الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ ذَلِكَ، هَلْ يُضْمَنُ؟ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنِ الْوَاجِبَ الْمُقَدَّرَ [كَالْحَدِّ لَا تُضْمَنُ سَرَايَتُهُ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاحِ، كَالْقِصَاصِ، وَفِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ](1) كَالتَّعْزِيرِ، وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَضَرْبِ الرَّائِضِ لِلدَّابَّةِ، وَالْمُؤَدِّبِ لِلصَّبِيِّ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ فِيمَا أَظُنُّ (2) . وَقِيلَ: يَضْمَنُ فِي الْمُبَاحِ دُونَ الْوَاجِبِ [الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ](3) لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخْطَأَ إِذَا تَلِفَ بِهِ.
[فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل]
فَصْلٌ (4)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (5) : " وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْكَامِ: أَمَرَ (6) بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (7) : إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَأَمْسَكَ، وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ".
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(2)
عِبَارَةٌ فِيمَا أَظُنُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ح) ، (ي) .
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
فَصْلٌ: فِي (ن) فَقَطْ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَلَاثُونَ.
(5)
فِي (ك) ص 137 (م) .
(6)
ك: وَأَمَرَ.
(7)
ك: فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام.
يَكُونُ عُمَرُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ بِحَمْلِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْإِمَامُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ حَامِلٌ، فَعَرَّفَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِحَالِهَا، كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ إِخْبَارِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَمِنْ جِنْسِ مَا يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ الشُّهُودُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ غَابَ عَنْهُ كَوْنُ الْحَامِلِ لَا تُرْجَمُ، فَلَمَّا ذَكَّرَهُ عَلِيٌّ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمْسَكَ، وَلَوْ كَانَ رَأْيُهُ أَنَّ الْحَامِلَ تُرْجَمَ لَرَجَمَهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «- فِي الْغَامِدِيَّةِ، لَمَّا قَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِيهِ» " (1) . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى عَرَفَهُ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ سَاسَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، يُعْطِي الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَفِي زَمَنِهِ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ، وَظَهَرَ ظُهُورًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَهُوَ دَائِمًا يَقْضِي وَيُفْتِي، وَلَوْلَا كَثْرَةُ عِلْمِهِ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ، فَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ عَرَفَهَا (2) ، أَوْ كَانَ نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا، فَأَيُّ عَيْبٍ فِي ذَلِكَ؟ !
(1) حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ ثُمَّ تَابَتْ وَطَلَبَتْ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا، سَيَرِدُ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 174 وَسَأَذْكُرُ هُنَاكَ مَوَاضِعَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَانْظُرْ: مُسْلِمٍ 3/1323 وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/212 - 213 سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/180، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/348 قَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَلِدِي.
(2)
ح، ر: ثُمَّ كَانَ عَرَفَهَا.
وَعَلِيٌّ رضي الله عنه قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ.
ثُمَّ يُقَالُ: عُمَرُ رضي الله عنه قَدْ بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِالذُّرِّيَّةِ أَنَّهُ (1) كَانَ لَا يَفْرِضُ لِلصَّغِيرِ (2) حَتَّى يُفْطَمَ (3)، وَيَقُولُ: يَكْفِيهِ اللَّبَنَ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تُكْرِهُ ابْنَهَا عَلَى الْفِطَامِ لِيُفْرَضَ لَهُ، فَأَصْبَحَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرِضُ لِلْفَطِيمِ وَالرَّضِيعِ (4) . وَتَضَرُّرُ الرَّضِيعِ كَانَ بِإِكْرَاهِ أُمِّهِ لَا بِفِعْلِهِ هُوَ، لَكِنْ رَأَى أَنْ يُفْرَضَ لِلرُّضَعَاءِ لِيَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ إِيذَائِهِمْ (5) . فَهَذَا إِحْسَانُهُ إِلَى ذُرِّيَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِهَا الْجَانِي كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبَ (6) . وَمَعَ هَذَا فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي تَرْكِ عُقُوبَةِ الْجَانِي أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ فِي عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يَجْنِ، دَفَعَ أَعْظَمَ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا، كَمَا رَمَى «النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» (7) ، مَعَ أَنَّ الْمَنْجَنِيقَ قَدْ يُصِيبُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
(1) ح، ب: أَنْ.
(2)
ح، ر، ي: لِصَغِيرٍ.
(3)
م: حَتَّى يُطْعَمَ.
(4)
ر، ي: لِلرَّضِيعِ وَلِلْفَطِيمِ.
(5)
ح، ب: أَذَاهُمْ.
(6)
ن، م: فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، ح: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا، ب: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا.
(7)
فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ط. بَيْرُوتَ 1376 1957 وَأَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذَكَرَ الْخَبَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ 3/496 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ 4/126: وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَنْجَنِيقِ، حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى أَهْلَ الطَّائِفِ، وَانْظُرْ خَبَرَ الرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ فِي جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص 243، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/417 - 418
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» " (1) .
وَلَوْ صَالَتِ الْمَرْأَةُ (2) الْحَامِلُ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ الْمَعْصُومَةِ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا (3) قُتِلَتْ، وَإِنْ قُتِلَ جَنِينُهَا.
فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ظَنَّ أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (4) ، لَمْ يَكُنْ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، الَّذِي أَفْضَى إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَسَادِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه كَانَ مَعَ نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى مَا بَلَغَ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ.
(1) الْحَدِيثَ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 4/61 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ. .) مُسْلِمٍ 3/1364 - 1365 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابِ جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/73 - 74 كِتَابِ الْجِهَادِ بَابِ فِي قَتْلِ النِّسَاءِ.
(2)
الْمَرْأَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ي) ، (ر) .
(3)
عِبَارَةُ (إِلَّا بِقَتْلِهَا) سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) .
(4)
سَاقِطٌ مِنْ (ح) .