المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في التحذير من الغش) - موارد الظمآن لدروس الزمان - جـ ٥

[عبد العزيز السلمان]

الفصل: ‌(فصل في التحذير من الغش)

.. إِذا اِقْتَسَمُوا أَعْمَاله غُرَماؤُهُ

وَقِيلَ لهُ هَذَا بِمَا كُنْتَ تَكْسِبُ

وَصُكَّ لَهُ صَكٌّ إِلَى النَّارِ بَعْدَمَا

يُحَمَّلُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ وَيُعَذَّبُ

وَكَمْ قَائِلٍ وَاحَسْرَتا لَيْتَ أَنَّنَا

نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا نُنِيبُ وَنَرْهَبُ

فَحُثُّوا مَطَايَا الإِرْتِحَالِ وَشَمِّرُوا

إِلَى اللهِ وَالدَّارِ التي لَيْسَ تَخْرُبُ

فَمَا أَقْرَبَ الآتِي وَأَبْعَدَ مَنْ مَضَى

وَهَذَا غُرابُ البَيْنِ بِالدَّارِ يَنْعُبُ

وَصَلِّ إلهي ما هَمَا الوَدْقُ أَوْ شَدَا

عَلَى الأَيكِ سَجَّاعُ الحَمَامِ المُطَرِّبُ

عَلَى سَيِّدِ السَّادَاتِ وَالآلِ كُلِّهِمْ

وَأَصْحَابِهِ مَا لاحَ في الأُفُقِ كَوكَبُ

>?

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ وَقَوِّي إِيمَانَنَا بِكَ ومَلائِكَتِكَ وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ واليوم الآخِر وَالقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّهِ اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإيمَانِ وَاشْرَحْ صُدُورِنَا وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الغِشِّ)

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ أَنَّ مِمَّا يَتَأَكَّدُ اجْتِنَابُهُ وَالتَّحْذِيرِ عَنْهُ وَإِنْكَارُهُ، الغِشُّ وَالخِدَاعُ فِي المُعَامَلاتِ

ص: 241

فَإِنَّ الإِسْلامَ يُحَرِّمُ ذَلِكَ بِكُلِّ صُورَةٍ، فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَفِي سَائِرِ أَنْوَاعِ المُعَامَلاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَالمُسْلِمُ مُطَالَبُ بِالتْزَامِ الصَّدْقِ فِي كُلِّ شُؤُونِهِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي الدِّينِ أَغْلا مِنْ كُلِّ كَسْبٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الدِِّينُ النَّصِيحَةُ» .

وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الْبَيْعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» وَمَرَّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ ظَاهِرُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَرَأَى بَلَلاً فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا صَاحِبُ الطَّعَامِ» ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ (أي المطر) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَهَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .

وَفِي رِوَايِةٍ: أَنَّهُ مَرَّ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، فَإِذَا طَعَامُ رَدِيءٌ، فَقَالَ:«بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ مَنْ غَشَّنَا فَلَيَْسَ مِنَّا» .

فَانْظُرْ بِمَاذَا حَكَمَ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ غَشَّ فِي الطَّعَامِ، وَالطَّعَامُ مَادَةً يَنْقَضِي أَثَرُهَا بِسُرْعَةٍ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَالإِيمَانُ الصَّحِيحُ الكَامِلُ يَقْتَضِي الصِّدْقَ وَالإِخْلاصَ، وَالتَّقْوَى وَالنُّصْحَ، وَأَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

فَإِذَا سَأَلَكَ إِنْسَانٌ مُؤْمِنٌ عَنْ حَالِ رَجُلٍ وَأَخْلاقِهِ، وَأَمَانَتِهِ، وَدِينِهِ، فَأَجَبْتَهُ بِغَيْرِ مَا تَعْرِفُ وَتَعْلَمُ، كَأَنْ كَانَ فَاسِقًا فَقُلْتُ: إِنَّهُ صَالِحٌ، أَوْ كَانَ صَالِحًا فَقُلْتَ: إِنَّهُ مِنَ المُفْسِدِينَ، فَقَدْ غَشَشْتَهُ. وَفِي الحَدِيثِ:«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَإِذَا سَأَلَكَ أَخُوكَ المُؤْمِنُ عَنِ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، تَعْرِفُهَا

ص: 242

وَتَعْلَمُ صِفَاتِهَا، وَأَخْلاقِهَا وَأَهْلِهَا، فَلَمْ تَصْدِقُهُ الحَقِيقَةِ، وَلَمْ تَذْكُرْ لَهُ الحَقَّ الذِي تَعْرِفُهُ، فَقُلْتَ لَهُ: إِنَّ شَكْلَهَا جَمِيلٌ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ ذَمِيمَةٌ، أَوْ قُلْتَ لَهُ: ذَمِيمَةٌ، وَهِيَ جَمِيلَةٌ، أَوْ أَجْبَتَهُ أَنَّ أَخْلاقَهَا وَسِيَرَتَهَا غَيْرُ حَمِيدَةٍ وَالأمْرُ بِخَلافِ ذَلِكَ، فَقَدْ كَذَبْتَ وَغَشَشْتَ وَكُنْتَ مِنَ الخَائِنِينَ وَإِذَا سَأَلَكَ أَخُوكَ عَنْ تَاِجرٍ وَمُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ فَقُلْتَ غَيْرَ الحَقِّ، وَعميَّت عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَمَدَحْتَهُ وَهُوَ مَذْمُومٌ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ بِذَلِكَ جَمْعَتَ بَيْنَ الغِشِّ وَالكَذِبِ.

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الغِشِّ لِلنَّفْسِ وَالأَهْلِ وَالمُجْتَمَعِ الإِسْلامِي الإِتْيَانُ بِكُفَارِ خَدَّامِين أَوْ سَوَّاقِينَ أَوْ طَبَّاخِينَ أَوْ خَيَّاطِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللهِ وَرَسُلِهِ وَالْمُؤْمِنين وَلا يَألُون جُهْدًا عَنِ السعي فِي ضَرَرِ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَجِبْ الْبُعْدِ عَنْهُمْ مَهْمَا أَمْكَنَ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

شِِعْرًا:

حَتَّى مَتَى لا تَرَى عَدْلاً تُسِرُّ بِهِ

وَلا تَرَى لِدُعَاةِ الْحَقِّ أَعْوَانَا

مُسْتَمْسِكِينَ بِحَقٍّ قَائِلِينَ بِهِ

إِذَا تَلَّونَ أَهْلُ الشَّرِ أَلْوَانَا

يَا لِلرِّجَال لدَاءٍ لا دَوَاءَ لَهُ

وَقَائِدُ الْقَوْمِ أَعْمَى قَادَ عُمْيَانَا

آخر:

بَذَلْتُ لَهُمْ نُصْحِي بِمُنْعَرَج اللّوى

فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلا ضُحَى الْغَدِ

آخر:

لَقَدْ أَبَاحَكَ غِشًّا فِي مُعَامَلَةٍ

مَنْ كُنْتَ مِنْهُ بِغَيْرِ الصِّدْقِ تَنْتَفِعُ

>?

وَمَحَلِّ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إِذَا كَانَ السَّائِلُ لَهُ مَصْلَحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَنْ يَسْأَلُكَ عَنْهُمْ، فَيَلْزِمُكَ دِيَانَةً وَإِنْسَانِيَّةً أَنْ تَصْدِقَهُ الْخَبَرَ، وَأَنْ تَبْذِلَ لَهُ النَّصِيحَةِ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تَعَالى، أَمَّا إِذَا كَانَ السَّائِلُ مِنَ الذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَتْبَعُونَ عَوْرَاتِهِمْ وَهَفْوَاتِهِمْ لِلتَّشْهِيرِ بِهِمْ، وَالْقَدْحِ في أَعْرَاضِهِمْ وَتَنَقُّصِهِمْ فَلْيَكُنْ جَوَابَكَ لَهُ عَلَى كُلِّ سُؤَالٍ، قَوْلَ النَّبِيِّ

ص: 243

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ» . وَقُلْ لَهُ: الأَوْلَى بِكَ أَنْ تُفَتِّشَ عَلَى نَفْسِكَ وَعُيُوبِهَا، وَتَسْعَى فِي إِصْلاحِهَا وَاحْذَرْ أَنْ تَتَّصِفَ بِمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

شَرُّ الوَرَى مَنْ بِعَيْبِ النَّاسِ مُشْتَغِلاً

مِثْلُ الذُّبَابِ يُرَاعِي مَوْضِعَ الْعِلَل

>?

وَاعْمَلْ بِمَا قَالَ الآخر:

عَلَيْكَ نَفْسَكَ فَتِّشْ عَنْ مَعَائِبِهَا

وَخَلِّ مِنْ عَثَرَاتِ النَّاسِ لِلنَّاسِ

>?

وَإِذَا كَانَ الْغِشُّ - وَهُوَ تَقْدِيمُ الْبَاطِلِ فِي ثَوْبٍ مِنَ الْحَقِّ - يَكُونُ فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ، وَالْفَتْوَى وَالإِرْشَادِ، وَالتَّوْجِيهِ وَالْوَظِيفَةِ، فَإِنَّ غِشَّ الطَّعَامِ فِي الإِفْسَادِ أَقَلُّ بِدَرَجَاتٍ مِنْ الغِشِّ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي، الْمُمْتَدُ أَثَرُهَا الشَّامِلُ ضَرَرُهَا، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ السَّلَفُ يَفْهَمُونَ مَدَى ضَرَرِ الغِشِّ، وَيُطَبِّقُونَ أَحَادِيثَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، كَانُوا يُبَيِّنُونَ مَا فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ وَلا يَكْتُمُونَ، وَيَصْدُقُونَ وَلا يَكْذِبُونَ، وَيَنْصَحُونَ وَلا يَغُشُّونَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ بِهَا دَاءً إِلا أَخْبَرَ بِهِ» .

وَبَاعَ ابنُ سِيرِينَ شَاةً، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَبْرَأُ إليك مِنْ عَيْبٍ فِيهَا، إِنَّهَا تَقَلِبُ العَلَفَ بِرِجْلِهَا، وَبَاعَ الْحَسَنُ بن صَالِحٍ جَارِيَةً فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: إِنَّهَا مَرَّةً عِنْدَنَا تَنَخَّمَتْ دَمًا، وَمَعَ هَذَا يَأْبَى ضَمِيرُ الْمُؤْمِنِ إِلا أَنْ يَذْكُرَ الْعَيْبَ وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ، وَتَتَأكَّدَ الْحُرْمَةُ إِذَا قَوَّى غِشَّهُ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الْحَلِفُ مَنْفَعَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» .

شِعْرًا:

كُلْ وَاشْرَب الناسَ عَلَى خِبْرَةٍ

فَهُمْ يَمُرُّونَ وَلا يَعْذُبُونْ

وَلا تُصَدِّقُهم إِذَا حَدَّثُوا

فَإِنَّنِي أَعْهَدُهُمْ يَكْذِبُونْ

وَإِنْ أََرَوْكَ الوِدَّ عَنْ حَاجَةٍ

فَفِي حِبَالٍ لَهُمْ يَجْذبُونْ

ص: 244

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَأَكْفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَصْلٌ: عِبَادَ اللهِ قَدْ أَصْبَحِ الغِشُّ عِنْدَ كَثِيرٍ منَ الباَعَةِ رُكْنًا وَيَنْذُرُ وُجُودُ بَائِعٍ غَيْرِ غَاشٍ، فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الذِي سَادَ فِيهِ الْغِشُّ وَعَمَّ وَطَمَّ، وَقَلَّ فِيهِ الرَّدْعُ، وَالضَّرْبُ عَلَى أَيْدِي الْغَشَّاشِينَ، أَنْ يَتَحَفَّظَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ مِن تَحَفُّظٍ، وَيَنْتَبِهِ كُلَّ الانْتِبَاهِ لِكَلامِهِمْ، وَحَرَكَاتِهِمْ، وَسَكَنَاتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُرِقَ وَهُوَ لا يَشْعُرُ.

وَلِهَذَا تَجِدْ رِجَالاً يُقْبِلُونَ عَلَى الْبَاعَةِ، وَهُمْ قَلِيلُوا الْخِبْرَةَ، سَرِيعُوا التَّصْدِيقِ لِمَا يُقَالُ لَهُمْ، فَيَلْعَبُ بِهِمْ هَؤُلاءِ الْغَشَّاشُونَ وَيَسْتَغِلُّونَ سَذَاجَتَهُمْ فِي كَسْبٍ مُضَاعَفٍ، أَوْ تَغْطِيَةِ عَيْبٍ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«كَبُرَتْ خِيَانَةٌ أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ» .

وَلَعَلَّكَ فَهِمْتَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْغِشَّ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي السُّوقِ بَلْ يَقَعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُ فِي السُّوقِ، لأَنَّهُ مَحَلُّ الأَخْذِ وَالإِعْطَاءِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعُقُودِ غَالبًا، الْمُهِمُّ أَنَّكَ تَتَحَفَّظْ مِنْ هَؤُلاءِ الْغَشَّاشِينَ السُّرَاقِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا سُرَّاقًا لأَنَّ السِّرْقَةَ الأَخْذُ عَلَى وَجْهِ الاخْتِفَاءِ، وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى الْغَشَّاشِ.

تَذْهَب إِلى الْمَأْكُولِ أَوِ الْمَشْرُوبِ، أَوْ مَا يَجْعَلُ فِي أَحَدِهِمَا، فَتَجِدُ أَعْلاهُ نَظِيفًا مُنَقَّىً، تَشْتَاقُ إِلى شِرَائِهِ، وَعِنْدَمَا تَأْخُذُهُ وَتُسَلِّمُ الْفُلُوسِ، وَتَنْظُرُ إليه بِدَقَّةٍ تَجِدْهُ مُخْتَلِفًا عَمَّا نَظَرْتَ إليه أَوَّلاً، بِرَدَاءَةٍ، وَإِنْ ذَهَبْتَ إِلى بَاعَةِ الْمَلابِسِ قَدَّمَ لَكَ الْبَائِعُ ثَوْبًا رَدِيئًا بِاسْمِ أَجْوَدِ الْمَلابِسَ، وَيُعْلِمُكَ بِثَمَنٍ زَائِدٍ جِدًّا عَنْ ثَمَنِهِ الْحَقِيقِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ

ص: 245

مُنْتَبِهًا وَصَدَّقْتَ الْبَائِعِ كُنْتَ مَسْرُوقًا بِذَلِكَ الْفَرْقِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ نَاقَشْتَهُ الْقَوْلَ عَاجَلَكَ بَأَغْلَظِ الأَيْمَانِ بَأَنَّهُ يَنْتَقِي لَكَ الْجَيِّدِ لِيَخْدِمَكَ وَلِتَتَعَرَّفْ بِمَحَلِّهِ لِتَكُونَ زَبُونًا لَهُ، حَتَّى رُبَّمَا لا تَشُكُّ فِي أَنَّهُ صَادِقٌ مِنْ كَثْرَةِ الأَيْمَانِ التِي لَفَظَهَا فُوهُ، وَسَوَّدَ بِهَا صَحِيفَتَهُ، وَإِذَا أَتَيْتَ إِلى تَاجِرِ الدَّقِيقِ حَلَفَ لَكَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ البُرِّ، وَهُوَ مَجْمُوعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَبُرٍّ مُنْخِشِ، قَدْ أَكَلَ الدُّودُ لُبَّهُ، أَلا يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا شَاهِدٌ رَقِيبٌ، وَأَنَّهُ أَعَدَّ لأَمْثَاله مِنْ الْغَشَّاشِينَ أَنْوَاعَ الْعُقُوبَاتِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا إليه، وَتَاجِرُ الْمَاشِيَةِ تَجِدُ حَوْلَهُ لَفِيفًا مِن النَّجَاشِينَ الذِينَ يَكْتَنِفُونَ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَهَذَا يَزِيدُ كَاذِبًا، وَذَاكَ يَحْلِفُ آثِمًا، إِلى أَنْ يَقَعَ فِي الشِّرْكِ الْمِسْكِينُ، إِذَا كَانَ شَارِيًا، أَمَّا إِذَا كَانَ بَائِعًا زَهُّدُوْهُ فِيمَا يُرِيدُ بَيْعَهُ، وَأَحَاطُوَا بِهِ وَكُلٌّ يُرذِّلُ سِلْعَتَهُ مِنْ جِهَةٍ، إِلى أَنْ تَسْقُطَ مِنْ عَيْنِ صَاحِبِهَا فَيبِيعُهَا لَهُمْ بِثَمَنٍ بَخْسٍ.

وَإِذَا أَتَيْتَ إِلى بَائِعٍ الْخُضَرِ وَجَدْتَ الأَعَلا زَيْنًا وَالوَسَطَ فَاسِدًا مُمَرِّضًا لِلْبَدَنِ، وَتَدْخُلُ إِلى مَنْ عِنْدَهُ السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالْعَسَلُ فَيَبِيعَكَ بِاسْمِ الْجَيِّدِ، وَإِذَا عَرَضْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَهْلَ الصِّنْفِ قَالُوا لَكَ: هَذَا غَيْرُ الذِي تُرِيدُ، أَوْ مَخْلُوطًا مَعَهُ غَيْرُهُ. ومثله القهوة المحموسة يخلِطُونَ مَعَهَا غَيْرَهَا.

وَإِذَا ذَهَبْتَ إِلى مَبِيعِ السَّيَّارَاتِ رَأَيْتَ مَا يُزْعِجُكَ وَيُشَتِّتُ ذِهْنَكَ مِنْ كُثْرَةِ النَّجَاشِينَ وَالغَشَّاشِينَ الْمُعَمِّينَ لِلْعُيُوبِ الذِينَ قَدْ مَهَرُوا فِي الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالْمَلْقِ وَالنِّفَاقِ.

وَإِذَا أَتَيْتَ أَهْلَ الأَوَانِي وَالْغَضَارِ وَالصَّنَادِيقِ وَجَدْتَ الأَصْبَاغَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِتَغْطِيَةِ الْعَيْبِ عن الْمُشْتَرِي.

وَإِذَا ذَهَبْتَ إِلى أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَجَدْتَ أَكْثَرَهُمْ عِنْدَهُ مِنْ الْغِشِّ

ص: 246

وَإخْلافِ الْوَعْدِ الشِّيْءَ الْكَثِيرَ، وَلا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ نَجَّارِ وَحَدَّادِ، وَخَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ، وَصَائِغٍ وَطَبَّاخٍ، وَسَبَّاكٍ وَبَنَّاءٍ، وَنَقَّاشٍ وَخَزَّارُ، وَسَاعَاتِي وَحَبَّاكٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، كُلُّهُمْ فِي حِرْصٍ تَامٍ عَلَى أَخْذِ الْفُلُوسِ، وَلَوْ بِلا عَمَل يُقَابِلُهُ. فَانْتَبِه لَهُمْ.

وَإِنْ ذَهَبْتَ إِلى بَائِعِي مَوَادِّ الْبِنَاءِ وَجَدْتَ أَكْثَرَهُمْ عِنْدَهُ مِنْ أَلْوَانِ الْغِشِّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ.

وَبِهَذَا صَارَ جَوُّ التِّجَارَةِ، الْمِهْنَةِ الشَّرِيفَةِ، التِي لَوْ صَدَقَ صَاحِبُهَا لَحَلَّتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ جَوًّا وَبِيئًا، مُشْبَعًا بِالْكَذِبِ واَلأَيْمَانِ الآثِمَةِ، مَلِيئًا بِالتَّغْرِيرِ، وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ، وَإِخْفَاءِ الْعُيُوبِ، وَمَا إِلى ذَلِكَ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَاقِي أَهْلِ الأَعْمَالِ وَالصَّنَائِعِ، وَالْمُقَاوِلِينَ وَغَيْرَهُمْ وَمِنْ أَلْوَانِ الْغِشِّ تَطْفِيفُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَقَدْ اهْتَمَّ الْقُرْآنُ بِهَذَا الْجَانِبِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ، وَجَعَلَهُ مِنْ وَصَايَاهُ الْعَشْرِ فِي آخِرِ سُورَةِ الأَنْعَامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} ، وَقَالَ:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} ، وَقَالَ تَعَالى:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وَلَقَدْ بَعَثَ اللهُ شُعَيْبًا عليه السلام يَدْعُو قَوْمَهُ أَوَّلاً إِلى تَوْحِيدِ اللهِ، وَيُتْبِعُهُ بِالنَّهْيِ وَالتَّحْذِيرِ عَنْ نَقْصِ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانِ مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا، قَالَ تَعَالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .

ص: 247

ج

شِعْرًا:

يَا مُنْفِقَ الْعُمْرِ فِي حِرْصٍ وَفِي طَمَعٍ

إِلى مَتَى قَدْ تَوَلَّى وَانْقَضَى الْعُمُرُ

إِلى مَتَى ذَا التَّمَادِي فِي الضَّلالِ أَمَّا

تَثْنِيكَ مَوْعِظَةً لَوْ يَنْفَعُ الذِّكْرُ

بَادِرْ مَتَابًا عَسَى مَا كَان مِنْ زَلَلٍ

وَمَا اقْتَرَفْتَ مِنَ الآثَامِ يُغْتَفَرُ

وَجَنِّبْ الْحِرْصَ وَاتْرُكْهُ فَمَا أَحَدٌ

يَنَالُ بِالْحِرْصِ مَا لَمْ يَعْطِهِ الْقَدَرُ

وَلا تُؤْمِلْ لِمَا تَرْجُو وَتَحْذَرُهُ

مَنْ لَيْسَ فِي كَفِّهِ نَفْعٌ وَلا ضَرَرُ

وَفَوِّضِ الأَمْرَ لِلرَّحْمَنِ مُعْتَمِدًا

عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ

وَاحْذَرْ هُجُومَ الْمَنَايَا وَاسْتَعِدَّ لَهَا

مَا دَامَ يُمْكِنُكَ الإِعْدَادُ وَالْحَذَرُ

>?

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً مُتَقَبِّلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا نَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ، وَقَلْبًا خَاشِعًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَإِيمَانًا خَالِصًا، وَهَبْ لَنَا إِنَابَةَ الْمُخْلِصِينَ، وَخُشُوعِ الْمُخْبِتِينَ، وَأَعْمَالِ الصَّالِحِينَ، وَيَقِينِ الصَّادِقِينَ، وَسَعَادَةَ الْمُتَّقِينَ، وَدَرَجَاتِ الْفَائِزِينَ، يَا أَفْضَلْ مَنْ رُجِيَ وَقُصِدَ، وَأَكْرَمَ مَنْ سُئِلَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

ص: 248

(فَصْلٌ)

وَاعْلَمْ أَنَّ انْتِقَاصَ الْحُقُوقِ عَلَى أَيُّ طَرِيقِ كَانَ أَسَاسٌ كَبِيرٌ لِزَعْزَعَةِ الثِّقَةِ فِي الْمُجْتَمِعِ، وَسَبِيلٌ إِلى قَطْعِ الصَّلاتَ وَإِثَارَةِ الأَحْقَادِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ يَنْتَشِرُ الْفَسَادُ فِي الأَرْضِ، وَتَضِيعُ الْمَصَالِحُ، فَالْقِصَّةُ يُفْهَمُ مِنْهَا - كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - أَنَّ الْهَدَفَ هُو اقْتِلاعُ الْخَلْقِ الذِي يَدْفَعُ الإِنْسَانِ إِلى انْتِقَاصِ الْحُقُوقِ، وَالْكَيْدِ لأَصْحَابِهَا عَن طَرِيقِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ، وَعَنْ طَرِيقِ تَسْخِيرِ الْمَنَافِعِ الْعَامَةِ، وَحُقُوقِ النَّاسِ، فِي سَبِيلِ الْحُصُولِ عَلَى الْمَنَافِعِ اِلْخَاصَةِ، وَهَذَا هُوَ الذِي يَعْقِبُ حَقًّا الإِفْسَادَ فِي الأَرْضِ، وَزَلْزَلَةَ الْحَيَاةِ الْعَامَّةِ عَلَى أَصْحَابِهَا.

قَالَ: وَمِنْ هُنَا يَجْدُرُ بِالْمُوَظِّفِ وَالْكُتَّابِ وَالْمُوَجِّهِ وَالْمُشِير وَالْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ تَخْصِيصِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ فِي رِسَالَةِ شُعَيْبٍ، وَقَرْنِهَما بِعِبَادَةِ اللهِ، وَاعْتِبَارِ انْتِقَاصِهِمَا إِفْسَادًا فِي الأَرْضِ - يُجْدُرُ بِهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَأْخُذُوا لأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمَ عِظَةً، وَأَجْدَى عِبْرَةً، وَإِنَّ انْتِقَاصَ الْكَيْل وَالْمِيزَانِ - فِيمَا وَرَاءَ السِّلَعِ الْمَادِيَّةِ - لأَشَدُّ خَطَرًا، وَأَقْبَحُ أَثَرًا، وَأَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ انْتِقَاصِ حَفْنَةٍ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ أَوْقِيَةٍ مِنْ رَطْلٍ.

إِنَّ مِنْ حَقِّ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِحَقِّهِ كَامِلاً غَيْرَ مَنْقُوصٍ، وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِن عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنْ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ حَقِّهِ، وَيُعَاوِنَه فِي الْحُصُولِ عَلَيْهِ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ إِذَا اسْتَرْشَدَهُ، وَأَنْ يَمْحَضَهُ النَّصْحَ إِذَا اسْتَنْصَحَهُ، وَأَنْ يَفِي لَهُ إِذَا عَاهَدَهُ، وَأَنْ يُصَدَقُهُ إِذَا حَدَّثَهُ أَوْ وَعَدَهُ، إِنَّها مُبَادَلَةُ وَلَكِنْ لَيْسَتْ فِي السِّلَعِ وَلا فِي الطَّعَامِ، وَلا فِي الشَّرَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْخَلْقِ وَالْمُرُوءَةِ وَالصِّدْقُ وَالإِيمَان، وَالانْحِرَافٌ

ص: 249

فِيهَا عَنْ مُقَابَلَةِ الْخَيْرِ بِالْخَيْرِ، تَطْفِيفٌ فِي الْكَيْلِ، وَانْتِقَاصٌ لِلْحُقُوقِ.

وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ عَلامَةً مِنْ عَلامَاتِ التَّكْذِيبِ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَأَنْزَلَ فِي شَأْنِهِ سُورَة كاملة، هي سورة اسْتَهْلَها بِقَوْلِهِ:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . انتهى.

وَلَقْدَ صَارَ الْغِشُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللَّبَنَ فِي ضَرْعِ الْحَيَوَانِ وَحَتَّى فِي الشُّعُورِ، جَعَلُوا يَصْبُغُونَها بِالسَّوَادِ غِشًّا وَتَدْلِيسًا.

شِعْرًا:

قَالَتْ أَرَاكَ خَصَبْتَ الشَّيْبَ قُلْتَ لَهَا

سَتَرَْتُه عَنْكِ يَا سَمْعِي وَيَا بَصَرِي

فَقَهْقَهْتْ ثُمَّ قَالَتْ إِنَّ ذَا عَجَبٌ

تَكَاثَرَ الْغِشُّ حَتَّى صَارَ فِي الشَّعْرِ

آخر:

إِنَّ السَّوَادَ لِتَدْلِيسِ يُغَشُّ بِهِ

كَالثَّوْبِ فِي الَّسْوِق مَطْوِيًا عَلَى خَرَقِ

آخر:

أُسَوّدُ أَعْلاهَا وَتَأْبَى أُصُولُهَا

فَيَا لَيْتَ مَا يَسْوَدُّ مِنْهَا هُوَ الأَصْلُ

آخر:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُسَوَّدُ شَعْرَهِ

كَيْمَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الشُّبَّانِ

أُرْفُقْ فَلَوْ سَوَّدْتَ كُلَّ حَمَامَةٍ

بَيْضَاءَ مَا عُدَّتْ مِنْ الْغِرْبَانِ

آخر:

فَإِنْ تَسْأَلَنِي عَنْ خِضَابِي فَإِنَّنِي

لَبِسْتُ عَلَى فَقْدِ الشَّبَابِ حِدَادَا

آخر:

دَعْنِي فَإِنَّ غَرِيمَ الشَّيْبِ لازَمَنِي

وَذَا زَمَانُكَ فَأمرحْ فِيهِ لازَمَنِي

مَضَى الشَّبَابُ بِمَا أَحْبَبْتُ مِنْ مَنَحٍ

وَالشَّيْبُ وَافَى بِمَا أَبْغَضْتُ مِنْ مَحَنِ

فَمَا كَرِهْتَ ثوى عِنْدِي وَعَنَّفَنِي

وَمَا حَرِصْتُ عَلَيْهِ مُنْذُ عَنَّ فَنِي

آخر:

يَا خَاضب الشَّيْبِ بالْحِنَّاء تَسْترُهُ

سَلِ الإِلَه سِتْرًا مِنَ النَّارِ

لَنْ يَرْحَلِ الشَّيْبَ مِنَ دَارٍ يُلِمُّ بِهَا

حَتَّى يَرُحّلَ عَنْهَا صَاحِبَ الدَّارِ

ص: 250

آخر:

قَصَرَ اللَّيَالي خَطْوَهُ فَتدانَى

وَحَنَوْنَ قَائِمَ صُلْبِهِ فَتَحَانَا

وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَعْد ذَلِكَ كُلِّهِ

وَكَأَنَّمَا يَعْنِي بِذَاكَ سِوَانَا

آخر:

لأَمْرٍ مَا بَكيتُ وَهَاجَ شَوْقِي

وَقَدْ سَجَعَتْ عَلَى الأَيْكِ الْحَمَامُ

لأَنَّ بَيَاضَهَا كَبَيَاضِ شَيْبِي

فَمَعْنَى شَجْوِهَا قُرْبُ الْحِمَامِ

آخر:

لِلضَّيْفِ أَنْ يُقْرَأ وَيُعْرَفَ حَقُّهُ

وَالشَّيْبُ ضَيْفُكَ فَاقْرِهِ بِخِضَابِ

وَافَى بأَكْذَبَ شَاهِدٍ وَلَرُبَّمَا

وَافَى الْمَشِيبُ بِشَاهِدٍ كَذَّابِ

فَافْسَخْ شِهَادَتَهُ عَلَيْكَ بِخَضْبِهِ

تَنْفِي الظُّنُونَ بِهِ عَنِ الْمُرْتَابِ

فَإِذَا دَنَا وَقْتُ الْمَشِيبِ فَخَلِّهِ

واَلشَّيْبُ يَذْهَبُ فِيهِ كُلَّ ذَهَابِ

آخر:

لِمَّا سَئَمْتُ مِن الْمَشِيبِ أَجَبْتُهُم

قَوْلَ امْرءٍ فِي أَمْرِهِ لَمْ يَمْذِقِ

طَحَنَ الزَّمَانُ بِرَيْبِهِ وَصُرُوفِهِ

عُمْرِي فَثَارَ غُبَارَهُ فِي مَفْرِقَيْ

آخر:

لَمَّا رَأَتْ شَيْبِي تَغَيَّرَ لَوْنُهُ

وَرَأتُهُ مُحْتَجِبًا وَرَاءَ حِجَابِ

قَالَتْ خَضِبْتَ فَقُلْتُ شَيْبِي إِنَّمَا

لَبِسَ الْحِدَادَ عَلَى ذَاهَابِ شَبَابِي

وبالتالي فَإِنَّ الْغِشَّ مَعْصِيَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأَنَّهُ لا يَفِيدُ صَاحِبَهُ إِلا الْوَزْرَ، وَالْخِزْيَ الْعَاجِلَ وَالآجِلَ إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَالْعَارْ (ثَالِثًا) : أَنَّ الْغِشَّ يُضَيِّعُ الثِّقَةَ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَجْلِبُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَأَنَّهُ حَجَرٌ فِي طَرِيق تَقَدُّمِ صَاحِبِ الْعَمَلِ، وَأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَرَفوُهُ بِذَلِكَ انْصَرَفُوا عَنْهُ، وَأُغَِْقَ فِي وَجْهِهِ أَبْوَابُ الرِّبْحِ.

وَمِنْ جِنَايَاتِ الْغِشِّ عَلَى صَاحِبِه أَنَّ الْبَرَكَةَ تَذْهَبُ مِن عَمَلِ يَدَيْهِ، وَرُبَّمَا دَارَتْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ الدَّوَاِئرْ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفْسَ صَاحِبِه خَبِيثَةٌ طَاغِيَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبُه يُعْتبَرُ مِمَّنْ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

ص: 251

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبِه مَا عِنْدَهُ رَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ لإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ مَا يُحِبُّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّه سَبَبٌ لِقَطْعِ الصِّلاتِ، وَزَعْزَعَةِ الثِّقَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لإِثَارَةِ الأَحْقَادِ وَالْبضُْغضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِنَشْرِ الْفَسَادِ وَتَضْيِيع الْمَصَالِحِ.

وَأَنَّهُ مَانِعٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ تَمَتُّعِهِ بِحَقِّهِ كَامِلاً، وَأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ، مِنْ أَنَّهُ يُمَكِّنُ أَخَاهُ مِنْ حَقِّهِ وَيُعَاوِنُهُ فِي الْحُصُولِ عَلَيْهِ.

وَأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلنَّصِيحَةِ.

وَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ عِدَادِ الْكَذَّابِينَ الْخَوَنَةِ وَالظَّلَمَةِ وَأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ الإِخْلاصِ.

وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَكُونُ مَرْمُوقًا بَعَيْنِ الاحْتِقَارِ وَالازْدِرَاءِ عَكْسَ الْمُخْلِصِ فِي عَمَلِهِ.

وَأَنَّ الْغِشَّ أَكْبَرُ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لا يُزَكِّي وَأَنَّهُ لا يَتَنَسَّخِ مِن الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لأَن مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَهم يَبْعِد جِدًا أَنْ يُعْطِيهُمْ.

وَأَنَّ الْغِشَّ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِهِ مِنَ الطَّمَعِ وَالشُّحِ وَالْبُخْلِ وَالْهَلَعِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ بِدَلِيلٍ عَدَمِ اكْتِفَائِهِ بِمَا أَعْطَاهُ اللهِ.

وَأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِ صَاحِبِهِ، وَعَدَمِ احْتِرَامِهِ لأَحَادِيثِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم لِمُعَاكَسَتِهِ لَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِهَا.

وَمِنْ جِنَايَاتِ الْغِشِّ أَنَّهُ يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي طُولِ الْمَوْقِفِ وَالْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَثْرَةِ الْخُصَمَاءِ الذِينَ أخَذَ أمَوْاَلَهُم بغير حَقٍّ.

ص: 252

وَأَنَّهُ سَبَبٌ لإِضَاعَةِ حَسَنَاتِهِ، أَوْ لِحَمْلِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ مِمَّنْ غَشَّهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى وَجْهِ الاخْتِفَاءِ لِجَنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْغِشِّ.

وَمِنْ مَضَارِّ الْغِشِّ أَنَّ صَاحِبَهُ يُسِيءُ إِلى أَوْلادِهِ وَأُسْرَتِهِ إِذَا اشْتَهَرَ بِهِ، لأَنَّهُ يُلوثُهُمْ بِهَذِهِ السُّمْعَةِ السَّيِّئَةِ، وَالْفَائِهَةِ وَالْقَبِيحَةِ، وَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ: عَائِلَةُ الْغَشَّاشِ، وَأَعْظِمْ بِهَا مِنْ أَذِيَّةٍ لِلْمُسْتَقِيمِينَ، وَأَذِيَّةِ الْغَشَّاشِ لأَوْلادِهِ خَاصَّةَ أَشَدُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَذَيْتِهِ لِبَاقِي الأُسْرَةِ الْبَعِيدَيْنِ مِنْهُ، لأَنَّ الأَبْنَاءِ حَوْلَ أَبِيهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْهُ،َ َوْيَنْشَئُونَ عَلَى أَخْلاق أَبِيهِمْ غَالِبًا فَإِنَّهُمْ إِذَا نَشَئُوا عِنْدَهُ لا بُدَّ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ طَبَاعِهِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ غَشَّاشِينَ بَعْدَ مَا يَبْلُغُوا مَبْلَغ الرُّجُولَةِ، فَيَكُونَ أَبُوهُمْ سَبَبًا فِي وُقُوعِهِمْ فِي ضَرَرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ تَحَرَّجُوا وَلا سَلَكُوا طَرِيقَةَ أَبِيهِمْ بِالْغِشِّ فَمَا مِنْ سَلامَة، يُعَيِّرُهُمُ النَّاسُ وَيَقُولُونُ لَهُمْ: يَا أَوْلادَ الْغَشَّاشِ، وَهَذِهِ أَذِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، تُؤَدِّي إِلى التَّشَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ وَتَبَادُلِ السِّبَابِ.

وَأَمَّا أَذِيَّةُ الْغَشَّاشِ لِجَمَاعَتِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ فَوَاضِحَةٌ، لأَنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ قُدْوَةً سَيِّئَةً، يُسَمُّونَهُمْ قَوْمَ الْغَشَّاشِ، وَجَمَاعَةَ الْغَشَّاشِ، وَالطِّبَاعُ سَرَّاقَةٌ مِنْ حَيْثُ يَشْعُرُ أَصْحَابُهَا وَمِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، فَيَسْرِي إليهمْ هَذَا الطَّبْعُ وَالْخُلُقُ الذِي هُوَ الْغِشُّ، فَإِنْ لَمُ يُصِبْ الْجَمِيعَ تَأثرَ بِهِ الْبَعْضُ كَالْجَرَبِ.

وَبِهَذَا تُنْسَبُ الْجَمَاعَةُ وَالسَّاكِنُونَ فِي بَلَدِهِ إِلى الْغِشِّ، نَظَرًا لِذَلِكَ الْغَشَّاشِ، وَيُقَالُ: بَلَدُ الْغَشَّاشِ، كَمَا يُقَالَ: بِلادُ الْفَرَاعِنَةِ، وَهَذِهِ مُصِيبَةُ عَظِيمَةٌ، وَدَاهِيَةٌ دَهْيًا.

وَأَمَّا ضَرَرُ الْغَشَّاشِ وَأَذِيَّتُهُ لِلدِّينِ، فَيَالَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ فَادِحَةٍ، وَعَقَبَةٍ كَؤُودٍ ضِدَّ الْقَائِمِينَ بِالدَّعْوَةِ إِلى الإِسْلامِ، وَنَشْر مَحَاسِنِهِ، وَالْحَثِّ

ص: 253

عَلَى التَّخَلُّقِ بأخْلاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّأدُبِ بِآدَابِهِمْ، لأَنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلامِ إِذَا نَظَرُوا إِلى هَؤُلاءِ الْغَشَّاشِينَ، يَرْمُونَ الدِّين الإِسْلامِي بِالنَّقْصِ، وَلا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّقْصَ فِي النَّاسِ لِعَدَمِ تَمَسُّكِهِمْ بِالدِّينِ، وَعَدَمِ تَطْبِيقِهِمْ لأَحْكَامِهِ، بَلْ يُلْصِقُونَ النَّقْصَ وَالْعَيْبَ بِالدِّينِ الإِسْلامِي، وَذَلِكَ صَدُّ عَن إتِّبَاعِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَهَذَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، مِمَّا يَنْشَأُ عَنِ الْغِشِّ مِنَ الأَضْرَارِ وَالأَذَايَا، اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ خَشْيَةَ الإِطَالَةِ، وَإِلا هُوَ يَسْتَدْعِي مُصَنَّفًا وَحْدَهُ.

وبالتالي فَمَا الدَّاعِي إِلى ذَلِكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ؟ أَهُوَ الْقُوتُ الذِي تَكَفَّلَ بِهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوت. وَمَا رَأَيْنَا تَقِيًّا مَاتَ جَوْعًا، أَوْ مُؤْمِنًا وَرِعًا قَضَى غَرْثَانًا طَاوِيًا، أَمْ هُوَ الْجَشَعُ وَالطَّمَعُ، وَشَرَهُ النُّفُوسِ فِي جَمْعِ الْحُطَامِ الْفَانِي؟ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُجَاهَدَةِ النُّفُوسِ، وَتَقْوِيمِهَا حَتَّى تَرْعَوِي وَتَسْتَقِيمَ، أَمْ إِنَّ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي قَدْ ارْتَكَبَ مِنْ الْوِزْرِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ.

أَيُّهَا التُّجار مَا هَكَذَا يَكُونُ الرِّبْحُ، وَمَا هَكَذَا يَكُونُ الْمَكْسَبُ وَمَا بِتَلْكَ الأَسَاليبَ تَتَكَوَّنُ الثَّرْوَةِ وَيَجْمَعُ الْمَالُ، وَلَكِنَّ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالذِّمَّةِ وَالشَّرَفِ، وَالْعِفَّةِ عن الْحَرَامِ، فَكِّرُوا فِي مَصِيرِ مَا أَتْعَبْتُمْ نُفُوسَكُمْ وَأَبْدَانَكُمْ فِي جَمْعِهِ، وَفَكَّرُوا فِي الْمُنَاقَشَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ، وَأَنَّكُمْ مُفَارِقُوهُ عَنْ قَرِيبٍ رَغَمَ أُنُوفِكُمُ لأناسِ يُضَيِّعُوُه في الملاهي والمنكرات كالتلفزيون والفيديو والسينماء والْمَذَايِيع وَالسَّفَرِ لِبِلادِ الْكُفْرِ. وَبَعْضُهُمْ يُنْفِقُونُهَا فِي دِرَاسَتِهِمْ عَلَى الْكَفَرَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ، وَيَأْتُونَ بِشِهَادَاتٍ مِن الْكُفَّار يأكلون بها نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ مِمَّا ابْتُلُوا بِهِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِن الْمُخَالَفَةِ وَالْعَِْصَيانِ وَلا تُؤَاخِذْنَا بِجَرَائِمنَا ومَا وَقَعَ مِنَّا ِمْن الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ

ص: 254

منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وعلى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

شِعْرًا:

أَبْعَدَ بَيَاضِ الشَّيْبِ أَعْمُرُ مَنْزِلاً

سِوَى الْقَبْرِ إِنِّي إِنْ عَمَرتُ لأَحْمَقُ

يُخْبِرُنِي شَيْبِي بَأَنِّيِ مَيِّتٌ

وَشِيكُّا فَيَنْعَانِي إِليَّ وَيَصْدُقُ

يُخَرَّقَ عُمْرِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

فَهَلْ مُسْتَطَاعٌ رَقْعُ مَا يَتَخَرَّقُ

كَأَنِّي بِجِسْمِي فَوْقَ نَعْشِي مُمَدًّا

فَمَنْ سَاكِتْ أَوْ مُعْوِل يَتَحَرَّقُ

إِذَا سُئِلُوا عَنِّي أَجَابُوا وَأَعْوَلُوا

وَأَدَمَعُهُم تَنْهَلُ هَذَا الْمُوَفَّقُ

وَغُيبتُ فِي صَدْعٍ مِنْ الأَرْضِ ضَيِّقٍ

وَأوُدعْتِ لَحْدًا فَوقَهُ الصَّخْرُ مُطْبَقُ

وَيَحْثُو عَلَيَّ التُّربَ أَوْثَقُ صَاحِبٍ

وَيُسْلِمُنِي لِلْقَبْرِ مِنْ هُوَ مُشْفِقُ

فَيَا رَبَّ كُنْ لِي مُؤْنِسًا يَوْمَ وَحْشَتِي

فَإِنِّي بِمَا أَنْزَلْتَهُ لَمُصَدِّقُ

وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي إِلى اللهِ صَائِرٌ

وَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِي أَبَرُّ وَأَرْفَقُ

آخر:

نَرْضَى بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَوْلانَا

وَمَا يَكُونُ وَمَا مِنْ أَمْرِهِ كَانَا

>?

ج

ص: 255

.. وَالحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ الحَامِدِينَ لَهُ

حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا يُرْضِيهِ رِضْوَانًا

أَلا فَإِنَّا لَهُ مَاضٍ تَصَرُّفُهُ

فِينَا لَعْمرِي أَلا إليه رُجْعَانَا

قَضَى وَقَدَّرَ أَنَّ الْمَوْتَ دَائِرَةٌ

كُؤوسُهُ فِي الوَرَى لِمْ تبُْقِ إِنْسَانَا

فَأَيْنَ عَادٌ وَكِسْرَى وَابنُ ذِي يَزِنٍ

وَمَنْ يُوازِرُهُمْ وَمَنْ لَهُمْ عَانَا

لَمْ يَمْنَعِ الْمَوْتَ عَنْهُمْ حَاجِبُونَ وَلَمْ

يُبْقِ البَلَى لَهُمُ صَرْحًا وَإِيوَانَا

بَلْ أَيْنَ صَفْوَةٌ خَلْقِ اللهِ قَاطِبَةً

وَأَرْجَحَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مِيزَانَا

تَجَرَّعَ الكُلُّ كَأْسَ الْمَوْتِ وَانْتَقِلُوا

عَنْ هَذِهِ الدَّارِ شِيبَانًا وَشُبَّانَا

فَتِلَكَ مَوْعِظَةٌ لأنْفُسٌ فُجِعَتْ

أَضْحَتْ وَقَدْ لَقِيَتْ هَمَّا وَأَحْزَانَا

>?

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ وَقَوِي إِيمَانَنَا بِكَ وَبِمَلائِكَتِكَ وَبِكُتُبِكَ وَبِرُسُلِكَ وَبِاليوم الآخرِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَنَا وَأَكْفِنَا شَرَّ أَشْرَارَنَا واحْفَظنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا ونَعُوذُ بعَظمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا وَنَسْأَلَكْ أَنْ تَغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

اللَّهُمَّ إِنَّ نَوَاصِينَا بِيَدِكَ وَأُمُورَنَا تَرْجِعُ إليك وَأَحْوَالُنَا لا تَخْفَى عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مَلْجَؤُنَا وَمَلاذُنَا، وَإليك نَرْفَعُ بَثَّنَا وَحُزْنَنَا وَشِكَايَتَنَا، يَا مَنْ يَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلانِيتَنَا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلْنَا مِمَّنْ تَوَكَّلَ عَلْيَكَ فَكَفَيْتَهُ وَاسْتَهْدَاكَ

ص: 256

فَهَدَيْتَهُ وَهَبْ لَنَا مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ وَجُدْ عَلَيْنَا بِإِحْسَانِكَ الْعَمِيمِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

موعظة: عِبَادَ اللِه فَتِّشُوا قُلُوبَكُمْ بِتَأَنِّ وَائِّتَآدٍ، وَابْحَثُوا عَمَّا تَغَلْغَلَ فِيهَا مِنَ الأَضْغَانِ وَالأَحْقَادِ، فَإِذَا وَجَدْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَهِدُوا وَاعْمَلُوا عَلَى سُرْعَةِ إِزَالَتِهِ وَمَحْوِهِ بِجَدٍ وَاجْتِهَادٍ وَأَعْرِضُوا بِكُلِّيَتِكُمْ عَنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ، وَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ القَوِيِّ القَدِيرِ مِنْ هَمَزَاتِهِ وَهَوَاجِسِهِ، فَإِنَهُ لا يُرِيدُ إِلا إِيقَاعَكُمْ فِي البَلا، وَتَعْرِيضَكُم لِسَخَطِ اللهِ وَمَقْتِهِ الشَّدِيدِ، مَاذَا يَضُّرُكُمْ إِنْ تَنَازَلْتُمْ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِكُمْ، وَتَجَاوَزْتُمْ وَصَفَحْتُمْ عَمَّنْ أَسَاءَ إليكُمْ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وَقَصَدْتُمْ وَجْهَ اللهِ وَثَوَابِهِ فِي صَفْحِكُمْ وَتَنَازُلِكُمْ، وَبِذَلِكَ تَكُونُونَ قَدْ أَرْضَيْتَمُ اللهَ رَبِّ العَالَمِين، وَأَبْعَدْتُمْ شَبَحَ الشَّرِ عَنْكُمْ وَعَنْ إِخْوَانِكُمْ المُسْلِمِينَ وَكُنْتُمْ أَصْحَابَ الْفَضْلِ وَالمِنَّةِ، يَشْكُرُ اللهُ وَالنَّاسُ لَكُمْ هَذَا الخُلُقُ الطَّيِّبَ الحَمِيدَ، أَلا فَاحْرِصُوا عِبَادَ اللهِ عَلَى الفَضْلِ العَظِيمِ، وَأَقْبِلُوا سِرَاعًا إليه، وَاكْظِمُوا غَيْظَكُمْ، وَابْذِلُوا جُهْدَكُمْ فِي التَّغَلُبِّ عَلَيْهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَاللهُ يَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبِ العَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَيُمَجِّدُ الكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، وَيَتَوَلاهُمْ بِالفَضْلِ وَالكَرَامَةِ، وَيُزَوِّجُهُمْ مِنْ حُورِ الجِنَانِ مَا يَشَاءُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَدْعُوهُمْ يَوَمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ إِلَى تِلْكَ الكَرَامَةِ لِيَعْلَمْ فَضْلَهُمْ، وَيَشْهَدَ مَجْدَهُمْ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ. فَإِذَا مَا عَلِمْتُمْ هَذَا فَقَارِنُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُعَامِلُ اللهُ بِهِ المُشَاحِنَ الحُقُودَ الحَسُودَ، الذِي أَجَابَ دَاعِي الشَّيْطَانِ، وَأَعْرَضْ عَنْ نَصِيحَةِ رَبِّهِ الذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ، وَيَسَّرَ لَهُ أُمُورَهُ، وَأَصَّرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالشَّحْنَاءِ وَالصُّدُودِ، وَسَتَرَوْنَ أَنَّهُ بِعِنَادِهِ وَإِبَائِهِ وَاسْتِكْبَارِهِ قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَرَّضَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا لِنِقَمِ اللهِ

ص: 257

الْمُتَعَاقِبَةِ، وَأَبْقَى لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَهَنَّمَ يَلْقَى فِيهَا الْعَذَابَ الأليمَ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ الْمُتَهَاجِرِينَ الْمُتَشَاحِنِينَ يُعْرِضُ اللهُ عَنْهُمَا، وَإِذَا أَفَاضَ عَلَى خَلْقِهِ رَحْمَتَهُ كَانَ الْحُرْمَانُ نَصِيبَهُمَا وَلا يَزَالانِ هَكَذَا حَتَّى يُزِيلا مَا بَيْنَهُمَا مِن الْخِصَامِ وَيَعُودَا إِلى مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ مِن الصَّفَاءِ وَالْوِئَامِ، وَاللهُ سبحانه وتعالى عَفُوٌ غَفُورٌ. تَفَهَّمُوا يَا إِخْوَانِي جَيِّدًا، وَاقْرَعُوا قُلُوبَكُمْ بِمَا سَمِعْتُمْ مِن الزَّوَاجِرِ وَالْعِظَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَقْرَبَ الْمُتَصَافِيينَ إِلى اللهِ أَسْبَقُهُمَا إِلى الصَّفْحِ وَتَنَاسِي مَا فَاتَ، وَأَعْظَمَهُمَا أَجْرًا مِنْ بَدَأَ بِالسَّعْيِ إِلى إِزَالَةِ الأَضْغَانِ وَالأَحْقَادِ، فَإِنْ اسْتَجَابَ خَصْمُهُ لِلصُّلْحِ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَإِنْ أَبَى وَامْتَنَعَ فَقَدْ احْتَمَلَ الإِثْمِ وَالْعِقَابَ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِهَذِهِ النَّصِيحَةِ، وَسَارِعُوا بِالاعْتِذَارِ إِلى رَبِّكُمْ، وَاسْتَجِيبُوا إِلى دَاعِي الْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَهَلِّمُوا سِرَاعًا إِلى مُصَافَاةِ مِنْ خَاصَمْتُمْ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وَبِذَلِكَ تَصُونُونَ بُيُوتَكُمْ مِن الْخَرَابِ، وَتَحْفَظُونَ أَمْوَالَكُمْ مِنَ التَّلاشِي وَالذِّهَابِ، وَتَرْجُونَ رِضَا رَبَّكُمْ وَعَفْوَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثِ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عليه السلام فَقَد اشْتَرَكَا فِي الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بالإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنْ الْهَجْر» . وَرَوَى الطَّبَرَانِي عَنْ جَابِر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

ص: 258

«تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَمِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيَغْفِرُ لَهُ، وَمِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ أَهْلُ الضَّغَائِنِ بِضَغَائِنِهِمْ حَتَّى يَتُوبُوا» . وَوَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يُنْفِّذَهُ دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيَّرَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ» .

اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجَزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلْعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

شِعْرًا:

أَجِدُكَ مَا الدُّنْيَا وَمَاذَا نَعِيمُهَا

وَهَلْ هِيَ إِلا جَمْرَةٌ تَتَوَقَّدُ

إِذَا نَالَ مِنْهَا طَالِبٌ مَا يَرُومُهُ

وَسَاعَدَهُ الْمَقْدُورُ فَالْمَرْءُ يَسْعَدُ

أَتَاهُ غَدًا مِنْ خَطْبِهَا كُلُّ فَادِحٍ

وَيَلْقَاهُ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ يُنَكِّدُ

لَعَمْرِي لَقَدْ شَاهَدْتُ مِنْهَا عَجَائِبًا

وَصَاحَبَنِي فِيهَا مَسُودٌ وَسَيِّدُ

رَأَيْتُ بِهَا أَهْلَ الْمَوَاهِبِ مَرَّةً

(وَقَدْ طَابَ عَيْشٌ وَالسُّرُورُ يُجَدَدُ)

فَمَا رَاعهُمْ إِلا الرَّزَايَا ثَوَابِتٌ

عَلَيْهِمْ وَقَامَتْ فِي أَذَاهُمْ تُحَشِّدُ

وَأَسْقَتْهُمْ كَأْسًا مِنَ الذُّلِ مُتْرَعًا

وَكَانَ لَهُمْ فَوْقَ السِّمَاكَيْنِ مَقْعَدُ

>?

ص: 259

.. وَدَامَتْ لِمَنْ نَاوَاهُمْ بَعْضَ بَرْهَةٍ

عَلَى نَكَدٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُجَدَّدُ

وَقَدْ شَاهَدَتْ عَيْنَاكَ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ

فَمَالي وَوَصْفِي لِلَّذِي أَنْتَ تَشْهَدُ

>?

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

(فَصْلٌ)

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، أَنَّ مِمَّا يَتَأكَّدُ اجْتِنَابُهُ اليمِينُ الْغُمُوسُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنظُرُ إليهمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ضَيْعَةٍ، فَهَمَّ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ، فَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ اليمِين، وَأَقَرَّ لِلْمُدَّعِي بِحَقِّهِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ اقْتَطَع حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ» . فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْطِعَ بِهَا مَالَ امْرئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللهَ تَعَالى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» . إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ

ص: 260

اليمين الغَمُوسَ لَيْسَ بِالأَمْرِ الهَيِّنِ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ غَمُوسًا لأَنَّهَا تَغْمِسُ الحَالِفَ فِي النَّارِ، وَكَيْفَ لا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ يَتَقَدَّمُ بِلا اكْتِرَاثِ وَلا مُبَالاةٍ، إِلَى أَحَدِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى فَيَحْلِفُ بِهَا، مُؤَكِّدًا قَوْلَهُ عِنْدَ السَّامِعِ بِهَذَا الحَلِفِ وَلا يُفَكِّرُ أَنَّ هَذَا القَسَمُ العَظِيمُ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَيُقْلِعَ إِلَى اللهِ وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَعَلَ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَمَّا ضَرَرَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَحْقِ البَرَكَةِ لَهُ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ، وَإِذَا انْتُزِعَتِ البَرَكَة حَلَّ مَحَلَّهَا الفَشَلُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الحَلِفَ مَنْفَقَةٌ لِلسَّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى البَزَّارُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اليمين الفَاجِرَةُ تُذْهِبَ المَالَ – أَوْ قَالَ -: تَذْهَبُ بِالمَالِ» وَإِذَا ذَهَبَ المَالُ خَرِبَ البَيْتُ وَأَصْبَحَ صَاحِبُهُ فِي عِدَادِ الفُقَرَاءِ، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَحَسْبُ الحَالِفِ أَنَّ يَسْمَعَ مَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو بنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقِ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليمين الغَمُوسُ» ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا عَصَى اللهُ بِهِ هُوَ أَعْجَلُ عُقُوبَةً مِنَ البَغْي، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُطِيعَ اللهُ بِهِ أَسْرَعَ ثَوَابًا مِنَ الصِّلَةِ، واليمين الفَاجِرَةُ تَدْعُ الدِّيَارَ بَلاقِعَ» . رَوَاهُ البَيْهَقِي.

ثُمَّ إِنَّ الحَلِفَ بِاللهِ كَذِبًا اسْتِخْفَافًا بِاسمِ اللهِ وَاسْتِهَانَةً بِهِ، وَتَشَبُّهٌ بِحَالِ المُنَافِقِينَ، الذِينَ أَخْبَرَ اللهُ عَمَّا قَالُوا بِقَوْلِهِ عز وجل:{وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}

ص: 261

فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ بِهَذَا الحَلِفِ، وَبِهَذَا الكَذِبِ الذِي يُخَيَّلُ إليهمْ أَنَّهُ سَبِيلُ لِلنَّجَاةِ عِنْدَ النَّاسِ يُهْلِكُونَ أَنْفَسَهُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ الحَقَّ وَيَكْشِفُهُ لِلنَّاسِ، فَيَهْلِكَ الكَاذِبُ فِي الدُّنْيَا بِكَذِبِهِ، وَيَهْلِكُ فِي الآخِرَةِ يَوْمَ لا يُفِيدُهُ إِنْكَارُهُ شَيْئًا، وَكَفَى بِالحَلِفِ الكَاذِبِ شُؤْمًا وَلُؤْمًا أَنَّهُ فِعْلُ المُنَافِقِينَ، وَأَنَّ فَاعِلُهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ إِنَّمَا يَفْعَلُ فِعْلاً يُشَابِهُ فِيهِ أَهْلَ النِّفَاقِ، أَخْبَثَ الكُفَّارِ، الذِينَ أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رِجْسٌ وَأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَانْطَبَقَ عَلَى كَثِِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا العَصْرِ قَوْلُ الشَّاعِر:

زَمَانُ كُلُّ حِبٍِّ فِيهِ خَبٌّ

وَطَعْمُ الخِلِّ خَلٌّ لَوْ يُذَاقُ

لَهُمْ سُوقٌ بِضَاعَتُهُ النِّفَاقُ

فَمَنْ نَاقْ يَكُونْ لَهُ نِفَاقُ

آخر:

أَمْسَى النِّفَاقُ دُرُوعًا يُسْتَجَنٌ بِهَا

عَنِ الأَذَى وَيُقَوّي سَرْدَهَا الحَلِفُ

وَيَعْظُمُ الإِثْمُ إِذَا كَانَ الحَلِفُ الكَاذِبُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ اقْتِطَاعُ مَالِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» وَمَنْ يُطِيقُ أَنْ يَلْقَى خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ، الذِي السَّمَاوَات وَالأَرْضُ قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالآية التي قَرَأَهَا المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم إِثْرَ الحَدِيثِ مِصْدَاقًا لِمَا أَخْبَرَ تُفِيدَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَظِيمٌ، فَإِنَّهَا تُخْبِرُ عَنِ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلَيلاً، بِأَنَّهُ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الذِي لا نَصِيبَ لَهُ فِي الآخِرَةِ الكَافِرُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَإِلا فَالذِي لا عَمَلَ لَهُ إِلا الإِيمَانِ والعملُ الصالحُ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ:

ص: 262

إِنَّهُ لا خَلاقَ فِي الآخِرَةِ، وَمَعَ أَنَّهُ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ فَلا يُكَلِّمَهُ الله وَلا يَنْظُرُ إليه يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أليمٌ فَلْيَتَأَمَّلِ العَاقِلُ اللَّبِيبُ مَا فِي هَذِهِ مِنَ الوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِهِ.

وَلَقَدْ بَلَغَ تَهَاوُنُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالأَيْمَانِ الكَاذِبَةِ إِلَى مَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الجُلُودُ، حَتَّى فِي حَدِيثِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَفِي مَجَالِسِهِمْ الخَاصَّةِ، وَفِي أَسْوَاقِهِمْ، وَفِي مُعَامَلاتِهِمْ، وَفِي أَوْعَادِهِمْ وَيِأْتِي بِالقَسَمِ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَاللهِ العَظِيمِ) يُؤَيِّدُونَ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ مَوَاعِيدٍ وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَّهَمُونَ فِي إِخْلافِ الوْعْدِ، كَمَا قِيل:

وَفِي اليمين عَلَى مَا أَنْتَ فَاعِلُهُ

مَا دَلَّ أَنَّكَ فِي المِيعَادِ مُتَّهَمُ

وَاسْتَمِعْ لَهُمْ وَخُصُوصًا عِنْدَ البَيعِ وَالشِّرَاءِ، لِيَبِيعُوا مَا مَعَهُمْ بِسُرْعَةٍ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لِيَكْثُرَ رِبْحُهُمُ فِي زَعْمِهِمْ، فَعَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ حَذِرًا مِنْهُم، وَلَوْ حَلَفُوا أَمَامَهُ فَقَدْ أَصْبَحَ الحَلِفُ عِنْدَهُمْ عَادَةً، وَلِهَذَا أَكْثَرُ النَّاسِ إِذَا حَلَفُوا لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعُهْمُ يَحْلِفُونَ، وَلْيَبْشِرُوا الحَالِفِينَ عَلَى سِلَعِهِم كَذِبًا وَتَرْوِيجًا أَنَّ رِبْحَهُمْ مَهْمَا كَثُرَ مَصِيرُهُ لِلزَّوَالِ، فَإِنَّهُ لا بَرَكَةَ فِيهِ، وَكَيْفَ يُبَارِكُ فِي رِبْحٍ لَمْ يَجِئْ إِلا مِنْ غِشٍّ وَتَدْلِيسٍ وَكَذِبٍ وَمَعْصِيَةٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ» فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ

ص: 263

مِرَاتٍ فقَالَ أَبُو ذَرٍّ. خَابُوا وَخَسِرُوا يَا رَسُولَ مَنْ هُمْ؟ قَالَ «الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» . وَلا يَجُوزُ الحَلِفُ بِغَيْرِ اللهُ لا بِكَعْبَةٍ وَلا بِنَبِي وَلا مَلَكٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أوْ لَيَصْمُتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ولما ورد عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: وَالْكَعْبَةِ. فَقَالَ لا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَحَسَّنَهُ، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهم، ولا يَجُوزُ الحَلِفُ بِالأَمَانَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ» . وَرِجَالُهُ ثِقَات.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكركَ وشكرِك وَوَفِّقْنَا لامْتَثِالِ أَمْرِكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

تَدَبَّرْ كِتَابَ اللهِ يَنْفَعْكَ وَعْظُهُ

????

فَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَبْلَغُ وَاعِظِ

????

وَبِالْعَيْنِ ثُمَّ القَلْبِ لاحِظْهُ وَاعْتَبِرْ

????

مَعَانِيَهُ فَهُوَ الهُدَى لِلْمُلاحِظِ

????

وَأَنْتَ إِذَا أَتْقَنْتَ حِفْظَ حُرُوفِهِ

????

فَكُنْ لِحُدُودِ اللهِ أَقْوَمَ حَافِظِ

????

وَلا يَنْفَعُ التَّجْوِيدُ لافِظَ حُكْمِهِ

????

وَإِنْ كَانَ بِالقُرْآنِ أَفْصَحَ لافِظِ

????

وَيُعْرَفُ أَهْلُوهُ بِإِحْيَاءِ لَيْلِهِمْ

????

وَصَوْمِ هُجَيْرِي لاهِجِ القَيْضِ قَائِظِ

>?

????

ص: 264

.. وَغَضّهِمْ الأَبْصَارَ عَنْ كُلِّ مَأْثَمٍ

????

يَجُرُّ بِتَكْرِيرِ العُيُونِ اللَّوَاحِظِ

????

وَكَضْمِهُمُوا لِلْغَيْظِ عِنْدَ اسْتَعَارِهِ

????

إِذَا عَزَّ بَيْنَ النَّاسِ كَظْمُ المَغَائِظِ

????

وَأَخْلاقُهُمْ مَحْمُودَةٌ إِنْ خَبَرْتَهَا

????

فَلَيْسَتْ بِأَخْلاقٍ فِظَاظٍ غَلائِظِ

????

تَحَلَّوْ بِآدَابِ الكِتَابِ وَأَحْسَنُوا التَّ

????

فَكُّرِ فِي أَمْثَاله وَالمَوَاعِظِ

>?

????

فَفَاضَتْ عَلَى الصَّبْرِ الجَمِيلِ نُفُوسُهُمْ

سَلامٌ عَلَى تِلْكَ النُّفُوسِ الفَوَائِضِ

اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلينَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

موعظة

عِبَادَ اللهِ إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ العَجَبِ أَنْ يَعْصِي الرَّجُلُ مَوْلاهُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَجْبًا لأنَّ المُؤْمِنَ يَتَيَقَّنُ يَقِينًا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مَوْلاهُ جَلَّ وَعَلا يَرَاهُ، وَيَعْلَمُ سَرَّهُ وَنَجْوَاهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ يَسْتَحِيي أَنْ يَفْعَلْ مَا يُغْضِبُ أَخَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ، وَمَعَ أَنَّهُ لا يَمْلِكُ لَهُ ضَرًا وَلا نَفْعًا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلا فِي دَارِ القَرَارِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا حَاله مَعَ هَذَا المَخْلُوقِ فَعَجِيبٌ جِدًا أَنْ لا يَكُونَ أَشَدَّ احْتِرَامًا وَحَيَاءً مَعَ فَاطِرِ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الذِي أَوْجَدَ الجَمِيعَ مِنَ العَدَمِ وَهُوَ الذِي يَحْفَظُ عَلَيْكَ الحَيَاةَ وَهُوَ الذِي أَسْبَغَ عَلَيْكَ النِّعَمَ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَأَدَامَ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَوَالاهُ، وَلَوْ شَاءَ لَسَلَبَكَ كُلَّ نِعْمَةٍ، وَأَحَّلَ بِكَ كُلَّ نِقْمَةٍ، وَجَعَلَكَ فِي هَذَا الوُجُودِ عِبْرَةً لأولي الأَبْصَارِ، أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الذِي يُمِيتُكَ، وَيُعَامِلُكَ فِي قَبْرِكَ

ص: 265

بِمَا يُنَاسِبُ مَالَكَ مِنْ أَعْمَالِ، وَهُوَ الذِي يَبْعَثُكَ بَعْدَ مَوْتِكَ، وَيَسُوقُكَ إِلَى ذَلِكَ المَوْقِف الذِي هَوْلَهُ يُشِيبُ الأَطْفَالُ، وَهُوَ الذِي يُحَاسِبُكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ فِي حَيِاتِكَ الأُولِى مِنَ الأَفْعَالِ، وَهُوَ الذِي يَأْمُرُ بِكَ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، نَعَمْ إِنَّهُ مِنْ أَعْجَبِ العَجَبِ أَنْ يُجَاهِرَ المُؤْمِنُ رَبَّهُ بِالمَعْصِيَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكُ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، إِنَّ البُرْهَان الذِي لا مَغْمَزَ فِيهِ عَلَى أَنَّكِ تَسْتَحِيي مِنْ رَبِّكَ أَيُّهَا المُؤْمِنُ، أَنْ تَكُونَ بَعِيدًا كُلَّ البُعْدِ دَائِمًا عَنْ مَعَاصِي اللهِ، فَتَحْبِسْ لِسَانَكَ عَنِ القَذْفِ وَالكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالغَيْبَةِ، وَالخُلْفِ فِي الوَعْدِ، وَعَنِ المِرَاءِ وَالجِدَالِ وَالاسْتِهْزَاءِ، وَالسُّخْرِيَّةِ بِالنَّاسِ، وَاللَّعْنِ وَالفُحْشِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مَمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا أَوْ مَكْرُوهٍ، لأنَّ اللِّسَانَ إِنَّمَا خُلِقَ لِتَلاوَةِ كِتَابِ اللهِ وَذِكْرِهِ، وَلِتُرْشِدَ بِهِ خَلْقَ اللهِ، وَتُظْهِرَ بِهِ مَا فِي ضَمِيرَكَ مِنْ حَاجَاتِِِِِِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، وَتُدَافِعُ بِهِ عَنْ دِينِكَ وَنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ، فَإِذَا اسْتَعْمَلْتَهُ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ كَانَ وَبَالاً عَلَيْكَ، وَتَحْبِسُ عَيْنَكَ، لأنَّهَا إِنَّمَا خُلِقَتْ لَكَ لِتَهْتَدِي فِي الظُّلُمَاتِ، وَتَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى قَضَاءِ الحَاجَاتِ، وَتَنْظُرُ بِهَا بِعَيْنِ الاعْتَبارِ إِلَى عَجِائِبِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فَتَعْتَبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الآيَاتِ البَاهِرَاتِ؛ فَاحْفَظْهَا عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، مِنْ نَظَرِ إِلَى غَيْرِ مُحْرِمٍ مِنَ النِّسَاءِ، أَوْ إِلَى مُسْلِمٍ بِعَيْنِ الاحْتَقَارِ وَالازْدِرَاءِ، أَوْ إِلَى تِلْفِزْيُونٍ أَوْ إِلَى سِينَمَاءِ، أَوْ إِلِى صُورَةٍ مَليحَةٍ بِشَهْوَةٍ، أَوْ تَطّلِعَ بِهَا عَلَى عَيْبِ مُسْلِم، أَوْ إِلَى بَيْتِ جَار أَوْ غَيْرِ جَارِ مِمَّنْ لا يَرْضَى بِذَلِكَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.

وَأَمَّا الأُذُنَ فَاحْفَظْهَا عَنْ أَنْ تُصْغِي بِهَا إِلَى اسْتِمَاعِ المَلاهِي وَالمُنْكَرَاتِ، أَوْ إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ إِلَى غِيبَةٍ أَوْ فُحْشٍ، أَوْ قَذْفَ مُسْلِمٍ أَوْ

ص: 266

حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لاسْتِمَاعِكَ كَارِهُونَ، أَوْ إِلَى الخَوْضِ بِالبَاطِلِ، أَوْ ذِكْرِ مَسَاوِئ النَّاسِ، لأَنَّهَا خُلِقَتْ لَكَ لِتَسْمَعَ بِهَا كَلامَ اللهَ وَسُنَّةِ رَسُولَهِ، وَمَا يَنْفَعُكَ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ وَلِتَتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الاسِتَفادَةِ مِنَ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، المُوَصِلَّةِ إِلَى مَرْضَاةِ اللهِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، الدَّائِمِ فِي جِوَارِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَإِذَا أَصْغَيْتَ بِهَا إَلَى شَيْءٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ أَوْ المَكْرُوهَاتِ، صَارَ مَا كَانَ عَلَيْكَ، وَانْقَلَبَ مَا كَانَ سَبَبَ فَوْزِكَ سَبَبَ هَلاكِكَ، وَهَذَا غَايَةُ الخُسْرَانِ، وَلا تَظُنُّ أَنَّ الإِثْمَ يَخْتَصُّ بِهِ القَائِلُ دُونَ المُسْتَمِعِ إَلا إِنْ أَنْكَرِ بِلِسَانِهِ، أَوْ بِقَلْبِهِ إِنْ خَافَ، وَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ وَالابْتِعَادَ عَنْهُمْ، أَوْ قَدِرَ عَلَى قَطْعِ الكَلامِ بِكَلامٍ آخرَ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ آثِمٌ، وَكَذَلِكَ يَكُفُّ البَطْنَ وَالفَرْجَ عَنِ المُحَرَّمَاتِ، وَاليدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَحَاسَّةَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ.

شٍعْرًا:

أَحْبَابَنَا نُوَبُ الزَّمانِ كَثِيرَةُ

وَأَمَرُّ مِنْهَا رِفْعَةُ السُّفَهَاءِ

هَلْ يَسْتَفِيقُ النَّاسُ مِنْ سَكَرَاتِهِمْ

وَنَرَى النُّذُولَ بِذِلَّةٍ وَبِلاءِ

آخر:

وَقَائِلَةٍ شِبْتُمْ فَقُلْتُ لَهَا شِبْنَا

وَفِي هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ أُنْشِبْنَا

وَيَا لَيْتَنَا لَمَّا تَقَضَّى شَبَابُنَا

خَلَصْنَا وَأَخْلَصْنَا وَلَكِنَّنَا شِبْنَا

فَيَا عَجَبًا مِنَّا عَلَى اللهِ نَجْتَرِي

وَتَهْوي سَوَافِي الرِّيحِ أَرْوَاحَنَا جُبْنَا

وَكَيْفَ أَضْعَنَا بَاقِيًا لِمُعَجَّلٍ

سَيَفَنَى لَقَدْ نِلْنَا بِصَفْقَتِنَا غِبْنَا

وَكَمْ صَرَفَتْنَا بَيْنَ مَلْهَى وَمَلْعَبٍ

فَمَا إِنْ نَكَرْنَا قُبْحَ ذَاكَ وَمَا عِبْنَا

>?

ص: 267

ج

وَنَادِي سِفَاهٍ قَدْ حَضَرْنَا وَإِنَّمَا

عَنِ الرُّشْدِ وَالتَّوْفِيقِ يَوْمِئِذٍ غِبْنَا

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا يَكُونُ جَوَابُنَا

إِذا نَحْنُ فِي وَفْدِ القُبُورِ غَدًا أُبْنَا

أَيَنْفَعُ إِنْكَارٌ وَذُو العَرْشِ عَالِمٌ

بِمُودَعَةٍ صَدْرًا وَمُلْزَمَةٍ ضِبْنَا

أَلا لَيْسَ إَلا عَفْوُهُ عَنْ ذُنُوبِنَا

فَإِن يَخِبِ التَّقْدِيرُ فِيهِ فَقَدْ خِبْنَا

>?

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى قَوْلِكَ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَهَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ المُفْلِحِينَ الذِينَ نَوَّرْتَ قُلُوبَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَهَّلْتَهُمْ لِخْدْمَتِكِ، وَحَرَسْتَهُمْ مِنْ عَدُوِّكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

فَصْلٌ في القذف

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ لَمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ أَنَّ القَذْفَ - هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا - مُحَرَّمٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وِالإِجْمَاعِ، أَمَّا الكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقال صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» وَعَدَّ مِنْهَا: «قَذْفَ المُحْصَنَاتِ» .

ص: 268

الحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا عَظَّمَ جَلَّ وَعَلا أَمْرَ الزِّانِي بِوُجُوبِ جَلْدِهِ، وَكَذَا رَجْمِهِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَأَنَّهُ لا تَجُوزُ مُقَارَنَتَهُ وَلا مُخَالَطَتَهُ عَلَى وَجْهٍ لا يَسْلَمُ فِيهِ مِنَ الشَّرِ، بَيَّنَ تَعَالَى تَعْظِيمَ الإِقْدَامِ عَلَى رَمْيِ الأَعْرَاضِ المُحَصَّنَةِ العَفِيفَةِ بِالزِّنَا، وَشَدَّدَ فِي عُقُوبَتِهِ، فَأَوْجَبَ عَلَى القَاذِفِ إِذَا لَمْ يُقِمْ البَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ ثَلاثَة أَحْكَامٍ.

(أَحَدُهَا) : أَنْ يُجْلَدْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. (الثَّانِي) : أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، فَيَكُونُ سَاقِطَ الاعْتِبَارِ فِي النَّاسِ، مُلْغَى القَوْلُ، لا تُسْمَعُ لَهُ كَلِمَةُ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ حُدَّ لِلْقَذْفِ حَتَّى يَتُوبَ. (الثَّالِثُ) : أَنَّهُ يَكُونُ فَاسِقًا، لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَ اللهِ وَلا عِنْدَ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَدُ إِلَى امْرَأَةٍ مُتَمَتِّعَةً بِالحَصَانَةِ وَالعِفَّةِ وَالنَّزَاهَةِ، بَعِيدَةً عَنِ الرِّيبَةِ، رُبَّمَا أَنَّهَا لا تَخْطُرُ لَهَا بِبَالٍ، وَلا تُحَدِّثَ بِهَا نَفْسَهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ ذَاتَ دِينٍ، غَافِلَةً عَنْهُ، مُقَضِّيَةً وَقْتَهَا فِي إِصْلاحِ شَأْنِهَا، وَتَدْبِيرِ بَيْتِهَا، وَتَرْبِيَةِ أَوْلادِهَا، وَتَطْهِيرِ نَفْسِهَا، فَيَرْمِيهَا بِالزِّنَا الذِي يَثْلِمُ بِهِ عِرْضَهَا، وَيَجْرَحُهُ، وَيُشِيعُ الفَاحِشَةَ عَلَيْهَا، وَيُشَوِّهُ بِهِ سُمْعَتِهَا وَتَسُوءُ بِهِ حَالُهَا، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ سَيِّءِ الآثَامِ مَا يُجْلِبُ الهُمُومِ واَلغُمُومِ وَالأَنْكَادِ وَالأَحْزَانِ، وَمَاذَا تَكُونُ نَظْرَةُ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى المَقْذْوفِ وَأُسْرَتِهِ، وَمَاذَا يَكُونُ غَضَبُهُمْ عَلَى القَاذِفِ وَمَنْ سَاعَدَهُ وَنَشَرَ مَعَهُ الفَاحِشَةَ. نَسْأَلُ اللهُ العَافِيَةَ.

وَقَالَ سَيَّدُ قُطْب عَلَى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: إِنَّ تَرْكَ الأَلْسِنَةِ تُلْقِي التُّهَمِ عَلَى المُحْصَنَاتِ - وَهُنَّ العَفَيفَاتِ الحَرِائِرُ ثَيِّبَاتٍ أَوْ أَبْكَارًا - بِدُونِ دَلِيل قَاطِع يَتْرُكُ المَجَالَ فَسِيحًا لِكُلِّ مَنْ شَاءِ أَنْ يَقْذِفَ بَرِيئَةً أَوْ بَرِيئًا بِتِلْكَ التُّهْمَةِ النَّكْرَاءِ، ثُمَّ يَمْضِي آمِنًا فَتُصْبِحُ الجَمَاعَةُ وَتُمْسِي وَإِذَا أَعْرَاضُهَا

ص: 269

مُجَرَّحَةً، وَسُمْعَتُهَا مُلَوَّثَةٌ، وَإِذَا كُلُّ فَرْدٍ فِيهَا مُتَّهَمٌ أَوْ مُهَدَّدٌ بِالاتِهَامِ، وَإِذَا كُلُّ زَوْجٍ فِيهَا شَاكٌّ فِي زَوْجِهِ، وَكُلُّ رَجُلٍ فِيهَا شَكَّ فِي أَصْلِهِ، وَكُلُّ بِيْتٍ فِيهَا مُهَدَّدٌ بِالانْهِيَارِ. وِهِيِ حَالَةٌ مِنَ الشَّكِ وَالقَلَقِ وَالرِّيبَةِ لا تُطَاقُ، ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اطِّرَادِ سَمَاعِ التُّهَمِ يُوحِي إِلَى النُّفُوسِ المُتَحَرِّجَةِ مِنْ ارْتِكَابِ الفِعْلَةِ أَنَّ جَوَّ الجَمَاعَةِ كُلُّهُ مُلَوَّثٌ، وَأَنَّ الفِعْلةَ فِيهَا شَائِعَةٌ، فَيُقْدِمُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْهَا، وَتَهُونُ فِي حِسِّهِ بَشَاعَتُهَا بِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا، وَشُعُورِهِ بِأَنَّ كَثِيرِينَ غَيْرُهُ يَأْتُوونَهَا، وَمَنْ ثَمَّ لا تُجْدِي عُقُوبَةُ الزِّنَا فِي مَنْعِ وُقُوعِهِ، وَالجَمَاعَةُ تُمْسِي وَتُصْبِحُ وَهِي تَتَنَفَّسُ فِي ذَلِكَ الجَوِّ المُلَوَّثِ المُوحِي بِارْتِكَابِ الفَحْشَاءِ. لِهَذِا وَصِيَانَةً لِلأَعْرَاضِ مِنَ التَّهَجُّمِ وَحِمَايَةً لأَصْحَابِهَا مِنَ الآلامِ الفَظِيعَةِ التِي تُصَبُّ عَلَيْهِمْ شَدَّدَ القُرْآنُ الكَرِيمُ فِي عُقُوبَةِ القَذْفِ، فَجَعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا.. ثَمَانِينَ جَلْدَةً.. مَعَ إِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ، وَالوَصْمِ بِالفِسْقِ.. وَالعُقُوبَةُ الأُولَى: جَسَدِيَّةٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَدَبِيَّةٌ فِي وَسَطِ الجَمَاعَةِ، وَيَكْفِي أَنْ يُهْدَرَ قَوْلُ القَاذِفِ فَلا يُؤْخَذُ لَهُ بِشَهَادَةٍ، وَأَنْ يَسْقُطُ اعْتَبَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ مُتَّهَمًا لا يُوثَقُ لَهُ بِكَلامٍ.

وَالثَّالِثَةُ: دِينِّيةٌ فَهُوَ مُنْحَرِفٌ عَنِ الإِيمَانِ، خَارِجٌ عَنِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم.. ذَلِكَ إِلا أَنْ يَأْتِي القَاذِفُ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ بِرُؤْيَةِ الفِعْلَ، أَوْ بِثَلاثَةٍ مَعَهُ إِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ إِذًا صَحِيحًا، وَيُوقَعُ حَدَّ الزِّنَا عَلَى صَاحِبِ الفِعْلَةِ. وَالجَمَاعَةُ المُسْلِمَةِ لا تَخْسَرُ بِالسُّكُوتِ عَنْ تُهْمَةٍ غَيْرِ مُحًقَّقِةٍ كَمَا تَخْسَرُ بِشُيُوعِ الإِتِّهَامِ وَالتَّرَخُّصِ فِيهِ، وَعَدَمِ التَّحَرُّجِ مِنْ الإِذَاعَةِ بِهِ، وَتَحْرِيضِ الكَثِيرِينِ مِنَ المُتَحَرِجِّينَ عَلَى ارْتِكَابِ الفِعْلَةِ

ص: 270

التِي كَانُوا يَسْتَقْذِرُونَهَا، وَيَظُنُّونَهَا مَمْنُوعَةً فِي الجَمَاعَةِ أَوْ نَادِرَةٌ. ذَلِكَ فَوْقَ الآلامِ الفَظِيعَةِ التِي تُصِيبُ الحَرَائِرَ الشَّرِيفَاتِ وَالأَحْرَارِ الشُّرَفَاءِ، وَفَوْقَ الآثَارِ التِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ النَّاسِ وَطُمَأْنِينَةِ البُيُوتِ. انْتَهَى.

اللَّهُمَّ اكْتُبْ فِي قُلُوبِنَا الإِيمَانَ وَأَيِّدْنَا بِنُورٍ مِنْكَ يَا نُورَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ القَبُولِ وَالإِجَابَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا بِرَحْمَتِكِ الوَاسِعَةِ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

مَوْعِظَةٌ

عِبَادَ اللهِ: سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ أَنْ لا يُؤَاخِذَ مُذْنِبًا بِذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ، أَوْ جَرِيمَةً اجْتَرَمَهَا، أَوْ جَرِيرَةً ارْتَكَبَهَا إِلا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتّقُوهُ مِنْ مَحَارِمِهِ، وَيَجْتَنِبُوهُ مِنَ المُوبِقَاتِ المُؤَدِّيَةِ بِهِمْ إِلَى هُوَّةِ الهَلاكِ وَالدَّمَارِ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلا إِلَى هَذِهِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةَِ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم النَّبِيّ الأُمِيَ {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الكَرِيم، {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ، {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} فِيهِ هُدَىً وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَحْتَاجُ إليه النَّاسُ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، فَاسْتَمْسَكَ المُسْلَمُونَ مُدَّةً مِنَ الدَّهْرِ بِهَدْيِهِ، وِتَخَلَّقُوا بِآدَابِهِ، فَكَانُوا فِي ذَلِكَ الحِينِ أَهْلَ الحَوْلِ وَالطَّوْلِ وَالقُوَّةِ وَالمَنَعَةِ، تَعْنُوا لَهُمْ الوُجُوهُ، وَتَخْضَعُ لَهُمْ الرِّقَابُ فَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ مُنَازِعٌ إَلا ابْتَزُّوا مُلْكَهُ، وَاسْتَبَاحُوا مَكَانَ العِزَّةِ مِنْهُ، وَأَخَذُوا بِطَرْفِي الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، وَكَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ، كَانُوا فِي تِلْكَ الأَزْمَانِ يَعْمَلُونَ بِطَاعَةِ اللهِ وَيَتَّقُونَهُ، وَيُحْسِنُونَ فِي عِبَادَتِهِ وَإِلَى عِبَادِهِ، وَيَصْبِرُونَ عَنْ مَعَاصِيهِ، وِعَلَى أَقْدَارِهِ، فَكَانَ اللهُ مَعهم بِعَوْنِهِ

ص: 271

وَتَوْفِيقِهِ وَنَصْرِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَسْدِيدِهِ، يِا عِبَادَ اللهِ كَانَ كُبَرَاءُ النَّاس وَسَادَتُهم في الصَّدْرِ الأَوَّلِ أَشَّدُ النَّاسِ ظُهُورًا بِالتَّمَسُّكِ بِالِّدينِ تَقْتَدِي بِهِمْ العَامَّةُ فِي تَوْحِيدِهم وَعِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلاتِهِمْ، فَانْعَكَسَتْ عَلَيْنَا الآنَ القَضِيَّةُ، وَصَارَ العَامَّةِ أَشَدُّ تَمَسُّكًا بِالدِّينِ، وَأَرْسَى عَقِيدَةً مِنْ أُولَئِكَ، وَأَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ المُتَعَلِّمِينَ الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُثَقَّفُونَ، يَحْمِلُونَ المُؤَهِّلاتِ المَعْرُوفَةِ أزهَدَ النَّاسُ فِي الدِّينِ، وَأَبْعَدَهم عَنْ تَعَاليمِهِ، نَبَذَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَمَا تُنْبَذُ النَّوَاةُ، لا لأنهُم وَقَفُوا عَلَى عَيْبٍ فِي الدِّينِ، أَوْ هَفْوَةٍ فِي أُصُولِهِ، وَلَكِنَّهُمْ مُقَِّدُونَ فِي هَذَا الضَّلالِ لِقَوْمٍ عَرَفُوا {ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وَرَأَوْا تَكَاليفَ الدِّينِ وَتَعَاليمَهُ لا تَتَّفِقُ مَعَ شَهَوَاتِهِمْ وَمَلاذِهِمْ، فَاتَّخَذُوا الخُرُوجَ عَنْ تَكَاليفِهِ لِلْحُصُولِ عَلَى مَلاذِ الحَيِاةِ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} .

شِعْرًا:

يَقُولُونُ فِي الإِسْلامِ ظُلْمًا بِأَنَّهُ

يَصُدّ ذَوِيهِ عِنْ طَرِيقِ التَّقَدُمِ

وَلَوْ كَانَ ذَا حَقًّا فَكََيْفَ تَقَدَّمْتْ

أَوَائِلُهُ فِي عَهْدِهَا المُتَقَدِّمِ

وَإِنْ كَانَ ذَنْبُ المُسْلِمِ اليوم جَهْلُهُ

فَمَاذَا عَلَى الإِسْلامِ مِنْ جَهْلِ مُسْلِمِ

هَلْ العِلْمِ فِي الإِسلامِ إلاّ فَرِيضَة

وَهَلْ أُمَّةٌ سَادَتَ بِغَيْرِ التَّعَلُّمِ

لَقَدْ أَيْقَظَ الإِسْلامْ لِلْمَجْدِ وَالعُلا

بَصَائِرَ أَقْوَامِ عَنِ المََجْدِ نُوَّمِ

فَأشْرَقَ نُورُ العِلْمِ مِنْ حُجُرَاتِهِ

عَلَى وَجِهِ عَصْرٍ بِالجَهَالَةِ مُظْلِمِ

وَدَكَّ خُصُونَ الجَاهِلِيِّةِ بِالهُدَى

وَقَوِّضَ أَطْنَابَ الضَّلالِ المُخَيَّمِ

وَأَنْشَطَ بِالعِلْمِ العَزَائِمِ وَابْتَنَى

لأَهَلْيَهِ مَجْداً لَيْسَ بَالمُتَهَدِّمِ

وَأَطْلَقَ أَذْهَانَ الوَرَى مِنْ قِيُودِهَا

فَطَارَتْ بِأَفْكَارٍ عَلَى المَجْدِ حُوَّمِ

وَفَكّ أُسَارَ القَوْمِ حَتَّى تَحَفَّزُو

نُهُوضًا إِلَى العَلْيَاءِ مِنْ كُلِّ مَجْثِمِ

فَخَلُّوا طَرِيقًا لِلْبَدَاوَةِ مَجْهَلا

وَسَارُوا بِنَهْجٍ لِلْحَضَارَةِ مُعْلمِ

ص: 272

فدَوَّت بمُسْتَنّ العُلَى نَهَضَاتُهُمْ

كَزْعَزَعِ رِيحٍ أَوْ كَتَيَّارِ غَيْلَمِ

وَعَمَّا قَلِيلٍ طَبَّقَ الأَرْضَ حُكْمُهُ

بِأَسْرَعَ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى الفَمِ

وَقَدْ حَاكَتْ الأَفْكَارُ عِنْد اصْطِدَامِهَا

تَلألُؤَ بَرْقِ العَارِضَ المُتَهَزِّمِ

وَلاحَتْ تَبَاشِيرُ الحَقَائِقِ فَانْجَلَتْ

عَنِ النَّاسِ في الدُّنْيَا شُكُوكَ التَّوَهُمِ

فَلَيْسَ لمُثْرٍ نَقْصُهُ حَقّ مُعْدِمٍ

وَلا عَرَبِيٍ بَخْسُهُ فَضْلَ أَعَجْمِ

وَلا فَخْرَ لِلإِنْسَانِ إِلا بِدِينِهِ

وَلا فَضْلَ إِلا بِالتُّقَى وَالتَّكَرُّمِ

آخر:

هُوَ المَوْتُ فَاصْنَعْ كُلَّ مَا أَنْتَ صَانِعُ

وَأَنْتَ لِكَأْسِ المَوْتِ لا بُدَّ جَارِعُ

أَلا أَيُّهَا المَرْءُ المُخَادِعُ نَفْسَهُ

رُوَيْدًا أَتْدْرِي مَنْ أَرَاكَ تُخَادِعُ

وَيَا جَامِعَ الدُّنْيَا لِغَيْرِ بَلاغِهِ

سَتَتْرُكُهَا فَانْظُرْ لِمَنْ أَنْتَ جَامِعُ

فَكَمْ قَدْ رَأَيْتَ الجَامِعِينَ قَدْ أَصْبَحَتْ

لَهُمْ بَيْنَ أَطْبَاقِ التُّرَابِ مَضَاجِعُ

لَوْ أَنَّ ذَوِي الأَبْصَارِ يَرْعَوْنَ كُلَمَّا

يَرَوْنَ لَمَا جَفَّتْ لِعَينٍ مَدَامِعُ

طَغَى النَّاس مِنْ بَعْدِ النَّبِي مُحَمَّدٍ

فَقَدْ دَرَسْتَ بَعَدْ النَّبِي الشَّرَائِعُ

وَصَارَتْ بُطُونِ المُرْمِلاتِ خَمِيصَةً

وَأَيْتَامُهَا مِنْهُمْ طَرِيدٌ وَجَائِعٌ

وَإِنَّ بُطُونِ المُكْثِرِينَ كَأَنَّمَا

يُنَقْنِقُ فِي أَجْوَافِهِنَّ الضَّفَادِعُ

>?

ص: 273

ج

فَمَا يَعْرِفُ العَطْشَانَ مَنْ طَالَ رِيُّهُ

وَلا يَعْرِفُ الشَّبْعَانُ مَنْ هُوَ جَائِعُ

وَتَصْرِيفُ هَذَا الخَلْقِ للهِ وَحْدَهُ

وَكُلٌّ إليه لا مَحَالَةَ رَاجِعُ

وَللهِ فِي الدُّنْيَا أَعَاجِيبُ جَمَّةٌ

تَدُلُّ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَبَدَائِعُ

وَللهِ أَسْرَارُ الأُمُورِ وَإِنْ جَرَتْ

بَهَا ظَاهِرًا بَيْنَ العِبَادَ المَنَافِعُ

وَللهِ أَحْكَامُ القَضَاءِ بِعِلْمِهِ

أَلا فَهُوَ مُعْطٍ مَا يَشَاءُ وَمَانِعُ

إِذَا ظَنَّ مَنْ تَرْجُو عَلَيْكَ بِنَفْعِهِ

فَدَعْهُ فَإِنَّ الرِّزْقَ فِي الأَرْضَ وَاسِعُ

وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا مُنَاهُ وَهَمُّهُ

سَبَتْهُ المُنَى وَاسْتَعْبَدَتْهُ المَطَامِعُ

وَمَنْ عَقَل اسْتَحْيَى وَأَكْرَمَ نَفْسَهُ

وَمَنْ قَنِعَ اسْتَغْنَى فَهْلَ أَنْتَ قَانِعُ

لِكُلِّ امْرِءٍ رَأْيَانِ رَأْيٌ يَكُفُّهُ

عَنِ الشَّرِ أَحْيَانًا وَرَأْيٌ يُنَازِعُ

>?

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَكْفِينَا مَا أَهْمَّنَا وَمَا لا نَهْتَمُّ بِهِ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا الاسْتَعْدَادِ لِمَا أَمَامَنَا، وَأَنْ تَغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ.

ص: 274

اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وُجُوهَنَا عَنِ السُّجُودِ لِغَيْرِكَ فَصُنْ وُجُوهَنَا عَنِ المَسْأَلَةِ لِغَيْرِكَ، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ عَلَى هَوَى وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ فَرُدَّهُ إِلَى الحَقِّ حَتَّى

لا يَظِلُّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ اللَّهُمَّ لا تَشْغَلْ قُلُوبَنَا بِمَا تَكَفَّلْتَ لَنَا بِهِ وِلا تَجْعَلْنَا فِي رِزْقِكِ خَوَلاً لِغَيْرِكِ وَلا تَمْنَعْنَا خَيْرَ مَا عِنْدَكَ بِشَرِّ مَا عِنْدَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا ولِوالديْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.

(فَصْلٌ) وَصَرِيحُ القَذْفِ أَنْ يَقُولَ: يَا زَانِي، أَوْ يَقُولُ لَهُ: يَا لُوطِيّ، أَوْ يَا عَاهِرُ، أَوْ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ زَنَيْتَ، أَوْ زَنَى فَرْجُكَ، أَوْ يَا مَنْيُوكُ، أَوْ يَا وَلَدُ الزَّانِي، أَوْ يَا وَلَدَ الزَّانِيَةِ، فَفِي الأَوَّلِ قَذْفٌ لَهُ، وَفِي الأَخِيرَتَيْن قَذْفٌ لأَبِيهِ وأُمِّهِ، أَوْ يَقُولُ لابنتِهَا: يَا ابْنَةَ الزَّانِيَةِ وَكِنَايتُه أي القَذْفُ أَنْ يَقُولَ: يَا قَحْبَةُ، أَوْ يَا فَاجِرَةُ، أَوْ يِا خَبِيثَةُ فَفِي الصَّرِيحِ - إِذَا اجْتَمَعْتْ الشُّرْوطُ - يُحَدُّ ثَمَانِين وَفِي الكِنَايَةِ إِذَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ.

وَالشُّرُوطُ المُعْتَبَرَةُ لإِقَامَةِ الحَدِّ (أَحَدُهُمَا) مُطَالَبَةُ المَقْذُوفِ لِلْقَاذِفِ بِحَقِّهِ وَاسْتِدَامَةِ الطَّلَبِ إِلَى إِقَامَةِ الحَدِّ، بِأَنْ لا يَعْفُو، (وَالثَّانِي) أَنْ لا يَأْتِي بِبِيِّنَةٍ عَلَى مَا قَذَفَهُ بِهِ لِمَفْهُومِ قَوْلهِ تَعَالَى:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} وَالشَّّّّّّّرْطِ (الثَّالِثُ) أَنْ لا يُصَدِّقَهُ المَقْذُوف، فَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الحَدُّ لأنَّ تَصْدِيقَهُ لَهُ أَبَلَغُ مِنْ إِقَامَةِ البَيِّنَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لا يُلاعِنَ القَاذِفُ المَقْذُوفَ إِنْ كَانَ القَاذِفُ زَوْجًا، فَإِنْ لاعَنْ سَقَطْ عَنْهُ الحَدُّ وَيُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا كَافِرُ، يَا مُنَافِقُ، يَا سَارِقُ، يَا فَاسِقُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يا تَيْسُ، يَا رَافِضِي، يَا عَدُوَّ اللهِ، يَا جَائِرُ، يَا شَارِبُ الخَمْرِ، يَا كَذَّابُ أَوْ كَاذِبٌ، أَوْ يَا ظَالِمُ، أَوْ يَا خَائِنُ، أَوْ يَا مُخَنَّثُ، أَوْ يَا قَوَّادُ، أَوْ دَيُّوثُ. وَالدَّيُّوثُ هُوَ الذِي يُقِرُّ الفَاحِشَةَ عَلَى أَهْلِهِ، وَالقَوَّادُ هُوَ السِّمْسَارُ فِي الزِّنَا وَبِاللُّغَةِ الشَّعْبِيَّةِ الجَرَّارُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَاقِعُونُ فِي القَذْفِ الذِي فِي الحَقِيقَةِ عَلَيْهِمْ عُقُوبَتُهُ دُنْيًا وَأُخْرَى. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكِ أَنَّ النَّاسَ لا يُقِيمُونَ لِهَذَا القَوْل وَزْنًا فَلِهَذَا لا يُسْمَعُ لِهَذَا الحَدِّ ذِكْرٌ وَلا لِلْمُطَالَبَةِ بِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى كَرَامَتِهِ، وَيُطَالِِبَ بِحَقِّهِ، لاسِيَّمَا وَفِي المطَالَبَةِ فِي مِثْلِ حَدِّ

ص: 275

القَذْفِ ردْعٌ لِهَؤُلاءِ المُطْلِقِينَ لأَلْسِنَتِهِم العِنَانُ فِي الفُحْشِ وَالسَّبِّ وَنَشْرِ هَذِهِ الأَخْلاقِ السَّيِّئَةِ التِي تَضُرُّهُم وَتَضُرُّ غَيْرَهُم فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالْكَلَمَةِ مَا يَتَبَيَّنَ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّار أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْربِ» . وَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بنُ جَبَلُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّار عَلَى وُجُوهُهُم إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» . وفي الحديث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليوم الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ: مَا النَّجَاةُ يَا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلِيَسَعُكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكِ» . «وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ إِلَى اللهِ القَلْبُ القَاسِي» . إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْكَلامِ شُرُوطًا لا يَسْلَمُ المُتكلّمُ مِنْ الزَّلَلِ إِلا إِذَا عَمِلَ بِهَا بِإِذْنِ اللهِ، وَلا يَعْرَى مِنَ النَّقْصِ إِلا بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيهَا بِإِذْنِ اللهِ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ.

الشَّرْطٌ الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الكَلامُ لِدَاعٍ يَدْعُو إليه أَمَّا الذِي لا دِاعِيَ لَهُ مِنْ جَلْبِ نَفْعِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ فَتَرْكُهُ أَوْلَى.

وَالشَّرْطُ (الثَّانِي) : أَنْ يَأْتِي بِهِ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَتَوَخَّى بِهِ إِصَابَةَ فُرْصَتِهِ، بِأَنْ يَتَرَقَّبَهَا وَيَتَحَرَّاهَا.

وَالشَّرْطُ (الثَّالِثُ) : أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الحَاجَةِ.

وَالشَّرْطُ (الرَّابِعُ) : أَنْ يَتَخَيَّرَ اللَّفْظَ الذِي يَتَكَلَّمِ بِهِ، فَأَمَّا الذِي لا دَاعِيَ لَهُ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرِرٍ هَذَيَانٌ، وَمَا لا سَبَبَ لَهُ هَجْرٌ، وَمَنْ سَامَحَ نَفْسَهُ فِي الكَلامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ وَهَبَّ فِي خَاطِرِهِ، وَلَمْ يُرَاعِ صِحَّةَ دَوَاعِيهِ، وَإِصَابِةِ مَعَانِيهِ، كَانَ قَوْلُهُ مَرْذُولاً، وَرَأْيُهُ مَعْلُولاً، كَمَا حُكِيَ أَنَّ

ص: 276

شَابًا كَانَ يُجَالِسُ الأَحْنَفَ وَيُطِيلُ الصَّمْتَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الأَحْنَفُ، فَخَلَتِ الحَلَقَةُ يَوْمًا مِنَ المُتَكلمِين، فَقَالَ الأَحْنَفُ: تَكَلَّمْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقَالَ: يَا عَمِّ لَوْ أَنَّ رَجُلاً سَقَطَ مِنْ شَرفِ هَذَا المَسْجِدِ يَضُرُّهُ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَيْتَنَا تَرَكْنَاكَ مَسْتُورًا.

ثُمَّ تَمَثَّلَ الأَحْنَفُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَكَائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبًا

????

زَيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ

????

لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفُ فُؤَادُهُ

????

فَلَمْ يَبْقَ إِلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ

>?

???? فَلِسَانُ العَاقِلُ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الكَلامَ رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينًا أَوْ دُنْيَا تَكَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالقَذْفِ وَالكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ أَمْسَكَ فَلا يُخْرِجُهُ، وَقَلْبُ الجَاهِل مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ، يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا عَرَضَ لَهُ، فَالعَاقِلُ يَتَفَكَّرُ وَيَزنُ كَلامَهُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَرَى أَنَّ فِيهِ لَهُ مَصْلَحَةً، وَلا مَضَرَّةَ فَيهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَتْ خَطَايَاهُ. وَقَالَ بَعْضُ البُلَغَاءِ: احْبِسْ لِسَانَكَ قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَكَ أَوْ يُتْلِفَ نَفْسَكَ. وَقَالَ النَّبيّ ? لِمُعَاذ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» وَقَالَ بَعْضُهُم: مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَتْ آثَامُهُ. فَعَلَيْكَ بِطَرِيقِ السَّلفِ الذِينَ عَمَّرُوا أَوْقَاتَهُمِ بِتَقْوَى اللهِ.

قُلوُبٌ بِتَقْوَى اللهِ وَالذكر تَعْمُر

وَأَوْجُهُهُمْ بِالقُرب والبِشْرِ تَزْهُرُ

يُنَاجُونَ مَوْلاهُمْ بِفَرْطِ تَضَرُّعٍ

وَأَدْمُعُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَقْطُرُ

آخر:

صَلَّى الإِلَهُ عَلَى قَوْمٍ شَهدتهُم

كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا أَوْ ذُكِّرُوا شَهِقُوا

>?

ص: 277

.. كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا نَارَ الْجَحِيمَ بَكَوْا

وَإِنْ تَلا بَعْضُهُمْ تَخْوِيفَهَا صَعِقُوا

مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ مِن الشَّيطَانِ يَأْخُذُهُمْ

عِنْدَ التِّلاوَةِ إِلا الْخَوْفُ وَالشَّفَقُ

صَرْعَى مِن الْحُزْنِ قَدْ سَجَّوْا ثَيَابَهُمُ

بَقِيَّةُ الرُّوحِ فِي أَوْدَاجِهِمْ رَمَقُ

حَتَّى تَخَالَهُمُ لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهُمْ

مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالاشْفَاقِ قَدْ زَهَقُوا

صَانُوا الْعُيُونَ عَنْ الْعَوْرَاتِ جُهْدَهُمُ

وَفِي لُحُومِ الْوَرَى وَالْكِذْبِ مَا نَطَقُوا

>?

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ مَحَبَّتِكَ فِي قُلُوبِنَا ثُبُوتَ الْجِبَال الرَّاسِيَاتِ وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَاعْصِمْنَا مِنْ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تَتَلَقَّاهُم الْمَلائِكَةُ بِالْبَشَارَاتِ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وَسَلَّمَ.

مَوْعِظَةٌ

عِبَادَ اللهِ لَقَدْ ضَاعَتْ أَعْمَارَنَا فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْمَدَاهَنَةِ، وَالانْهِمَاكِ فِي الدُّنْيَا، إِلى أَنْ اسْتَلْحَقَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ مُضَافًا إِلى النَّهَارِ، وَكَأَنَّنَا لَمْ نُخْلقَ ْإِلا لِهَذِهِ الأَعْمَالِ، أَفَلا نَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِنَا، وَنَحْفَظُ أَلْسِنَتِنَا عَنْ نَهْشِ أَعْرَاضِ الْغَوَافِلِ، وَالطَّعْنِ فِي الأَحْسَابِ وَالأَنْسَابِ، وَنَصْرِفَ جَلَّ الأَوْقَاتِ إِلى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ عِنْدَ رَبَّنَا ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدّا، وَنَذْكُرَ

ص: 278

مَوْلانَا الذِي فَضْلُهُ عَلَيْنَا مِدْرَارٌ، فَإِنَّ الذِّكْرَ عَاقِبَتُهُ الْجَنَّةُ دَارُ الْكَرَامَةِ وَالْقَرَارِ، مَعَ رِضَى رَبَّنَا الذِي دُونَهُ كُلُّ ثَوَابٍ، تَاللهِ لَوْ عَرَفْتُمْ قِيمَةِ النَّصِيحَةِ لَبَادَرْتُمْ إِلى الْعَمَلِ بِهَا كُلَّ الْبَدَارِ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ تَذْكُرُ اللهَ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُفَرِّقُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةِ وَسَائِرَ الأَمْوَالِ، وَأَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُجَاهِدَ الْعَدُوّ فَيَضْرِبَ عُنُقَكَ أَوْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتَكُونَ مِنْ الشُّهَدَاءِ الأَبْرَارِ، كَيْفَ لا وَالذِّكْرُ خَيْرُ الأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا، وَأَرْفَعَهَا لِلدَّرَجَاتِ عِنْدَ مَوْلانَا الْوَهَّابُ حَسْبُ الذَّاكِرِ: أَنْ تَحُفَّهُ الْمَلائِكَةُ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَتَغْشَاهُ الرَّحَمَاتُ، وَمَنْ فِي الْوُجُودِ مِثْلُ الذَّاكِرُ، وَهُوَ وَقْتُ ذِكْرِهِ للهِ يَذْكُرُهُ بَارِئُ الْكَائِنَاتِ، وَمَنْ مِثْلُهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بِالذِّكْرِ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ، يَحْفَظَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسَهِ الْفَاتِنَاتِ، وَمَنْزِلَةُ الذَّاكِرِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كَمَنْزِلَةِ الْحَيِّ بَيْنَ الْمَيِّتِينَ، وَذِكْر اللهِ يُنِيرُ الْقَلْبَ، وَيُوقِظَهُ وَيُحْيِيهِ، وَيُزِيلُ رَانَهُ وَيَهْدِيهِ إِلى الْحَقِّ.

شِعْرًا:

وَإِنَّ أَحْسَنَ قَوْلٍ أَنْتَ سَامِعُهُ

قَوْلٌ تَضَمَّنَ تَوْحِيدَ الذِي خَلَقَا

آخر:

لا يُدْرِكَ الْمَجْدَ إِلا مُخْلِصٌ فَطِنٌ

يُرْضِي الإِلهَ بِإتْقَانِ الْعِبَادَاتِ

آخر:

لا يُدْرِكَ الْمَجْدَ إِلا مُخْلِصٌ فَطِنٌ

يُرْضِي الإِلهَ بِإتْقَانِ الْعِبَادَاتِ

آخر:

رَجَاءُ إِلهِ الْخَلْقِ عِنْدِي ذَخِيرَةٌ

وَلِشِدَّةِ الْعُظْمَى تُعَدُّ الذَّاخَائِرُ

عَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ

فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَذْكُرُ

وَصَلَّى عَلَى خَيْرِ الأَنَامِ مُحَمَّدٍ

وَأَصْحَابِهِ وَالآلِ مَا دُمْتَ تَقْدِرُ

شِعْرًا:

والذِّكرُ فيه حَيَاةٌ لِلقُلُوبِ كَمَا

تَحْيَا الْبِلادَ إِذَا مَا جَاءَهَا الْمَطَرُ

وَقَالَ الآخر:

وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْتَ فِيهِ وَخَصْلَةٍ

تَحَلَّيْتَها ذِكْرُ الإِلَهِ بِمَسْجِدِ

آخر:

(أَحِنُّ اشْتِيَاقًا لِلْمَسَاجِدِ لا إِلى)

قُصُورٍ وَفُرْشٍ بِالطِّرَازِ مُوَشَّحُ

ص: 279

وَأَمْنَحُ وُدِّي لِلْمَسَاكِينِ صَافِيًا

أُجَالِسُهُمْ وَالْهَجْرَ لِلْغَيْرِ أَمْنَحُ

فَفِي ذُلِّ نَفْسِي عِزُّهَا وَبِمَوْتِهَا

حَيَاةٌ لأَجَلِ الْغَالِي بِالدُّونِ أَسْمِحُ

(لَنَا بِاعْتِزَالٍ لَذَّ فِي جَانِبَ الْهَوَى

مُجَاوَرَةُ الأَسْفَارِ لِلصَّدْرِ تَشْرَحُ)

(فَإِنْ شِئْتَ تَفْسِيرًا مُرَادَ مُحَقِّقٍ

وَإِنْ شِئْتَ تَوْحِيدًا بِهِ الْمَرْءُ يُفْلِحُ)

(وَإِنْ رَمُتَ كُتبًا لِلْحَدِيثِ وَشَرْحِهِ

وَجَدَتَ وَلَمْ يَعْدُوكَ أُنْسٌ وَمَرْبَحُ)

(وَإِنْ رُمْتَ آدَابًا وَتَارِيخَ مَنْ مَضَى

وَجَدْتَ وَفَاتَ الْوَقْتُ وَالْفِكْرُ يَسْرَحُ

(وَإِنْ رُمْتَ كُتبَ الْفِقْهِ أَوْ كُتبَ أَصْلِهِ

تَنَاوَلْتَ أَحْكَامًا بِهَا الْقَلْبُ يَفْرَحُ)

وَتَسْلَمُ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى

جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ يَنِمُ وَيَجْرَحُ

>?

اللَّهُمَّ أَيْقظَ قُلُوبَنَا وَنَوِّرْهَا بِنُورِ الإِيمَان وَثَبَّتْ فِيهَا مَحَبَّتكَ ثُبُوتَ الِجبَالِ الرَّاسِياتِ وَوَفّقْنَا لِلْعَمَلِ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَجَنِّبْنَا جَمِيعَ الْمُوبِقَاتِ وَلا تُزِغْ قُلُوبِنَاَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ الْقَبُولِ وَالإِجَابَةِ اللَّهُمَّ صلى عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ اعْطِنَا مِنْ الْخَيْرِ فَوْقَ مَا نَرْجُو وَاصْرِفْ عَنَّا مِنْ السُّوءِ فَوْقَ مَا نَحْذَر. اللَّهُمَّ عَلِّقْ قُلُوبَنَا بِرَجَائِكَ وَاقْطَعْ رَجَاءَنَا عَمَّنْ سِوَاكَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ

ص: 280

تَعْلَمُ عُيُوبَنَا فَاسْتُرْهَا وَتَعْلَمَ حَاجَاتِنَا فَاقْضِهَا كَفَى بِكَ وَلِيًّا وَكَفَى بِكَ نَصِيرًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِسُلُوكِ سَبِيلِ عِبَادِكَ الأَخْيَارِ، وَاغْفِرْ لَنَا.

(فَصْلٌ) : عِبَادَ اللهِ لَقَدْ أَخْبَرَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا أَنَّ حَيَاةً أُخْرَى نُجَازَى فِيهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالٍ، وَلا شَكَّ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالى أَخْبَرَ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَأَخْبَرَ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ، وَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِعَلامَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى إقْتِرَابِهَا، يَزْدَادُ بِهَا إِيمَانًا ذُو الْقَلْبِ السَّلِيمِ، وَهَذِهِ الْعَلامَاتُ تَنْقَسِمُ إِلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ ظَهَرَ وَانْقَضَى، وَهِيَ الأَمَارَاتِ الْبَعِيدَةِ، وَقِسْمٌ ظَهَرَ وَلَمْ يَنْقَضِ، بَلْ لا يَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ ظَهَرَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهِيَ الأَمَارَاتُ الْقَرِيبَةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَعْقِبُهَا السَّاعَةُ، فَإِنَّهَا تَتَابَعُ كَنِظَامِ خَرَزَاتٍ انْقَطَعَ سِلْكُهَا.

فَالأُولَى الَّتِي ظَهَرَتْ وَمَضَتْ، مِنْهَا: بِعَثَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَوْتُهُ، وَفَتْحُ الْمَقْدِسِ، وَقتْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، وَمِنْهَا وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لا تَقُومُ السَّاعَةِ حَتَّى تَقْتَتِلُ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهَا وَاحِدَةٌ» . وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَمِنْهَا: مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي أَيَّامِهِمْ مِنْ الأَذِيَّةِ، كَقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَرَمْي الْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَنَارُ الْحِجَازِ الَّتِي أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ بِبُصْرَى، وَمِنْهَا خُرُوجُ كَذَّابِيْنَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيّ، وَمِنْهَا كُثْرَةُ الْمَالِ، وَكَثْرَةُ الزَّلازِلْ.

الثَّانِيَةُ: الْعَلامَاتُ الْمُتَوَسِّطَةِ، مِنْهَا: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةِ حَتَّى يَكُونُ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعَ بن لُكَع» . وَاللكَعُ الْعَبْدُ

ص: 281

الأَحْمَقُ وَاللئِيمُ، وَالْمَعْنَى: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ اللئَامُ وَالْحَمْقَى وَنَحْوَهُمْ رُؤَسَاءُ النَّاسِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَسٍ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عُبَّادٌ وَجُهَّالٌ وَقُرَّاءٌ فَسَقَةٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «فُسَّاقٌ» . رَوَاهُ أَبُو نَعِيمٍ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ. وَمِنْهَا: أَنْ يُرَى الْهِلالُ سَاعَةَ يَطْلُعُ، فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ لِكِبَرِهِ، رَوَى مَعْنَاهُ الطَّبَرَانِي عَنْ ابن مَسْعُودٍ، وَفِي لَفْظٍ:«مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ انْتِفَاخُ الأَهِلَّةِ» . أَي: عِظَمُهَا.

وَمِنْهَا انْحِسَارُ الْفُرَاتِ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن الْحَارِثِ بن نَوْفَلَ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبِّيِ بِنْ كَُعْبٍ رضي الله عنه فَقَالَ: لا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةٌ أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا. قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلِ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إليه، فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكَنَا النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلَّهُ» . قَالَ: «فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مَائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيّ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ السَّلامُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي، وَعَنْ حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ مُشَارَكَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ، وَالتَّسْلِيمُ لِلْمَعْرِفَةِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو نَعِيمٍ، وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

ص: 282

وَسَلَّمَ: «إِنَّّّّّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلا لِلْمَعْرِفَةِ» . رَوَاهُ أَحَمْدَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الخَاصَّةِ، وَفُشُوِّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعْينُ المَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَشِهَادَةُ الزُّورِ، وَظُهُورِ القَلْمِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ الصَّدَقَةَ كُتِمَتْ وَغُلَّتْ، وَاسْتُؤْجِرَ عَلَى الغَزْوِ، وَأخْرِبَ العَامِرُ، وَعُمِرَ الخَرَابُ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَمَرَّسُ بِأَمَانَتِهِ فَإِنَّكَ وَالسَّاعَةُ هَاتَيْنِ» . رَوَاهُ الطَبَرَانِي.

وَعَنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكتنى المَسَاجِدَ، وَيُعْمَرَ خَرَابٌ، وَيُخَرَّبَ عُمْرَانٌ» . الحَدِيثُ رَوَاهُ الطَبَرَانِي، وَعَنْ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ سُوءُ الجِوَارِ، وَأَنْ تَجْلِبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَالتَّعْلِيمَ لِغَيْرِ اللهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدُ، وَالحَاكِمُ.

وَمِنْهَا تَقْلِيدُ الأَجَانِبِ، وَقَدْ وَقَعَ، حَتَّى أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ تَرَكُوا الدِّينَ، وَلاسِيَّمَا بَعْضُ المُتَدَيِّنِينَ، وَرَأَوْا التَّقَدُّمَ فِي تَقْلِيدِ الكَفَرَةِ، وَرَبَائِبَ الكَفَرَةِ وَمِنْهَا لَعْنُ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَقَدْ حَصَلَ، وَمِنْهَا اتِّخَاذُ المَسَاجِدِ طُرُقًا، وَمِنْهَا مَا قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَهُوَ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم حُكْمًا أَنَّهُ قَالَ:«كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ، يَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً، إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ تُرِكَتْ السُّنَّةُ» قَالُوا: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم، وَالتُمِسَتْ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَتُفُقِّهِ لِغيْرِ الدِّينِ» .

ص: 283

قُلْتُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليوم يَتَعَلَّمُونَ لأجْلِ الحُصُولَ عَلَى شَهَادَةَ المَاجِسْتِير أَو الدكتوراه أو البكاريُوس أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لا لأجْلِ إِزَالَةِ الجهل عن نفسِهِ وَنَفْع المسلمين بِتَعْلِيمهم بل لأجلِ الدُّنْيَا فَهْوَ تَعَلُّمٌ لِغَيْرِ الدِّينَ نسأل الله العافية وهؤلاء يَنْطَبِقُ عليهم قول الشاعر:

هَوِّنْ عَلَيْكَ فَمَا تَعْدُ شَهَادَتُهُمْ

جَوَازَ سَفْرٍ إِلَى نَيْلِ الوُرَيْقَاتِ

فَهَذَا الحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَصِدْقِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ كُلَّ فَقَرَةٍ مِنْ فَقَرَاتِهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ عَصْرُ المَلاهِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالفِتَنِ وَالشُّرُورِ، وَالسُّفُورِ والتلفزيون والفِيديُواتِ وَالمذَايِيعِ وَالكُراتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْهَى وَأَشْغَلَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ.

شِعْرًا:

يَا مَنْ بِدُنيَاهُ اِشتَغَلْ

قَدْ غَرَّهُ طُولُ الأَمَلْ

المَوْتُ يَأْتِي بَغتَةً

وَالصَّدْرُ صُنْدُوقُ العَمَلْ

>?

قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} .

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن سُلَيْمَانَ مَوْقُوفًا، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ عَسَاكِرَ مَرْفُوعًا:«إِذَا ظَهَرَ القَوْلُ، وَخُزِنَ العَمَلُ، وَائْتلَفَتْ الأَلْسُنُ، وَاخْتَلَفَتْ القُلُوبُ، وَقَطَعَ كُلُّ ذِي رَحِم رَحِمَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَعَنَهُمْ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» . وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالحَاكِمُ، وَابْنُ مَاجَة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

ص: 284

مَرْفُوعًا: «إِذَا كَانَتْ الفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُم، وَالمُلْكُ في صِغَارِكُمْ، وَالعِلْمُ في مُرَادِكُمْ، وَالمُدَاهَنَةَ فِي خِيَارِكُمْ» ، يَعْنِي فَتَقْرُبُ إِقَامَةُ السَّاعِةِ.

وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ البُخَارِي وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَلا أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري؟ سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أنَ ْيُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرُ الجَهْلُ، وَيَكْثُر الزِّنَا، وَيَكْثُرُ شُرْبُ الخَمْرِ، وَيَقِلُّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ» وَمِنْ أَمَارَاتِهَا تَضْيِيعُ الأَمَانَةِ، وَإِضَاعَتُهَا تَوْسِيدُ الأَمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَمِنْهَا فُشُوِّ الرِّبَا وَقَدْ عَمَّ.

وَقَالَ أَحَدُ العلماء رحمه الله تعالى في معرض كلام له:

وَإِنْ تَشَوَّفْتُمْ إِلَى سَمِاع الأَعْذَار، وَتَشَوَّقْتُمْ إِلَى جِمَاع الأَمْرِ الذِي هُوَ سَبَبٌ لِقَوْلِي حَذَارِ حَذَارِ، فَأَلْقُوا السَّمْعَ لِمَا أَقُولُ وَتَدَبَّرُوا مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ الشَّوَاهِد وَالنُّقُول، أليس هَذَا زَمَانُ الصَّبْر، الصَّابِرُ فِيهِ كَقَارِضٍ عَلَى الجَمْرِ، رَأَيْنَا فِيهِ مَا أَنْذَرَ بِهِ الرسول ? وَصَحَّت به الأَحَادِيثُ وَالنُّقُولُ لِكُلِّ سَؤُول، آياتٍ وَعَلاماتٍ مَا كَانَتْ تَقَعُ فِيمَا مَضَى مِنَامَاتٍ، وَيَوَدُّ كُلٌّ أَنَّهُ عَنْدَ المُنَى مَاتَ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِي ? بِأَنْ يَلْزَمَ العَالِمُ عِنْدَهَا خَاصَّةَ نَفْسِهِ وَيَدَعِ العَوَامْ، مِنْ ذَلِكَ الشُّحُّ المُطَاعُ وَدُنْيًا مُؤْثَرَةْ، وَهَوَى لَهُ ذُو اتِّبََاع، وَإِعْجَابُ كُلُّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ وَذَلِكَ عَيْنِ الابتداع، قَدْ مَرَجَتِ الأَمَانَاتُ وَالعُهُود، وَكَثُرَ القَائِلُونَ بِالزُّورِ وَالشُّهُود، وَجَمَّ الاخْتِلافُ، وَقَلَّ الائْتِلافُ، وَكُذِّبِ الصَّادِقُ، وَصَدَقَ الكَاذِبُ، وَخُوِّنَ الأَمِينُ، وَائْتُمِنَ الخَائِنُ، وَنَطَقَ الرُّوَيْبِضَةَ، وتكلم الرجُل التافِهُ في أَمْرِ العَامَّةْ، وَتَعَلَّمَ المُتَعَلَّمُ لِغَيْرِ العَمَل، وَكَانَ التَّفَقُهُ لِلدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ أَمَل، وَأُهِينَ الكَبِيرُ، وَقَدِّمَ الصَّغِير، وَرُفِعَتِ الأَشْرَارُ،

ص: 285

وَوُضِعَتِ الأَخْيَار فلا يُتْبَعُ العليم، ولا يُسْتَحَى مِنَ الحليم، واتُّخِذَتِ البدعة سُنَّة فلا يُغَيِّرها مَنْ مَرَّ، وَصَارَ الموت إلى العلماء أَحَبُّ مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَر، وَاسْتَعْلَى الجُهَالُ عَلَى العُلماء، وقَهَرَ السُّفَهَاءُ الحُلماءُ، وَوُلِيَ الدِّينُ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَظَهَرَ الفُحْشُ مِنْ كُلِّ جَاهِلٍ عَلِى قَدْرِ جَهْلِهِ. انْتَهِى.

الله أكْبَرَ فِي الدِّفَاعِ سَأَبْتَدِي

وَهُوَ المُعِينُ عَلَى نَجَاحِ المَقْصَدِ

وَهُوَ الذِي نَصَرَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا

وَسَيَنْصُرُ المُتَّبِعِينَ لأَحْمَدَ

وَبِهِ أَصُولُ عَلَى جَمِيعِ خُصُومِنَا

وَأَعُدُّهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يَعْتَدِي

سَأَسُلُّ سَهْمًا فِي كِنَانِةِ وَحْيِهِ

وَبِهِ أَشُدُّ عَلَى كَتائبِ حُسَّدِي

وَبِهِ سَأَجْدَعُ أَنْفَ كُلِّ مُكَابِرٍ

وَبِهِ سَأَرْصُدُ لِلْكَفُورِ المُلْحِدِ

وَسَأَسْتَجِيرُ بِذِي الجَلالِ وَذِي العُلا

فَلَنْ أُضَامَ إِذَا اسْتَجَرْتُ بِسَيِّدِي

وَسَأَسْتمِدُّ العَوْنَ مِنْهُ عَلَى الذِي

لَمَزَ الأَحِبَّةَ بِالكَلامِ المُفْسِدِ

حَتَّى أُشّتِّتَ شَمْلَهُمْ بِأَدِلَّةٍ

مِثْلَ الصَّوَاعِقِ فِي السَّحِابِ الأَسْوَدِ

وَبِنُورِ وَحْي الله أَكْشِفُ جَهْلَهُمْ

حَتَّى يُبَيِّنَ عَلَى رُؤُوسِ المَشْهَدِ

لا تَلْمِزُونَا يَا خَفَافِيشَ الدُّجَا

بِتَطَرُّفٍ وَتَسَرُّعٍ وَتَشَدُّدِ

لا تَقْذِفُونَا بِالشُّذُوذِ فَإِنَّنَا

سِرْنَا عَلَى نَهْجِِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

وَلِكُلِّ قَوْل نَسْتَدِلُّ بِآيَةٍ

أَوْ بِالحَدِيثِ المُسْتَقِيمِ المُسْنَدِ

وَالنَّسْخَ نَعْرِفُ وَالعُمُومَ وَأَنَّنَا

مُتَفَطِّنُونَ لِمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِ

وَنُصُوصُ وَحْي اللهِ نُتْقِنُ فَهْمَهَا

لا تَحْسِبُونَ الفَهْمَ كَالرأْي الرَّدِي

وَإِذَا تَعَارَضَتِ النُّصُوصُ فَإِنَّنَا

بِأُصُولِ سَادَتِنَا الأئمةِ نَهْتَدِي

وَنُحَارِبُ التَّقْلِيدَ طُولَ زَمَانِنَا

مَعُ حُبِّنَا لِلْعَالِمِ المُتَجَرَّدِ

وَكَذَا الأَئِمَّةُ حُبُّهُم مُتَمَكَّنٌ

مِنْ كُلِّ نَفْسٍ يَا بَرِيَّةُ فَاشْهَدِي

وَتَرِقُّ أَنْفُسُنَا لِرُؤْيَةِ مَنْ غَدَا

فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ شِبْهَ مُقَيَّدِ

ص: 286

ج

إِنَّا نَرِى التَّقْلِيدَ دَاءً قَاتِلاً

حَجَبَ العُقُولَ عَنِ الطَّرِيقِ الأَرْشَدِ

جَعَلَ الطَّرِيقَ عَلَى المُقَلِّدَ حَالِكًا

فَتَرَى المُقَلَّدَ تِائِهًا لا يَهْتَدِي

فَلِذَا بَدَأْنَا فِي اجْتِثَاثِ جُذُورِهِ

مِنْ كُلِّ قَلْبٍ خَائِفٍ مُتَرَدِّدِ

وَلَسَوْفَ نَدْمُلُ دَاءَهُ وَجِرَاحَهُ

بِمَرِاهِمِ الوَحْيِ الشَّرِيفِ المُرْشِدِ

نَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ طُولَ حَيَاتِنَا

فِي كُلِّ حِينٍ فِي الخَفَا وَالمَشْهَدِ

وَنُحَارِبُ الشِّرْكِ الخَبِيثَ وَأَهْلَهُ

حَرْبًا ضَرُوسًا بِاللَّسِانِ وَبِاليدِ

وَكَذَلِكَ البِدَعُ الخَبِيثَةُ كُلَّهَا

نَقْضِي عَلَيْهَا دونَ بَابِ المَسْجِدِ

هَذِي طَرِيقَتُنَا وَهَذَا نَهْجُنَا

فَعَلامَ أَنْتُمْ دُونَنَا بِالمَرْصَدِ

لِمَا تَطْعَنُونَا وَتَلْمِزُونَا كَأَنَّنَا

جِئْنَا بِرَأْيٍ لِلْعَقِيدَةِ مُفْسِدِ

أَلِمَذْهَبٍ وَلِعَادَةٍ وَحُكُومَةٍ

تَتَهَرَّبُونُ مِنَ الحَدِيثِ المُسْنَدِ

هَذَا الحَدِيثُ تَلألأتْ أَنْوَارُهُ

رَغْمَ الجَهُولِ وَرَغْمَ كُلِّ مُقَلِّدِ

إِنْ كُنْتُمْ تَتَضَرَّرُونَ بِنُورِهِ

فَالشَّمْسُ تَطْلَعُ رَغْمَ أَنْفِ الأَرْمَدِ

بِاللهِ قُولُوا مَا الذِي أَنْكَرْتُمُوا

عَلَى البَرِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ تَهْتَدِي

هَدَّدْتُمونَا بِالمَذَاهِبِ بِعْدَ مَا

وَضَحَ الدَّلِيلُ فَبِئْسَ مِِنْ مُتَهَدِّدِ

وَيَهْتُمُونَا بِالقَبَائِحِ كُلِّهَا

وَعَرَضْتُمُونَا بِالقَنَاعِ الأَسْوَدِ

وَرَفَعْتَمُونَا لِلْوُلاةِ تَشَفِّيًا

وَفَرَحْتُمُوا بِتَهَدُّدٍ وَتَوَعُّدِ

لاكِنَّنَا لُذْنَا بِبَابِ إِلَهِنَا

فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ خِصْمٍ مُعَْتَدِ

وَجَلا الحقيقةَ لِلْمَلأ فَخَسَأْتُمُوا

وَالسُّوءُ يَظْهَرُ مِنْ خَبِيثِ المَقْصَدِ

يَا مَعْشَرِ الإِخْوَانِ سِيرُوا

وَأَبْشِرُوا وَثِقُوا بِنَصْرِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ

وَلِتُعْلِنُوهَا لِلْبَرِيَّةِ كُلِّهَا

إِنَّا بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ لا نَقْتَدِي

لا نَطْلُبُ الدُّنْيَا وَلا نَسْعَى لَهَا

اللهُ مَقْصَدُنَا وَنِعمَ المَقْصَدِ

لَيْسَ المَنَاصِبُ هَمَّنَا وَمُرَادُنَا

كَلا وَلا ثَوْبِ الخَدِيعَةِ نَرْتَدِي

إِنَّا لنَسعْى فِي صَلاحِ نُفُوسِنَا

بِعلاجِ أَنْفُسِنَا المَرِيضَةِ نَبْتَدِي

ص: 287

وَنُحِبُّ أَنْ نَهْدِي البَرِيَّةِ كُلِّهَا

نَدَعُ الْقَرِيب قَبِيلَ نُصْحِ الأَبْعَدِ

وَبِوَاجِبِ المعروفِ نأْمر قَوْمَنَا

وَنَقُومُ صَفَّا في الطَّرِيقِ المُفْسِدِ

لَو تُبْصِرُ الإِخْوانَ في حَلَقَاتِنَا

مِنْ عَالِمٍ أَوْ طالب مسترشدِ

لَرَأَيْتَ عِلْمًا وَإِتِّبَاعًا صَادِقًا

لِلسُّنَّةِ الغَرَّاءِ دُونَ تَرَدُّدِي

أَنْعِمْ بطلاب الحديثِ وأَهْلِهِ

وَأجِلُّهُم عن كل قَوْلِ مُفْسِدِ

هُمْ زِينةُ الدُّنْيَا مَصَابِيحُ الهُدَى

طُلَعُوا عَلَى الدُّنْيَا طُلُوع الغَرْقَدِ

وَرِثُوا النَّبِيِّ فَأَحْسَنُوا فِي إِرْثِهِ

وَحَمَوْهُ مِنْ كَيْدِ الخَبِيثِ المُعْتَدِي

سَعِدُوا بِهَدْي مُحَمَّدٍ وَكَلامِهِ

وَسِوَاهُمُ بِكَلامِهِ لَمْ يَسْعُدِ

وَالدِّينُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُوله

وَهُمْ لِدِينِ اللهِ أَفْضَلُ مُرْشِدِ

وَالفِقْهُ فَهْمُ النَّصِ فَهْمًا وَاضِحًا

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَتَأْوِيلٍ رَدِيْ

لا تَحْسَبَنَّ الفَقْه مَتْنًا خَالِيًا

مِنْ كُلِّ قَولٍ لِلْمُشَرِّعِ مُسْنَدِ

فَعَلَيْكَ بِالوَحْيَيْنِ لا تَعْدُوهُمَا

وَاسْلُكْ طَرِيقهُمَا بِفهْمِ جَيِّدِ

فَإِذَا تَعَذَّرَ فَهْمُ نَصٍّ غَامِضٍ

فَاسْتَفْتِ أَهْلَ الذِّكْرِ كَالمُسْتَرْشِدِ

بِالبَيَّنَاتِ وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ

مِنْ أَمْرِ رَبَّكَ فِي الكِتابِ فَجَوِّدِ

وَاعلم بأنَّ مَن اقْتَدَى بِمُحَمَّدٍ

سَيَنَاله كَيْدُ الغُوَاةِ الحُسَّدِ

وَيَذوق أَنْواعَ العَدَاوةِ وَالأَذَى

مِنْ جَاهِلٍ وَمُكَابِرٍ وَمُقَلَّدِ

فَاصْبِرْ عَلَيْهِ وَكُنْ بِرَبَّكَ وَاثِقًا

هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الهُدَى وَالسُّؤْدَدِ

مَوْعِظَةٌ

عِبَادَ اللهِ انْتَبِهُوا وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَإِنَّ أَعْمَارَكُم سَرِيعَةُ الانْصِرَامِ، وَالأَيَّام وَاللَّيالِي تَمُرُّ بِكم مَرَّ السَّحَابِ، وَالدُّنْيَا إِذَا تَأَمَّلَهَا اللَّبِيبُ رَآهَا كَالسَّرَابِ، وَصَدَقَ القَائِلُ فِي وَصْفِهَا حَيْثُ قَالَ:

شِعْرًا:

حَيَاةٌ وَمَوْتٌ وَانْتِظَارُ قِيَامَةٍ

ثَلاثُ أَفَادَتْنَا أُلُوفَ مَعَانِ

فَلا تَمهْرَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ إِنَّهَا

تُفَارِقُ أَهْلِيْهَا فِرَاقَ لِعَانِ

ص: 288

وَلا تَطْلُبَاهَا مِنْ سَنَانٍ وَصَارِمِ

بِيَوْمِ ضِرَابٍ أَوْ بِيَوْمِ طِعَانِ

فَإِنْ شِئْتُمَا أَنْ تَخْلَصَا مِنْ أَذَاتِهَا

مُحِطًا بِهَا الأَثْقَال وَاتبعانِ

وقال آخر:

أَلا كُلُّ حَيِّ هَالِكٍ وَابْنُ هَالِكٍ

وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِينَ عَرِيقُ

إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ

لَهُ عَنْ عَدُّوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيقِ

>?

آخر:

هِيَ الدُّنْيَا تَقُولُ بِمِلْءِ فِيهَا

حَذَارِ حَذَارِ مِنْ فَتْكِي وَبَطْشِي

فَلا يَغْرُوكُمَا مِنِّي إِبْتِسَامٌ

فَقَوْلِي مُضْحِكٌ وَالفعْلُ مُبْكِي

آخر:

أَقُولُ وَيَقْضِي اللَهُ مَا هُوَ قَاضِي

وَإِنّي بِمَا يَقْضِي الإِلَهُ لَرَاضِي

أَرَى الخَلْقَ يَمْضِي وَاحِدٌا بَعدَ واحِدٍ

فَيا لَيتَني أَدْرِي لِمَا أَنا مَاضِي

كَأَن لَم أَكُن حَيًّا إِذا حُثَّ غَاسِلي

وَأَسْرَعَ لَفَّيْ ثِيابِ بَياضِي

أَعْوَامٌ سَرِيعَةُ المُرُورِ، وَشُهُورٌ تَقْتَفِي إِثْرَ شُهُورٍ وَعِبَرٌ بَيْنَ ذَلِكَ تَتْرَى، فَعَلامَ الغُرُورُ، فَلا تَغْتَرُّوا بِالدُّنْيَا فَقَدْ نَهَاكُمْ اللهُ عَنِ الاغْتِرَارِ بِهَا وَضُرِبَتْ لَكُمْ بِأَخْذِ أَمْثَالِكُم الأَمْثَالُ، أَرَتْكُمْ عِيَانًا كَيْفَ تَقَلَّبَتْ بِأَهْلِهَا الأَحْوَالُ، وَخَدَعَتْهُمْ الآمَالُ، حَتَّى انْتَهَتْ لَهُمْ الآجَالُ، قَبْلَ أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى مَا سَيَتَمَنَّوْنَهُ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ، فَاسْتَيْقِظُوا مِنْ نَوْمِكُمْ، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُم عَلَى مَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي الثِّقالِ، فَأَيُّ نَفْسٍ مِنَّا لَمْ تَحْمِلْ ظُلْمًا، وَأَيُّ جَارِحَةًَ مِنْ جَوَارِحِنَا لَمْ تَقْتَرِفُ إِثْمًا، وَأَيُّ عَمَل مِنْ أَعْمَالِنَا يَلِيقُ بِذَلِكَ المَقَامُ، وَأَيُّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِنَا تَمَحَّضَ لِلطَّاعَةِ وَخَلا مِنَ الآثَامِ، لَقَدْ جَنَيْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا بِالذُّنُوبِ جِنَايَة عَظِيمَةً،

ص: 289

فَلَيِّنُوا قُلُوبِكُمْ بِذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَاتِ، لَعَلَّهَا تَلِينُ، وَعِظُوهَا بِذِكْرِ القَبْرِ وَفِتْنَتِهِ فَإِنَّهُمَا لَحَقُّ اليقِين، وَذَكِّرُوهَا {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} ، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}

شِعْرًا:

وَفِي دُونِ مَا عَايَنْتَ مِنْ فَجَعَاتِهَا

إِلَى دَفْعِهَا دَاعٍ وَبِالزُّهْدِ آمِرُ ج

فَجُدَّ وَلا تَغْفَلُ وَكُنْ مُتَيَقِّظًا

فَعَمَّا قَلِيلِ يَتْرُكُ الدَّارَ عَامِرُ

وَشَمِّرْ وَلا تَفْتُرْ فَعُمْرُكَ زَائِلٌ

وَأَنْتَ إِلَى دَارِ الإِقَامَةِ صَائِرُ

وَلا تَطْلُبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ نَعِيمَهَا

وَإِنْ نِلْتَ مِنْهَا غِبَّهُ لَكَ ضَائِرُ

أَمَا قَدْ نَرَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

يَرُوحُ عَلَيْنَا صَرْفُهَا وَيُبَاكِرُ

تَعَاوَرَنَا آفَاتُهَا وَهُمُومُهَا

وَكَمْ قَدْ نَرَى يَبْقَى لَهَا المُتَعَاوِرُ

فَلا هُوَ مَغْبُوطٌ بِدُنْيَاهُ آمِنٌ

وَلا هُوَ عَنْ تَطْلابِهَا النَّفْسَ قَاصِرُ

>?

اللَّهُمَّ أَيْقَظْنَا مِن سَنَةِ الغَفْلَةِ ونَبِّهْنَا لاِغْتِنَامِ أَوقَاتِ المُهْلَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لِكِتَابِكَ مِنَ التَّالِينَ وَلَكَ بِهِ مِنَ العَامِلِينَ وَبِمَا صَرَّفْتَ فِيهِ مِنَ الآيَاتِ مُنْتَفِعِينَ، وَإِلَى لَذِيذِ خِطَابِهِ مُسْتَمِعِينَ، وَلأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ

ص: 290

خَاضِعِينَ وَبِالأَعْمَالِ مُخْلِصِينَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدْ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ) : وَمِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ المُتَوَسِّطَةِ مَا أَخْبَرِ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الفِتَنِ التِي تَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرُّ الرَّجُلُ عَلَى القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، وَلَيَْس بِهِ الدِّيْنُ إِلا البَلاءُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

شِعْرًا:

يَبكِي رِجَالٌ عَلَى الحَيَاةِ وَقَدْ

اشْتَقْتُ يَا قَوْمِي إِلَى قُرْبِِ الأَجَلْ

مِن قَبلِ أَنْ تَعْرُضْ لِقَلْبِي فَتْنَةٌ

فَتَصْرِفُهُ عَنْ طَاعَةِ المَوْلَى الأجَلْ

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَّنَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي القَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلا المَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ» ، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هُجَيْرَا إِلا: يَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ مَسْعُودٍ جَاءَتْ السَّاعَةُ، قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ حَتَّى لا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّامِ، فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإِسْلامِ. قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمْ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يمسوا،

ص: 291

فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلُّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ اليوم الرَّابِعِ نَهَدَ إليهمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً، إِمَّا قَالَ: لا يُرَى مِثْلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ كَانُوا مِائَةً، فَلا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ، أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

شِعْرًا:

نَنْسَى المَنَايَا عَلَى أَنَّا لَهَا غَرَضُ

فَكَمْ أُنَاسٍ رَأَيْنَاهُمْ قَدِ اِنْقَرَضُوا

إِنَّا لَنَرْجُو أُمُورًا نَسْتَعِدُّ لَهَا

وَالمَوْتُ دُونَ الَّذِي نَرْجُوهُ مُعْتَرِضُ

لِلَّهِ دُرُّ بَنِي الدُّنْيَا لَقَدْ غُبِنُوا

لِمَا اطْمَأَنُّوا بِهِ مِنْ جَهْلِهِمْ وَرَضُوا

مَا أَربَحَ اللَهُ فِي الدُّنْيَا تِجَارَةَ إِنْـ

سَانٍ يَرَى أَنَّهَا مِنْ نَفْسِهِ عِوَضُ

لَبِئْسَتِ الدَّارُ دَارًا لا نَرَى أَحَدًا

مِنْ أَهْلِهَا نَاصِحًا لَمْ يَعْدُهُ غَرَضُ

>?

ص: 292

.. مَا بَالُ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ لا

يَنْكَفُ عَنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَيَنْقَبِضُ

تَصِحُّ أَقْوَالُ أَقْوَامٍ بِوَصْفِهِمُ

وَفِي القُلُوبِ إِذَا كَشَّفتْهَا مَرَضُ

وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ

وَكُلُّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الأَرْضِ مُنْقَرِضُ

وَالحَادِثَاتُ بِهَا الأَقْدَارُ جَارِيَةٌ

وَالمَرْءُ مُرْتَفِعٌ فِيهَا وَمُنْخَفِضُ

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَقَدْ جَدَّ الرَّحِيلُ بِنَا

حَتَّى مَتَى نَحْنُ فِي الغِرَّاتِ نَرْتَكِضُ

نَفْسُ الحَكِيمِ إِلَى الْخَيْرَاتِ سَاكِنَةٌ

وَقَلبُهُ مِنْ دَوَاعِي الشَرِّ مُنْقَبِضُ

اصْبِرْ عَلَى الحَقِّ تَسْتَعذِبْ مَغَبَّتَهُ

وَالصَّبْرُ لِلْحَقِّ أَحْيَانًا لَهُ مَضَضُ

وَما اِستَرَبْتَ فَكُنْ وَقَّافَةً حَذِرًا

قَدْ يُبرَمُ الأَمْرُ أَحْيَانًا فَيَنْتَقِضُ

>?

مَوْعِظَةٌ

عِبَادَ اللهِ اتَّقُوا اللهِ وَبَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُغْلَقَ عَنْكُمُ البَابَ، وَابْتَدِرُوا الأَوْبَةَ قَبْلَ أَنْ يُرْخَى دُونَكُمْ حِجَابُهَا، وَانْتَهِزُوا فُرَصَ الحَيَاةِ فَقَدْ اقْتَرَبْتْ السَّاعَةُ وَتَضَاعَفَ اقْتِرَابُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} فَيَا عِبَادَ اللهِ تَذَكَّرُوا مَوَاقِفَ الخَلائِقِ بَيْنَ يَدَي العَزِيزِ الجَبَّارِ فِي يَوْمِ يُحَرَّرُ فِيهِ الحِسَابُ، وَأَعِدُّوا لِلْحِسَابِ صَوَابَ الجَوَابِ، فَلا بُدَّ أَنْ يُطْلَبُ مِنْكُمْ عَلَى كُلُّ مَسْأَلٍة جَوَابُهَا،

ص: 293

وَاجْتَنِبُوا التَّسْوِيفَ فَإِنَّ سُيُوفَ المَنِّيَةِ قَاطِعَة، يَا مَعْشَرِ المُسَوِّفِينَ أَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الدُّنْيَا مُخَلَّدُون، وأنتمُ مَعَ العَاصِينَ قَاعِدُونَ، كَمْ مَرَّتْ بِكُمْ مَوَاسِمُ الطَّاعَاتِ، وَأَنْتُمْ عَنِ اسْتِغْلالِهَا بِالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ رَاقِدُونَ، فَمَا بَالُكَ أَيُّهَا الغَافِلُ تُسَارِعُ فِي مُتَابَعَةِ هَوَاكَ، مَعَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ مُتَكَاسِل، وَتُتْلَى عَلَيْكَ آيَاتُ مَوْلاكَ وَأَنْتَ عَنْهَا مُعْرِضٌ إِعْرَاضَ الجَاهِلَ تَسْمَعُ المَلاهِي فَتَمِيلُ إليها بِقَلْبِكَ وَتُبْصِرُ المَنَاهِي مِنْ تِلفزيُون وَفِديو وَسِينمَاء وَسَافِرَاتٍ وَصُور فَلا تَتَحَرَّكُ وَلا تَتَمَعَّرَ، هَلْ أَنْتَ مُكَذّبٌ بِالتَّحْرِيم، أَوْ مُتَشَّكِكٌ فِي البَعْثِ وَعَذَاب القَبْرِ وَالحِسَابَ وَالصِّرَاطِ وَالمِيزَانِ، فَيَا مُؤْمِنًا بِيَوْمِ الحِسَابِ تَهَيأ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَيَا مُذْعِنًا بِحُقُوقِ الرَّبِ اسْتَعِدَّ لِلْمُطَالَبَةُ وَيَا طَوَيلَ الأَمَلِ كَمْ آمَالٍ أَصْبَحَتْ خَائِبَة، فَكَأنَّكَ بِالمَوْتِ وَقَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِكَ وَنَزَلْتَ فِي القَبْرِ مَعَ عَمَلِكَ وَحُشِرْتَ وَعُرِضْتَ عَلَى عَالم سَرِِيرَتِكَ وَعَلانِيَّتِكَ وَكَأَنَّكَ بِالحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالحِسَابِ بَيْنَ يَدَي اللهِ عز وجل، وَكَأَنَّكَ بِالأَهْوَالِ وَالمَخَاوُفِ وَقَدْ أَحَاطَتْ وَاشْتَدَّ الخَوْفُ وَالوَجَلُ وَكَأَنَّكَ بِالجَحِيمِ وَقَدْ سُعِّرَتْ وَقَدْ أُزْلِفَتْ، فَالبِدَارَ قَبْلِ انْقِضَاءَ الأَعْمَارِ.

شِعْرًا:

يَا وَيْحَ مَنْ أَنْذَرَهُ شَيْبُهُ

وَهُوَ عَلَى غَيّ الصِّبَا مُنْكَمِشْ

يَعْشُوا إِلَى نَارِ الهَوَى بَعْدَمَا

أَصْبَحَ مِنْ ضُعْفَ القُوَى يَرْتَعِشْ

لَمْ يَهَبِ الشَّيْبَ الذِي مَا رَأَى

نُجُومَهُ ذُو اللُّبِ إِلا ارْتَعَشْ

فَذَاكَ إِنْ مَاتَ فَسُحْقًا لَهُ

وَإِنْ يَعِشْ عُدَّ كَمَنْ لَمْ يَعِشْ

فَهَاكَ كَأْسُ النُّصْحِ فَاشْرَبْ وَجُدْ

بِفَضْلِهِ الكَأْسِ عَلَى مَنْ عَطِشْ

آخر:

تَجرّدْ مِنَ الدّنيا فإنّك إنّما

خَرجْتَ إلى الدُّنيا وأنتَ مُجَرَّدُ

وَتُبْ مِنْ ذُنُوبٍ مُوبِقَاتٍ جَنَيْتَهَا

فَمَا أَنْتَ فِي دُنْيَاكَ هَذِي مُخَلَّدُ

آخر:

وَمِنْ عَجَبِ الدُّنْيَا كُوني وَصَبْوَتِي

إليها عَلَى سِنِّي كَأَنّي وَلِيدُهَا

أُجَارِي اللَّيَالِي لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ

مُشِيحًا كَأَنِّي تِرْبُهَا وَطَرِيدُهَا

اللَّهُمَّ اهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَوَفِّقْنَا لِلْفِقْهِ فِي دِينِكَ القَوِيمِ،

ص: 294

واجعلنا مِنَ العَامِلِينَ بِهِ قَوْلاً وَفِعْلاً الدَّاعِينَ إليه، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

موعظة: عِبَادَ اللهِ مَا نَدمَ مَنْ أَطَاعَ اللهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَلا عَادَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا إِلا بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فِي كُلِّ آنٍ، وَالعُصَاةُ فِي كُلِّ زَمَنٍ هُمْ المَمْقُتُونَ مَهْمَا ابْتَسَمْتْ لَهُمْ الدُّنْيَا وَقَضُوا فِيهَا بَعْضَ مَآرِبِهِمْ، وَمَهْمَا هَامُوا بِحُبِّهَا وَأَحْكَمُوا أَسَالِيبَ جَمْعِهَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا لا تَبْتَسِمُ لِفَاسِقٍ إِلا لِتَسْحَقَهُ، وَلا تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لِمُقْبِلٍ عَلَيْهَا إِلا لِتُحْرِقَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} فَمَاذَا غَرَّكَ فِيهَا أَيُّهَا المِسْكِينُ، إِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ فِيهَا كَثْرَةُ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا نَابَ مَنَابَهُمَا مِنْ أَوْرَاقٍ، فَإِنَّ الجَنَّةَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُها الزَّعْفَرَانُ، وَبِنَاؤُهَا الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ، وَالدُّرُ وَاليَاقُوتُ، وَإِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ مِنْهَا فَوَاكِهُهَا وَمَطْعُومَاتِهَا وَمَا حَوْتَ مِنْ مَتَاعٍ، فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ جَمَالُ نِسَائِهَا، فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ:{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ، {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} لَوْ ظَهَرَ بَنَانُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الدُّنْيَا لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ المِرْآةِ، وَتُسَرُّ بِمُشَاهَدَتِهَا سُرُورًا لا يَعْلَمُ قَدْرَهُ إِلا اللهُ، لا تَنْظُرُ إِلا إليها وَلا تَنْظُرُ إِلا إليك، لا تَتَكَلَّمْ إِلا بِمَا يَسُرُّكَ، تَأْمُرُهَا فَتَخْضَعُ، وَتُحَدِثُّهَا فَتَسْمَعُ، إِذَا تَكَلَّمَتْ أَطْرَبَتْ، لا تَفْتَخِرُ عَلَيْكَ بِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، وَلا تَمُنُّ بِجَمِيلِ صُنْعِهَا، لا تَنْفُرُ مِنْكَ وَلا تَغْضَبُ، وَلا تَلْهُو عَنْكَ وَلا تَصْخَبُ، الجَمَالُ كِسَاؤُهَا، وَالكَمالُ رِدَاؤُهَا، وَالوُدُّ وَالوَفَاءُ مِنْ طَبْعِهَا، لا يَعْلُو صَوْتُهَا عَلَى صَوْتِكَ، وَلا تَجْتَهِدُ إِلا فِي مَرْضَاتِكَ، هَادِئَةً، سَاكِنَةً رَاضِيَةً. تِلْكَ وَأْمَثالُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ المَعْلُومِينَ، مِن قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

ص: 295

إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أَيُّهَا المسلمون، لَقَدْ فَازَ وَالله مِنِ اجْتَهَدَ فِيمَا يُنَجِّيهِ، وَخَابَ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِيمَا يُخْزِيهِ، وَأَنْتُم الآنَ في فُسْحَةٍ مِنْ أَجَلِكُمْ، وَصِحَّةٍ مِنْ أَبْدَانِكُمْ، وَاكْتِمَالٍ مِنْ عُقُولِكُمْ، وَآخِرُ الأَجَلِ غَائِبٌ عَنْكُمْ، وَلا تَدْرُونَ كَيْفَ حَالُكُم بَعْدَ يَوْمِكم فَسَارِعُوا {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْقِدَ البَدَنُ صِحَّتَهُ، وَيَقُولُ الحَقُّ كَلِمَتَهُ، فَيَنْقَضِي الأَجَلُ، وَيُخْتَمُ عَلَى العَمَلِ، فَلا يُنْقَصُ فِيهِ وَلا يُزَادُ، وَلا يُعَدَّلُ فِيهِ شَيْءٍ إِلَى المَعَادِ، تَقُولُ: لَيْتَنِي أَطَعْتُ، وَمَا هِي بِنَافِعَةٍ، وَلَيْتَنِي مَا عَصَيْتُ، وَلَيْسَتْ بِدَافِعَةٍ، إِذًا فَأَضْيَعُ النَّاسِ وَأَخْسَرُهم صَفْقَةً مَنْ سَوَّفَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، وَأَشَدُّهُمْ خُسْرَانًا مَنْ لَمْ يُبَادِرْ فِي التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ تَعَالَى:{فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} وَفِي الحَدِيثِ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» . رَوَاهُ البُخَارِيّ.

إِلَى اللهِ تُبْ قَبْلَ انْقِضَا زَمَنِ العُمْرِ

????

أُخَيَّ وَلا تَأْمَنْ مُسَاوَرَةَ الدَّهْرِ

????

لَقْدَ حَدَّثْتَكَ الحَادِثَاتِ نُزُولَهَا

????

وَنَادَتْكَ إَلا أَنَّ سَمْعَكَ ذُو وَقْرِ ج

????

تَنُوحُ وَتَبْكِي لِلأَحِبَّةِ أَنْ مَضُوا

????

وَنَفَسَكَ لا تَبْكِي وَأَنْتَ عَلَى الأَثْرِ جج

>?

????

آخر:

وَمَا حَالاتُنَا إِلا ثَلاثُ

شَبَابٌ ثُمَّ شَيْبٌ ثُمَّ مَوْتُ

وَآخِرُ مَا يُسَمَّى المَرْءُ شَيْخًا

وَيَتْلُوهُ مِنْ الأَسْمَاءِ مَيْتُ

آخر:

إِنِّي أَبُثُّكَ مِنْ حَدِيثِي

وَالحَدِيثُ لَهُ شُجُونْ

غَيَّرْتُ مَوْضِعَ مَرْقَدِي

لَيْلاً فَفَارَقَنِي السُّكُونْ

ص: 296