الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَحِدُّونَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ (1) فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَكَذَلِكَ يَأْمُرُونَ بِقِتَالِ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلِ لِدَفْعِ بَغْيِهِ، وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ لَا يُفَسِّقُونَهُ لِتَأْوِيلِهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ لَمَّا أَرْسَلَهُ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ هُوَ وَالْحَسَنَ؛ لِيُعِينُوا عَلَى عَائِشَةَ (2)، قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ بِهَا لِيَنْظُرَ: إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ إِيَّاهَا؟ (3)
فَقَدْ شَهِدَ لَهَا عَمَّارٌ بِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَزَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْآخِرَةِ، وَمَعَ هَذَا دَعَا النَّاسَ إِلَى دَفْعِهَا بِمَا يُمْكِنُ مِنْ قِتَالٍ وَغَيْرِهِ.
فَإِذَا كَانَ عَمَّارٌ يَشْهَدُ لَهَا بِالْجَنَّةِ وَيُقَاتِلُهَا، فَكَيْفَ لَا يَشْهَدُ لَهُ عُثْمَانُ بِالْجَنَّةِ وَيَضْرِبُهُ؟
وَغَايَةُ مَا [يُقَالُ: إِنَّ مَا] وَقَعَ كَانَ هَذَا وَهَذَا [وَهَذَا] مُذْنِبِينَ فِيهِ (4) . وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ أَنَّ الْقَوْمَ مَشْهُودٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذُنُوبٌ.
[الرد على حديث مكذوب يذكره الرافضي عن عمار رضي الله عنه]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "«عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
(1) ن: الْمُنَازَعِ.
(2)
ن، م: لِيُعِينُوا عَلِيًّا.
(3)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 5/29 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . .، بَابِ فَضْلِ عَائِشَةَ. . .، 9/55 - 56 (كِتَابِ الْفِتَنِ، بَابِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ) 4/265
(4)
ن، م: وَغَايَةُ مَا وَقَعَ: يُقَالُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا وَهَذَا مُذْنِبِينَ فِيهِ.
فَيُقَالُ: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ: " «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» "(1) . وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي» " فَكَذِبٌ مَزِيدٌ فِي الْحَدِيثِ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ (2) .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ» " لَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ (3) .
وَلَوْ قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (* أَنَّهُ قَالَ:" «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا يُرِيبُهَا» "(4) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ *) (5) أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» "(6) . وَ [ثَبَتَ] عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (7) أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أُسَامَةَ، ثُمَّ يَقُولُ (8) :" «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» "(9) . وَمَعَ هَذَا لَمَّا قَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ إِنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ:
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/413 - 420
(2)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.
(3)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.
(4)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145 - 242 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: أَنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي. . . . . إِلَخْ، وَانْظُرْ كِتَابَ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، الْأَرْقَامَ 1327، 1328، 1329، 1330، 1334، 1335
(5)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) .
(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/534 - 5/74
(7)
ن: وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ.
(8)
ن، م: وَيَقُولُ.
(9)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ: انْظُرْ: سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/342 (كِتَابَ الْمَنَاقِبِ، بَابَ مَنَاقِبِ أُسَامَةَ) ، (مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ لِلْهَيْثَمِيِّ 9/286، فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ) 2/834 - 386، تَرْتِيبَ مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، تَأْلِيفُ أَحْمَدْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَنَّا 2/140، ط الْمُنِيرِيَّةِ بِالْأَزْهَرِيَّةِ) 1372 (الْمَسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ) ، 5/205، 210 وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا. وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 4/39
" «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ [أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ] (1) ؟ " قَالَ: " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ» "(2) .
[وَثَبَتَ] عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (3) أَنَّهُ قَالَ: " «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» " الْحَدِيثَ (4) .
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي عَبْدِ اللَّهِ حَمَّارٍ، أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُهُ (5) عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ (6) أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (7) .
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
سَبَقَ هَذَا فِيمَا مَضَى 1/560
(3)
ن، م: وَعَنْهُ فِي الصَّحِيحِ.
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 4/6 - 7 (كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالْوَلَدُ فِي الْأَقَارِبِ، وَأَوَّلُهُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. . .، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/112 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، بَابِ ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214](سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/208 كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ: إِذَا أَوْصَى لِعَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/305 (كِتَابِ الرِّقَاقِ، بَابِ ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) ) .
(5)
ح، ب: يُضْرَبُ.
(6)
ن، م: وَقَالَ عَنْهُ.
(7)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/458
وَقَالَ فِي خَالِدٍ: " سَيْفٌ (1) مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ "(2) وَلَمَّا فَعَلَ فِي بَنِي جَذِيمَةَ مَا فَعَلَ، قَالَ:" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» "(3) .
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» "(4) . وَلَمَّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ قَالَ: " «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يُزَوِّجُوا ابْنَتَهُمْ (5) عَلِيًّا، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ. وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» "(6) .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرٍ يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ:" «انْظُرُوا مَا يَفْعَلُ الْمُحْرِمُ» "(7) وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.
(1) ب: إِنَّهُ سَيْفٌ.
(2)
مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/477
(3)
مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/486 - 487
(4)
سَبَقَ الْحَدِيثُ 4/34
(5)
ح، ر، م: بِنْتَهُمْ.
(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ مُخْتَصَرًا ص 259
(7)
الْحَدِيثُ عَنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/223 (كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، بَابِ الْمُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَهُ، وَلَفْظُهُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا، وَكَانَتْ زِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَزِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً مَعَ غُلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ، فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ، فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ، قَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ قَالَ: أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ؟ قَالَ: فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ، وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ. قَالَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ: فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ يَقُولَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ. وَيَبْتَسِمُ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/978 (كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، بَابِ التَّوَقِّي فِي الْإِحْرَامِ)، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 3/432 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ رحمه الله: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
فَكَوْنُ الرَّجُلِ مَحْبُوبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يُؤَدَّبَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا [مِنْ] (1) خَطَايَاهُ» ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (2) .
وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 123] . «قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ. فَقَالَ: " أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فَهُوَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (3) .
وَفِي الْحَدِيثِ: " «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» ". (4) .
(1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 228، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ. . . . إِلَخْ.
(3)
هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/181 - 182 الْأَرْقَامِ 68 - 71 وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ ط. الْمَعَارِفِ 9/341 - 343 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مَحْمُود شَاكِر ص 243 تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 2/370 (وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ)، وَقَالَ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله: اللَّأْوَاءُ الشِّدَّةُ وَضِيْقُ الْمَعِيشَةِ) ، وَهُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 3/74 - 75 وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّ انْقِطَاعَ سَنَدِهِ بَيِّنٌ.
(4)
لِأَهْلِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ أَنَّ الْهَيْثَمِيَّ فِي كِتَابِهِ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 6/265 - 266 قَدْ خَصَّصَ بَابًا بِعُنْوَانِ: بَابُ هَلْ تُكَفِّرُ الْحُدُودُ الذُّنُوبَ أَمْ لَا؟ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ أَمْ لَا؟ ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ تُفِيدُ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَارَّاتٌ، مِنْهَا: عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ أَصَابَ شَيْئًا مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ كَفَّرَ عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ. ثُمَّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَهُوَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخَرَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي (1) فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ [مِنْ ذَلِكَ] (2) شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» "(3) .
فَإِذَا كَانَتِ الْمَصَائِبُ السَّمَاوِيَّةُ (4) الَّتِي تَجْرِي بِغَيْرِ فِعْلِ بَشَرٍ (5) مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا، فَمَا يَجْرِي مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَالْمَظَالِمِ (6) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَمَا يُصِيبُ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ، وَكَمَا يُصِيبُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَذَى مَنْ يُكَذِّبُهُمْ، وَكَمَا يُصِيبُ الْمَظْلُومَ مِنْ أَذَى الظَّالِمِ.
(1) ن، م: وَلَا تَعْصُوا.
(2)
مِنْ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
(3)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 1/8 - 9 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ 5/55 كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ) 8/159، 162 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ: الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ، بَابِ تَوْبَةِ السَّارِقِ) ، مُسْلِمٍ 3/1333 - 1334 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ: الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/144 (كِتَابِ الْبَيْعَةِ، بَابِ ثَوَابِ مَنْ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/220 (كِتَابِ السِّيَرِ، بَابِ: فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
ن، م: السَّمَائِيَّةُ.
(5)
عِبَارَةُ " فِعْلِ بَشَرٍ " مَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ح) ، (ر) .
(6)
ن: مِنْ أَذَى الْخَلْقِ الظَّالِمِ وَالْكَافِرِ، ر: مِنْ أَذَى الْخَلْقِ كَافِرًا وَالظَّالِمِ، وَيُوجَدُ بَيَاضٌ بَعْدَ كَلِمَةِ الْخَلْقِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ح) ، (ب) ، وَلَكِنْ يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ فِي (ح) ، بَعْدَ كَلِمَةِ الْخَلْقِ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مِمَّا يَقَعُ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَا يَفْعَلُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ إِقَامَةِ حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ يَكُونُ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِهِ أَوْلَى.
وَكَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُهُمُ الْخَمْرَ جَاءَ بِنَفْسِهِ إِلَى الْأَمِيرِ وَقَالَ: " طَهِّرْنِي ".
وَقَدْ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَالْغَامِدِيَّةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلَبَا مِنْهُ التَّطْهِيرَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَوْنُ الرَّجُلِ وَلِيًّا لِلَّهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، مِنْ تَأْدِيبِ وَلِيِّ الْأَمْرِ الَّذِي أَمَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَإِذَا قِيلَ: هُمْ مُجْتَهِدُونَ مَعْذُورُونَ فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ عُثْمَانُ، فَعُثْمَانُ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ: كَانَ مُجْتَهِدًا مَعْذُورًا فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ مَأْمُورٌ بِتَقْوِيمِ رَعِيَّتِهِ. وَكَانَ عُثْمَانُ أَبْعَدَ عَنِ الْهَوَى، وَأَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -.
وَلَوْ قَدَحَ رَجُلٌ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنَّهُ قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ [وَقَاتَلَ] طَلْحَةَ (1) وَالزُّبَيْرَ.
لَقِيلَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ هُمُ الْعَادِلِينَ (2) وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُمْ.
كَذَلِكَ عُثْمَانُ فِيمَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا هُوَ أَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ مِنْهُمْ. وَإِذَا وَجَبَ الذَّبُّ عَنْ عَلِيٍّ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَالذَّبُّ عَنْ عُثْمَانَ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْلَى.
(1) ن، م: وَطَلْحَةَ.
(2)
ح: هُمُ الْعَادِلُونَ.