المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة محمد (47) : الآيات 25 الى 31] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٣

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث عشر]

- ‌تفسير سورة الشّورى

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 37 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 48]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 49 الى 53]

- ‌تفسير سورة الزّخرف

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 15 الى 25]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 66]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 67 الى 80]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 81 الى 89]

- ‌تفسير سورة الدّخان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌تفسير سورة الجاثية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌تفسير سورة الأحقاف

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 32]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 33 الى 35]

- ‌تفسير سورة محمّد

- ‌مقدمة

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 25 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌تفسير سورة الفتح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الفتح (48) : آية 29]

- ‌تفسير سورة الحجرات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 11]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : آية 13]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌تفسير سورة ق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 22]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 23 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌فهرس المجلد الثالث عشر

الفصل: ‌[سورة محمد (47) : الآيات 25 الى 31]

لذلك يؤدى إلى قسوة القلوب وضلال النفوس، كما هو الحال في المنافقين والكافرين.

ثم تواصل السورة حديثها عن المنافقين، فتفصح عن الأسباب التي حملتهم على هذا النفاق، وتصور أحوالهم السيئة عند ما تتوفاهم الملائكة، وتهددهم بفضح رذائلهم، وهتك أسرارهم.. قال- تعالى-:

[سورة محمد (47) : الآيات 25 الى 31]

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29)

وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31)

والمراد بارتدادهم على أدبارهم: رجوعهم إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال.

أى: إن الذين رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال، وهم المنافقون، الذين يتظاهرون بالإسلام ويخفون الكفر.

وقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ذم لهم على هذا الارتداد، لأنهم لم يعودوا إلى الكفر عن جهالة، وإنما عادوا إليه من بعد أن شاهدوا الدلائل الظاهرة، والبراهين الساطعة

ص: 240

على أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن الإسلام هو الدين الحق.

وقوله: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ جملة من مبتدأ وخبر، وهي خبر إن في قوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا.

وقوله: سَوَّلَ من التسويل بمعنى التزيين والتسهيل. يقال: سولت لفلان نفسه هذا الفعل، أى: زينته وحسنته له، وصورته له في صورة الشيء الحسن مع أنه قبيح.

وقوله: وَأَمْلى من الإملاء وهو الإبقاء ملاوة من الدهر، أى: زمنا منه أى:

الشيطان زين لهؤلاء المنافقين سوء أعمالهم، ومد لهم في الأمانى الباطلة، والآمال الفاسدة، وأسباب الغواية والضلال.

وأسند- سبحانه- هذا التسويل والإملاء إلى الشيطان، مع أن الخالق لذلك هو الله- تعالى- لأن الشيطان هو السبب في هذا الضلال والخسران.

ثم بين- سبحانه- أسباب هذا الارتداء فقال: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ.

أى: ذلك الارتداء عن الحق والتردي في الباطل. بسبب أن هؤلاء المنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الهدى على نبيه صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ومن على شاكلتهم، قالوا لهم:

سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ أى: سنطيعكم في بعض أموركم وأحوالكم التي على رأسها:

العداوة لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به من عند ربه.

كما قال- تعالى- حكاية عنهم في آية أخرى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ. لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «1» .

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ تهديد لهم على هذا الدس والكيد والتآمر على الإسلام وأتباعه. أى: والله- تعالى- يعلم ما يسرونه من أقوال سيئة، ومن أفعال قبيحة، وسيعاقبهم على ذلك عقابا شديدا.

وكلمة إِسْرارَهُمْ- بكسر الهمزة- مصدر أسررت إسرارا، بمعنى كتمت الشيء وأخفيته وقرأ بعض القراء السبعة إِسْرارَهُمْ- بفتح الهمزة- جمع سر. أى: يعلم الأشياء التي يسرونها ويخفونها.

(1) سورة الحشر الآية 11. [.....]

ص: 241

ثم بين- سبحانه- حالهم- عند ما تقبض الملائكة أرواحهم فقال: فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.

والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والاستفهام للاستعظام والتهويل، و «كيف» منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظرف «إذا» .

والمراد بوجوههم: كل ما أقبل منهم، وبأدبارهم: كل ما أدبر من أجسامهم.

أى: هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم، وقالوا ما قالوا من كفر وضلال، كيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وقبضت أرواحهم؟ لا شك أن حالهم سيكون أسوأ حال وأقبحه، لأن ملائكة الموت يضربون عند قبض أرواحهم وجوه هؤلاء المنافقين وأدبارهم، ضربا أليما موجعا.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ «1» .

واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ يعود إلى توفى الملائكة لهم، وقبضهم لأرواح هؤلاء المنافقين. أى: ذلك الضرب الأليم لهم من الملائكة عند قبضهم لأرواحهم بسبب أن هؤلاء المنافقين قد اتبعوا ما يغضب الله- تعالى- من الكفر والمعاصي، وبسبب أنهم كرهوا ما يرضيه من الإيمان والطاعة.

فَأَحْبَطَ- سبحانه-: أَعْمالَهُمْ بأن أبطلها ولم يقبلها منهم، لأنها لم تصدر عن قلب سليم.

ثم هددهم- سبحانه- بكشف أستارهم، وفضح أسرارهم فقال: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ.

و «أم» منقطعة بمعنى بل والهمزة، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، و «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة بعدها خبرها، وأن وصلتها سادة مسد مفعولي حسب.

والأضغان: جمع ضغن، وهو الحقد الشديد. يقال: ضغن صدر فلان ضغنا- بزنة تعب-، إذا اشتد حقده وغيظه، والاسم الضّغن، بمعنى الالتواء والاعوجاج الذي يكون في كل شيء، ويقال: تضاغن القوم، إذا انطوت قلوبهم على البغض والحقد.

(1) سورة الأنفال الآية 50.

ص: 242

أى: بل أحسب هؤلاء المنافقون الذين امتلأت قلوبهم بمرض الكفر والضلال، أن الله- تعالى- غير قادر على إظهار أحقادهم الشديدة لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟

إن حسبانهم هذا هو لون من جهالاتهم ومن غباوتهم وانطماس بصائرهم.

لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر قدرته فقال: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.

والمراد بالإراءة هنا: التعريف والعلم الذي يقوم مقام الرؤية بالبصر، كما في قولهم:

سأريك يا فلان ما أصنع بك. أى: سأعلمك بذلك.

والفاء في قوله: فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ لترتيب المعرفة على الإراءة، والمراد بسيماهم:

علاماتهم. يقال: سوم فلان فرسه تسويما، إذا جعل له علامة يتميز بها.

وكررت اللام في قوله: فَلَعَرَفْتَهُمْ للتأكيد.

ولحن القول: أسلوب من أساليبه المائلة عن الطريق المعروفة، كأن يقول للقائل قولا يترك فيه التصريح إلى التعريض والإبهام، يقال: لحنت لفلان ألحن لحنا، إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره.

قال الجمل: واللحن يقال على معنيين، أحدهما: الكناية بالكلام حتى لا يفهمه غير مخاطبك- ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه في غزوة الأحزاب: «وإن وجدتموهم- أى: بنى قريظة- على الغدر فالحنوا لي لحنا أعرفه» .

والثاني: صرف الكلام من الإعراب إلى الخطأ- أى: من النطق السليم إلى النطق الخطأ-.

ويقال من الأول: لحنت- بفتح الحاء- ألحن فأنا لاحن، ويقال من الثاني: لحن- بكسر الحاء إذا لم ينطق نطقا سليما- فهو لحن «1» .

والمعنى: ولو نشاء إعلامك وتعريفك- أيها الرسول الكريم- بهؤلاء المنافقين وبذواتهم وأشخاصهم لفعلنا، لأن قدرتنا لا يعجزها شيء فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ أى: بعلاماتهم الخاصة بهم، والتي يتميزون بها عن غيرهم.

وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ- أيضا- فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أى: ولتعرفنهم بسبب أقوالهم المائلة عن

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 153.

ص: 243

الأساليب المعروفة في الكلام، حيث يتخاطبون فيما بينهم بمخاطبات لا يقصدون ظاهرها، وإنما يقصدون أشياء أخرى فيها الإساءة إليك وإلى أتباعك.

قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى-: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ يقول- تعالى-: ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانا، ولكن لم يفعل- سبحانه- ذلك في جميع المنافقين، سترا منه على خلقه.

وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أى: فيما يبدون من كلامهم الدال على مقاصدهم. كما قال عثمان- رضى الله عنه-: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وفي الحديث:«ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها» .

وعن أبى مسعود عقبة بن عمرو قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن منكم منافقين، فمن سميت فليقم. ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان- حتى سمى ستة وثلاثين رجلا- ثم قال: إن فيكم- أو منكم- فاتقوا الله» «1» .

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ببان لعلمه الشامل- سبحانه- وتهديد لمن يجترح السيئات، أى: والله- تعالى- يعلم أعمالكم علما تاما كاملا، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه في خلقه فقال: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ.

أى: ولنعاملنكم- أيها الناس- معاملة المختبر لكم بالتكاليف الشرعية المتنوعة، حتى نبين ونظهر لكم المجاهدين منكم من غيرهم، والصابرين منكم وغير الصابرين وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ أى: ونظهر أخباركم حتى يتميز الحسن منها من القبيح.

فالمراد بقوله: حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ.. إظهار هذا العلم للناس، حتى يتميز قوى الإيمان من ضعيفه، وصحيح العقيدة من سقيمها.

وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد هددت المنافقين تهديدا شديدا، ووبختهم على مسالكهم الذميمة، وفضحتهم على رءوس الأشهاد، وحذرت المؤمنين من شرورهم.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالدعوة إلى صلاح الأعمال، وبتهديد الكافرين

(1) تفسير ابن كثير ج 7 ص 304.

ص: 244