الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ وَغِنَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَسَابِقَتُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، فَمَا (1) كَانَ يُعْطِي مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى إِعْطَائِهِ بِمُحَابَاةٍ فِي صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ، بَلْ كَانَ يُنْقِصُ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ وَنَحْوَهُمَا عَنْ نُظَرَائِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُفَضِّلُ بِالْأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ، وَيُفَضِّلُ أَهْلَ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَمِيعِ الْبُيُوتَاتِ وَيُقَدِّمُهُمْ.
وَهَذِهِ السِّيرَةُ لَمْ يَسِرْهَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ لَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، فَإِنْ قُدِحَ فِيهِ بِتَفْضِيلِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلْيُقْدَحْ فِيهِ بِتَفْضِيلِ رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.
[فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغيَّر حكم الله في المنفيين]
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَغَيَّرَ (2) حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ ".
فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّغْيِيرَ لِحُكْمِ اللَّهِ بِمَا يُنَاقِضُ (3) حُكْمَ اللَّهِ، مِثْلُ إِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَالنَّفْيُ فِي الْخَمْرِ كَانَ (4) مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُقَدِّرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَدَّهَا لَا قَدْرَهُ وَلَا صِفَتَهُ، بَلْ جَوَّزَ فِيهَا (5) الضَّرْبَ
(1) ن: كَمَا.
(2)
ن، م: فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَغَيَّرَ. . .
(3)
م، ر، ي: يَكُونُ بِمَا يُنَاقِضُ.
(4)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) .
(5)
ح، ب: فِيهِ.
بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ (1) وَعُثْكُولِ النَّخْلِ (2) . وَالضَّرْبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالزِّنَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فِي الْخَمْرِ (3) فَقَدْ ضَرَبَ الصَّحَابَةُ أَرْبَعِينَ، وَضَرَبُوا ثَمَانِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:" وَكُلٌّ سُنَّةٌ "(4) . وَالْفُقَهَاءُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ حَدٌّ وَاجِبٌ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ [عَنْهُ] (5) . وَقِيلَ: هُوَ تَعْزِيرٌ، لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَتْرُكَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَحْلِقُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَيَنْفِي أَيْضًا، وَكَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ التَّعْزِيرِ الْعَارِضِ فِيهَا.
وَقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي [الثَّالِثَةِ أَوْ] الرَّابِعَةِ» (6) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا (7) .
(1) ن: النَّبَاتُ.
(2)
فِي اللِّسَانِ: الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ وَالْعُثْكُولَةُ الْعِذْقُ، وَالْعُثْكُولُ وَالْعِثْكَالُ الشِّمْرَاخُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبُسْرُ مِنْ عِيدَانِ الْكِبَاسَةِ، وَهُوَ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنَ الْكَرْمِ.
(3)
ر، ي: فِي حَدِّ الْخَمْرِ.
(4)
فِي مُسْلِمٍ 3/1331 - 1332 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، أَثَرٌ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، وَجَاءَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/858 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ السَّكْرَانِ.
(5)
عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .
(6)
ن، م: فِي الرَّابِعَةِ.
(7)
جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا النَّصُّ عَلَى قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ شُرْبُهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي نَفْسِ الْبَابِ 4/229 - 230 أَحَادِيثُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَجَاءَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/449 - 450 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ مَا جَاءَ: مَنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، وَعَلَّقَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا طَوِيلًا ذَكَرَ فِيهِ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ وَجَاءَ فِي تَعْلِيقِهِ مَا يَلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، إِلَخْ، وَانْظُرْ أَيْضًا: سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/859 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/175 - 176 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 8/281 كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَابَ الرِّوَايَاتِ الْمُغَلَّظَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ، الْأَرْقَامَ 6553، 7003 إِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الطَّوِيلَ الَّذِي كَتَبَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ لِلَّهِ 9/49 - 91 وَكَلَامُهُ عَنْ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبَابِ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مُحْكَمٌ؟ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا يَجِبُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه كَانَ يَضْرِبُ فِي الْحَدِّ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، وَقَالَ:" مَا أَحَدٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَيَمُوتُ، فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ لَوَدَيْتُهُ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلْنَاهُ بِرَأْيِنَا " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (1) وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يُفْعَلُ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ أَوْ قِصَاصٌ فَمَاتَ
(1) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 8/158 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، مُسْلِمٍ 3/1332 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 2/222 - 223، 244.