الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّقْلُ عَنْهُ لَيْسَ مُتَوَاتِرًا (1) ، وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا مَعْصُومٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بَاللَّهِ مَا أَسْخَفَ عُقُولَ الرَّافِضَةِ.
[فصل كلام الرافضي على الوجه الرابع من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " الرَّابِعُ: (3) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ [إِمَامٍ] (4) مَعْصُومٍ، وَحَاجَةُ الْعَالَمِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، فَيَجِبُ نَصْبُهُ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا (5) ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيٌّ (6) . أَمَّا الْقُدْرَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَظَاهِرَةٌ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعَالَمِ. وَأَمَّا [انْتِفَاءُ] (7) الْمَفْسَدَةِ فَظَاهِرٌ (8) أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَازِمَةٌ لِعَدَمِهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ نَصْبِهِ، فَلِأَنَّ (9) عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ ".
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ قَرَّرَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (10)
(1) م: بِمُتَوَاتِرٍ، ب: مُتَوَاتِرٌ
(2)
فِي (ك) ص 147 (م) .
(3)
ن: الْوَجْهُ الرَّابِعُ.
(4)
إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ك: بِالْإِجْمَاعِ.
(6)
ب: هُوَ عَلِيًّا، ك: هُوَ عَلِيٌّ عليه السلام
(7)
انْتِفَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(8)
ب: فَظَاهِرَةٌ.
(9)
ب: فَلِأَنَّهُ.
(10)
ن، ب: وَقُدِّمَتْ.
الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانِ فَسَادِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَغْنَى عَنْ عِصْمَةِ [عَلِيٍّ](1) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ، [فَبَطَلَ الدَّلِيلُ](2) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُثْبِتُ (3) أُصُولُهَا عَلَى مَا تَدَّعِيهِ مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَبْعَدُ الْأُمَّةِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعَاتِ (4) ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا (5) ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ (6) وَالْجَمَاعَةِ ; فَإِنَّ السُّنَّةَ (7) تَتَضَمَّنُ النَّصَّ، وَالْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِجْمَاعَ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ (8) بِبَيَانِ فَسَادِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا (9) ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ عِصْمَةِ الْأُمَّةِ.
قَالُوا: لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا كَانُوا إِذَا بَدَّلُوا دِينَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا
(1) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(2)
عِبَارَةُ " فَبَطَلَ الدَّلِيلُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(3)
ب: بَنَتْ.
(4)
م: وَالْجَمَاعَاتِ.
(5)
بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(6)
ن، ب: بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(7)
ب: فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ.
(8)
ن، م: التَّقْدِيرِ.
(9)
م: مَا.
يُبَيِّنُ (1) الْحَقَّ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهَا، فَكَانَتْ عِصْمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ مَنْ يُبَيِّنُ خَطَأَهُ فِيمَا بَدَّلَهُ، فَلَا تَجْتَمِعُ الْأُمَّةُ (2) عَلَى ضَلَالٍ.
كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» "(3) . وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ» "(4) . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: إِنْ أُرِيدَ بِالْحَاجَةِ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ أَكْمَلُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ نُوَّابِ الْإِمَامِ أَكْمَلُ، وَحَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ أَنْفُسِهِمْ أَكْمَلُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا تُقَدِّرُهُ النَّاسُ أَكْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَفْعَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.
وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ مَعَ عَدَمِهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ، أَوْ لَا يَعِيشُونَ (5) فِي الدُّنْيَا، أَوْ يَحْصُلُ لَهُمْ [نَوْعٌ](6) مِنَ الْأَذَى.
(1) م: بِمَا يُبَيِّنُ.
(2)
م: الْأَئِمَّةُ.
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/461
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/129 كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا، وَنَصُّهُ: إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ: أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلَكُوا جَمِيعًا، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَنْ لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ. قَالَ الْمُعَلِّقُ الشَّيْخُ مُحَمَّد مُحْيِيِ الدِّينِ عَبْد الْحَمِيدِ رحمه الله: تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَأَجَارَكُمْ حَمَاكُمْ، وَأَلَّا يَظْهَرَ أَيْ لَا يَغْلِبُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ 2/67 وَقَالَ: ضَعِيفٌ.
(5)
أَوْ لَا يَعِيشُونَ: كَذَا فِي (ن)، وَفِي (ب) : لَا يَعِيشُونَ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا.
(6)
نَوْعٌ: سَاقِطَةٌ مِنَ (ن) ، (ب) .
فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ. فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ إِزَالَةَ هَذَا وَاجِبٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَاضَ (1) وَالْهُمُومَ وَالْغُمُومَ مَوْجُودَةٌ، وَالْمَصَائِبَ (2) : فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَالْغَلَاءُ مَوْجُودٌ، وَالْجَوَائِحُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ مَوْجُودَةٌ، وَلَيْسَ (3) مَا يُصِيبُ الْمَظْلُومَ مِنَ الضَّرَرِ بِأَعْظَمَ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُزِلْ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ ".
يُقَالُ لَهُ: لِمَ (4) قُلْتَ: إِنَّ الدَّاعِيَ ثَابِتٌ وَالصَّارِفَ مُنْتَفٍ؟
وَقَوْلُهُ (5) : " حَاجَةٌ (6) الْعَالَمِ (7) دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ ".
يُقَالُ لَهُ: الدَّاعِي هُوَ الَّذِي يَكُونُ دَاعِيًا لِلْفَاعِلِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ دَاعِيَةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى فِيهَا؟
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَانْتِفَاءُ الصَّارِفِ " وَأَنْتَ لَمْ تَدَّعِ إِلَّا عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي ادَّعَيْتَهَا، فَلِمَ قُلْتَ: لَا مَفْسَدَةَ (8) فِي ذَلِكَ؟ كَمَا يُقَالُ: إِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا (9) يَحْتَاجُ إِلَى الْمَالِ (10) وَالصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(1) م: الْأَعْرَاضَ.
(2)
م: فَالْمَصَائِبُ.
(3)
ب: فَلَيْسَ.
(4)
م: وَلِمَ.
(5)
ن، م: قَوْلُهُ.
(6)
م: لِأَنَّ حَاجَةَ.
(7)
ن، م: الْعِلْمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(8)
م: أَنْ لَا مَفْسَدَةَ.
(9)
مِنَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(10)
م: الْكَمَالِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ " أَتُرِيدُ (1) بِهِ مَعْصُومًا يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ (2) ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ اخْتِيَارَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ (3) ؟ أَمْ تُرِيدُ (4) بِهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ يَخْلُقُهُ (5) اللَّهُ فِيهِ؟
فَإِنْ قَالُوا بِالْأَوَّلِ، كَانَ بَاطِلًا عَلَى أَصْلِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ (6) مَعْصُومٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ عِنْدَهُمْ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ الْحَيِّ الْمُخْتَارِ، وَلَا يَخْلُقُ إِرَادَتَهُ الْمُخْتَصَّةَ بِالطَّاعَةِ دُونَ الْمَعْصِيَةِ.
وَإِنْ قَالُوا بِهَذَا الثَّانِي، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَعْصُومِ ثَوَابٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَلَا عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. وَحِينَئِذٍ فَسَائِرُ النَّاسِ يُثَابُونَ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الَّذِي لَا ثَوَابَ لَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ؟
فَتَبَيَّنَ انْتِقَاضُ مَذْهَبِهِمْ حَيْثُ جَمَعُوا بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ (7) ، بَيْنَ إِيجَابِ خَلْقٍ مَعْصُومٍ عَلَى اللَّهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ أَحَدٍ مَعْصُومًا بِاخْتِيَارِهِ، بِحَيْثُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَتَرْكِهِ لِلْمَعَاصِي.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكَ (8) : " يَقْدِرُ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ "
(1) ب: أَيُرِيدُ.
(2)
عِبَارَةُ " وَالْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(3)
ب: قَوْلُهُ.
(4)
ن: تُرِيدُونَ، ب: يُرِيدُ.
(5)
م: خَلَقَهُ.
(6)
مُؤْمِنٍ: لَيْسَتْ فِي (م) .
(7)
م: مُنَاقِضَيْنِ.
(8)
م: قَوْلُهُ.
لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ هَذَا الْجِسْمِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ، وَمُتَحَرِّكًا وَسَاكِنًا، وَمَيِّتًا وَحَيًّا، وَهَذَا صَحِيحٌ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ سَوَّدَهُ (وَإِنْ شَاءَ بَيَّضَهُ) وَإِنْ شَاءَ (1) أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ (2) مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 284] .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُكَ: " قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ (3) مَعْصُومٍ " إِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَصِّبَ إِمَامًا، وَيُلْهِمَهُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَتَرْكَ الْمَعَاصِي. فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ الْبَشَرِ مَعْصُومِينَ كَالْإِمَامِ، بِجَعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ نَبِيًّا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَحْصُلُ حِكْمَتُهُ الْمُنَافِيَةُ لِوُجُودِ ذَلِكَ، الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا إِلَّا مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ، فَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ انْتِفَاءَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُنَافِي [وُجُودَ](4) ذَلِكَ؟ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنِ إِلَّا عِظَمُ أَجْرِ الْمُطِيعِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا حِينَئِذٍ أَشَقُّ، فَثَوَابُهُ أَكْبَرُ (5) . وَهَذَا الثَّوَابُ يَفُوتُ بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ.
(1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ، وَزِدْتُ عِبَارَةَ " وَإِنْ شَاءَ بَيَّضَهُ " لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.
(2)
ب: الضِّدَّيْقِ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ.
(3)
إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(4)
وُجُودَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(5)
ب: أَكْثَرُ.
وَأَيْضًا فَحِفْظُ (1) النَّاسِ لِلشَّرْعِ، وَتَفَقُّهُهُمْ فِي الدِّينِ، وَاجْتِهَادُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ [بِهِ](2) تَقِلُّ (3) بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ، [فَتَفُوتُ](4) هَذِهِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ.
وَأَيْضًا فَجَعْلُ غَيْرِ النَّبِيِّ مُمَاثِلًا لِلنَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبَهِ وَالْقَدْحِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ أَنْ (5) يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ هَذَا (6) ، كَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ (7) النَّبِيُّ، لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّونَ، فَلَوْ كَانَ لَنَا مَنْ يُسَاوِيهِمْ فِي الْعِصْمَةِ، لَوَجَبَ (8) الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ، فَيَبْطُلُ (9) الْفَرْقُ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَعْصُومُ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ: أَهُوَ الْقَادِرُ (10) عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَإِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ؟ أَمْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ (11) ؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، بَلِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ تُفِيدُ (12) وُجُودَ دَاعِيَةٍ إِلَى
(1) ب: لِحِفْظِ.
(2)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَزِدْتُهَا لِيَتِمَّ الْكَلَامُ.
(3)
تَقِلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(4)
فَتَفُوتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(5)
أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(6)
ب: وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْإِشَارَةُ هُنَا بِ هَذَا إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ.
(7)
ب: بِمَا يَقُولُهُ.
(8)
ن: يُوجِبُ.
(9)
م: فَيَنْظُرُ.
(10)
م: هُوَ الْقَادِرُ، ب: أَهُوَ قَادِرٌ.
(11)
ن، م: أَمْ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ.
(12)
ن: تَقْبَلُ، ب: تُقِلُّ.
الصَّلَاحِ، لَكِنَّ حُصُولَ الدَّاعِي (1) بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ.
وَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْمَعْصُومُ الْقَادِرُ.
قِيلَ: فَهَذَا لَمْ يُوجَدْ (2) . وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ (3) الِاثْنَيْ عَشَرَ قَادِرِينَ (4) عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عُصَاةً (5) لَا مَعْصُومِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ. فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ قَطْعًا أَوْ كِلَاهُمَا: الْعَجْزُ وَانْتِفَاءُ (6) الْعِصْمَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ انْتِفَاءَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِهِ. وَالضَّرُورِيَّاتُ لَا تُعَارَضُ بِالِاسْتِدْلَالِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَوْجُودٌ فِي [هَذَا](7) الزَّمَانِ وَسَائِرِ الْأَزْمِنَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَحَدٌ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِمَا يَقُولُهُ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ يَجْلِبُ مُصْلَحَةً أَوْ يَدْفَعُ مَفْسَدَةً، فَكَانَ مَا ذَكَرُوهُ بَاطِلًا.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نَصْبِ مَعْصُومٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَفْسَدَةَ فِي نَصْبِهِ. وَهَذَا النَّفْيُ [الْعَامُّ](8) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَفْسَدَةِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا
(1) الدَّاعِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(2)
م: لَا يُوجَدُ.
(3)
ن، م: وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، ب: وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ.
(4)
م: قَادِرٌ.
(5)
ب: كَانُوا عُصَاةً.
(6)
م: أَوِ انْتِفَاءُ
(7)
هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(8)
الْعَامُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
بِالْعَدَمِ. ثُمَّ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةُ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَتَصْدِيقُهُ مِثْلَ طَاعَةِ النَّبِيِّ مُطْلَقًا. وَإِذَا سَاوَى (1) النَّبِيَّ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَوُجُوبِ تَصْدِيقِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَنَفْيِ كُلِّ غَلَطٍ مِنْهُ (2) .
فَيُقَالُ: فَأَيُّ (3) شَيْءٍ خَاصَّةُ النَّبِيِّ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى صَارَ هَذَا نَبِيًّا، وَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيٍّ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ.
قِيلَ: إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ قَدْ حَصَلَ لَهُ، فَقَدِ اسْتَرَاحَ مِنَ التَّعَبِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْمَقْصُودِ.
وَأَيْضًا فَعِصْمَتُهُ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِلْهَامِ الْحَقِّ لَهُ، وَهَذَا وَحْيٌ.
وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (4) ، وَيَأْمُرُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ يُخْبِرُ بِأَخْبَارٍ وَأَوَامِرَ زَائِدَةٍ (5) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ عُرِفَ بِأَخْبَارِ الرَّسُولِ (6) . وَأَوَامِرِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ (7) ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ، فَهَذَا نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ (8) بِمُبَلِّغٍ عَنِ الْأَوَّلِ.
وَإِذَا قِيلَ: بَلْ يَحْفَظُ (9) مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ.
(1) ب: وَأَنْ يُسَاوِيَ.
(2)
م: عَنْهُ.
(3)
م: أَيُّ
(4)
صلى الله عليه وسلم: لَيْسَتْ فِي (م) .
(5)
م: زِيَادَةٍ.
(6)
م: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(7)
م: بِغَيْرِ.
(8)
ن، م: بِأَنْ لَيْسَ.
(9)
ن، ب: يَعْرِفُ.