الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، [فَدَعَوْتُهُ](1) ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ (2) أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، أَرْسَلَ (3) إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا (4) تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي (5) قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ ".
[كلام الرافضي على ما تم في بيعة عثمان رضي الله عنه]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " [ثُمَّ قَالَ] (6) : إِنِ اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ فَالْقَوْلُ مَا قَالَاهُ، وَإِنْ صَارُوا ثَلَاثَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِينَ (7) [صَارَ] (8) فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، لِعِلْمِهِ أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَمْرٍ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَعْدِلُ بِالْأَمْرِ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَابْنِ عَمِّهِ ".
فَيُقَالُ لَهُ: مَنِ الَّذِي قَالَ إِنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ (9)
(1) فَدَعَوْتُهُ: مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَسَقَطَتْ مِنَ النُّسَخِ.
(2)
ن: فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ الصُّبْحَ اجْتَمَعَ، م: فَلَمَّا دَخَلُوا النَّاسُ اجْتَمَعَ. وَفِي جَمِيعِ النُّسَخِ: اجْتَمَعَ، وَالْمُثْبَتُ مِنَ الْبُخَارِيِّ.
(3)
الْبُخَارِيُّ: فَأَرْسَلَ.
(4)
وَافَوْا: كَذَا فِي (م) ، وَالْبُخَارِيِّ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَافَقُوا.
(5)
ن، م: فَإِنِّي.
(6)
عِبَارَةُ " ثُمَّ قَالَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
ح، ب: الَّذِي.
(8)
صَارَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(9)
ن، م: قَدْ قَالَهُ.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ (1) أَنَّهُ كَانَ غَرَضُهُ وِلَايَةَ عُثْمَانَ مُحَابَاةً لَهُ، وَمَنْعَ عَلِيٍّ مُعَادَاةً لَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ هَذَا لَوَلَّى عُثْمَانَ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِيهَا عَنْزَانِ. كَيْفَ وَالَّذِينَ عَاشُوا بَعْدَهُ قَدَّمُوا عُثْمَانَ بِدُونِ تَعْيِينِ عُمَرَ لَهُ؟ فَلَوْ كَانَ [عُمَرُ](2) عَيَّنَهُ، لَكَانُوا أَعْظَمَ مُتَابَعَةً (3) لَهُ وَطَاعَةً، سَوَاءٌ كَانُوا كَمَا يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ: أَهْلَ دِينٍ وَخَيْرٍ وَعَدْلٍ، أَوْ كَانُوا كَمَا يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ الطَّاعِنُونَ فِيهِمْ: إِنَّ مَقْصُودَهُمُ الظُّلْمُ وَالشَّرُّ. لَا سِيَّمَا عُمَرُ كَانَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَخَافُ أَحَدًا، وَالرَّافِضَةُ تُسَمِّيهِ: فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَإِذَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَخَفْ مِنْ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهِ، وَالنُّفُوسُ لَمْ تَتَوَطَّنْ (4) عَلَى طَاعَةِ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا صَارَ لِعُمَرَ أَمْرٌ، فَكَيْفَ يَخَافُ مِنْ تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَطِيعُوهُ، وَقَدْ تَمَرَّنُوا (5) عَلَى طَاعَتِهِ؟
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ لَقَدَّمَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الدَّوْرَةِ (6) الْبَعِيدَةِ.
ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ يَكُونُ لِعُمَرَ رضي الله عنه فِي عُثْمَانَ دُونَ عَلِيٍّ؟ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ مِنْ أَسْبَابِ الصِّلَةِ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ، لَا مِنْ جِهَةِ الْقَبِيلَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْقَبِيلَةِ.
(1) ن، م، ي: فِيهِ.
(2)
عُمَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(3)
ر، ن، ي: مُبَايَعَةً.
(4)
ن: تَسْتَوْطِنْ.
(5)
ن، م: وَقَدْ مُرِّنُوا.
(6)
ب: الدُّوَيْرَةِ.
وَعُمَرُ قَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَمْرِ ابْنَهُ، وَلَمْ يُدْخِلْ فِي الْأَمْرِ ابْنَ عَمِّهِ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لِأَعْيَانِهِمْ بِالْجَنَّةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ (1) . وَهُمْ (2) مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي عَدِيٍّ. وَلَا كَانَ يُوَلِّي مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَحَدًا، بَلْ وَلَّى رَجُلًا مِنْهُمْ ثُمَّ عَزَلَهُ.
وَكَانَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُ إِلَى مُحَابَاةِ زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو بِلَا غَرَضٍ يُحَصِّلُهُ (3) مِنَ الدُّنْيَا (4) ؟
فَمَنْ أَقْصَى عَشِيرَتَهُ، وَأَمَرَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يُوَفَّى إِلَّا مَنْ مَالِ أَقَارِبِهِ، ثُمَّ مِنْ مَالِ بَنِي عَدِيٍّ، ثُمَّ مِنْ مَالِ قُرَيْشٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، وَلَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ إِلَى عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يُقَدِّمَهُ؟ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لَا فِي أَهْلِهِ الَّذِينَ يَخْلُفُهُمْ وَلَا فِي دَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ؟
وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يُحَابِي مَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ. فَمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ لَا إِلَى هَذَا وَلَا إِلَى هَذَا، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُ إِلَى ذَلِكَ؟ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَقْتٌ يُسْلِمُ فِيهِ الْكَافِرُ، وَيَتُوبُ فِيهِ الْفَاجِرُ. فَلَوْ عَلِمَ أَنَّ لِعَلِيٍّ حَقًّا دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدِّمَهُ حِينَئِذٍ: إِمَّا تَوْبَةً إِلَى اللَّهِ، [وَإِمَّا تَخْفِيفًا لِلذَّنْبِ](5) ، (6 فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ دُنْيَوِيٌّ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الدِّينُ، فَلَوْ كَانَ الدِّينُ يَقْتَضِي ذَلِكَ 6)(6)
(1) سَبْقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/501 وَهُوَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه وَأَوَّلَهُ: عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ.
(2)
ي: وَهُوَ.
(3)
ح، ب: يَحْصُلُ.
(4)
عِنْدَ عِبَارَةِ " مِنَ الدُّنْيَا " تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ي) .
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
(6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .
لَفَعَلَهُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَفْعَلُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا (1) ، بَلْ لَا يَفْعَلُ مَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَيَتْرُكُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، مَعَ صِحَّةِ الْعَقْلِ [وَحُضُورِهِ](2) وَطُولِ الْوَقْتِ.
وَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّهُ كَانَ عَدُوًّا مُبْغِضًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَايَةَ الْبِغْضَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ نَالَ بِسَبَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا نَالَهُ مِنَ السَّعَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَادِقٌ مُصَدَّقٌ (3) ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَذْكَى النَّاسِ، وَدَلَائِلُ النُّبُوَّةِ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ، فَهُوَ يَعْلَمُ (4) أَنَّهُ إِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مُعَادَاتِهِ يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ وَقْتَ الْمَوْتِ غَرَضٌ فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ وَنَحْوِهِ، فَكَيْفَ يَصْرِفُ الْأَمْرَ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ؟
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَخَافُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ رَجَعَ وَتَابَ، كَمَا خَافَ أَبُو طَالِبٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقْتَ الْمَوْتِ.
فَيُقَالُ: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ وِلَايَةَ عَلِيٍّ بِلَا إِظْهَارِ تَوْبَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْ وَلَّى عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لَسَمِعَ النَّاسُ وَأَطَاعُوا، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِي ذَلِكَ عَنْزَانِ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ مَظَالِمُ فَيُؤَدِّيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا، فَيُوصِي وَقْتَ
(1) ن، م: وَلَا فِي دُنْيَا.
(2)
وَحُضُورِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ح، ب: مَصْدُوقٌ.
(4)
ن، م: الْأُمُورِ فَعَلِمَ.
الْمَوْتِ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَلِفُلَانٍ بِكَذَا، وَيَجْعَلُهَا وَصِيَّةً، وَيَكُونُ إِمَّا مُعْتَقِدًا وَإِمَّا خَائِفًا أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ لِعُمَرَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّ أَقَارِبَهُ صَرَفَ الْأَمْرَ عَنْهُمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا أَعْدَلُ وَأَتْقَى مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَنْتَقِمُ مِنَ الَّذِينَ [لَمْ](1) يُبَايِعُوهُ أَوَّلًا، فَبَنُو عَدِيٍّ كَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ (2) لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَا كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُحِبُّونَ لِعَلِيٍّ مُعَظِّمُونَ لَهُ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا أَوْ يُبْغِضُهُ عَلِيٌّ، وَلَا قَتَلَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ أَحَدًا لَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. وَكَذَلِكَ بَنُو تَيْمٍ (3) كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ عَلِيًّا [وَعَلِيٌّ يُحِبُّهُمْ](4) ، وَلَمْ يَقْتُلْ عَلِيٌّ مِنْهُمْ أَحَدًا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: عُمَرُ مَا زَالَ إِذَا رُوجِعَ رَجَعَ، وَمَا زَالَ يَعْتَرِفُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ (5) هَذَا تَوْبَةٌ. وَيَقُولُ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ، وَيُجَدِّدُ التَّوْبَةَ لَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُتَابُ مِنْهُ. فَهَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ ذُو سُلْطَانٍ عَلَى الْأَرْضِ، فَكَيْفَ لَا يَفْعَلُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ؟
وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَالَ لِعَلِيٍّ بِحِيلَةٍ يَتَوَلَّى بِهَا، وَلَا يُظْهِرُ مَا بِهِ يُذَمُّ (6) ، كَمَا أَنَّهُ احْتَالَ لِعُثْمَانَ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ لِعَلِيٍّ دُونَ غَيْرِهِ، لَكَانَ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي تَعْيِينِهِ تَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ.
(1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(2)
ر: فَإِنَّهُمْ، م: فَإِنْ.
(3)
ن: بُيُوتُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
وَعَلِيٌّ يُحِبُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م، ر: وَإِنَّ.
(6)
ح، ر: نَدِمَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ عَلِمَ (1) أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَمْرٍ، كَذِبٌ [عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه](2) . وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ نِزَاعٌ فِي حَيَاةِ عُمَرَ أَصْلًا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إِلَى صَاحِبِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَرْبَعَةِ إِلَيْهِمَا (3) ، [كِلَاهُمَا](4) مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَمَا زَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ يَدًا وَاحِدَةً، حَتَّى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَتَى عَلِيًّا عَقِبَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ، لِكَوْنِ عَلِيٍّ كَانَ ابْنَ عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ (5) فِيهِ بَقَايَا مِنْ جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ، يَكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَى النَّاسِ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ كَانَ غَائِبًا، فَلَمَّا قَدِمَ تَكَلَّمَ مَعَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَقَالَ: أَرْضَيْتُمْ أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ عَنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؟
وَكُلُّ مَنْ يَعْرِفُ الْأُمُورَ الْعَادِيَّةَ، وَيَعْرِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَةِ الْقَوْمِ، يَعْلَمُ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا فِي غَايَةِ الِاتِّفَاقِ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، حَتَّى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ يَكْشِفُ الْخَبَرَ، وَرَآهُ الْعَبَّاسُ، أَخَذَهُ وَأَرْكَبَهُ خَلْفَهُ، وَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَطَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ أَنْ يُشَرِّفَهُ بِشَيْءٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: إِنَّ
(1) إِنَّهُ عَلِمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(3)
إِلَيْهِمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِلَيْهِ.
(4)
كِلَاهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (م) .
أَبَا سُفْيَانَ [رَجُلٌ](1) يُحِبُّ الشَّرَفَ (2) . وَكُلُّ هَذَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبَّاسِ لِأَبِي سُفْيَانَ وَبَنِي أُمَيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ.
وَحَتَّى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ (3) مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُنَازَعَةٌ فِي حَدٍّ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ فِي مَوْكِبٍ فِيهِمْ مُعَاوِيَةُ لِيَقِفُوا عَلَى الْحَدِّ، فَابْتَدَرَ مُعَاوِيَةُ وَسَأَلَ عَنْ مَعْلَمٍ مِنْ مَعَالِمِ الْحَدِّ: هَلْ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ (4) . فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا ظُلْمًا لَغَيَّرَهُ عُمَرُ. فَانْتَصَرَ مُعَاوِيَةُ لِعَلِيٍّ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ حَاضِرًا، بَلْ كَانَ قَدْ وَكَّلَ ابْنَ جَعْفَرٍ. وَكَانَ [عَلِيٌّ] (5) يَقُولُ:" إِنَّ لِلْخُصُومَاتِ قُحَمًا (6) ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا " وَكَانَ قَدْ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ.
وَبِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْخَصْمِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَ [أَصْحَابِ] أَحْمَدَ (7) وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.
فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ؟
(1) رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(2)
سَبْقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا مَضَى 5/434 وَهُوَ كَلَامٌ ذَكَرَهُ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ.
(3)
آخَرَ زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .
(4)
ح: فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَالْقُحَمُ: الْأُمُورُ الْعِظَامُ الَّتِي لَا يَرْكَبُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلِلْخُصُومَةِ قُحَمٌ، أَيْ: أَنَّهَا تُقْحِمُ بِصَاحِبِهَا عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ: إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا، وَهِيَ الْأُمُورُ الْعِظَامُ الشَّاقَّةُ، وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ.
(7)
ن، م: الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
فَعَلَ لِأَجَلِ الْمَنَافِيَّةِ. أَيْ لِأَجْلِ أَنَّا جَمِيعًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
وَكَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ حُكُومَةٌ شَاوَرَنِي فِيهَا بَعْضُ قُضَاةِ الْقُضَاةِ، وَأَحْضَرَ لِي كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الْحُكُومَةُ، وَلَمْ يَعْرِفُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ: لَفْظَةَ " الْمَنَافِيَّةِ " فَبَيَّنْتُهَا لَهُمْ وَفَسَّرْتُ لَهُمْ مَعْنَاهَا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ كَانُوا مُتَّفِقِينَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمَّا تَفَرَّقُوا فِي الْإِمَارَةِ. كَمَا أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنَّمَا حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ لَمَّا وَلِيَ بَنُو الْعَبَّاسِ، وَصَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ (1) فُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ. وَهَكَذَا عَادَةُ النَّاسِ، يَكُونُ الْقَوْمُ مُتَّفِقِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ مَا يَتَنَازَعُونَ عَلَيْهِ مِنْ جَاهٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ خَصْمٌ كَانُوا جَمِيعًا إِلْبًا (2) وَاحِدًا عَلَيْهِ، فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِمْ تَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا.
فَكَانَ بَنُو هَاشِمٍ مِنْ آلِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ الْأُمَوِيَّةِ مُتَّفِقِينَ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ، وَلَمَّا خَرَجَ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهِمْ صَارَ يَدْعُو إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَلَا يُعِيِّنُهُ، وَكَانَتِ الْعَلَوِيَّةُ تَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ (3) فِيهِمْ، وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَلَمَّا أَزَالُوا (4) الدَّوْلَةَ الْأُمَوِيَّةَ، وَصَارَتِ الدَّوْلَةُ هَاشِمِيَّةً، وَبَنَى السَّفَّاحُ مَدِينَةً
(1) ن، م: وَصَارَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ، (ر) : وَصَارَ بَيْنَهُمْ وَبَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ.
(2)
فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَهُمْ إِلْبٌ وَاحِدٌ، أَيْ: جَمْعٌ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْفَتْحُ لُغَةً.
(3)
ب: أَنْ يَكُونَ.
(4)
ن: فَلَمَّا زَالَتْ.
سَمَّاهَا الْهَاشِمِيَّةَ، ثُمَّ (1) تَوَلَّى الْمَنْصُورُ، وَقَعَ (2) نِزَاعٌ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّينَ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَسَيَّرَ الْمَنْصُورُ إِلَيْهِمَا مَنْ يُقَاتِلُهُمَا، وَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ قُتِلَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. ثُمَّ إِنَّ الْعَبَّاسِيِّينَ وَقَعَ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ، كَمَا وَقَعَ بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ أُمُورٌ أُخَرُ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ [وَنَحْوُهَا مِنَ الْأُمُورِ](3) الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ (4) .
[ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا جَمِيعًا (5) اتَّفَقَا عَلَى تَفْوِيضِ الْأَمْرِ (6) إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْرَهَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ](7) .
وَقَوْلُهُ: " إِنَّ عُمَرَ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَعْدِلُ الْأَمْرَ عَنْ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ ".
فَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى أَنْسَابِهِمْ؛ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ أَخًا لِعُثْمَانَ وَلَا ابْنَ عَمِّهِ وَلَا مِنْ قَبِيلَتِهِ أَصْلًا، بَلْ هَذَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهَذَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. [وَبَنُو] زُهْرَةَ (8) إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَكْثَرُ مَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ [بَنِي] زُهْرَةَ (9) أَخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
(1) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) .
(2)
ر: وَوَقَعَ.
(3)
وَنَحْوُهَا مِنَ الْأُمُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ " وَنَحْوُهَا " مِنْ (ح) ، (ر) .
(4)
م، ح، ر: الْعَادَاتُ.
(5)
جَمِيعًا: زِيَادَةٌ فِي ح، ر.
(6)
ر: تَفْوِيضِ الِاخْتِيَارِ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن، م، ر: وَزُهْرَةَ.
(9)
ن، م، ر: فَإِنَّ زُهْرَةَ.
عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي (1) امْرُؤٌ خَالَهُ» "(2) .
وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مُؤَاخَاةٌ وَلَا مُخَالَطَةٌ (3) ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ (4) ، وَلَا بَيْنَ أَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ، وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَآخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ (5) ، وَلَمْ يُؤَاخِ قَطُّ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
(1) ن، م: فَلْيُرِنِي، كَذَا فِي (ن) ، (م)، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَلْيُكْرِمْنَ.
(2)
الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/313 كِتَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، وَكَانَ سَعْدُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَتْ أَمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَالِي.
(3)
ن، م: وَلَا مُخَالَفَةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ر: بَيْنَ مُهَاجِرٍ وَمُهَاجِرٍ.
(5)
رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا 5/69 كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَنَصُّهُ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. بَيْنَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي نَفْسِ الْبَابِ وَنَفْسِ الصَّفْحَةِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ. الْحَدِيثَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ، انْظُرْ طَبْعَةَ الدُّكْتُورِ أَلْبَغَا الْأَرْقَامُ: 1943، 1944، 2171، 3570، 3721، 3722، 4853، 4858، 4860، 4872، 5732، 6023، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/220 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي مُوَاسَاةِ الْأَخِ) ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/190، 204 - 205، 271
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ إِنْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْبَيْعَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ".
فَيُقَالُ: أَوَّلًا: مَنْ قَالَ إِنَّ هَذَا الصَّحِيحُ؟ وَأَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ بِهَذَا؟ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ أَمَرَ الْأَنْصَارَ [أَنْ](1) أَنْ لَا يُفَارِقُوهُمْ حَتَّى يُبَايِعُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ.
ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى عُمَرَ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ يُعْرَفُ، وَلَا أَمَرَ عُمَرُ قَطُّ بِقَتْلِ السِّتَّةِ الَّذِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ خِيَارُ الْأُمَّةِ. وَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِمْ، وَإِذَا قُتِلُوا كَانَ الْأَمْرُ [بَعْدَ قَتْلِهِمْ](2) أَشَدَّ فَسَادًا؟ ثُمَّ لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ لَقَالَ وَلُّوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْأَمْرِ، وَلَا يُوَلِّي بَعْدَهُمْ أَحَدًا؟
وَأَيْضًا فَمَنِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ، وَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُطِيعَةٌ لَهُمْ، وَالْعَسَاكِرُ وَالْجُنُودُ مَعَهُمْ؟ وَلَوْ أَرَادَتِ الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ قَتْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ مِنْ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَأْمُرُ طَائِفَةً قَلِيلَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ [جَمِيعًا](3) ؟ وَلَوْ قَالَ هَذَا عُمَرُ فَكَيْفَ كَانَ يَسْكُتُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةُ، وَيُمَكِّنُونَ الْأَنْصَارَ مِنْهُمْ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَنْصُرُهُمْ؟
وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ السِّتَّةَ لَمْ يَتَوَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَمْ يَجِبْ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ [بِذَلِكَ](4) بَلْ تَوَلَّى (5) غَيْرُهُمْ. وَهَذَا [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عُمَرَ (6) كَانَ دَائِمًا
(1) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(2)
بَعْدَ قَتْلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
جَمِيعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ب: بَلْ يُوَلِّي، ن: بَلْ وَلَّى.
(6)
ن، م: وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ.
تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَاتُ، فَلَا يَتَوَلَّى، وَمَا قَتَلَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ عُيِّنَ لِلْخِلَافَةِ يَوْمَ الْحَكَمَيْنِ [فَتَغَيَّبَ عَنْهُ](1) وَمَا آذَاهُ أَحَدٌ قَطُّ، وَمَا سُمِعَ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا امْتَنَعَ مِنَ الْوِلَايَةِ فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ.
فَهَذَا مِنِ اخْتِلَاقِ مُفْتَرٍ [لَا يَدْرِي] مَا يَكْتُبُ (2) لَا شَرْعًا وَلَا عَادَةً.
ثُمَّ نَقُولُ جَوَابًا مُرَكَّبًا: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَ بِهَذَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ إِنْكَارُهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ كَوْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ كَوْنُهُ وَلِيًّا لِلَّهِ مِمَّا يَمْنَعُ قَتْلَهُ إِذَا اقْتَضَى الشَّرْعُ ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ، وَقَالَ:" «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ. وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ» "(3) فَهَذِهِ يَشْهَدُ لَهَا الرَّسُولُ بِذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدُّ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهَا أَمَرَ بِرَجْمِهَا.
وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ قِصَاصٌ، وَكَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَتَابَ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ تَوْبَةً نَصُوحًا، لَوَجَبَ أَنْ يُمَكَّنَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَيَكُونُ قَتْلُهُ كَفَّارَةً لَهُ.
(1) فَتَغَيَّبَ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ح) ، (ر) فَغَيَّبَ غَيْبَةً.
(2)
ن، م: اخْتِلَافِ مُفْتَرٍ بِمَا يَكْذِبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1323، 1324 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/212 - 213 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِهَا مِنْ جُهَيْنَةَ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/179 - 180 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْحَامِلِ إِذَا اعْتَرَفَ بِالزِّنَا) ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/348
وَالتَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ (1) ، كَقَتْلِ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ، لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ (2) قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: [يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي:](3) لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» "(4) وَقَالَ فِي «شَارِبِ الْخَمْرِ: " إِنْ شَرِبَهَا (5) فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» " (6) . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحُكْمِ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لَا؟
فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِقَتْلِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ السَّائِغِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَقْدَحْ لَا فِي عَدْلِ هَذَا، وَلَا فِي دُخُولِ هَذَا الْجَنَّةَ. فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟
ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ، بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، يَسْتَحِقُّونَ الْقَتْلَ إِلَّا عَلِيًّا. فَإِنْ كَانَ عُمَرُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَلِمَاذَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ يُحَابِيهِمْ فِي الْوِلَايَةِ وَيَأْمُرُ
(1) ح، ر: مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ.
(2)
ر: فِيهَا، ح: فِيهِمَا.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564
(5)
ن، م: إِنْ شَرِبَ.
(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 39 - 40
بِقَتْلِهِمْ؟ فَهَذَا جَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: كَانَ مَقْصُودُهُ قَتْلَ عَلِيٍّ.
قِيلَ: لَوْ بَايَعُوا إِلَّا عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَضُرُّ الْوِلَايَةَ، فَإِنَّمَا يَقْتُلُ مَنْ يَخَافُ. وَقَدْ تَخَلَّفَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَضْرِبُوهُ وَلَمْ يَحْبِسُوهُ، فَضْلًا عَنِ الْقَتْلِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَقُولُ (1) : إِنَّهُمْ لَمْ يَضْرِبُوا أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا أَكْرَهُوهُ عَلَى الْبَيْعَةِ. فَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ أَحَدٌ عَلَى مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ مُتَعَيَّنَةٌ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ النَّاسِ عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ، وَهِيَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنَةٍ؟
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مُدَّةَ خِلَافَتِهِمَا مَا زَالَا [مُكْرِمَيْنِ](2) غَايَةَ الْإِكْرَامِ لِعَلِيٍّ وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ يُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَيَقُولُ [أَبُو بَكْرٍ] (3) : أَيُّهَا النَّاسُ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ (4) بَيْتِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ يَذْهَبُ وَحْدَهُ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ (5) فَضْلَهُمْ، وَيَذْكُرُونَ لَهُ فَضْلَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ، وَيَعْتَذِرُونَ مِنَ التَّأَخُّرِ، وَيُبَايِعُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ وَحْدَهُ.
وَالْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ (6) مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالِائْتِلَافِ تُوجِبُ كَذِبَ مَنْ نَقَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.
(1) ح، ب: يَقُولُونَ.
(2)
مُكْرِمَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
أَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(4)
ن، م، ر: فِي آلِ.
(5)
ح: فَيُذَكِّرُهُمْ.
(6)
ن، م: بَيْنَ النَّاسِ.
وَلَوْ أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ [فِي وِلَايَتِهِمَا](1) إِيذَاءَ عَلِيٍّ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، لَكَانَا أَقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ظَلَمُوهُ فِي حَالٍ كَانَ فِيهَا أَقْدَرَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْعِهِمَا مِنْ ظُلْمِهِ، وَكَانَا أَعْجَزَ عَنْ ظُلْمِهِ لَوْ أَرَادَا ذَلِكَ (2) ، فَهَلَّا ظَلَمَاهُ بَعْدَ قُوَّتِهِمَا وَمُطَاوَعَةِ النَّاسِ لَهُمَا إِنْ كَانَا مُرِيدَيْنِ لِظُلْمِهِ؟
وَمِنَ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى وِلَايَةً، وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ مُرَشَّحٌ لَهَا يَخَافُ أَنْ يُنَازِعَهُ (3)، أَنَّهُ لَا يَقَرُّ حَتَّى يَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ: إِمَّا بِحَبْسٍ، وَإِمَّا بِقَتْلٍ (4) سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً (5) ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ. فَإِذَا كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا ظَالِمَانِ لَهُ، وَهُوَ مَظْلُومٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَخَافَا مِنْهُ.
فَكَانَ يَنْبَغِي لَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا أَنْ يَسْعَيَا فِي قَتْلِهِ أَوْ حَبْسِهِ وَلَوْ بِالْحِيلَةِ. وَهَذَا لَوْ أَرَادَاهُ (6) لَكَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمَا مِنْ مَنْعِهِ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَلَوْ أَرَادَا تَأْمِيرَهُ عَلَى بَعْضِ الْجُيُوشِ، وَأَوْصَيَا (7) بَعْضَ أَهْلِ الْجُيُوشِ (8) أَنْ يَقْتُلَهُ
(1) فِي وِلَايَتِهِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن، م: وَكَانُوا أَعْجَزَ عَنْ ظُلْمِهِ لَوْ أَرَادُوا ذَلِكَ.
(3)
ن، م، ر: أَنْ يَنْزِعَهُ.
(4)
بِقَتْلٍ: كَذَا فِي (م) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (ح)، (ر) : بِقَيْدٍ.
(5)
ن، م: سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
(6)
ن: لَوْ أَرَادَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(7)
ن: وَأَوْصَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(8)
ن، ر: الْجَيْشِ.
وَيَسُمَّهُ، كَانَ هَذَا مُمْكِنًا.
فَفِي الْجُمْلَةِ دَفْعُ الْمُتَوَلِّي لِمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُنَازِعُهُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَذَلِكَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ إِهَانَةٍ وَإِيذَاءٍ وَحَبْسٍ وَقَتْلٍ وَإِبْعَادٍ.
وَعَلِيٌّ رضي الله عنه، مَا زَالَا مُكْرِمَيْنِ لَهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، مُقَدِّمَيْنِ لَهُ، [بَلْ](1) وَلِسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، مُقَدِّمَيْنِ لَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، كَمَا يَفْعَلَانِ بِنُظَرَائِهِ، وَيُفَضِّلَانِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ عز وجل بِهِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ (2) كَلِمَةُ سُوءٍ فِي عَلِيٍّ قَطُّ، [بَلْ](3) وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُعَادَاةَ الَّتِي فِي الْقَلْبِ تُوجِبُ إِرَادَةَ الْأَذَى لِمَنْ يُعَادَى. فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَادِرًا، اجْتَمَعَتِ الْقُدْرَةُ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ. فَلَوْ كَانَا مُرِيدَيْنِ بِعَلِيٍّ سُوءًا، لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ ظُهُورَهُ لِقُدْرَتِهِمَا. فَكَيْفَ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا إِلَّا الْمَحَبَّةُ وَالْمُوَالَاةُ؟ !
وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا وَتَعْظِيمِهِمَا وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ (4) ، مَا يُعْلَمُ بِهِ حَالُهُ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ قَطُّ كَلِمَةُ سُوءٍ فِي حَقِّهِمَا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا.
وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ (5) الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَالْمَنْقُولَةَ بِأَخْبَارِ الثِّقَاتِ.
(1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن: مِنْهُمْ
(3)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(4)
ر: الْأَئِمَّةِ.
(5)
ن، م: يَعْرِفُ.