المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة] - منهاج السنة النبوية - جـ ٦

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه]

- ‌[كلام عمر رضي الله عنه عند الاحتضار]

- ‌[فصل موقف عمر رضي الله عنه عند مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته]

- ‌[فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه والكلام على موقفه من فدك]

- ‌[قَوْلُ الرَّافِضِيِّ أن عمر عَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عطايا عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغيَّر حكم الله في المنفيين]

- ‌[فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل]

- ‌[فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم مجنونة]

- ‌[كلام العلماء في مناقب عمر رضي الله عنه]

- ‌[رِسَالَةُ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه منع المغالاة في المهور]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه لم يحد قدامة في الخمر]

- ‌[فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه أنه أسقطت حامل خوفا منه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه تنازعت عنده امرأتان في طفل وأفتاه علي رضي الله عنه]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرده علي]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه كان يضطرب في الأحكام]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر كان يفضل في الغنيمة والعطاء]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر كان يأخذ بالرأي والحدس والظن]

- ‌[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده وخالف من تقدمه]

- ‌[الرد على قول الرافضي إن عمر جمع بين الفاضل والمفضول]

- ‌[الرد على قول الرافضي إن عمر رضي الله عنه طعن في كل واحد ممن اختاره]

- ‌[الرد على قول الرافضي في عمر ثم ناقص حتى جعل الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف]

- ‌[كلام الرافضي على ما تم في بيعة عثمان رضي الله عنه]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل من خالف الأربعة ثم الثلاثة]

- ‌[فصل كلام الرافضي على عثمان رضي الله عنه]

- ‌[الأمور التي أنكرها الرافضي على عثمان رضي الله عنه]

- ‌[الرد على قولهم أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بالنص وبيان غلو الرافضة في علي والأئمة]

- ‌[الرد على دعوى الرافضة بالنص وعصمة الأئمة]

- ‌[فصل قاعدة كلية أن لا نعتقد بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[العقوبة عن الذنوب في الآخرة تندفع بنحو عشرة أسباب]

- ‌[السبب الأول التوبة]

- ‌[السبب الثاني الاستغفار]

- ‌[السبب الثالث الأعمال الصالحة]

- ‌[السبب الرابع الدعاء للمؤمنين]

- ‌[السبب الخامس دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره في حياته وبعد مماته]

- ‌[السبب السادس ما يُفعل بعد الموت من عمل صالح يهدى له]

- ‌[السبب السابع المصائب الدنيوية التي يكفر الله بها الخطايا]

- ‌[السبب الثامن والتاسع والعاشر من بلاء القبر وأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ واقتصاصهم من بعض]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى من لا يصلح للولاية]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل سعيد بن العاص فظهر منه ما أدى إلى إخراج أهل الكوفة له]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى ابن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه أمر بقتل محمد بن أبي بكر]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث]

- ‌[الرد على قول الرافضي وولى عبد الله بن عامر البصرة فَفَعْلَ مِنَ الْمَنَاكِيرِ مَا فَعَلَ]

- ‌[الرد على قول الرافضي وولى مروان أمره وَأَلْقَى إِلَيْهِ مَقَالِيدَ أُمُورِهِ]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه كان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره رضي الله عنهما]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان حكم بضرب ابن مسعود رضي الله عنهما حتى مات]

- ‌[الرد على حديث مكذوب يذكره الرافضي عن عمار رضي الله عنه]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن الرسول عليه السلام طرد الحكم وابنه عن المدينة وردهما عثمان وأكرمهما]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن عثمان نفى أبا ذر وضربه]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن عثمان ضيع حدود الله]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن عثمان زاد الأذان الثاني يوم الجمعة]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن المسلمين كلهم خالفوا عثمان رضي الله عنه حتى قتل]

- ‌[فصل نقل الرافضي عن الشهرستاني ما ذكره من التنازع الذي وقع بين الصحابة في مرض النبي عليه السلام]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية]

- ‌[الرد على زعم الرافضي عن الاختلاف الواقع في مرض النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الرد على زعم الرافضي عن الخلاف في تجهيز جيش أسامة]

- ‌[الرد على كلام الرافضي على ما كان من عمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة]

- ‌[قال الرافضي الخلاف الخامس في فدك والتوارث]

- ‌[قال الرافضي الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة]

- ‌[قال الرافضي الخلاف السابع في نص أبي بكر على عمر في الخلافة]

- ‌[قال الرافضي الخلاف الثامن في إمرة الشورى]

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن اختلافات كثيرة وقعت من عثمان رضي الله عنه]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن عثمان رضي الله عنه زوج مروان بن الحكم وسلمه خمس غنائم إفريقية]

- ‌[الرد على زعم الرافضي أن عثمان آوى ابن أبي سرح وولاه مصر بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه]

- ‌[الرد على كلام الرافضي على عمال عثمان رضي الله عنه]

- ‌[كلام الرافضي على الخلاف التاسع الذي ذكره الشهرستاني]

- ‌[الفصل الثالث في الأدلة الدالة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المنهج الأول في الأدلة العقلية]

- ‌[الأول يجب أن يكون الإمام معصوما]

- ‌[الرد على المقدمة الأولى وهي قوله لا بد من إمام معصوم]

- ‌[الرد على المقدمة الثانية من كلام الرافضي وهي قولهم إذا كان لا بد من معصوم فليس بمعصوم غير علي]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الوجه الثاني من وجوه إمامة علي وهو وجوب النص على الإمام والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الوجه الثالث من وجوه إمامة علي رضي الله عنه يجب أن يكون حافظا للشرع]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الوجه الرابع من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الوجه الخامس من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته]

الفصل: ‌[قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة]

إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ " (1) .

[قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة]

وَأَمَّا قَوْلُهُ (2) : " الْخِلَافُ الرَّابِعُ: فِي الْإِمَامَةِ. وَأَعْظَمُ خِلَافٍ بَيْنِ الْأُمَّةِ خِلَافُ (3) الْإِمَامَةِ، إِذْ مَا سُلَّ سَيْفٌ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى قَاعِدَةٍ دِينِيَّةٍ مِثْلُ مَا سُلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ "(4) .

فَالْجَوَابُ (5) : أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ، فَإِنَّهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَمْ يُسَلَّ سَيْفٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَنِهِمْ نِزَاعٌ فِي الْإِمَامَةِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ، وَلَا كَانَ بَيْنَهُمْ سَيْفٌ مَسْلُولٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ. وَالْأَنْصَارُ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ.

(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي الْبُخَارِيِّ 2/71 - 72 (كِتَابِ الْجَنَائِزِ، بَابِ الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7، 7 (كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابِ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/520 (كِتَابِ الْجَنَائِزِ، بَابِ ذِكْرِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/219 - 220

(2)

أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك)(ص 143)(م)

(3)

ك: خِلَافَاتُ.

(4)

اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ كَلَامَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك)(ص 143)(م) وَبَاقِي كَلَامِهِ هُوَ: وَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى رَئِيسِهِمْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، فَاسْتَدْرَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَنْ حَضَرَا سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَمَدَّ عُمَرُ يَدَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَبَايَعَهُ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّهَا كَانَتْ فَلْتَةٌ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَشْغُولٌ بِمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - مِنْ دَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَتَخَلَّفَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ عَنِ الْبَيْعَةِ.

(5)

ن، م: وَالْجَوَابُ.

ص: 324

أَفَاضِلُهُمْ، كَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ هُوَ (1) أَفْضَلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ نَفْسًا وَبَيْتًا.

فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «خَيْرُ دُوْرِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُوْرِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» "(2) .

فَأَهْلُ الدُّورِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ: دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، وَبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُمْ مَنْ نَازَعَ فِي الْإِمَامَةِ، بَلْ رِجَالُ بَنِي النَّجَّارِ كَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ لَمْ يَخْتَارُوا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ.

وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّمَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَهُوَ كَانَ يَأْمُرُ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ رِجَالِ الْأَنْصَارِ.

وَإِنَّمَا نَازَعَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، ثُمَّ رَجَعَ هَؤُلَاءِ وَبَايَعُوا الصِّدِّيقَ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.

(1) ن، م: مِمَّنْ هُمْ.

(2)

رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ كَامِلًا عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه فِي صَحِيحِهِ 4/1949 - 1950 (كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٍ: فِي خَيْرِ دُوْرِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم، وَأَوَّلُهُ: خَيْرُ دُوْرِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ. . . . . الْحَدِيثَ، وَانْظُرِ الْأَرْقَامَ 177 - 179، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا فِي صَحِيحِهِ 8/17 (كِتَابِ الْأَدَبِ، بَابِ خَيْرِ دُوْرِ الْأَنْصَارِ.

ص: 325

وَسَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَلَيْسَ هُوَ مَعْصُومًا، بَلْ لَهُ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللَّهُ، وَقَدْ (1) عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، رضي الله عنهم وَأَرْضَاهُمْ.

فَمَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَنْصَارَ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ هُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّقْلِ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْكَذِبَ لَكِنْ يَنْقُلُونَ مِنْ كُتُبِ مَنْ يَنْقُلُ عَمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مَشْغُولًا بِمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ دَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، فَكَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا يَدَّعُونَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُدْفَنْ إِلَّا بِاللَّيْلِ، لَمْ يُدْفَنْ بِالنَّهَارِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا دُفِنَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَلَا لَازَمَ عَلِيٌّ قَبْرَهُ، بَلْ قُبِرَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَعَلِيٌّ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا.

ثُمَّ كَيْفَ يَأْمُرُ بِمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَقَدْ أَمَرَ - بِزَعْمِهِمْ - أَنْ يَكُونَ إِمَامًا بَعْدَهُ؟ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِتَجْهِيزِهِ عَلِيٌّ وَحْدَهُ، بَلْ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَبَنُو الْعَبَّاسِ، وَمَوْلَاهُ شُقْرَانُ، وَبَعْضُ الْأَنْصَارِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ حَاضِرِينَ غُسْلَهُ وَتَجْهِيزَهُ، لَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ فِي بَنِي سَاعِدَةَ. لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمَيِّتَ أَهْلُهُ، فَتَوَلَّى أَهْلُهُ غُسْلَهُ وَأَخَّرُوا دَفْنَهُ لِيُصَلِّيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ (2) ، فَإِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ أَفْرَادًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ،

(1) ن، م: اللَّهُ قَدْ.

(2)

ب: لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

ص: 326

رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ: خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمْ يَتَّسِعْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِذَلِكَ مَعَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ، بَلْ صَلَّوْا عَلَيْهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءَ، وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ.

وَأَيْضًا فَالْقِتَالُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانِ لَمْ يُقَاتِلُوا عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: أَنَا (1) الْإِمَامُ دُونَ عَلِيٍّ، وَلَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ.

فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلِيًّا قَبْلَ الْحَكَمَيْنِ (2) نَصَبَ إِمَامًا يُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقِتَالِ عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الْمُنَازَعِ فِيهَا، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ يُقَاتِلُ طَعْنًا فِي خِلَافَةِ (3) الثَّلَاثَةِ، وَلَا ادِّعَاءً لِلنَّصِّ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا طَعْنًا فِي جَوَازِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ.

فَالْأَمْرُ الَّذِي تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامَةِ، كَنِزَاعِ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ عَلِيٌّ، وَلَا قَالَ: إِنَّ الثَّلَاثَةَ كَانَتْ إِمَامَتُهُمْ بَاطِلَةٌ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَكُلَّ مَنْ وَالَاهُمَا كَافِرٌ.

فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ أَوَّلَ سَيْفٍ سُلَّ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَانَ مَسْلُولًا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا النَّاسُ، دَعْوَى كَاذِبَةٌ ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ، يُعْرَفُ كَذِبُهَا بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِمَا وَقَعَ.

(1) ب: إِنَّهُ.

(2)

ب: الْمُحَكِّمَيْنِ.

(3)

ب: إِمَامَةِ.

ص: 327

وَإِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ قِتَالُ (1) فِتْنَةٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ هُوَ (2) مِنْ بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْعَذْلِ (3) وَالْبَغْيِ، وَهُوَ الْقِتَالُ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ لِطَاعَةِ غَيْرِ (4) الْإِمَامِ لَا عَلَى قَاعِدَةٍ دِينِيَّةٍ.

وَلَوْ أَنَّ عُثْمَانَ نَازَعَهُ مُنَازِعُونَ فِي الْإِمَامَةِ وَقَاتَلَهُمْ، لَكَانَ قِتَالُهُمْ مِنْ جِنْسِ قِتَالِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُولَئِكَ نِزَاعٌ فِي الْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ.

وَلَكِنَّ أَوَّلَ سَيْفٍ سُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ سَيْفُ الْخَوَارِجِ، وَقِتَالُهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقِتَالِ، وَهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا أَقْوَالًا خَالَفُوا فِيهَا الصَّحَابَةَ وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا، وَهُمُ الَّذِينَ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ بِذِكْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» "(5) .

وَعَلِيٌّ رضي الله عنه لَمْ يُقَاتِلْ أَحَدًا عَلَى إِمَامَةِ مَنْ قَاتَلَهُ، وَلَا قَاتَلَهُ أَحَدٌ عَلَى إِمَامَتِهِ نَفْسِهِ، وَلَا ادَّعَى أَحَدٌ قَطُّ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ: لَا عَائِشَةَ، وَلَا طَلْحَةَ، وَلَا الزُّبَيْرَ، وَلَا مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ، وَلَا الْخَوَارِجَ، بَلْ كُلُّ الْأُمَّةِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِفَضْلِ عَلِيٍّ وَسَابِقَتِهِ بَعْدَ قَتْلِ

(1) قِتَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(2)

ن، ب: وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَهُوَ.

(3)

ب: الْعَدْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)

ن: عَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/306

ص: 328

عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُمَاثِلُهُ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ، كَمَا كَانَ عُثْمَانُ كَذَلِكَ لَمْ يُنَازِعْ قَطُّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي إِمَامَتِهِ وَخِلَافَتِهِ وَلَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي أَنَّ غَيْرَهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ، فَضْلًا عَنِ الْقِتَالِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما.

وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ يَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ (1) فِي إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ، فَضْلًا عَنْ قِتَالٍ.

وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ: لَمْ يَتَخَاصَمْ طَائِفَتَانِ فِي أَنَّ غَيْرَهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ كَارِهًا لِوِلَايَةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ. فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ كَارِهًا لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ لَا يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ يَكْرَهُ إِمَامَةَ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ.

لَكِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّوَائِفِ نِزَاعٌ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ. كَمَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِزَاعٌ فِي مَقَالَاتٍ مَعْرُوفَةٍ بَيْنَهُمْ، فِي الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ وَالْعَقَائِدِ (2) الْعِلْمِيَّةِ، وَقَدْ تَجْتَمِعُ طَائِفَتَانِ فَيَتَنَازَعُونَ وَيَتَنَاظَرُونَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ.

وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِمْ طَائِفَتَانِ يَظْهَرُ بَيْنَهُمُ (3) النِّزَاعُ،

(1) ب: بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ.

(2)

ن: وَالْعَقَايِلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

ن، م: بَيْنَهُمَا.

ص: 329

لَا فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي تَقْدِيمِ عُمَرَ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي (1) أَنَّ عَلِيًّا مُقَدَّمٌ بَعْدَ هَؤُلَاءِ.

وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ بَعْدَهُمْ (2) مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا تَنَازَعَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ أَفْضَلُ مِنْهُ، لَمْ تُفَضِّلْ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَلَيْهِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَضْلًا أَنْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ.

فَإِنْ قَاتَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ لِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنِ الْقِتَالُ لَهُ لَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا أَنَّهُ الْإِمَامُ دُونَهُ، وَلَمْ يَتَسَمَّ قَطُّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرُ بِاسْمِ الْإِمَارَةِ، وَلَا بَايَعَهُمَا أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَعَلِيٌّ بَايَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَكْثَرُهُمْ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَمْ يُبَايِعْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا طَلَبَ أَحَدٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ، وَلَا دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُمَا رضي الله عنهما كَانَا أَفْضَلَ وَأَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَفْعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ لَمْ يُبَايِعْهُ أَحَدٌ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَلَا حِينَ كَانَ يُقَاتِلُ عَلِيًّا بَايَعَهُ أَحَدٌ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَلَا تَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا سَمَّاهُ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَلَا ادَّعَى مُعَاوِيَةُ وِلَايَةً قَبْلَ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ (3) .

وَعَلِيٌّ يُسَمِّي نَفْسَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُدَّةِ خِلَافَتِهِ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ

(1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

(2)

بَعْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(3)

ب: الْمُحْكَمَيْنِ.

ص: 330

يُسَمُّونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. لَكِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مَا كَانُوا يُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا دَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلَكِنِ ادَّعَوْا مَوَانِعَ تَمْنَعُهُمْ عَنْ طَاعَتِهِ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُحَارِبُوهُ، وَلَا دَعَوْهُ وَأَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يُبَايِعَ مُعَاوِيَةَ، وَلَا قَالُوا: أَنْتَ، وَإِنْ كُنْتَ أَفْضَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ لَكِنَّ مُعَاوِيَةَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْكَ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتْبَعَهُ، وَإِلَّا قَاتَلْنَاكَ.

كَمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ خِيَارِ الشِّيعَةِ الزَّيْدِيَّةِ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَكِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ الدِّينِيَّةُ تَقْتَضِي خِلَافَةَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نُفُورٌ عَنْ عَلِيٍّ بِسَبَبِ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ أَقَارِبِهِمْ، فَمَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَتَّفِقُ عَلَى طَاعَتِهِ فَجَازَ تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ لِأَجْلِ ذَلِكَ.

فَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ خِيَارِ الشِّيعَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ، وَعَلِمُوا أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا، فَجَمَعُوا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِهَذَا الْوَجْهِ.

وَهَؤُلَاءِ عُذْرُهُمْ آثَارٌ سَمِعُوهَا، وَأُمُورٌ ظَنُّوهَا، تَقْتَضِي فَضْلَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَقَعُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا بَيْنَ الْأُمَّةِ، يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِنِ الْآخَرُونَ مَعَهُمْ مَنْقُولَاتٍ ظَنُّوهَا صِدْقًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَمَعَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَأْوِيلَاتٌ ظَنُّوهَا مُرَادَةً وَمِنَ النَّصِّ، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَمَعَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ ظَنُّوهُ حَقًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ.

ص: 331

فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا يُورِثُ الشُّبَهَ فِي ذَلِكَ إِذَا خَلَتِ النُّفُوسُ عَنِ الْهَوَى وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 23] .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ جَوَازَ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ لِأَسْبَابٍ مَانِعَةٍ مِنْ تَوْلِيَةِ الْفَاضِلِ هُوَ قَوْلٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ، وَإِنَّ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ مُبَايَعَتَهُ وَطَاعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ، لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ أَصْلَحَ.

فَهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَهُ، وَلَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا بَدَأُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِقِتَالٍ أَصْلًا.

وَلِأَنَّ الْخَوَارِجَ بِدَأُوهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ لَمَّا اجْتَازَ بِهِمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَحَدَّثَهُمْ حَدِيثًا فِي تَرْكِ الْفِتَنِ، وَكَانَ قَصْدُهُ رحمه الله رُجُوعَهُمْ عَنِ الْفِتْنَةِ، فَقَتَلُوهُ، وَبَقِيَ دَمُهُ مِثْلُ الشِّرَاكِ فِي الدِّمَاءِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ يَقُولُ: سَلِّمُوا إِلَيْنَا قَاتِلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ. فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ. ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّاسِ، وَهِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي أَرْسَلُوهَا تَسْرَحُ مَعَ الرِّعَاءِ. فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَتِهِمْ وَفِي الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَرَأَى تِلْكَ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةً عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ، وَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا لَمَّا جَاءَهُ خَبَرُ الْمُخَدَّجِ أَنَّهُ مَعَهُمْ، فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ الْعَلَامَةَ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ فَقِتَالُهُ لِلْخَوَارِجِ كَانَ بِنَصٍّ مِنَ الرَّسُولِ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

ص: 332

وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَقَدْ ذَكَرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَصٌّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيًا. وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى هَذَا الْقِتَالِ، بَلْ أَكْثَرُ أَكَابِرِ (1) الصَّحَابَةِ لَمْ يُقَاتِلُوا: لَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَعَ أَنَّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِعَلِيٍّ، يُحِبُّونَهُ وَيُوَالُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، وَلَا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ فِي زَمَنِهِ لَكِنْ لَمْ يُوَافِقُوهُ فِي رَأْيِهِ فِي الْقِتَالِ.

وَكَانَ مَعَهُمْ نُصُوصٌ سَمِعُوهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ وَالدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ خَيْرٌ مِنَ الْقِتَالِ، وَفِيهَا مَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْآثَارُ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الْمَشْهُورِينَ أَحَدٌ، بَلْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ بَعْضُ السَّابِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ مُعَاوِيَةَ أَحَدٌ، وَأَكْثَرُهُمُ اعْتَزَلُوا الْفِتْنَةَ.

وَقِيلَ: كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَعْضُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِيِنَ، وَإِنَّ قَاتِلَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ هُوَ أَبُو الْغَادِيَةِ (2) ، وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ.

(1) أَكَابِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(2)

ب: أَبُو الْعَادِيَةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ رضي الله عنه.

ص: 333

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى إِمَامَةِ غَيْرِهِ، وَلَا دَعَاهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ وِلَايَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ وَدَعُوا إِلَى التَّحْكِيمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى عَزْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ:" هَذَا عَزَلَ صَاحِبَهُ، وَأَنَا لَمْ أَعْزِلْ صَاحِبِي " وَمَالَ أَبُو مُوسَى إِلَى تَوْلِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى عَزْلِ مُعَاوِيَةَ عَنْ كَوْنِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ هَذَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ عَزَلَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ عَلَى الشَّامِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا وَلَّانِي الْخَلِيفَتَانِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَأَنَا بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِي حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى الْإِمَامِ.

فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى أَنْ يُعْزَلَ عَلِيٌّ عَنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَاوِيَةُ عَنْ إِمْرَةِ الشَّامِ. وَكَانَ مَقْصُودُ أَحَدِهِمَا إِبْقَاءَ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مَا فِي نَفْسِهِ. فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَ هَذَا قِتَالٌ.

فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ فِي هَذَا الْحَالِ صَارَ يَدَّعِي أَصْحَابُهُ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قُوتِلَ عَلَى إِمَامَةِ مُعَاوِيَةَ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إِمَامًا وَهُوَ مُطِيعٌ لَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْإِمَامَةَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَكَانَ هُوَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بَلْ عُثْمَانُ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ قَبْلَ جُمْهُورِ النَّاسِ.

ص: 334

وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَعْلَمُ وَأَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا لِعَلِيٍّ: بَايِعْ مُعَاوِيَةَ، بَلْ يَقُولُوا لَهُ (1) : بَايِعْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَهُمَا (2) مِنْ أَهْلِ الشُّورَى.

فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَبَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ عُثْمَانَ أَرْبَعَةٌ.

فَأَمَّا سَعْدٌ فَاعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي قِتَالِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَاشَ بَعْدَهُمْ كُلَّهُمْ، وَهُوَ آخِرُ الْعَشَرَةِ مَوْتًا، وَاعْتَزَلَ بِالْعَقِيقِ، وَلَمَّا مَاتَ حُمِلَ عَلَى الْأَعْنَاقِ فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ "(3) .

وَابْنُهُ عُمَرُ هَذَا كَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ، وَلَوْ حَصَلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ، وَلِهَذَا لَمَّا وُلِّيَ وِلَايَةً، وَقِيلَ لَهُ: لَا نُوَلِّيكَ حَتَّى تَتَوَلَّى قِتَالَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، كَانَ هُوَ أَمِيرَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ.

وَأَمَّا سَعْدٌ رضي الله عنه فَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ مُسَدَّدًا فِي زَمَنِهِ،

(1) ن، م: بَلْ يَقُولُوا إِنَّهُ.

(2)

ب: وَغَيْرُهُمَا.

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/65، 3/161

ص: 335

وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ، وَكَسَرَ جُنُودَ كِسْرَى، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ فِتَنٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» "(1) .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَمْ يَقْتَتِلُوا قَطُّ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ: لَا فِي الصِّفَاتِ وَلَا [فِي] الْقَدَرِ (2) ، وَلَا مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ (3) ، وَلَا مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ. لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ بِالِاخْتِصَامِ بِالْأَقْوَالِ، فَضْلًا عَنِ الِاقْتِتَالِ بِالسَّيْفِ، بَلْ كَانُوا مُثْبِتِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، نَافِينَ عَنْهَا تَمْثِيلَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، مُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، مُثْبِتِينَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، مُثْبِتِينَ لِحِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ مُثْبِتِينَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ وَاسْتِطَاعَتِهِ وَلِفِعْلِهِ مَعَ إِثْبَاتِهِمْ لِلْقَدَرِ.

[ثُمَّ](4) لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ مَنْ يَحْتَجُّ لِلْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ، وَيَجْعَلُ الْقَدَرَ (5) حُجَّةً لِمَنْ عَصَى أَوْ كَفَرَ، وَلَا مَنْ يُكَذِّبُ بِعِلْمِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230)

(2)

ن: وَلَا الْقَدَرِ.

(3)

ب: وَلَا مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ.

(4)

ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

ب: الْقُدْرَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 336

وَقُدْرَتِهِ الْعَامَّةِ وَخَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَيُنْكِرُ فَضْلَ اللَّهِ وَإِحْسَانَهُ وَمَنِّهِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَخَصَّهُمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، دُونَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَلَا مَنْ يُنْكِرُ افْتِقَارَ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ فِي كُلِّ دِقٍّ وَجِلٍّ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ إِبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلَ الْأَنْبِيَاءُ النَّارَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.

فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ النَّافِيَةِ، وَلَا الْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ الْجَهْمِيَّةِ. وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ، وَلَا مَنْ يُكَذِّبُ بِشَفَاعَةٍ (1) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِيمَانُ (* الْفُسَّاقِ كَإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ.

بَلْ قَدْ (2) ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالنُّقُولِ الصَّحِيحَةِ الْقَوْلُ بِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ *) (3) مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ إِيمَانَ النَّاسِ يَتَفَاضَلُ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

وَمَنْ نَقَلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ قَاتِلِ النَّفْسِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ (4) . وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ

(1) ب: يُكَذِّبُ شَفَاعَةَ.

(2)

قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(3)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(4)

ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْفِصَلِ مَرَّتَيْنِ 3/274، 4/80 أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ الْقَاتِلِ عَمْدًا فِي النَّارِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ ذَلِكَ 3/275 - 289، 4/81 - 99 بِمَا يُبَيِّنُ خَطَأَ هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ يَذْكُرُ أَثَرًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ 4/93 يُعَارِضُ الرَّأْيَ السَّابِقَ فَيَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ)[سُورَةُ هُودٍ: 109] قَالَ: مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا.

ص: 337

عَبَّاسٍ، فَفِي تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، لَا الْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ وَتَوْبَتِهِ فِيهَا، رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ .

وَلَا كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا كَانَتْ خِلَافَتُهُمْ صَحِيحَةً، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ خِلَافَتَهُمْ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ كَانَ غَيْرُ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَا أَحَقَّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ.

فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي اخْتُلِفَ فِيهَا مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْخُصُومَاتِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ، وَلَا قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ فِي الْإِمَامَةِ. فَقَبْلَ خِلَافَةِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فِي الْإِمَامَةِ وَلَا فِي وِلَايَتِهِ (1) لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ تَابِعًا لِذَاكَ.

وَالَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلُوا لِاخْتِصَاصِ عَلِيٍّ دُونَ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُ بِوَصْفٍ، بَلِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَشَائِعًا بَيْنَهُمْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقَدْ تَوَاتَرَ (2) عَنْهُ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَلَمْ يَظْهَرْ عَنِ الشِّيعَةِ (3) الْأُوَلِ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَضْلًا عَنِ الطَّعْنِ فِي إِمَامَتِهِمَا.

(1) ب: فِي وِلَايَةِ.

(2)

ن: تَوَاتَرَتْ.

(3)

م: وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الشِّيعَةِ، ب: وَلَمْ تُظْهِرِ الشِّيعَةُ.

ص: 338

وَبِكُلِّ حَالٍ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ، أَنَّ الْقِتَالَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ، إِلَّا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِمْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.

وَأَمَّا الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُقَاتِلُ عَنْ نَفْسِهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْفَعُ صَوْلَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِمْ، وَلَا لَهُمْ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِ، بَلْ كَانُوا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ يَطْلُبُونَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَكَانَ لِلْقَتَلَةِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ وَعَرَّفُوهُ مَقْصُودَهُمْ (1) ، عَرَّفَهُمْ أَنَّ هَذَا أَيْضًا رَأْيُهُ، لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَنْتَظِمَ الْأَمْرُ، فَلَمَّا عَلِمَ بَعْضُ الْقَتَلَةِ ذَلِكَ، حَمَلَ [عَلَى] أَحَدِ الْعَسْكَرَيْنِ (2) ، فَظَنَّ الْآخَرُونَ أَنَّهُمْ بَدَأُوا بِالْقِتَالِ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ بِقَصْدِ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بِقَصْدِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، ثُمَّ وَقَعَ قِتَالٌ عَلَى الْمُلْكِ.

فَلَمْ يَكُنْ مَا وَقَعَ قَدْحًا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، مِثْلَ الْفِتْنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ يَزِيدَ، ثُمَّ بَيْنَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ. وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى مُوَالَاةِ عُثْمَانَ، وَقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

وَكَذَلِكَ الْفِتْنَةُ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ يَزِيدَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - فِتْنَةُ الْحَرَّةِ - فَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَصْحَابِ السُّلْطَانِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابِ يَزِيدَ، لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَصْلًا، بَلْ كَانَ كُلُّ مَنْ بِالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقِينَ عَلَى وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

(1) ن: مَقْصُودَهُ، وَهُوَ خَطَأً.

(2)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: حَمَلَ أَحَدُ الْعَسْكَرِيِّينَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

ص: 339

وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنه لَمَّا خَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ مَكَانَ يَزِيدَ، لَمْ يَكُنْ يُقَاتِلُ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. وَلَمْ يَكُنْ هُوَ حِينَ قُتِلَ طَالِبًا لِلْوِلَايَةِ، وَلَا كَانَ مَعَهُ جَيْشٌ يُقَاتِلُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَدْ رَجَعَ مُنْصَرِفًا وَطَلَبَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى يَزِيدَ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ، أَوْ يَسِيرَ إِلَى الثَّغْرِ، فَمَنَعَهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ مِنَ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، فَلَمْ يُقْتَلْ رضي الله عنه وَهُوَ يُقَاتِلُ عَلَى وِلَايَةٍ، بَلْ قُتِلَ وَهُوَ يَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ لِئَلَّا يُؤْسَرَ وَيُظْلَمَ.

وَالْحَسَنُ أَخُوهُ قَدْ كَانَتْ مَعَهُ الْجُيُوشُ الْعَظِيمَةُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ نَزَلَ عَنِ الْأَمْرِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ (1) بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» "(2) .

ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ قَامَ مَنْ يَطْلُبُ بِدَمِهِ مَعَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَقَتَلُوا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ. ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَتَلَ الْمُخْتَارَ فَإِنَّهُ كَذِبَ وَادَّعَى (3) أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» (4) "، وَكَانَ الْكَذَّابُ هُوَ الَّذِي سُمِّيَ (5) الْمُخْتَارَ،

(1) ن: وَأَنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ، م: وَأَنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ.

(2)

سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540.

(3)

ب: وَادَّحَى، وَهِيَ غَلْطَةٌ مَطْبَعِيَّةٌ.

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/69

(5)

ن، م: يُسَمَّى.

ص: 340

وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُخْتَارِ. وَالْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، وَالْفِتْنَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ فِتْنَةُ ابْنِ الْأَشْعَثِ، خَرَجَ عَلَيْهِ، وَمَعَهُ الْقُرَّاءُ، كَانَتْ بِظُلْمِهِ وَعَسْفِهِ.

فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ لِأَجْلِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَى وِلَايَةِ سُلْطَانِ الْوَقْتِ، فَإِذَا جَاءَ قَوْمٌ يُنَازِعُونَهُ، قَامَ مَعَهُ نَاسٌ، وَقَامَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ.

وَهَكَذَا كَانَتِ الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ هَذَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ ; فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمَّا خَرَجَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ وَطَلَبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُ عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الَّتِي يَقُولُهَا الرَّافِضَةُ.

وَلَمَّا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ وَشِيعَةُ بَنِي هِشَامٍ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ إِنَّمَا قَاتَلُوا مَنْ كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَنْصَارُهُ.

وَمَا زَالَ بَنُو الْعَبَّاسِ مُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الْأَرْبَعَةِ (1) ، مُقَدِّمِينَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى الْمَنَابِرِ. فَلَمْ يُقَاتِلْ (2) أَحَدٌ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَلَا مِنْ شِيعَةِ بَنِي أُمَيَّةَ قَدْحًا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ.

وَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ، إِنَّمَا (3) خَرَجَا - وَمَنْ مَعَهُمَا - عَلَى الْمَنْصُورِ، لَا

(1) ب: لِخِلَافَةِ الْعَبَّاسِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ب: يَقْتُلُ.

(3)

ن، م: وَإِنَّمَا.

ص: 341

عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ كُلُّهُمْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ.

فَهَذِهِ - وَأَمْثَالُهَا - الْفِتَنُ الْكِبَارُ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّلَفِ وَكَذَلِكَ لَمَّا صَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّاخِلُ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَدَامَتْ وِلَايَتُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يَكُنِ النِّزَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِيِّينَ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (1) .

فَهَذِهِ الْوِلَايَاتُ الْكِبَارُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، الْقَائِمُونَ فِيهَا وَالْخَارِجُونَ عَلَى الْوُلَاةِ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ فِيهَا عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامَةِ، الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالرَّافِضَةُ. وَإِنَّمَا ظَهَرَ مَنْ دَعَا إِلَى الرَّفْضِ (2) ، وَتَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، وَأَظْهَرَ الْقِتَالَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَصَلَ لَهُمْ مُلْكٌ وَأَعْوَانٌ مُدَّةَ بَنِي (4) عُبَيْدِ اللَّهِ (5) الْقَدَّاحِ، الَّذِينَ أَقَامُوا بِالْمَغْرِبِ مُدَّةً، وَبِمِصْرَ نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ.

وَهَؤُلَاءِ - بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - كَانُوا (6) مَلَاحِدَةً، وَنَسَبُهُمْ بَاطِلٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِالرَّسُولِ اتِّصَالُ نَسَبٍ فِي الْبَاطِنِ وَلَا دِينٌ، وَإِنَّمَا أَظْهَرُوا النَّسَبَ الْكَاذِبَ وَأَظْهَرُوا التَّشَيُّعَ، لِيَتَوَسَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى مُتَابَعَةِ الشِّيعَةِ، إِذْ كَانَتْ أَقَلَّ الطَّوَائِفِ عَقْلًا وَدِينًا، وَأَكْثَرَهَا جَهْلًا، وَإِلَّا فَأَمْرُ

(1) ن: أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، م: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ

(2)

ن: وَإِنَّمَا دَعَا مَنْ ظَهَرَ إِلَى الرَّفْضِ، ب: وَإِنَّمَا دَعَا مَنْ ظَهَرَ إِلَى الرَّافِضَةِ.

(3)

ن: وَيُسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، م: وَيُسَمَّى (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

(4)

ن، م، ب: مُدَّةَ بَنُو، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

ب: عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(6)

كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

ص: 342

هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مُسْلِمٍ. وَلِهَذَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ هُمْ مُؤْمِنُونَ - فِي طَوَائِفِ الشِّيعَةِ يَتَبَرَّأُونَ (1) مِنْهُمْ، فَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِمَامِيَّةُ تُكَفِّرُهُمْ وَتَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ الْمَلَاحِدَةُ، الَّذِينَ فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ مَا لَيْسَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَابْنِ الصَّبَّاحِ (2) الَّذِي أَخْرَجَ (3) لَهُمُ السِّكِّينَ.

وَشَرٌّ مِنْهُمْ قَرَامِطَةُ الْبَحْرَيْنِ، أَصْحَابُ أَبِي سَعِيدٍ الْجُنَّابِيِّ (4) ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا يَتَظَاهَرُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ قَتَلُوا الْحَجَّاجَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ.

فَهَذِهِ - وَأَمْثَالُهَا - الْمَلَاحِمُ وَالْفِتَنُ (5) الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، لَيْسَ فِيهَا مَا وَقَعَ الْقِتَالُ فِيهِ حَقِيقَةً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامَةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الرَّافِضَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْخَارِجِينَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ مَنْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، وَمَعَهُ مَنْ يُقَاتِلُ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ سُكَّانِ الْجِبَالِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَمْصَارِ الصِّغَارِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مَقْمُوعُونَ (6) مَعَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُمْ سَيْفٌ مَسْلُولٌ عَلَى الْجُمْهُورِ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: أَعْظَمُ خِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ الْأُمَّةِ خِلَافُ الْإِمَامَةِ، أَوْ مَا سُلَّ فِي الْإِسْلَامِ سَيْفٌ مِثْلَ مَا سُلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

(1) ن، م: يَتَبَرَّأُ.

(2)

سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ الصَّبَاحِ 4/101

(3)

ب: خَرَّجَ.

(4)

ب: أَبُو سَعِيدٍ الْجُبَّائِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/316

(5)

ب: الْمَلَاحِمُ الْفِتَنُ.

(6)

ب: مُنْقَمِعُونَ.

ص: 343

وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتَتِلُ (1) النَّاسُ عَلَى الْإِمَامَةِ، الَّتِي هِيَ وِلَايَةُ شَخْصٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. فَقَوْمٌ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَقَوْمٌ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ.

فَهَذَا لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ فِي شَيْءٍ ; فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ، إِذَا اقْتَتَلُوا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِهَؤُلَاءِ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَوَلِّيًا، وَلِهَؤُلَاءِ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَوَلِّيًا، فَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى إِمَارَةِ مَنْ جَعَلُوهُ هُمْ إِمَامَهُمْ.

لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الدِّينِيَّةِ، مِنْ كَوْنِ الْإِمَامَةِ ثَبَتَتْ (2) بِالنَّصِّ لِعَلِيٍّ (3) ، وَلَا أَنَّ خِلَافَةَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلَةٌ. بَلْ عَامَّةُ هَؤُلَاءِ مُعْتَرِفُونَ بِإِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ.

ثُمَّ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْتَتِلُوا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (4) وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالنِّزَاعِ بَيْنَهُمْ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ خِلَافَتَهُمْ كَانَتْ بِلَا سَيْفٍ مَسْلُولٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّيْفُ مَسْلُولًا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْحًا، فَالْقَدْحُ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ السَّيْفُ فِي زَمَانِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ.

وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِلْخَوَارِجِ، وَحُجَّتُهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَّةِ الشِّيعَةِ، كَمَا أَنَّ سُيُوفَهُمْ أَقْوَى مِنْ سُيُوفِ الشِّيعَةِ، وَدِينُهُمْ أَصَحُّ، وَهُمْ صَادِقُونَ لَا يَكْذِبُونَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1) ن: يَقْبَلُ، م: يَقْتُلُ، غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ.

(2)

ن: تَثْبُتُ.

(3)

لِعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(4)

ن، م: لَا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ.

ص: 344