الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرد على المقدمة الثانية من كلام الرافضي وهي قولهم إذا كان لا بد من معصوم فليس بمعصوم غير علي]
وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ (1) : فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ، فَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ غَيْرُ عَلِيٍّ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ عُبَّادِهِمْ وَصُوفِيَّتِهِمْ وَجُنْدِهِمْ (2) وَعَامَّتِهِمْ يَعْتَقِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِمْ مِنَ الْعِصْمَةِ، مِنْ جِنْسِ مَا تَعْتَقِدُهُ الرَّافِضَةُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَرُبَّمَا عَبَّرُوا هُوَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ:" الشَّيْخُ مَحْفُوظٌ ".
وَإِذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ هَذَا فِي شُيُوخِهِمْ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، فَاعْتِقَادُهُمْ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْلَى.
وَكَثِيرٌ (3) مِنَ النَّاسِ فِيهِمْ مِنَ الْغُلُوِّ فِي شُيُوخِهِمْ مِنْ جِنْسِ مَا فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْأَئِمَّةِ.
وَأَيْضًا فَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ أَئِمَّتِهِمْ، وَهُمْ غَيْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ - أَوْ أَكْثَرِهِمْ - كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ عَلَى مَا يُطِيعُونَ فِيهِ الْإِمَامَ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَاللَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ كَثِيرٌ.
وَقَدْ أَرَادَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَسِيرَ بِسِيرَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِهِمْ، فَحَلَفُوا لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَنَّهُ إِذَا وَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّاسِ إِمَامًا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ (4) الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ السَّيِّئَاتِ (5) .
(1) الْمُقْدِّمَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِيمَا سَبَقَ ص 348 وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيًّا عليه السلام.
(2)
ب: وَجُنَيْدِيِّيهِمْ.
(3)
ب: فَكَثِيرٌ.
(4)
ن: عَنْهُ.
(5)
م: وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ.
وَلِهَذَا تَجِدُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ كِبَارِهِمُ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وَلِهَذَا كَانَ يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ، يُقَالُ:" طَاعَةٌ شَامِيَّةٌ ".
وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ إِمَامَهُمْ لَا يَأْمُرُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ شِيعَةٌ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيَسُبُّهُ.
وَمَنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْمُرُ (1) الْإِمَامُ بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَأَنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِهِ - لَمْ يَحْتَجْ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْصُومٍ غَيْرَ إِمَامِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنْ يُقَالَ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ إِذَا قِيلَ [لَهَا](2) : إِنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا (3) مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ. تَقُولُ: يَكْفِينِي عِصْمَةُ الْإِمَامِ الَّذِي ائْتَمَمْتُ بِهِ، لَا أَحْتَاجُ إِلَى عِصْمَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ: لَا عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ. وَيَقُولُ هَذَا: شَيْخِي وَقُدْوَتِي. وَهَذَا يَقُولُ: إِمَامِي الْأُمَوِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ. بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ يُطِيعُ الْمُلُوكَ لَا ذَنْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 5] .
فَإِنْ قِيلَ: هَؤُلَاءِ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ (4) .
قِيلَ: هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ.
(1) ب: مَا أَمَرَ.
(2)
لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(4)
ن: بِخِلَافَتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَئِمَّةَ هَؤُلَاءِ وَشُيُوخَهُمْ خَيْرٌ مِنْ مَعْدُومٍ (1) لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِحَالٍ. فَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ.
وَأَيْضًا (2) فَبَطَلَتْ حُجَّةُ الرَّافِضَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَمْ تُدَّعَ الْعِصْمَةُ إِلَّا فِي عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ (* لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.
قِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِعَلِيٍّ بَطَلَ قَوْلُكُمْ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ *) (3) لَعَلِيٍّ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِلثَّلَاثَةِ، بَلْ دَعْوَى الْعِصْمَةِ لِهَؤُلَاءِ أَوْلَى، فَإِنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ يُفَضِّلُهُمَا عَلَيْهِ. كَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَدَعْوَاهُمْ عِصْمَةُ هَذَيْنِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ.
قِيلَ لَهُمْ: وَلَا نُقِلَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَوْلُ بِعِصْمَةِ عَلِيٍّ. وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ [عِصْمَةَ](4) لَا هَذَا وَلَا هَذَا، لَكِنْ نَقُولُ: مَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْفِيَ نَقْلَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعِصْمَةِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِعِصْمَةِ عَلِيٍّ. فَهَذَا الْفَرْقُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَلَا يَنْقُلَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ زَمَانٌ ادَّعَى فِيهِ الْعِصْمَةَ لِعَلِيٍّ أَوْ لِأَحَدٍ (5) مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ،
(1) ن: مَعْدُومِهِمْ.
(2)
وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(3)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(4)
عِصْمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: عِصْمَةُ عَلِيٍّ أَوْ أَحَدٍ.
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ مَنْ يَدَّعِي عِصْمَةَ غَيْرِهِمْ، فَبَطَلَ أَنْ يُحْتَجَّ بِانْتِفَاءِ عِصْمَةِ الثَّلَاثَةِ وَوُقُوعِ النِّزَاعِ فِي عِصْمَةِ عَلِيٍّ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَشَرَ (1) : أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَجِبَ وُجُودُ الْمَعْصُومِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، أَنْ لَا يَجِبَ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ؛ بَطَلَ قَوْلُهُمْ. وَإِنْ وَجَبَ لَمْ نُسَلِّمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْمَعْصُومَ دُونَ الثَّلَاثَةِ. بَلْ إِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حَقًّا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ مَعْصُومِينَ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِالْعِصْمَةِ مِنْ عَلِيٍّ، فَإِنْ كَانَتِ الْعِصْمَةُ مُمْكِنَةً، فَهِيَ إِلَيْهِمَا أَقْرَبُ. وَإِنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً، فَهِيَ عَنْهُ أَبْعَدُ.
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُ بِجَوَازِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ، إِلَّا مَعَ انْتِفَائِهَا عَنْ عَلِيٍّ. فَأَمَّا انْتِفَاؤُهَا عَنِ الثَّلَاثَةِ دُونَ عَلِيٍّ، فَهَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَهَذِهِ كَنُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُسَلِّمُونَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ مِنْ هَذَيْنِ إِلَّا مَعَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُقِرُّ بِنُبُوَّتِهِمَا مُنْفَرِدَةً عَنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، بَلِ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى كُفْرِ مَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّةِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، فَهُوَ أَعْظَمُ كُفْرًا مِمَّنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ وَكَفَرَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ.
وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ الْإِيمَانَ (2) بِمُحَمَّدٍ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ
(1) ن: الثَّالِثُ عَشَرَ، م: الثَّانِي.
(2)
ب: إِنَّ الثَّلَاثَةَ الْإِيمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
الْإِيمَانُ بِهِمَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ. وَهَكَذَا نَفْيُ الْعِصْمَةِ، وَثُبُوتُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَوِلَايَةُ اللَّهِ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِإِيمَانِ عَلِيٍّ وَتَقْوَاهُ وَوِلَايَتِهِ لِلَّهِ، إِلَّا مَقْرُونًا بِإِيمَانِ الثَّلَاثَةِ وَتَقْوَاهُمْ وَوِلَايَتِهِمْ لِلَّهِ. وَلَا يَنْفُونَ الْعِصْمَةَ عَنْهُمْ إِلَّا مَقْرُونًا بِنَفْيِهَا عَنْ عَلِيٍّ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ.
وَإِذَا قَالَ الرَّافِضِيُّ لَهُمْ: الْإِيمَانُ ثَابِتٌ لِعَلِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْعِصْمَةُ (1) مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الثَّلَاثَةِ بِالْإِجْمَاعِ، كَانَ كَقَوْلِ الْيَهُودِيِّ: نُبُوَّةُ مُوسَى ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ الْإِلَهِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْمُسْلِمُ يَقُولُ: نَفِيُ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى كَنَفْيِهَا (2) عَنِ الْمَسِيحِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ أَنْفِيَهَا عَنْ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ وَأُسَلِّمَ ثُبُوتَهَا لِلْمَسِيحِ، وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا آلِهَةً، وَتَنَازَعْنَا فِي النَّصْرَانِيِّ أَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يُدَّعَ [ذَلِكَ](3) إِلَّا فِي الْمَسِيحِ، كَانَ كَتَقْرِيرِ الرَّافِضِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَلَمْ يُدَّعَ ذَلِكَ إِلَّا لَعَلِيٍّ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ (* أَنَّهُ لَيْسَ لِعِيسَى (4) مَزِيَّةٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ بِهَا إِلَهًا دُونَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ، كَمَا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ *) (5) أَنَّ عَلِيًّا لَمْ [يَكُنْ لَهُ] مَزِيَّةٌ (6) يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ بِهَا مَعْصُومًا دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَنْ أَرَادَ التَّفْرِيقَ مَنَعْنَاهُ (7) ذَلِكَ، وَقُلْنَا لَا نُسَلِّمُ إِلَّا التَّسْوِيَةَ فِي الثُّبُوتِ أَوِ الِانْتِفَاءِ.
(1) ن، م: أَوِ الْعِصْمَةُ.
(2)
ن، م: كَنَفْيٍ لَهَا.
(3)
ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(4)
فِي الْأَصْلِ (م) : لَعَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
(5)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (ب) .
(6)
ن: لَمْ مَزِيَّةٌ، ب: لَمْ نَرَهُ.
(7)
ن، م: مَعْنَاهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
وَإِذَا قَالَ: أَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ.
قُلْنَا: نَعْتَقِدُ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنْ عَلِيٍّ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ (1) انْتِفَاءَهَا عَنْهُ أَوْلَى مِنِ انْتِفَائِهَا عَنْ غَيْرِهِ (2) ، وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَلَا يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِقَوْلِنَا.
وَأَيْضًا فَنَحْنُ إِنَّمَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ؛ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ إِمَامًا مَعْصُومًا. فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِمَامًا مَعْصُومًا فَلَا يُشَكُّ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَنَفْيُنَا لِعِصْمَتِهِمْ لِاعْتِقَادِنَا هَذَا التَّقْدِيرَ.
وَهُنَا جَوَابٌ ثَالِثٌ عَنْ أَصْلِ الْحُجَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ، وَمَنْ سِوَاهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ وَانْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ (3) كَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ حُجَّتِهِمْ.
قِيلَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً بَطَلَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي الْمَقْصُودِ بِعِصْمَةِ مَنْ حَفَظَ الشَّرْعَ وَنَقَلَهُ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ (4) بِالْإِجْمَاعِ، وَيَرُدُّونَ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمُوا أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمَعْصُومُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؟
فَإِنِ ادَّعَوُا التَّوَاتُرَ عِنْدَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ فِي عِصْمَتِهِ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ
(1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(2)
ن، م: أَوْلَى مِنِ انْتِفَائِهَا عَنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ن: فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ وَانْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ، م: فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ.
(4)
ب: مُحْتَجُّونَ.
كَالْقَوْلِ فِي تَوَاتُرِ النَّصِّ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ آخَرُ. الْجَوَابُ الرَّابِعُ (1) : أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمَعْصُومِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا ثُبُوتَ الْمَعْصُومِ إِلَّا بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ إِلَّا بِقَوْلِهِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةً إِلَّا إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
فَعُلِمَ بُطْلَانُ حُجَّتِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَعْصُومِ. [وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ عِلْمِيٌّ أَصْلًا فِيمَا يَقُولُونَ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْصُومُ فِيهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمَعْصُومِ](2) وَحْدَهُ هُوَ الْحُجَّةُ، فَيَحْتَاجُونَ حِينَئِذٍ إِلَى الْعِلْمِ بِالشَّخْصِ الْمُسْتَقِلِّ (3) ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ. فَإِذَا احْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ إِلَّا قَوْلَ الْمَعْصُومِ، فَيَصِيرُ هَذَا مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَكُونُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مَعْصُومٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ إِنِّي مَعْصُومٌ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: بِمَ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ؟
قَالُوا: بِأَنَّهُ قَالَ أَنَا (4) مَعْصُومٌ، وَمَنْ سِوَايَ (5) لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.
وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَنَا صَادِقٌ فِي كُلِّ مَا أَقُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ بِغَيْرِ قَوْلِهِ، لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ فِيمَا يَقُولُهُ.
(1) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ (ن)، (م) (ب) : السَّابِعُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَبَقَ الْجَوَابُ الثَّالِثُ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ الْجَوَابُ الْخَامِسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (م) ، وَفِي (م) أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلِذَلِكَ حَذَفْتُ عِبَارَةَ " عَلَى ضَلَالَةٍ ".
(3)
ب: الْمُسْتَقْبِلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ب: إِنَّهُ.
(5)
ن، ب: وَمِنْ سِوَاهُ.
وَحُجَّتُهُمْ هَذِهِ مِنْ جِنْسِ حُجَّةِ إِخْوَانِهِمُ الْمَلَاحِدَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى (1) الْإِمَامِ الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ (2) طُرُقَ الْعِلْمِ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهَا إِلَّا بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ.
وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الرَّافِضَةِ، فَلَمَّا ادَّعَتِ الرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ فِي حِفْظِ الشَّرِيعَةِ وَأَقَرَّتْ (3) بِالنُّبُوَّةِ، ادَّعَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ مَا هُوَ أَبْلَغُ: فَقَالُوا: لَا بُدَّ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ (4) مِنَ الْمَعْصُومِ.
وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مَلَاحِدَةً فِي الْبَاطِنِ، يُقِرُّونَ بِالنُّبُوَّاتِ (5) فِي الظَّاهِرِ وَالشَّرَائِعِ، وَيَدَّعُونَ (6) أَنَّ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ بَاطِنَةً تُخَالِفُ مَا يَعْرِفُهُ (7) النَّاسُ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ بِسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ (8) وَحِلِّ الْمُحَرَّمَاتِ لِلْخَوَاصِّ الْوَاصِلِينَ، فَإِنَّ لَهُمْ طَبَقَاتٍ فِي الدَّعْوَةِ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ كِلْتَا (9) الطَّائِفَتَيْنِ تَدَّعِي الْحَاجَةَ إِلَى مَعْصُومٍ غَيْرِ الرَّسُولِ، لَكِنَّ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ يَجْعَلُونَ الْمَعْصُومَ أَحَدَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَتُجْعَلُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي حِفْظِ الشَّرِيعَةِ وَتَبْلِيغِهَا، وَهَؤُلَاءِ مَلَاحِدَةٌ كَفَّارٌ.
(1) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(2)
م: إِنَّهُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ن، ب: وَأَقْرَبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ن، م: الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ.
(5)
ب: بِالنُّبُوَّةِ.
(6)
ب: فِي الظَّاهِرِ وَالشَّرَائِعِ يَدَّعُونَ.
(7)
ب: مَا يَعْرِفُ.
(8)
ب: الْعَادَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(9)
ن، م: كِلَا.
وَالْإِمَامِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُلْحِدًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ هُوَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى غَيْرِ اعْتِقَادِهِمْ: إِمَّا مُتَفَلْسِفٌ مُلْحِدٌ، وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ لَيْسَ هُوَ (1) فِي الْبَاطِنِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَهَذَا يَقُولُهُ (2) غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُحِبُّ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ وَيُعَظِّمُهُ.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ (3) حَائِرُونَ بَيْنَ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَأَقْوَالِ سَلَفِهِمُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَبَاحِثُهُمْ تَدُلُّ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرَابِ. وَلِهَذَا صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ يُعَظِّمُ الْمَلَاحِدَةَ كَالطُّوسِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمَا، وَيُعَظِّمُ شُيُوخَ الْإِمَامِيَّةِ. وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ تَذُمُّهُ وَتَسُبُّهُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْإِمَامِيَّةِ.
وَهَكَذَا أَهْلُ كُلِّ دِينٍ: تَجِدُ فُضَلَاءَهُمْ فِي الْغَالِبِ، إِمَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْحَقِّ، وَإِمَّا أَنْ يَصِيرُوا مَلَاحِدَةً، مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى، هُمْ فِي الْبَاطِنِ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ فِي الْبَاطِنِ يَمِيلُ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ فَسَادِ دِينِ النَّصَارَى.
فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَعْصُومِ ثَابِتَةٌ، فَالْكَلَامُ فِي تَعَيُّنِهِ. فَإِذَا طُولِبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِتَعْيِينِ مَعْصُومِهِ، وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ (4)
(1) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(2)
م: يَقُولُ.
(3)
م: وَأَشْبَهَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ.
(4)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
الْمَعْصُومُ دُونَ غَيْرِهِ، لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ أَصْلًا، وَتَنَاقَضَتْ أَقْوَالُهُ.
وَكَذَلِكَ الرَّافِضِيُّ أَخَذَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ كَلَامَهُمْ فِي وُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ، وَبَنَى عَلَيْهِ (1) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ. وَهِيَ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ، وَلَكِنْ إِذَا طُولِبَ بِتَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا إِلَّا مُجَرَّدُ (2) قَوْلِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ (3) بَعْدُ عِصْمَتُهُ: إِنِّي مَعْصُومٌ (4) .
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ، فَإِذَا قَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي مَعْصُومٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْصُومَ (5) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ هَذَا غَيْرُهُ. قِيلَ لَهُمْ: لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ مَعْصُومٍ فِي الْوُجُودِ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ قَوْلِ شَخْصٍ: أَنَا مَعْصُومٌ، مَقْبُولًا، لِإِمْكَانِ كَوْنِ (6) غَيْرِهِ هُوَ الْمَعْصُومَ، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَحْنُ دَعْوَاهُ (7) ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ دَعْوَاهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ (8) دَعْوَى الْعِصْمَةِ وَإِظْهَارِهَا عَلَى أَصْلِهِمْ، كَمَا جَازَ لِلْمُنْتَظَرِ أَنْ يُخْفِيَ نَفْسَهُ خَوْفًا مِنَ الظَّلَمَةِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ مَعْصُومٌ غَيْرَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْلَمْهُ، كَمَا ادَّعَوْا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَظَرِ، فَلِمَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْيِينِ: لَا إِجْمَاعَ وَلَا دَعْوَى.
(1) ن، م: وَتَلَى (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
م: بِمُجَرَّدِ.
(3)
ب: يَثْبُتْ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) .
(4)
ن، ب: لَمْ يَثْبُتْ (فِي (ن) غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) إِلَّا بَعْدَ عِصْمَتِهِ: إِنَّهُ مَعْصُومٌ.
(5)
ب: هُوَ مَعْصُومًا.
(6)
كَوْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(7)
ب: وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ مُجَرَّدَ دَعْوَاهُ.
(8)
ب: عَلَى.
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ (1) بِتَقْدِيرِ دَعْوَى عَلِيٍّ الْعِصْمَةَ، فَإِنَّمَا يُقْبَلُ هَذَا لَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَالَ ذَلِكَ، وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا جَوَابٌ خَامِسٌ (2) وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ (3) الْحُجَّةُ عَلَى الْعِصْمَةِ إِلَّا قَوْلُ الْمَعْصُومِ: إِنِّي مَعْصُومٌ، فَنَحْنُ رَاضُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (4) أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، بَلِ النُّقُولُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ تَنْفِي اعْتِقَادَهُ فِي نَفْسِهِ الْعِصْمَةَ.
وَهَذَا جَوَابٌ سَادِسٌ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ لِقُضَاتِهِ (5) عَلَى أَنْ يَحْكُمُوا بِخِلَافِ رَأْيِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ نَفْسُهُ مَعْصُومًا.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ. وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ أَنْ يُبَعْنَ ". فَقَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ قَاضِيهُ: " رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ [فِي الْجَمَاعَةِ] (6) أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ ".
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يُرَاجِعُهُ وَلَا يُشَاوِرُهُ، وَعَلِيٌّ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ يَقُولُ:" اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ". وَكَانَ يُفْتِي وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ، كَأَمْثَالِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ أَقْوَالُهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مَوْجُودَةٌ.
(1) ن: وَلَا دَعْوَى مَعَ هَذَا كُلِّهِ، م: وَلَا دَعْوَى مَعَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ.
(2)
خَامِسٌ: كَذَا فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ يُؤَكِّدُ صِحَّةَ تَصْوِيبِ الْعَدَدِ السَّابِقِ فِيمَا مَضَى.
(3)
م: لَمْ تَظْهَرِ
(4)
ب: أَحَدًا، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) .
(5)
ن، م: لِقَضَايِهِ.
(6)
عِبَارَةُ " فِي الْجَمَاعَةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
ثُمَّ قَدْ وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي تُخَالِفُ النُّصُوصَ أَكْثَرُ مِمَّا وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ كِتَابًا فِيهِ خِلَافُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، لَمَّا كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُنَاظِرُونَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُونَ: قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِمَا. فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ مَا تَرَكُوهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ (1) ، وَجَمَعَ بَعْدَهُ (2) مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ (3) كِتَابًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ (4) ذَكَرَهُ (5) فِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ فِيهَا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ (6) .
وَهَذَا كَلَامٌ مَعَ عُلَمَاءٍ يَحْتَجُّونَ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَمْثَالُهُ، فَإِنَّ (7) أَكْثَرَ مُنَاظَرَةِ الشَّافِعِيِّ كَانَتْ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ يُدْرِكْ أَبَا يُوسُفَ، وَلَا نَاظَرَهُ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ، بَلْ تُوُفِّيَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّافِعِيُّ الْعِرَاقَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ (8) وَقَدِمَ الشَّافِعِيُّ الْعِرَاقَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يَذْكُرُ فِي كُتُبِهِ أَقْوَالَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ.
(1) وَهَذَا الْكِتَابُ مَوْجُودٌ دَاخِلَ كِتَابِ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ 7/163 - 191 ط. مَكْتَبَةِ الْكُلِّيَّاتِ الْأَزْهَرِيَّةِ 1381 1961 وَأَشَارَ سِزْكِينُ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 185 إِلَى وُجُودِهِ فِي طَبْعَةِ الْقَاهِرَةِ 1321 - 1326 فِي 7/151 - 177
(2)
م: بَعْدَ
(3)
م: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/106.
(4)
ب: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرًا.
(5)
ذَكَرَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(6)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكِتَابَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ لَهُ سِزْكِينُ م [0 - 9] ، ج 3 ص 198 كِتَابَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ نُسْخَةً خَطِّيَّةً فِي يُوسُفَ أَغَا بَقُونِيَةَ، وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ فِي الْأَعْلَامِ 7/346 مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ مَا خَالَفَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَانْظُرْ مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ 12/78
(7)
ن، م: فَإِنَّهُ.
(8)
سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا مَضَى 2/471، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 182
وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ فِي (1) احْتِجَاجِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ بِكَوْنِ غَيْرِهِمْ يَنْفِي الْعِصْمَةَ عَنْ غَيْرِهِ احْتِجَاجًا لِقَوْلِهِمْ (2) بِقَوْلِهِمْ، وَإِثْبَاتُ الْجَهْلِ بِالْجَهْلِ.
وَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ شُيُوخِهِمْ: أَنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَالْآخَرُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، فَالصَّوَابُ عِنْدَهُمُ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ. قَالُوا (3) : لِأَنَّ قَائِلَهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِ الْمَعْصُومِ فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَائِلُهُ إِنَّمَا قَالَهُ الْمَعْصُومُ!
وَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ أَيْضًا لَمْ يُعْرَفْ (4) أَنَّهُ قَالَهُ، كَمَا لَمْ يُعْرَفْ (5) أَنَّهُ قَالَهُ الْآخَرُ. وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْصُومُ قَدْ قَالَ الْقَوْلَ الَّذِي يُعْرَفُ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ، كَمَا أَنَّهُ يَقُولُ أَقْوَالًا كَثِيرَةً يُوَافِقُ فِيهَا غَيْرَهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ قَدْ قَالَهُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، بَلْ قَالَهُ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؟ فَهُمْ يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَوْلِ وَصِحَّتِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، كَمَا قَالُوا هُنَا: عَدَمُ الْقَوْلِ بِعِصْمَةِ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَكَمَا (6) جَعَلُوا عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَائِلِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الْمَعْصُومِ. وَهَذَا (7) حَالُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ نُورِ السُّنَّةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ ; فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي ظُلُمَاتِ الْبِدَعِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
(1) ن، م: مِنِ
(2)
لِقَوْلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(3)
ن، م: قَالَ.
(4)
ن، م: وَلَمْ يُعْرَفْ.
(5)
ن: كَمَا لَوْ يُعْرَفُ، م: كَمَا لَا يُعْرَفُ.
(6)
ن، م: كَمَا.
(7)
ن، ب: وَهَذِهِ.