِّزِ الْمَالِكِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، بَلْ (وَ) لَوْ كَانَ (كَافِرًا) فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) إيصَاءَهُ (بِكَخَمْرٍ) وَخِنْزِيرٍ (لِمُسْلِمٍ) فَلَا يَصِحُّ لَهُ تَمَلُّكُهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: وَالْكَافِرُ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ وَاضِحٌ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مِنْ مَالِكٍ تَامٍّ مِلْكُهُ، وَيَصِحُّ إيصَاءُ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ (لِمَنْ) أَيْ آدَمِيٍّ (يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ شَرْعًا، فَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ وَرَقِيقٍ مُسْلِمٍ، وَلَا لِمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا لِآدَمِيٍّ، وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَامًّا كَالْمَسَاكِينِ أَوْ خَاصًّا كَزَيْدٍ

ص: 505

كَمَنْ سَيَكُونُ، إنْ اسْتَهَلَّ، وَوُزِّعَ لِعَدَدِهِ

بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ

ــ

[منح الجليل]

وَلَا بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ وَخَيْلِ جِهَادٍ وَنَعَمٍ مُحْبَسٍ لِنَسْلِهِ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا مَوْجُودًا أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ (كَمَنْ سَيَكُونُ) مِنْ حَمْلٍ ثَابِتٍ أَوْ سَيُوجَدُ بَعْضُهُمْ، هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فَيُوقَفُ إلَى وَضْعِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ (إنْ اسْتَهَلَّ) أَيْ صَرَخَ عَقِبَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَطَلَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَأَسْقَطَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا. اهـ. وَمِثْلُ اسْتِهْلَالِهِ رَضَاعُهُ كَثِيرًا وَنَحْوُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَيَاةً غَيْرَ قَارَّةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا وَتُرَدُّ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَوَضَعَتْ أَوْلَادًا صَارِخِينَ (وُزِّعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ قُسِّمَ الْمُوصَى بِهِ (لِعَدَدِهِ) أَيْ عَلَى عَدَدِ الْمَوْلُودِ مِنْ الْحَمْلِ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ ذَكَرًا وَبَعْضُهُ أُنْثَى. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ جَازَ، وَيُنْتَظَرُ أَيُولَدُ لَهُ أَمْ لَا، وَيُسَاوَى فِيهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. الْخَرَشِيُّ إذَا وَضَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ الْمَوْضُوعِ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْعَطَايَا، وَهَذَا عِنْدَ إطْلَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ نُصَّ عَلَى التَّفْضِيلِ فَإِنَّهُ يُصَارُ لَهُ. الْعَدَوِيُّ مِثْلُهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ وَرِثَهُ الْحَمْلُ فَيُقَسَّمُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِ.

وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ (بِلَفْظٍ) يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهِ (أَوْ) بِ (إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) الْإِيصَاءَ.

ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ اللَّفْظُ وَالْكُتُبُ وَالْإِشَارَةُ، رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . ابْنُ شَاسٍ كُلُّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ قَصْدُ الْوَصِيَّةِ بِوَضْعٍ أَوْ قَرِينَةٍ يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ كُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهَا قَصْدُ الْوَصِيَّةِ. قُلْت خَرَجَ عَنْهُمَا الْكُتُبُ. الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا: نَشْهَدُ بِمَا فِيهَا إنَّهَا وَصِيَّتُك، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ.

ص: 506

وَقَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَالْمِلْكُ لَهُ بِالْمَوْتِ

وَقُوِّمَ بِغَلَّةٍ حَصَلَتْ بَعْدَهُ

ــ

[منح الجليل]

(وَقَبُولُ) الْمُوصَى لَهُ (الْمُعَيَّنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مُثَقَّلًا (شَرْطٌ) فِي وُجُوبِ تَنْفِيذِهَا لَهُ وَالْمُعْتَبَرُ قَبُولُهُ (بَعْدَ الْمَوْتِ) لِلْمُوصِي وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَيَّنِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْمَسَاكِينِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ، وَيَبْعُدُ الْمَوْتُ عَنْ قَبُولِهِ قَبْلَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ إيصَائِهِ بَعْدَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. ابْنُ شَاسٍ إنْ أَوْصَى لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. ابْنُ الْحَاجِبِ قَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ (فَالْمِلْكُ) عَلَى الْمُوصَى بِهِ (لَهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (بِ) مُجَرَّدِ حُصُولِ (الْمَوْتِ) لِلْمُوصِي، وَقَبُولُهُ بَعْدَهُ كَاشِفٌ لَهُ فَالْغَلَّةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِالْأَصَحِّ. ابْنُ شَاسٍ إذَا مَاتَ الْمُوصَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَوْقُوفًا، فَإِنْ قَبِلَهُ الْمُوصَى لَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ رَدَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي.

(وَقُوِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُوصَى بِهِ (بِغَلَّةٍ) كَأُجْرَةِ عَمَلِ رَقِيقٍ أَوْ بَهِيمٍ وَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ وَنَسْلِهِ وَثَمَرِ شَجَرٍ وَكِرَاءِ عَقَارٍ (حَصَلَتْ) الْغَلَّةُ (بَعْدَهُ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ. سَحْنُونٌ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِلَا غَلَّةٍ وَأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي فَالْغَلَّةُ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ يَوْمِ النُّفُوذِ كُلُّهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ هَذَا الْخِلَافَ قَالَ: يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمِلْكِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ النُّفُوذِ وَكَإِيصَائِهِ لَهُ بِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ عَلِمَ فَقَبِلَهَا فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِهَذَا الْوَلَدِ أَمْ لَا، وَكَذَا حُكْمُ مَا اسْتَفَادَتْهُ الْأَمَةُ أَوْ الْعَبْدُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مَالٍ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحُكْمُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْبَسَاتِينِ الْحَادِثِ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ.

ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْجَوَاهِرِ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّقْوِيمِ فَقِيلَ الْأُصُولُ بِلَا غَلَّاتٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ اتَّبَعَهَا، وَلَا تُقَوَّمُ الْغَلَّاتُ، وَقِيلَ: تُقَوَّمُ الْأُصُولُ بِغَلَّاتِهَا. التُّونُسِيُّ وَهَذَا أَشْبَهَ فِي النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَمَاءَ الرَّقِيقِ وَالْبَهِيمِ لَمْ يُخْتَلَفْ

ص: 507

رِقٌّ لِإِذْنٍ فِي قَبُولِهِ كَإِيصَائِهِ بِعِتْقِهِ

وَخُيِّرَتْ جَارِيَةُ الْوَطْءِ، وَلَهَا الِانْتِقَالُ

ــ

[منح الجليل]

فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَى هَيْئَتِهِ يَوْمَ تَقْوِيمِهِ، وَكَذَا وَلَدُ الْأَمَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مَعَهَا كَنَمَاءِ أَعْضَائِهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تُقَوَّمَ الْغَلَّةُ مَعَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا كَنَمَاءِ الْمُوصَى بِهِ، وَفِيهَا مَا أَثْمَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ يُقَوَّمُ مَعَ الْأُصُولِ فِي الثُّلُثِ، فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ بِثَمَرِهِ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ حَمَلَ نِصْفَهُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ النَّخْلِ وَنِصْفُ الثَّمَرَةِ.

(وَلَمْ يَحْتَجْ رِقٌّ) أَيْ رَقِيقٌ مُوصًى لِي بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ (لِإِذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (فِي قَبُولِهِ) لِلْمَالِ الْمُوصَى بِهِ لَهُ فَلَهُ قَبُولُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ غَرَضَ الْمُوصِي التَّوْسِعَةُ عَلَى الرَّقِيقِ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِلْإِذْنِ فَقَالَ (كَإِيصَاءٍ بِعِتْقِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ فَلَا يَحْتَاجُ تَنْفِيذُهُ لِقَبُولِهِ فَيُعْتَقُ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، سَوَاءٌ كَانَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ الرَّقِيقُ. مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ فَلَا قَوْلَ لَهُ، وَهُوَ حُرٌّ. وَفِيهَا مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ فَلَا قَوْلَ لَهُ، وَيَعْتِقُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهُ.

(وَخُيِّرَتْ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُثَقَّلَةً فِي قَبُولِ عِتْقِهَا وَرَدِّهِ (جَارِيَةُ الْوَطْءِ) أَيْ الرَّائِعَةُ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُقْتَنَى لَهُ الَّتِي أَوْصَى سَيِّدُهَا بِعِتْقِهَا فَتُخَيَّرُ بَيْنَ رِضَاهَا بِإِعْتَاقِهَا وَرِضَاهَا بِعَدَمِهِ وَبَقَائِهَا رَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ ضَيَاعُهَا بِهِ؛ إذْ لَا تَجِدُ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَلَا تَسْتَطِيعُ الِاكْتِسَابَ لِرِقَّتِهَا.

(وَ) إنْ اخْتَارَتْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَ (لَهَا الِانْتِقَالُ) عَنْهُ وَاخْتِيَارُ الْأَمْرِ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنْفُذْ فِيهَا مَا اخْتَارَتْهُ أَوَّلًا، هَذَا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. " غ " لَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَوْصَى بِبَيْعِهَا لِلْعِتْقِ، وَعَلَى الصَّوَابِ نَقَلَهُ عَنْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ. طفي فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُوصَى بِبَيْعِهَا لِلْعِتْقِ. اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَسَوَّى أَصْبَغُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فِي الْخِيَارِ فَحَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَتَبِعَ تت الشَّارِحَ، لَكِنَّ الشَّارِحَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِيمَنْ أَوْصَى بِبَيْعِهَا لِلْعِتْقِ، وَكَأَنَّهُ رَأَى

ص: 508

وَصَحَّ لِعَبْدٍ وَارِثُهُ، إنْ اتَّحَدَ، أَوْ بِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ

ــ

[منح الجليل]

أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ فِي ضَيْح يُفِيدُ أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تُخَيَّرُ، وَعَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا لَا تُخَيَّرُ، وَإِلَّا كَانَتْ رَائِعَةً وَتُبَاعُ لِلْعِتْقِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِنَقْصِ ثُلُثِ ثَمَنِهَا. قَالَ: وَقَالَ أَصْبَغُ: لَهَا الْخِيَارُ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ تت فِي كَبِيرِهِ.

الْبِسَاطِيُّ أَصْبَغُ: لَهَا الْخِيَارُ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا. تت إذَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِهَا لِلْعِتْقِ بِالْأَحْرَى، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ مَسْأَلَةِ أَصْبَغَ عَنْ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَفَادَ حُكْمَهُمَا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ " غ " مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِإِيصَائِهِ بِبَيْعِهَا لِلْعِتْقِ، وَعَلَى الصَّوَابِ نَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ. طفي هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ إذْ مَذْهَبُ أَصْبَغَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ بِهِ كَلَامِ " غ " الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ.

(وَ) صَحَّ الْإِيصَاءُ (لِعَبْدِ وَارِثِهِ) أَيْ الْمُوصِي وَلَوْ بِكَثِيرٍ (إنْ اتَّحَدَ) وَارِثُهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ؛ إذْ الْوَصِيَّةُ لَهُ جَائِزَةٌ فَكَذَا لِعَبْدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِلْوَصِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ (أَوْ) لَمْ يَتَّحِدْ وَارِثُهُ وَأَوْصَى لِعَبْدِ بَعْضِهِمْ (بِتَافِهٍ) لَا تَلْتَفِتُ النُّفُوسُ إلَيْهِ (أُرِيدَ) بِفَتْحِ الدَّالِ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِنَائِبِ الْفَاعِلِ (بِهِ) أَيْ التَّافِهِ (الْعَبْدُ) وَمَفْهُومُ بِتَافِهٍ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ بِمَا لَهُ بَالٌ لَا تَصِحُّ، وَمَفْهُومُ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ بِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ وَارِثُهُ لَا تَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهِمَا. (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تت تَنْكِيتٌ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِ وَارِثِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مَنْ لَا شَائِبَةَ فِيهِ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ، وَإِنْ أَرَادَ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ دَخَلَا، وَالْمَنْقُولُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ لَهُ بِالْكَثِيرِ، وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ. طفي اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِالْإِجْمَالِ فَوَقَعَ فِيهِ؛ إذْ الْمَنْقُولُ

ص: 509

وَلِمَسْجِدٍ، وَصُرِفَ فِي مَصَالِحِهِ

ــ

[منح الجليل]

أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ لِلْمُكَاتَبِ إلَّا إذَا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تَجُوزُ لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ بِالتَّافِهِ لَا بِالْكَثِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ لِسَيِّدِهِ فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ أَفْضَلَ لَهُ جَازَتْ اللَّخْمِيُّ جَوَازُهَا مُطْلَقًا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا خُرُوجُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الرِّقِّ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَلَا تَجُوزُ لَهُ بِالْكَثِيرِ وَإِنْ مَرِضَ سَيِّدُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ.

الثَّانِي: جَعَلَ الشَّارِحُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِعَبْدِ وَارِثِهِ الْمُتَعَدِّدِ شَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ تَافِهًا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ، فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ جَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ أَوْ بِتَافِهٍ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ، وَلَمْ أَرَ لَهُ سَنَدًا فِي ذَلِكَ وَلَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. طفي اعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيِّ صَحِيحٌ؛ إذْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ؛ وَلِذَا حَادَ تت عَنْ جَعْلِهِ شَرْطًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إلَّا بِالتَّافِهِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مَا يُرِيدُ بِهِ نَاحِيَةَ الْعَبْدِ لَا نَفْعَ سَيِّدِهِ كَعَبْدِ خِدْمَةٍ وَنَحْوِهِ اهـ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: هُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَافِهًا أُرِيدَ بِهِ السَّيِّدُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ نَاحِيَةُ الْعَبْدِ وَاعْتَمَدَ " ج " كَلَامَ ابْنِ مَرْزُوقٍ فَجَعَلَهُ قَيْدًا ثَانِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) صَحَّ الْإِيصَاءُ (لِمَسْجِدٍ) نَكَّرَهُ لِيَعُمَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ. الشَّارِحُ لَمَّا كَانَ هَذَا كَالْمُنَاقِضِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَكَانَ الْمَسْجِدُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهِ قَالَ (وَصُرِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (لِمُوصًى بِهِ فِي مَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ كَوُقُودِهِ وَعِمَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ النَّاسِ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى مَسْجِدٍ لِيَشْمَلَ كَلَامُهُ الرِّبَاطَ وَالسُّورَ وَالْقَنْطَرَةَ لَكَانَ أَحْسَنَ. ابْنُ رُشْدٍ الْوَاجِبُ تَقْدِيمُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ وَرَمِّهِ عَلَى أَجْرِ أَئِمَّتِهِ وَقَوَمَتِهِ.

ابْنُ الْحَاجِبِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ وَشَبَهِهِمَا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِمَا.

عب لَعَلَّ قَوْلَهُ وَصُرِفَ فِي مَصَالِحِهِ إذَا اقْتَضَى الْعُرْفُ ذَلِكَ فَإِنْ اقْتَضَى أَنَّ الْقَصْدَ الصَّرْفُ

ص: 510

وَلِمَيِّتٍ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، فَفِي دَيْنِهِ أَوْ وَارِثِهِ

وَلِذِمِّيٍّ

وَقَاتِلٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ،

ــ

[منح الجليل]

لِمُجَاوِرِيهِ كَالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ صُرِفَ لَهُمْ لَا لِمَرَمَّتِهِ وَحُصُرِهِ وَنَحْوِهِمَا. الْعَدَوِيُّ إذَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الصَّرْفُ فِي مَصَالِحِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: صُرِفَ فِي مَصَالِحِهِ مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالصَّرْفِ لِمُجَاوِرِيهِ كَالْأَزْهَرِ وَإِلَّا صُرِفَ لَهُمْ.

(وَ) صَحَّ الْإِيصَاءُ (لِمَيِّتٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَصُرِفَ الْمُوصَى بِهِ (فِي دَيْنِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ الْمُوصَى لَهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ (أَوْ وَارِثِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ لَهُ وَيَكُونُ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ: مَنْ أَوْصَى لِمَيِّتٍ عَالِمًا مَوْتَهُ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ وَلِدَيْنٍ عَلَيْهِ. الشَّيْخُ هَذَا إنْ جَهِلَ شَأْنَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لِزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فِيهَا وَلَا لِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا فِي وَجْهِ الزَّكَاةِ كَمَنْ أَوْصَى بِزَكَاةٍ لِمَنْ ظَنَّهُمْ فُقَرَاءَ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ. وَعَنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا لِوَارِثٍ وَلَا غَرِيمٍ شَيْءٌ. ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ فَتُصْرَفُ فِي دَيْنِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ وَإِلَّا فَلِوَرَثَتِهِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَفِيهَا وَصِيَّتُهُ لِمَيِّتٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ نَفَذَتْ لِوَرَثَةٍ لَهُ، وَقُضِيَ بِهَا دَيْنُهُ.

(وَ) صَحَّ إيصَاءُ (الذِّمِّيِّ) بِمَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا كَثَوْبٍ وَعَيْنٍ وَعَقَارٍ وَعَرَضٍ وَبَهِيمَةٍ وَرَقِيقٍ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ لَا بِمَا لَا يَمْلِكُهُ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَمُصْحَفٍ وَرَقِيقٍ مُسْلِمٍ أَوْ صَغِيرٍ أَوْ بَالِغٍ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ جَائِزَةٌ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا. أَصْبَغُ تَجُوزُ لِذِمِّيٍّ وَلَا تَجُوزُ لِحَرْبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا تَقْوِيَةٌ لَهُ، وَتَرْجِعُ مِيرَاثًا لَا صَدَقَةً.

عَبْدُ الْوَهَّابِ تَجُوزُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ أَهْلَ حَرْبٍ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَنْ نَذَرَ صَدَقَةً عَلَى كَافِرٍ لَزِمَهُ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَوْصَى لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَالَ: إذَا أُجِيزَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ لِلسَّبِيلِ فَلَا يَجُوزُ فِي سَبِيلٍ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَيُورَثُ، وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ إطْلَاقَ قَوْلِ أَشْهَبَ بِجَوَازِهَا لِلذِّمِّيِّ بِكَوْنِهِ ذَا سَبَبٍ كَجِوَارٍ أَوْ يَدٍ سَبَقَتْ أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(وَ) صَحَّ إيصَاءٌ (لِ) شَخْصٍ (قَاتِلٍ) الْمُوصِيَ إذَا (عَلِمَ) الْمُوصِي (بِ) أَنَّ (السَّبَبَ)

ص: 511

وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ

وَبَطَلَتْ بِرِدَّتِهِ

وَإِيصَاءٍ بِمَعْصِيَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

لِمَوْتِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ الَّذِي ضَرَبَهُ أَوْ جَرَحَهُ مَثَلًا وَأَوْصَى لَهُ.

وَفِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ بِالسَّبَبِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ بِذِي أَوْ عَلَى حَذْفِ مَعْطُوفٍ، أَيْ وَصَاحِبِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عِلْمَهُ بِنَفْسِ السَّبَبِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إذَا أَوْصَى لَهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ، وَعَلِمَ بِهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً جَازَتْ وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ وَدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا جَازَتْ فِي مَالِهِ دُونَ دِيَتِهِ لِأَنَّهَا مَالٌ لَمْ يَعْلَمْهُ اللَّخْمِيُّ مُحَمَّدٌ فِي الْخَطَأِ هِيَ فِي الْمَالِ وَالدِّيَةِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. قَالَ: وَإِنْ أَوْصَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَاتِلُهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَاتِلُهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ لَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ نَافِذَةٌ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ وَقَالَ أَعْطُوا فُلَانًا كَذَا، وَكَانَ فُلَانٌ قَاتِلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ (فَتَأْوِيلَانِ) فِي صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ لَهُ وَبُطْلَانِهَا.

فِي التَّوْضِيحِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ الْبُطْلَانُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَصِحُّ لِأَنَّهَا بَعْدَ الضَّرْبِ فَلَا يُتَّهَمُ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ، وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ قَوْلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وغ وَغَيْرُهُ عَلَى الْوِفَاقِ وَهَذَا أَمْرٌ أَدَّاهُ بِالتَّأْوِيلَيْنِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَا أَدْرِي مَعْنَى التَّأْوِيلَيْنِ هُنَا.

(وَبَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِرِدَّةٍ) ظَاهِرُهُ مِنْ الْمُوصِي أَوْ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَكَّرَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَعُمَّهُمَا كَمَا فِي الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا بُطْلَانُهَا وَلَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ رَجَعَ لَهُ وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ، وَقَيَّدَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَوْتِهِ عَلَى رِدَّتِهِ، وَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهَا إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ وَصَايَاهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَبَعْدَهَا.

(وَ) بَطَلَتْ بِ (إيصَاءٍ بِمَعْصِيَةٍ) كَمَالٍ لِمَنْ يَشْتَرِي خَمْرًا يَشْرَبُهَا أَوْ لِمَنْ يَقْتُلُ مَعْصُومًا أَوْ لِمَنْ يَنُوحُ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُوصَى بِهِ كُلُّ مَا يُمْلَكُ مِنْ حَيْثُ الْوَصِيَّةُ بِهِ، فَتَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَمْرِ وَبِالْمَالِ فِيمَا لَا يَحِلُّ صَرْفُهُ فِيهِ، وَسَمِعَ عِيسَى جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى بِنِيَاحَةِ مَيِّتٍ أَوْ لَهْوِ عُرْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ مِثْلَ الْكِبَرِ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ النِّيَاحَةَ عَلَى الْمَيِّتِ مُحَرَّمَةٌ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِمَنْ يَصُومُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. ابْنُ عَتَّابٍ وَكَذَلِكَ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ عَهِدَتْ عَهْدًا لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهَا فَهُوَ نَافِذٌ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ

ص: 512

وَلِوَارِثٍ: كَغَيْرِهِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ

ــ

[منح الجليل]

رَأْيِ شُيُوخِنَا. قَالَ وَكَذَلِكَ رَأَى إنْفَاذَ الْوَصِيَّةِ بِضَرْبِ قُبَّةٍ عَلَى قَبْرِهَا. ابْنُ مَرْزُوقٍ الْأَوْلَى أَنْ يُمَثِّلَ بِإِيصَائِهِ بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ بِإِقَامَةِ لَيْلَةِ الْمَوْلِدِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاكِرِ، وَكَأَنْ يُوصِيَ بِكَتْبِ جَوَابِ سُؤَالِ الْقَبْرِ وَجَعْلِهِ فِي كَفَنِهِ أَوْ قَبْرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ فِي صَوَانِيِ نُحَاسٍ وَيُجْعَلَ فِي جِدَارِ الْقَبْرِ لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ.

(وَ) بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (لِوَارِثٍ) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَفِي الْمُوَطَّإِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا وَرَثَتُهُ، وَإِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: إيصَاؤُهُ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ بِمَا يُخَالِفُ حُقُوقَهُمْ، وَإِيصَاؤُهُ لِبَعْضِهِمْ فَقَطْ، وَإِيصَاؤُهُ لِجَمِيعِهِمْ بِمَا يُوَافِقُ حُقُوقَهُمْ، وَالْبُطْلَانُ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى بُطْلَانِهِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ.

وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ فَقَالَ (كَ) وَصِيَّةٍ (لِغَيْرِهِ) أَيْ الْوَارِثِ (بِزَائِدِ الثُّلُثِ) وَتُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ (يَوْمَ التَّنْفِيذِ) لِلْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ الْمَوْتِ. ابْنُ عَرَفَةَ نُصُوصُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ ثُلُثُ مَالِهِ يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ مَوْتِهِ، فَيَقُولُ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ ثُلُثَ الْمَالِ الْمَوْجُودِ يَوْمَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ الْإِيصَاءُ فِي الصِّحَّةِ خِلَافَهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ تَصِحُّ لِلْوَارِثِ، وَتُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَزَائِدِ الثُّلُثِ لِغَيْرِهِ، وَفِي كَوْنِهَا بِالْإِجَازَةِ تَنْفِيذًا أَوْ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ قَوْلَانِ. تت قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَبِزَائِدٍ الثُّلُثِ صَحِيحَتَانِ مُتَوَافِقَتَانِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ أُجِيزَ فَعَطِيَّةٌ.

طفي الصَّوَابُ مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُفَرَّعٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَاَلَّذِي غَرَّ الْمُصَنِّفَ فِي مُخَالَفَتِهِمَا وَتَعْبِيرِهِ بِالْبُطْلَانِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ بِهِ قَوْلُهُ فِي تَوْضِيحِهِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ لِلْوَارِثِ اهـ. وَتَبِعَهُ تت وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ لَيْسَتْ عِنْدَهُ

ص: 513

وَإِنْ أُجِيزَ، فَعَطِيَّةٌ؛

وَلَوْ قَالَ:

ــ

[منح الجليل]

عَطِيَّةٌ حَقِيقَةً؛ إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا سَمَّوْهَا إجَازَةً لِفِعْلِ الْمُوصِي. وَقَدْ عَبَّرَ عِيَاضٌ بِأَنَّهَا كَالْعَطِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً مَا عَبَّرُوا بِالْإِجَازَةِ، إذْ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِالْبُطْلَانِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَجَعَلُوهُ مُقَابِلًا لِلْمَذْهَبِ.

ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُجِيزَ مَا زَادَهُ الْمُوصِي عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ اهـ. وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ، قُلْت قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَقَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه فِي مُوَطَّئِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ صَرِيحَانِ فِي بُطْلَانِهَا. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ هُنَا عَلَى صِحَّتِهَا، وَكَفَى بِهِمَا أُسْوَةً لِلْمُصَنِّفِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى فَسَادِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَإِنْ أُجِيزَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الزَّايِ مَا أَوْصَى بِهِ لِوَارِثِهِ، أَوْ زَائِدُ الثُّلُثِ لِغَيْرِهِ (فَعَطِيَّةٌ) مِنْ الْمُجِيزِ الرَّشِيدِ تَفْتَقِرُ لِلْجَوْزِ عَنْهُ قَبْلَ حُصُولِ مَانِعِهَا لَهُ. أَبُو الْحَسَنِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ الْعَطَّارِ إنْ أَجَازَ الْوَارِثُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ كَانَ ذَلِكَ تَنْفِيذًا لِفِعْلِ الْمَيِّتِ لَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْ الْوَارِثِ، وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَاجِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ فِعْلُ الْمَيِّتِ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى يُجَازَ، وَعَلَى الثَّانِي عَكْسُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ طفي فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْإِجَازَةِ هَلْ هِيَ عَطِيَّةٌ أَوْ تَنْفِيذٌ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْوَصِيَّةُ مَوْقُوفَةٌ وَلَا تَمْضِي إلَّا بِإِجَازَةٍ وَلَا سِيَّمَا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقُلْ: بِجَوَازِهَا عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ رَدَّهَا الْوَارِثُ فَهُوَ قَائِلٌ بِوَقْفِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ وَلِغَيْرِهِ بِزَائِدٍ الثُّلُثِ إنْ أَطْلَقَ، بَلْ (وَلَوْ قَالَ) الْمُوصِي (إنْ

ص: 514

إنْ لَمْ يُجِيزُوا، فَلِلْمَسَاكِينِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ

وَبِرُجُوعٍ فِيهَا وَإِنْ بِمَرَضٍ

ــ

[منح الجليل]

لَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثِهِ (فَ) الْمُوصَى بِهِ لِلْوَارِثِ (لِلْمَسَاكِينِ) مَثَلًا فَلَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ قَوْلُهُ: الثُّلُثُ لِلْمَسَاكِينِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ لِابْنِي مَثَلًا فَهُوَ لَهُ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ أَجَازُوهَا لِابْنِهِ فَهِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهَا إنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَارِثِهِ، وَقَالَ: إنْ لَمْ يُجِزْ بَاقِي الْوَرَثَةِ فَهُوَ فِي السَّبِيلِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَوْ قَالَ: دَارِي فِي السَّبِيلِ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهَا الْوَرَثَةُ لِابْنِي فَذَلِكَ نَافِذٌ عَلَى مَا أَوْصَى. الْعَدَوِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَعَكْسِهِ أَنَّهُ بَدَأَ فِي عَكْسِهِ بِمَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِهِ فَدَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الْقُرْبَةَ لَا الْإِضْرَارَ، وَفِي الْأَصْلِ بِمَا لَا يَصِحُّ فَدَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الْإِضْرَارَ.

(وَ) بَطَلَتْ (بِرُجُوعٍ) مِنْ الْمُوصِي (فِيهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ فِي صِحَّتِهِ، بَلْ (وَإِنْ) رَجَعَ فِيهَا (بِمَرَضٍ) مَاتَ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ عَدَمَ رُجُوعِهِ، فِيهَا، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ. ابْنُ نَاجِي وَبِهِ الْعَمَلُ، وَحَكَى طُلْبَةُ بْنُ عَلْوَانَ اخْتِلَافَ فَتْوَى مُتَأَخِّرِي التُّونُسِيِّينَ إذَا كَانَ شَرَطَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فِيهَا، وَقَالَ: مَهْمَا رَجَعَ عَنْهَا كَانَ رُجُوعُهُمَا تَأْكِيدًا لَهَا، وَلَا نَصَّ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَلَا لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَأَوَّلُ مَنْ نَصَّ عَلَيْهَا أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ، وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ بَشْكَالَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُوَثِّقُ أَفَادَهُ تت. حُلُولُو بِالرُّجُوعِ حَكَمْت لَمَّا نَزَلَتْ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ؛ إذْ لَمْ يُفَصِّلُوا، وَصَرَّحَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ بِهِ الْعَمَلَ، وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِمَشْهُورِيَّتِهِ.

ابْنُ عَرَفَةَ: يَجُوزُ رُجُوعُ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ إجْمَاعًا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَهُ فَفِي لُزُومِهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ تُونُسَ. أَبُو عَلِيٍّ بْنُ عَلْوَانَ فِي لُزُومِهَا بِالْتِزَامِهِ عَدَمَ الرُّجُوعِ

ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ بِعِتْقٍ وَلَمْ يَعْزُهَا وَفِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، مِنْهَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً يَنْوِي بِهَا لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَلَهُ رَجْعَتُهَا، وَقَوْلُهُ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَنِيَّتُهُ بَاطِلٌ. قُلْت فَعَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الْتِزَامُ عَدَمِ الرُّجُوعِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمُدَبَّرِ لِلتُّونُسِيِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ اللُّزُومُ.

ص: 515

بِقَوْلٍ، أَوْ بَيْعٍ،

ــ

[منح الجليل]

الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْقُورِيُّ فِي جَوَابِهِ أَنَّ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَمَضَى بِهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الرُّجُوعِ. قَالَ: وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الْعَبْدُوسِيُّ، وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ الْحُوفِيَّةِ لَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ طفي وَبِرُجُوعٍ فِيهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَوْتِهِ. وَأَمَّا مَا بَتَلَهُ فِي مَرَضِهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الثُّلُثِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا رُجُوعَ لِلْمَرِيضِ فِيمَا بَتَلَهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ. وَفِي النَّوَادِرِ مَا بَتَلَهُ الْمَرِيضُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْوَصِيَّةَ.

وَيَكُونُ الرُّجُوعُ (بِقَوْلٍ) كَأَبْطَلْتُهَا أَوْ رَجَعْتُ عَنْهَا أَوْ لَا تَعْمَلُوا بِهَا (وَ) بِفِعْلٍ كَ (بَيْعٍ) لِمُوصًى بِهِ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ. الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ اُنْظُرْ مَوَاهِبَ الْقَدِيرِ. ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ

ص: 516

وَعِتْقٍ، وَكِتَابَةٍ، وَإِيلَادٍ، وَحَصْدِ زَرْعٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ،

ــ

[منح الجليل]

أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ (وَ) كَ (عِتْقٍ) لِلرَّقِيقِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ (وَ) كَ (كِتَابَةٍ) أَيْ عِتْقٍ لِلرَّقِيقِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ، وَإِمَّا عِتْقٌ، وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَادَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي عَلَى أَنَّ رُجُوعَ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْهُ يُصَحِّحُهَا فَهَذَا أَوْلَى.

ابْنُ شَاسٍ: الْكِتَابَةُ رُجُوعٌ. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ، وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تُوَافِقُهُ لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ، وَكِلَاهُمَا رُجُوعٌ وَهِيَ فَوْتٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزْ، فَإِنْ عَجَزَ فَلَيْسَتْ بِرُجُوعٍ. وَفِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ أَنْ تَعُودَ الْوَصِيَّةُ فِيهِ كَمَا تَعُودُ فِي شِرَاءِ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ.

وَفِي الشَّامِلِ وَلَا تَعُودُ لِعَجْزٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) كَ (إيلَادٍ) لِأَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُوصًى بِهَا فَوَطْؤُهَا لَيْسَ بِرُجُوعٍ. ابْنُ كِنَانَةَ مَنْ أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ لِرَجُلٍ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تُنْتَقَضُ وَصِيَّتُهُ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ (وَ) كَ (حَصْدِ زَرْعٍ) مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ. تت تَعَقَّبَ هَذَا جَمِيعُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ، فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَوْصَى بِزَرْعٍ فَحَصَدَهُ أَوْ بِتَمْرٍ فَجَذَّهُ أَوْ بِصُوفٍ فَجَزَّهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ إلَّا أَنْ يَدْرُسَ الْقَمْحَ وَيَكْتَالَهُ وَيُدْخِلَهُ بَيْتَهُ فَهَذَا رُجُوعٌ. الْبَاجِيَّ بِالدِّرَاسِ وَالتَّصْفِيَةِ انْتَقَلَ اسْمُهُ عَنْ الزَّرْعِ إلَى اسْمِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَكَانَ رُجُوعًا، وَقَوْلُهُ: اكْتَالَهُ تَأْكِيدٌ لِقَصْدِهِ، وَكَذَلِكَ أَدْخَلَهُ بَيْتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَدَّ الِاكْتِيَالِ.

(وَ) كَ (نَسْجِ غَزْلٍ) مُعَيَّنٍ أَوْصَى بِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَوْصَى

ص: 517

وَصَوْغِ فِضَّةٍ؛ وَحَشْوِ قُطْنٍ، وَذَبْحِ شَاةٍ، وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ

وَإِيصَاءٍ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ انْتَفَيَا، قَالَ: إنْ مِتُّ فِيهِمَا، وَإِنْ بِكِتَابٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ،

ــ

[منح الجليل]

بِغَزْلٍ فَحَاكَهُ ثَوْبًا أَوْ بِرِدَاءٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا فَهُوَ رُجُوعٌ وَقَالَهُ أَشْهَبُ (وَ) كَ (صَوْغِ فِضَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ أَوْصَى بِهَا. أَشْهَبُ إذَا أَوْصَى بِفِضَّةٍ ثُمَّ صَاغَهَا خَاتَمًا فَهُوَ رُجُوعٌ لِزَوَالِ الِاسْمِ الَّذِي إذَا أَوْصَى بِهِ (وَ) كَ (حَشْوِ قُطْنٍ) أَطْلَقَ كَابْنِ الْحَاجِبِ. وَفِي التَّوْضِيحِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِحَشْوِهِ فِي الثِّيَابِ، وَأَمَّا فِي مِخَدَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا. أَشْهَبُ إذَا أَوْصَى بِقُطْنٍ ثُمَّ حَشَا بِهِ أَوْ غَزَلَهُ فَهُوَ رُجُوعٌ. وَفِي الشَّامِلِ: حَشْوُ قُطْنٍ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ (وَذَبْحِ شَاةٍ) وَنَحْوَهَا مُعَيَّنَةٍ أَوْصَى بِهَا فَهُوَ رُجُوعٌ قَالَهُ أَشْهَبُ (وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْقَافِ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَهُوَ رُجُوعٌ لِعَدَمِ صِدْقِ اسْمِ الشُّقَّةِ عَلَى الْمُفَصَّلِ، وَمِثْلُ الشُّقَّةِ مَا يُشْبِهُهَا كَبَفْتَةٍ وَطَاقَةٍ وَالْأَجَّةِ وَقُطْنِيَّةٍ وَشَاهِيَةٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَوْصَى بِرِدَاءٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا فَهُوَ رُجُوعٌ وَقَالَهُ أَشْهَبُ.

(وَ) بَطَلَتْ (بِ) صِحَّتِهِ مِنْ مَرَضٍ مُعَيَّنٍ وَقُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ مُعَيَّنٍ فِي (إيصَائِهِ) بِمَالٍ مُقَيَّدًا (بِ) مَوْتِهِ مِنْ (مَرَضٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ سَفَرٍ) مُعَيَّنٍ (انْتَفَيَا) أَيْ الْمَوْتُ مِنْ الْمَرَضِ، وَالْمَوْتُ مِنْ السَّفَرِ الْمُعَيَّنَيْنِ إذَا قَالَ الْمُوصِي (إنْ مِتّ فِيهِمَا) أَيْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فَيَبْطُلُ إيصَاؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكِتَابٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (بِكِتَابٍ لَمْ يُخْرِجْهُ) أَيْ الْمُوصِي الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ وَقُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ

ص: 518

أَوْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَهُمَا، وَلَوْ أَطْلَقَهَا،

ــ

[منح الجليل]

الَّذِي أَوْصَى فِيهِ (أَوْ أَخْرَجَهُ) أَيْ الْمُوصِي الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ (ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ) أَيْ الْمُوصِي الْكِتَابَ (بَعْدَهُمَا) أَيْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ.

ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَفْظًا بِغَيْرِ كِتَابَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ كَذَا فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَهَا وَيَبِيعَ الْعَبْدَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَهَا جَازَتْ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، أَوْ فِي سَفَرِهِ. الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرْهَا حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَوَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ بَعْدَ قُدُومِهِ أَوْ بُرْئِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ.

سَحْنُونٌ أَرَادَ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ بَعْدَ بُرْئِهِ أَوْ قُدُومِهِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ عِنْدَ سَفَرِهِ وَبَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ وَقَبَضَهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَأَقَرَّهَا بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَشَهِدَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ أَنَّهَا هِيَ الْوَصِيَّةُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فَلَا تَنْفُذُ، وَإِنَّمَا تَنْفُذُ إذَا جَعَلَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ وَمَتَى لَمْ يُخْرِجْ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ مِنْ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَرَدَّهُ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إنْ كَانَ قَيَّدَهَا بِمَوْتِهِ مِنْ مَرَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي سَفَرٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ (وَلَوْ أَطْلَقَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِمَوْتِهِ بِمَرَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي سَفَرٍ مُعَيَّنٍ.

تت اخْتَلَفَ الشَّارِحَانِ فِي فَهْمِهِ فَقَالَ الشَّارِحُ أَيْ لَمْ يُقَيِّدْ بِمَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوا فُلَانًا كَذَا أَوْ لَهُ مِنْ عَبِيدِي كَذَا، وَكَتَبَهُ فِي كِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَطَلَتْ. قَالَ فِي الْبَيَانِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إنْ كَتَبَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ وَمَاتَ وَشَهِدَ أَنَّهُ خَطُّهُ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُشْهِدَهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ يَكْتُبُ، وَلَا يَعْزِمُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ عَقِبَ كَلَامِ الشَّارِحِ هَذَا تَبْعُدُ إرَادَتُهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَيَّدَ وَأَطْلَقَ فِي تَقْيِيدِهِ، فَقَالَ إنْ مِتّ فِي سَفَرِي أَوْ مَرَضِي فَلِفُلَانٍ كَذَا ثُمَّ زَالَ مَرَضُهُ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فَاسْتَرْجَعَ الْكِتَابَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ.

ص: 519

لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ، أَوْ قَالَ مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ أَوْ بَنَى الْعَرْصَةَ، وَاشْتَرَكَا.

ــ

[منح الجليل]

طفي تَقْرِيرُ الشَّارِحِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي ضَيْح وَبِهِ قَرَّرَ " ح " وَ " ج " فِي ضَيْح، حَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا أَوْ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ وَأَنَّ ابْنَ شَبْلُونٍ وَغَيْرَهُ تَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ تَأْوِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَضُرُّ اسْتِرْجَاعُ الْمُقَيَّدَةِ لَا الْمُبْهَمَةِ، وَأَنَّ أَبَا عِمْرَانَ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ اهـ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَيَانِ عَلَى حِكَايَةِ الْبُطْلَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَطْلَقَهَا بَعْضُ قَلَقٍ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ أَوَّلًا فِي الْمُقَيَّدَةِ ثُمَّ بَالَغَ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَوْ شَبَّهَ الْمُطْلَقَةَ بِالْمُقَيَّدَةِ فَقَالَ كَأَنْ أَطْلَقَهَا لَكَانَ أَبَيْنَ وَأَحْسَنَ قَالَهُ الْحَطّ.

(لَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ (إنْ) كَتَبَهَا بِكِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ (لَمْ يَسْتَرِدَّهُ) أَيْ الْمُوصِي الْكِتَابَ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ عِنْدَ غَيْرِهِ سَوَاءٌ قَيَّدَهَا بِمَوْتِهِ مِنْ مَرَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي سَفَرٍ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَمُتْ أَوْ أَطْلَقَهَا تَقَدَّمَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرْهُ بَعْدَ قُدُومِهِ أَوْ بُرْئِهِ، وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَقَوْلُهَا، وَإِنَّمَا تَنْفُذُ إذَا جَعَلَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ.

(أَوْ قَالَ) الْمُوصِي (مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ) لِي أَوْ مَتَى مِتّ أَوْ إذَا مِتّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ سَفَرٍ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَكْتُبْهَا أَوْ كَتَبَهَا وَأَخْرَجَهُ، وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ فِيهِمَا. عج هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَطْلَقَهَا فَلَوْ أَسْقَطَهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَكْرَارٍ (أَوْ) أَوْصَى بِعَرْصَةٍ، أَيْ أَرْضٍ خَالِيَةٌ لِمُعَيَّنٍ ثُمَّ (بَنَى) الْمُوصِي (الْعَرْصَةَ) دَارًا مَثَلًا فَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبِنَائِهَا (وَاشْتَرَكَا) أَيْ الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ بِقِيمَتَيْ الْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ تَبْطُلُ بِهِ سَمِعَ أَصْبَغُ مَنْ أَوْصَى بِمِزْوَدِ حَرِيرَةٍ ثُمَّ لَتَّهَا بِسَمْنٍ وَعَسَلٍ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا بِقَدْرِ لَتِّهَا كَالثَّوْبِ يَصْبَغُهُ، وَالْبُقْعَةِ يَبْنِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مَنْ أَوْصَى بِدَارٍ فَهَدَمَهَا أَوْ بِعَرْصَةٍ فَبَنَاهَا فَالْوَصِيَّةُ ثَابِتَةٌ

ص: 520

كَإِيصَائِهِ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ، ثُمَّ لِعَمْرٍو

وَلَا بِرَهْنٍ، وَتَزْوِيجِ رَقِيقٍ، وَتَعْلِيمِهِ، وَوَطْءٍ

ــ

[منح الجليل]

وَالْوَرَثَةُ شُرَكَاءُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، فَفِي الْبُقْعَةِ يَبْنِيهَا وَالدَّارِ يَهْدِمُهَا فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ ثَالِثُهَا بِالْبِنَاءِ لَا بِالْهَدْمِ، وَعَلَى عَدَمِ بُطْلَانِهَا بِبِنَاءِ الْعَرْصَةِ فِي كَوْنِهَا بِبِنَائِهَا نَافِذَةً لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ يُشَارِكُ الْوَرَثَةَ بِالْعَرْصَةِ وَعَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ الدَّارِ بِهَدْمِهَا فِي كَوْنِ نَقْضِهَا لِلْمُوصَى لَهُ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا.

وَشَبَّهَ فِي الِاشْتِرَاكِ فَقَالَ (كَإِيصَائِهِ) أَيْ الْحُرِّ الْمُمَيِّزِ الْمَالِكِ (بِشَيْءٍ) مُعَيَّنٍ كَدَارٍ أَوْ فَرَسٍ (لِزَيْدٍ ثُمَّ) أَوْصَى بِهِ (لِعَمْرٍو) فَلَا يَبْطُلُ إيصَاؤُهُ بِهِ لِزَيْدٍ، وَيَشْتَرِكَانِ بِالنِّصْفِ فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَفِيهَا أَيْضًا إنْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ هُوَ وَصِيَّةٌ لِعَمْرٍو فَذَلِكَ رُجُوعٌ. زَادَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ. وَفِيهَا إنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَالْأَخِيرَةُ تَنْقُضُ الْأُولَى؛ إذْ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْعِتْقِ زَادَ الشَّيْخُ وَقَالَهُ فِي الْوَصَايَا. الثَّالِثُ وَقَالَ فِي الثَّانِي إنْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى. الصِّقِلِّيُّ لِابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ أَوْ قَالَ: بِيعُوهُ مِنْ فُلَانٍ وَسَمَّى ثَمَنًا، أَوْ لَمْ يُسَمِّ فَهُوَ رُجُوعٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْآخَرِ وَيُبَاعُ مِمَّنْ سَمَّى وَيَحُطُّ ثُلُثَ ثَمَنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ يَعُودُ مِيرَاثًا.

(وَلَا) تَبْطُلُ (بِرَهْنٍ) لِلْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنِ فِي دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي وَعَلَى الْوَارِثِ تَخْلِيصُهُ وَدَفْعُهُ لِلْمُوصَى لَهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ. ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ ثُمَّ رَهَنَهُ وَآجَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَقَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لِأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَلَا يُغَيِّرُ الذَّاتَ (وَلَا) تَبْطُلُ بِ (تَزْوِيجِ رَقِيقٍ) مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ (وَ) لَا بِ (تَعْلِيمِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُوصَى بِهِ بِعَيْنِهِ صَنْعَةً (وَ) لَا تَبْطُلُ بِ (وَطْءٍ) لِلْأَمَةِ الْمُوصَى بِهَا مُعَيَّنَةً. ابْنُ شَاسٍ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ، وَالْوَطْءُ مَعَ الْعَزْلِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَجِدْ مَسْأَلَةَ التَّزْوِيجِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأُصُولُهُ تَقْتَضِيهِ، وَهُوَ نَصُّ الْغَزَالِيِّ وَشَرْطُهُ فِي الْوَطْءِ الْعَزْلَ خِلَافُ النَّصِّ.

ص: 521

وَلَا إنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَبَاعَهُ، كَثِيَابِهِ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا، أَوْ بِثَوْبٍ فَبَاعَهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ

وَلَا إنْ جَصَّصَ الدَّارَ، أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ،

ــ

[منح الجليل]

وَلَا) تَبْطُلُ (إنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فَبَاعَهُ) أَيْ الْمُوصِي الْمَالَ الْمُوصَى بِثُلُثِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يَمْلِكُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ بَقِيَ بِحَالِهِ أَوْ لَا، وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فَقَالَ (كَ) إيصَائِهِ بِ (ثِيَابِهِ) أَيْ الْمُوصِي مَثَلًا فَبَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا (وَاسْتَخْلَفَ) الْمُوصِي ثِيَابًا (غَيْرَهَا) ابْنُ رُشْدٍ مَنْ عَمَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ فَقَالَ: ثِيَابِي أَوْ رَقِيقِي أَوْ غَنَمِي لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَاسْتَبْدَلَهَا وَأَعَادَ غَيْرَهَا فَتَفْسُدُ وَصِيَّتُهُ فِيمَا مَلَكَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ أَوْصَى وَمِنْ الْمُفِيدِ لَوْ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ فَتَغَيَّرَتْ السِّكَّةُ فَلِلْمُوصَى لَهُ سِكَّةُ النَّاسِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي. الْجَلَّابُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الثِّيَابَ الْأُوَلَ بِأَعْيَانِهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ مِمَّا اسْتَخْلَفَهُ.

(أَوْ) أَوْصَى (بِثَوْبٍ) مَثَلًا مُعَيَّنٍ (فَبَاعَهُ) أَيْ الْمُوصِي الثَّوْبَ الْمُوصَى بِهِ (وَاشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُوصِي الثَّوْبَ الَّذِي بَاعَهُ فَتَعُودُ وَصِيَّتُهُ بِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفِي رُجُوعِ الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ مَنْ نَقَلَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَإِنَّمَا نَقَلَ الْبَاجِيَّ وَالصَّقَلِّيُّ الْأَوَّلَ (بِخِلَافِ) بَيْعِ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنِ وَشِرَاءِ (مِثْلِهِ) فَيُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ. الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسِلَاحِهِ فَيَذْهَبُ سَيْفُهُ وَدِرْعُهُ ثُمَّ يَشْتَرِي سَيْفًا آخَرَ وَدِرْعًا آخَرَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ فَأَخْلَفَ غَيْرَهُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَأَجْمَلَ فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ مِنْ تَرِكَتِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ.

(وَلَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ (إنْ جَصَّصَ) الْمُوصَى بِهَا بِعَيْنِهَا أَيْ بَيَّضَهَا بِالْجِصِّ (أَوْ صَبَغَ) الْمُوصِي (الثَّوْبَ) الْمُوصَى بِهِ الْعَيْنَ (أَوْ لَتَّ) الْمُوصِي (السَّوِيقَ) أَيْ دَقِيقَ الْحَبِّ الْمَقْلُوِّ

ص: 522

فَلِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ، وَفِي نُقْضِ الْعَرْصَةِ: قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

عَلَى الصَّاجِ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ وَعَسَلٍ (فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ دَارًا كَانَ أَوْ ثَوْبًا أَوْ سَوِيقًا (لِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ جَصَّصَ الدَّارَ أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ الِاسْمَ عَنْ حَالِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا بِقُدُرَاتِهَا وَصَبْغِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْعَرْصَةِ وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَارٍ مُعَيَّنَةٍ وَنَحْوِهَا ثُمَّ هَدَمَهَا فَهَدْمُهَا لَا يُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ بِهَا.

(وَفِي) اسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى لَهُ (نُقْضِ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ، أَيْ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَنَحْوَهَا الْمَنْقُوضِ مِنْ (الْعَرْصَةِ) وَعَدَمِهِ (قَوْلَانِ) الْبَاجِيَّ ابْنُ يُونُسَ أَشْهَبُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَرْصَةٍ فَبَنَاهَا فَأَرَى ذَلِكَ رُجُوعًا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَهَدَمَهَا فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ فِي النُّقْضِ الَّذِي نَقَضَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا هَدَمَ الدَّارَ فَالْعَرْصَةُ وَالنَّقْضُ لِلْمُوصَى لَهُ.

ص: 523

وَإِنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى، فَالْوَصِيَّتَانِ كَنَوْعَيْنِ، وَدَرَاهِمَ، وَسَبَائِكَ، وَذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ

وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِهِ، عَتَقَ، إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ،

ــ

[منح الجليل]

أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى (وَإِنْ أَوْصَى) الْحُرُّ الْمُمَيِّزُ الْمَالِكُ لِشَخْصٍ (بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ) إيصَائِهِ لَهُ بِوَصِيَّةٍ (أُخْرَى) أَيْ مُغَايِرَةٍ لِلْوَصِيَّةِ الْأُولَى فِي الْجِنْسِ كَإِيصَائِهِ لَهُ بِحَيَوَانٍ ثُمَّ إيصَائِهِ لَهُ بِعَقَارٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ (فَالْوَصِيَّتَانِ) مَعًا لِلْمُوصَى لَهُ، وَشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْوَصِيَّتَيْنِ مَعًا فَقَالَ (كَ) إيصَائِهِ لَهُ بِوَصِيَّتَيْنِ مِنْ (نَوْعَيْنِ) كَرَقِيقٍ وَإِبِلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَافَ لِلتَّمْثِيلِ، وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ جِنْسًا بِالْأُولَى، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّوْعِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ فَيَشْمَلُ الْجِنْسَ (وَ) كَإِيصَائِهِ لَهُ بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى مِنْ صِنْفَيْنِ كَ (دَرَاهِمَ وَسَبَائِكَ) مِنْ فِضَّةٍ (وَ) كَإِيصَائِهِ لَهُ بِ (ذَهَبٍ) فِي وَقْتٍ (وَ) بِ (فِضَّةٍ) فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَاتَانِ مُخَالِفَتَانِ جِنْسًا شَرْعًا وَنَوْعًا لُغَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ الْوَصِيَّتَانِ جِنْسًا وَلَا نَوْعًا وَلَا صِنْفًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتَا فِي الْقَدْرِ (فَأَكْثَرُهُمَا) لِلْمُوصَى لَهُ إنْ تَأَخَّرَ الْأَكْثَرُ.

بَلْ (وَإِنْ تَقَدَّمَ) الْأَكْثَرُ فِي الْإِيصَاءِ فَلَا يَفْسَخُهُ الْأَقَلُّ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهُ. ابْنُ شَاسٍ مَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَهُ آخِرًا بِصِنْفٍ آخَرَ فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ جَمِيعًا، وَهَلْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ مُتَمَاثِلَانِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ غَيْرُ مُتَمَاثِلَيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُمَا قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا الدَّرَاهِمُ وَالسَّبَائِكُ، فِيهَا مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ مِنْ صِنْفٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ بِعَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ غَنَمٍ مَثَلًا، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَوْ أَقَلَّ فَلَهُ أَكْثَرُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةَ. ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءٌ كَانَتَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ كِتَابَيْنِ.

(وَإِنْ أَوْصَى) الْحُرُّ الْمُمَيِّزُ الْمَالِكُ (لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ) مَالِ (هـ) أَيْ الْمُوصِي (عَتَقَ) الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ كُلُّهُ (إنْ حَمَلَهُ) أَيْ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ الْعَبْدَ بِأَنْ تَرَكَ السَّيِّدُ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ

ص: 524

وَأَخَذَ بَاقِيَهُ، وَإِلَّا، قُوِّمَ فِي مَالِهِ

ــ

[منح الجليل]

مِائَةٌ (وَ) إنْ زَادَ الثُّلُثُ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَ (أَخَذَ) الْعَبْدُ (بَاقِيَهُ) أَيْ الثُّلُثِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَتَرَكَ الْمُوصِي ثَلَاثَمِائَةٍ فَالثُّلُثُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَيَأْخُذُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَلَهُ مَالٌ (قُوِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا لِعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ (فِي مَالِهِ) أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ تَرَكَ السَّيِّدُ مِائَةً وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَلَهُ مِائَةٌ فَتَرِكَةُ السَّيِّدِ مِائَتَانِ ثُلُثُهَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لَا يَحْمِلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِزِيَادَتِهَا عَلَيْهِ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَتُؤْخَذُ مِنْ مِائَةِ الْعَبْدِ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ وَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ.

فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ عَتَقَ جَمِيعُهُ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ اسْتَتَمَّ مِنْهُ عِتْقُهُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ إنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ سُدُسِهِ جَعَلَ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ الثُّلُثَ أَوْ السُّدُسَ خَرَجَ حُرًّا الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ الْعَبْدِ، وَأَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَبِيَدِ الْعَبْدِ أَلْفُ دِينَارٍ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا ثُلُثُهُ، وَيُوقَفُ الْمَالُ بِيَدِهِ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثُهَا لِلصَّقَلِّيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ لَا يَعْتِقُ إلَّا ثُلُثُهُ فَقَطْ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ مِنْ ثُلُثِ نَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ فَهُوَ كَمَنْ وَرِثَ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ.

قُلْت فَفِي عِتْقِهِ فِيمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ قَصَّرَ عَنْ قِيمَتِهِ اسْتَتَمَّ بِمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثَةً، هَذَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا يَسْتَتِمُّ بِهِ، وَثَالِثُهَا لِلْمُغِيرَةِ لَا يَعْتِقُ غَيْرُ ثُلُثِهِ مُطْلَقًا. طفي فِي رَسْمٍ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَوْصَى لِجَارِيَةٍ بِثُلُثِهِ عَتَقَتْ فِي ثُلُثِهِ وَقُوِّمَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ حِينَ عَتَقَ عَلَيْهَا مِنْ نَفْسِهَا شِقْصٌ أَكْمَلَ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ مِنْ عِتْقِ نَفْسِهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي رَأْسٍ فَكَانَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ شِقْصُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَحْرَى أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ نَفْسِهِ فِيمَا يَمْلِكُ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ فِيمَا أَوْصَى لَهَا بِهِ مَالًا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهَا، وَكَانَ لَهَا مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ عَتَقَتْ فِيهِ وَأُخِذَ مِنْهَا. ابْنُ رُشْدٍ إذَا أَوْصَى لَهَا بِثُلُثِهِ فَقِيلَ لَا يَعْتِقُ مِنْهَا إلَّا الثُّلُثُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ رَأْيِهِ، وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْهَا الثُّلُثُ وَيُقَوَّمُ بَقِيَّتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ

ص: 525

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

لَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ رَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهَا بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حُرِّيَّتِهَا فِيهِ، وَكَأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ تُعْتَقَ وَأَنْ تُعْطَى بَقِيَّتَهُ إنْ فَضَلَ عَنْ رَقَبَتِهَا، وَاخْتَارَ سَحْنُونٌ فَقَالَ: إنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهَا بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حُرِّيَّةِ ثُلُثِهَا، وَأَنْ تُعْطَى بَقِيَّةَ ثُلُثِ مَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهَا، وَأَنْ تُعْطَى بَقِيَّةَ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَا تُعْتَقُ فِيهِ، وَلَا فِي مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعِتْقُ لِثُلُثِهَا إذَا أَوْصَى لَهَا بِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهَا مِلْكُهُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إيصَائِهِ بِعِتْقِ ثُلُثِهَا وَإِعْطَائِهَا بَقِيَّةَ ثُلُثِ مَالِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَلَيْهَا بَعْضَهَا وَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهَا بَقِيَّتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي سَائِرِ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا فِي عَبْدٍ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَقِيَّتُهُ فِي مَالِهِ اهـ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّقْوِيمَ فِي مَالِهِ لَيْسَ مَعْنَاهُ ضَمَّهُ لِمَالِ الْمُوصِي وَصَيْرُورَتَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ حَتَّى يُعْتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْعَبْدِ بَقِيَّةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَضَلَ فَالثُّلُثُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ بِالْوَصِيَّةِ فَيُقَوَّمُ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ وَيَأْخُذُ بَاقِيَهُ، وَإِنْ قَصُرَ الثُّلُثُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يُنَادِي بِأَنَّ مَالَهُ يَكُونُ لَهُ وَلَا وَجْهَ لِانْتِزَاعِهِ مِنْهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ، فَلَا تَسَلُّطَ لِلْوَارِثِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْعَبْدِ يُقِرُّ بِيَدِهِ، وَفِي رَسْمٍ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِثْلُ مَا فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَنَصُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ عَتَقَ جَمِيعُهُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ إنْ حَمَلَهُ.

ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ عَتَقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ إنْ كَانَ فِيهَا مَا يَسْتَتِمُّ بِهِ عِتْقَهُ عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ ذَلِكَ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَعَ الْوَرَثَةِ كَالشُّرَكَاءِ فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ لَهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ

ص: 526

وَدَخَلَ الْفَقِيرُ فِي الْمِسْكِينِ، كَعَكْسِهِ

وَفِي الْأَقَارِبِ، وَالْأَرْحَامِ، وَالْأَهْلِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَقَارِبُ لِأَبٍ

ــ

[منح الجليل]

؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ، فَلَمَّا مَلَكَ الْعَبْدُ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ عَتَقَ وَاسْتَتَمَّ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ عَلَيْهِ اهـ وَنَقَلَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أَطَلْنَا بِذِكْرِ النُّقُولِ الْمُتَدَاخِلَةِ إيضَاحًا لِلْمَسْأَلَةِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهَا مِنْ شُرَّاحِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِمِسْكِينٍ (دَخَلَ الْفَقِيرُ فِي) مَعْنَى (الْمِسْكِينِ) وَشَبَّهَ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ (كَعَكْسِهِ) أَيْ دُخُولِ الْمِسْكِينِ فِي الْفَقِيرِ الْمُوصَى لَهُ. ابْنُ شَاسٍ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ فِي لَفْظِ الْمَسَاكِينِ وَالْعَكْسُ. وَابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى عَدَمِ تَرَادُفِهِمَا، وَهُوَ صَوَابٌ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَامِّيًّا، وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ. وَفِي ضَيْح يَنْبَغِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ تَبَايُنِهِمَا أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِأَقَارِبَ أَوْ ذِي رَحِمٍ أَوْ أَهْلِ غَيْرِهِ دَخَلَ (فِي الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ وَالْأَهْلِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ (أَقَارِبُ لِأَبٍ) فَإِذَا كَانُوا فَلَا يَدْخُلُ أَقَارِبُ الْأُمِّ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ فَهِيَ لِلْقَرَابَةِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ اتِّفَاقًا. ابْنُ زَرْقُونٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ قَرَابَةٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ بِحَالٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَرَوَى الْإِخْوَانُ دُخُولَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ عِيسَى لَا يَدْخُلُونَ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ أَحَدٌ وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ

ص: 527

وَالْوَارِثُ، كَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ هُوَ،

ــ

[منح الجليل]

طفي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا، وَفِي الْحَبْسِ سَوَاءٌ، فَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَدَرَجَ هُنَاكَ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفَرَّقَ " ز " بَيْنَهُمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ مَنْ قَالَ: وَدُخُولُ قَرَابَةِ الْأُمِّ هُنَاكَ مَعَ قَرَابَةِ الْأَبِ قَالَهُ هُنَا، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَاكَ كَمَا يَظْهَرُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْحَبْسِ وَالْوَصِيَّةِ وَكَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي الْبَابَيْنِ. الْبُنَانِيُّ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَبْسِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ مَا دَرَجَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي الْحَبْسِ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَقَارِبُهُ أَقَارِبُ جِهَتَيْهِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَالْوَارِثُ) لِغَيْرِ الْمُوصِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْأَقَارِبَ وَالْأَرْحَامَ وَالْأَهْلَ الْمُوصَى لَهُمْ (كَغَيْرِهِ) أَيْ الْوَارِثِ فِي الدُّخُولِ (بِخِلَافِ) إيصَائِهِ لِ (أَقَارِبِهِ هُوَ) أَيْ الْمُوصِي أَوْ لِذِي رَحِمِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَلَا يَدْخُلُ وَارِثُهُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبَ فُلَانٍ دَخَلَ وَارِثُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ لِلْقَرِينَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْجَمِيعِ ذُو الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ قُلْت ظَاهِرُ لَفْظِهِمَا إطْلَاقُ عَدَمِ دُخُولِ وَرَثَةِ الْمُوصِي فِي قَرَابَتِهِ خِلَافُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ مَنْ يَرِثُهُ كَمَنْ لَا يَرِثُهُ فَيَجِبُ حَمْلُ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْوَارِثِ بِالْفِعْلِ، وَلَفْظُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الْوَارِثِ بِالسَّبَبِ دُونَ الْفِعْلِ كَابْنِ عَمٍّ

ص: 528

وَأُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ، إلَّا لِبَيَانٍ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ، وَابْنُهُ، عَلَى الْجَدِّ، وَلَا يُخَصُّ

ــ

[منح الجليل]

وَأَخٍ لِأُمٍّ مَعَ ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ وَلَمْ أَعْرِفْ لَفْظَهُمَا إلَّا لِوَجِيزِ الْغَزَالِيِّ، وَزَادَ وَقِيلَ يُوَزَّعُ فَيُبْطِلُ حَظَّ الْوَارِثِ وَيَصِحُّ الْبَاقِي. قُلْت وَفِي حَمْلِ نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْغَزَالِيُّ احْتِمَالٌ وَالْأَظْهَرُ إنْ عَلِمَ الْمُوصِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وُزِّعَتْ وَإِلَّا فَلَا.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِلْأَقَارِبِ أَوْ الْأَرْحَامِ أَوْ الْأَهْلِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (أُوثِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ خُصَّ (الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ) فِي الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِشِدَّةِ فَقْرِهِ أَوْ كَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ دِيَتِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ لَا بِالْجَمِيعِ، فَالْمُحْتَاجُ الْأَقْرَبُ عَلَى إيثَارِهِ بِالْأَوْلَى فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِبَيَانٍ) مِنْ الْمُوصِي خِلَافِ ذَلِكَ كَأَعْطُوا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ أَوْ أَعْطُوا فُلَانًا ثُمَّ فُلَانًا فَيُفَضَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْوَجَ لَا بِالْجَمِيعِ، وَإِذَا قَالَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ (فَيُقَدَّمُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ مُثَقَّلًا (الْأَخُ) الشَّقِيقُ أَوْ الْأَبُ (وَابْنُهُ) أَيْ الْأَخِ كَذَلِكَ (عَلَى الْجَدِّ) .

ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَجَدَّهُ وَأَخَاهُ وَعَمَّهُ وَقُسِّمَ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَيُفَضَّلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَأَرَى الْأَخَ أَقْرَبَ ثُمَّ الْجَدَّ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ فَالشَّقِيقُ أَقْرَبُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مُوسِرًا وَالْأَبْعَدُ مُحْتَاجًا فُضِّلَ الْأَقْرَبُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَى وَجْهِ مَا أَوْصَى بِهِ، وَلَا يَكْثُرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ حَبْسٌ فَالْأَخُ أَوْلَى وَحْدَهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ غَيْرُهُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً فَالْأَبُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقَسَّمُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَيُفَضَّلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. مُحَمَّدٌ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَا لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً وَوَلَدُ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، وَهَذَا عَلَى تَرْتِيبِ الْقُرْبِ فِي الْوَلَاءِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَفِي دُخُولِهِ خِلَافٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْأَخِ غَيْرُهُ، مَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً بِسُكْنَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَوْ كَانَتْ بِغَلَّةِ حَبْسٍ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ دَخَلَ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ.

(وَلَا يُخَصُّ) الْمُقَدَّمُ بِالْجَمِيعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا أَبْعَدَ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ أَوْ أَقْرَبَ عِنْدَ

ص: 529

وَالزَّوْجَةُ فِي جِيرَانِهِ لَا عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ، وَفِي وَلَدٍ صَغِيرٍ وَبِكْرٍ: قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

الْبَيَانِ، فَهُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يُعْطَى قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا يُعْطَى لِغَيْرِهِ أَشْهَبُ لَا يُفَضَّلُ الْأَقْرَبُ وَأَسْعَدُهُمْ بِهِ أَحْوَجُهُمْ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَبْدَأُ بِالْفُقَرَاءِ وَيُعْطِي بَعْدَهُمْ الْأَغْنِيَاءَ بِالِاجْتِهَادِ

(وَ) إنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَدْخُلُ (الزَّوْجَةُ) لِجَارِ الْمُوصِي (فِي) إيصَائِهِ (لِجِيرَانِهِ) لَا زَوْجَةُ الْمُوصِي لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ.

عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِيَ مِنْهَا الْجَارُ الَّذِي اسْمُ الْمَنْزِلِ لَهُ، وَلَا يُعْطَى أَتْبَاعُهُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَلَا ابْنَتُهُ الْبِكْرُ وَلَا خَدَمُهُ وَلَا وَصَيْفُهُ، وَتُعْطَى زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ الْبَائِنُ عَنْهُ بِنَفَقَتِهِ، وَالْجَارُ الْمَمْلُوكُ إنْ كَانَ سَكَنَ بَيْتًا عَلَى حِدَتِهِ أُعْطِيَ كَانَ سَيِّدُهُ جَارًا أَوْ لَا وَلِسَحْنُونٍ يُعْطَى وَلَدُهُ الْأَصَاغِرُ وَأَبْكَارُ بَنَاتِهِ (لَا) يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ (عَبْدٌ) لِلْجَارِ سَاكِنٌ (مَعَهُ) أَيْ الْجَارِ فِي بَيْتِهِ.

(وَفِي) إعْطَاءِ (وَلَدٍ صَغِيرٍ) لِلْجَارِ (وَ) إعْطَاءِ بِنْتٍ كَبِيرَةٍ (بِكْرٍ) لِلْجَارِ وَعَدَمِ إعْطَائِهِمَا (قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ مِنْ الْمَجْهُولِينَ، فَمَنْ وُجِدَ يَوْمَ الْقَسْمِ جَارًا دَخَلَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ وَحَدَثَ غَيْرُهُمْ أَوْ بَلَغَ صَغِيرًا وَبَلَغَتْ الْبِكْرُ فَذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَلِيلَ الْجِيرَانِ فَكَثُرُوا، وَإِنْ كَانَتْ غَلَّةً تُقَسَّمُ فَهِيَ لِمَنْ حَضَرَ قَسْمَهَا فِي كُلِّ غَلَّةٍ. الْبِسَاطِيُّ حَقِيقَةُ الْجَارِ هُوَ الْمُلَاصِقُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ، وَالْمُقَابِلُ وَبَيْنَهُمَا شَارِعٌ خَفِيفٌ، فَلَوْ كَانَ سُوقًا أَوْ نَهْرًا فَلَيْسَ بِجَارٍ. وَقَيَّدَ فِي التَّوْضِيحِ السُّوقَ بِالْمُتَّسِعِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَالشَّامِلُ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَبْدُ الْمَلِكِ حَدُّ الْجِوَارِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَمَا لَاصَقَ الْمَنْزِلَ مِنْ وَرَائِهِ وَجَنَبَاتِهِ، وَمَا تَبَاعَدَ بَيْنَ الْعُدْوَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا السُّوقُ الْمُتَّسِعُ فَلَيْسَ بِجِوَارٍ، فَإِنَّمَا الْجِوَارُ فِيمَا دَنَا مِنْ أَحَدِ الْعُدْوَتَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ دَارٌ عُظْمَى ذَاتُ مَسَاكِنَ كَدَارِ مُعَاوِيَةَ وَكَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، فَإِنْ أَوْصَى بَعْضُ أَهْلِهَا لِجِيرَانِهِ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنْ سَكَنَهَا رَبُّهَا وَهُوَ الْمُوصِي، فَإِنْ شَغَلَ أَكْثَرَهَا وَسَكَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ فِيهَا فَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ كَانَ خَارِجَهَا لَا لِمَنْ

ص: 530

وَالْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ؛

وَالْأَسْفَلُونَ فِي الْمَوَالِي

وَالْحَمْلُ

ــ

[منح الجليل]

فِيهَا، وَإِنْ سَكَنَ أَقَلَّهَا فَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ فِي الدَّارِ فَقَطْ، وَلَوْ شَغَلَهَا كُلَّهَا بِالْكِرَاءِ فَالْوَصِيَّةُ لِلْخَارِجِينَ مِنْهَا مِنْ جِيرَانِهَا. وَقَالَ مِثْلَهُ سَحْنُونٌ.

عَبْدُ الْمَلِكِ وَجَارُ الْبَادِيَةِ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، وَأَشَدُّ بَرَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ لِلْمُوصَى، وَرُبَّ جَارٍ عَلَى أَمْيَالٍ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ جِيرَانٌ، إذَا جَمَعَهُمْ الْمَاءُ فِي الْمَوْرِدِ، وَالْمَسْرَحُ فِي الْمَاشِيَةِ وَبِقَدْرِ مَا يُجْتَهَدُ فِيهِ وَلِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ الْجِوَارُ فِي الْقُرَى أَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَيْسَ لَهَا اتِّصَالٌ فِي الْبِنَاءِ، وَالْكَثْرَةُ مِنْ الْأَهْلِ وَالْحَارَاتِ فَهُمْ جِيرَانٌ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الْبِنَاءِ كَقَلْشَانَةَ فَهِيَ كَالْمَدِينَةِ فِي الْجِوَارِ اهـ.

(وَ) إنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ حَامِلٍ (دَخَلَ الْحَمْلُ فِي) الْإِيصَاءِ بِ (الْجَارِيَةِ) إنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فِي كُلِّ حَالٍ (إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ) أَيْ الْمُوصِي الْحَمْلَ فِي حَالِ إيصَائِهِ بِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ كَمَنْ وَضَعَتْهُ فِي حَيَاتِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ يَدْخُلُ الْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ. وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الشَّيْخِ. طفي قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُوصَى بِهَا لِشَخْصٍ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهَا، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ خَاصٌّ بِالْمُوصَى بِهَا لِشَخْصٍ؛ إذْ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا؛ وَلِذَا قَرَّرَهُ تت عَلَى الْمُوصَى بِهَا لِشَخْصٍ لِيَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِلْمَوَالِي دَخَلَ (الْأَسْفَلُونَ) أَيْ الْعُتَقَاءُ (فِي) إيصَائِهِ لِ (مَوَالِي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ. وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لِلْأَسْفَلَيْنِ فَقَطْ. فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِمَوَالِي فُلَانٍ، وَلَهُ مَوَالٍ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ وَمَوَالٍ أَنْعَمَ هُوَ عَلَيْهِمْ كَانَ لِمَوَالِيهِ الْأَسْفَلِينَ دُونَ الْأَعْلَيِينَ، وَلِذَا قَالَ " ج " لَوْ قَالَ: اخْتَصَّ الْأَسْفَلُونَ فِي الْمَوَالِي لَجَرَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي قَصْرِهَا عَلَى مَوَالِي الْمُوصَى وَأَوْلَادِهِمْ وَعُمُومِهَا فِيهِمْ وَفِي مَوَالِي أَبِيهِ وَوَلَدِهِ وَإِخْوَتِهِ وَأَعْمَامِهِ رِوَايَتَا الْعُتْبِيَّةِ

(وَ) إنْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ، وَهِيَ حَامِلٌ يَوْمَ إيصَائِهِ دَخَلَ (الْحَمْلُ فِي) إيصَائِهِ

ص: 531

فِي الْوَلَدِ

وَالْمُسْلِمُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فِي عَبِيدِهِ الْمُسْلِمِينَ

ــ

[منح الجليل]

بِ (الْوَلَدِ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ وَهْبٍ مَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمَا وَلَدَتْ جَارِيَتِي هَذِهِ أَبَدًا، فَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ أَوْصَى حَامِلًا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا يَوْمَ أَوْصَى فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا حَدَثَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وِلَادَتِهَا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَلَهُ كُلُّ مَا وَلَدَتْهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ أَوْصَى أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ فِيهِمْ، فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ، وَحَمَلَهَا الثُّلُثُ وَقَفَتْ حَتَّى تَضَعَ فَيَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَنِينِ الْوَلَدَ ثُمَّ يَتَقَاوَمُونَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُمْ الْجَنِينَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُوقِفُوهَا حَتَّى تَضَعَ، وَإِنْ كَرِهُوا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَسَقَطَتْ الْوَصِيَّةُ لِضَعْفِهَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْأَمَةَ وَحَمَلَهَا الثُّلُثُ فَقِيلَ يُعْتَقُ جَنِينُهَا وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: لَا يَتِمُّ عِتْقُهَا حَتَّى تَضَعَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ مَضَى عِتْقُهَا.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِعَبِيدِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ دَخَلَ الْعَبْدُ (الْمُسْلِمُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فِي) إيصَائِهِ لِ (عَبِيدِهِ) أَيْ الْمُوصِي (الْمُسْلِمِينَ) وَمَفْهُومُ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِهِ بَعْدَهُ لَا يَدْخُلُ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا عَلِمَ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوَصِيَّةِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَهُ تت. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا: إنْ قَالَ: إنْ مِتُّ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي مُسْلِمٍ حُرٌّ، وَلَهُ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ وَنَصَارَى ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ مُسْلِمًا يَوْمَ إيصَائِهِ، لِأَنِّي لَا أَرَاهُ غَيْرَهُمْ الصِّقِلِّيُّ. بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَعَلَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ عِتْقَ الْمُسْلِمِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِلَّا فَالْأَشْبَهُ دُخُولُ مَنْ أَسْلَمَ فِي وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوصِي فِيمَا يَكُونُ لَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ لَا بِأَعْيَانِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَعِنْدَهُ عَبِيدٌ فَبَاعَهُمْ وَاشْتَرَى آخَرِينَ فَمَاتَ عَنْهُمْ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ فِيهِمْ.

وَاخْتُلِفَ لَوْ اشْتَرَى بَعْدَ إيصَائِهِ عَبِيدًا مُسْلِمِينَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَدْخُلُونَ فِي وَصِيَّتِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَدْخُلُونَ. مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَبِيدِهِ يَوْمَهُ مُسْلِمُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمًا يَدْخُلُ فِيهَا. قُلْت: يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بِأَنْ صَدَقَ الِاسْمُ عَلَى مُسَمَّاهُ. أَمَّا

ص: 532

لَا الْمَوَالِي فِي تَمِيمٍ، أَوْ بَنِيهِمْ

وَلَا الْكَافِرُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْمِيمٌ، كَغُزَاةٍ، وَاجْتَهَدَ،

ــ

[منح الجليل]

فِي سِيَاقِ التَّقْسِيمِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِي تَعْيِينِ الْمُسَمَّى لِقَرِينَةِ التَّقْسِيمِ الْمَلْزُومِ لِاعْتِبَارِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَقَرَّرَ بِهَا التَّقْسِيمُ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ الْمُسَمَّى لِأَصَالَتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ مُوجِبِ التَّعْيِينِ.

(لَا) يَدْخُلُ (الْمَوَالِي) الْأَسْفَلُونَ (فِي إيصَائِهِ) لِ (تَمِيمٍ) مَثَلًا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَشْهَبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدْخُلُونَ لِحَدِيثِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَدْخُلُ الْمَوَالِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ اتِّفَاقًا، وَفِي دُخُولِهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَبِيلَةِ.

ثَالِثُهَا إنْ قَالَ لِتَمِيمٍ وَلِبَنِي تَمِيمٍ: لَا يَدْخُلُونَ. لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ وَتَفْرِقَةِ أَشْهَبَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ؛ إذْ مِنْ الْقَبَائِلِ مَنْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ كَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَرَبِيعَةَ وَقَيْسٍ. ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَوْصَى لِمَسَاكِين تَمِيمٍ مَثَلًا دَخَلَ فِيهِمْ مَوَالِيهِمْ.

(وَ) إنْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ فَ (لَا يَدْخُلُ الْكَافِرُ) الْغَرِيبُ (فِي) إيصَاءِ الْمُسْلِمِ لِ (ابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ الْغَرِيبِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي كَافِرًا فَلَا يَدْخُلُ الْمُسْلِمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْكَافِرِينَ (وَ) إنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ كَغُزَاةٍ (لَمْ) الْأَوْلَى فَلَا (يَلْزَمْ) مُتَوَلِّي التَّفْرِقَةِ (تَعْمِيمٌ كَغُزَاةٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالزَّايِ جَمْعُ غَازٍ، أَيْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَقْصِدْ لِتَعَذُّرِهِ فَيُعْطِي الْحَاضِرَ مِنْهُمْ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَجْهُولِينَ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ كَبَنِي تَمِيمٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ مِنْهُمْ وَتُقَسَّمُ بِالِاجْتِهَادِ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَعْمِيمَهُمْ (وَاجْتَهَدَ) مُتَوَلِّي قَسْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَجْهُولِينَ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ فِيمَا يُعْطِيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَتُهُمْ فِي قَدْرِ مَا يُعْطِيهِمْ.

الْحَطّ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ مَجْهُولِينَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغُزَاةِ وَبَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ، وَلَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، بَلْ يُقَسِّمُ عَلَى الْحَاضِرِ مِنْهُمْ

ص: 533

كَزَيْدٍ مَعَهُمْ

وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ

وَضُرِبَ لِمَجْهُولٍ

ــ

[منح الجليل]

بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَمَنْ وُلِدَ أَوْ قُدِّمَ قَبْلَهُ اسْتَحَقَّ. وَمَفْهُومُ كَغُزَاةٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ مُعَيَّنِينَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ. الْحَطّ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ مُعَيَّنِينَ كَفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَوْلَادِ فُلَانٍ، وَسَمَّاهُمْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَحِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ وَمَنْ وُلِدَ فَلَا يَدْخُلُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ الْمُوصِي كَقَوْلِهِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ أَوْ لِإِخْوَتِي وَأَوْلَادِهِمْ أَوْ أَخْوَالِي وَأَوْلَادِهِمْ فَقِيلَ: هُمْ كَالْمُعَيَّنِينَ فِي لُزُومِ التَّعْمِيمِ وَالتَّسْوِيَةِ، وَانْتِقَالِ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ لِوَارِثِهِ وَعَدَمِ دُخُولِ مَنْ وُلِدَ وَقِيلَ كَالْمَجْهُولِينَ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَسَّمُ عَلَى مَنْ حَضَرَ وَلَا شَيْءَ. لِوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَيَدْخُلُ مَنْ وُلِدَ قَبْلَهُ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَفَهِمَ سَحْنُونٌ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَا بِقَوْلَيْنِ، بَلْ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لِمَنْ حَضَرَ وَأَنَّهُ يُقَسَّمُ بِالسَّوِيَّةِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فُقَرَاءَ الرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَشَبَّهَ فِي الِاجْتِهَادِ فَقَالَ (كَ) إيصَائِهِ لِمَجْهُولِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَ (زَيْدٍ مَعَهُمْ) أَيْ الْمَجْهُولِينَ غَيْرِ الْمَحْصُورَيْنِ فَيَجْتَهِدُ فِيمَا يُعْطِي لِزَيْدٍ مِنْ الْمُوصَى بِهِ. فِيهَا مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي السَّبِيلِ، أَوْ الْفُقَرَاءِ، أَوْ الْيَتَامَى يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ فَقْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَسْمِهِ فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ وَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْمَسَاكِينِ

(وَلَا شَيْءَ) مِنْ الْمُوصَى بِهِ (لِوَارِثِهِ) أَيْ زَيْدٍ إنْ مَاتَ (قَبْلَ الْقَسْمِ) وَصَارَ الْمُوصَى بِهِ كُلُّهُ لِلْغُزَاةِ مَثَلًا وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ زَيْدٌ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا.

(وَ) إنْ أَوْصَى بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِمُعَيَّنٍ وَبِعَدَدٍ مِنْهَا لِشِرَاءِ خُبْزٍ وَتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ كُلَّ يَوْمٍ وَبِعَدَدٍ مِنْهُمَا أَيْضًا لِتَسْبِيلِ مَاءٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ مَا لِلْخَبَرِ وَلَا جُمْلَةَ مَا لِلْمَاءِ (ضُرِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ حُوسِبَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا (لِمَجْهُولٍ) جُمْلَتُهُ وَاحِدٌ

ص: 534

فَأَكْثَرَ بِالثُّلُثِ، وَهَلْ يُقْسَمُ عَلَى الْحِصَصِ قَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

فَأَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدٍ وَصِلَةُ ضَرَبَ (بِ) جَمِيعِ (الثُّلُثِ) لِمَالِ الْمُوصِي، وَزِيدَ عَلَيْهِ الْمَعْلُومُ، وَقُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا، فَمَا نَابَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الثُّلُثِ أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَمَا نَابَ الْمَجْهُولَ وُقِفَ عِنْدَ أَمِينٍ وَصُرِفَ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ الْقَدْرُ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي فِي الْخُبْزِ وَالْمَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ.

وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْهُولُ فَ (هَلْ يُقْسَمُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ مَا نَابَ الْمَجْهُولَ الْمُتَعَدِّدَ مِنْ قِسْمَةِ الثُّلُثِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمَعْلُومِ (عَلَى الْحِصَّةِ) الَّتِي لِكُلِّ مَجْهُولٍ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَجْهُولِينَ أَوْ الْمَجْهُولَاتِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الْجِهَاتِ الْمَجْهُولَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُهَا، فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ وَالثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُخْرَجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى غَيْرِ أَمَدٍ مِنْ وَقِيدِ مَسْجِدٍ وَسِقَاءِ مَاءٍ أَوْ خُبْزٍ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا أَبَدًا وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا فَإِنَّهُ يُحَاصِصُ لِهَذَا الْمَجْهُولِ بِالثُّلُثِ، وَتُوقَفُ لَهُ حِصَّتُهُ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَفِي الزَّاهِيِّ أَشْهَبُ يُحَاصِصُ لَهُ بِالْمَالِ أَجْمَعَ لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ وَالصِّقِلِّيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ. قِيلَ: مَحْمَلُهُ أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ جَمِيعَ الْمَالِ فَيُقَالُ لِوَرَثَتِهِ أُجِيزُوا وَصِيَّتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا رَجَعَ لِلثُّلُثِ، وَقِيلَ مَحْمَلُهَا الثُّلُثُ يُقَالُ لَهُمْ شَيْءٌ، وَهَذَا أَبْيَنُ.

وَاخْتُلِفَ إنْ اجْتَمَعَ فِيهَا مَجْهُولَانِ كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ وَإِطْعَامِ مَسَاكِينِ فَقِيلَ هِيَ كَمَجْهُولٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ لِكُلِّ وَصِيَّةٍ مِنْهَا ثُلُثٌ وَعَزَا الشَّيْخُ الْأَوَّلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبَاجِيَّ، وَحَكَى الصِّقِلِّيُّ الْقَوْلَيْنِ. وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْقَسْمِ، فَعَلَى أَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَاحِدَةٌ بِثُلُثٍ وَاحِدٍ يُفَضُّ الثُّلُثُ عَلَى قِيمَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ، وَعَلَى أَنَّهَا وَصَايَا، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. قُلْت عَزَا الصِّقِلِّيُّ التَّخْرِيجَ الْأَوَّلَ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِقَوْلِهِ يُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى عَدَدِ الْمَجْهُولَاتِ.

اللَّخْمِيُّ وَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِمَعْلُومِ عَدَدٍ فَذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِيمَا يُحَاصِصُ بِهِ الْمَجْهُولَ، إنْ كَانَ وَاحِدٌ فَهَلْ يُحَاصِصُ بِالثُّلُثِ أَوْ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَمَنْ جَعَلَهَا وَصَايَا ضَرَبَ

ص: 535

وَالْمُوصَى بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ، يُزَادُ لِثُلُثِ قِيمَتِهِ ثُمَّ اُسْتُؤْنِيَ، ثُمَّ وُرِثَ

وَبِبَيْعٍ مِمَّنْ أَحَبَّ بَعْدَ النَّقْصِ وَالْإِبَايَةِ

ــ

[منح الجليل]

لِكُلِّ مَجْهُولٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَوْ بِالثُّلُثِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ لِجَمِيعِهَا ثُلُثًا وَاحِدًا أَحْسَنُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَبِرُبُعِ مَالِهِ وَبِأَشْيَاءَ بِأَعْيَانِهَا لِقَوْمٍ نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَإِلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَقُسِمَ عَلَيْهَا ثُلُثُ الْمَالِ، فَمَا صَارَ لِأَصْحَابِ الْمُعَيَّنَاتِ أَخَذُوهُ وَمَا صَارَ لِلْآخَرِينَ شَارَكُوا بِهِ الْوَرَثَةَ.

(وَ) إنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدِ فُلَانٍ وَعِتْقِهِ سِيمَ الْعَبْدُ (الْمُوصَى) بِفَتْحِ الصَّادِ (بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ أَبَى مَالِكُهُ مِنْ بَيْعِهِ بِهِ فَ (يُزَادُ) عَلَيْهِ (لِثُلُثِ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ أَصْبَغُ لِثُلُثِ الْمَالِ (ثُمَّ) إنْ أَبَى رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بِزِيَادَةِ الثُّلُثِ (اُسْتُؤْنِيَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ النُّونِ، أَيْ تَرَبَّصَ بِالْقِيمَةِ وَثُلُثِهَا، وَلَا يَسْتَعْجِلُ بِرَدِّهِمَا الْوَرَثَةُ عَسَى أَنْ يَرْضَى بِهِمَا بِالِاجْتِهَادِ (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ آبِيًا مِنْ بَيْعِهِ بِهِمَا (وُرِثَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ الْمُسْتَأْنَى بِهِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ مُدَّةُ الِاسْتِينَاءِ سَنَةٌ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا إنْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ لِيُعْتَقَ فَإِنَّهُ يُزَادُ فِيهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ لَا ثُلُثِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنْ يُزَادَ، فَإِنْ أَبَى رَبُّهُ بَيْعَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْتَأْنَى بِثَمَنِهِ، فَإِنْ بِيعَ وَإِلَّا رُدَّ ثَمَنُهُ مِيرَاثًا، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ يُوقَفُ الثَّمَنُ مَا رُجِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِعِتْقٍ أَوْ مَوْتٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ، فَحَمَلَ الصِّقِلِّيُّ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ عَلَى الْوِفَاقِ وَاللَّخْمِيِّ عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى. الصِّقِلِّيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ خَالَفَ ابْنُ وَهْبٍ مَالِكًا " رضي الله عنه "، وَقَالَ: يُزَادُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الْمَيِّتِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى (بِبَيْعٍ) لِرَقِيقِهِ (مِمَّنْ أَحَبَّ) هـ الرَّقِيقُ وَأَحَبَّ أَنْ يُبَاعَ لِفُلَانٍ، فَإِنْ دَفَعَ فِيهِ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِيعَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى مِنْ شِرَائِهِ (بَعْدَ النَّقْصِ) الثُّلُثَ قِيمَتَهُ فَ (كَالْإِبَايَةِ) مِنْ بَيْعِ الْمُوصَى بِشِرَائِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي رُجُوعِ الْجَمِيعِ مِيرَاثًا وَبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ. " غ " وَيَبِيعُ مِمَّنْ أَحَبَّ بَعْدَ النَّقْصِ وَالْإِبَايَةِ، أَيْ وَإِنْ أَوْصَى سَيِّدُهُ بِبَيْعِهِ مِمَّنْ أَحَبَّ اُسْتُؤْنِيَ ثُمَّ وَرِثَ بَعْدَ

ص: 536

وَاشْتِرَاءٍ لِفُلَانٍ، وَأَبَى بُخْلًا بَطَلَتْ، وَلِزِيَادَةٍ: فَلِلْمُوصَى لَهُ

ــ

[منح الجليل]

النَّقْصِ وَالْإِبَايَةِ، فَلَفْظُ الْإِبَايَةِ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ عَلَى النَّقْصِ، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْكَافِ مَكَانَ الْوَاوِ وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّقْصَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الزِّيَادَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَاعْتَرَضَ عج قَوْلَ " غ " اُسْتُؤْنِيَ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ اسْتِينَاءً، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بَعْدَ النَّقْصِ، وَالْإِبَايَةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِأَنَّ هَذِهِ لَا عِتْقَ فِيهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ: بِيعُوا عَبْدِي مِمَّنْ أُحِبُّ أَوْ مِمَّنْ يَعْتِقُهُ فَأَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِهِ لَا ثُلُثِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي وَضِيعَةً أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي الَّذِي يُبَاعُ مِمَّنْ أَحَبَّ بَيْنَ بَيْعِهِ بِمَا سِيمَ بِهِ وَعِتْقِ ثُلُثِ الْعَبْدِ، وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ وَضَيْعَةِ ثُلُثِ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ. ابْنُ وَهْبٍ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكٌ " رضي الله عنه "، وَأَمَّا الَّذِي يُبَاعُ مِمَّنْ يَعْتِقُهُ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ بَيْعِهِ مِنْهُ بِمَا أَعْطَى أَوْ يُعْتِقُوا ثُلُثَهُ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه ". الصِّقِلِّيُّ وَكَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الْمَبِيعِ لِلْعِتْقِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِمَا هُوَ أَصْوَبُ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ " رضي الله عنهم "، وَرَوَى أَشْهَبُ فِيهِ وَفِي الْمَبِيعِ مِمَّنْ أُحِبُّ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَلَمْ يَجِدُوا مَنْ يَأْخُذُهُ بِوَضِيعَةِ ثُلُثِ ثَمَنِهِ اُسْتُؤْنِيَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرُوا فِي بَيْعِهِ بِوَضِيعَةِ ثُلُثِ ثَمَنِهِ وَفِي عِتْقِ مَحْمَلِ الثُّلُثِ مِنْهُ.

(وَ) إنْ أَوْصَى بِ (اشْتِرَاءِ) عَبْدِ فُلَانٍ وَإِعْطَائِهِ (لِفُلَانٍ) آخَرَ فَإِنْ أَبَى بَيْعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ زِيدَ عَلَيْهِ قَدْرُ ثُلُثِهِ (وَ) إنْ أَبَى (بُخْلًا بِ) بَيْعِ (هـ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الثَّمَنُ مِيرَاثًا (وَ) إنْ أَبَى (لِ) طَلَبِ (زِيَادَةٍ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَثُلُثِهِ (فَ) الثَّمَنُ وَثُلُثُهُ (لِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ: اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ زِيدَ فِي ثَمَنِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بِذَلِكَ لِيَزْدَادَ ثَمَنًا دَفَعَ ثَمَنَهُ وَثُلُثَهُ

ص: 537

وَبِبَيْعِهِ لِلْعِتْقِ نُقِصَ ثُلُثُهُ، وَإِلَّا خُيِّرَ الْوَارِثُ فِي بَيْعِهِ، أَوْ عِتْقِ ثُلُثِهِ، أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ لِفُلَانٍ؛ فِي: لَهُ

وَبِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْحَاضِرِ، وُقِفَ، إنْ كَانَ لِأَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ، وَإِلَّا عُجِّلَ عِتْقُ ثُلُثِ الْحَاضِرِ، ثُمَّ تُمِّمَ مِنْهُ

ــ

[منح الجليل]

لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ غِبْطَةً بِهِ عَادَ ذَلِكَ مِيرَاثًا وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ امْتَنَعَ لِزِيَادَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَكْثَرُ مِنْ زِيَادَةِ ثُلُثِ الثَّمَنِ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ الْعَبْدِ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَالُ مِيرَاثًا وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ.

(وَ) إنْ أَوْصَى (بِبَيْعِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (لِعِتْقٍ) مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ (نُقِصَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (ثُلُثُهُ) أَيْ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِوَضِيعَةِ الثُّلُثِ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً (الْوَارِثُ) لِلْمُوصَى (فِي بَيْعِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ بِمَا سَامَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي (أَوْ عِتْقِ ثُلُثِ الْعَبْدِ) بَتْلًا (أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ إعْطَاءِ ثُلُثِ الْعَبْدِ (لِفُلَانٍ فِي) إيصَائِهِ بِبَيْعِهِ (لَهُ) أَيْ فُلَانٍ.

(وَ) إنْ أَوْصَى (بِعِتْقِ عَبْدٍ) مُعَيَّنٍ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ (وَلَا يَخْرُجُ) الْعَبْدُ الْمُعَيَّنُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ (مِنْ ثُلُثِ) الْمَالِ (الْحَاضِرِ) لِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ عَلَيْهِ (وَيَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ) الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وُقِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْعَبْدُ عَنْ الْعِتْقِ (إنْ كَانَ) يُرْجَى إجْمَاعُ الْمَالِ (لِأَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ) فَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَالُ، وَحَمَلَ ثُلُثُهُ الْعَبْدَ عَتَقَ جَمِيعُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ اجْتِمَاعَ الْمَالِ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمْ يَحِدَّهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَحَدَّهَا ابْنُ الْمَوَّازِ بِسَنَةٍ (عُجِّلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (عِتْقُ) جُزْءٍ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ (ثُلُثِ) الْمَالِ (الْحَاضِرِ ثُمَّ تُمِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا عِتْقُهُ مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ، فَكُلَّمَا يَحْضُرُ شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبِ يُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِمَّا حَضَرَ لَهُ وَمَالٌ غَائِبٌ يَخْرُجُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوقَفُ لِاجْتِمَاعِ الْمَالِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ قُوِّمَ فِي ثُلُثِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَعْتِقُوا مِنِّي

ص: 538

وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ بِمَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ، إلَّا لِتُبَيِّنَّ عُذْرٍ

ــ

[منح الجليل]

ثُلُثَ الْحَاضِرِ السَّاعَةَ. سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةَ فِيمَا يَبْعُدُ اجْتِمَاعُهُ وَيَطُولُ. عِيَاضٌ هَذَا نَحْوُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا طَالَ ذَلِكَ كَالْأَشْهُرِ وَالسَّنَةِ أُنْفِذَ الثُّلُثُ. وَفَسَّرَ أَشْهَبُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ الْحَاضِرِ ثُمَّ مَا يَقْتَضِي مِنْ الْغَائِبِ يُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ. وَأَبُو عِمْرَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِم. الصِّقِلِّيُّ قَوْلُ سَحْنُونٍ إلَّا أَنْ يَضُرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةَ فِيمَا يَبْعُدُ جَمْعُهُ، وَيَطُولُ مِثْلُهُ رُوِيَ أَشْهَبُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَقْبِضُ إلَى أَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ أَوْ عَرَضٍ يُبَاعُ وَمَا يَبْعُدُ جِدًّا وَتَبْعُدُ غَيْبَتُهُ فَلْيُجْعَلْ عِتْقُهُ فِي ثُلُثِ الْحَاضِرِ، وَيُوقَفُ بَاقِيهِ كُلَّمَا حَضَرَ شَيْءٌ زِيدَ فِيهِ عِتْقُ ثُلُثِهِ وَلَا يُوقَفُ جَمِيعُ الْعَبْدِ وَإِنْ قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه، وَلَمْ يَأْخُذْ سَحْنُونٌ يَقُولُ أَشْهَبُ، وَقَالَ لَوْ كَانَ هَذَا لَأَجْزَأَ الْمَيِّتَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ثُلُثَ الْحَاضِرِ، وَصَارَ بَاقِي الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى الْوَرَثَةِ.

مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ غَيْرَ بَعِيدٍ انْتَظَرَ، وَإِنْ بَعُدَ كَالْأَشْهُرِ الْكَثِيرَةِ أَوْ السَّنَةِ أَنْفَذَ ثُلُثَ الْحَاضِرِ وَأَنْفَذَ الْمِيرَاثَ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ قَرُبَتْ الْغَيْبَةُ انْتَظَرَ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَخُرَاسَانَ مِنْ مِصْرَ وَالْأَنْدَلُسِ عَتَقَ الْآنَ مَحْمَلُ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَكُلَّمَا حَضَرَ شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبِ زِيدَ فِي عِتْقِهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَا حَضَرَ، وَإِذَا بَعُدَتْ الْغَيْبَةُ مِثْلَ خُرَاسَانَ جَازَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ ثُلُثَيْهِ. وَاخْتُلِفَ إنْ قَدِمَ الْغَائِبُ هَلْ يَنْقُضُ الْبَيْعَ لِيَعْتِقَ مَا بَقِيَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِهَذَا.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ فَأَجَازَهُ وَارِثُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ (لَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ آخَرَ، أَوْ الزَّائِدَةَ عَلَى الثُّلُثِ إنْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ (بِمَرَضٍ) لِلْمُوصِي مَخُوفٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْمُوصَى (بَعْدَهُ) أَيْ الْمَرَضِ صِحَّةً بَيِّنَةً وَمَاتَ مِنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِتَبَيُّنِ عُذْرٍ) لِلْمُجِيزِ فِي إجَازَتِهِ

ص: 539

بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ، أَوْ دَيْنِهِ أَوْ سُلْطَانِهِ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلُهُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ، لَا بِصِحَّةٍ وَلَوْ بِكَسَفَرٍ،

ــ

[منح الجليل]

مُصَوَّرٍ (بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمُجِيزِ (فِي نَفَقَتِهِ) أَيْ الْمُوصِي وَخَافَ الْوَارِثُ إنْ لَمْ يُجِزْ وَصِيَّتَهُ الْمَذْكُورَةَ بِقَطْعِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ لَهَا (أَوْ) فِي (دَيْنِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ الْمُوصَى، أَيْ كَوْنُ الْوَارِثِ مَدِينًا لِلْمُوصِي بِدَيْنٍ عَاجِزٍ عَنْ وَفَائِهِ وَخَافَ إنْ لَمْ يُجِزْهَا يَحْبِسُهُ فِي دَيْنِهِ مَثَلًا (أَوْ) خَوْفِ الْوَارِثِ مِنْ الْمُوصِي لِ (سُلْطَانِهِ) أَيْ جَاهِ الْمُوصِي وَقُوَّتِهِ وَ (إلَّا أَنْ) يَدَّعِيَ الْوَارِثُ أَنَّهُ جَهِلَ لَهُ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَ (يَحْلِفُ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلَهُ) أَيْ الْمُجِيزُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُجِيزَ (جَهِلَ أَنَّ لَهُ) أَيْ الْمُجِيزِ (الرَّدَّ) لِلْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ إجَازَتُهُ فِي صِحَّةِ الْمُوصَى، وَلَا إجَازَتُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ صِحَّةً بَيِّنَةً (لَا) تَلْزَمُ الْوَارِثَ إجَازَتُهُ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِهِ بِزَائِدٍ الثُّلُثِ (بِصِحَّةٍ) لِلْمُوصَى أَوْ بِمَرَضِهِ الَّذِي صَحَّ بَعْدَهُ صِحَّةً بَيِّنَةً إنْ كَانَتْ بِحَضَرٍ.

بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (بِسَفَرٍ) مِنْ الْمُوصَى فَلَا تَلْزَمُ الْوَارِثَ اُنْظُرْ الصِّحَّةَ الْمُوصَى قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَصْبَغُ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لُزُومَهَا بِسَفَرٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَنْزِيلًا لِلسَّفَرِ مَنْزِلَةَ الْمَرَضِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا قُلْت مَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَأَجَازَ وَرَثَتُهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمُوصِي إجَازَتَهُ، أَوْ بَعْدَ طَلَبِهَا، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ فَأَذِنُوا لَهُ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَائِنًا عَنْهُ مِنْ وَلَدِ أَخٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ وَلَدٍ قَدْ احْتَلَمَ وَبَنَاتِهِ وَزَوْجَاتِهِ فَذَلِكَ لَهُمْ، وَكَذَا ابْنُ الْعَمِّ الْوَارِثِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَيَخَافُ إنْ مَنَعَهُ وَصَحَّ أَنْ يَضْرِبَهُ فِي مَنْعِ رَفْدِهِ فَلِهَؤُلَاءِ أَنْ يَرْجِعُوا إذَا رَأَى أَنَّ إجَازَتَهُمْ خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يُجِيزُوا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَتْ حَالَتُهُمْ مُرْضِيَةً، وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الْبِكْرِ وَلَا الِابْنِ السَّفِيهِ وَإِنْ لَمْ

ص: 540

وَالْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ، وَعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَآلُهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ

ــ

[منح الجليل]

يَرْجِعَا. ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ كَانَتْ فِي الْمَرَضِ وَلَمْ تَتَخَلَّلْهُ صِحَّةٌ فَكَالْمَوْتِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ عُذْرٌ مِنْ كَوْنِهِ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ دَيْنُهُ أَوْ سُلْطَانُهُ، فَإِنْ قَالَ مَا عَلِمْت أَنَّ لِي رَدَّهَا، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُ حَلَفَ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ: مَنْ أَوْصَى مَا لِوَارِثِهِ فَأَنْفَذَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لَهُ، فَرَوَى مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ مَا عَلِمَ، وَلَهُ نَصِيبُهُ مِنْهُ قُلْت: مِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ، وَفِي الشُّفْعَةِ مِنْهَا مِنْ عِوَضٍ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَلْزَمُنِي فَلْيَرْجِعْ فِي عِوَضِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ مَنْ دَفَعَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَاهِلًا، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهِ مِنْهُ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا أَنْفَذَ بِحَالٍ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ جَهِلَ، إذْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي جَهْلِهِ، وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ إنْ ادَّعَى الْجَهْلَ، وَأَشْبَهَ بِيَمِينِهِ وَقِيلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَالثَّالِثُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ جَهِلَ بِدَلِيلٍ يُقِيمُهُ عَلَى ذَلِكَ.

(وَالْوَارِثُ) لِلْمُوصِي الَّذِي أَوْصَى لَهُ (يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ) لَهُ بِوِلَادَةِ مَنْ حَجَبَهُ بَعْدَ إيصَائِهِ لَهُ كَإِيصَائِهِ لِأَخِيهِ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ اُعْتُبِرَ مَآلُهُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لَهُ (وَعَكْسُهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ الْوَارِثِ لِلْمُوصِي يَصِيرُ وَارِثُهُ بِمَوْتِ مَنْ يَحْجُبُهُ كَإِيصَائِهِ لِأَخِيهِ، وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُوصِي (الْمُعْتَبَرُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ (مَآلُهُ) بِمَدِّ الْهَمْزِ، أَيْ مَا آلَ أَمْرُ الْمُوصَى لَهُ إلَيْهِ فَتَنْفُذُ فِي الْأَصْلِ، وَلَا تَنْفُذُ فِي عَكْسِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ رَشِيدٌ إنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُ الْمُوصَى لَهُ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُوصِي بِصَيْرُورَةِ وَارِثِهِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ وَارِثٍ.

فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ بِوَصِيَّةٍ فِي مَرَضٍ أَوْ صِحَّةٍ، وَهُوَ وَارِثُهُ فَلَا يَجُوزُ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ يَحْجُبُهُ فَيَجُوزُ إنْ عَلِمَ بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَصَارَ مُجِيزًا لَهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ جَائِزَةٌ عَلِمَ الْمُوصِي بِوَلَدِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا، وَمَنْ أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ لِامْرَأَةٍ

ص: 541

وَاجْتُهِدَ فِي ثَمَنِ مُشْتَرًى لِظِهَارٍ، أَوْ لِتَطَوُّعٍ بِقَدْرِ الْمَالِ،

ــ

[منح الجليل]

ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ أَوْصَى لِابْنِهِ، وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لِتَصْوِيبِهِ اللَّخْمِيُّ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ رَقَبَةٍ وَعِتْقِهَا كَفَّارَةً لِظِهَارِهِ مَثَلًا أَوْ تَطَوُّعًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا تُشْتَرَى بِهِ (اجْتَهَدَ) الْوَصِيُّ (فِي) قَدْرِ (ثَمَنِ) رَقِيقٍ (مُشْتَرًى) بِفَتْحِ الرَّاءِ (لِ) يُعْتَقَ فِي كَفَّارَةِ (ظِهَارٍ) مَثَلًا عَلَى الْمُوصِي (أَوْ) لِ (تَطَوُّعٍ) فَيَجْتَهِدُ (بِقَدْرِ الْمَالِ) الَّذِي تَرَكَهُ الْمُوصِي فَلَيْسَ مَنْ تَرَكَ مِائَةً كَمَنْ تَرَكَ أَلْفًا. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ تُشْتَرَى وَلَمْ يَمَسَّ ثَمَنًا أُخْرِجَتْ بِالِاجْتِهَادِ بِقَدْرِ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَكَذَا إنْ قَالَ عَنْ ظِهَارِي. الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْظَرُ إلَى قِلَّةٍ، وَلَا إلَى كَثْرَةٍ وَتُشْتَرَى رَقَبَةٌ وَسَطٌ كَمَا فِي الْغُرَّةِ، وَيُحَاصَصُ بِهَا أَهْلُ الْوَصَايَا، هَذَا الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ الْمُحَاصَّةُ بِأَدْنَى الْقِيَمِ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا فِي الْمُتَزَوِّجِ عَلَى خَادِمٍ أَنَّهَا مِنْ الْوَسَطِ. اللَّخْمِيُّ الْوَسَطُ مَعَ عَدَمِ الْوَصَايَا، فَإِنْ كَانَتْ وَضَاقَ الثُّلُثُ رَجَعَ إلَى أَدْنَى الرِّقَابِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا قَصَدَ إنْفَاذَ وَصَايَاهُ جُمْلَةً اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.

ص: 542

فَإِنْ سَمَّى فِي تَطَوُّعٍ يَسِيرًا، أَوْ قَلَّ الثُّلُثُ، شُورِكَ بِهِ فِي عَبْدٍ، وَإِلَّا فَآخِرُ نَجْمٍ مُكَاتَبٍ، وَإِنْ عَتَقَ فَظَهَرَ دَيْنٌ يَرُدُّهُ أَوْ بَعْضَهُ، رُقَّ الْمُقَابِلُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ؛

ــ

[منح الجليل]

فَإِنْ) كَانَ (سَمَّى) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمِيمِ مُثَقَّلًا الْمُوصِي (فِي) إيصَائِهِ بِشِرَاءِ رَقَبَةٍ لِعِتْقِ (تَطَوُّعٍ) ثَمَنًا (يَسِيرًا) لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ رَقَبَةٍ (أَوْ) سَمَّى كَثِيرًا وَ (قَلَّ الثُّلُثُ) لِمَالِ الْمُوصِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ عَنْ ثَمَنِ رَقَبَةٍ (شُورِكَ) بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (بِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى أَوْ الثُّلُثِ الْقَلِيلِ (فِي) شِرَاءِ (رَقَبَةٍ) لِلْعِتْقِ إنْ وُجِدَ مَنْ يُشَارِكُ فِي شِرَائِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُشَارِكُ فِي رَقَبَةٍ (فَآخِرُ نَجْمِ مُكَاتَبٍ) يُعَانُ عَلَيْهِ بِالْمُسَمَّى أَوْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْمُوصِي. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ سَمَّى ثَمَنًا لَا يَسَعُهُ الثُّلُثُ اشْتَرَى بِثُلُثِهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَا يَشْتَرِي بِهِ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي التَّطَوُّعِ شُورِكَ فِي رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أُعِينَ بِهِ مُكَاتَبٌ فِي آخِرِ نُجُومِهِ. (وَإِنْ) سَمَّى ثَمَنًا تُشْتَرَى بِهِ رَقَبَةٌ، وَتُعْتَقُ فَاشْتَرَى بِهِ الْوَصِيُّ رَقَبَةً وَ (أَعْتَقَهَا) عَنْ الْمُوصِي (فَظَهَرَ) عَلَيْهِ (دَيْنٌ) مُسْتَغْرِقٌ جَمِيعَ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي (يَرُدُّهُ) أَيْ الدَّيْنَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلرَّقَبَةِ (أَوْ) يَرُدُّ (بَعْضَهُ) أَيْ الْعَبْدَ لِلرَّقَبَةِ لِعَدَمِ اسْتِغْرَاقِهِ جَمِيعَ التَّرِكَةِ (رُقَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا (الْمُقَابِلُ) لِلدَّيْنِ، وَهُوَ جَمِيعُ الرَّقَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَبَعْضُهَا فِي الثَّانِيَةِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فِيهِ كَفَافُ الثُّلُثِ فَاشْتَرَاهَا الْوَصِيُّ بِهِ وَأَعْتَقَهَا عَنْهُ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ يَغْتَرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ رُدَّ الْعَبْدُ رِقًّا.

وَإِنْ لَمْ يَغْتَرِقْ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ رُدَّ الْعَبْدُ، وَأُعْطِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ ثُمَّ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ مِقْدَارُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الدَّيْنَ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَمْضِي الْعِتْقُ وَيَغْرَمُ الْوَصِيُّ. اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، وَلَمْ يُعْتَقْ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ تَبَيَّنَ تَفْرِيطُهُ ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَفِي حَمْلِهِ عَلَى التَّفْرِيطِ فَيَضْمَنُ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ فَلَا يَضْمَنُ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(وَإِنْ مَاتَ) الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَى لِلْعِتْقِ (بَعْدَ اشْتِرَائِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ

ص: 543

اُشْتُرِيَ غَيْرُهُ لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ

ــ

[منح الجليل]

أَيْ الرَّقِيقُ (اُشْتُرِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ رَقِيقٌ (غَيْرُهُ) وَإِنْ اُشْتُرِيَ غَيْرُهُ وَمَاتَ قَبْلَ إعْتَاقِهِ أَيْضًا اُشْتُرِيَ غَيْرُهُ وَهَكَذَا (لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ) لِمَالِ الْمُوصِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ. فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِنَسَمَةٍ تُشْتَرَى فَتُعْتَقُ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً بِالشِّرَاءِ حَتَّى تُعْتَقَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَتَلَهَا رَجُلٌ أَدَّى قِيمَتَهَا رِقًّا، وَأَحْكَامُهَا فِي أَحْوَالِهَا أَحْكَامُ رِقٍّ حَتَّى تُعْتَقَ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْتَرُوا رَقَبَةً أُخْرَى مِمَّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَبْلَغِ الثُّلُثِ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ رَقَبَةٍ لِتُعْتَقَ فِي كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَابْتَاعُوا رَقَبَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ عِتْقِهَا وَقِسْمَةِ الْمَالِ رَجَعَ لِلْمَالِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ثَمَنَ رَقَبَةٍ تُعْتَقُ إنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ ثَمَنَهَا، وَكَذَا يَرْجِعُ أَبَدًا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، أَوْ يُقَسَّمُ الْمَالُ، فَإِنْ قُسِّمَ وَقَدْ اشْتَرَى أَوْ أَخَّرَ ثَمَنَهُ فَذَهَبَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الثُّلُثِ أَهْلُ وَصَايَا قَدْ أَخَذُوا وَصَايَاهُمْ فَيُؤْخَذُ مِمَّا أَخَذُوا مَا يُبْتَاعُ بِهِ رَقَبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةً، وَثَمَّ عِتْقٌ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ الْوَاجِبِ، فَيَكُونَانِ فِي الثُّلُثِ سَوَاءً، وَإِنْ بَقِيَ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ مِنْ الثُّلُثِ مَا يُبْتَاعُ بِهِ رَقَبَةٌ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَابْتِيعَ بِهِ رَقَبَةٌ وَأُنْفِذَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ اهـ وَانْظُرْ الْحَاشِيَةَ.

ص: 544

وَبِشَاةٍ أَوْ بِعَدَدٍ مِنْ مَالِهِ: شَارَكَ بِالْجُزْءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَا سَمَّى، فَهُوَ لَهُ؛ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ أَوْصَى بِشَاةٍ) مَثَلًا وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ (أَوْ) أَوْصَى بِ (عَدَدٍ) مِنْ الشِّيَاهِ مَثَلًا كَثَلَاثٍ غَيْرِ مُعَيَّنَاتٍ (مِنْ مَالِهِ) أَيْ الْمُوصِي، وَلَهُ شِيَاهٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا سَمَّى (شَارَكَ) الْمُوصَى لَهُ الْوَرَثَةَ (بِالْجُزْءِ) أَيْ بِمِثْلِ نِسْبَةِ مَا سَمَّاهُ لِمَجْمُوعِ شِيَاهِهِ فَإِنْ سَمَّى وَاحِدَةً مِنْ اثْنَتَيْنِ شَارَكَ بِالنِّصْفِ وَمِنْ ثَلَاثٍ بِالثُّلُثِ، وَمِنْ عَشَرَةٍ بِالْعُشْرِ، وَإِنْ سَمَّى ثَلَاثًا مِنْ سِتِّينَ شَارَكَ بِنِصْفِ الْعُشْرِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ غَنَمٌ فَهُوَ شَرِيكٌ بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَدَدِهَا ضَأْنِهَا وَمَعْزِهَا ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ كُلُّهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. الشَّيْخُ مَنْ أَوْصَى بِعَشْرِ شِيَاهٍ مِنْ غَنَمِهِ وَمَاتَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ وَوَلَدَتْ بَعْدَهُ عِشْرِينَ فَصَارَتْ خَمْسِينَ فَلَهُ خُمُسُهَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ مَرَّةً، وَقَالَ مَرَّةً لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ عِشْرِينَ أَخَذَ عَشْرَةً مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَنِصْفَ الْأَوْلَادِ إنْ حَمَلَهُمَا الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهُمَا.

(وَإِنْ) كَانَ لَهُ حَالَ الْإِيصَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى وَمَاتَ بَعْضُهُ وَ (لَمْ يَبْقَ إلَّا مَا سَمَّى) الْمُوصِي (فَهُوَ) أَيْ الْبَاقِي كُلُّهُ (لَهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (إنْ حَمَلَهُ) أَيْ الْبَاقِيَ (الثُّلُثُ) لِمَالِ الْمُوصِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ، فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَشْرَةٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ، وَعَبِيدُهُ خَمْسُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ عَتَقَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا بِالسَّهْمِ، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَدَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ مِنْ إبِلِهِ. الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت: جَعْلُهُ شَرِيكًا وَمُخْتَصًّا مُتَنَافِيَانِ.

قُلْت: أَنَا أَفْهَمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى يُجْعَلُ حَالَ الْوَصِيَّةِ شَرِيكًا فَمَاتَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي عَنْ الْعَدَدِ الَّذِي سَمَّاهُ، وَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِيَ. طفي زَعَمَ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِفَهْمِهَا، وَقَالَ لَهُ لِسَانُ الْحَالِ: لَمْ تَفْهَمْ مِنْهَا، وَلَا قُلَامَةَ ظُفْرٍ لِاقْتِضَاءِ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ عَنْ الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ نَقَصَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ التَّنْفِيذِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَوَاوِينِ الْمَالِكِيَّةِ؛ إذْ الْمُعْتَبَرُ يَوْمُ التَّنْفِيذِ.

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فَفِيهَا مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَشَرَةٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ وَعَبِيدُهُ خَمْسُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ عَتَقَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا بِالسَّهْمِ خَرَجَ عَدَدُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ هَلَكُوا إلَّا عِشْرِينَ عَتَقَ نِصْفُهُمْ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ هَلَكُوا إلَّا خَمْسَةَ عَشْرَ عَتَقَ ثُلُثَاهُمْ، وَلَوْ هَلَكُوا إلَّا عَشَرَةً عَتَقُوا إنْ حَمَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى بِعَدَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ لِرَجُلٍ أَوْ بِعَشَرَةٍ مِنْ إبِلِهِ اهـ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَوْمُ التَّنْفِيذِ، وَأَنَّ الْمُشَارَكَةَ بِالتَّقْوِيمِ فَتُجَزَّأُ بِالتَّقْوِيمِ وَيَأْخُذُ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ خَرَجَ لَهُ قَدْرُهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَكَانَ لَهُ يَوْمَ التَّنْفِيذِ خَمْسُ شِيَاهٍ فَلَهُ الْخُمُسُ.

وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ غَنَمِهِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِالْقُرْعَةِ كَانَ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَقَوْلُ تت: وَلَهُ عَشْرُ شِيَاهٍ كَانَ شَرِيكًا بِالْعُشْرِ أَيْ بِاعْتِبَارِ التَّقْوِيمِ لَا الْعَدَدِ، فَتُقَوَّمُ الْعَشْرُ شِيَاهٍ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ، وَلَهُ جُزْءٌ كَانَ شَاةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَهُ التَّنْفِيذُ، وَعَلَى التَّجْزِئَةِ أَيْضًا يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي تَوْضِيحِهِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِبَعِيرٍ أَوْ بِعَبْدٍ كَانَ شَرِيكًا يُجْزِئُهَا صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا ذَكَرُهَا وَأُنْثَاهَا، وَمَعْنَى يُجْزِئُهَا أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ الشَّاةِ مِنْ سَائِرِ الْغَنَمِ، فَإِنْ تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ كَانَ لَهُ الْخُمُسُ، وَعَنْ عَشَرَةٍ فَلَهُ الْعُشْرُ، وَعَنْ مِائَةٍ فَلَهُ عُشْرُ الْعُشْرِ اهـ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ إلَخْ، أَيْ وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ لِيَوْمِ التَّنْفِيذِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَوْمُ التَّنْفِيذِ وَالْإِشْكَالُ الَّذِي تَخَيَّلَهُ الْبِسَاطِيُّ حَتَّى أَجَابَ بِمَا خَالَفَ فِيهِ الْمَذْهَبَ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ تَوْجِيهِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ اعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ بِالْجُزْءِ مَعَ الِالْتِفَاتِ إلَى الْعَدَدِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ كَلَامِهِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ اعْتَبَرَ الْجُزْئِيَّةَ، وَأَلْغَى الْعَدَدَ مِنْ كَلَامِ الْمُوصِي فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَهِيَ عَشَرَةٌ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِعُشْرِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ تِسْعٌ مِنْهَا فَابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ تِلْكَ الشَّاةَ إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ، وَإِنْ مَاتَ خَمْسَةٌ مِنْهَا أَعْطَاهُ خُمُسَ الْبَاقِي خَرَجَ فِي السَّهْمِ شَاةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ

ص: 546

لَا ثُلُثُ غَنَمِي فَتَمُوتُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ، فَلَهُ شَاةٌ وَسَطٌ؛ وَإِنْ قَالَ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ، بَطَلَتْ، كَعِتْقِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا؛

وَقُدِّمَ لِضَيِّقِ الثُّلُثِ، فَكُّ أَسِيرٍ،

ــ

[منح الجليل]

وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعْطِيهِ عُشْرَ مَا بَقِيَ مُطْلَقًا، حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْقَ إلَّا شَاةٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عُشْرُهَا اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ هَذَا تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

(لَا) يَخْتَصُّ الْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَمَلَهُ الثُّلُثُ فِي إيصَائِهِ لَهُ بِ (ثُلُثِ غَنَمِي) مَثَلًا (فَتَمُوتُ) غَنَمُهُ إلَّا ثُلُثَهَا لَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ لَهُ ثُلُثُ إبِلِي أَوْ عَبِيدِي فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهَا، فَإِنَّمَا لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ. قُلْت كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ مَعَ قَوْلِهِ إنَّمَا لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَنَمِ وَالْعَبِيدِ تَقْرِيرٌ لِمَا هُوَ وَاقِعٌ، كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَهُوَ جَمَادٌ قُلْت بَلْ احْتَرَزَ عَنْ اسْتِغْرَاقِهِ الدَّيْنَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ سبحانه وتعالى.

(وَ) إنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَ (لَمْ تَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُوصِي (غَنَمٌ فَلَهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (شَاةٌ وَسَطٌ) بَيْنَ الْعَالِي وَالدُّونِ تُشْتَرَى لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَلَهُ فِي مَالِهِ قِيمَةُ شَاةٍ مِنْ وَسَطِ الْغَنَمِ إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَهُ مِنْهَا.

(وَإِنْ) قَالَ لَهُ شَاةٌ (مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ) أَيْ الْمُوصِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ.

فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي فَمَاتَ وَلَا غَنَمَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ فَقَالَ (كَ) : إيصَائِهِ بِ (عِتْقِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا) أَيْ عَبِيدُهُ جَمِيعًا فَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا أَوْ اسْتَحَقُّوا بَطَلَتْ

(وَ) إنْ أَوْصَى بِوَصَايَا أَوْ لَزِمَهُ أَشْيَاءُ مِنْ الثُّلُثِ وَضَاقَ عَنْهَا (قُدِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (لِضِيقِ الثُّلُثِ) لِمَالِ الْمَيِّتِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ عَمَّا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ بِإِيصَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُقَدَّمُ (فَكُّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّ الْكَافِ، أَيْ فِدَاءُ شَخْصٍ (أَسِيرٍ) مُسْلِمٍ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ أَوْصَى بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ كَانَ أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ

ص: 547

ثُمَّ مُدَبَّرُ صِحَّةٍ ثُمَّ صَدَاقُ مَرِيضٍ، ثُمَّ زَكَاةٌ

ــ

[منح الجليل]

يَرَى تَبْدِئَةَ الْوَصِيَّةِ بِفَكِّ الْأَسِيرِ عَلَى كُلِّ الْوَصَايَا مُدَبَّرِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الْجِهَادِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَتَّابٍ قَائِلًا: أَجْمَعَ الشُّيُوخُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ. (تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: أَحْمَدُ قَوْلُهُ أَسِيرٍ، أَيْ مُسْلِمٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَالشَّارِحِ، فَإِنْ أَوْصَى بِفَكِّ أَسِيرٍ ذِمِّيٍّ فَهُوَ مِنْ الصَّدَقَةِ. عج هَذَا بَحْثٌ لَا نَقْلُ اللَّقَانِيِّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا نَصَّ لَهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا نَقَلَهَا الْإِشْبِيلِيُّ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَيْسَ فِي نَصِّهِ تَقْيِيدٌ بِالْمُسْلِمِ.

الثَّانِي: قُدِّمَ فَكُّ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُخَاطَبُ بِهِ فِي الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَصَدَاقِ الْمَرِيضِ، فَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَضَعُفَا عَنْهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْأَذَى الَّذِي لَيْسَ فِي غَيْرِهِ. (ثُمَّ) يُقَدَّمُ (مُدَبَّرٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلَةً الرَّشِيدُ فِي حَالِ (صِحَّةٍ) لَهُ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ فَكِّ الْأَسِيرِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ فِي بَاقِي الثُّلُثِ (صَدَاقُ) زَوْجَةِ زَوْجٍ (مَرِيضٍ) مَرَضًا مَخُوفًا حَالَ عَقْدِهِ عَلَيْهَا وَبَنَى بِهَا وَمَاتَ مِنْهُ فَلَزِمَهُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا، وَالثُّلُثُ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا. ابْنُ رُشْدٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ، وَصَدَاقُ الْمَرِيضِ إذَا دَخَلَ فِي مَرَضِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ يَتَحَاصَّانِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ صَدَاقُ الْمَرِيضِ، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ.

عَبْدُ الْحَقِّ: يُقَدَّمُ مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ أُحْدِثَ بَعْدَهُ فِي الْمَرَضِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا فِي مَرَضِهِ يُبْطِلُهُ أَوْ يُنْقِصُهُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَثَانِيهَا تَقْدِيمُ الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ رَآهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ثَالِثُهَا: يَتَحَاصَّانِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُرَجِّحًا.

(ثُمَّ) يُقَدَّمُ مِنْ بَاقِي الثُّلُثِ (زَكَاةٌ) لِعَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ؛ إذْ الْمُرَادُ الزَّكَاةُ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا فِي صِحَّتِهِ وَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ فَشَمِلَتْ الثَّلَاثَ وَبِالزَّكَاةِ الشَّامِلَةِ لَهَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَبِهَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا

ص: 548

أَوْصَى بِهَا، إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِحُلُولِهَا، وَيُوصِيَ، فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا،

ــ

[منح الجليل]

(أَوْصَى بِ) إخْرَاجِ (هَا) مِنْ مَالِهِ فَتُخْرَجُ مِنْ بَاقِي ثُلُثِهِ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا تَقَدَّمَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ) الْمُوصِي (بِحُلُولِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بِتَمَامِ حَوْلِ الْمَالِ مِنْ يَوْمِ زَكَاتِهِ أَوْ مِلْكِهِ (وَيُوصِي) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الصَّادِ بِإِخْرَاجِهَا (فَ) تُخْرَجُ (مِنْ رَأْسِ) أَيْ جَمِيعِ (الْمَالِ) قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: تُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ زَكَاةِ عَيْنٍ حَلَّتْ فِي مَرَضِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مُطْلَقًا، أَوْ إنْ أَوْصَى بِهَا إلَّا أَمَرَ الْوَارِثُ بِهَا، وَلَا يُجْبَرُ قَوْلَا اللَّخْمِيِّ مَعَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلِمُحَمَّدٍ فِيمَنْ عُلِمَ مَنْعُهُ زَكَاتَهُ، وَأُمِرَ بِهَا فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: حَتَّى أَصَحَّ تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ كَوْنَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مُتَمَتِّعٍ مَاتَ إثْرَ نَفْرِهِ وَلَمْ يَهْدِ لِتَمَتُّعِهِ يَهْدِي مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ فِي عِتْقِ ظِهَارِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ تَفْرِيطِهِ فِي عِتْقِهِ كَوْنَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: إنْ عَرَفَ حُلُولَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ اتِّبَاعٌ لِلَّخْمِيِّ لَا لِلْمَشْهُورِ.

وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ خِلَافُ اقْتِضَاءِ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ شَرْطَ عِلْمِ حُلُولِهَا حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَصِحَّةُ تَعْلِيلِ الصِّقِلِّيِّ مَا أَخْرَجَ مِنْهَا مِنْ الثُّلُثِ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَفِيهَا مَنْ حَلَّتْ زَكَاةُ عَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَتَاهُ مَالٌ غَائِبٌ فَأَمَرَ بِزَكَاتِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ فِي النُّكَتِ يَبْدَأُ عَلَيْهَا مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ وَصَدَاقُ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ إنَّمَا عُلِمَ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُدْرَى أَصَدَقَ أَمْ لَا، فَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالصَّدَاقِ أَقْوَى. وَشَبَّهَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ (كَ) زَكَاةِ (الْحَرْثِ وَ) زَكَاةِ (الْمَاشِيَةِ) إنْ مَاتَ مَالِكُهُمَا بَعْدَ إفْرَاكِ الْحَبِّ وَطِيبِ الثَّمَرِ وَمَجِيءِ السَّاعِي، فَتُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِ) إخْرَاجِ (هَا) ابْنُ رُشْدٍ أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ الْحُقُوقُ الْمُعَيَّنَاتُ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالرَّهْنِ وَزَكَاةِ ثَمَنِ الْحَائِطِ الَّذِي أَزْهَى، وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إذَا

ص: 549

ثُمَّ الْفِطْرُ، ثُمَّ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ،

ــ

[منح الجليل]

مَاتَ عِنْدَ حُلُولِهَا وَفِيهَا السِّنُّ الَّذِي وَجَبَ فِيهَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُخْرَجُ وَإِنْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ (ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ بَاقِي الثُّلُثِ زَكَاةُ (الْفِطْرِ) مِنْ رَمَضَانَ الْمَاضِيَةِ الَّتِي فَرَّطَ فِي إخْرَاجِهَا، وَأَمَّا الْحَاضِرَةُ الَّتِي مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَتُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ كَانَ أَوْصَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا أُمِرَ وَارِثُهُ بِإِخْرَاجِهَا بِلَا جَبْرٍ.

ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتَهُ، وَقَدْ أَوْصَى بِالْفِطْرِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا أُمِرَ وَرَثَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا، وَلَا يُجْبَرُونَ كَزَكَاةِ عَيْنٍ حَلَّتْ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: هِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ كَمَنْ مَاتَ، وَقَدْ أَزْهَى حَائِطُهُ أَوْ طَابَ كَرْمُهُ أَوْ أَفْرَكَ حَبُّهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي رَأْسِ مَالِهِ إنْ بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةَ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ.

ابْنُ زَرْقُونٍ الْمَشْهُورُ تَبْدِئَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهَا عَلَى نَفْسِهِ.

(ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ بَاقِي الثُّلُثِ (عِتْقُ) كَفَّارَةٍ (وَظِهَارٍ وَ) عِتْقُ كَفَّارَةِ (قَتْلٍ) خَطَأٍ فَرُتْبَتُهُمَا وَاحِدَةٌ (وَأُقْرِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ عِتْقِ الظِّهَارِ وَعِتْقِ الْقَتْلِ إنْ ضَاقَ الْبَاقِي عَنْهُمَا.

وَأَمَّا كَفَّارَةُ قَتْلِ الْعَمْدِ فَدَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ الْآتِي آخِرَ الْمَرَاتِبِ وَمُعَيَّنٌ غَيْرُهُ لِنَدْبِهَا فِي النُّكَتِ، ثُمَّ الْعِتْقُ فِي الظِّهَارِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بَعْدَ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا، فَهِيَ أَقْوَى فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَحْمِلْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَرَأَيْت لِلْإِبْيَانِيِّ أَنَّ مَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إلَى الْمُحَاصَّةِ بَيْنَهُمَا، فَمَا نَابَ الظِّهَارَ أَطْعَمَ بِهِ، وَمَا نَابَ الْقَتْلَ شُورِكَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَنَازُعٌ كَثِيرٌ. (ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ بَاقِي الثُّلُثِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فِي النُّكَتِ يُبْدَأُ عِتْقُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَخْيِيرِهِ فِيهَا بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ مَقْصُورَةٌ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا لِعَدَمِهِ فَحُكْمُهُمَا أَقْوَى. الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنَّمَا يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا تَحَنُّثًا وَتَحَرُّجًا فَلَا تُبْدَأُ كَالْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ.

ص: 550

ثُمَّ فِطْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ لِلتَّفْرِيطِ، ثُمَّ النَّذْرُ ثُمَّ الْمُبَتَّلُ، وَمُدَبَّرُ الْمَرَضِ؛ ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ أَوْ يُشْتَرَى أَوْ لِكَشَهْرٍ، أَوْ بِمَالٍ فَعَجَّلَهُ،

ــ

[منح الجليل]

(ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ بَاقِيهِ كَفَّارَةٌ (لِفِطْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْهُ كَفَّارَةٌ (لِتَفْرِيطِ) تَأْخِيرِ قَضَاءِ فِطْرِ (هـ) أَيْ رَمَضَانَ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ كَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، هَذَا عَلَى مَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي النُّكَتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي كَفَّارَةِ رَمَضَانَ نَصٌّ فِي الْكِتَابِ ضَعُفَتْ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

(ثُمَّ) يُوَفَّى مِنْ الْبَاقِي (النَّذْرُ) ظَاهِرُهُ كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ اُشْتُهِرَ أَوْ عُلِمَ مِنْ جِهَتِهِ فَقَطْ فِي النُّكَتِ، ثُمَّ بَعْدَ إطْعَامِ رَمَضَانَ النَّذْرُ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ وَجَبَ بِنَصِّ السُّنَّةِ، وَالنَّذْرُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ إدْخَالَهُ فَهُوَ أَضْعَفُ.

وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ ثُمَّ الْمَنْذُورُ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَوْصَى بِهِ.

(ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ الْبَاقِي (الْمُبَتَّلُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُثَقَّلًا، أَيْ الْمُنَجَّزُ عِتْقُهُ فِي الْمَرَضِ (وَمُدَبَّرُ) هـ فِي (الْمَرَضِ) لِلسَّيِّدِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا قُدِّمَ سَابِقُهُمَا فِي النُّكَتِ، ثُمَّ بَعْدَ النَّذْرِ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّذْرَ وَجَبَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَهَذَانِ إنَّمَا وَجَبَا فِي حَالِ الْحَجْرِ بِالْمَرَضِ فَضَعُفَا عَنْهُ، وَقِيلَ يُحَاصُّ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ الْمُدَبَّرَ فِيهِ إنْ كَانَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا بُدِئَ بِهِ.

(ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ الْبَاقِي الرَّقِيقُ (الْمُوصَى) بِفَتْحِ الصَّادِ (بِعِتْقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُعَيَّنًا) بِفَتْحِ الْيَاءِ مُثَقَّلًا (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُوصِي كَعَبْدِي فُلَانٍ (أَوْ) مُعَيَّنًا عِنْدَ غَيْرِهِ كَسَعِيدٍ عَبْدِ زَيْدٍ (يُشْتَرَى) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ لَهُ (أَوْ) مُعَيَّنًا أَوْصَى بِعِتْقِهِ (لِكَشَهْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ) مُعَيَّنًا (أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ فَالْأَرْبَعَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَاصُّونَ عِنْدَ الضِّيقِ. ابْنُ مَرْزُوقٍ شَمِلَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالِ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ فَعَجَّلَهُ،

ص: 551

ثُمَّ الْمُوصَى بِكِتَابَةٍ؛ وَالْمُعْتَقُ بِمَالٍ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ بَعُدَ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ عَلَى الْأَكْثَرِ،

ــ

[منح الجليل]

وَمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ فَعَجَّلَهُ، وَمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ مُطْلَقٍ فَعَجَّلَهُ فَحُكْمُهَا وَاحِدٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَمِثْلُهُ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ فَعَجَّلَهَا فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَاصُّونَ عِنْدَ الضِّيقِ وَأُخِّرَتْ عَنْ مُبَتَّلِ الْمَرَضِ وَمُدَبَّرِهِ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا دُونَهُمَا فِيهَا، ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْمُبَتَّلِ وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ مَعًا ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَالْمُشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِهِ.

اللَّخْمِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْدَأُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَرَقَّبٌ فِي الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِهِ. ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ وَالْمُوصَى أَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ إذَا عَجَّلَهُ وَالْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ إذَا عَجَّلَهَا وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى شَهْرٍ وَمَا أَشْبَهَ لَا يَبْدَأُ أَحَدُهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَتَحَاصُّونَ. (ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ الْبَاقِي (الْمُوصَى) بِفَتْحِ الصَّادِ (بِكِتَابَتِهِ) وَلَمْ يُعَجِّلْهَا (وَالْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (بِمَالٍ) وَلَمْ يُعَجِّلْهُ (وَأَعْتَقَ) بِالْفَتْحِ (إلَى أَجَلٍ بَعُدَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ عَنْ نَحْوِ الشَّهْرِ وَلَمْ يَبْلُغْ سَنَةً فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَاصُّونَ إذَا ضَاقَ (ثُمَّ) يُخْرَجُ مِنْ الْبَاقِي (الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ) وَيُقَدَّمُ (عَلَى) الْمُعْتَقِ إلَى (أَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ السَّنَةِ. " غ " وَكَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا الْمُعْتَقَ لِشَهْرٍ ثُمَّ لِسَنَةٍ ثُمَّ لِسَنَتَيْنِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ زِيَادَتَهُ هُنَا الْمُعْتَقَ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ بَعْدَ الْمُعْتَقِ لِشَهْرٍ وَقَبْلَ الْمُعْتَقِ لِسَنَةٍ كَمَا تَرَى، وَحَمْلُهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ حَتَّى يَكُونَ مَرْتَبَةً زَائِدَةً لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.

" ق " فِي النُّكَتِ أَنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ يَتَحَاصُّ مَعَ الْمُوصَى أَنْ يُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَمَعَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ فَعَجَّلَهُ، قَالَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُوصَى أَنْ يُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ الْمُوصَى أَنْ يُكَاتَبَ أَوْ يُعْتَقَ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُعَجِّلْهُ قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ تَحَاصَصَ هُوَ وَالْمُوصَى أَنْ يُكَاتَبَ أَوْ يُعْتَقَ عَلَى مَالٍ وَيَصِيرَانِ فِي دَرَجَةٍ مُتَقَارِبَةٍ، ثُمَّ قَالَ الْمَوَّاقُ وَكَذَا لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى سَنَةٍ مُبْدَأٌ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى سَنَتَيْنِ وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَاعْتَمَدَ هَذَا شب فَقَالَ: الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى أَنَّ الْعِتْقَ لِسَنَةٍ

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَوْ أَكْثَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُوصَى بِكِتَابَةٍ وَالْمُعْتَقِ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ وَلَمْ يُعَجِّلْهُ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُعْتَقِ لِسَنَةٍ وَالْمُعْتَقَ لِشَهْرٍ مَرْتَبَةٌ، لَكِنَّهُ قَالَ: وَكَلَامُ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَقَ لِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَنَّهَا تَلِي مَرْتَبَةَ الْمُعْتَقِ لِشَهْرٍ، وَأَنَّ مَرْتَبَةَ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ وَالْمُعْتَقِ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُعَجِّلْهُ تَلِي مَرْتَبَةَ الْمُعْتَقِ لِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ اهـ وَتَبِعَهُ الْعَدَوِيُّ.

قُلْت: هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ " ق " عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَقَ لِسَنَةٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُعْتَقَ عَلَى مَالٍ بِلَا تَعْجِيلٍ فِيهِمَا يَتَحَاصَّانِ مَعَ الْمُعْتَقِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.

الْبُنَانِيُّ وَقَرَّرَهُ الْحَطّ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِقُ النَّقْلَ، فَقَالَ قَوْلُهُ: بَعُدَ أَيْ كَعَشْرِ سِنِينَ، وَمَعْنَى ثُمَّ الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا أَنَّ الْمُعْتَقَ لِسَنَةٍ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَمَا هُوَ فِي مَرْتَبَتِهِ وَهُوَ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، وَلَمْ يُعَجِّلْهَا الْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يُعَجِّلْهُ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ عَلَى هَذَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ، وَهُوَ أَحْسَنُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَطّ أَنَّ الْمُعْتَقَ لِسَنَةٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ وَمَا مَعَهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ، وَاَلَّذِي فِي عج عَنْ ابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّ الْمُعْتَقَ لِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُمَا مَعًا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ. وَالْمُعْتَقِ عَلَى مَالٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَوَّاقِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَنَصُّ الْحَطّ قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، وَالْمُعْتَقُ بِمَالٍ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ بَعُدَ، يَعْنِي أَنَّ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، وَلَمْ يُعَجِّلْهَا وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يُعَجِّلْهُ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ كَعَشْرِ سِنِينَ. قَوْلُهُ ثُمَّ لِسَنَةٍ عَلَى أَكْثَرَ، يَعْنِي وَأَمَّا الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَمَا مَعَهُ، وَكَانَتْ الْوَاوُ هُنَا أَوْلَى مِنْ ثُمَّ، وَيُشِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ، قَالَ: وَقَدَّمَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُعْتَقَ إلَى سَنَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَجَعَلَ الْمُكَاتَبَ يَتَحَاصُّ مَعَ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ كَعَشْرِ سِنِينَ، وَمَعَ الْمُعْتَقِ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُعَجِّلْهُ اهـ وَبِهَذَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَانْظُرْ نَقْلَ التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِنَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْهُ، وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي قَوْلِهِ لِسَنَةٍ عَلَى أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 553

ثُمَّ بِعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ، ثُمَّ حَجٌّ إلَّا لِصَرُورَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ، كَعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ، وَمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ، وَجُزْئِهِ

ــ

[منح الجليل]

ثُمَّ) يَنْفُذُ مِنْ الْبَاقِي (عِتْقٌ) لِرَقِيقٍ (لَمْ يُعَيَّنْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلًا بِأَنْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي رَقَبَةً (ثُمَّ) يَنْفُذُ مِنْ الْبَاقِي (حَجٌّ) عَنْ الْمُوصِي بِأُجْرَةٍ (إلَّا لِ) مُوصٍ (صَرُورَةً) أَيْ مَنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ (فَيَتَحَاصَّانِ) أَيْ عِتْقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَحَجُّ الصَّرُورَةِ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَبِالْمَالِ وَبِالْحَجِّ فَقِيلَ إنَّهَا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي التَّحَاصُصِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْحَجِّ وَيَتَحَاصَصُ مَعَ الْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الثَّانِي. فِيهَا وَهَذَا الْخِلَافُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمَعْنَاهُ فِي الصَّرُورَةِ.

وَأَمَّا حَجَّةُ التَّطَوُّعِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ يَبْدَأُ عَلَيْهَا، وَلَا فِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْدَأُ عَلَى الْمَالِ، وَهَلْ يَبْدَأُ الْمَالُ عَلَى الْحَجِّ أَوْ يَتَحَاصَّانِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ.

وَشَبَّهَ فِي التَّحَاصُصِ فَقَالَ (كَعِتْقٍ) لِرَقِيقٍ (لَمْ يُعَيَّنْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلَةً (وَمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ) أَيْ الْعِتْقِ كَ: هَذَا الثَّوْبُ لِزَيْدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا: إنْ أَوْصَى بِمَالٍ وَبِنَسَمَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا تَحَاصَّا، وَسَمِعَ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ تُشْتَرَى وَأَوْصَى بِوَصَايَا وَضَاقَ الثُّلُثُ تَحَاصُّوا فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الرَّقَبَةَ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَا تَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا (وَ) وَصِيَّةٍ بِ (جُزْءٍ) مِنْ مَالِ الْمُوصِي كَثُلُثِهِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَتَحَاصَصُ فِي الثُّلُثِ إذَا ضَاقَ عَنْهُمَا.

(تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْعَدَدُ الْمُسَمَّى كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَعَ إيصَائِهِ بِثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ فَيَتَحَاصَّانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ ثُلُثِي، فَإِنْ قَالَ مِنْ ثُلُثِي نَحْوَ لِفُلَانٍ الثُّلُثُ وَنَحْوَ لِفُلَانٍ عَشَرَةٌ مِنْ ثُلُثِي، فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَدَدِ هُوَ الْمُبْدَأُ.

الثَّانِي: الْبُنَانِيُّ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْجُزْءِ جُزْءُ الْمَالِ كَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ لَا جُزْءُ الْمُعَيَّنِ كَنِصْفِ

ص: 554

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

بَقَرَةٍ أَوْ جَمَلٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْمُعَيَّنِ. الْحَطّ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْعَدَدُ الْمُسَمَّى كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ اهـ أَرَادَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ وَالْكِتَابُ وَنَحْوُهَا قَوْلُهُ: وَجُزْءٍ أَيْ جُزْءٍ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَرُبُعِ الْمَالِ أَوْ سُدُسِهِ فَيَتَحَاصُّونَ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ. طفي تَقْرِيرُ تت لِمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ كَالشَّارِحِ وَهُوَ الَّذِي فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَسَّرَ مُعَيَّنٌ غَيْرُهُ بِالْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا كَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ، وَهُوَ قَوْلُهَا مَنْ أَوْصَى ثُلُثَ مَالِهِ وَرُبُعَ مَالِهِ وَبِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِقَوْمٍ نُظِرَ إلَى قِيمَةِ هَذِهِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَإِلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَيَضْرِبُونَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ بِمَبْلَغِ وَصَايَاهُمْ، فَمَا صَارَ لِأَصْحَابِ الْأَعْيَانِ أَخَذُوهُ، وَمَا صَارَ لِلْآخَرِينَ كَانُوا بِهِ شُرَكَاءَ مَعَ الْوَرَثَةِ اهـ.

الثَّالِثُ: الْحَطّ يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ وَحَجَّ الصَّرُورَةِ وَمُعَيَّنَ غَيْرِ الْعِتْقِ وَجُزْءَ الْمَالِ كَرُبُعِهِ وَثُلُثِهِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا حَجُّ غَيْرِ الصَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعُ: ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ لِلنَّاسِ أَشْعَارٌ فِي تَرْتِيبِ الْوَصَايَا عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه، فَاخْتَرْت قَوْلَ بَعْضِهِمْ:

صَدَاقُ الْمَرِيضِ فِي الْوَصَايَا مُقَدَّمٌ

وَيَتْلُوهُ ذُو التَّدْبِيرِ فِي صِحَّةِ الْجِسْمِ

وَقِيلَ هُمَا سِيَّانِ حُكْمُهُمَا مَعًا

وَقِيلَ بِذِي التَّدْبِيرِ يُبْدَأُ فِي الْحُكْمِ

وَإِنْ ضَيَّعَ الْمُوصِي زَكَاةً فَإِنَّهَا

تَبْدَأُ عَلَى مَا بَعْدَ هَذَيْنِ فِي النَّظْمِ

وَكَفَّارَتَانِ بَعْدَهَا لِظِهَارِهِ

وَلِلْقَتْلِ وَهْمَا لَا بِعَمْدٍ وَلَا جُرْمِ

وَيَتْلُوهُمَا كَفَّارَةُ الْحَلْفِ تُوبِعَتْ

بِكَفَّارَةِ الْمُوصِي عَنْ الصَّوْمِ ذِي الْوَصْمِ

وَنَذْرُ الْفَتَى تَالٍ لِمَا قَدْ نَظَمْتُهُ

وَمَا بَتَّلَ الْمُوصِي وَدَبَّرَ فِي السُّقْمِ

هُمَا يَتْلُوَانِ النَّذْرَ ثُمَّ وَصَاتُهُ

بِعِتْقِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَا أَخَا الْفَهْمِ

مَعَ الْمُشْتَرَى مِنْ مِلْكِ زَيْدٍ مُعَيَّنًا

لِيُعْتَقَ عَنْهُ لِلنَّجَاةِ مِنْ الْإِثْمِ

وَمَا أَعْتَقَ الْمُوصِي بِتَوْقِيتِ حِنْثِهِ

لِشَهْرٍ وَنَحْوِ الشَّهْرِ مِنْ أَجَلٍ حَتْمِ

وَإِنْ كَانَ عِتْقٌ بَعْدَ مَالٍ مُؤَجَّلٍ

فَعَجَّلَهُ ذُو الْعِتْقِ قَبْلَ انْقِضَا الْقَسْمِ

ص: 555

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

يُسَاوِي بِهِمْ عِنْدَ الْحِصَاصِ حَقِيقَةً

كَذَا حُكْمُهُمْ يَا صَاحِ فِي مُوجِبِ الْعِلْمِ

وَبَعْدَهُمْ مَا كَانَ عِتْقًا مُؤَجَّلًا

لِبُعْدٍ مِنْ التَّأْجِيلِ فِي مُقْتَضَى الرَّسْمِ

فَذَاكَ مَعَ الْمُوصَى بِهِ لِكِتَابَةٍ

وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْمَالِ يُعْتَقُ بِالْغُرْمِ

يَبْدُونَ قَبْلَ الْمُشْتَرَى لِعَتَاقَةٍ

بِلَا نَصِّ تَعْيِينٍ عَلَيْهِ وَلَا حُكْمِ

وَمِنْ بَعْدِهِ الْحَجُّ الْمُوَصَّى بِفِعْلِهِ

وَقِيلَ هُمَا سِيَّانِ فِي مُقْتَضَى الْحُكْمِ

غَشْيٍ الْمَبَادِي نَظْمُهَا نَظْمُ لُؤْلُؤٍ

فَدُونَكَهَا نَظْمًا صَحِيحًا بِلَا وَهْمِ

اهـ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا. وَفِي الْحَاشِيَةِ نَظْمٌ آخَرُ لِأَبِي حَفْصٍ الْهَوْزَنِيِّ فِيهِ زِيَادَةُ فَوَائِدَ.

ص: 556

وَلِلْمَرِيضِ: اشْتِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِثُلُثِهِ، وَيَرِثُ

ــ

[منح الجليل]

(وَ) يَجُوزُ (لِلْمَرِيضِ اشْتِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) مِنْ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَحَاشِيَتِهِ الْقَرِيبَةِ فَيَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاؤُهُ (بِثُلُثِ) مَالِ (هـ) أَيْ الْمَرِيضِ وَيُعْتَقُ بِنَفْسِ شِرَائِهِ (وَيَرِثُ) الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْكَسْرِ بَاقِيَ الْمَالِ إنْ انْفَرَدَ وَحِصَّتَهُ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ لِعِتْقِهِ بِنَفْسِ شِرَائِهِ؛ إذْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ تَلِفَ بَاقِي الْمَالِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُنْقَضُ عِتْقُهُ. فِيهَا مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَعَتَقَ وَوَرِثَ الْمَالَ. مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُ الثُّلُثِ، وَلَا يَرِثُهُ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ عَتَقَ مَا بَقِيَ. ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَوَرَثَتُهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ جَازَ شِرَاؤُهُ، وَعَتَقَ عَلَيْهِمْ، هَذَا مَا نَقَلَهُ " ق " وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَعَتَقَ وَوَرِثَ بَاقِيَ مَالِهِ إنْ انْفَرَدَ وَحِصَّتَهُ إنْ اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَعَ ذَلِكَ عَبْدَهُ بُدِئَ الِابْنُ وَوَرِثَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ.

الصِّقِلِّيُّ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُ ثُلُثِهِ وَلَا يَرِثُهُ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُهُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ وَرُقَّ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ جَازَ شِرَاؤُهُ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ. وَذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ اشْتَرَى مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَحْجُبُ مَنْ يَرِثُ الْمُشْتَرِيَ وَيَرِثُ كُلَّ الْمَالِ كَابْنِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَلَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَيُعْتَقُ وَيَرِثُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْجَبُ وَلَهُ مَنْ

ص: 557

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

يُشْرِكُهُ فِي الْإِرْثِ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ إلَّا بِالثُّلُثِ، وَلَا يَرِثُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ إلَّا بِالثُّلُثِ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ أَوْ لَا يُحْجَبُ، وَلَا إرْثَ لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ مَنْ يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُهُ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِكُلِّ مَالِهِ شَرَكَهُ فِي الْإِرْثِ أَحَدٌ أَوْ لَا.

الصِّقِلِّيُّ وَكَذَا لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَصْرُهُ عَلَى الِابْنِ مُحَمَّدٌ اخْتَلَفَ قَوْلُ أَشْهَبَ فَقَالَ مَرَّةً لَهُ شِرَاءُ ابْنِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ يَرِثُ فِي رِقِّ الْوَلَدِ وَيَحْجُبُهُ الْوَلَدُ كَانَ حُرًّا جَائِزًا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مُشَارِكٌ فِي الْمِيرَاثِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ لَا يَشْتَرِيهِ إلَّا بِثُلُثِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَرَوَى عَنْهُ الْبَرْقِيُّ كَقَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه، ثُمَّ قَالَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ يُرِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ لَهُ بِنَفْسِ شِرَائِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ لِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيهِ دُونَ تَرَقُّبٍ، وَإِنْ تَلِفَ بَاقِي مَالِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَنْقُضُ عِتْقُهُ كَمَنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ فَعَجَّلَ عِتْقَهُ ثُمَّ تَلِفَ مَالُهُ الْمَأْمُونُ فَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ حُرٌّ مَكَانَهُ، وَيَرِثُهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ دَلِيلُ هَذَا السَّمَاعِ، وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَدَنِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَرِثُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. التُّونُسِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حُرًّا مِنْ يَوْمِ شِرَائِهِ إلَّا أَنَّ الْمُبَتَّلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا اغْتَلَّ غَلَّةً بَعْدَ التَّبْتِيلِ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنَّ الْأُصُولَ وَحْدَهَا هِيَ الَّتِي تُقَوَّمُ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ تَبِعَتْهَا الْغَلَّاتُ لِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مِنْ يَوْمِ بُتِّلَتْ لَهُ وَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عِتْقَهُ يُعَجَّلُ بِنَفْسِ شِرَائِهِ دُونَ تَرَقُّبٍ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ قَوْلُهُ، وَبِهِ يَسْلَمُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى. الصِّقِلِّيُّ اسْتَقَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَوْرِيثَهُ وَهُوَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَرِثْهُ أَحْرَارُ وَرَثَتِهِ حَتَّى يُقَوَّمَ فِي الثُّلُثِ بَعْدَ

ص: 558

لَا إنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ ابْنِهِ،

وَعَتَقَ، وَقُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ

وَإِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ،

ــ

[منح الجليل]

مَوْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَسْلَمَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه اتِّبَاعًا.

(لَا) يَرِثُ الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ الْمُشْتَرِيَ بِالْكَسْرِ (إنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ ابْنِهِ) أَيْ الْمُوصِي مَثَلًا فَاشْتَرَى بَعْدَ مَوْتِهِ.

(وَعَتَقَ) بِنَفْسِ شِرَائِهِ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: أَعْتِقُوهُ؛ إذْ هُوَ مَدْلُولُ وَصِيَّتِهِ عُرْفًا. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى أَبُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَتَقَ فِي ثُلُثِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَعْتِقُوهُ. الصِّقِلِّيُّ وَكَذَا كُلُّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِشِرَائِهِ (وَ) إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَاشْتَرَى ابْنَهُ وَأَعْتَقَهُ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا (قُدِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ) فِي تَنْفِيذِ عِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ. فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَاشْتَرَى ابْنَهُ وَأَعْتَقَهُ وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ فَابْنُهُ مَبْدَأٌ وَيَرِثُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَ وَعَتَقَ وَوَرِثَ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ بُدِئَ الِابْنُ. خَلِيلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فَاشْتَرَى مَعَ ابْنِهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ بُدِئَ الِابْنُ، وَبِهَذَا قَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فَإِنْ كَانَ مَعَ الِابْنِ مُعْتَقٌ غَيْرُهُ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ، وَاشْتَرَى ابْنَهُ وَأَعْتَقَهُ وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ، فَفِيهَا الِابْنُ مُقَدَّمٌ وَيَرِثُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا، وَهَذَا أَرْجَحُ لِفَرْضِهَا كَذَلِكَ فِيهَا وَالْجَوَاهِرِ: وَتَمْشِيَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، لَكِنَّ النَّقْلَ لَا يُسَاعِدُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَشْهَبُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: يَتَحَاصَّانِ، وَفِي قَوْلِي يَبْدَأُ الِابْنُ فَأُعْتِقُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَأُوَرِّثُهُ.

ابْنُ يُونُسَ أَرَادَ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ اهـ وَعَلَى تَمْشِيَةِ ضَيْح مَشَى ابْنُ مَرْزُوقٍ وَالْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَائِلًا: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى التَّمْشِيَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ، وَقُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِيَتَّصِلَ بِشِرَاءِ الْمَرِيضِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(وَإِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) كَغَلَّةِ عَقَارِهِ سِنِينَ وَلَا يَحْمِلُهَا ثُلُثُهُ (أَوْ) أَوْصَى

ص: 559

أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، وَلَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ قِيمَتَهُ، خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ، أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ،

ــ

[منح الجليل]

بِمَا لَيْسَ فِيهَا) أَيْ تَرِكَتِهِ كَاشْتَرُوا عَبْدًا لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ (أَوْ) أَوْصَى (بِعِتْقِ عَبْدِهِ) فُلَانٍ (بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنِ وَمَا لَيْسَ فِيهَا، وَعَبْدِهِ فُلَانٍ (الثُّلُثُ) لِمَالِهِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُثَقَّلًا (الْوَارِثُ) لِلْمُوصِي (بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ) الْوَصِيَّةَ (أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ) لِمَالِ الْمُوصِي لِلْمُوصَى لَهُ.

" ق "، أَمَّا إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ فَفِيهَا مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا أَوْصَى فِيهِ، أَوْ لَهُ مَالٌ لَا يَخْرُجُ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعِ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِلْمُوصَى لَهُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ مَالِكٌ رضي الله عنه مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالٍ سَمَّاهُ يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِهِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يُخَيَّرُ فِي إعْطَاءِ أَهْلِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَأَخْذِهِ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ، وَفِي إسْلَامِ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ. أَبُو عُمَرَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تُدْعَى بِخُلْعِ الثُّلُثِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَوْصَى بِمَا لَيْسَ فِيهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بِشَاةٍ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَفِيهَا إنْ قَالَ أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، أَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزُوا أَوْ يُعْتِقُوا الْآنَ مِنْهُ مَحْمَلُ الثُّلُثِ بَتْلًا، فَإِنْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ خَدَمَهُمْ تَمَامَ الشَّهْرِ ثُمَّ خَرَجَ جَمِيعُهُ حُرًّا.

(تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: طفي قَوْلُهُ وَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ الثُّلُثُ أَيْ ذَا الْمَنْفَعَةِ لَا الْمَنْفَعَةَ نَفْسِهَا، فَفِيهَا وَمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً جُعِلَ الثُّلُثُ قِيمَةَ الرِّقَابِ، فَإِنْ حَمَلَهَا نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعِ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَتْلًا، زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ لِأَنِّي إذَا قَوَّمْت الْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى حَبَسْت الْعَبْدَ وَالدَّارَ عَنْ أَرْبَابِهِمَا

ص: 560

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَهُمْ قَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى بَيْعِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ إنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَالدَّارَ أَنْ لَا يُجِيزُوا الْوَصِيَّةَ، وَأَنْ يَقْطَعُوا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ أَوْ السُّكْنَى الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى؛ إذْ قَدْ يَمُوتُونَ قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ الرَّقَبَةُ فَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ وَلَا يَحْمِلُهَا الثُّلُثُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنِّي لَوْ قَوَّمْت الْخِدْمَةَ إلَخْ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ قِيمَةَ الدَّارِ، وَاحْتِيجَ لِلْمُحَاصَّةِ مَعَ الْوَصَايَا فَلَا تَحَاصُصَ إلَّا بِقِيمَةِ السُّكْنَى عَلَى غَرَرِهَا لِأَنَّهَا الَّتِي أَوْصَى بِهَا لَا الرَّقَبَةُ.

الثَّانِي: طفي ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَيْدَ بِعَدَمِ حَمْلِ الثُّلُثِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْحُكْمُ فِيهَا مَا ذُكِرَ، وَإِنْ حَمَلَ الْمُوصَى بِهِ الثُّلُثُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَبِهِ شَرَحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ فِي تَرِكَتِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ عَيْنًا أَوْ عُرُوضًا، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ وَجَمَعَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَعَ مَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ وَأَوْصَى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ خَاصَّةً، فَقَالَ: اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: تَخْيِيرُ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.

قُلْت: مَا عَزَاهُ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ هُوَ قَوْلُهَا إنْ أَوْصَى مِنْ الْعَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا وَلَهُ عَقَارٌ وَعُرُوضٌ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ لَا نُسَلِّمُ الْعَيْنَ وَنَأْخُذُ الْعُرُوضَ، فَإِمَّا أَعْطُوهُ ذَلِكَ وَإِلَّا قَطَعُوا لَهُ ثُلُثَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَعَرَضٍ وَعَقَارٍ وَغَيْرِهِ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ ذَلِكَ، أَيْ ثُلُثُ الْمُوصَى مِنْهُ كَالْعَيْنِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا عُرُوضًا حَاضِرَةً وَأَوْصَى بِدَنَانِيرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَخْيِيرَ فِيهَا، وَلَا يَخْلَعُ لَهُ الثُّلُثَ، بَلْ تُبَاعُ عُرُوضُهُ وَيُعْطَى الدَّنَانِيرَ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَيُعَيِّنُ حَمْلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى فَرْضِ الْمُدَوَّنَةِ كَوْنُ الْإِيصَاءِ بِمَا لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَاتِ لَا خُلْعَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَاشْتَرَى لِفُلَانٍ وَأَبَى بُخْلًا بَطَلَتْ إلَخْ، وَأَلَّا تَنَاقُضَ مَعَ هَذَا، فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُطَالِبَ بِشِرَائِهِ الْوَرَثَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ

ص: 561

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

لَا يُقَال مَا تَقَدَّمَ فِيمَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، بِخِلَافِ هَذَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِعَدَمِ حَمْلِ الثُّلُثِ، لَكِنَّ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَا لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُحَصِّلُوهُ أَوْ يَقْطَعُوا ثُلُثَ الْجَمِيعِ يَنْبُو عَنْ هَذَا الْفَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثُ: تت أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَنْفَعَةُ مُعَيَّنٍ إلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمَنَافِعِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: الْحُكْمُ عَامٌّ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ، وَهُوَ الَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ.

طفي ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ أَصْلًا، وَأَنَّ الَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَالُ التَّرِكَةِ بَعْضُهُ حَاضِرًا وَبَعْضُهُ غَائِبًا وَتَبِعَ فِيهِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنَ شَاسٍ، وَنَصُّهَا وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ، وَلَا تَخْرُجُ الْوَصَايَا مِمَّا حَضَرَ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ إخْرَاجِهَا مِمَّا حَضَرَ وَإِسْلَامِ الثُّلُثِ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ لِأَهْلِ الْوَصَايَا فَيَتَحَاصُّونَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَهِيَ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا حَضَرَ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَعْجِيلِهَا مِمَّا حَضَرَ أَوْ يَقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ اهـ.

وَفِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا، وَلَهُ دُيُونٌ وَعُرُوضٌ وَعَقَارٌ وَأَمْوَالٌ غَائِبَةٌ، وَالْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا قَدْرُ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ أَقَلُّ بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَلَا تَخْرُجُ مِمَّا حَضَرَ فَقَالَ الْوَرَثَةُ لَا نُعْطِيهِ هَذَا لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يُتْلِفَ رَأْسَ الْمَالِ الْغَائِبِ بَعْضُهُ فَيَفُوزَ بِالْعَيْنِ دُونَنَا فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ هَذَا الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ أَوْ يُسَلِّمُوا جَمِيعَ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَمَنْ أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا مُطْلَقًا، وَلَا يَخْرُجُ مِمَّا حَضَرَ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزُوا الْمُعَيَّنَ وَيُحَصِّلُوا الْآخَرَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا ثُلُثَ الْجَمِيعِ عَلَى اخْتِلَافِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَهُ أَوْ دُونَهُ اهـ.

وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَمَلَهُ ثُلُثُ الْحَاضِرِ أَمْ لَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ

ص: 562

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

مِمَّا حَضَرَ هُوَ قَيْدٌ فِيمَا هُوَ فِي التَّرِكَةِ، فَأَنْتَ تَرَى ابْنَ الْحَاجِبِ فَرَضَهَا فِي التَّرِكَةِ الْغَائِبِ بَعْضُهَا تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ لَهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا غَيْرُهُ، وَكَيْفَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَحَكَى الْبَاجِيَّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالَهُ الشَّارِحُ، فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ تت مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الْعَيْنِ الْكَائِنَةِ فِي التَّرِكَةِ الَّتِي حَضَرَ جَمِيعُهَا، قَالَ: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْمَنَافِعِ قَالَ: أَمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ أَوْ عَبْدٍ وَشَبَهِهِ، وَلَمْ يَسَعْهُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي مِلْكِهِ أَعْطَى جَمِيعَ ثُلُثِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ وَمِنْ التَّرِكَةِ أَخَذَ مَحْمَلَ الثُّلُثِ فِيهِ اهـ.

وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مَحْمَلُ الثُّلُثِ مِنْ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ حَاضِرًا، فَفِيهَا عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهَا إثْرَ قَوْلِهَا مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا " رضي الله عنه " اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُهُ فَقَالَ مَرَّةً: إذَا أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا وَضَاقَ الثُّلُثُ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ قَطَعُوا لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ مَرَّةً بِمَبْلَغِ ثُلُثِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ اهـ. فَهَذَا الَّذِي أَرَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَذَكَرَ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فَالْحَاصِلُ أَنَّ خَلْعَ الثُّلُثَ يَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ، وَفِي الذَّوَاتِ الْمُوصَى بِهَا عَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَرَضًا حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً إذَا كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ غَائِبًا، وَفِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا، وَلَهُ عَقَارٌ وَعُرُوضٌ كَثِيرَةٌ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِدَيْنٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبَعْضُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ مَشْهُورٌ.

وَفِيهَا مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ لَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ، وَلَهُ عَيْنٌ حَاضِرَةٌ، فَإِمَّا أَجَازَ الْوَرَثَةُ، وَإِلَّا قَطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ اهـ. وَيَكُونُ فِي الْإِيصَاءِ بِمَا لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الْإِيصَاءُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَدَارٍ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "، وَقَدْ عَلِمْتَهُ، وَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِكَسَنَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيهَا. هَذَا تَلْخِيصُ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِيهَا لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ مِنْ شُرَّاحِهِ مَنْ حَقَّقَهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

ص: 563

وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ، أَوْ مِثْلِهِ، فَبِالْجَمِيعِ

ــ

[منح الجليل]

الرَّابِعُ: أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَمَّاهَا أَصْحَابُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَسْأَلَةَ خُلْعِ الثُّلُثِ، خَالَفَهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - " عَنْهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالْمَوْتِ وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَهُ، فَكَيْفَ تَجُوزُ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ بِثُلُثٍ لَا يَبْلُغُ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِالْمَجْهُولِ، وَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَحُجَّةُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّ الثُّلُثَ مَوْضِعُ الْوَصَايَا، فَكَانَ كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ جِنَايَةً فَسَيِّدُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَرْشِ وَإِسْلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (بِنَصِيبِ ابْنِهِ) أَيْ الْمُوصِي (أَوْ) أَوْصَى لَهُ بِ (مِثْلِهِ) أَيْ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ، وَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ (فَ) تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ (بِالْجَمِيعِ) لِمَالِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَجَازَاهَا فَبِالنِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ نَفَذَتْ بِالثُّلُثِ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَبْنَاءَ نَفَذَتْ بِالثُّلُثِ أَجَازُوا أَوْ لَا، وَفَسَّرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ نَصِيبِ الِابْنِ، فَيَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَمَنْ انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَمَنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذِي فَرْضٍ أَوْ أَكْثَرَ. ابْنُ شَاسٍ إنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِمِثْلَيْ نَصِيبِ ابْنِي أَوْ بِنَصِيبِ ابْنِي وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَهِيَ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الِابْنُ وَإِلَّا نَفَذَتْ فِي الثُّلُثِ خَاصَّةً.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نِصَابِ أَحَدِ بَنِيهِ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الثُّلُثُ. اللَّخْمِيُّ مَنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَأَرْبَعَةً لَهُ الرُّبُعُ وَخَمْسَةً فَلَهُ الْخُمُسُ، هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ إنْ كَانُوا خَمْسَةً فَلَهُ السُّدُسُ.

الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ وَمَعَهُ مَنْ يَرِثُ مِنْ أُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَغَيْرِهِمَا عَدَلَ حَتَّى يَعْرِفَ حَقَّ الْوَلَدِ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُمُنُ مَا يَصِيرُ لِلْوَلَدِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَلَهُ نِصْفُهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَهُ مِثْلُ مَا يَصِيرُ لَهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ ثُمَّ يَضُمُّ مَا بَقِيَ إلَى مَا عَزَلَ لِمَنْ يَرِثُ الْمَيِّتَ

ص: 564

لَا اجْعَلُوهُ وَارِثًا مَعَهُ، أَوْ أَلْحِقُوهُ بِهِ: فَزَائِدٌ

ــ

[منح الجليل]

مَعَ الْوَلَدِ فَيُقَسَّمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عز وجل، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ كُلُّهُمْ إنَاثًا، أَعْطَى ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ أَعْطَى نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً أَعْطَى نِصْفَ الْمَالِ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِلَّا فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ، ثُمَّ يُضَمُّ مَا بَقِيَ لِسَائِرِ مَالِ الْمَيِّتِ وَيُقَسَّمُ بِفَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَنَاتِ وَسَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ عَصَبَةٍ وَغَيْرِهِمْ. أَصْبَغُ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ " رضي الله عنهم ". ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هُوَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الْفُرَّاضِ إنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ أَعْطَى الرُّبُعَ وَمَعَ أَرْبَعَةٍ الْخُمُسَ يَزِيدُونَ سَهْمًا عَلَى عَدَدِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ إنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ وَتَرَكَ رِجَالًا وَنِسَاءً فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَرَجُلٍ مِنْ وَلَدِهِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، وَيُعْطَى حَظَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ يُقَسَّمُ نَصِيبُ مَا بَقِيَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: يُزَادُ سَهْمُهُ عَلَى السِّهَامِ، وَيَكُونُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ لَهُ نِصْفُ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ نَصِيبِ أُنْثَى. اللَّخْمِيُّ هَذَا أَحْسَنُ.

(لَا) يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ إنْ قَالَ الْمُوصِي (اجْعَلُوهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَارِثًا مَعَهُ) أَيْ ابْنِ الْمُوصِي (أَوْ) قَالَ (أَلْحِقُوهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (بِهِ) أَيْ ابْنِ الْمُوصِي فِي الْإِرْثِ (فَ) يُقَدَّرُ الْمُوصَى لَهُ (زَائِدًا) عَلَى عَدَدِ أَبْنَاءِ الْمُوصِي. ابْنُ الْحَاجِبِ فِي اجْعَلُوهُ وَارِثًا مَعَ وَلَدِي، أَوْ أَلْحِقُوهُ بِوَلَدِي بِقَدْرٍ زَائِدٍ بِاتِّفَاقٍ. ابْنُ شَاسٍ فَإِنْ كَانَ الْبَنُونَ ثَلَاثَةً فَهُوَ كَابْنٍ رَابِعٍ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَهُوَ كَابْنٍ خَامِسٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ ذُكُورٍ، وَثَلَاثُ بَنَاتٍ لَكَانَ كَرَابِعٍ مَعَ الذُّكُورِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِبَنَاتٍ لَكَانَتْ كَرَابِعَةٍ مَعَ الْإِنَاثِ.

ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً كَانَ لَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَلَهُ الرُّبُعُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِ وَلَدِي وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ فَإِمَّا أَعْطَاهُ جَمِيعَ الْمَالِ أَوْ الثُّلُثَ. الشَّيْخُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَنْ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ قَالَ مِنْ عَدَدِ وَلَدِي، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلَهُ سَهْمُ ذَكَرٍ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ سَهْمُ أُنْثَى، وَيُخْلَطُ مَعَ الْوَلَدِ فِي الْعَدَدِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُ فَرَائِضَ أُخْرِجَتْ فَرَائِضُهُمْ ثُمَّ أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا وَصَفْنَا، وَمَا بَقِيَ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ.

ص: 565

وَبِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ: فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَبِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ: فَبِسَهْمٍ مِنْ فَرِيضَتِهِ

ــ

[منح الجليل]

تَنْبِيهٌ)

الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ مِثْلٍ وَنَصِيبٍ مُسَلَّمٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى نَصِيبٍ، قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: لَمْ أَرَهُ إلَّا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِلْوَجِيزِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فِيهِ جَعْلُهُ زَائِدًا اتِّفَاقًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ إنْ قَالَ أَنْزِلُوهُ مَنْزِلَةَ أَحَدِ وَلَدِي أَوْ اجْعَلُوهُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُمْ خَمْسَةٌ كَانَ لَهُ السُّدُسُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ نَصِيبُ أَحَدِ وَلَدِي وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (بِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فَ) تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ (بِجُزْءٍ) مِنْ مَالِ الْمُوصِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ نِسْبَتُهُ لَهُ مِثْلُ نِسْبَةِ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ (مِنْ) مَجْمُوعِ (عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ بَعْضُهُمْ ذُكُورًا وَبَعْضُهُمْ إنَاثًا، فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً فَلَهُ الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَلَهُ الْخُمُسُ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ وَتَرَكَ رِجَالًا وَنِسَاءً فَلْيُقَسَّمْ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ يُؤْخَذُ حَظُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُعْطَى لَهُ ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ وَتَرَكَ رِجَالًا وَنِسَاءً قُسِّمَ الْمَالُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَأُعْطِيَ جُزْءًا مِنْهُ وَقُسِّمَ مَا بَقِيَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لَهُ (بِجُزْءٍ) مِنْ مَالِهِ (أَوْ) بِ (سَهْمٍ) مِنْهُ (فَ) تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ (بِسَهْمٍ مِنْ) أَصْلِ (فَرِيضَتِهِ) أَيْ مَسْأَلَةِ وَرَثَةِ الْمُوصِي، فَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا سِتَّةً فَبِسَهْمٍ مِنْ سِتَّةٍ، وَإِنْ عَالَتْ فَبِسَهْمٍ مِمَّا بَلَغَتْهُ بِعَوْلِهَا كَسَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَبِسَهْمٍ مِنْهَا، وَإِنْ عَالَتْ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَبِسَهْمٍ مِنْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ وَقَدْ قَالَ لِفُلَانٍ جُزْءٌ مِنْ مَالِي، أَوْ سَهْمٌ مِنْهُ أُعْطِيَ سَهْمًا مِنْ أَصْلِ فَرِيضَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ سِتَّةً فَلَهُ سَهْمٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلَهُ سَهْمٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْلَادًا رَجُلًا وَأُنْثَى أُعْطِيَ سَهْمًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانُوا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَهُ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَعَلَى

ص: 566

وَفِي كَوْنِ ضِعْفِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ تَرَدُّدٌ

، وَبِمَنَافِعِ عَبْدٍ، وُرِثَتْ عَنْ الْمُوصَى لَهُ

ــ

[منح الجليل]

هَذَا يُحْسَبُونَ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَسَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يُقَوَّمُ مِنْهُ سَهْمُ الْفَرَائِضِ. ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ أَقَلُّ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ لِأَهْلِ النَّسَبِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سَهْمٍ فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى الثُّمُنُ لِمَنْ يَرِثُ بِسَبَبٍ أَوْ نَسَبٍ شب وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إلَّا مِنْ أَكْثَرَ فَلَا يُنْظَرُ لِمَا تَصِحُّ مِنْهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ فَرِيضَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ أَصْلُهَا سِتَّةً، وَعَالَتْ إلَى عَشَرَةٍ فَسَهْمٌ مِنْ عَشَرَةٍ.

(وَفِي كَوْنِ ضِعْفِهِ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي أُضِيفَ الضَّعِيفُ إلَيْهِ (مِثْلَهُ) أَيْ الشَّيْءِ حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَائِلًا لَمْ أَحْفَظْ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - خِلَافَهُ.

(أَوْ) كَوْنُ ضِعْفِ الشَّيْءِ (مِثْلَيْهِ) حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْإِمَامَيْنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَائِلًا: وَهَذَا أَقْوَى فِي نَفْسِي مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَفِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ مَنْ أَوْصَى بِضِعْفِ نَصِيبِ وَلَدِهِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَسْتُ أَعْرِفُ حُكْمَهَا مَنْصُوصَةً، غَيْرَ أَنِّي وَجَدْت لِبَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ يُعْطِي مِثْلَ نَصِيبِ وَلَدِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: ضِعْفُ النَّصِيبِ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا فِي نَفْسِي أَقْوَى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ (بِمَنَافِعِ عَبْدٍ) مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا بِحَيَاةِ الْعَبْدِ، فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى حَيَاةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ، وَالْعَبْدُ حَيٌّ (وُرِثَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَنَافِعُهُ (عَنْ الْمُوصَى لَهُ) فِي وَصَايَاهَا. الثَّانِي: مَنْ قَالَ: وَهَبْت خِدْمَةَ عَبْدِي لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ فَلِوَرَثَتِهِ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدِمِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: يُحْمَلُ عَلَى حَيَاةِ فُلَانٍ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى حَيَاةِ الْعَبْدِ لَكَانَتْ هِبَةً لِرَقَبَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَيِّدٌ وَلَيْسَ كَهِبَةِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ قَصْرَ هِبَتِهِ عَلَى

ص: 567

وَإِنْ حَدَّدَهَا بِزَمَنٍ فَكَالْمُسْتَأْجَرِ

فَإِنْ قُتِلَ،

ــ

[منح الجليل]

الْخِدْمَةِ فَقَطْ دُونَ الْمَالِ الَّذِي يَمُوتُ الْعَبْدُ عَنْهُ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ فَقَدْ أَبْقَاهُمَا لِنَفْسِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ أَشْهَبُ.

(وَإِنْ حَدَّدَهَا) أَيْ الْمُوصِي الْمَنَافِعَ الْمُوصَى بِهَا بِزَمَنٍ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (فَ) الْمُوصَى لَهُ أَوْ الْعَبْدُ (كَالْمُسْتَأْجَرِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفَتْحِهَا عَلَى الثَّانِي فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَجَوَازُ إجَارَتِهِ فِيهَا لِغَيْرِهِ وَانْتِقَالُهَا لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَجَوَازُ بَيْعِ وَرَثَةِ الْمُوصِي الْعَبْدَ، وَاسْتِثْنَاءُ خِدْمَتِهِ إنْ بَقِيَ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا جُمُعَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ أَعْمَرَك رَجُلٌ حَيَاتَك خِدْمَةَ عَبْدٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَبِيعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ تُؤَاجِرَ الْعَبْدَ إلَّا إلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَأَمْرٍ مَأْمُونٍ وَلَا تُكْرِيهِ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْرَيْتَهُ فِيهَا جَازَ كَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ عَشْرَ سِنِينَ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَمْ أَرَ مَنْ فَعَلَهُ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُخْدَمِ حَيَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُخْدَمُ سَقَطَتْ الْخِدْمَةُ وَالْمُؤَجَّلُ يَلْزَمُهُ بَاقِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ نَاحِيَةَ الْحَضَانَةِ.

اللَّخْمِيُّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ عَشْرَ سِنِينَ أَنْ يُكْرِيَهُ الْمُخْدَمُ بِالنَّقْدِ الْعَشْرَ سِنِينَ لِقَوْلِهِ: إنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا خُدِمَ وَرَثَتُهُ بَقِيَّتَهَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ لِقَوْلِهِ: إنْ مَاتَ الْمُخْدَمُ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ حَيَاةَ الْعَبْدِ جَازَ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مُؤَاجَرَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ كَعَبْدِ نَفْسِهِ، وَقَالَ فِي الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى دَارٍ لَا يُكْرِيهَا إلَّا السَّنَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا، وَأَجَازَ ابْنُ مُيَسِّرٍ أَنْ تُكْرَى الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ، وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ عَشْرَ سِنِينَ دُونَ نَقْدٍ جَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالْعَبْدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ اجْتَمَعَ فِيهِ كَوْنُهُ مِنْ عَبِيدِ الْحَضَانَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَإِلَّا جَازَ، وَأَجَازَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا.

(فَإِنْ قُتِلَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ (الْعَبْدُ) الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا مِنْ عَبْدٍ

ص: 568

فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ أَوْ الْقِيمَةُ كَأَنْ جَنَى، إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمُخْدَمُ، أَوْ الْوَارِثُ، فَتَسْتَمِرُّ

وَهِيَ، وَمُدَبَّرٌ، إنْ بِمَرَضٍ فِيمَا عَلِمَ،

ــ

[منح الجليل]

أَوْ ذِمِّيٍّ (فَلِلْوَارِثِ) لِلْمُوصَى (الْقِصَاصُ) مِنْ قَاتِلِهِ الرِّقِّ أَوْ الذِّمِّيِّ (أَوْ الْقِيمَةُ) وَتَتَعَيَّنُ إنْ قَتَلَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ، وَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي مَنْفَعَتِهِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ بِمَوْتِهِ ابْنُ شَاسٍ فَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ عَمْدًا فَلِلْوَارِثِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ، وَيَحْبَطُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَحَ لِلْقِيمَةِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَخْتَصُّ بِهَا. وَشَبَّهَ فِي اخْتِصَاصِ الْوَارِثِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (جَنَى) الرَّقِيقُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ مَالٍ فَالْكَلَامُ فِي إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يَفْدِيَهُ) أَيْ الْعَبْدَ مِنْ الْجِنَايَةِ (الْمُخْدَمُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (أَوْ الْوَارِثُ) لَهُ (فَتَسْتَمِرُّ) الْخِدْمَةُ فِي الْأَوَّلِ لِلْمُخْدَمِ، وَفِي الثَّانِي لِوَارِثِهِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ خِدْمَتِهِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْمُوصِي، فَإِنْ دَفَعَ وَارِثُ الْمُوصَى الْفِدَاءَ لِيَخْدُمَ بِالْفَتْحِ أَوْ لِوَارِثِهِ أَخَذَ الْعَبْدَ، وَإِلَّا بَقِيَ رِقًّا لِلْمُخْدَمِ أَوْ وَارِثِهِ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِي جِنَايَاتِهَا قُلْت: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً فَقُتِلَ الْعَبْدُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالْقِيمَةِ قَالَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " هِيَ لِمَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ شَيْءٌ وَكَذَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ دِيَتَهَا فَهِيَ لِمَنْ لَهُ رَقَبَتُهُ. سَحْنُونٌ أَمَّا الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فَهَذَا قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَكُلُّ مَا سَمِعْتَهُ خِلَافَ هَذَا فَرُدَّهُ إلَى هَذَا فَهُوَ أَصْلُ مَذْهَبِهِمْ مَعَ ثُبُوتِ إمَامِهِمْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " عَلَيْهِ. عِيَاضٌ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَخْزُومِيِّ وَغَيْرِهِ يُكْرِي مِنْ الْقِيمَةِ مَنْ يَخْدُمُهُ إلَى الْأَجَلِ. وَفِيهَا مَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا سِنِينَ مَعْلُومَةً أَوْ حَيَاةَ الرَّجُلِ فَيَجْنِي الْعَبْدُ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ فِدَاهُ بَقِيَ فِي خِدْمَتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَهُ خُيِّرَ الْمُخْدَمُ، فَإِنْ فَدَاهُ خَدَمَهُ فَإِذَا تَمَّتْ خِدْمَتُهُ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ سَيِّدُهُ مَا فَدَاهُ بِهِ أَخَذَهُ، وَإِلَّا أَسْلَمَهُ رِقًّا.

(وَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ فِي صِحَّةِ أَوْ مَرَضِ (وَمُدَبَّرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلًا (إنْ كَانَ) تَدْبِيرُهُ (بِمَرَضٍ) مَخُوفٍ لِسَيِّدِهِ، وَمَاتَ بِهِ إذَا أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا لِيُنْظَرَ هَلْ يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا فَإِنَّمَا يُقَوَّمَانِ (فِيمَا) أَيْ الْمَالِ الَّذِي (عَلِمَ) الْمُوصِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالسَّيِّدُ

ص: 569

وَدَخَلَتْ فِيهِ،

ــ

[منح الجليل]

فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ أَنَّهُ مَالُهُ لَا فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ يُقَوَّمُ فِي غَيْرِ الْمَعْلُومِ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ وَصِيَّةٍ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَالْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ يَدْخُلُ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. ابْنُ حَارِثٍ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَنَقَلَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ.

(وَدَخَلَتْ) الْوَصِيَّةُ بِفَكِّ أَسِيرٍ وَالْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ، وَمَا بَعْدَهُمَا مِمَّا يُقَدَّمُ عَلَى مُدَبَّرِ الْمَرَضِ (فِيهِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ فَيُبَاعُ لِتَنْفِيذِهَا إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ، وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَقُدِّمَ فَكُّ أَسِيرٍ وَمُدَبَّرُ صِحَّةٍ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ اسْتِشْكَالُ الْحَطّ، وَنَصُّهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِي الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ إذَا بَطَلَ بَعْدَهُ، هَكَذَا مَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَوْضِيحِهِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَرَّهُ فِيهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الْمَرَضِ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَفَكِّ الْأَسِيرِ وَمُدَبَّرِ الصِّحَّةِ وَصَدَاقِ الْمَرِيضِ وَالزَّكَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا وَأَوْصَى بِهَا، وَمَا ذُكِرَ مَعَ ذَلِكَ وَيَتَقَدَّمُ هُوَ عَلَى أَشْيَاءَ كَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا، وَيُشَارِكُهُ فِي رُتْبَتِهِ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ، فَإِذَا فُرِضَ ضِيقُ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ قُدِّمَ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الثُّلُثَ بَطَلَ التَّدْبِيرُ الَّذِي فِي الْمَرَضِ، وَبَطَلَتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ مَا يَتَقَدَّمُ هُوَ عَلَيْهِ كَالْوَصَايَا بِالْمَالِ، فَإِنْ وَسِعَ الثُّلُثُ الْمُدَبَّرَ فِي الْمَرَضِ جَمِيعَهُ وَاسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الثُّلُثُ نَفَذَ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَبَطَلَتْ الْوَصَايَا وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ إلَّا بَعْضَ الْمُدَبَّرِ نَفَذَ مِنْهُ مَا وَسِعَهُ الثُّلُثُ وَرَجَعَ الْبَاقِي رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْوَصَايَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ مَا هُوَ فِي نِيَّتِهِ، وَهُوَ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْوَصَايَا فِي ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمَجْمُوعَةِ، لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْهُمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي النَّوَادِرِ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ

ص: 570

وَفِي الْعُمْرَى، وَفِي سَفِينَةٍ، أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ

ــ

[منح الجليل]

فِيهِ ذِكْرُ الْمُدَبَّرِ وَالْمَرَضِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَالصَّوَابُ حَذْفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

طفي وَهُوَ تَعَقُّبٌ صَحِيحٌ، وَرَدَّ عج عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَفَكِّ الْأَسِيرِ وَنَحْوِهِ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ قَائِلًا: وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَدَخَلَتْ، أَيْ فِي الْمُدَبَّرِ إذَا بَطَلَ كُلُّهُ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ وَصَايَا مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ، فَإِنَّهَا تَكْمُلُ إذَا بَطَلَ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ شَاسٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَصَايَا بِالْمَالِ، فَمَا ذَكَرَهُ يَنْبُو عَنْهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ، وَفِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا فَائِدَةَ لِمَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ يَدْخُلُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَرَاتِبِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُدَبَّرِ، فَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ تَهَافُتٌ، فَتَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى إشْكَالِهِ، أَوْ دَعْوَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ أَوْلَى مِنْ التَّهَافُتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا يُعْلَمُ مِنْ التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ يَدْخُلُ فِيمَا بَعْدَهُ إلَّا مِمَّا هُنَا فَمَا عَلَيْهِ. عج وَغَيْرُهُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا تَهَافُتَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمَّا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا فِي الْحَطّ قَالَ: إنَّ ضَمِيرَ فِيهِ لِلْمَعْلُومِ، وَكَرَّرَهُ لَمَّا عَطَفَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَ) دَخَلَتْ فِي الرَّاجِعِ مِنْ (الْعُمْرَى) يَمُوتُ الْمُعْمَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ. ابْنُ شَاسٍ أَمَّا مَا كَانَ يَعْلَمُهُ مِثْلَ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَكُلُّ دَارٍ تَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ عُمْرَى فَالْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ، وَفِيهَا كُلُّ مَا يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ عُمْرَى فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ، وَإِنْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا تَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ كَمِيرَاثٍ، وَمِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ فِي مَرَضِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ وَرُدَّ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ عُمْرَى حَبْسٍ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ الْعُمْرَى، وَهُوَ الْمُقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْمَحْبَسِ عَلَيْهِ.

(وَهَلْ) تَدْخُلُ (فِي سَفِينَةٍ وَعَبْدٍ) مَثَلًا لِلْمُوصِي كَانَا غَائِبَيْنِ وَ (شُهِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ

ص: 571

تَلَفُهُمَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ

لَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ

ــ

[منح الجليل]

تَلَفُهُمَا) فِي غَيْبَتِهِمَا بِغَرَقِ السَّفِينَةِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ حَالَ إيصَائِهِ (ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ) لَهُمَا وَعَدَمُ دُخُولِهَا فِيهِمَا (قَوْلَانِ) رَوَاهُمَا أَشْهَبُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. ابْنُ عَرَفَةَ اُخْتُلِفَ إذَا قِيلَ لَهُ غَرِقَتْ سَفِينَتُك وَأَيِسَ مِنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ سَالِمَةً، فَرَوَى مُحَمَّدٌ لَا تَدْخُلُ فِيهَا وَصَايَاهُ. وَقَالَ لِابْنِ الْقَاسِمِ تَدْخُلُ فِيهَا، وَلَا تُشْبِهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ اُشْتُهِرَ مَوْتُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ سَلَامَتُهُمَا قَوْلَانِ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ شَاسٍ رِوَايَتَيْنِ لِأَشْهَبَ. الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ رَوَى أَشْهَبُ الْقَوْلَيْنِ فِي السَّفِينَةِ وَالْآبِقِ، وَزَادَ لِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ شَهِدَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا تَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَلَغَهُ بَلَاغًا ثُمَّ مَاتَ بِقُرْبِ ذَلِكَ دَخَلَتْ الْوَصَايَا فِيهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ.

(لَا) تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ (فِيمَا) أَيْ الْمَالِ الَّذِي (أَقَرَّ) الْمُوصَى (بِهِ فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ بِهِ لِنَحْوِ صَدِيقِهِ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ بِهِ لَهُ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ) لَهُ وَلَمْ يُجِزْهُ بَاقِي وَرَثَتِهِ. فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْمَجْمُوعَةِ: لَا تَدْخُلُ وَصَايَا الْمَيِّتِ فِيمَا بَطَلَ إقْرَارُهُ بِهِ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ أَوْ مَا أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ. فِيهَا أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثِهِ فَرَدَّهُ الْوَرَثَةُ. وَفِي التَّوْضِيحِ لَا دُخُولَ لِلْوَصَايَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُوصِي لِغَيْرِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ إقْرَارَهُ عَامِلٌ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ وَأَوْلَى إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ وَرُدَّ لِسَبَبٍ اهـ وَكَذَا كُلُّ مَا بَطَلَ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا وَيُحَاصِصُ الْوَرَثَةُ بِهِ وَأَهْلُ الْوَصَايَا عِنْدَ الضِّيقِ، وَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَذَا كُلُّ وَصِيَّةٍ بَطَلَتْ لِعَدَمِ قَبُولِهَا أَوْ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ رَدَّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ رَجَعَ مِيرَاثًا بَعْدَ أَنْ يُحَاصَّ بِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا، مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ لِثَلَاثَةٍ بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ فَرَدَّ أَحَدُهُمْ وَصِيَّتَهُ، وَثُلُثُهُ عَشَرَةٌ فَلِلْبَاقِينَ ثُلُثَا الثُّلُثِ، وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الرُّوَاةِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ، وَقَيَّدَهُ فِي النَّوَادِرِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرَدِّهِ، وَإِلَّا دَخَلَتْ الْوَصَايَا فِيهِ

ص: 572

وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَهَا خَطُّهُ؛ أَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ، أَوْ يَقُلْ: أَنْفِذُوهَا، لَمْ تَنْفُذْ

ــ

[منح الجليل]

وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ، وَكَذَا يَقَعُ التَّحَاصُصُ فِي الثُّلُثِ بِمَا أَوْصَى بِهِ لِوَارِثِهِ، فَفِيهَا: وَمَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ تَحَاصَّا وَعَادَ سَهْمُ الْوَارِثِ مَوْرُوثًا إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ اهـ.

بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَرَدَّ فَلَا يُحَاصِصُ بِهِ فِي الثُّلُثِ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَفِيهَا إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ فَيَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لِمَنْ يُتَّهَمُ بِهِ وَتَقَعُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِهِ لَهُ أَخَذَهُ، وَإِلَّا رَجَعَ مِيرَاثًا، أَفَادَهُ طفي.

(وَإِنْ) مَاتَ الْحُرُّ الْمُمَيِّزُ الْمَالِكُ، وَوُجِدَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ مَكْتُوبَةٌ وَ (ثَبَتَ) بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ (إنَّ عَقَدَهَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ وَثِيقَةَ الْوَصِيَّةِ (خَطُّهُ) الْمُوصِي وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا فَلَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَتَبَهَا غَيْرَ عَازِمٍ، أَوْ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا عِيَاضٌ إذَا لَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا أَمَّا لَوْ كَتَبَهَا وَقَالَ أَنْفِذُوهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ، قَالَ: أَنْفِذُوهَا هَلْ أَرَادَ بِهِ قَالَهُ بِلِسَانِهِ، وَشَهِدَ بِقَوْلِهِ مَنْ عَرَفَ خَطَّهُ أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ كَتَبَهَا بِخَطِّهِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ؛ إذْ الْقَوْلُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْمَلْفُوظُ، الْبُنَانِيُّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، أَيْ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي كِتَابَةِ أَنْفِذُوهَا مَا جَرَى فِي كِتَابَةِ الْوَثِيقَةِ مِنْ احْتِمَالِ عَدَمِ الْعَزْمِ أَوْ الرُّجُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ فَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ وَعُرِفَ أَنَّهَا خَطُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا قَدْ يَكْتُبُ وَلَا يَعْزِمُ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ.

(أَوْ) كَتَبَ وَصِيَّتَهُ (قَرَأَهَا) عَلَى الشُّهُودِ (وَلَمْ يُشْهِدْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمُوصِي الشُّهُودَ عَلَى أَنَّهَا وَصِيَّتُهُ (أَوْ) لَمْ (يَقُلْ) الْمُوصِي (أَنْفِذُوهَا لَمْ) الْأَوْلَى فَلَا (تَنْفُذْ) فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّ مَا قَرَأَهُ وَصِيَّتُهُ أَوْ قَالَ أَنْفِذُوهَا نَفَذَتْ. مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ لَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ

ص: 573

وَنُدِبَ فِيهِ تَقْدِيمُ التَّشَهُّدِ

ــ

[منح الجليل]

يَأْمُرْهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ: إنَّهَا وَصِيَّتِي، وَإِنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا، كَذَا نَقَلَهُ الْبَاجِيَّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَفْظَ أَنَّهُ أَتَى بِهَا الشُّهُودُ، وَكَذَا فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَ الصِّقِلِّيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَتَى الشُّهُودُ بِوَصِيَّةٍ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ إلَى آخِرِهَا فَلَا تَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ إتْيَانَهُ إلَيْهِمْ وَقِرَاءَتَهَا عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ مِمَّا يُنْفِذُهَا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَنْفُذُ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا.

(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (تَقْدِيمُ) ذِكْرِ (التَّشَهُّدِ) أَيْ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِلَّهِ سبحانه وتعالى أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَلِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه ". ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فَلْيُقَدِّمْ ذِكْرَ التَّشَهُّدِ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةُ وَالْمَجْمُوعَةِ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَنْ أَدْرَكْتُ يَكْتُبُونَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَمَا زَالَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي وَأُرَاهُ حَسَنًا، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ كُلُّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ تَشَهَّدَ أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ قَدْ تَشَهَّدَ نَاسٌ فُقَهَاءُ صَالِحُونَ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَذَلِكَ قَلِيلٌ.

وَفِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَذْكُرْ لَنَا مَالِكٌ كَيْفَ التَّشَهُّدُ. الْبَاجِيَّ عَنْ أَنَسٍ كَانُوا يُوصُونَ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْصَى مَنْ يَتْرُكُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وَأَوْصَى إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا. وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ فِي ذَلِكَ أُؤْمِنُ بِالْقَدْرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: مَا أَرَى هَذَا إلَّا كُتُبَ الصَّفْرِيَّةِ والإباضية قَدْ كَتَبَ مَنْ مَضَى وَصَايَاهُمْ فَلَمْ يَكْتُبُوا مِثْلَ هَذَا. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الرُّشْدَ فِي الِاتِّبَاعِ، وَيُجْتَنَبُ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا الِابْتِدَاعُ فَلَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ

ص: 574

وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ، وَلَا فَتَحَ، وَتُنَفَّذُ؛ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ

وَإِنْ شَهِدَا بِمَا فِيهَا

ــ

[منح الجليل]

بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا اهـ الْعَدَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَمْعُ، أَيْ فِي التَّشَهُّدِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ.

(وَلَهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّ وَصِيَّتَهُ مَكْتُوبَةٌ بِهَذِهِ الْوَثِيقَةِ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ (الشَّهَادَةُ) بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ وَصِيَّتَهُ إذَا كَانَ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ كَانُوا قَرَءُوهُ وَأَشْهَدَهُمْ بِأَنَّ مَا فِيهِ وَصِيَّتُهُ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَقْرَؤُهُ) وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِ إذَا عَرَفُوا عَيْنَ الْكِتَابِ إنْ فَتَحَ الْكِتَابَ وَرَأَوْا مَا فِيهِ بَلْ (وَلَا فَتَحَ) وَأَمَرَ أَنْ لَا يُفْتَحَ حَتَّى يَمُوتَ فَلَهُمْ الشَّهَادَةُ فِيهِ وَتُنَفَّذُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا وَصِيَّتُهُ بِمَا فِيهِ إنْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ، بَلْ (وَلَوْ كَانَتْ) وَثِيقَتُهُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُوصِي إلَى مَوْتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِيبَةٌ.

ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ أَشْهَبَ مَنْ أَتَاهُ أَخٌ لَهُ بِكِتَابِ وَصِيَّةٍ طُبِعَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: اُكْتُبْ شَهَادَتَك بِأَسْفَلِهِ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ كِتَابِي، وَلَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهَا فَكَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي أَسْفَلِهَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهَا وَصِيَّتُهُ أَيَشْهَدُ بِهَا، قَالَ إنْ لَمْ يَشُكَّ فِي خَاتَمِهِ أَنَّهُ خَاتَمُهُ فَلْيَشْهَدْ، وَإِنْ شَكَّ فَلَا يَشْهَدُ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَيْسَتْ عِنْدَهُ. قُلْت أَيَشُكُّ فِي الْخَاتَمِ إذَا غَابَ عَنْهُ، قَالَ لَا أَدْرِي إنْ شَكَّ فَلَا يَشْهَدُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ يَشْهَدُ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ إجَازَةُ الْخَاتَمِ حَتَّى كَانَ الْقَاضِي يَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ إلَى الْقَاضِي وَمَا يَزِيدُ عَلَى خَاتَمِهِ فَيُجَازُ لَهُ، حَتَّى حَدَثَ عِنْدَ النَّاسِ الِاتِّهَامُ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّيَقُّنِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَى الشَّاهِدِ إلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ، فَعَلَى قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ فَدَفَعُوهَا إلَى أَحَدِهِمْ أَوْ إلَى مَنْ وَثِقُوا بِهِ غَيْرَهُمْ فَكَانَتْ عِنْدَهُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهَا، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.

(وَإِنْ شَهِدَا) أَيْ الْعَدْلَانِ (بِمَا فِيهَا) أَيْ الْوَثِيقَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَهِيَ مَخْتُومَةٌ، وَقَالَ لَهُمَا

ص: 575

وَمَا بَقِيَ، فَلِفُلَانٍ؛ ثُمَّ مَاتَ فَفُتِحَتْ فَإِذَا فِيهَا، وَمَا بَقِيَ فَلِلْمَسَاكِينِ؛ قُسِمَ بَيْنَهُمَا

وَكَتَبْتُهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَصَدِّقُوهُ، أَوْ أَوْصَيْتُهُ بِثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ، يُصَدَّقُ، إنْ لَمْ يَقُلْ لِابْنِي

ــ

[منح الجليل]

حِينَ إشْهَادِهِمَا عَلَيْهَا (وَمَا بَقِيَ) بَعْدَ تَنْفِيذِ الْوَصَايَا مِنْ ثُلُثِي (فَ) هُوَ (لِفُلَانٍ فَفُتِحَتْ) الْوَثِيقَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَإِذَا فِيهَا وَمَا بَقِيَ) بَعْدَهُ مِنْهُ (فَ) هُوَ (لِلْمَسَاكِينِ قُسِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا بَقِيَ مَعَهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ فُلَانٍ وَالْمَسَاكِينِ مُنَاصَفَةً. ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ابْنُ وَهْبٍ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِشُهُودٍ: هَذِهِ وَصِيَّتِي وَهِيَ مَطْبُوعَةٌ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا لِي وَعَلَيَّ وَأَسْنَدْتُهَا إلَى عَمَّتِي وَمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فَلِعَمَّتِي وَمَاتَتْ فَفُتِحَ الْكِتَابُ فَإِذَا فِيهِ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فَلِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ، فَإِنَّهُ تُقَسَّمُ بَقِيَّتُهُ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْأَصْنَافِ الْآخَرِينَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةً لِلْأَوَّلِ خِلَافُ سَمَاعِ زُونَانَ أَشْهَبَ.

(وَإِنْ قَالَ) الْمُوصِي (كَتَبْتُهَا) أَيْ وَصِيَّتِي وَوَضَعْتُهَا (عِنْدَ فُلَانٍ) فَإِذَا مِتُّ، وَأَخْرَجَ لَكُمْ كِتَابًا وَقَالَ هَذِهِ وَصِيَّتِي (فَصَدِّقُوهُ) فِي أَنَّهَا وَصِيَّتِي فَإِذَا مَاتَ وَأَتَى فُلَانٌ بِوَثِيقَةٍ وَقَالَ هَذِهِ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَيَنْفُذُ مَا فِيهَا (أَوْ) قَالَ الْمُوصِي (أَوْصَيْته) أَيْ فُلَانًا (بِ) كَيْفِيَّةِ تَفْرِقَةِ (ثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ فُلَانًا فِيهَا، فَإِذَا مَاتَ وَأَخْبَرَ فُلَانٌ بِالْكَيْفِيَّةِ فَإِنَّهُ (يُصَدَّقُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ مُثَقَّلًا فِيهَا وَتَنْفُذُ (إنْ لَمْ يَقُلْ) فُلَانٌ أَوْصَى بِثُلُثِهِ (لِابْنِي) فَإِنْ قَالَ لِابْنِي وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُصَدَّقُ.

ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قَالَ كَتَبْتُ وَصِيَّتِي وَجَعَلْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَصَدِّقُوهُ وَأَنْفِذُوهَا صُدِّقَ وَنَفَذَ مَا فِيهَا، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ كَتَبْتُ وَصِيَّتِي وَجَعَلْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَأَنْفِذُوا مَا فِيهَا فَمَاتَ، وَأُخْرِجَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَا شُهُودَ فِيهَا إلَّا مَا شَهِدُوا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ وَضَعَهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَأَنْفَذُوا مَا فِيهَا فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهَا عِنْدَهُ عَدْلًا أُنْفِذَ مَا فِيهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا رَأْيِي. الْعُتْبِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ

ص: 576

وَوَصِيِّي فَقَطْ، يُعَمُّ، وَعَلَى كَذَا، يُخَصُّ بِهِ

ــ

[منح الجليل]

هِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا. ابْنُ رُشْدٍ اشْتِرَاطُ عَدَالَتِهِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ: كَتَبْتُ وَصِيَّتِي وَجَعَلْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَصَدِّقُوهُ وَأَنْفِذُوا مَا فِيهَا أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَيَنْفُذُ مَا فِيهَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَالَةً، كَقَوْلِهِ سَحْنُونٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ قَالَ أَوْصَيْتُ فُلَانًا بِثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ جَازَ ذَلِكَ وَأُنْفِذَ مَا قَالَ، فَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ إنَّمَا أَوْصَى بِثُلُثٍ لِابْنِي فَقَالَ أَشْهَبُ يُصَدَّقُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " مَنْ قَالَ اجْعَلْ ثُلُثِي حَيْثُ تَرَاهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ وَجْهٌ لِذَلِكَ صَوَابٌ، وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ صُرِفَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِهِ فَصَرَفَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِقَرَابَتِهِ ظَاهِرٌ فِي مُنَافَاتِهِ نَتِيجَةَ الِاجْتِهَادِ، وَمَسْأَلَةُ الْخِلَافِ أَمْرُهَا مَصْرُوفٌ لِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَشْهَبُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ أُمِرَ بِتَصْدِيقِهِ، وَنَحْوُهُ لِلصَّقَلِّيِّ.

(وَ) إنْ قَالَ فِي إيصَائِهِ فُلَانٌ (وَصِيِّي فَقَطْ) أَيْ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ: وَصِيٍّ فَإِنَّهُ (يَعُمُّ) إيصَاؤُهُ كُلَّ شَيْءٍ لِلْمُوصِي أَوْ عَلَيْهِ حَتَّى إنْكَاحَ صِغَارِ بَنِيهِ وَبَالِغَاتِ بَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِإِذْنِهِنَّ، وَلَا يُجْبِرُهُنَّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الثَّيِّبَاتُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا وَصِيِّي، وَلَمْ يَزِدْ فَهُوَ وَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْكَاحِ صِغَارِ بَنِيهِ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِمْ وَالثَّيِّبِ بِإِذْنِهَا. اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي قَالَ اسْتَقْصَى لَهُ وَبَالَغَ، وَإِنْ قَالَ وَصِيِّي عَلَى مَالِي دَخَلَ فِيهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى وَلَدِي دَخَلَ فِيهِ الْمَالُ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ وَلَدِي الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَكَذَا عَلَى بَنِيَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ فَيَقُولَ: الذُّكُورُ أَوْ بَنَاتِي.

(وَ) إنْ قَالَ وَصِيِّي (عَلَى كَذَا) كَثُلُثِي أَوْ قَضَاءِ دَيْنِي فَإِنَّهُ (يُخَصُّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا (بِهِ) أَيْ مَا قَصَرَ الْمُوصِي إيصَاءَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى اقْتِضَاءِ دَيْنِي أَوْ قَضَائِهِ أَوْ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى مَالِي أَوْ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى بِضْعِ بَنَاتِي فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَكُونُ كَمَا قَالَ، وَإِنْ قَالَ فُلَانُ وَصِيِّي عَلَى كَذَا الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَصِيٌّ عَلَى مَا سَمَّى فَقَطْ، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ الْخِلَافِيَّةِ أَنَّهُ يَكُونُ

ص: 577

كَوَصِيِّي، حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، أَوْ إلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَتِي

وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ، وَقَبْضِ دُيُونِهِ، صَحَّ

ــ

[منح الجليل]

وَصِيًّا لَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَكَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، نَقَلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ رِوَايَةً.

وَشَبَّهَ فِي الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ (كَ) قَوْلِهِ فُلَانٌ (وَصِيِّي حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ) فَيَكُونَ هُوَ الْوَصِيُّ فَهُوَ وَصِيُّهُ مَا دَامَ فُلَانٌ غَائِبًا، فَإِنْ قَدِمَ ارْتَفَعَتْ وِصَايَتُهُ، وَصَارَ الْقَادِمُ وَصِيَّهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا: إنْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَيَكُونَ وَصِيًّا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَكُونُ كَمَا قَالَ الصِّقِلِّيُّ، وَيَنْبَغِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ قُدُومِهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَصِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَعَ هَذَا بِقُدُومِ الْغَائِبِ، فَلَوْ قَدِمَ وَامْتَنَعَ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ إيصَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ نَظَرَهُ بِغَيْبَةِ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يُفْهَمَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا جَاءَ وَقَبِلَ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيَّ، فَإِذَا قَدِمَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَجَبَ بَقَاءُ الْأَوَّلِ وَصِيًّا.

اللَّخْمِيُّ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا وَصِيَّةَ لِلْحَاضِرِ، وَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ قَدِمَ وَلَمْ يَقْبَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِي إقَامَةِ الْغَائِبِ امْتِنَاعَ الْحَاضِرِ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَقِيلَ لَهُ تَكَلَّفْهَا حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا السَّبَبَ جَازَ تَمَادِيهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إنْ أَحَبَّ، فَإِنْ كَرِهَ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهَا وَقْتًا.

(أَوْ) قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي (إلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ) فُلَانٌ (زَوْجَتِي) فَلَا يَكُونُ وَصِيِّي، وَفِي نُسْخَةٍ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِفَوْقِيَّتَيْنِ فَالْمَعْنَى فُلَانَةُ زَوْجَتِي وَصِيَّتِي حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَلَا تَكُونُ وَصِيَّتِي، فِيهَا مَنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ جَازَ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ عُزِلَتْ.

(وَإِنْ) أَوْصَى رَجُلًا عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دُيُونَهُ وَلَمْ يُوصِهِ عَلَى تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ فَتَعَدَّى (زَوَّجَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْوَصِيُّ الـ (مُوصَى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (وَقَبْضِ دُيُونِهِ) أَيْ الْمُوصِي بَنَاتِ الْمُوصِي الْبَالِغَاتِ بِإِذْنِهِنَّ (صَحَّ) تَزْوِيجُهُ لِحُصُولِ وِلَايَةِ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةِ لَهُ عَلَيْهِنَّ، وَفِي قَوْلِهِ صَحَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ ابْتِدَاءُ عَدَمِ تَزْوِيجِهِنَّ وَرَفْعُ أَمْرِهِنَّ إلَى الْإِمَامِ لِيَنْظُرَ فِي تَقْدِيمِهِ أَوْ عَاصِبِهِنَّ عَلَيْهِنَّ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى بَيْعِ

ص: 578

وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ، أَوْ وَصِيُّهُ؛ كَأُمٍّ، إنْ قَلَّ، وَلَا وَلِيَّ، وَوُرِثَ عَنْهَا

ــ

[منح الجليل]

تَرِكَتِي وَقَبْضِ دُيُونِي وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ بَنَاتِهِ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ. الصِّقِلِّيُّ أَشْهَبُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ وَلَا يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

(وَإِنَّمَا يُوصِي) بِكَسْرِ الصَّادِ مُخَفَّفًا مِنْ الْإِيصَاءِ وَمُثَقَّلًا مِنْ التَّوْصِيَةِ (عَلَى) الشَّخْصِ (الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) لِصِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ سَفَهِهِ (أَبٌ) رَشِيدٌ (أَوْ وَصِيُّهُ) أَيْ الْأَبِ لَا جَدٌّ وَلَا عَمٌّ وَلَا أَخٌ، وَلَا أُمٌّ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ أَشَارَ لَهَا بِتَشْبِيهِهَا بِالْأَبِ فِي الْإِيصَاءِ عِنْدَ الْمَحْجُورِ فَقَالَ (كَأُمٍّ) فَلَهَا الْإِيصَاءُ عَلَى وَلَدِهَا (إنْ قَلَّ الْمَالُ) الَّذِي أَرَادَتْ الْإِيصَاءَ فِيهِ كَسِتِّينَ دِينَارًا (وَلَا وَلِيَّ) لِلْوَلَدِ الَّذِي أَرَادَتْ الْإِيصَاءَ عَلَى مَالِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ (وَوُرِثَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ الْقَلِيلُ الْمُوصَى عَلَيْهِ (عَنْهَا) أَيْ الْأُمِّ.

ابْنُ عَرَفَةَ الْإِيصَاءُ إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِمَحْجُورٍ اخْتَصَّ بِالْأَبِ الرَّشِيدِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْأَبِ إلَى غَيْرِهِ بِصِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى لِغَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ مِثْلَ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مُقَدَّمِ الْقَاضِي. وَقِيلَ مِثْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهَا فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطِّفْلِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ لَهُ الْقَاضِي خَلِيفَةً كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْجَدِّ بِوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا الْأَخِ بِأَخِيهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ. بِخِلَافِ الْأُمِّ وَفِيهَا لَا يَجُوزُ إيصَاءُ الْأُمِّ بِمَالٍ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا، وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا نَحْوَ السِّتِّينَ دِينَارًا جَازَ إسْنَادُهَا فِيهِ إلَى عَدْلٍ فِيمَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ فِيمَا تَرَكَتْهُ لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوصِيَ بِمَالِ وَلَدِهَا.

ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَةُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَتْ بِقِيَاسٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِيصَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَفْرِيقِ ثُلُثٍ جَازَ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ فِيهَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوصِيَ بِإِنْفَاذِ وَصَايَاهَا وَقَضَاءِ دَيْنِهَا

ص: 579

لِمُكَلَّفٍ: مُسْلِمٍ، عَدْلٍ، كَافٍ،

ــ

[منح الجليل]

وَإِنَّمَا يُوصِي الْأَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لِ) شَخْصٍ (مُكَلَّفٍ) بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ مَجْنُونٍ وَلَا مَعْتُوهٍ وَلَا صَبِيٍّ (مُسْلِمٍ) فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ كَافِرٍ وَلَوْ قَرِيبًا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه "(عَدْلٍ) فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ فَاسِقٍ. الْبِسَاطِيُّ بِالْجَوَارِحِ وَلَمْ أَعْلَمْ فِي الْفَاسِقِ بِالِاعْتِقَادِ نَصًّا شَافِيًا (كَافٍ) أَيْ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُوصَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إيصَاءُ عَاجِزٍ عَنْهَا. ابْنُ شَاسٍ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْوَصِيُّ وَشَرْطُهُ أَرْبَعَةٌ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ عَدْلٍ، وَفِي تَرْجَمَةٍ أُخْرَى لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَى مَسْخُوطٍ.

قُلْت الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ السَّتْرُ لَا الصِّفَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ، فَذِكْرُ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يُسَهِّلُ تَفْسِيرَ غَيْرِ الْعَدْلِ بِالْمَسْخُوطِ لَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَسْتُورِ فَيَدْخُلُ الْمَسْتُورُ فِي الْمَنْعِ، وَاخْتِصَارُ الْبَرَادِعِيِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ مَسْخُوطٍ أَوْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَطْفَ لَيْسَ بِعَدْلٍ عَلَى الْمَسْخُوطِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَيَدْخُلُ الْمَسْتُورُ فِي الْمَنْعِ. الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْ أَوْصَى إلَى مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ مِنْهُ فَلْتَةً، وَحَالَتُهُ تُرْضِي، وَإِنْ لَمْ يَتَزَيَّدْ حُسْنَ حَالَ إذَا كَانَ يَوْمَ حُدَّ غَيْرَ مَسْخُوطٍ وَأَمَّا مَنْ حُدَّ فِي سَرِقَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ خَمْرٍ فَلَا يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا مَنْ لَهُ وَرَعٌ فَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ.

ص: 580

وَإِنْ أَعْمَى، وَامْرَأَةً وَعَبْدًا وَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ

ــ

[منح الجليل]

وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ اسْتَوْفَى مَا سَبَقَ إنْ كَانَ بَصِيرًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (أَعْمَى) فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بَصِيرًا، وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ لِمُسْتَوْفِيهَا كَانَ رَجُلًا، بَلْ (وَ) إنْ كَانَ (امْرَأَةً) وَيَصِحُّ لَهُ إنْ كَانَ حُرًّا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (عَبْدًا) قِنًّا أَوْ ذَا شَائِبَةٍ. الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَشْهَبَ إنْ أَوْصَى مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لِامْرَأَةٍ أَوْ أَعْمَى فَذَلِكَ جَائِزٌ (وَتَصَرَّفَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الرَّقِيقُ لِمُوصٍ عَلَى مَحْجُورٍ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ لِلْمَحْجُورِ الْمُوصَى عَلَيْهِ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَلَا يُقْبَلُ الْإِيصَاءُ إلَّا بِإِذْنِهِ.

ص: 581

وَإِنْ أَرَادَ الْأَكَابِرُ بَيْعَ مُوصًى، اُشْتُرِيَ لِلْأَصَاغِرِ؛

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ عَاشِرٍ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ تَصَرَّفَ بِإِذْنٍ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ إنَّمَا هُوَ تَصَرُّفُهُ دُونَ قَبُولِ الْإِيصَاءِ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ إذْ الصَّوَابُ أَنَّ قَبُولَهُ الْإِيصَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ أَيْضًا؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: الْحَسَنُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ، وَتَصِحُّ لِعَبْدِ الْغَيْرِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ.

ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا غَيْرَ عَاجِزٍ كَانَ لِلْمُوصِي أَوْ غَيْرِهِ إنْ رَضِيَ سَيِّدُهُ وَسَيِّدُهُ لَا يَخَافُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى مَا بِيَدِهِ. أَشْهَبُ فَإِنْ طَعَنَ بِهِ سَيِّدُهُ أَوْ مُشْتَرِيهِ جَعَلَ السُّلْطَانُ وَصِيًّا غَيْرَهُ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ عِنْدَ سَفَرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى سُلْطَانٍ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ جَازَ إنْ أَجَازَهُ سَيِّدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَقْلَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي الْوَرَثَةُ بِهِ فَيُقِيمُ الْإِمَامُ لَهُمْ غَيْرَهُ.

(وَإِذَا) أَوْصَى عَبْدَهُ عَلَى أَصَاغِرِ وَلَدِهِ، وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ وَ (أَرَادَ) أَوْلَادُهُ (الْأَكَابِرُ بَيْعَ) عَبْدٍ (مُوصًى) عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَصَاغِرِ (اُشْتُرِيَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْعَبْدُ الْمُوصَى، أَيْ نَصِيبُ الْأَكَابِرِ مِنْهُ (لِ) أَوْلَادِ (الْأَصَاغِرِ) إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يَفِي بِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا بَاعَ الْأَكَابِرُ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ ثَمَنُهُ فَيُبَاعَ جَمِيعُهُ، وَيُبَيَّنَ لِمُشْتَرِيهِ أَنَّهُ وَصِيٌّ عَلَى الْأَصَاغِرِ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ أَكَابِرُ وَأَرَادَ بَيْعَ نَصِيبِهِمْ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى عَلَى الْأَصَاغِرِ اُشْتُرِيَ لَهُمْ حَظُّ الْأَكَابِرِ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يَحْمِلُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ أَوْ أَضَرَّ بِهِمْ بَاعَ الْأَكَابِرُ حَظَّهُمْ مِنْهُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ فَيُبَاعَ نَصِيبُ الْأَصَاغِرِ مَعَ نَصِيبِ الْأَكَابِرِ. الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ فِيهِمْ أَكَابِرُ قَوْمٍ حَظُّهُمْ عَلَى الْأَصَاغِرِ، ثُمَّ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ قُوِّمَ حَظُّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. قُلْت مِثْلُهُ فِي رسم الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ

ص: 582

وَطُرُوُّ الْفِسْقِ يَعْزِلُهُ

وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَبْدًا يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِمْ، وَلَا التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ، وَلَا يَقْسِمُ عَلَى غَائِبٍ بِلَا حَاكِمٍ

ــ

[منح الجليل]

فَأَرَادَتْ بَيْعَ الْعَبْدِ وَقَالَتْ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ قَالَ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَتْ، وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى السُّوقِ فَيُقَوَّمُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَتُعْطَى الْمَرْأَةُ ثُمُنَهَا كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ.

(وَ) إنْ أَوْصَى الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ عَلَى مَحْجُورِهِ عَدْلًا ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الْفِسْقُ فَ (طُرُوُّ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَالرَّاءِ بِشَدِّ الْوَاوِ، أَيْ حُدُوثُ (الْفِسْقِ) لِلْوَصِيِّ (يَعْزِلُهُ) أَيْ طُرُوُّ، الْفِسْقِ الْوَصِيَّ عَنْ وِصَايَتِهِ عَلَى الْمَحْجُورِ، فَعَدَالَتُهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ. فِيهَا أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْوَصِيُّ خَبِيثًا أَيُعْزَلُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَالَ نَعَمْ. عَرَفَةُ فِي عَزْلِهِ بِسَخْطَةٍ وَبَقَائِهِ مَعَ شَرِيكٍ غَيْرِهِ ثَالِثُهَا إنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِسَخْطَتِهِ. وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ مُوَالِيًا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ. ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ إسْنَادُ الْوَصِيَّةِ إلَى غَيْرِ عَدْلٍ، وَيُعْزَلُ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ. مُحَمَّدٌ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْوَصِيَّةُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُجْعَلُ مَعَهَا مُشْرِفٌ إنْ جُهِلَ حَالُهَا قَالَ وَيُعْزَلُ الْوَصِيُّ إذَا عَادَى مَحْجُورَهُ؛ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُوصِي أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَحْجُورِهِ بَعْضَ مَا يَلْهُو بِهِ.

(وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ) عَلَى الْأَصَاغِرِ (عَبْدًا) لَهُمْ (يُحْسِنُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْعَبْدُ (الْقِيَامَ بِ) خَدَمْت (هِمْ) أَيْ الْأَصَاغِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ لَهُمْ بِمَصْلَحَتِهِمْ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا. فِيهَا لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَقَارًا لِيَتَامَى، وَلَا الْعَبْدَ الَّذِي أَحْسَنَ الْقِيَامَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعَقَارِ مِنْ مِلْكِ مُجَاوِرِهِ فَيُرَغِّبَهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ لَا كِفَايَةَ فِي غَلَّتِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ (وَلَا) يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ الَّذِينَ مَعَهُمْ أَكَابِرُ (التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ) الرَّشِيدِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً، وَالتَّرِكَةُ حَيَوَانٌ أَوْ عَرَضٌ فَيَرْفَعُ إلَى الْإِمَامِ لِيُقِيمَ قَيِّمًا عَنْ الْغَائِبِ يَبِيعُ نَصِيبَهُ (وَلَا يُقْسِمُ) الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ التَّرِكَةَ عَلَيْهِمْ وَ (عَلَى الْغَائِبِ بِلَا) رَفْعٍ لِ (حَاكِمٍ) الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ

ص: 583

وَلِاثْنَيْنِ حُمِلَ عَلَى التَّعَاوُنِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا

ــ

[منح الجليل]

وَأَشْهَبُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ أَصَاغِرَ وَأَكَابِرَ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْأَكَابِرُ.

ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ غَابُوا بِأَرْضٍ بَعِيدَةٍ، وَالتَّرِكَةُ حَيَوَانٌ وَرَقِيقٌ وَعَرَضٌ فَلَهُ بَيْعُ ذَلِكَ، وَيَرْفَعُ إلَى الْإِمَامِ لِيَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ عَلَى الْغَائِبِ. أَشْهَبُ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُمْ، وَلَمْ يَخْشَ تَغْيِيرَ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَاتَبَهُمْ بِبَيْعِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بَيْعُهُ أَفْضَلَ لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ وَمَنْ تَلِفَ حَقُّهُ كَانَ مِنْهُ، وَفِي الْقَسْمِ مِنْهَا لَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى الْإِمَامِ وَيَرَاهُ نَظَرٌ، أَوْ إنْ كَانَ مَعَهُمْ أَكَابِرُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْإِمَامِ فَإِنْ قَاسَمَ الْكِبَارَ وَصِيُّ الْأَصَاغِرِ دُونَ الْإِمَامِ جَازَ إذَا اجْتَهَدَ، وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْكِبَارِ لَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَقْسِمُ لِغَائِبٍ إلَّا الْإِمَامُ، وَيُوَكِّلُ بِذَلِكَ، وَيَجْعَلُ مَا صَارَ لَهُمْ بِيَدِ أَمِينٍ.

(وَ) إنْ أَوْصَى الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ عَلَى مَحْجُورِهِ (لِاثْنَيْنِ) بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ بِلَفْظَيْنِ فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ، وَأَطْلَقَ إيصَاءَهُ لَهُمَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ لَهُ، وَلَا بِتَعَاوُنِهِمَا عَلَيْهِ (حُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ إيصَاؤُهُ (عَلَى) قَصْدِ (التَّعَاوُنِ) مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ لَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْ صَاحِبِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ أَوْصَى إلَى وَصِيَّيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إنْكَاحٌ وَلَا غَيْرُهَا دُونَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ. قُلْت سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمَعِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي زَمَانَيْنِ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا جَلِيٌّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى أَحَدِهِمَا أَوَّلًا، ثُمَّ أَوْصَى إلَى الْآخَرِ ثَانِيًا، كَقَوْلِهَا فَمَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهَا إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ مِثْلُهُ لِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَزَادَ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الشَّيْءِ التَّافِهِ مِثْلَ الطَّعَامِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَضُرُّ بِهِمْ تَأْخِيرُهُ فَهُوَ خَفِيفٌ إذَا غَابَ الْآخَرُ وَأَبْطَأَ.

(فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَصِيَّيْنِ الْمُتَعَاوِنَيْنِ دُونَ إيصَاءٍ فَالْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي إقْرَارِ الْآخَرِ وَحْدَهُ أَوْ إقَامَةِ آخَرَ مَعَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا اسْتَقَلَّ الْآخَرُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُهُ اسْتِقْلَالُ الثَّانِي وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْفِقْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِلَّ إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي ذَلِكَ.

ص: 584

أَوْ اخْتَلَفَا، فَالْحَاكِمُ

وَلَا لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ

وَلَا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ،

ــ

[منح الجليل]

قُلْت لِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوصِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْعَدَالَةِ وَالْكِفَايَةِ فَلَا يَجْعَلُ الْقَاضِي مَعَهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْعَدَالَةِ أَوْ كَانَ مُبْرِزًا، وَيَحْتَاجُ إلَى مَعُونَةٍ جَعَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ. وَرَوَى عَلِيٌّ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ مَعَهُ الْقَاضِي غَيْرَهُ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَلَا نَظَرَ لِلْبَاقِي، وَنَظَرَ السُّلْطَانُ فِي إقْرَارِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ آخَرَ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ إيصَاءٍ إلَى صَاحِبِهِ وَرَضِيَ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَإِيصَائِهِ لِغَيْرِهِ، وَرَضِيَ صَاحِبُهُ، وَإِقْرَارُ الْقَاضِي لَهُ وَحْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَلْتَزِمْ النَّظَرَ وَحْدِي.

(أَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْوَصِيَّانِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَحْجُورِهِمَا (فَالْحَاكِمُ) يَنْظُرُ فِيمَا أَرَادَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَمَا رَآهُ صَوَابًا أَمَرَهُمَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ غَيْرَ مَا أَرَادَهُ أَمَرَهُمَا بِهِ وَمَنَعَهُمَا مِنْ غَيْرِهِ. وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ اخْتَلَفَا نَظَرَ السُّلْطَانُ. اللَّخْمِيُّ إنْ خَالَفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَا فَعَلَهُ نَظَرَ السُّلْطَانُ فَمَا رَآهُ صَوَابًا أَثْبَتَهُ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ.

(وَلَا) يَجُوزُ (لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ) لِغَيْرِ صَاحِبِهِ بِدُونِ إذْنِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي مَرَضِهِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَمَفْهُومُ لِأَحَدِهِمَا أَنَّ لَهُمَا مَعًا الْإِيصَاءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي هَذَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَصِيَّيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ فِي الْإِيصَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ إلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَتَتْ الرِّوَايَةُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى فِي هَذَا. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ إلَى مَنْ مَعَهُ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ. الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إلَى شَرِيكِهِ فِي الْإِيصَاءِ، وَهُوَ الَّذِي تَأَوَّلَ الشُّيُوخُ عَلَيْهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(وَلَا) يَجُوزُ (لَهُمَا) أَيْ الْوَصِيَّيْنِ (قَسْمُ الْمَالِ) الْمُوصَيَانِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ

ص: 585

وَإِلَّا ضَمِنَا

وَلِلْوَصِيِّ، اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ، وَتَأْخِيرُهُ بِالنَّظَرِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ،

ــ

[منح الجليل]

أَرَادَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ (ضَمِنَا) أَيْ الْوَصِيَّانِ مَا تَلِفَ مِنْهُ لِتَعَدِّي وَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهِ بِاسْتِقْلَالِهِ بِهِ، وَالْآخَرُ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِيَدِ صَاحِبِهِ دُونَ مَا هَلَكَ بِيَدِهِ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي الْمَالَ بَيْنَهُمَا وَلْيَكُنْ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ جَعَلَهُ عِنْدَ أَكْفَئِهِمَا، وَلَوْ اقْتَسَمَا الصِّبْيَانَ فَلَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّةَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ. اللَّخْمِيُّ كُلُّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَوْ جَعَلَاهُ عِنْدَ أَدْنَاهُمَا عَدَالَةً فَلَا يَضْمَنَانِ، وَرَوَى إنْ اخْتَلَفُوا طُبِعُوا عَلَيْهِ وَجُعِلَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ: إنْ تَشَاحُّوا يُقْسَمْ بَيْنَهُمْ، وَلَا يُنْزَعْ مِنْهُمْ. أَشْهَبُ: لَا يَقْسِمَانِهِ، فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ فَلَا يَضْمَنَانِ. اللَّخْمِيُّ: أَرَادَ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي النَّظَرِ عَلَى الشِّيَاعِ، وَيُدِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا عِنْدَهُ وَمَا عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَلَا يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالنَّظَرِ فِيمَا عِنْدَهُ. الصِّقِلِّيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ قَسَمَاهُ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هَلَكَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِتَعَدِّيهِ بِإِسْلَامِهِ إلَيْهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْمَالِ مَا عِنْدَهُ لِاسْتِبْدَادِهِ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَمَا عِنْدَ صَاحِبِهِ لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُمَا إذَا اقْتَسَمَاهَا.

(وَلِلْوَصِيِّ) عَلَى مَحْجُورٍ (اقْتِضَاءُ) أَيْ قَبْضُ (الدَّيْنِ) الَّذِي لِمَحْجُورٍ إذَا كَانَ حَالًّا أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ (وَ) لَهُ (تَأْخِيرُ) هـ أَيْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَدِينِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ إذَا كَانَ (لِنَظَرٍ) أَيْ مَصْلَحَةٍ لِمَحْجُورِهِ كَخَوْفِ تَلَفِهِ إنْ اقْتَضَاهُ أَوْ ضَيَاعِهِ، وَالْمَدِينُ مَلِيءٌ مَأْمُونٌ. فِيهَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْغَرِيمَ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا جَازَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُمْ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ صَالَحَ عِنْدَ خَوْفِ جُحُودٍ أَوْ تَفْلِيسٍ (وَ) لَهُ (النَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ) الْمَحْجُورِ لَهُ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.

اللَّخْمِيُّ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ

ص: 586

وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ وَعِيدِهِ

وَدَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ قَلَّتْ: وَإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ وَزَكَاتِهِ، وَرَفَعَ لِلْحَاكِمِ، إنْ كَانَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ

ــ

[منح الجليل]

دُونَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يُوَسِّعُ عَلَى قَلِيلِهِ. أَشْهَبُ: يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ يَتِيمٍ بِقَدْرِ مَنَابِهِ. مَالِكٌ رَبِيعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَلْهُو بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَسَّعَ عَلَيْهِ.

(وَ) لَهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ (فِي خَتْنِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (وَعُرْسِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ وَلِيمَةِ تَزْوِيجِهِ (وَعِيدِهِ) لِفِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنَّمَا لِلْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فِعْلُ مَا يُبْقِيهِ أَوْ يُنَمِّيهِ. اللَّخْمِيُّ حَسَنٌ أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ أَشْهَبُ: يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ يَتِيمٍ بِقَدْرِ مُصَابِهِ. مُحَمَّدٌ مَالِكٌ رَبِيعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَلْهُو بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي سَعَةٍ وَسَّعَ عَلَيْهِ. ابْنُ كِنَانَةَ وَيُنْفِقُ فِي عُرْسِهِ مَا يُصْلِحُهُ مِنْ صَنِيعٍ وَطِيبٍ بِقَدْرِ حَالِهِ وَحَالِ مَنْ تَزَوَّجَ وَقَدْرِ مَالِهِ، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يُتَّهَمَ رَفَعَ لِلْإِمَامِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّعَّابِينَ لَا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ. اللَّخْمِيُّ يُنْفِقُ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي خِتَانِهِ وَعُرْسِهِ، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ دَعَا لِأَكْلٍ وَلَا يَدْعُو اللَّعَّابِينَ.

(وَ) لَهُ (دَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ) أَيْ الْمَحْجُورِ (قَلَّتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا النَّفَقَةُ كَنَفَقَةِ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتْلِفُهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ وَدَابَّتِهِ، وَأَقَامَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ. اللَّخْمِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُتْلِفُهُ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ كَانَ يُتْلِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَوْمٌ بِيَوْمٍ.

(وَ) لَهُ (إخْرَاجُ) زَكَاةِ (فِطْرَتِهِ) أَيْ الْمَحْجُورِ وَفِطْرَةِ رَقِيقِهِ (وَ) إخْرَاجُ (زَكَاةِ) مَالِ (هـ) أَيْ الْمَحْجُورِ مِنْ نَعَمٍ وَعَيْنٍ وَحَرْثٍ (وَرَفَعَ) الْوَصِيُّ ذَلِكَ (لِلْحَاكِمِ) الْمَالِكِيِّ لِيَحْكُمَ لَهُ بِوُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَيَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ بِبَلَدِهِ أَوْ يَكُونُ (حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ) يَرَى عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ فَيَحْكُمُ عَلَى الْوَصِيِّ بِغُرْمِ عِوَضِهَا

ص: 587

وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا، وَبِضَاعَةً، وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ

ــ

[منح الجليل]

مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِهَا. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَنَفِيٌّ فَلَا يَرْفَعُ لِلْحَاكِمِ لِأَمْنِهِ مِنْ التَّغْرِيمِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُزَكِّي مَالَهُ وَيُخْرِجُ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِهِ الْفِطْرَةَ وَيُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِهِ.

الشَّيْخُ إنْ أَمِنَ أَنْ يَتَعَقَّبَ بِأَمْرٍ مِنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ أَوْ كَانَ شَيْئًا يَخْفَى لَهُ وَفِي زَكَاتِهَا وَيُؤَدِّيهَا الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتَامَى وَعَبِيدِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قُلْت وَلِقَوْلِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُزَكِّي الْوَصِيُّ مَالَهُ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ خَمْرًا فَلَا يُرِيقُهَا إلَّا بَعْدَ مُطَالَعَةِ السُّلْطَانِ لِئَلَّا يَكُونَ مَذْهَبُهُ جَوَازَ تَخْلِيلِهَا، وَكَذَا يَكُونُ مَذْهَبُ الْقَاضِي سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ الصَّغِيرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا يَلْزَمُ الرَّفْعُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُخْشَى وِلَايَةُ الْحَنَفِيِّ فِيهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا، وَقَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ.

(وَ) لَهُ (دَفْعُ مَالِهِ) أَيْ الْمَحْجُورِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ (قِرَاضًا) بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لِقَوْلِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ (وَ) لَهُ دَفْعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ (بِضَاعَةً) مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، رَوَى مُحَمَّدٌ إنَّمَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَا يُبْقِيهِ أَوْ يُنَمِّيهِ. اللَّخْمِيُّ وَحَسُنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَلَا يَضْمَنُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ أَخَا الْيَتَامَى، وَتَجَرَ فِي الْمَالِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَحَسُنَ لَهُ أَنْ يُوَاسِيَ مِنْهُ الْيَتَامَى. ابْنُ شَاسٍ الْوَصِيُّ يَقْضِي دُيُونَ الصَّبِيِّ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيَدْفَعُهُ قِرَاضًا وَبِضَاعَةً.

(وَلَا يَعْمَلُ هُوَ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِهِ) أَيْ مَالِ مَحْجُورِهِ (قِرَاضًا) لِئَلَّا يُحَابِيَ نَفْسَهُ بِزِيَادَةٍ مِنْ الرِّبْحِ. ابْنُ شَاسٍ اُخْتُلِفَ فِي عَمَلِهِ هُوَ بِهِ قِرَاضًا فَمَنَعَهُ أَشْهَبُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ. الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا يَعْمَلُ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ قِرَاضًا كَمَا لَا يَبِيعُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَشْتَرِي لَهَا مِنْهُمْ. وَقَالَ

ص: 588

وَاشْتِرَاءٌ مِنْ التَّرِكَةِ، وَتُعُقِّبَ بِالنَّظَرِ؛ إلَّا كَحِمَارَيْنِ قَلَّ ثَمَنُهُمَا، وَتَسَوَّقَ بِهِمَا الْحَضَرَ وَالسَّفَرَ

وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَوْ قَبِلَ، لَا بَعْدَهُمَا.

ــ

[منح الجليل]

بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ أَخَذَهُ قِرَاضًا عَلَى جُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ مَضَى.

(وَلَا) يَجُوزُ لَهُ (اشْتِرَاءٌ مِنْ التَّرِكَةِ) شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا تَوْكِيلٌ أَوْ دَسُّ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْهَا (وَ) إنْ اشْتَرَى مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ (تُعُقِّبَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُثَقَّلًا (بِالنَّظَرِ) مِنْ الْإِمَامِ فِي شِرَائِهِ، فَإِنْ كَانَ بِفَضْلٍ لِلْمَحْجُورِ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْظُرُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ يَوْمَ شِرَائِهِ أَوْ يَوْمَ رَفْعِهِ إلَيْهِ قَوْلَا ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. (إلَّا كَحِمَارَيْنِ) اشْتَرَاهُمَا الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ (قَلَّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ (ثَمَنُهُمَا) أَيْ الْحِمَارَيْنِ كَثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ (وَتَسَوَّقَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ وَقَفَ الْوَصِيُّ فِي السُّوقِ (بِهِمَا) أَيْ الْحِمَارَيْنِ (الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ) لِبَيْعِهِمَا وَاجْتَهَدَ فِيهِ فَلَهُ أَخْذُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَفَا عَلَيْهِ. فِيهَا لَا يَشْتَرِي الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وَلَا يُوَكِّلُ أَوْ يَدُسُّ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ تُعُقِّبَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِلْأَيْتَامِ، وَسَأَلَ وَصِيٌّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ حِمَارَيْنِ مِنْ حُمُرِ الْأَعْرَابِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ثَمَنُهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ تَسَوَّقَ بِهِمَا الْوَصِيُّ فِي الْمَدِينَةِ وَالْبَادِيَةِ، وَاجْتَهَدَ وَأَرَادَ أَخْذَهُمَا لِنَفْسِهِ بِمَا أُعْطِيَ فِيهِمَا، فَأَجَازَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ لِقِلَّةِ الثَّمَنِ.

(وَلَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (عَزْلُ نَفْسِهِ) عَنْ الْوَصَايَا (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا، بَلْ (وَلَوْ قَبِلَ) هَا، وَفِي تَسْمِيَةِ عَدَمِ الْقَبُولِ عَزْلًا تَسَمُّحٌ (لَا) يَكُونُ لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ (بَعْدَهُمَا) أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إيصَاءِ غَيْرِهِ. ابْنُ هِشَامٍ هُوَ مَفْهُومٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ لَوْ قَبِلَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ اشْتِرَاءٍ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ أَوْ الِاقْتِضَاءِ لَهُمْ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُمْ لَزِمَتْهُ.

ص: 589

وَإِنْ أَبَى الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدُ

وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ،

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ أَبَى) الْوَصِيُّ (الْقَبُولَ) لِلْوِصَايَةِ (بَعْدَ الْمَوْتِ) لِلْمُوصَى (فَلَا قَبُولَ لَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (بَعْدُ) بِالضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ

(وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ وَصِيِّ الْمَحْجُورِ (فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ) الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى مَحْجُورِهِ، وَكَذَا فِي أَصْلِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا يُصَدَّقُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَأْتِ بِسَرَفٍ إنْ كَانُوا فِي حِجْرِهِ. عِيَاضٌ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِيَمِينِهِ، وَهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَبُو عِمْرَانَ إنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَحْسِبَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ فِيهِ، وَيَسْقُطُ مِمَّا زَادَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.

عِيَاضٌ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَاءِ الْيَتِيمِ عَنْ تِلْكَ النَّفَقَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا أَيَّامًا مُتَفَرِّقَةً أَوْ مُتَوَالِيَةً لِمَرَضٍ أَوْ صِلَةٍ مِنْ أَحَدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحْلِفُ مَا لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ، وَفِيهَا يُصَدَّقُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا فِي حِجْرِهِ. قُلْت زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي حِجْرِهِ لَفْظَ يَلِيهِمْ، وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا فِي حِجْرِهِ يَلِيهِمْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَوَقَعَ ذَلِكَ نَصًّا فِي الْمَوَّازِيَّةِ. الشَّيْخُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ الْوَصِيُّ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ أَوْ بَعْضَهَا فَإِنْ كَانُوا فِي حِجْرِهِ يَلِيهِمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي السَّدَادِ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ أُمِّهِمْ أَوْ أَخِيهِمْ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، يُرِيدُ إنْ أَنْكَرُوا فِي رُشْدِهِمْ.

الْأَبْهَرِيُّ الْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِيمَا دَفَعَ مِنْ النَّفَقَةِ؛ إذْ لَوْ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا لَشَقَّ عَلَيْهِ؛ إذْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَى دِرْهَمٍ وَدَانِقٍ وَحَبَّةٍ وَهَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعِ عَنْ النَّاسِ، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تُدْفَعُ اللُّقَطَةُ لِمَنْ جَاءَ بِعَلَامَتِهَا، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» ، إنَّمَا هُوَ إذَا ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ قَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِيمَا دَفَعَ مِنْ النَّفَقَةِ إنْ أَشْبَهَتْ نَفَقَةَ الْأَيْتَامِ فِي حَضَانَتِهِ كَانُوا أَوْ عِنْدَ حَاضِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَعَلَى الْحَاضِنِ

ص: 590

لَا فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ، وَدَفْعِ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ.

ــ

[منح الجليل]

لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ فِي دَعْوَى الْأَيْتَامِ وَلِلْحَاضِنِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ.

(لَا) يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ (إنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْوَصِيُّ وَمَنْ كَانَ مَحْجُورًا لَهُ (فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ) لِلْمُوصِي فَالْقَوْلُ لِمَنْ كَانَ مَحْجُورًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَصِيَّةٍ فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ إنْ نَازَعَ الصَّبِيُّ الْوَصِيَّ فِي تَارِيخِ مَوْتِ أَبِيهِ؛ إذْ بِهِ تَكْثُرُ النَّفَقَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْوَصِيُّ (وَلَا) يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ (فِي) دَعْوَى (دَفْعِ مَالَهُ) أَيْ الْمَحْجُورِ إلَيْهِ (بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَالرُّشْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُصَدَّقُ فِيهِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] هَلْ مَعْنَاهُ لِئَلَّا تَغْرَمُوا أَوْ لِئَلَّا تَحْلِفُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 591