الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْهُمْ، وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ تِلْكَ النُّقُولَ عَنْهُمْ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ نَقْلِ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ (1) وَالْمَقَاطِيعِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا فِيهِ صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ [فَنَقُولُ:](2) مَا عُلِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، مِنْ مَحَاسِنِ الصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِهِمْ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِنُقُولٍ بَعْضُهَا مُنْقَطِعٌ، وَبَعْضُهَا مُحَرَّفٌ (3) ، وَبَعْضُهَا لَا يَقْدَحُ فِيمَا عُلِمَ، فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَنَحْنُ قَدْ تَيَقَّنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَنَا، وَمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ مِنْ (4) أَدِلَّةِ الْعَقْلِ، مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أُمُورٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ بُطْلَانُهَا؟ ! .
[الرد على زعم الرافضي أن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ مِنْ أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ ".
فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، بَلْ يَذْكُرُ أَحْيَانًا أَشْيَاءً (5) مِنْ كَلَامِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ مِنْهُمْ وَيُوَجِّهُهُ (6) . وَلِهَذَا اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ [بِأَنَّهُ](7) مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَنِ اتَّهَمَهُ شَوَاهِدَ مِنْ كَلَامِهِ وَسِيرَتِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مَعَ الشِّيعَةِ بِوَجْهٍ، وَمَعَ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ بِوَجْهٍ.
(1) ب: الْمُرَاسَلَاتِ.
(2)
فَنَقُولُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(3)
ن: مُخَرَّقٌ.
(4)
ب: عَنْ.
(5)
أَشْيَاءً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(6)
ن: وَبِوَجْهِهِ، ب: وَتَوْجِيهُهُ.
(7)
بِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْوُعَّاظِ، وَكَانُوا يَدْعُونَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا كَذِبًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّهْرَسْتَانِيُّ يُظْهِرُ الْمَيْلَ إِلَى الشِّيعَةِ، إِمَّا بِبَاطِنِهِ وَإِمَّا مُدَاهَنَةً لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ - كِتَابَ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " صَنَّفَهُ لِرَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ دِيوَانَيْهِ. وَكَانَ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ مَقْصُودٌ فِي اسْتِعْطَافِهِ لَهُ. وَكَذَلِكَ (1) صَنَّفَ لَهُ كِتَابَ " الْمُصَارَعَةِ " بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ سِينَا (2) ، لِمَيْلِهِ إِلَى التَّشَيُّعِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشِّيعَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَعْنِي الْمُصَنِّفَ لَهُ. وَلِهَذَا تَحَامَلَ فِيهِ لِلشِّيعَةِ (3) تَحَامُلًا بَيِّنًا.
(1) ن: وَلِذَلِكَ.
(2)
وَهُوَ كِتَابُ " مُصَارَعَةِ الْفَلَاسِفَةِ "، الَّذِي حَقَّقَتْهُ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ مُحَمَّدْ مُخْتَارْ ط. الْقَاهِرَةِ، 1396 1976 وَجَاءَ فِي أَوَّلِهِ ص 13 أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَ كِتَابَ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " أَيْضًا لَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ نَصِيرِ الدِّينِ، الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى وَزَارَةَ السُّلْطَانِ سِنْجِرْ عَامَ 521 كَمَا ذَكَرَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ فَتْحِ اللَّهِ بَدْرَانُ فِي الطَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/3 - 5 وَنَقَلَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ الْمُصَارَعَةِ (ص 29) عَنْ صَدْرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْفَارِ الْأَرْبَعَةِ 2/275 قَوْلَهُ: وَقَدْ أَلَّفَ هَذَا الْكِتَابَ لِمَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَهُوَ ضِدُّ ابْنِ سِينَا فِي حَوَالَيْ عَامِ 540 وَلَمْ أَجِدْ تَرْجَمَةً لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَيَمْتَدُّ نَسَبُهُ إِلَى مُوسَى الْكَاظِمِ، وَقَدْ تَوَلَّى عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ حُكْمَ تِرْمِذَ، وَدَعَا الْعُلَمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ شَتَّى مُدُنِ إِقْلِيمِ خُرَاسَانَ وَمِنْهُمُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ الَّذِي أَلَّفَ لَهُ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ ثُمَّ مُصَارَعَةَ الْفَلَاسِفَةِ.
(3)
فِي م: الشِّيعَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَاهَنَةِ لَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَجْلِ مَنْ صَنَّفَهُ لَهُ.
وَأَيْضًا فَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي حَكَاهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " عَنْ إِبْلِيسَ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، بَلْ لَا إِسْنَادَ لَهَا أَصْلًا. فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ، وَلَا هِيَ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ (1) .
وَهَذِهِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَبَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى.
وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ أَكْثَرُ مَا يَنْقُلُهُ مِنَ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ. فَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ وَضَعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْمُثْبِتِينِ لِلْقَدَرِ، كَمَا يَضَعُونَ شِعْرًا عَلَى لِسَانِ يَهُودِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ يَضَعُونَ عَلَى لِسَانِ الْكُفَّارِ مَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ،
(1) انْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/23 - 25 وَقَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا (ص 24) قَالَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ: إِنِّي سَلَّمْتُ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى إِلَهِي وَإِلَهَ الْخَلْقِ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ حَكِيمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَسَاقِ حِكْمَتِهِ أَسْئِلَةٌ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هِيَ؟ وَكَمْ هِيَ؟ قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: سَبْعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ سَبْعَةَ أَسْئِلَةٍ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ (ص 24 - 25) وَذَكَرَ فِي آخِرِهَا (ص 25) : قَالَ شَارِحُ الْإِنْجِيلِ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ عليهم السلام: قُولُوا لَهُ: إِنَّكَ فِي تَسْلِيمِكَ الْأَوَّلِ. . . . إِلَخْ.