الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى
تَأْلِيفُ الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
سابقاً
الجزء الخامسُُُُُُُُ
بسم الله الرحمن الرحيم
فَوَائِد عظيمة النفع
وَقَفَ قَوْمٌ عَلَى عَالِم فَقَالُوا: إِنَّا سَائِلُوكَ أَفَمُجِيبُنَا أَنْتَ؟ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثِرُوا، فَإِنَّ النَّهَارَ لَنْ يَرْجِعَ وَالْعُمُرَ لَنْ يَعُودَ، وَالطَّالِبَ حَثِيثٌ فِي طَلَبِهِ. قَالُوا: فَأَوْصِنَا. قَالَ: تَزَوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفَرِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أَبْلَغَ الْبُغْيَةَ. ثُمَّ قَالَ: الأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ فَخَلَّدُوهَا أَحْسَنَ الأَعْمَال، فَإِنَّ الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَحَابِ، والتَّوَانِي مِنْ أَخْلاقَ الْكُسَالَى وَالْخَوَالِفِ، وَمَنِ اسْتَوْطَنَ مَرْكَبَ الْعَجْزِ عَثَرَ بِهِ. تَزَوَّجَ التَّوَانِي بِالْكَسَلِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْخُسْرَانُ. أ. هـ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
تَزَوَّجَتِ الْبَطَالَةَ بالتَّوَانِي
…
فَأَوْلَدَهَا غُلامًا مَعَ غُلامِهْ
فَأَمَّا الابْن سَمُّوه بِفَقْرٍ
…
وَأَمَّا الْبِنْت سَمُّوهَا نَدَامَهْ
أَيُهَا الأَخ تَدَبَّرْ أَمْرَكَ فَإِنَّكَ في زَمَنِ الرِّبْح ووَقْت الْبَذْرِ وَاحْذَرْ أَنْ يَخْدَعَكَ الْعَدُوّ عن نَفِيْس هَذَا الجوهَر فَتُنْفِقُهُ بكَفِّ التَّبْذير وَاللهِ لِئْن فَعَلْتَ لَتَغْرَسَنَّ شَجَرَةَ النَّدامَة فَيَتَساقَطُ عَلَيْكَ من كُلّ فن منها حَسْرَة وندامة وَاحْذَر من اخْتِلاسِ الأعْدَاءِ لَهُ وَالأَعداء أرْبَعَة: إبلَيْسَ لَعَنَهُ الله، والدُّنْيَا، والنفس الأمارة بالسُّوء، والهَوَى.
شِعْرًا:
…
إِنِّي بُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا
…
إِلا لأَجْلِ شَقَاوَتِي وَعَنَائِي
إِبلَيْسَ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى
…
كَيْفَ الْخَلاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِيُُُُُُُُ
ِبسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمْ
مُلاحظة:
لا يسمح لأي إنسان أنْ يَخْتَصرَهُ أوْ يَتَعَرَّضَ له بما يُسَمُونَه تَحقِيقاً لأَنْ الإِختصار سَبَبٌ لتعطيل الأصْل والتحقيق أرَى أنَّهُ إتهام للمؤلف، ولا يُطبع إلا وقفاً لله تعالى على من ينتفع به من المسلمين.
(فائدةٌ عَظِيمَةُ النَّفَعْ لِمَنْ وَفَّقَهُ الله)
مَا أنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أنْ عَرَّفَه لَا إلهَ إِلا الله، وفهَّمَهُ معناها، ووفقه للعمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، والدَّعْوَةِ إليْهَا.
الذِّكْرُ أَصْدَقُ قَوْلٍ فَافْهَمِ الْخَبَرَا
…
لأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَدْ أَنْشَأَ الْبَشَرَا
فَاعْمَلْ بِهِ إِنْ تُرِدْ فَهْمًا وَمَعْرِفَةً
…
يَا ذَا النُّهَى كَيْ تَنَالَ الْعِزَّ وَالْفَخَرَا
وَتَحْمدِ اللهَ فِي يَوْمِ الْمَعادَ إِذَا
…
جَاءَ الْحِسَابُ وَعَمَّ الْخَوْفُ وَانْتَشَرَا
للهِ دَرُّ رِجَالٍ عَامِلِينَ بِهِ
…
فِيمَا يَدِقُ وَمَا قَدْ جَلَّ وَاشْتَهَرَا
آخر:
جَمِيعُ الْكُتبِ يُدْرِك مَنْ قَرَاهَا
…
مِلالٌ أَوْ فُتُورُ أَوْ سَآمَهْ
سِوَى الْقُرْآنِ فَافْهَمْ وَاسْتَمِعْ لِي
…
وَقَوْلِ الْمُصْطَفَى يَا ذَا الشَّهَامَهُُُُُُُُُُُُْ
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
اللِّيْلُ والنَّهَارَ يَعْمَلان فِيْكَ فاعْمَلْ فيهما أَعْمَالاً صَالِحَةً تَرْبَحَ وتَحْمَدِ العَاقِبةَ الحَمَيْدَة إن شَاءَ الله تَعَالَى.
(2)
المَلائِكةُ يَكْتُبَان مَا تَلفَّظُ به، فَاحْرَصْ عَلَى أنْ لا تَنْطِقَ إلَاّ بِمَا يَسُرُّكَ يَوم القِيَامِةْ أَشْرَفُ الأَشْيَاءِ قَبلْبُكَ، وَوَقْتُكَ، فَإِذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وَضَيَّعْتَ وَقْتَكَ، فَمَاذَا يَبْقَى مَعَكَ، كُلّ الْفَوَائِد ذَهَبتْ.
شِعْرًا:
…
إِنِّي أَبُثُّكَ مِنْ حَدِيثِي
…
إِنَّ الْحَدِيثَ لَهُ شُجُونُ
غَيَّرْتُ مَوْضِعَ مِرْقِدِي
…
لَيْلاً فَفَارَقَنِي السُّكُونُ
قُلْ لِي فَأَوَّلَ لَيْلَةٍ
…
في القَبْرِ كَيْفَ تَرَى يَكُونُ
(3)
اعْلَم أنَّ قِصَرَ الأمَلِ عَلَيْهِ مَدِارٌ عَظِيم، وحِصْنُ الأمَلِ ذِكْرُ الموِتِ، وحِصْنُ حِصْنِهِ ذِكْرُ فِجْأَةِ الموتِ وَأخْذُ الإِنسان على غِرَّةٍ وغَفْلةٍ، وهُوَ في غِرُرٍ وفُتُور عن الْعَمَل للآخرة. نَسْأَلْ الله أَنْ يُوقِضَ قُلوبَنَا إنه على كُلّ شَيْء قدير. اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وآله وسلم
شِعْرًا:
…
سَلِ اللهَ عَقْلاً نَافِعًا وَاسْتَعِذْ بِهِ
…
مِن الْجَهْلِ تَسْأَلْ خَيْرُ مُعْطٍ لِسَائِلِ
فَبِالْعَقْلِ تَسْتَوْفِي الْفَضَائِلِ كُلِّهَا
…
كَمَا الْجَهْلُ مُسْتَوْفٍ جَمِيعَ الرَّذَائِلُُُُُُُُِ
فَائِدَةٌ عَظِيْمَةُ النَّفْعِ
قال أحد الْعُلَمَاء رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: عَلَيْكَ يا أخي بمحاربة الشيطان وقهره، وَذَلِكَ لخصلتين أحدهما: أنه عدو مظِلّ مبين لا مطمَعَ فيه بمصالحة واتقاء شره أبدًا لأنه لا يرضيه ويقنعه إِلا هلاكك أصلاً فلا وجه إذًا للأمن من هَذَا الْعَدُوّ والغَفْلَة عَنْهُ، قال الله جَلَّ و َعَلا:{أَلَمْ أَعْهَدْ إليكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} ، والخصلة الثَّانِيَة أنه مجبول على عداوتك ومنتصب لمحاربتك في الليل والنَّهَارَ يرميك بسهامه وأَنْتَ غَافِل عَنْهُ ثُمَّ هوله مَعَ جَمِيع الْمُؤْمِنِين عداوة عامة، ومَعَ المجتهد في العبادة والعلم عداوة خاصة ومعه عَلَيْكَ أعوان نفسك الأمارة بالسُّوء والهوى والدُّنْيَا وَهُوَ فارغ وأَنْتَ مشغول وَهُوَ يراك وأَنْتَ لا تراه وأَنْتَ تنساه ولا ينساك فإذًا لا بد من محاربته وقهره، وإِلا فلاتأ من الفساد والهلاك والدمار، ومحاربته بالاستعاذة بِاللهِ والإكثار من ذكره.ُُُُ
بسم الله الرحمن الرحيم
اعْلَمْ وفقنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع المسلمين أنه لم يؤثر عن أحدٍ من السَّلَف الصالح من الصحابة وتابعيهم بإحسان تعَظِيم أحد من أَهْل البدع والموالين لأَهْل البدع والمنادين بموالاتهم، لأن أَهْل البدع مرضى قُلُوب ويخشى على من خالطهم أو اتصل بِهُمْ أن يصل إليه من ما بِهُمْ من هَذَا الداء العضال، لأن المريض يعدي الصحيح ولا عكس، فالحذر الحذر مِنْ جَمِيعِ أَهْل البدع، ومن أَهْل البدع الَّذِينَ يجب البعد عنهم وهجرانهم، الجهمية، والرافضة، والمعتزلة، والماتريدية، والخوارج، والصوفية، والأشاعرة، ومن على طريقتهم من الطوائف المنحرفة عن طريقة السَّلَف، فينبغي للمسلم أن يحذرهم ويحذر عنهم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.
فائدة عظيمة المنفعة
العلم بما جَاءَ عن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وما جَاءَ عن رسوله ? خَيْر ميراث، والتَّوْفِيق من الله خَيْر قائد، والاجتهاد في طاعة الله خَيْر بضاعة ولا مال أحسن من عمل الرجل في يده ولا مصيبة أعظم من الكفر بِاللهِ، ولا عوين أوثق من الاعتماد على الله، ثُمَّ مشاورة أصحاب الرأي من الْمُؤْمِنِين، ولا أوحش من الكبر والعجب والكفر والنفاق.
[وقف لله تَعَالَى]
(فَصْلٌ في تَحْرِيْمِ النَّمِيْمَة)
ويجب اجتناب النميمة قال الله تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ كُلّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشراركم» ؟ قَالُوا: بلى، قال:«المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت» . رواه أَحَمَد.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الْجَنَّة نمام» . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم ما العضة هِيَ النميمة القالة بين النَّاس» . رواه مسلم. وعن عبد الرحمن بن غنم وأسماء بنت يزيد رضي الله عنهم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خيار عباد الله الَّذِينَ إذا رؤا ذكر الله وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البراء العنت» . رواهما أَحَمَد والبيهقي في شعب الإِيمَان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان فَقَالَ: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكَانَ يمشي بالنميمة، وأما الآخِر فكَانَ لا يتسبرئ من بوله» . الْحَدِيث رواه البخاري.
فالنميمة نقل كلام بعض النَّاس لبعض لقصد الإفساد، وإيقاع العداوة والبغضاء، فالنم خلق ذميم لأنه باعث للفتن وقاطع للصلات وزارع للحقَدْ، ومفرق للجماعات، يجعل الصديقين عدوين والأخوين أجنبيين، والزوجين متنافرين، فهذه المعصية معصية النميمة،
ولا يرضاها لنفسه إِلا من انحطت قيمته ودنؤت نَفْسهُ، وكَانَ عندها حقيرًا، وصار كالذباب ينقل الجراثيم.
وأما من كَانَ يشعر بنفسه، فلا يرضى لها هذه الحالة، وهي حرام بجَمِيع أنواعها، سواء كانت بين الأصدقاء والأصحاب أو عَنْدَ أرباب الجاه والسُّلْطَان، وهي شر أنواع النميمة وأشد خطرًا فإن هذه هِيَ السعاية ولا يخفى ما وراء ذَلِكَ من المفاسد العظيمة فكم جرت من ويلات على كثير من الأبرياء الْمُؤْمِنِين الغافلين طاهري القُلُوب سليمي الصدور فقضت على أرواحهم وأموالهم وَكَمْ نكلت بكثير من الْعُلَمَاء فأخرجتهم من ديارهم وأموالهم وأصبحوا عرضة للمحن والنوائب وَكَمْ ضرت بصالحين مطمئنين فأودعتهم السجون وسلبتهم الحقوق، وجعلت للفسقة عَلَيْهمْ سلطانًا، وَكَمْ حرمت أطفالاً من قوتهم وسلبت مِنْهُمْ نعيمهم بدون جناية اقترفوها أو كانت بين زوجين، أو بين الأَهْل والأقرباء، ولا ريب في أن النميمة في هذه الحالة أشد من النميمة بين الأصدقاء والأصحاب، لإفضائها إلى قطيعة الرحم والطلاق غالبًا، ومن ذَلِكَ النميمة بين الجماعات والإفساد بين القبائل ومن ذلك النميمة لرفع الثِّقَة من مزاحم في تجارة أو صناعة أو زراعة ومن ذَلِكَ النميمة لإنزال شخص عن مكانته واحترامه عَنْدَ فئة من النَّاس. هَذَا معظم أنواع النميمة، وهي كما تَرَى من شر ما منيت به الفضيلة ورزئت به الإنسانية فليتق الله ذووا الألسنة الحداد ولا ينطقوا إِلا بما فيه الْخَيْر لخلق الله، ويكفيكم في هَذَا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«ومن كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فليقل خيرًا أو ليصمت» . رواه البخاري ومسلم.
فإذا تبين أن النميمة داء وبيل، وشر خطير تترتب عله كُلّ هذه الشرور والمفاسد فعلى من نقُلْتُ إليه النميمة مثل أن يُقَالُ له: قال فيك فلان كَذَا وَكَذَا، أو فعل في حقك كَذَا ونحو ذَلِكَ أن لا يصدق الناقل لأن النمام فاسق لا يصح الوثوق بخبره.
ثانيًا: أن ينهي الناقل وينصحه إن كَانَ يظن به خيرًا ويعتقَدْ أن يتأثر بالموعظة الحسنة فيذكر له ما يترتب على نمامته من إيذاء الأبرياء وظلم النَّاس في أموالهم وأرزاقهم ويحذره من عاقبة وشايته وأنه ربما ينكشف أمره عَنْدَ حاكمٍ عادلٍ فيقتص منه شر قصاصٍ أو يظهر كذبه عَنْدَ من ينقل إليه فينعكس غرضه وأنه ربما نم على رجل أقوى منه فينتقم لنفسه بما لا قبل له به وإن النمام ساقط المروءة في أنظار النَّاس، مبغوضًا عندهم حتى أقربائه الَّذِينَ فيهم خَيْر وصلاح، فربما يرتدع بذَلِكَ.
ثالثًا: أن لا يظن بأخيه الغائب السُّوء وخَيْر علاج يقضي عَلَيْهِ أن ينصرف النَّاس عن النمام ولا يستمعون له لأنه حسود وأكثر من يعادي أَهْل الفصل والدين الحساد لأنهم لا يرضون أعمالهم، وتجد الحسود إذا عجز أن يصل إلى ما وصل إليه الكرام يعيبهم ويتنقصهم.
قال الشاعر:
إِذَا بَعُدَ الْعُنُقُودُ عَنْهُ وَلَمْ يَصِلْ
…
إليه بِوَجْهٍ قَالَ مُرٌّ وَحَامِضُ
آخر:
…
وَقَدْ يَنْبَحُ الْكَلْبُ السَّحَابَ وَدُونَهُ
…
مَهَامِهُ تُعْشِي نَظْرَةَ الْمُتَأَمِلِ
قال الشاعر: (وَذُو النَّقْصِ فِي الدُّنْيَا بِذِي الْفَضْلِ مَوْلَعُ)
وَيَقُولُ الآخر:
لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِن الأَذَى
…
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
وَيَقُولُ الآخر:
وَكَذَا الْمَنَايَا مَا يَطَأْنَ بِمَنْسَمٍ
…
إِلا عَلَى أَعْنَاقُ أَهْلِ السُّودَدِ
وَيَقُولُ الآخر:
إِنّ الْوَرَى أَعْدَاءُ مَنْ فَضَلَ الْوَرَى
آخر:
…
الْمَرْءُ يُقْلَى إِنْ عَلا
…
حَسَدًا وَيُهْوَى إِنْ هَوَى
كَالْغُصْنِ يُرْجَمْ مُشَمِّرًا
…
أَبَدًا وَيُسْقَى إِنْ ذَوَى
آخر: وَمَا زَالَتِ الأَشْرَاف تُهْجَى وَتُمْدَحُ
وَيَقُولُ الآخر:
وَيَبِيتُ قَوْمُ يُحْسَدُونَ مُحَمَّدًا
…
وَذُو الْفَضْلِ لا تَلْقَاهُ إِلا مُحَسَّدًا
آخر:
…
وَكَأَنَّمَا شَرَفُ الشَّرِيفِ إِذَا ائْتَمَى
…
جُرْمٌ جَنَاهُ عَلَى اللَّئِيمِ الرَّاضِعِ
آخر:
…
مَوْسُومَةُ بِالْحُسْنِ ذَاتَ حَوَاسِدِ
…
إِنَّ الْحِسَانَ مَظَنَّةُ لِلْحُسَّدِ
آخر في التحذير من النميمة والغيبة والبهت إلخ....
تَنَحَّ عَنْ النَّمِيمَةِ وَاجْتَنِبْهَا
…
فَإِنَّ النَّمَ يُحْبِطُ كُلَّ أَجْرِ
يُثِيرُ أَخُو النَّمِيمَةِ كُلَّ شَرٍّ
…
وَيَكْشِفُ لِلْخَلائِقِ كُلَّ سِرِ
وَيَقْتُلُ نَفْسَهُ وَسِوَاهُ ظُلْمًا
…
وَلَيْسَ النَّمُ مِنْ أَفْعَالِ حُرٍّ
آخر:
وَيَحْرُمُ بُهْتُ وَاغْتِيَابُ نَمِيمَةُ
…
وَإِفْشَاءُ سِرٍّ ثُمَّ لَعْنُ مُقَيَّدِ
آخر:
…
وَصَاحِبُ النَّمِّ كَالدَّاءِ الْعَيَاءِ إِذَا
…
مَا ارْفَضَّ فِي الْجِلْدِ يَجْرِي هَا هُنَا وَهُنَا
يُبْدِي وَيُخْبِرُ عَنْ عَوْرَاتِ صَاحِبِهِ
…
وَمَا يَرَى عِنْدَهُ مِنْ صَالِحٍ دَفَنَا
آخر:
…
وَلِدّيَانَاتِ أَهْلُ يَعْرفون بِهَا
…
وَلِنَّمَامَةِ بَيْنَ النَّاسِ فُسَّاقُ
روي عن عمر بن عَبْد الْعَزِيز أنه دخل عَلَيْهِ رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فَقَالَ عمر: إن شئت حققنا هَذَا الأَمْر الَّذِي تَقُول فيه وننظر فيما نسبته إليه.
فإن كنت كاذبًا فأَنْتَ من أَهْل هذه الآيَة: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وإن كنت صادقًا فأَنْتَ من أَهْل هذه الآيَة: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} وإن شئت عفونا عَنْكَ فَقَالَ: العفو يا أمير الْمُؤْمِنِين لا أَعُود إليه أبدَا.
إِذَا وَاشٍ أَتَاكَ بِقَوْلِ زُورٍ
…
فَلا تَدَعِ الصَّدِيق لِقَوْلِ وَاشِي
وَلا تُخْبِرْ بِسِرِّكَ كُلُّ سِرٍّ
…
إِذَا مَا جَاوَزَ الاثْنَيْنِ فَاشِي
وَلا تَصْحَبْ قَرِينَ السُّوءِ وَانْظُرْ
…
لِنَفْسِكَ مَنْ تُقَارِنُ أَوْ تُمَاشِي
ورفع إنسان رقعة إلى الصَاحِب بن عباد يحثه على أخذ مال يتيم وكَانَ له مال كثير فكتب على ظهره الرقعة: النميمة قبيحة، وإن كانَتْ صحيحة والميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والْمَال ثمره الله، والساعي لعنه الله. وَقَالَ الحسن البصري: من نقل إليك حديثًا فاعْلَمْ أنه ينقل إلى غيرك حديثك ووشى رجل برجل إلى أحد الولاة فَقَالَ: أتحب أن نقبل منك ما قُلْتُ فيه على أن نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا، قال: فكف عن الشر يكف عَنْكَ.
شِعْرًا:
…
لا تُفْشِ سِرًّا مَا اسْتَطَعْتَ إلى امْرِئٍ
يُفْشِي إليك سَرَائِرًا يَسْتَوْدِعُ
فَكَمَا تَرَاهُ بِسِرٍّ غَيْرِكَ صَانِعًا
فَكَذَا بِسِرِّكَ لا أَبَالَكَ يَصْنَعُ
آخر:
…
لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءُ يُسْتَطَبُّ بِهِ
…
إِلا النَّمَامَةَ وَالطَّاعُونَ وَالْهَرَمَا
آخر:
…
لا تَقْبَلَنَّ نَمِيمَةً بُلِّغْتَهَا
وَتَحْفَظَنَّ مِنَ الَّذِي أَنْبَاكَهَا
إِنَّ الَّذِي أَهْدَى إليك نَمِيمَةً
سَيَنِمُ عَنْكَ بِمِثْلِهَا قَدْ حَاكَهَا
…
>?
وَقَالَ ابن المبارك: ولد الزنا لا يكتم الْحَدِيث. أشار به إلى أن كُلّ من لم يكتم الْحَدِيث، ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطًا من قوله تَعَالَى:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} والزنيم هُوَ الدعي.
وروى أن بعض السَّلَف زار أخًا له، وذكر له عن بعض إخوانه شَيْئًا يكرهه، فَقَالَ له: يا أخي أطلت الغيبة، وأتيتني بثلاث جنايات، بغضت إلى أخي، وشغلت قلبي بسبه، واتهمت نفسك الأمنية. أ. هـ.
شِعْرًا:
…
لِسَانُ الْفَتَى حَتْفُ الْفَتَى حِينَ يَجْهَلُ
…
وَكُلُّ امْرِئٍ مَا بَيْنَ فَكَّيْهِ مَقْتَلُ
إِذَا مَا لِسَانُ الْمَرْءِ أَكْثَرَ هَذْرَهُ
…
فَذَاكَ لِسَانُ بِالبَلاءِ مُوَكَّلُ
وَكَمْ فَاتِحٍ أَبْوَابَ شرٍّ لِنَفْسِهِ
…
إِذَا لَمْ يَكُنْ قُفْلُ عَلَى فِيهِ مُقْفَلُ
كَذَا مَنْ رَمَى يَوْمًا شَرَارَاتِ لَفْظِهِ
…
تَلَقَّتْهُ نِيرَانُ الْجَوَابَاتِ تَشْعَلُ
وَمَنْ لَمْ يُقَيِّدْ لَفْظَهُ مُتَحَمِّلاً
…
سَيُطقُّ فِيهِ كُلَّ مَا لَيْسَ يَجْمُلُ
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي فِيهِ مَاءُ صِيَانَةٍ
…
فَمِنْ وَجْهِهِ غُصْنُ الْمَهَابَةِ يَذْبُلُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الْفَضْلَ فِي الْحِلْمِ وَحْدَهُ
…
بَلْ الْجَهْلُ فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ أَفْضَلُ
وَمَنْ يَنْتَصِرْ مِمَّنْ بَغَى فَهُوَ مَا بَغَى
…
وَشَرُّ الْمُسِيئَينِ الَّذِي هُوَ أوَّلُ
وقَدْ أَوْجَبَ اللهُ الْقِصَاصَ بِعَدْلِهِ
…
وَللهِ حُكْمُ فِي الْعُقُوبَاتِ مُنَزَلُ
فَإِنْ كَانَ قَوْلٌ قَدْ أَصَابَ مَقَاتِلاً
…
فَإِنَّ جَوَابَ الْقَوْلِ أَدْهَى وَأَقْتَلُ
وَقَدْ قِيلَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَخَزْنِهِ
…
مَسَائِلُ مَنْ كُلِّ الْفَضَائِلِ أَكْمَلُ
وَمَنْ لَمْ يُقَرِّبْهُ سَلامَةُ غَيبِهِ
…
فَقُرْبَانُهُ فِي الْوَجْهِ لا يُتَقَبَّلُ
وَمَنْ يتَّخِذْ سُوءَ التَّخَلُّفِ عَادَةً
…
فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي عِتَابٍ مُعَوَّلُ
وَمِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ الْوَقِيعَةُ طَالِبًا
…
بِهَا عِزَّةً فَهُوَ الْمُهِينُ الْمُذَلَّلُ
وَعَدْلُ مُكَافَاةِ الْمُسِيءِ بِفِعْلِهِ
…
فَمَاذَا عَلَى مَنْ فِي الْقَضِيَّةِ يَعْدِلُ
وَلا فَضْلَ فِي الْحُسْنَى إِلَى مَنْ يُحِسُّهَا
…
بَلَى عِنْدَ مَنْ يَزْكُو لَدَيْهِ التَّفَضُّلُ
وَمَنْ جَعَلَ التَّعْرِيضَ مَحْصُولَ مَزْحِهِ
…
فَذَاكَ عَلَى الْمَقْتِ الْمُصَرَّحِ يَحْصُلُ
وَمَنْ أَمِنَ الآفَاتِ عَجَبًا بِرَأْيِهِ
…
أَحَاطَتْ بِهِ الآفَاتُ مِنْ حَيْثُ يَجْهَلُ
أُعَلِّمِكُمُ مَا عَلَّمَتْنِي تَجَارُبِي
…
وَقَدْ قَالَ قَبْلِي قَائِلُ مُتَمَثِّلُ
إِذَا قُلْتَ قَوْلاً كُنْتَ رَهْنَ جَوَابِهِ
…
فَحَاذِرْ جَوَابَ السُّوءِ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا مُسَلَّمًا
…
فَدَبِّرْ وَمَيِّزْ مَا تَقُولُ وَتَفْعَلُ
وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
(موعظة)
عباد الله إن صفات الشر وخصال السُّوء ما وجدت في قوم إِلا كَانُوا أهلاً لغضب الله وسخطه فاستحقوا الشقاء والذل في الدُّنْيَا والآخِرَة وإن من أقبح الخصال وأشنع الخلال الغيبة والنميمة وقَدْ انهمك النَّاس فيهما وصَارَت مجالسهم لا تعمر إِلا بهما يسمَعُ المرء من أخيه الكلمة ليفرج بها من كربه ويخفف بها من آلامه فينقلها إلى صاحبها قصد الإيقاع به والتفريق بين الْمُؤْمِنِين هذه يا عباد الله غاية الدناءة، ومنتهى الخسة والنذالة واللآمة ألا شهامة تحمل النمام على كتمانه سر أخيه ألا مروءة تمنعه من أن ينم على أخيه المسلم، إن النمام لا يعرف
للشهامة سبيلاً، ولا للمروءة طريقًا، إن من ينم على المسلمين ليبدل الود جفًا وبغضًا والصفو كدرًا وحقدًا ويفتح أبواب الشرور والجنايات على مِصْرَاعَيْهَا بين الْمُؤْمِنِين من أكبر المصائب، وأشد الرزايا على هَذَا المجتمَعَ الإنساني، وكَذَلِكَ الغيبة فإنها تذهب الحسنات، وأَنْتَ تريد أن تكشفه للناس تريد مِنْهُمْ أن يحقروه ويزدروه ويحترسوا منه أن يكون يومًا لَهُمْ من الأصحاب أَنْتَ تريد مِنْهُمْ أنه أن خطب مِنْهُمْ منعوه لتحقيرك إياه عندهم تريد من غيبتك له أن يبعد مِنْهُمْ ويكون منطويًا عنهم لما لقتنهم مِمَّا ذكرته فيه ويكون في وحشيةٍ مِنْهُمْ وتريد مِنْهُمْ أن لا يردوا عليه السلام إذا سلم لما عندهم له مِمَّا لقنتهم من الازدراء والاحتقار وإن كَانَ صانعًا فبسبب غيبتك له أن يجفوا صنعته فتقف، وإن كَانَ تاجرًا فتريد بغيبتك أن تخسر تجارته لإعراضهم عَنْهُ، وتريد أنه إذا كَانَ له أولادٌ أو بناتٌ يرغب في تزويجهم أن يأنف النَّاس مِنْهُمْ فيبورون، هَذَا وَاللهِ شَيْء يؤلم النُّفُوس الزكية لأنها مضار عظيمة جدًا تنزل بمن تغتابه فعلى العاقل أن لا يصدق المغتاب أن يرده خائبًا ولا يظن بأخيه المسلم إِلا خيرًا.
اللَّهُمَّ يا من بيده خزائن السماوات والأَرْض عافنا من محن الزمان، وعوارض الفتن، فإنا ضعفاء عن حملها، وإن كنا من أهلها، اللَّهُمَّ وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا مِنْ جَمِيعِ الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، واغفر لنا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلّى اللهُ على محمدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
يُشَارِكُكَ الْمُغْتَابُ فِي حَسَنَاتِهِ
وَيُعْطِيكَ أَجْرَيْ صَوْمِهِ وَصَلاتِهِ
…
>?
.. وَيَحْمِلُ وِزْرًا عَنْكَ ظَنَّ بِحَمْلِهِ
عَنْ النُّجْبِ مِنْ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ
فَكَافِيهِ بِالْحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَازِهِ
بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
فَيَا أَيُّهَا الْمُغْتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِي
ثَوَابُ صَلاةٍ أَوْ زَكَاةٍ فَهَاتِهِ
فَغَيْرُ شَقِيٍّ مَنْ يَبِيتُ عَدُوُّهُ
يُعَامِلُ عَنْهُ اللهَ فِي غَفَلاتِهِ
فَلا تَعْجَبُوا مِنْ جَاهِل ضَرَّ نَفْسَهُ
بِإِمْعَانِهِ فِي نَفْعٍ بَعْضِ عُدَاتِهِ
وَأَعْجَبُ مِنْهُ عَاقِلٌ بَاتَ سَاخِطًا
عَلَى رَجُلٍ يُهْدِي لَهُ حَسَنَاتِهِ
وَيَحْمِلُ مِنْ أَوْزَارِهِ وَذُنُوبِهِ
وَيَهْلَكُ فِي تَخْلِيصِهِ وَنَجَاتِهِ
فَمَنْ يَحْتَمِلْ يَسْتَوْجِبِ الأَجْرَ وَالثَّنَا
وَيُحْمَدُ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ وَفَاتِهِ
وَمَنْ يَنْتَصِفْ يَنْفَخْ ضِرًا مَا قَدْ انْطَفَى
وَيَجْمَعُ أَسْبَابَ الْمَسَاوِي لِذَاتِهِ
فَلا صَالِحٌ يُجْزَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ
وَلا حَسَنٌ يُثْنَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ
يَظَلَّ أَخُو الإِنْسَانِ يَأْكُلُ لَحْمَهُ
كَمَا فِي كِتَابِ اللهِ حَالَ مَمَاتِهِ
…
>?
.. وَلا يَسْتَحِي مِمَّنْ يَرَاهُ وَيَدَّعِي
بِأَنَّ صِفَاتِ الْكَلْبِ دُونَ صِفَاتِهِ
وَقَدْ أَكَلا مِنْ لَحْمِ مَيْتٍ كِلاهُمَا
وَلَكِنْ دَعَى الْكَلْبُ اضْطِرَارُ اقْتِيَانِهِ
تَسَاوَيْتُمَا أَكْلاً فَأَشْقَاكُمَا بِهِ
غَدًا مَنْ عَلَيْهِ الْخَوْفُ مِنْ تُبَعَاتِهِ
وَمَا لِكَلامٍ مَرَّ كَالرِّيحِ مَوْقِعٌ
فَيَبْقَى عَلَى الإِنْسَانُ بَعْضُ سِمَاتِهِ
…
>?
(فَصْلٌ)
ثُمَّ اعْلَمْ أن الباعث على النميمة إما إرادة السُّوء بالمحكي عَنْهُ، أو إظهار الحب للمحكي له أو التفرج بالْحَدِيث أو الخوض في الفضول ونحو ذَلِكَ ومن آفات الكلام كلام ذي اللسانين الَّذِي يتكلم لكل من المتعاديين بكلام يوافقه فيظهر له إذا قابله أنه صديقه الحميم الحريص على مصلحته الساعي في منفعته ويظهر له أنه عدوٌّ لعدوه وأنه حرب عَلَيْهِ مثله فيغتر بقوله وينخدع بوشيه فيفضي إليه بخبيئه ويبوح له بأسراره أو اتقى به شره وكيده، ومكره وخداعه فإذا فاقره ذهب إلى عدوه وأعلمه بخبئ أمره وبمكتوم سره وطعن في عرضه ونال من شرفه وأظهر له أنه عدو له وأنه له الصديق الوفي فتطمئن نَفْسهُ إليه وينطلق في ذم الآخِر والنيل من عرضه ثُمَّ يحدث هَذَا بما فكر فيه وقدر وبيت ودبر فيذهب به إلى الأول ويقصه عَلَيْهِ قصًا يوغر صدره ويشعل في قَلْبهُ نار العداوة فيزداد العداوة، وتربو البغضاء والشحناء وهكَذَا بين الاثنين والحزبين فمثل هَذَا منافق كذاب نمام خداع غشاش مكار ظَالِم.
شِعْرًا:
…
صَافِي الْكَرِيمَ وَخَيْرُ مَنْ صَافَيْتَهُ
…
مَنْ كَانَ ذَا دَيْنٍ وَكَانَ عَفِيفَا
إِنَّ الْكَرِيمَ وَإِنْ تَضَعْضَعَ حَاله
…
فَالطَّبْعُ مِنْهُ لا يَزَال شَرِيفَا
وَاحْذَر مُؤَاخَاةَ اللَّئِيمِ فَإِنَّهُ
…
يُبْدِي الْقَبِيحِ وَيَكْتُمُ الْمَعْرُوفَا
وَالنَّاسُ مِثْلُ دَرَاهِمٍ مَيَّزْتَهَا
…
فَوَجَدْتَ فِيهَا فِضَّةً وَزُيُوفَا
آخر:
…
لا تَمْدَحَنَّ امْرأ حَتَّى تُجَرِّبَهُ
…
فَرُبَّمَا قَامَ إِنْسَانٌ مَقَامَ فِئَةْ
فَالدَّالَ وَالذَّالُ فِي التَّصْوِيرِ وَاحِدَةٌ
…
وَالدَّال أَرْبَعَةٌ وَالذَّالُ سُبْعُمائَةْ
يشار بذَلِكَ إلى الأعداء الأبجدية في قول فدال أربعة والذال سبعمائة ورسمهما واحد إِلا أن الذال تتميز بنقطة فقط.
شِعْرًا:
…
وَكَمْ مِنْ صَدِيق وُدُّهُ بِلِسَانِهِ
…
خُؤْونٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لا يَتَذَمَّمُ
يُضَاحِكُنِي عُجْبًا إِذَا مَا لَقِيتُهُ
…
وَيَصْدِفُنِي مِنْهُ إِذَا غِبْتُ أَسْهُمُ
كَذَلِكَ ذُو الْوَجْهَيْنِ يُرْضِيكَ شَاهِدًا
…
وَفِي غَيْبِهِ إِنْ غَابَ صَابٌ وَعَلْقَمُ
آخر:
…
تَطَلَّبْتُ فِي الدُّنْيَا خَلِيلاً فَلَمْ أَجِدْ
…
وَمَا أَحَدٌ غَيْرِي لِذَلِكَ وَاجِدُ
فَكَمْ مُضْمِرٍ بُغْضًا يُرِيكَ مَحَبَّةً
…
وَفِي الزَّنْدِ نَارٌ وَهُوَ فِي اللَّمْسِ بَارِدُ
آخر:
…
تَنَكَّر مَنْ كُنَّا نُسَرُّ بِقُرْبِهِ
…
وَصَارَ زُعَافًا بَعْدَ مَا كَانَ سَلْسَلا
وَحُقّ لِجَارٍ لَمْ يُوَافِقْهُ جَارُهُ
…
وَلا لا أَمَتْهُ الدَّارُ أَنْ يَتَحَوَّلا
آخر:
…
لا أَشْتَكِي زَمَنِي هَذَا فَأَظْلِمُهُ
…
وَإِنَّمَا أَشْتَكِي مِنْ أَهْلِ ذَا الزَّمَنِ
هُمُ الذِّيَابُ الَّتِي تَحْتَ الثِّيَابُ فَلا
…
تَكُنْ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمُؤْتَمِنِ
آخر:
…
مَنْ عَاشَ غَيْرَ مُدَاجِ مَنْ يُعَاشِره
…
أَسَاء عشرة أصْحَاب وَإِخْوَانِ
كَمْ صَاحِبٍ يَتَمَنَّى لَوْ نُعِيتَ لَهُ
…
وَإِنْ تَشَكَّيْتُ آخَانِي وَفَدَّانِ
ومن الآفات المهلكة التي يتأكد تجنبها في رمضان وغيره المدح وله ست آفات أربع في المادح واثنتان في الممدوح الأولى: أنه قَدْ يفرط فينتهي به إلى الكذب. الثَّانِيَة: أنه قَدْ يدخله الرياء إذ لا يكون قَلْبهُ كَذَلِكَ. الثالثة: أنه قَدْ يَقُولُ ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الإطلاع عَلَيْهِ. الرابعة: أنه قَدْ يمدح الظَالِم والفاسق والكافر والمنافق وهَذَا أمر عَظِيم. الخامسة: أنه يحدث في الممدوح كبرًا وإعجابًا، وهما مهلكتان. السادسة: أنه يحدث في الممدوح فتورًا ورضى عن نَفْسهُ، عِنْدَمَا يثني عَلَيْهِ بالْخَيْر، ويحصل معه فرح وسرور، فيقل اجتهاده وتشميره عن الْعَمَل لأنه يظن أنه قَدْ أدرك النهاية وقَدْ وردت أحاديث في ذم المدح في الوجه لمن خيف عَلَيْهِ مفسدة من إعجاب ونحو.
من ذَلِكَ ما ورد عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَ فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ» . متفق عَلَيْهِ. والإطراء المبالغة في المدح.
وقَدْ بالغ بعض الشعراء الَّذِينَ يتقربون إلى أسيادهم بما يرضيهم طمعًا في الدُّنْيَا، أو اتقاء شرهم، ولولا التحذير عن مثلها لما سقناها نسأل الله العافية: قال المتنبي:
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أَؤمِلُهُ
وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
لا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ
وَلا يَهِيضُونَ عظمًا أَنْتَ جَابِرُهُ
…
>?
وَيَقُولُ الآخِر نسأل الله العافية:
…
مَا شِئْتَ لا مَا شَاءَتِ الأَقْدَارِ
…
فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الْمَالِكُ الْقَهَّارُ
ولو اعتصم بِاللهِ وعلم أنه لا يضر ولا ينفع إِلا الله جَلَّ وَعَلا لأغناه وكفاه، وحال بين من يخشاه وبينه، قال تَعَالَى:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، وَقَالَ:{وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وعلام يخضع المُؤْمِن أو يتذلل لمخلوق مثله، يحتاج إلى ما يحتاج إليه.
شِعْرًا:
…
الْحَمْدُ لله لَيْسَ الرِّزْقَ بِالطَّلَبِ
…
وَلا الْعَطَايَا لِذِي عَقْلٍ وَلا أَدَبِ
إِنْ قَدَّرَ اللهَ شَيْئًا أَنْتَ طَالبُهُ
…
يَوْمًا وَجَدْتَ إليه أَقْرَبَ السَّبَبِ
آخر:
…
صَرَفْتُ عَنْ الْكَثْرَاتِ وَجْهَ تَوَجُّهِي
…
إِلَى وَحْدَةِ الْوَجْهِ الْكَرِيمِ الْمُمَجَّدِ
فَمَا خَابَ مَصْرُوفًا إِلَى الْحَقِّ وَجْهُهُ
…
وَقَدْ خَابَ مَنْ أَضْحَى إِلَى الْخَلْقِ يَجْتَدِي
آخر:
…
لَوْ أَنَّنِي خَيَّرْتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ
…
مَا اخْتَرْتُ إِلا صَالِحِ الأَعْمَالِ
كُلُّ الأُمُورِ تَزُولُ عَنْكَ وَتَنْقَضِي
…
إِلا الْعَمَلِ للهِ فَهُوَ الْبَاقِي
آخر:
…
مَوْلاكَ يَكْفِيكَ فَالْزَمْ بَابَ طَاعَتِهِ
…
فَقَدْ كَفَى النَّاسَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتَا
مَنْ يَعْتَمِدْ غَيْرَهُ يَرْجِعْ بِمَحْرَمَةٍ
…
كَالْمُبْتَغِي بِالْفَلا الصَّحْرَاءِ أَحْوَاتَا
نَصَحْتُكَ لا تَسْأَلْ مِنَ النَّاسِ وَالْتَمِسْ
…
بِكَفَّيْكَ فَضْلَ اللهِ فَالرِّزْقُ أَوْسَعُ
فَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ التُّرَابَ لأَوْشَكُوا
…
إِذَا قِيلَ هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمْنَعُوا
آخر:
…
لا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ
…
فَإِنَّ ذَلِِكَ نَقْصُ مِنْكَ فِي الدِّينِ
وَاسْتَرْزِقِ اللهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ
…
فَإِنَّمَا الأَمْرُ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ
يشير إلى قول الله جَلَّ وَعَلا: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» . يَقُولُهُ مِرَارًا «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللهُ وَلا يُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا» . متفق عَلَيْهِ.
وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمِقْدَادُ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَاب» . رواه مسلم.
وقَدْ ذكر شراح الْحَدِيث أن المداحين المعنيين هنا هم الَّذِينَ اتخذوا مدح النَّاس عادة يستألون به فأما من مدح على الأَمْر الحسن والْفِعْل الجميل ترغيبًا وتنشيطًا وتحريضًا للناس على الإقتداء به فلَيْسَ بمداح وختامًا فإن التمدح مدرجة إلى الكذب والمسلم يجب أن يكون نبيهًا حذرًا يثنى على غيره فلا يذكر إِلا ما يعلم من خَيْر ولا يجنح إلى المبالغة في المدح فمهما كَانَ الممدوح جديرًا بالثناء فإن المبالغة في مدحه ضرب من الكذب على أن الممدوح إن كَانَ رزين العقل انتقَدْ المتجاوز للحد في مدحه كما قيل.
وَمَدْحُكَ الشَّخْصَ بِالأَخْلاقِ يَعْدِمُهَا
لِلْحُرِّ ذِي اللَّبِ تَبْكِيتٌ وَتَخْجِيل
…
>?
وَقَالَ الآخر:
…
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْدَحْهُ حُسْنُ فِعَاله
فَمَادِحُهُ يَهْذِي وَإِنْ كَانَ مُفْصِحَا
…
>?
وأجاب بعض الصلحاء المبالغ في مدحه بقوله:
…
كُفِيتَ أَذَىً يَا مَنْ تَعَدُّ مَحَاسِنِي
عَلانِيَّتِي هَذَا وَلَمْ تَدْرِ بَاطِنِي
…
>?
وأجاب الآخِر بقوله:
…
وَلَوْ عَلِمَ الْخَلائِقُ سُوءَ فِعْلِي
لَمَا رَدُّوا إِلَى مِثْلِي سَلامَا
…
>?
وحيث أن الشَّافِعِي لا يحب الرياء والشهرة وطلب المدح والثناء يَقُولُ:
…
أَرَى الْغِرَّ فِي الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ فَاضِلٌ
تَرَقَّى عَلَى رُؤْسِ الرِّجَالِ وَيَخْطُبُ
وَإِنْ كَانَ مِثْلِي لا فَضِيلَةَ عِنْدَهُ
يُقَاسُ بِطِفْلِ فِي الشَّوَارِعِ يَلْعَبُ
…
>?
وأما الثناء من الإِنْسَان على نَفْسهُ فشناعة وفظاعة وقَدْ قيل لحكيم ما الَّذِي لا يحسن وإن كَانَ حقًّا؟ فَقَالَ: مدح الرجل نَفْسهُ. وَقَالَ معاوية رضي الله عنه لرجل: من سيد قومك؟ فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ: لو كُنْتَهُ لَمَا قُلْتَهُ. قال بَعْضهمْ:
…
وَمَا حَسَنَ أَنْ يَمْدَحَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
وَلَكِنْ أَخْلاقًا تَذُمُّ وَتَمْدَحُ
…
>?
.. وَمَا كُلُّ حِينٍ يَصْدُقُ الْمَرْءُ ظَنَّهُ
وَلا كُلُّ أَصْحَابِ التِّجَارَةِ يَرْبَحُ
وَلا كُلُّ مَنْ تَرْجُو لِغَيْبِكَ حَافِظًا
وَلا كُلُّ مَنْ ضَمَّ الْوَدِيعَةَ يَصْلَحُ
…
>?
وَرُبَّمَا آل حب المدح بصاحبه إلى أن يصير ديدانه مدح نَفْسهُ إما لتوهمه أن النَّاس غفلوا عن فضله وأخلوا بحقه من المدح فتسوقه المنافسة إلى مدح نَفْسهُ وفتح باب الاستهزاء عَلَيْهِ وإما ليخدعهم بتدلَيْسَ نَفْسهُ بالمدح والإطراء فيعتقَدْ الجهال أن قوله حق متبع وصدق مستمَعَ وإما لتلذذه بسماع الثناء وسرور نَفْسهُ بالمدح ولأي واحدٍ من الثلاثة كَانَ مدح النفس فهو الجهل الصريح والنقص الفضيح، والكبر القبح لأنه ناشيء عن عقل فاسدٍ.
وقَدْ قال بعض الشعراء:
…
وَدَعْوَةُ الْمَرْءِ تُطْفِي نُورَ بَهْجَتِهِ
هَذَا بِحَقٍّ فَكَيْفَ الْمُدَّعِي زَلَلا
…
>?
وينبغي للعاقل أن يسترشد إِخْوَان الصدق الَّذِينَ هم أصفياء القُلُوب الَّذِينَ يثق بدينهم وأمانتهم فهم مرايا المحاسن والعيوب لينبهوه على مساويه التي صرفه حسن الظن بنفسه عَنْهَا فَإِنَّهُمْ أمكن نظرًا وأسلم فكرًا ويجعلون ما ينبهونه عَلَيْهِ من مساويه عوضًا عن تصديقه المدح فيه.
قال الشاعر:
…
لا تَحْقِرَنَّ الرَّأْيَ وَهُوَ مُوَافِقٌ
…
حُكْم الصَّوَابِ وَلَوْ أَتَى مِنْ نَاقِصِ
فَالدُّرُّ وَهُوَ أَجَلُّ شَيْء يُقْتَنَى
…
مَا حَطَّ قِيمَتَهُ هَوَانُ الْغَائِصِ
آخر:
…
خَصَائِصُ من تُشَاوِرُهُ ثَلاثٌ
…
فَخُذْهَا مِنْ لِسَانِي بِالْوَاثِيقَةْ
وَدَادُ خَالِصُ وَوَفُورُ عَقْلٍ
…
وَمَعْرِفَةٌ لِحَالِكَ بِالْحَقِيقَةْ
فَإِنْ تَمتْ لَهُ هَذِي الْمَعَانِي
…
فَتَابِعْ أَيَهُ وَاسْلُكْ طَرِيقَةْ
وقَدْ روى أنس بن مالك عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، إذا رأى فيه عيبًا أصلحه» . وكَانَ عمر رضي الله عنه يَقُولُ: رحم الله امرأ أهدي إلينا مساوينا لنصلحها. وقيل لبعض الحكماء: أتحب أن تهدى إليك عيوبك؟ قال: نعم ممن يريد براءتي من العيوب لا من عدو يشمت بالذُّنُوب.
ومِمَّا يقارب هَذَا القول ما روي عن عُمَر بن الْخَطَّاب رضي الله عنه أنه قال لابن عباس: من تَرَى نوليه حمص فَقَالَ رجلاً صحيحًا منك لا تسوء به الظن بأنه لَيْسَ من أَهْل الكفاية نصيحًا لك مخلصًا فِي طَاعَتكَ قال عمر تَكُون أَنْتَ ذَلِكَ الرجل قال ابن عباس: لا تنفع بي مَعَ سوء ظنك بي لما حملت كلامي على التعريض، وسؤال الولاية.
وأما قول يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} فلأنه قصد بذَلِكَ التنبيه على استقلاله بما سأل أن يفوض إليه لمصلحة لا يقوم بها غيره وهي العلم بجَمِيع الجهات المتعلقة بهذه الخزائن من حسن الاستخراج وحسن التصرف وإقامة العدل الكامل مَعَ الحفظ التام لذَلِكَ فهو لما رأى الملك استخلصه لذَلِكَ وجعله مقدمًا عَلَيْهِ وفي المحل العالي وجب عَلَيْهِ النَّصِيحَة التامة للملك والرعية، وأما طلب ما يحصل به الثناء من وجه يستحب فذَلِكَ محمود، وَهُوَ طَرِيق إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلاة
والسَّلام حيث قال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي اجعلني بحيث أفعل ما إذا مدحت به يكون مادحي صادقًا ولذَلِكَ ينبغي للإنسان إذا أثني عَلَيْهِ أن يَقُولُ اللَّهُمَّ اجعلني خيرًا مِمَّا يظنون ويكثر من حمد الله وشكره.
شعرًا:
…
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَبْقَى مِن اللهِ نِعْمَةٌ
…
فَسَارِعْ إِلَى حَمْدِ الإِلهِ وَشُكْرِهِ
وَلا تَعْصِيَنَّ اللهَ فِيمَا رُزِقْتَهُ
…
فَيَنْزِعُ عَنْكَ اللهُ وَاسِعِ رِزْقِهِ
آخر:
…
إِذَا رَبُّنَا أَعْطَاكَ دُنْيَا فَجُدْ بِهَا
…
عَلَى النَّاسِ أَهْلِ الدِّينِ قَبْلَ التَّفَلُّتِ
فَلا الْجُودُ يُفْنِيهَا إِذَا هِيَ أَقْبَلَتْ
…
وَلا الْبُخْلُ يُبْقِيهَا إِذَا هِيَ وَلَتِ
آخر:
…
تَبَارَكَ مَنْ سَاسَ الأُمُورَ بِعِلْمِهِ
…
وَذَلَّ لَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمَنْ قَسَّمَ الأَرْزَاقَ بَيْنَ عِبَادِهِ
وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّاسِ فِيهَا عَلَى بَعْضِ
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْحِرْصَ فِيهِ يَزِيدُهُ
فَقُولُوا لَهُ يَزْدَادُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ
آخر:
…
وَدَاوِ وَلازِمْ قَرْعَ بَابٍ مُؤمِّلاً
فَمَا خَيَّبَ الْمَوْلَى رَجَاءَ مُؤَمِّلِ
وَصَابِرْ فَمَا نَالَ الْعُلا غَيْرُ صَابِرٍ
وَقُلْ وَاعِظًا لِلنَّفْسِ عِنْدَ التَّمَلْمُلِ
مَعَ الصَّبْرِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ مُنَاكَ أَوْ
مُنَايَا كِرَام فَاصْبِرِي وَتَحَمَّلِي
وَدَاوِ لِسُقْمِ الْقَلْبِ وَاعْمُرْ خَرَابَهُ
…
بِذِكْرِكَ مَوْلانَا فَسَبِّحْ وَهَلِّلِ
اللَّهُمَّ اكتب في قلوبنا الإِيمَان وأيدنا بنور منك يا نور السماوات والأَرْض، اللَّهُمَّ ووافتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لنا وارحمنا بِرَحْمَتِكَ الواسعة إنك أَنْتَ الغفور الرحيم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
موعظة
أين من عمر العمائر والفلل واحترس أين من عمر الحدائق وغرس ونصب لنفسه سرير العز وجلس وبلغ الغاية في العتو والطغيان وعن الحق انتكس وظن في نَفْسهُ البقاء ولكن خاب الظن في النفس، أقلقهُ خوف الموت واختلس وأنزل بالقهر عن ظهر الفرس وحمل إلى دار البَلاء فانطمس وتركه في ظلام ظلمة من الجهل والدنس فالعاقل من اغتنم الوَقْت قبل أن يختلس وصبر نَفْسهُ على طاعة مولاه إلى أن تنتهي الحياة وَيَنْقَطِعُ النَّفْس، وَأَكْثِرْ مِنْ سُؤَال اللهِ أَنْ يُوفِقَكَ وَيُعِينَكَ
شِعْرًا:
…
إِذَا كَانَ عَوْنُ اللهِ لِلْعَبْدِ مُسْعِفًا
…
تَهَيَّا لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ مُرَادُهُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْنُ الله لِلْفَتَى
…
فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
آخر:
…
فَكَابِدْ إِلَى أَنْ تَبْلُغِ النَّفْسُ عُذْرِهَا
…
وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طلاع أَنْجُدِ
وَلا يَذْهَبَنَّ الْعُمْرُ مِنْكَ سَبَهْللاً
…
وَلا تُغْبَنَنْ بِالنِّعْمَتَيْنِ بَلْ أَجْهِدِ
فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَاتِ نَالَ الْمُنَى وَمَنْ
…
أَكَبَّ عَلَى اللَّذَاتِ غَضَّ عَلَى إليدِ
شِعْرًا:
…
نَبْنِي وَنَجْمَعُ وَالآثَارُ تَنْدَرِسُ
وَنَأْمَلُ اللُّبْثَ وَالأَعْمَارُ تُخْتَلَسُ
…
>?
ج
…
ذَا اللُّبِ فَكِّرْ فَمَاذَا الْعَيْشِ مِنْ طَمَعٍ
لا بُدَّ مَا يَنْتَهِي أَمْرٌ وَيَنْعَكِسُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ وَمَنْ
كَانُوا إِذَا النَّاسُ قَامُوا هَيْبَةً جَلَسُوا
وَمَنْ سُيُوفُهُمْ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ
تَخْشَى وَدُونَهُمْ الْحُجَّابُ وَالْحَرَسُ
أَضْحَوْا بِمَهْلَكَةٍ فِي وَسْطِ مَعْرَكَةٍ
صَرْعَى وَصَارُوا بِبَطْنِ الأَرْضِ وَانْطَمَسُوا
وَعَمَّهُهُمْ حَدَثٌ وَضَمَّهُمْ جَدَثٌ
بَاتُوا فَهُمْ جُثَثٌ فِي الرَّمْسِ قَدْ حُبِسُوا
كَأَنَّهُمْ قَطُ مَا كَانُوا وَمَا خُلِقُوا
وَمَاتَ ذِكْرُهُمْ بَيْنَ الْوَرَى وَنُسُوا
وَاللهِ لَوْ عَايَنَتْ عَيْنَاكَ مَا صَنَعَتْ
أَيْدِي الْبِلَى بِهِمُوا وَالدُّودُ يَفْتَرِسُ
لَعَايَنَتْ مَنْظِرًا تُشْجَى الْقُلُوبُ لَهُ
وَأَبْصَرَتْ مُنْكَرًا مِنْ دُونِه الْبَلَسُ
مِنْ أَوْجُهٍ نَاظِرَاتٍ حَارَ نَاظِرُهَا
فِي رَوْنَقِ الْحُسْنِ مِنْهَا كَيْفَ يَنْطَمِسُ
وَأَعْظُمٍ بَالياتٍ مَا بِهَا رَمَقٌ
وَلَيْسَ تَبْقَى لِهَذَا وَهِيَ تُنْتَهَسُ
وَأَلْسُنٍ نَاطِقَاتٍ زَانَهَا أَدَبٌ
مَا شَأْنُهَا شَانَهَا فِي الْمَنْطِقِ الْخَرَسُ
…
>?