المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 15 الى 25] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٣

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث عشر]

- ‌تفسير سورة الشّورى

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 37 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 48]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 49 الى 53]

- ‌تفسير سورة الزّخرف

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 15 الى 25]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 66]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 67 الى 80]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 81 الى 89]

- ‌تفسير سورة الدّخان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌تفسير سورة الجاثية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌تفسير سورة الأحقاف

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 33 الى 35]

- ‌تفسير سورة محمّد

- ‌مقدمة

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 25 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌تفسير سورة الفتح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الفتح (48) : آية 29]

- ‌تفسير سورة الحجرات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 11]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 13]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة ق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 23 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌فهرس المجلد الثالث عشر

الفصل: ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 15 الى 25]

والثاني: أنه مأخوذ من المقارنة، وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير يقال: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به، وجعلته قرينه «1» .

وقوله: وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ من جملة ما يقولونه- أيضا- عند استوائهم على ظهور السفن والإبل.

أى: تقولون إذا استويتم عليه: سبحان الذي سخر لنا هذا المركب الصعب، وما كنا بقادرين على تذليله لولا أن الله- تعالى- وفقنا لذلك، وإنا إلى ربنا وخالقنا لراجعون يوم القيامة، لكي يحاسبنا على أعمالنا، ويجازينا عليها بجزائه العادل.

هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات، جملة من الأحاديث، منها ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي.. عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ. ثم يقول: اللهم إنى أسألك في سفري هذا البر والتقوى. ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر. واطولنا البعيد. اللهم أنت الصاحب في السفر. والخليفة في الأهل.

اللهم اصحبنا في سفرنا. وأخلفنا في أهلنا. «2» .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله- تعالى-، ومن رحمته بعباده، لكي يخلصوا له العبادة والطاعة.

ثم حكى- سبحانه- ما افتراه المشركون على خالقهم ورازقهم من أكاذيب ورد عليها بما يزهق باطلهم، فقال- تعالى-:

[سورة الزخرف (43) : الآيات 15 الى 25]

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)

وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)

(1) تفسير القرطبي ج 16 ص 66.

(2)

تفسير ابن كثير ج 7 ص 308.

ص: 66

والمراد بالجعل في قوله- تعالى-: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً

الاعتقاد الباطل، والحكم الفاسد. والمراد بالجزء الولد. والمقصود به خصوص البنات، كما يدل عليه سياق الآيات.

قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً.. متصل بقوله- تعالى- قبل ذلك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ

والمراد بيان تناقضهم مع أنفسهم

حيث اعترفوا بأنه- تعالى- خالق السموات والأرض، ثم وصفوه بصفات المخلوقين..

وعبر عن الولد بالجزء، لأنه بضعة- وفرع- من والده، كما قيل: أولادنا أكبادنا..

وقيل الجزء: اسم للإناث، يقال: أجزأت المرأة إذا ولدت أنثى.. «1» .

أى: أن هؤلاء المشركين بلغ من تناقضهم في أقوالهم وأفعالهم، أنهم إذا سألهم سائل عن

(1) تفسير الآلوسى ج 25 ص 96.

ص: 67

خالق هذا الكون قالوا: الله. ومع ذلك فهم لجهالتهم اعتقدوا اعتقادا باطلا بأن الملائكة بناته، مع أن الملائكة من مخلوقاته التي يشملها هذا الكون.

فالمقصود من الآية الكريمة تجهيل هؤلاء المشركين، وتعجيب كل عاقل من سفاهتهم.

والظاهر أن المراد بالإنسان في قوله- تعالى-: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ الكافر والفاسق من بنى آدم، لأن الإنسان المؤمن لا يجحد نعم الله، وإنما يشكره- تعالى- عليها.

أى: إن الإنسان الكافر والفاسق عن أمر ربه، لشديد الجحود لنعم ربه، مظهرا ذلك في أقواله وفي أفعاله.

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على السخرية منهم ومن أحوالهم الشاذة فقال: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ فالاستفهام للتوبيخ والإنكار.

وأَصْفاكُمْ أى: آثركم واختصكم. يقال: أصفى فلان فلانا بالشيء، إذا اختصه به. ومنه قولهم لما يختص السلطان به نفسه من الأشياء النفيسة: الصوافي.

أى: لقد زعمتم أن الملائكة بنات الله، فخبروني بربكم هل يعقل أن يتخذ الله- تعالى- أولاده من البنات اللائي هن أقل منزلة من البنين في تقديركم، ويترك لكم الذكور؟ إن من شأن الذي يختار جنس الأولاد أن يختار أعلاهم منزلة فبأى منطق زعمتم أن الملائكة بنات الله.

قال صاحب الكشاف: قوله: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ

أى: بل آتخذ والهمزة للإنكار، تجهيلا لهم، وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزءين. وهو الإناث دون الذكور..

فكأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه- تعالى- جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحون من الشطط في القسمة، ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزءين..؟ «1» .

ثم أكد- سبحانه- جهلهم وغفلتهم عن المنطق السليم فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

أى: أنهم قالوا الملائكة بنات الله، والحال أن الواحد منهم إذا بشره مبشر بأن امرأته قد ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من شدة الحزن، وظل ممتلئا بالهم والكرب.

فالمراد بقوله: بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا جنس البنات حيث قالوا: الملائكة بنات الله.

قال الجمل: قوله: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ

استئناف مقرر لما قبله. وقيل حال، على

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 243.

ص: 68

معنى أنهم نسبوا إليه ما ذكر، ومن حالهم أن أحدهم إذا بشر به اغتم، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بأن قبائحهم اقتضت الإعراض عنهم، وتحكى لغيرهم ليتعجب منها. وبِما في قوله بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا موصولة ومعناها البنات وضرب بمعنى جعل، والمفعول الأول الذي هو عائد الموصول محذوف. أى: ضربه، ومثلا هو المفعول الثاني، والمثل بمعنى الشبه أى المشابه «1» .

ثم أضاف- سبحانه- إلى تبكيتهم السابق تبكيتا آخر فقال: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ.

والاستفهام للإنكار. وكلمة مَنْ عبارة عن جنس الإناث، وهي في محل نصب بمضمر معطوف على جَعَلُوا ويُنَشَّؤُا يربى وينشأ. يقال: نشأ فلان في بنى فلان، إذا شب وترعرع فيهم والْحِلْيَةِ: اسم لما يتحلى ويتزين به.

أى: أيجترئون ويجعلون لله- تعالى- الإناث، اللائي من شأنهن أن ينشأن في الزينة، لأن هذه الحياة هي المناسبة لهن ولتكوينهن الجسدى، واللائي من شأن معظمهن أنهن لا يقدرن على الدفاع عن أنفسهن لضعفهن وقصورهن في الجدال وفي بيان الحجة التي ترد الخصم، وتزيل الشبهة..

فالمقصود من الآية الكريمة تأنيب هؤلاء المشركين على جهلهم وسوء أدبهم، حيث إنهم نسبوا إلى الله- تعالى- الإناث اللائي من شأنهن النشأة في الحلية والدعة والنعومة، فصرن بمقتضى هذه النشأة، وبمقتضى تكوينهن البدني والعقلي، لا يقدرن على جدال أو قتال.. بينما نسبوا إلى أنفسهم الذكور الذين هم قوامون على النساء.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى. ثم توعدهم- سبحانه- بسوء المصير بسبب افترائهم الكذب فقال: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ.. والجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء، كما تقول جعلت زيدا أفضل الناس، أى حكمت عليه بذلك.

أى: أن هؤلاء المشركين زعموا وحكموا بأن الملائكة الذين هم عباد الرحمن، وصفوة خلقه، وأهل طاعته، زعموا أنهم إناث، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقناهم حتى حكموا عليهم بهذا الحكم الباطل؟

كلا إنهم لم يكونوا حاضرين، ولذا سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ في صحائف أعمالهم المليئة بالسيئات وَيُسْئَلُونَ عنها سؤال تأنيب وتوبيخ يوم القيامة.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 80.

ص: 69

فالمراد بالكتابة والسؤال: معاقبتهم على افترائهم الكذب. وتجهيلهم فيما قالوه، ثم حكى- سبحانه- لونا من ألوان معاذيرهم الكاذبة فقال: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ.

أى: وقال هؤلاء المشركون على سبيل الاحتجاج بالأعذار الباطلة: لو شاء الرحمن عدم عبادتنا للملائكة أو للأصنام ما عبدناهم.

ثم يرد الله- تعالى- عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويهدم معاذيرهم فقال: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.

أى. قالوا ما قالوه من غير علم أو برهان.. لأن مشيئة الله لا يعلمها أحد سواه، ولأنه- سبحانه- قد اقتضت حكمته ومشيئته. أن يجعل للإنسان القدرة على اختيار طريق الحق أو طريق الباطل، وهم قد اختاروا طريق الباطل، واستحبوا الكفر على الإيمان دون أن يكرههم على ذلك مكره، فما قالوه ما هو إلا نوع من أنواع خرصهم وكذبهم وظنونهم الفاسدة.

وقد فصلنا القول في مسألة المشيئة عند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة الأنعام:

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا....

وعند تفسيرنا لقوله- تعالى- في سورة النحل: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا.. «1» .

وقوله- تعالى-: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ إضراب عن نفى أن يكون لهم فيما ادعوه علم عن طريق العقل، إلى إبطال أن يكون لهم علم من جهة النقل.

وأَمْ بمعنى بل والهمزة. والاستفهام للإنكار والتوبيخ، أى: بل أأعطيناهم كتابا من قبل القرآن، فيه ما يشهد بصحة أقوالهم فهم بهذا الكتاب مستمسكون؟ كلا إننا لم نعطهم شيئا من ذلك.

ثم بين- سبحانه- مستندهم الحقيقي فقال: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ.

أى: أنهم ليس لهم في الحقيقة مستند لا من العقل ولا من النقل، وإنما مستندهم الوحيد تقليدهم لآبائهم في جهالاتهم وسفاهاتهم وكفرهم. فقد قالوا عند ما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم الى الدين الحق: إنا وجدنا آباءنا على أمة، أى على دين وطريقة تؤم وتقصد، وهي عبادة هذه الآلهة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ وطريقتهم مُهْتَدُونَ أى: سائرون بدون تفكر أو تدبر، أو

(1) راجع تفسيرنا لهذه الآية ص 143 من تفسير سورة النحل. [.....]

ص: 70

حجة أو دليل، فهم أشبه ما يكونون بقطيع الأنعام الذي يسير خلف قائده دون أن يعرف إلى أى طريق يسير..

وقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها، إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى، ومن قول باطل.

والكاف بمعنى مثل. واسم الإشارة ذلك يعود إلى حال الكافرين من قبلهم.

أى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لما تراه من إعراض المشركين عن دعوتك. فإن شأنهم كشأن سابقيهم في الكفر والضلال، فإننا ما أرسلنا من قبلك من رسول في قرية من القرى، أو في قوم من الأقوام، إلا قال المنعمون منهم، والذين أبطرهم الترف لمن جاءهم بالحق: إنا وجدنا آباءنا على دين وطريقة تؤم وتقصد، وإنا على آثارهم، وعلى نهجهم، مقتدون. أى: مقتدون بهم في عبادتهم وأفعالهم.

وخص المترفين بالذكر، لأنهم القادة الذين صرفهم التنعم وحب الجاه والسلطان، عن النظر والتدبر والاستماع للحق، وجعلهم يستحبون العمى على الهدى.

وهنا يحكى القرآن رد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ..

أى: قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقومه الذين أصروا على تقليد آبائهم في الكفر والضلال:

أتتبعون آباءكم وتقتدون بهم في الكفر، حتى ولو جئتكم بدين أهدى وأصوب مما كان عليه آباؤكم؟

وقوله: - تعالى-: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ

قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم.

وقرأ الجمهور قل أولو جئتكم

على أن الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله- تعالى-: قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أى: قال المترفون في الرد على رسلهم: إنا بما أرسلتم به من الهدى والدعوة إلى الدين الحق كافرون، وباقون على الدين الذي كان عليه آباؤنا.

وقوله- سبحانه-: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم بسبب إصرارهم على كفرهم وتقليدهم لآبائهم.

أى: قالوا للرسل هذا القول الذي يدل على إيثارهم الغي على الرشد، فانتقمنا منهم.

بأن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة. ومنهم

ص: 71