المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ منظومة الآداب

.. وَلَمْ أَبِعْ رُشْدًا بِغَيٍّ وَلَمْ

أَرْضَ بِعَقْلِي مِثْلَ هَذا الغَبَنْ

إِنّا إِلَى اللهِ لَقَدْ حَاقَ بِي

مَا يُورِثُ الْخِزْيَ غَدًا وَالْحَزَنْ

وَالْحَمْدُ للهِ فَفِي كَفِّهِ

مَنْحٌ لِمَنْ شَاءَ وَفِيهَا الْمِنَنْ

وَهْوَ الَّذِي أَرْجُو فَإِنْ لَمْ يَكُنْ

عِنْدَ رَجَائِي فِيهِ طَوْلاً فَمَنْ؟

اللهُمَّ احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهُمَّ قو إيماننا بفهم آياتك، وارزقنا العمل بها، وزدنا علماً ينفعنا، وأصلح نياتنا، ووفقنا لذكرك وشكرك، وارزقنا حبِكَ، وحب من يحبِكَ، وحب العمل الَّذِي يقربنا إلى حبِكَ، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

وبعد فقد رأيت أنه من المناسب أن أختم هذا الكتاب على كثير من الأحكام والآداب الشرعية وأسأل الله الحي القيوم العلي العظيم القوي العزيز الحكيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحَد الفرد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ أن ينفع بها نفعاً عاماً من قرأها ومن سمعها ومن حضرها وأن يفتح لنا ولإخواننا المسلمين باب القبول والإجابة اللهُمَّ صَلَّى اللهُ وَعَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ آمين يا رب العالمين.

من‌

‌ منظومة الآداب

لابن عبد القوي رحمه الله:

بِحَمْدِكَ ذِي الإكْرَامِ مَا رُمْتُ أبْتَدِي

كَثِيرًا كََمَا تَرْضَى بِغَيْرِ تَحَدُّدِ

وَصَلِّ عَلَى خَيْرِ الأَنَامِ وَآلِهِ

وَأَصْحَابِهِ مِنْ كُلِّ هَادٍ وَمُهْتَدِي

ص: 679

وَبَعْدُ فَإِنِّي سَوْفَ أُنْظِمُ جُمْلَةٌ

مِن الأَدَبِ الْمَأْثُورِ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ

مِن السُّنَّةِ الْغَرَّاءِ أَوْ مِنْ كِتَابِ مَنْ

تَقَدَّسَ عَنْ قَوْلِ الْغُواةِ وَجُحَّدِ

ومِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَائِنَا

أَئِمَّةِ أَهْلِ السِّلْمِ مِنْ كُلِّ أَمْجَدِ

لَعَلَّ إِلَهَ الْعَرْشِ يَنْفَعُنَا بِهِ

وَيُنْزِلُنَا فِي الْحَشْرِ فِي خَيْرِ مَقْعَدِ

الأمن لَهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ رَغْبَةٌ

لِيُصْغِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ مُتَرَصِّدِ

وَيَقْبَلَ نُصْحًا مِنْ شَفِيقٍ عَلَى الْوَرَى

حَرِيصٍ عَلَى زَجْرِ الأَنَامِ عَنِ الرَّدِيِ

فَعِنْدِيَ مِن عِلْمِ الْحَدِيثِ أَمَانَةٌ

سَأَبْذُلُهَا جُهْدِي فَأَهْدِي وَأَهْتَدِي

أَلا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّلامَةَ فَلْيَصُنْ

جَوَارِحَهُ عَنْ مَا نَهَى اللهُ يَهْتَدِي

يَكُبُ الْفَتَى فِي النَّارِ حَصْدُ لِسَانِهِ

وَإِرْسَالُ طَرْفِ الْمَرْءِ أنْكَى فَقَيِّدِ

وَطَرْفُ الْفَتَى يَا صَاحِ رَائِدُ فَرْجِهِ

وَمُتْعِبُهُ فَاغْضُضْهُ ما اسْطَعْتَ تَهْتَدِي

وَيَحْرُمُ بُهْتٌ واغْتِيَابٌ نَمِيْمَةٌ

ص: 680

.. وإِفْشَاءُ سِرٍ ثُمَّ لَعْنُ مُقَيَّدِ

وَفُحْشٌ وَمَكْر وَالْبِذَا وَخَدِيعَةٌ

وسُخْرِيًّةٌ والهُزْؤُ وَالْكِذْبَ قَيِّدِ

بِغَيْرِ خِدَاعِ الْكَافِرِينَ بِحَرْبِهِم

وَللعرْس أَوْ إِصْلاحِ أَهْلِ التَّنَكُّدِ

وَيَحْرُمُ مِزْمَارٌ وَشُبَّابَةٌ وَمَا

يُضَاهِيهِمَا مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ والرَّدي

وَلَوْ لَمْ يُقَارِنْهَا غِنَاءٌ جَمِيعُهَا

فَمنْهَا ذَوُو الأَوْتَارِ دُونَ تَقَيُّدِ

وَلا بَأْسَ بالشِّعْرِ الْمُبَاحَِ وَحِفْظِهِ

وَصَنْعَتِهِ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْتَدِي

فَقَدْ سَمَعَ الْمُخْتَارُ شِعْر َصَحَابَةٍ

وَتَشْبِيبِهُمِ مِن غَيْرِ تَعِيِينِ خُرَّدِ

وَحَظْرَ الْهِجَا والْمَدْحِ بالزُّورِ وَالْخَنَا

وَتَشْبِيبِهِ بِالأَجْنَبِيَّاتِ أَكِّدِ

وَوَصْفِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَالْمُرْدِ وَالنِّسَا الْـ

ـفَتِيَّاتِ أَوْ نَوْحِ التَّسَخُّطِ مُورَدِ

وَأَوْجِبْ عَن الْمَحْضُورِ كَفَّ جَوَارِحٍ

وَنَدْبٌ عَنِ الْمَكْرُوهِ غَيْرَ مُشَدِّدِ

وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ يَا فَتَى

عَنِ الْمُنْكَرِ اجْعَلْ فَرْضَ عَيْنٍ تُسَدَّدِ

ص: 681

.. عَلَى عَالِمٍ بِالْحَظْرِ وَالْفِعْلِ لَمْ يَقُمْ

سِوَاهُ بِهِ مَعْ أَمْنِ عُدْوَانِ مُعْتَدِي

وَلَوْ كَانَ ذَا فِسْقٍ وَجَهْلٍ وَفِي سِوَى الْـ

لَذِي قِيلَ فَرْضٌ بِالْكِفَايَةِ فَاحْدُدِ

وَبِالْعُلَمَا يَخْتَصُّ مَا اخْتَصَّ عِلْمُهُ

بِهِمْ وَبِمَنْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ قَدِ

وَأَضْعَفُهُ بِالْقَلْبِ ثُمَّ لِسَانِهِ

وَأَقْوَاهُ إِنْكَارُ الْفَتَى الْجَلْدِ بِالْيَدِ

وَأَنْكِرْ عَلَى الصِّبيَانِ كُلَّ مُحْرَّمٍ

لِتَأْدِيْبِهِمْ وَالْعِلْمِ فِي الشَّرْعِ بالرَّدِي

وَبِالأَسْهَلِ ابْدَأْ ثُمَّ زِدْ قَدْرَ حَاجَةٍ

فَإِنَ لَمْ يَزُلْ بِالنَّافِذِ الأَمْرَ فَاصْدُدِ

إِذَا لَمْ يَخَفْ فِي ذَلِكَ الأَمْرَ حَيْفُهُ

إِذَا كَانَ ذَا الإِنْكَارِ حَتْمَ التَّأَكُّدِ

وَلا غُرْمَ فِي دَفِّ الصَّنُوجِ كَسَرْتَهُ

وَلَا صُوَرٍ أَيْضًا وَلَا آلَةِ الدُّدِ

وَآلَةِ تَنْجِيمٍ وَسِحْرٍ وَنَحْوِهِ

وَكُتُبٍ حَوَتْ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ أَقْدُدِ

(وَقُلْتُ كَذَاكَ السِّينَمَاءُ وَمِثْلُهُ

بِلا رَيْبَ مِذْيَاعٌ وَتِلْفَازُ مُعْتَدِي)

(وَأَوْرَاقُ أَلْعَابٍ بِهَا ضَاعَ عُمْرُهُمْ

ص: 682

.. وَكُورَاتِهِمْ مَزِّقْ هُدِيتَ وَقَدِّدِ)

(كَذَا بَكَمَاتٌ وَالصَّلِيبُ وَمِزْمَرٌ

وَآلَةُ تَصْويرٍ بِهَا الشَّرُ مُرْتَدِي)

(كَذَلِكَ دُخَّانٌ وشِيشَةُ شُرْبِهِ

وَآلَةُ تَطْفَاةٍ لَهُ اكْسِرْ وَبَدِّدِ)

(وَمَنْ بَعْدِ ذَا فَاسْمَعْ كَلامًا لِنَاظِمٍ

يَسُوقُ لِكَ الآدَابَ عَنْ خَيْرِ مُرْشِدِ)

وَبِيضٍ وَجَوْزِ لِلْقِمَارِ بِقَدْرِ مَا

يُزِيلُ عَنْ الْمَنْكُورِ مَقْصَدِ مُفْسِدِ

وَلا شَقِّ زِقِّ الْخَمْرِ أَوْ كَسْرِ دِنّهِ

إِذَا عَجََز الإِنْكَارُ دُونَ التَّقَدُّدِ

وَإِنْ يَتَأَتَّى دُونَهُ دَفْعُ مُنْكِرٍ

ضَمِنْتَ الَّذِي يَنْقَى بِتَغْسِيلِهِ قَدِ

وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِي سُنَّةٌ

وَقَدْ قِيلَ إِنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَأَكِّدِ

وَقِيلَ عَلَى الإِطْلاقِ مَا دَامَ مُعْلِنًا

وَلاقِهِ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍ مُعَرْبَدِ

وَيَحْرُمُ تَجْسِيسٌ عَلَى مُتَسَتِّرٍ

بِفِسْقٍ وَمَاضِي الْفِسْقِ إِنْ لَمْ يُجَدِّدِ

وَهِجْرَانُ مَنْ يَدْعُو لأَمْرٍ مُضِلٍّ أَوْ

مُفَسِّقٍ أَحْتِمْهُ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ

ص: 683

.. عَلَى غَيْرِ مَنْ يَقْوَى عَلَى دَحْضِ قَوْلِهِ

وَيَدْفَعُ إِضْرَارَ الْمُضِلِّ بِمِذْوَدِ

وَيَقْضِي أُمُورَ النَّاسِ فِي أَتَيَانِهِ

وَلا هَجْرَ مَعْ تَسْلِيمِهِ الْمُتَعَوِّدِ

وَحَظْرُ انْتِفَا التَّسْلِيمِ فَوْقَ ثَلاثَةٍ

عَلَى غَيْرِ مَنْ قُلْنَا بِهَجْرٍ فَأَكِّدِ

وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ السَّلامَ لِسُنَّةٌ

وَرَدُّكَ فَرْضٌ لَيْسَ نَدْبٌ بِأَوْطَدِ

وَيُجْزِئُ تَسْلِيمُ امْرِئٍ مِنْ جَمَاعَةٍ

وَرَدُّ فَتَىً مِنْهُمْ عَلَى الْكُلِّ يَا عَدِي

وَتَسْلِيمُ نَزْرٍ وَالصَّغِيرِ وَعَابِرِ

سَبِيلِ وَرُكْبَانٍ عَلَى الضِّدِّ أَيِّدِ

وَإِنْ سَلَّمَ الْمَأْمُورُ بِالرَّدِ مِنْهُمْ

فَقَدْ حَصَلَ الْمَسْنُونُ إِذْ هُوَ مُبْتَدِي

وَسَلَّمْ إِذَا مَا قُمْتَ عَنْ حَضْرَةِ امْرِئٍ

وَسَلِّمْ إِذَا مَا جِئْتَ بَيْتَكَ تَهْتَدِي

وَإِفْشَاؤُكَ التَّسْلِيمَ يُوجِبْ مَحَبَّةً

مِنَ النَّاسِ مَجْهُولاً وَمَعْرُوفًا أَقْصُدِ

وَتَعْرِيفُهُ لَفْظُ السَّلامِ مُجَوَّزٌ

وَتَنْكِيرُهُ أَيْضًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ

وَقَدْ قِيلَ نَكِّرْهُ وَقِيلَ تَحِيَّةً

ص: 684

.. كَلِلْمَيِّتِ وَالتَّوْدِيعِ عَرِّفْ كَرَدِّدِ

وَسُنَّةٌ اسْتِئْذَانُهُ لِدُخُولِهِ

عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أقْرَبِينَ وَبُعَّدِ

ثَلاثًا وَمَكْرُوهٌ دُخُولٌ لِهَاجِمٍ

وَلاسِيَّمَا مِنْ سَفْرَةٍ وَتَبَعُّدِ

وَوَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ بَابٍ وَكُوَّةٍ

فَإِنْ لَمْ يُجَبْ يَمْضِي وَإِنْ يَخْفَ يَزْدَدِ

وَتَحْرِيكُ نَعْلِيهِ وَإِظْهَارُ حِسِّهِ

لِدَخْلَتِهِ حَتَّى لِمَنْزِلِهِ اشْهَدِ

وَكُلُّ قِيَامٍ لا لِوَالٍ وَعَالِمٍ

وَوَالِدِهِ أَوْ سَيِّدٍ كُرْهَهُ امْهَدِ

وَصَافِحْ لِمَنْ تَلْقَاهُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ

تَنَاثَرْ خَطَايَاكُمْ كَمَا فِي الْمُسَنَّدِ

وَلَيْسَ لِغَيْرِ اللهِ الانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا

وَتَقْبِيلُ رَأْسِ الْمَرْءِ حَلَّ وَفِي الْيَدِ

وَحَلَّ عِنَاقٌ لِلْمُلاقِي تَدَيُّنًا

وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْفَمِّ أَفْهَمْ وَقَيِّدِ

وَنَزْعُ يَدٍ مِمَّنْ يُصَافِحُ عَاجِلاً

وَأَنْ يَتَنَاجَى الْجَمْعُ مِنْ دُونِ مُفْرَدِ

وَأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ

بِسِرٍّ وَقِيلَ احْضِرْ وَإِنْ يَأْذَنِ اقْعُدِ

ص: 685

.. وَمَرْأَى عَجُوزٍ لَمْ تُرِدْ وَصِفَاحُهَا

وَخُلْوَتُهَا اكْرَهُ لا تَحِيتُهَا أَشْهَدِ

وَتَشْمِيتُهَا وَاكْرَهْ كِلا الْخِصْلَتَيْنِ

لِلشَّبَابِ مِنَ الصَّنْفَيْنِ بُعْدَى وَأَبْعَدِي

وَيَحْرُمُ رَأْيُ الْمُرْدِ مَعْ شَهْوَةٍ فَقَطْ

وَقِيلَ وَمَعْ خَوْفٍ لِلْكُرْهِ جَوِّدِ

وَكُنْ وَاصِلَ الأَرْحَامِ حَتَّى لِكَاشِحٍ

تُوَفَّرَ فِي عُمْرٍ وَرِزْقٍ وَتَسْعَدِ

وَيَحْسُن تَحْسِينٌ لِخُلْقٍ وَصُحْبَةٍ

وَلاسِيَّمَا لِلْوَالِدِ الْمُتَأَكِّدِ

وَلَوْ كَانَ ذَا كُفْرٍ وَأَوْجَبَ طَوْعَهُ

سِوَى فِي حَرَامٍ أَوْ لأَمْرٍ مُؤَكَّدِ

كَتَطْلابِ عِلْمٍ لا يَضُرُّهُمَا بِهِ

وَتَطْلِيقِ زَوْجَاتٍ بِرَأْيٍ مُجَرَّدِ

وَأَحْسِنْ إِلَى أَصْحَابِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ

فَهَذَا بَقَايَا بِرِّهِ الْمُتَعَوِّدِ

وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ كُلَّ قِرَاءَةٍ

وَذِكْرِ لِسَانٍ وَالسَّلامُ لِمُبْتَدِي

وَغَيِّرْ بِغَيْرِ الأَسْوَدِ الشَّيْبَ وَأَبْقِهِ

وَلِلْقَزَعِ اكْرَهْ ثُمَّ تَدْ لَيْسَ نُهَّدِ

وَيُشْرَعُ إِيكَاءُ السِّقَا وَغِطَا الإِنَا

ص: 686

.. وَايجَافُ أَبْوَابٍ وَطَفْءٌ لِمُوْقَدِ

وَتَقْلِيمُ أَظْفَارٍ وَنَتْفٌ لإِبْطِهِ

وَحَلْقًا وَلِلتَّنْوِيرِ لِلْعَانَةِ أَقْصُدِ

وَيَحْسُنُ خَفْضُ الصَّوْتِ مِنْ عَاطِسٍ وَأَنْ

يُغَطِّي وَجْهًا لاسْتِتَارٍ مِنَ الرَّدِي

وَيَحْمَدُ جَهْرًا وَلْيُشَمِّتْهُ سَامِعٌ

لِتَحْمِيدِهِ وَالْيُبْدِ رَدَّ الْمُعَوَّدِ

وَقُلْ لِلْفَتَى عُوفِيتَ بَعْدَ ثَلاثَةٍ

وَلِلطِّفْلِ بُورِكْ فِيكَ وَأْمُرْهُ يَحْمَدِ

وَغَطِّ فَمًّا وَاكْظُمْ فِي تَثَاؤُبٍ

فَذَلِكَ مَسْنُونٌ لأَمْرِ الْمُرَشِّدِ

وَلا بَأْسَ شَرْعًا أَنْ يَطِبَّكَ مُسْلِمٌ

وَشَكْوَى الَّذِي تَلْقَى وَبِالْحَمْدِ فَابْتَدِي

وَتَرْكُ الدَّوَا أَوْلَى وَفِعْلُكَ جَائِزٌ

وَلَمْ تَتَيَقَّنْ فِيهِ حُرْمَةَ مُفْرَدِ

وَرَجِّحْ عَلَى الْخَوْفِ الرَّجَا عِنْدَ يَأْسِهِ

وَلاقِ بِحُسْنِ الظَّنِّ رَبَّكَ تَسْعَدِ

وَيُشْرَعُ لِلْمُرْضَى الْعِيَادَةُ فَأَتِهِمْ

تَخُضْ رَحْمَهً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ

فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلائِكَةِ الرِّضَا

تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ مُمْسِي إِلَى الْغَدِ

ص: 687

.. وَإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ وَاصَلْتَ

عَلَيْهِ إِلَى اللَّيْلِ الصَّلاةِ فَأَسْنِدِ

فَمِنْهُمْ مُغِبًا عُدْهُ خَفِّفْ وَمِنْهُمْ الْـ

لَذِي يُورِثُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَرِّدِ

وَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ

تَعُودُ وَلا تُكْثِرْ سُؤَالاً تُنَكَّدِ

وَمَكْرُوهٌ اسْتِأْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ

لإِحْرَازِ مَالٍ أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشْهَدِ

وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لا ضَرُورَةً

وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصِّدِ

وَإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا

طَبِيبًا سِوَى فَحْلٍ أَجِزْهُ وَمَهِّدِ

وَيَكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ إِلا ضَرُورَةً

وَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدِ

كَقَابِلَةٍ حِلٌّ لَهَا نَظَرٌ إِلَى

مَكَانِ وَلادَاتِ النِّسَا فِي التَّوَلُّدِ

وَيَكْرَهُ إِنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ بَوَاسِرٍ

وَبَطِّ الأَذَى حِلٌّ كَقَطْعٍ مُجَوِّدِ

لآكِلَةٍ تَسْرِي بِعِضْوٍ أبِنْهُ إِنْ

تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ ولا تَتَرَدَّدِ

وَقَبْلَ الأَذَى لا بَعْدَهُ الْكَيَّ فَاكْرَهَنْ

ص: 688

.. وَعَنْهُ عَلَى الإِطْلاقِ غَيْرَ مُقَيَّدِ

وَفِيهَا عَدَا الأَغْنَامِ قَدْ كَرِهُوا الْخِصَا

لِتَعْذِيبِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُسْنَدِ

وَقَطْعُ قُرونٍ وَالآذَنِ وَشَقُّهَا

بِلا ضَرَرٍ تَغْيِيرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ

وَيَحْسُنُ فِي الإِحْرَامِ وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا

يَضُرُّ بِلا نَفْعٍ كَنِمْرٍ وَمَرْثَدِ

وَغِرْبَانِ غَيْرِ الزَّرْعِ أَيْضًا وَشِبْهُهَا

كَذَا حَشَرَاتُ الأَرْضِ دُونَ تَقَيُّدِ

كَبِقٍ وَبُرْغُوثٍ وَفَأْرٍ وَعَقْرَبٍ

وَدَبْرو حَيَّاتٍ وَشِبْهِ الْمُعَدَّدِ

وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إِلا مَعَ الأَذَى

بِهِ وَاكْرَهَنْ بِالنَّارِ إِحْرَاقَ مُفْسَدِ

وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أُجِيزَ مَعْ

أَذَىً لَمْ يَزُلْ إِلا بِهِ لَمْ أُبَعِّدِ

وَقَدْ جَوَّزَ الأَصْحَابُ تَشْمِيسَ قَزِّهِمْ

وَتَدْخِينَ زُنْبُورٍ وَشَيًا بِمَوْقِدِ

وَيُكْرَه لِنَهْي الشَّرْعِ عَنْ قَتْلِ ضِفْدعٍ

وَصِرْدَانِ طَيْرٍ قَتْلُ ذَيْنٍ وَهُدْهُدِ

وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْهِرِّ إِلا مَعَ الأَذَى

وَإِنْ مُلِّكَتْ فَاحْظَرْ إِذَا غَيْرَ مُفْسِدِ

ص: 689

.. وَقَتْلُكَ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ وَلَمْ تَقُلْ

ثَلاثًا لَهُ اذْهَبْ سَالِمًا غَيْرَ مُعْتَدِ

وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ أَقْتُلْ وَابْتَرَ حَيَّةٍ

وَمَا بَعْدَ إِيذَانِ تُرَى أَوْ بِفَدْفَدِ

وَمَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُلْكًا فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ

وَإِنْ مُلِكَتْ فَاحْظَرْ وَإِنْ تُؤْذِ فَاقْدُدِ

وَيُكْرَهُ نَفْخُ فِي الْغَدَا وَتَنَفُّسٌ

وَجَوْلانُ أَيْدٍ فِي طَعَام مُوَحَّدِ

فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا فَلا بَأْسَ فَالَّذِي

نُهِي فِي اتِّحَادٍ قَدْ عُفِي فِي التَّعَدُّدِ

وَأَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَأَكْلٌ وَشُرْبُهُ

بِيُسْرَاهُ فَاكْرَهْهُ وَمُتَّكِئًا ذُدِ

وَأَكْلُكَ بِالثِّنْتَيْنِ وَالأَصْبُعِ اكْرَهَنْ

وَمَعْ أَكْلِ شَيْنِ الْعُرْفِ إِتْيَانَ مَسْجِدِ

وَيُكْرَهُ بِالْيُمْنَى مُبَاشَرَةُ الأَذَى

وَأَوْسَاخِهِ مَعْ نَثْرِ مَا أَنْفِهِ الرَّدِي

كَذَا خَلْعُ نَعْلَيْهِ بِهَا وَاتِّكَاءُهُ

عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَرَا ظَهْرِهِ أَشْهَدِ

وَيُكْرَهُ فِي التَّمْرِ الْقِرَانُ وَنَحْوُهُ

وَقِيلَ مَعَ التَّشْرِيكِ لا فِي التَّفَرُّدِ

وَكُنْ جَالِسًا فَوْقَ الْيَسَارِ وَنَاصِبْ الْـ

ص: 690

.. يَمِينِ وَبَسْمِلْ ثُمَّ فِي الانْتِهَا أَحْمَدِ

وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلأَكْلِ نَهْمَةً

وَلَكِنْ رَبَّ الْبَيْتِ إِنْ شَاءَ يَبْتَدِي

وَلا بَأْسَ عِنْدَ الأَكْلِ مِنْ شِبَعِ الْفَتَى

وَمَكْرُوهٌ الإِسْرَافُ وَالثُّلْثُ أَكِّدِ

وَيَحْسُنُ تَصْغِيرُ الْفَتَى لُقْمَةَ الْغَدَا

وَبَعْدَ ابْتِلاعِ ثَنِّ وَالْمَضْغَ جَوِّدِ

وَيَحْسُنُ قَبْلَ الْمَسْحِ لَعْقُ أَصَابِعٍ

وَأَكْلُ فُتَاتِ سَاقِطٍ بِتَثَرُّدِ

وَتَخْلِيلُ مَا بَيْنَ الْمَوَاضِعِ بَعْدَهُ

وَأَلْقِ وَجَانِبْ مَا نَهَى اللهُ تَهْتَدِي

وَغَسْلُ يَدٍ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ

وَيُكْرَهُ بِالْمَطْعُومِ غَيْرَ مُقَيَّدِ

وَكُلْ طَيِّبًا أَوْ ضِدَّهُ وَأَلْبَس الَّذِي

تُلاقِيهِ مِنْ حِلٍّ وَلا تَتَقَيَّدِ

وَمَا عِفْتَهُ فَاتْرُكْهُ غَيْرَ مُعَنِّفٍ

وَلا عَائِبٍ رِزْقًا وَبِالشَّارِعْ اقْتَدِي

وَلا تَشْرَبَنْ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الْـ

إِنَّا وَانْظُرْنَ فِيهِ وَمُصًّا تَزْرَّدِ

وَنَحِّ الانَا عَنْ فِيْكَ وَاشْرَبْ ثَلاثَةً

هُوَ أَهْنَا وَأَمْرَا ثُمَّ أَرْوَى لِمَنْ صُدِي

ص: 691

.. وَلا تَكْرَهَنَّ الشُّرْبَ مِنْ قَائِمٍ وَلا إِنْ

تِعَالُ الْفَتَى فِي الأَظْهَرِ الْمُتَأَكِّدِ

وَتَكْرَهَنَّ لُبْسٌ فِيهِ شُهْرَةُ لابِسٍ

وَوَاصِفُ جِلْدٍ لا لِزَوْجٍ وَسَيِّدِ

وَأَنْ كَانَ يُبْدِي عَوْرَةُ لِسِوَاهُمَا

فَذَلِكَ مَحْظُورٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ

وَخَيْرُ خِلالِ الْمَرْءِ جَمْعًا تَوَسُطُ الْـ

أُمُورِ وَحَالٌ بَيْنَ أَرْدَى وَأَجْوَدِ

وَلُبْس مِثَالِ الْحَيِّ فَاحْضِرْ بِأَجْوَدِ

وَمَا لَمْ يُدَسْ مِنْهَا لِوَهْنٍ فَشَدِّدِ

وَأَحْسنُ مَلْبُوسٍ بَيَاضُ لِمَيِّتٍ

وَحَيٍّ فَبَيِّضْ مُطْلَقًا لا تُسَوِّدِ

وَلا بَأْسَ بِالْمَصْبُوغِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ

مَعَ الْجَهْلِ فِي أَصْبَاغِ أَهْلِ التَّهَوُّدِ

وَقِيلَ اكْرَهَنْهُ مِثْلَ مُسْتَعْمَلِ الانَا

وَإِنْ تَعْلَمِ التَّنْجِيسَ فَاغْسِلْهُ تَهْتَدِي

وَأَحْمَرَ قَانٍ وَالْمُعَصْفَرَ فَاكْرَهَنْ

لِلُبْسِ رِجَالٍ حَسْبُ فِي نَصِّ أَحْمَدِ

وَلا تَكْرَهَنْ فِي نَصِّ مَا قَدْ صَبَغَتَهُ

مِن الزَّعْفَرَانِ الْبَحْتِ لَوْنَ الْمُوَرَّدِ

وَلَيْسَ بِلُبْسِ الصُّوفِ بَأْسٌ وَلا الْقَبَا

ص: 692

.. وَلا لِلنَّسَا وَالْبُرْنُسِ افْهَمْهُ وَاقْتَدِي

وَلُبْسُ الْحَرِيرِ احْظِرْ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ

سِوَى لِضَنَىً أَوْ قَتْلٍ أَوْ حَرْبٍ جُحَّدِ

وَيَحْرُمُ بَيْعٌ لِلرِّجَالِ لِلِبْسِهِمْ

وَتَخْيِيطُهُ وَالنَّسْجُ فِي نَصِّ أَحْمَدِ

وَيَحْرُمُ لُبْسٌ مِن لُجَيْنٍ وَعَسْجَدٍ

سِوَى مَا قَدْ اسْتَثْنَيْتُهُ فِي الَّذِي ابْتُدِي

وَيَحْرُمُ سَتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الْفَتَى الَّذِي

حَوَى صُورَةً لِلْحَيِّ فِي نَصِّ أَحْمَدِ

وَفِي السِّتْرِ أَوْ مَا هُوَ مَطِنَّةٌ بِذْلِةٍ

لِيُكْرَه كَكَتْبٍ لِلْقُرْآنِ الْمُمَجَّدِ

وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ كِتَابَةُ غَيْرِهِ

مِنَ الذِّكْرِ فِيمَا لَمْ يُدَسْ وَيُمَهَّدِ

وَحَلَّ لِمَنْ يَسْتَأْجِرُ الْبَيْتَ حَكُهُ التَّـ

صَاوِيرَ كَالْحَمَّامِ لِلدَّاخِلِ اشْهَدِ

وَفِي نَصِّهِ اكْرَهْ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَا الرَّ

قِيقَ سِوَى لِلزَّوْجِ يَخْلُو وَسَيِّدِ

وَيَكْرَهُ تَقْصِيرِ اللِّبَاسِ وَطُولُهُ

بِلا حَاجَةِ كِبْرًا وَتَرْكُ الْمُعَوَّدِ

وَأَطْوَلُ ذِيلِ الْمَرْءِ لِلْكَعْبِ وَالنِّسَا

بِلا الأَزْرِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا لِتَزْدَدِ

ص: 693

.. وَأَشْرَفُ مَلْبُوسٍ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ

وَمَا تَحْتَ كَعْبٍ فَاكْرَهَنْهُ وَصَعِّدِ

وَلِلرُّصْغِ كُمُّ الْمُصْطَفَى فَإِنْ ارْتَخَى

تَنَاهَى إِلَى أَقْصَى أَصَابِعِهِ قِدِ

وَلا بَأْسَ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ سِتْرَةً

أَتَمَّ مِن التَّأْزِيرِ فَالْبَسْهُ وَاقْتَدِ

بِسُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِيهِ وَأَحْمَدٍ

وَأَصْحَابِهِ وَالأُزْرُ أَشْهَرُ أَكِّدِ

وَيَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطِيُّهَا

وَيُكْرَهُ مَعْ طُولِ الْغِنَا لُبْسُكَ الرَّدِي

وَلا بَأْسَ فِي لُبْسِ الْفِرَاءِ وَاشْتِرَائِهَا

جُلُودَ حَلالٍ مَوْتُهُ لَمْ يُوَطَّدِ

وَكَاللَّحْمِ الأولَى احْظِرَنْ جِلْدَ ثَعْلَبٍ

وَعَنْهُ لِيُلْبَسْ وَالصَّلاةَ بِهِ اصْدُدِ

وَمَنْ يَرْتَضِي أَدْنَى اللِّبَاسِ تَوَاضَعًا

سَيُكْسَى الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ فِي غَدِ

وَيَحْسُنُ حَمْدُ اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ

وَلاسِيَّمَا فِي لُبْسِ ثَوْبٍ مُجَدَّدِ

وَكُنْ شَاكِرًا للهِ وَارْضَ بِقَسْمِهِ

تُثَبْ وَتُزَدْ رِزْقًا وَازْغَامَ حُسَّدِ

وَقُلْ لأَخٍ ابْلِ وَأَخْلِقِ وَيُخْلِفُ الْـ

ص: 694

.. إِلهُ كَذَا قُلََّ عِشْ حَمِيدًا تُسَدَّدِ

وَلا بَأْسَ فِي الْخَاتَامِ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ

عَقِيقٍ وَبَلُورٍ وَشِبْهِ الْمُعَدَّدِ

وَيُكْرَهُ مِنْ صُفْرٍ رَصَاصِ حَدِيدِهِمْ

وَيَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ خَاتِمُ عَسْجَدِ

وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدٌ وَصَحْبِهِ

وَيُكْرَهُ فِي الْوُسْطَى وَسَبَابَةِ الْيَدِ

وَمَنْ لَمْ يَضَعْهُ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْخَلا

فَعَنْ كُتب قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِهِ أَصْدُدِ

وَيَحْسُنْ فِي الْيُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ

وَفِي الْخَلْعِ عَكْسٌ وَاكْرَهِ الْعَكْسَ تَرْشُدِ

وَيُكْرَهُ مَشْيَ الْمَرْءِ فِي فَرْدِ نَعْلِهِ

اخْتِيَارًا أَصِخْ حَتَّى لإِصْلاحِ مُفْسِدِ

وَلا بَأْسَ فِي نَعْلٍ يُصَلِّي بِهِ بِلا

أَذَى وَافْتَقِدْهَا عِنْدَ أَبْوَابِ مَسْجِدِ

وَيَحْسُنُ الاسْتِرْجَاعُ فِي قَطْعِ نَعْلِهِ

وَتَخْصِيصُ حَافٍ بِالطَّرِيقِ الْمُمَهَّدِ

وَقَدْ لَبِسَ السِّبْتِيَّ وَهُوَ الَّذِي خَلا

مِن الشَّعْرِ مَعْ أَصْحَابِهِ بِهِمْ اقْتَدِي

وَيُكْرَهُ سِنْدِي النِّعَالِ لِعُجْبِهِ

بِصَرَّارِهَا زِيَّ الْيَهُودِ فَأَبْعِدِ

ص: 695

.. وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ

تَمَعْدَدْ وَاخْشَوْشَنْ وَلا تَتَعَوَّدِ

وَيُكْرَهُ فِي الْمَشْيِ الْمُطَيْطَا وَنَحْوُهَا

مَظِنَّةَ كِبْرٍ غَيْرَ فِي حَرْبِ جُحَّدِ

وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْخُفِّ وَالأُزْرِ قَائِمًا

كَذَاكَ الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدِ

وَثَنْتَيْنِ وَافْرُقْ فِي الْمَضَاجِعِ بَيْنَهُمْ

وَلَوْ إِخْوَةً مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ تُسَدَّدِ

وَيُكْرَهُ نَوْمُ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ

مِنَ الدُّهْنِ وَالأَلْبَانِ لِلْفَمِّ وَالْيَدِ

وَنَوْمُكَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ عَلَى

قَفَاكَ وَرَفْعُ الرِّجْلِ فَوْقَ أُخْتِهَا امْدُدْ

وَيُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطْحٍ وَلَمْ يُحَطْ

عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ لِخَوْفِ مِن الرَّدِي

وَيُكْرَهُ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ جَلْسَةٌ

وَنَوْمُ عَلَى وَجْهِ الْفَتَى الْمُتَمَدِّدِ

وَقُلْ فِي انْتِبَاهٍ وَالصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَا

وَنَوْمٍ مِن الْمَرْوِيّ مَا شِئْتَ تَرْشُدِ

وَيَحْسُنُ عِنْدَ النَّوْمِ نَفْضُ فِرَاشِهِ

وَنَوْمُ عَلَى الْيُمْنَى وَكُحْلٌ بِأَثْمُدِ

وَخُذْ لَكَ مِنْ نُصْحِي أَخِي نَصِيحَةً

ص: 696

.. وَكُنْ حَازِمًا وَاحْضِرْ بِقَلْبٍ مُؤَيَّدِ

وَلا تَنْكِحَنْ إِنْ كُنْتَ شَيْخًا فُتَيَّةً

تَعِشْ فِي ضَرَارِ الْعَيْشِ أَوْ تَرْضَ بِالرَّدِي

وَلا تَنْكَحَنْ مَنْ تَسْمُ فَوْقَكَ رُتْبَةً

تَكُنْ أَبَدًا فِي حُكْمِهَا فِي تَنَكُدِ

وَلا تَرْغَبَنْ فِي مَالِهَا وَأَثَاثِهَا

إِذَا كُنْتَ ذَا فَقْرٍ تُذَلَّ وَتُضْهَدِ

وَلا تَسْكُنَنْ فِي دَارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا

تَسَمَّعْ إِذَنْ أَنْوَاعَ مَنْ مُتَعَدِّدِ

فَلا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ فِي فَضْلِ عُرْسِهِ

يَرُوحُ عَلَى هُونٍ إِلَيْهَا وَيَغْتَدِي

وَلا تُنْكِرَنْ بِذْلَ الْيَسِيرِ تَنَكُدًا

وَسَامِحْ تَنَلْ أَجْرًا وَحُسْنَ التَّوَدُّدِ

وَلا تَسْأَلَنْ عَنْ مَا عَهِدْتَ وَغُضَّ عَنْ

عَوَارٍ إِذَا لَمْ يَذْمُمِ الشَّرْعَ تَرْشُدِ

وَكُنْ حَافِظًا إِنَّ النِّسَاءُ وَدَائِعٌ

عوانٍ لَدَيْنَا احْفَظْ وَصِيَّةَ مُرْشِدِ

وَلا تُكْثِرْ الإِنْكَارَ تُرْمَى بِتُهْمَةٍ

وَلا تَرْفَعَنَّ السَّوْطَ عَنْ كُلِّ مُعْتَدِ

وَلا تَطْمَعَنْ فِي أَنْ تُقِيمَ اعْوِجَاجِهَا

فَمَا هِيَ إِلا مِثْلُ ضِلْعٍ مُرَدَّدِ

ص: 697

.. وَسُكْنَى الْفَتَى فِي غُرْفَةٍ فَوْقَ سِكَّةٍ

تَؤُلُ إِلَى تُهْمَى الْبَرِيءِ الْمُشَدِّدِ

وَإِيَّاكَ يَا هَذَا وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ

سَتَرْجِعُ عَنْ قُرْبِ إِلَى أَصْلِهَا الرَّدِي

وَلا تَنْكِحَنْ فِي الْفَقْرِ إِلا ضَرُورَة

وَلُذْ بِوِجَاءِ الصَّوْمِ تُهْدَى وَتَهْتَدِي

وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ النِّسَا لُعبٌ لَنَا

فَحَسِّنْ إِذَنْ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ وَجَوِّدِ

وَخَيْرُ النِّسَا مَنْ سَرَّتِ الزَّوْجَ مَنْظِرًا

وَمَنْ حَفِظَتْهُ فِي مَغِيبٍ وَمَشْهَدِ

قَصِيرَةُ أَلْفَاظٍ قَصِيرَةُ بَيْتِهَا

قَصِيرَةِ طَرْفِ الْعَيْنِ عَنْ كُلِّ أَبْعَدِ

عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَظْفَرْ بِالْمُنَى الْـ

وَدُودِ الْوَلُودِ الأَصْلِ ذَاتِ التَّعَبُّدِ

حَسِيبَةُ أَصْلٍ مِنْ كِرَامٍ تَفُزْ إِذَنْ

بِوِلْدٍ كِرَامٍ وَالْبَكَارَةِ فَاقْصِدِ

وَوَاحِدَةُ أَدْنَى إِلَى الْعَدْلِ فَاقْتَنِعْ

وَإِنْ شِئْتَ فَابْلُغْ أَرْبعًا لا تَزِيدِ

وَمَنْ عَفَّ تَقْوَىً عَنْ مَحَارِمِ غَيْرِهِ

يُعَفْ أَهْلُهُ حَقًّا وَإِنْ يَزْنِ يَفْسُدِ

فَكَابِدَ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ النَّفْسُ عُذْرُهَا

ص: 698

.. وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طَلاعَ انْجُدِ

وَلا يَذْهَبَنَّ الْعُمُرُ مِنْكَ سَبَهْللا

وَلا تُغْبَنَنْ بِالنَّعْمَتَيْنِ بَلْ اجْهِدِ

فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَاتَ نَالَ الْمُنَى وَمَنْ

أَكَبَّ عَلَى اللَّذَاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ

وَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا

وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذِلُ سَرْمَدِ

فَلا تَشْتَغِلْ إِلا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلا

وَلا تَرْضَ لِلنَّفْسِ النَّفِيسَةِ بِالرَّدِي

وَفِي خُلْوَةِ الإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ أُنْسُهُ

وَيَسْلُمْ دِينَ الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ

وَيَسْلَمُ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى

جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بِغِيضٍ وَحُسَّدِ

وَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهُوَ سَتْرٌ لِعَوْرَةٍ

وَحِرْزٌ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ

وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كتبٌ تُفِيدُهُ

عُلُومًا وَآدَابًا كَعَقْلٍ مُؤَيَّدِ

وَخَالِطْ إِذَا خَالَطَتَ كُلَّ مُوَفَّقٍ ٍ

مِنَ الْعُلَمَا أَهْلِ التُّقَى وَالتَّعَبُّدِ

يُفِيدُكَ مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوَى

فَصَاحِبْه تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدِ

ص: 699

.. وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إِنْ قُمْتَ عَنْهُ وَالْـ

بَذِيَّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي

وَلا تَصْحَبِ الْحَمْقَى فَذُو الْجَهْلِ إِنْ يَرُمْ

صَلاحًا لأَمْرٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ يُفْسِدِ

وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْتُ فِيهِ وَخِصْلَةٍٍ

تَحَلَّيْتَهَا ذِكْرُ الإِلَهِ بِمَسْجِدِ

وَكُفَّ عَنْ الْعَوَرَا لِسَانَكَ وَالْيَكُنْ

دَوَامًا بِذِكْرِ اللهِ يَا صَاحِبِي نَدِي

وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلِّهَا

تَكُنْ لَكَ فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شُهَّدِ

وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ بِوَقْتِهَا

وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَا مِنْ تَهَجُّدِ

وَنَادِ إِذَا مَا قُمْتَ بِاللَّيْلِ سَامِعًا

قَرِيبًا مُجِيبًا بِالْفَوَاضِلِ يَبْتَدِي

وَمُدَّ إِلَيْهِ كَفَّ فَقْرِكَ ضَارِعًا

بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَدِ

وَلا تَسْأَ مَنَّ الْعِلْمِ وَاسْهَرْ لِنَيْلِهِ

بِلا ضَجَرٍ تَحْمِدْ سُرَى اللَّيْلِ فِي غَدِ

وَلا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا

فَإِنَّ مِلاكَ الأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصَدِ

وَكُنْ عَامِلاً بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْتَهُ

ص: 700

.. لِيُهْدَى بِكَ الْمَرْءُ الَّذِي بِكَ يَقْتَدِي

حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ

تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ

وَكُنْ صَابِرًا بِالْفَقْرِ وَادَّرِعِ الرِّضَا

بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ وَاشْكُرْهُ تُحْمَدِ

فَمَا الْعِزَّ إِلا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا

بِأَدْنَى كِفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ

فَمَنْ لَمْ يُقْنِّعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إِلَى

رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدِ

فَمَنْ يَتَغَنَّى يُغْنِهِ اللهُ وَالْغِنَى

غِنَى النَّفْسُ لا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ

وَإِيَّاكَ وَالإِعْجَابَ وَالْكِبْرَ تُحْظَ بِالسَّـ

عَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَارْشُدْ وَأَرْشِدِ

وَهَا قَدْ بَذَلْتُ النُّصْحَ جُهْدِي وَإِنَّنِي

مُقِرٌّ بِتَقْصِيرِي وَبِاللهِ أَهْتَدِي

تَقَضَّتْ بِحَمْدِ اللهِ لَيْسَتْ ذَمِيمَةً

وَلَكِنَّهَا كَالدُّرِّ فِي عِقْدِ خُرَّدِ

يَحَارُ لَهُ قَلْبُ اللَّبِيبُ وَعَارِف

كَرِيمَانِ إِنْ جَالا بِفِكْرٍ مُنَضَّدِ

فَمَا رَوْضَةٌ خُفَتْ بِنُورِ رَبِيعِهَا

بِسَلْسَالِهَا الْعَذْبُ الزُّلالِ الْمُبَرَّدِ

ص: 701

.. بِأَحْسَنَ مِنْ أَبْيَاتِهَا وَمَسَائِلٍ

أَحَاطَتْ بِهَا يَوْمًا بَغَيْرِ تَرَدُّدِ

فَخُذْهَا بِدَرْسٍ لَيْسَ بِالنَّوْمِ تُدْرِكَنْ

لأَهْلِ النُّهَى وَالْفَضْل فِي كُلِّ مَشْهَدِ

وَقَدْ كَمُلَتْ وَالْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ

عَلَى كُلِّ حَالٍ دَائِمًا لَمْ يُصَدِّدِ

اللهُمَّ يا حي يا قيوم يا ذا الجلال ثبت محبتك في قلوبنا وقوها وألهمنا يا مولانا ذكرك وشكرك وأمنا من عذابِكَ يوم تبعث عبادك

وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ.

اللهُمَّ إليك بدعائنا توجهنا. وبفنائك أنخنا وإياك أملنا ولما عندك من الكرم والجود والإحسان طلبنا ومن عذابِكَ أشفقنا ولغفرانك تعرضنا وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ.

اللهُمَّ انهج بنا مناهج المفلحين وألبسنا خلع الإيمان واليقين وخصنا منك بالتوفيق المبين ووفقنا لقول الحق وإتباعه وخلصنا من الباطل وابتداعه وكن لنا مؤيداً ولا تجعل لفاجر علينا يداً واجعل لنا عيشاً رغداً ولا تشمت بنا عدواً ولا حاسداً وارزقنا علماً نافعاً وعملاً متقبلاً وفهماً ذكياً وطبعاً صفياً وشفاءً من كل داء وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

[قصص ومواعظ رائعة ومطالب عالية]

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ? أَنَّ النَّبِيَّ ? ابْتَاعَ فَرَساً مِنْ أَعْرَابِىٍّ فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ ? لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ.

ص: 702

فَأَسْرَعَ النَّبِيِّ ? الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ. فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ? ابْتَاعَهُ. حتَّى زًاد بَعْضُهم الأَعْرابِيَّ في السّومِ على ثَمِنَ الفَرسِ الَّذِي ابْتَاعَهُ به النَّبِيَّ ?.

فَنَادَي الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ ? فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعاً هَذَا الْفَرَسَ فابِعْتُهُ وإلا بِعْتُه. فقامَ النَّبِيَّ ? حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» . قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لَا وَاللهِ مَا بِعْتُكَ. فَقَالَ النبيُّ ?: «بَلَى قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ» . فَطَفِقَ الناسُ يَلُوذُون بالنَّبِيَّ ? والأَعْرَابِيُّ وهَما يَتَراجَعَان فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيداً يَشْهَدُ أنَي بايَعْتكَ.

فَمَنْ جَاَء من المسَلِمِيْن قَالَ للأَعْرَابِيِّ: وَيْلَكَ إنَّ النَّبِيَّ ? لم يَكُنْ لِيَقُولَ إلا حَقاً.

حتَّى جَاء خُزَيْمَةُ فاسْتَمَعَ لمُراجَعَة النَّبِيَّ ? ومُرَاجَعَةِ الأَعْرَابِيِّ وَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيداً أنَي بايَعْتكَ.

فَقَالَ خُزَيْمَةُ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبِيَّ ? عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: «بِمَ تَشْهَدُ؟» . قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَجَعَلَ النَّبِيَّ ? شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ.

وقد روي في بعض طرق هذا الحديث أن النَّبِيَّ ? قَالَ لخُِزَيْمَةُ: بِمَ تَشْهَدُ ولم تَكْنَ مَعَنا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أنا أُصَدِقُكَ بخَبرِ السماء أفَلَا أصَدَّقُكَ بما تَقُولُ؟

قَالَ الخطابي: ووجه هذا الحديث أن النَّبِيَّ ? حكم على الأَعْرَابِيِّ بعِلْمِهِ إذ كان النَّبِيَّ ? صادقاً باراً وجرت شهادة خُزَيْمَةَ في ذلك مجرى التوكيد لقوله ? والاستظهار بها على خصمه. فصارت في التقدير مع قول رَسُولِ اللهِ كشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ في سائر القضايا. رحمه الله والله أعلم وصَلَّى اللهُ وَعَلَى مُحَمَّد وآلِهِ وسلم.

(فَصْلٌ) قَالَ الواقدي عن أشياخ له: إن شيبة بن عثمان كان يحدث عن إسلامه فيقول: ما رأيت أعجب مِمَّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات.

فلما كان عام الفتح ودخل النبي ? عنوة قلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من مُحَمَّد غرة فأثار منه فأكون أنا الَّذِي قمت بثأر قريش كلها،

ص: 703

وأقول: ولو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمداً ما اتبعته أبداً. فلما اختلط الناس اقتحم رَسُولُ اللهِ ? عن بغلته وأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي، فَرُفِعَ لي شواظ من نار كالبرق حتَّى كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفاً عليه، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ ? وَنَادَانِي: يَا شيبةُ ادْنُ مِنِّي. فدنوت منه فمسح صدري وَقَالَ: «اللهُمَّ أعذه من الشيطان» . فو الله لهو كان ساعتئذٍ أحب إلى من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله عز وجل ما كان بي ثم قَالَ: ادن فقاتل. فتقدمت أمامه أضرب بسيفي، الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء، ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حياً لأوقعت به السيف.

فلما تراجع الْمُسْلِمُونَ وكروا كرة رجل واحد قربت بغلة رَسُولِ اللهِ ? فاستوى عليها فخرج في أثرهم حتَّى تفرقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكر فدخل خباءه، فدخلت عليه فَقَالَ: يا شيبةُ، الَّذِي أَرَادَ الله بِكَ خير مِمَّا أردت بنفسك.

ثم حَدَّثَنِي بكل ما أضمرت فِي نَفْسِي مِمَّا لم أكن أذكره لأحد قط. فقلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رَسُولُ اللهُ. ثم قلت: استغفر لي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: غفر الله لك.

(فَصْلٌ) وعن أنس بن مالك قَالَ: قَالَ رسول الله ? «كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه لأبره منهم البراء بن مالك» . وأن البراء لقي زحفاً من المشركين قد أوجع المشركون في المسلمين. فقَالُوا له: يا براء إن رسول الله ? قَالَ: إنك لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على الله فَقَالَ: أقسمت عَلَيْكَ يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم. ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقَالُوا: أقسم على ربِكَ، فَقَالَ: أقسمت عَلَيْكَ يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبيك ? فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً.

(فَصْلٌ) أرسل عمر إِلَى الْكُوفَةِ من يَسْأَلُ عَن سَعْدٍ فكان الناس يُثْنُونَ خيراً حتَّى سئل عنه رجل من بَنِي عَبْسٍ.

ص: 704

فَقَالَ: أَمَّا إِذْ أنَشَدْتَمونَا، عن سَعْدٍ فَإِنَّه كَانَ لَا يَخرج في السَّرِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ بالرعية وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ.

فَقَالَ سَعْدٌ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِباً، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَعظم فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ.

فَكَانَ يرى وهو شَيْخٌ كَبِيرٌ قد تدلى حَاجِبَاهُ من الكبر َتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِى يَغْمِزُهُنَّ فِي الطُّرُقِات يَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.

وكذا سعيد بن زيد كان مجاب الدعوة فقد روى أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد وقالت: سرق من أرضي وأدخله في أرضه.

فَقَالَ سعيد: اللهُمَّ إن كانت كاذبة فأذهب بصرها وأقتلها في أرضها فذهب بصرها وماتت في أرضها.

(فَصْلٌ) قَالَ إبراهيم بن أدهم: مرض بعض العباد فدخلنا عليه نعوده، فجعل يتنفس ويتأسف، فقلت له: على ماذا تتأسف؟ قَالَ: على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله عز وجل.

وبكى بعض العباد عند موته، فقِيلَ له ما يبكيك؟ فَقَالَ أن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم. تأمل يا أخي هذه الأماني لله دره.

عن ابن أبي مليكة قَالَ: لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هارباً فخب بهم البحر، فجعلت الصراري (أي الملاحون) يدعون الله ويوحدونه.

فَقَالَ: ما هذا؟ قَالُوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله.

ص: 705

قال: هذا إله مُحَمَّد الَّذِي يدعونا إليه، فارجعوا بنا فرجع فأسلم.

وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ? يَوْمَ جِئْتُهُ: «مَرْحَباً بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ مَرْحَباً بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» ، قلت: يَا رَسُولَ اللهِ لا أدع نفقة أنفقتها عَلَيْكَ إلا أنفقت مثلها في سبيل الله.

وعن عبد الله بن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كان إذا اجتهد في اليمن قَالَ: لا والَّذِي نجاني يوم بدر وكان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي.

استشهد عكرمة يوم اليرموك في خلافة أبي بكر، فوجدوا فيه بضعاً وسبعين من بين ضربة وطعنة ورمية.

(فَصْلٌ) قَالَ الزبير: وحَدَّثَنِي عمي مصعب بن عبد الله قَالَ: جاء الإسلام ودار بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم.

فَقَالَ له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش؟ فَقَالَ حكيم: ذهبت المكارم ‘ لا التقوى، يا ابن أخي إني اشتريت بها داراً في الجنة أشهدك إني قد جعلتها في سبيل الله.

وعن أبي بكر ابن سليمان قَالَ: حج حكيم بن حزام معه مائة قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة. الفضة قد نقش في رؤوسها «عتقاء الله [عز وجل] عن حكيم بن حزام» . وأعتقهم وأهدى ألف شاة.

وعن مُحَمَّد بن سعد يرفعه: أن حكيم بن حزام بكى يوماً،

ص: 706

فَقَالَ له ابنه: ما يبكيك؟ قَالَ: خصال كلها أبكاني: أما أولها فبطؤ إسلامي حتَّى سبقت في مواطن كلها صالحة، ونجوت يوم بدر واحد فقلت: لا أخرج أبداً من مكة ولا أوضع مع قريش ما بقيت.

فأقمت بمكة ويأبي الله [عز وجل] إن يشرح صدري للإسلام وذلك إني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فأقتدي بهم، ويا ليت أني لم أقتد بهم فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبإنا وكبرائنا.

فلما غزا النبي ? مكة جعلت أفكر، فخرجت أنا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقي العباس أبا سفيان فذهب به النبي ورجعت فدخلت بيتي، فأغلقته علي ودخل النبي ? مكة فآمن الناس، فجئته فأسلمت وخرجت معه إلى حنين.

وعن عروة أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وفي الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير.

قَالَ ابن سعد: قَالَ مُحَمَّد بن عمر: قدم حكيم بن حزام المدينة ونزلها وبني بها داراً، ومات بها سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة رحمه الله والله أعلم وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَسلم.

(فَصْلٌ) عن أبي برزة الأسلمي «أن جليبيباً كان امرءاً من الأنصار، وكان أصحاب النبي ? إذا كان لأحدهم أيم (أي لا زوج لها) لم يزوجها حتَّى يعلم النبي ? هل له فيها حاجة أم لا؟ فَقَالَ رسول الله ? ذات يوم لرجل من الأنصار: «يا فلان زوجني ابنتك» . قَالَ: نعم ونعمة عين قَالَ: «إني لست لنفسي

ص: 707

أريدها» قَالَ: لمن؟ قَالَ: «لجليبيب)) . قَالَ: يا رسول ? حتَّى استأمر (أي أشاورها) وأمها.

فأتاها فَقَالَ: إن رسول الله ? يخطب ابنتك. قالت: نعم ونعمة عين، زوج رسول الله ?.

قَالَ: إنه ليس يريدها لنفسه قالت: فلمن؟ قَالَ: يريدها لجليبيب. قالت: حلقى ألجليبيب؟ لا لعمر الله لا. أزوج جليبيباً.

فلما قام أبوها ليأتي النبي ? قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني إليكما؟ قالا: رسول الله ? قالت: أفتردون على رسول الله ? أمره ادفعوني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني.

فذهب أبوها إلى النبي ? فَقَالَ: شأنك بها. فزوجها جليبيباً قَالَ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت: أتدري ما دعا لها به النبي ?؟ قَالَ: وما دعا به النبي عليه السلام؟ قَالَ: «اللهُمَّ صب عليها الخير صباً ولا تجعل عيشهما كَداً كداً» .

قَالَ ثابت: فزوجها إياه فبينا رسول الله ? في مغزى له قَالَ: «هل تفقدون من أحد» ؟ قَالُوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً ونفقد فلاناً ثم قَالَ: «هل تفقدون من أحد» ؟ قَالُوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً ثم قَالَ: «هل تفقدون من أحد)) ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: «لكني أفقد جليبيباً)) فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فينبغي للإنسان تفقدَ

أصحابه قَالَ بعضهم:

ص: 708

مَا كَانَ عَيْبًا لَوْ تَفَقَّدَتْنِي

وَقُلْتَ هَلْ أَتْهَمَ أَوْ أَنْجدَا

فَعَادَةُ السَّادَةِ مِنْ قَبْلِنَا

تَفَقُّدُ الأَتْبَاعِ وَالأَعْبُدَا

هَذَا سُلَيْمَانُ عَلَى مُلْكِهِ

وَهُوَ بِأَخْبَارٍ لَهُ يُقْتَدِي

تَفَقَّدَ الطَّيْرَ وَأَجْنَاسِهَا

فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهَدَا

وَالْمُصْطَفَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْتُمْ بِهِ

فِي قِصَّةِ الْقَتْلَى كَمَا قَدْ أَتَى

فَقَالَ رسول الله ?: ((هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه)) .

فوضعه رسول الله ? على ساعديه ثم حتَّى حفروا له ما له سرير إلا ساعدي رسول ? حتَّى وضعه في قبره.

لله در هذه الأنفس فما أعزها وهذه الهمم فما أرفعها! .

وَلَمَّا رَأَوا بَعْضَ الْحَيَاةِ مُذلَّةً

عَلَيْهِمْ وَعِزَّ الْمَوْتِ غَيْرَ مُحَرَّمِ

أَبَوْا أَنْ يَذُوقُوا الْعَيْشَ وَالذَّمُّ وَاقِعٌ

عَلَيْهِ وَمَاتُوا مَيْتَةً لَمْ تُذَمَّمِ

وَلا عَجَبٌ لِلأَسَدِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا

كِلابُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمٍ

فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى

وَحَتْفُ عَلِيٍّ فِي حُسَامِ ابنِ مُلْجَمِ

(فَصْلٌ) روى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قَالَ

انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ ? وَأَصْحَابُهُ إِلَى بَدْرٍ حتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?:«قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ» .

قَالَ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: بَخٍ بَخٍ. يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟» . قَالَ [لَا] وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَاّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» .

قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُهن ثُمَّ قَالَ: إنْ

ص: 709

أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَ حتَّى قُتِلَ.

اللهُمَّ افتح لدعائنا باب القبول والإجابة وارزقنا الإقبال على طاعتك والإنابة وبارك في أعمالنا وأجزل لنا الأجر والإثابة وآتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ)

قال الواقدي: لما أَرَادَ عمرو بن الجموح الخروج إلى أحد منعه بنوه

وقَالُوا: قد عذرك الله. فجاء إلى النبي ? فَقَالَ: إن بني يريدون حبسي عن الخروج معك وأنى لأرجو أن أطأ بعرجتي [هذه] في الجنة، فَقَالَ:«أما أنت فقد عذرك الله» ثم قَالَ لبنيه لا عليكم أن تنعوه لعل الله عز وجل يرزقه الشهادة فخلوا سبيله.

قالت امرأته هند بنت عمرو بن خزام: كأني أنظر إليه مولياً، قد أخذ درقته وهو يقول: اللهُمَّ لا تردني إلى خربي وهو منازل بني سلمة.

قَالَ أبو طلحة: فنظرت إليه حين انكشف الْمُسْلِمُونَ ثم ثابوا، وهو في الرعيل الأول، لكأني أنظر إلى ظلع في رجله وهو يقول: إنا والله مشتاق إلى الجنة!

ثم أنظر إلى ابنه خلاد [وهو] يعدو [معه] في إثره حتَّى قتلا جميعاً.

وفي الحديث أنه دفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمر وأبو جابر في قبر واحد، فخرب السيل قبورهم، فحفر عنهم بعد ست وأربعين سنة فوجدوا لم يتغيروا كأنهم ماتوا بالأمس.

ص: 710

(فَصْلٌ) عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: ? فَقَالَ: يَطْلُعُ الآنَ عَلَيْكُمُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيهِ بيدِهِ الشِّمَالِ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ ? مِثْلَ ذَلِكَ: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ المَرَّةِ الأُولَى.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ ? مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ?، تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حتَّى تَمضِيَ، فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تلك الثَلاثَ اللَيَالي، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللهَ عز وجل، وَكَبَّرَ حتَّى لِصَلاةِ الْفَجْرِ.

قَالَ عبد الله: غَيْرَ أَنَّي لم أسمعه يَقُولُ إِلا خَيْراً: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ اللَيَالي، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ.

قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أبي غَضَبٌ، وَلا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ لك ثَلاثَ مَرَّاتٍ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ.

فأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فأقتدي بِكَ، فَلَمْ أَرَكَ عْمَلُتَ كَبيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ?؟

قَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشّاً، وَلا أَحْسُدُهُ أحداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

ص: 711

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، رواه أحمد بإسناد على شروط البخاري ومسلم والنسائي والله أعلم وصَلَّى اللهُ وَعَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ) عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ? «بعث جيشاً فيهم رجل يقال له: حدير، وكانت تلك السنة قد أصابتهم سنة من قلة الطعام، فزودهم رسول الله ? ونسي أن يزود حديراً.

فخرج حدير صابراً محتسباً وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويقول: نعم الزاد هو يا رب فهو يرددها وهو في آخر الركب

قال فجاء جبريل إلى النبي ? فَقَالَ له: إن ربي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابَكَ ونسيت إن تزود حديراً، وهو في آخر الركب يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله

فدعا النبي ? رجلاً، فدفع إليه زاد حدير وأمره إذا انتهى إليه حفظ عليه ما يقول، وإذا دفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول، ويقول له: إن رَسُولَ اللهِ ? يقرئك السلام ورحمة الله، ويخبرك أنه كان نسي أن يزودك، وأن ربي تبارك وتعالى أرسل إلى جبريل يذكرني بِكَ، فذكره جبريل وأعلمه مكانك.

فانتهى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هذا يا رب؛ فدنا منه، ثم قَالَ له: إن رَسُولَ الله ? يقرئك السلام ورحمة الله، وقد أرسلني أليك بزادٍ معي، ويقول: إني إنما نسيتك، فأرسل إلى جبريل من السماء يذكرني بِكَ؛ فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي ?.

ص: 712

ثم قَالَ: الحمد لله رب العالمين، ذكرني ربي من فوق سبع سموات، ومن فوق عرشه، ورحم جوعي وضعفي. يا رب كما لم تنس حديراً فاجعل حديراً لا ينساك.

قَالَ: فحفظ ما قَالَ، ورجع إلى النبي ? فأخبره بما سمع منه حين أتاه، وبما قَالَ حين أخبره، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أما أنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه ذلك نوراً ساطعاً ما بين السماء والأرض.

عن مُحَمَّد بن سعد قَالَ: كان ذو البجادين يتيماً لا مال له. فمات أبوه ولم يورثه شيئاً، وكفله عمه حتَّى أيسر.

فلما قدم النبي المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه حتَّى مضت السنون والمشاهد. فَقَالَ لعمه: يا عم إني قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمداً، فأذن لي في الإسلام.

فَقَالَ: والله لئن اتبعت محمداً لاأترك بيدك شيئاً كنت أعطيتكه إلا نزعته منك، حتَّى ثوبيك.

قَالَ: فإنا والله متبع محمداً وتارك عبادة الحجر، وهذا ما بيدي فخذه ما أعطاه حتَّى جرده من إزاره.

فأتى أمه فقطعت له بجاداً لها باثنتين فاتزر بواحد وارتدى بالآخر ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان فاضطجع في المسجد في السحر.

وكان رسول الله ? يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فَقَالَ:«من أنت؟» فانتسب له وكان اسمه عبد العزي، فَقَالَ:«بل أنت عبد الله ذو البجادين» .

ص: 713

ثم قَالَ: انزل مني قريباً فكان يكون في أضيافه حتَّى قرأ قرآناً كثيراً.

فلما خرج النبي ? إلى تبوك قَالَ: ادع لي بالشهادة. فربط النبي ? على عضده لحي سمرة قَالَ: اللهُمَّ إني أحرم دمه على الكفار.

فَقَالَ: ليس هذا أردت.

قَالَ النبي ? إنك إذا خرجت غازياً فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتكَ دابتك فأنت شهيد ، فأقاموا بتبوك أياماً ثم توفي.

قَالَ بلال بن الحارث: حضرت رسول الله ? ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها.

وإذا رسول الله يقول: «أدنيا إلىَّ أخاكما. فلما هيأه لشقه في اللحد قَالَ: «اللهُمَّ إني أمسيت عنه راض فارض عنه» .

فَقَالَ ابن مسعود: ليتني كنت صاحب اللحد

وعن أبي وائل، عن عبد الله قَالَ: والله لكأني أري رسول الله ? في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين، وأبو بكر وعمر يقول: أدنيا إليَّ أخاكما.

وأخذه من القبلة حتَّى أسكنه في لحده ثم خرج النبي ? وولياهما العمل.

فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: «اللهُمَّ إني أمسيت عنه راض فارض عنه» .

وكان ذلك ليلاً فوالله لوددت إني مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشر سنة والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَسَلَّمَ.

ص: 714

(فَصْلٌ) عن مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أتى واثلة رَسُولَ اللهِ ? فصلى معه الصبح. وكان رَسُولُ اللهِ إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه. فلما دنا من واثلة قَالَ: من أنت؟ فأخبره.

فَقَالَ: ما جاء بِكَ؟ قَالَ: جئت أبايع. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?: فيما أحببت وكرهت؟ قَالَ: نعم. قَالَ فيما أطقت؟ قَالَ: نعم. فأسلم وبايعه

وكان رَسُولُ اللهِ ? يتجهز يومئذ إلى تبوك فخرج واثلة إلى أهله فلقي أباه الأسقع فلما رأى حاله قَالَ: قد فعلتها؟ قَالَ: نعم. قَالَ أبوه: والله لا أكلمك أبداً.

فأتى عمه فسلم عليه فَقَالَ: قد فعلتها؟ قَالَ: نعم قَالَ: فلامه أيسر من ملامة أبيه وَقَالَ: لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر.

فسمعت أخت واثلة كلامه فخرجت إليه وسلمت عليه بتحية الإسلام. فَقَالَ واثلة: أني لك هذا يا أخيه؟ قالت: سمعت كلامك وكلام عمك فأسلمت.

فَقَالَ: جهزي أخاك جهاز غاز فإن رَسُولَ اللهِ ? جناح سفر. جهزي فلحق برَسُولِ اللهِ ? قد تحمل إلى تبوك وبقي غبرات من الناس وهم على الشخوص.

فجعل ينادي بسوق بني قينقاع: من يحملني وله سهمي؟ قَالَ: كنت رجلاً لا رحلة بي.

قَالَ: فدعاني كعب بن عجرة فَقَالَ: أنا أحملك عقبة بالليل وعقبة بالنهار ويدك أسوة يدي وسهمك لي. قَالَ واثلة نعم.

ص: 715

قَالَ واثلة: جزاه الله خيراً لقد كان يملني ويزيدني وآكل معه ويرفع لي حتَّى إذا بعث رَسُولُ اللهِ ? خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل.

(فَصْلٌ) خرج كعب في جيش خالد وخرجت معه فأصبنا فيئاً كثيراً فقسمه خالد بيننا فأصابني ست قلائص فأقبلت أسوقها حتَّى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقلت: اخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك فاقبضها.

فخرج وهو يبتسم ويقول: بارك الله فيها ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئاً.

عن بشر بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قَالَ: كنا أصحاب الصفة في مسجد رَسُولِ اللهِ ? وما فينا رجل له ثوب.

ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقاً من الغبار، إذ خرج علينا رَسُولُ اللهِ ? فَقَالَ:«لبشر فقراء المهاجرين» ثلاثاً.

(فَصْلٌ) عن نعيم بن ربيعة بن كعب قَالَ: كنت أخدم رَسُولَ اللهِ ? وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتَّى يصلي رَسُولُ اللهِ ? العشاء الآخرة.

فأجلس على بابه إذا دخل بيته، أقول: لعلها أن تحدث لرَسُولِ اللهِ ? حاجة. فما أزال أسمعه سبحان الله، سبحان الله وبحمده حتَّى أمل فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد.

فَقَالَ لي يوما لما رأى من حفتي (أي العناية والخدمة) له وخدمتي إياه، يا ربيعة سلني أعطك. قَالَ: فقلت: أنظر في أمري يَا رَسُولَ اللهِ ثم أعلمك ذلك.

فَقَالَ: ففكرت فِي نَفْسِي فعلمت أن الدنيا منقطعة وزائلة

ص: 716

وأن لي فيها رزقاً سأتيني، قَالَ: فقلت أسال رَسُولَ اللهِ ? لآخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الَّذِي هو به.

فجئته فَقَالَ: ما فعلت يا ربيعة؟ فقلت: أسالك يَا رَسُولَ اللهِ أن تشفع لي إلى ربِكَ فيعتقني من النار.

فَقَالَ: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ فقلت: لا والَّذِي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الَّذِي أنت به نظرت في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقاً سيأتيني.

فقلت أسال رَسُولَ اللهِ ? لآخرتي. قَالَ: فصمت رَسُولُ اللهِ ? طويلاً ثم قَالَ لي: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود.

(فَصْلٌ) وأخرجا في الصحيحين، من حديث قَيْسِ بْنِ عبادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ

فِي نَاسٍ فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ?.

فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ خُشُوعٍ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا: ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَدَخَلْتُ فأخْبَرتُه.

فَقَالَ لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهُ ? فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ.

رَأَيْتُني فِي رَوْضَةٍ، وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ.

فَقِيلَ لَهُ ارْقَهْ. فقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَجاءنِي مِنْصَفٌ، يعني خادماً فَقَالَ بثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ.

فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ? فَقَالَ: «تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ العُرْوَةُ

ص: 717

الْوُثْقَى، وَأَنْتَ عَلَى الإِسْلَامِ حتَّى تَمُوتَ» . وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ.

وعن أبي بردة ابن أبي موسى قَالَ: قدمت المدينة فأتيت عبد الله بن سلام، فإذا رجل متخشع، فجلس إليه فَقَالَ: يا ابن أخي إنك جلست إلينا وقد حان قيامنا، أفتأذن؟ والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ)

بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمير بن سعد عاملاً على حمص فمكث حولاً لا يأتيه خبر فَقَالَ عمر لكاتبه: أكتب إلى عمير: فو الله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا

قَالَ: فأخذ عمير جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق أدواته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتَّى قدم المدينة.

قَالَ: فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته فدخل على عمر فَقَالَ: السلام عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين ورحمة الله.

قَالَ عمر: ما شأنك؟ قَالَ ما ترى شأني ألست تراني صحيح البدن ظاهر الدم، معي الدنيا أجرها بقرونها؟

قَالَ عمر: وما معك؟ وظن عمر أنه قد جاء هـ بمال. قَالَ معي جرابي اجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها. وأدواتي أحمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدواً إن عرض لي، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي.

قَالَ عمر: فجئت تمشي؟ قَالَ: نعم قَالَ: أما كان لك أحد يتبرع لك بداية لك تركبها؟ قَالَ: ما فعلوا وما سألتهم ذلك.

فَقَالَ عمر: بئس الْمُسْلِمُونَ خرجت من عندهم.

ص: 718

فَقَالَ عمير: اتق الله يا عمر قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة. قَالَ عمر: فأين نصيبِكَ وأي شيء صنعت؟ قَالَ وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟

قَالَ عمر: سبحان الله. فَقَالَ عمير: أما أني لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك بعثتني حتَّى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتَّى إذا جمعوا مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به.

قَالَ: فما جئتنا بشيء؟ قَالَ لا. قَالَ: جددوا لعمير عهداً. قَالَ إن ذلك شيء لا عمله لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني أخزاك الله فهذا ما عرضني له يا عمر، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك

ثم استأذنه فأذن له فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة أميال. فَقَالَ عمر حين انصرف عمير: ما أراه إلا قد خاننا.

فبعث رجلاً يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار وقال: انطلق إلى عمير حتَّى تنزل به كأنك ضيف فإن رأيت أثر شيء فأقبل. وإن رأيت حالاً شديدةً فادفع إليه هذه المائة دينارا.

فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط فَقَالَ له عمير: انزل رحمك الله. فنزل ثم سأله فَقَالَ: من أين جئت؟ فَقَالَ: من المدينة.

فَقَالَ كيف تركت أمير المؤمنين؟ فَقَالَ صالحاً. قَالَ: فكيف تركت المسلمين؟ قَالَ: صالحين قَالَ أليس يقيم الحدود؟

قَالَ بلى ضرب ابناً له على فاحشة فمات من ضربه. فَقَالَ عمير: اللهُمَّ أعن عمر فاني لا أعلمه إلا شديداً حبه لك.

ص: 719

قَالَ فنزل ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتَّى أتاهم الجهد. فَقَالَ له عمير إنك قد أجعتنا فان رأيت أن تتحول عنا فافعل.

قَالَ: فأخرج الدنانير فدفعها إليه فَقَالَ: بعث بها أمير المؤمنين فاستعن بها قَالَ: فصاح وَقَالَ: لا حاجة لي فيها فردها.

فقالت له امرأته إن احتجت إليها وإلا فضعها في مواضعها.

فَقَالَ عمير: والله مالي شيء أجعلها فيه. فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج فقسمها على بين أبناء الشهداء والفقراء.

ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئاً فَقَالَ له عمير أقرئ مني لأمير المؤمنين السلام.

فرجع الحارث إلى عمر فَقَالَ ما رأيت؟ فَقَالَ رأيت يا أمير المؤمنين حالاً شديداً. قَالَ: فما صنع بالدنانير؟ قَالَ: لا أدري

قَالَ: فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتَّى تقبل. فأقبل إلى عمر فدخل عليه فَقَالَ له عمر: ما صنعت بالدنانير؟ قَالَ صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها؟ قَالَ أنشد عَلَيْكَ لتخبرني ما صنعت بها

قَالَ: قدمتها لنفسي. قَالَ رحمك الله. فأمر له بوسقٍ من طعام وثوبين. فَقَالَ: أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير

إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرزق ولم يأخذ الطعام. وأما

ص: 720

الثوبان فإن أم فلان عارية. فأخذهما ورجع إلى منزله.

فلم يلبث أن هلك رحمه الله فبلغ عمر ذلك فشق عليه وترحم عليه وخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد.

فَقَالَ لأصحابه: ليتمن كل رجل منكم أمنية. فَقَالَ رجل: يا أمير المؤمنين وددت أن عندي مالاً فأعتق لوجه الله كذا وكذا.

وَقَالَ آخر: وددت أن لي قوة فأميح بدلو زمزم لحجاج بيت الله.

قَالَ عمر بن الخطاب: وددت أن لي رجلاً مثل عمير بن سعدٍ استعين به في أعمال المسلمين. رحمه الله ورضي الله عنه.

والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَسَلَّمَ.

[فصل يحتوي على قصصٍ مفيدة]

عن ابن قمادين قَالَ: لم يكن أحد من كبراء قريش، الَّذِينَ تأخر إسلامهم فأسلموا يوم فتح مكة، أكثر صلاة ولا صوماً ولا صدقة.

ولا أقبل على ما يعنيه من أمر الآخرة، من سهيل بن عمرو حتَّى إن كان لقد شحب لونه. وكان كثير البكاء رقيقاً عند قراءة القرآن.

لقد رئي يختلف إلى معاذ بن جبل حتَّى يقرئه القرآن وهو بمكة، حتَّى خرج معاذ من مكة.

فَقَالَ له ضرار بن الخطاب: يا أبا يزيد، تختلف إلى هذا الخزرجي يقرئك القرآن؟ ألا يكون اختلافك إلى رجل من قومك من قريش؟

ص: 721

فَقَالَ: يا ضرار هذا الَّذِي صنع بنا ما صنع (يشير إلى الكبر والعجب) حتَّى سبقنا كل السبق.

أي لعمري أختلف [إليه] لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية ورفع الله بالإسلام قوماً كانوا لا يذكرون في الجاهلية فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا.

وعن الحسن قَالَ: حضر باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهيل بن عمرو، والحارث وبلال، وتلك الموالي الَّذِينَ شهدوا بدراً. فخرج آذن عمر فأذن لهم، وترك هؤلاء.

فَقَالَ أبو سفيان: لم أر كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد ونحن على بابه لا يلتفت إلينا؟

فَقَالَ سهيل بن عمرو: وكان رجلاً عاقلاً: أيها القوم إني والله لقد أرى الَّذِي في وجوهكم، إن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم.

دعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم؟

أما والله لما سبقوكم إليه من الفضل مِمَّا لا ترون أشد عليكم فوتاً من بابكم هذا الَّذِي كنتم تنافسونهم عليه. قَالَ: ونفض ثوبه وانطلق.

قَالَ الحسن: وصدق والله سهيل، لا يجعل الله عبداً أسرع إليه كعبد أبطأ عنه» .

وعن أبي قدامة السرخسي قَالَ: قام العمري للخليفة على الطريق فَقَالَ له: فعلت وفعلت. فَقَالَ له: ماذا تريد؟ قَالَ: تعمل بكذا وتعمل بكذا. فَقَالَ له هارون: نعم يا عم، نعم يا عم.

ص: 722

وعن سعيد بن سليمان قَالَ: كنت بمكة في زقاق الشطوى وإلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري وقد حج هارون الرشيد.

فَقَالَ له إنسان: يا أبا عبد الرحمن هو ذا أمير المؤمنين يسعى قد أخلى له المسعى. قَالَ العمري للرجل: لا جزاك الله عني خيراً، كلفتني أمراً كنت عنه غنياً. ثم تعلق نعليه (أي لبسهما) .

وقام فتبعته وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به: يا هارون! فلما نظر إليه قَالَ: لبيك يا عم. قَالَ ارق الصفا: فلما رقيه.

قَالَ: ارم بطرفك إلى البيت. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: كم هم؟ قَالَ: ومن يحصيهم؟ قَالَ: فكم في الناس مثلهم؟ قَالَ: خلق لا يحصيهم إلا الله.

قَالَ: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه وأنت وحدك تسأل عنهم كلهم فانظر كيف تكون؟ قَالَ: فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلاً منديلاً للدموع.

قَالَ العمري: وأخرى أقولها. قَالَ: قل يا عم. قَالَ والله إن الرجل ليسرف في ماله فيسحق الحجر عليه، فكيف بمن يسرف في مال المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي» .

قَالَ مُحَمَّد بن خلف: سمعت مُحَمَّد بن عبد الرحمن يقول: بلغني أن هارون قَالَ: إني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر ثم يسمعني ما أكره.

وقد روى لنا من طريق آخر أنه لقيه في المسعى فأخذ بلجام دابته فأهوت إليه الأجناد فكفهم عنه الرشيد فكلمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرفة دابته.

ص: 723

ثم انصرف. وأنه لقيه مرة فَقَالَ: يا هارون فعلت وفعلت. فجعل يسمع منه ويقول: مقبول منك يا عم، على الرأس والعين. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين من حال الناس كيت وكيت فَقَالَ: عن غير علمي وأمري وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه فلما نزل الكوفة زحف العسكر حتَّى لو كان نزل بهم مائة ألف من العدو ما زادوا على هيبته. ثم رجع ولم يصل إليه.

وعن أبي يحيى الزهري قَالَ: قَالَ عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته: بنعمة ربي أحدث أني لم أصبح أملك إلا سبعة دراهم من لحاء شجر فتلته بيدي، وبنعمة ربي أحدث: لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي ما يمنعني أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها؛ ما أزلتها.

استسقى موسى بن نضير في الناس في سنة 93 حين أقحطوا بإفريقية فأمرهم بصيام ثلاثة أيام ثم خرج بهم وميز أهل الذمة عن المسلمين وفرق بين البهائم وأولادها ثم أمر بالبكاء وارتفاع الضجيج وهو يدعو الله تعالى حتَّى انتصف النهار ثم نزل فقِيلَ له إلا دعوت لأمير المؤمنين؟ فَقَالَ: هذا موطن لا يذكر فيه إلا الله عز وجل فسقاهم الله عز وجل لما قَالَ ذلك.

كتب زر بن حبيش إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يعظه فيه فكان في آخر: ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك فأنت أعلم بنفسك واذكر ما تكلم به الأولون.

إِذَا الرِّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلادُهَا

وَبليت مِنْ كِبَرِ أَجْسَادُهَا

وَجَعَلَتْ أَسْقَامُهَا تَعْتَادُهَا

فَذِي زُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا

فلما قرأ عبد الملك الكتب بكى حتَّى بل طرف ثوبه بدموعه ثم قَالَ: صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق بنا

ص: 724

آخر:

إِذَا رَأَيْتَ بُرُوقُ الشَّيْبِ قَدْ بَسَمَتْ

بِمَفْرِقٍ فَمُحَيَّا الْعَيْشِ قَدْ كَلَحَا

يَلْقَى الْمَشِيبَ بِإِجْلالٍ وَتَكْرِمِةٍ

مِنْ قَدْ أَعَدَّ مِن الأَعْمَالِ مَا صَلِحَا

اللهُمَّ يا من عم العباد فضلُهُ ونعماؤه، ووسع البرية جوده وعطاؤه نسأل منك الجود والإحسان، والعفو والغفران، والصفح والأمان. والعتق من النيران، وتوبة تجلو أنوارها ظلمات الإساءة والعصيان، يا كريم يا منان، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

(فَصْلٌ)

وعن الفضل بن الربيع قَالَ: حج أمير المؤمنين الرشيد: فأتاني فخرجت مسرعاً فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فَقَالَ: ويحك قد حاك فِي نَفْسِي شيء فانظر لي رجلاً أسأله. فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة.

فَقَالَ: امض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فَقَالَ: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعاً فَقَالَ: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فَقَالَ له: خذ لما جئناك له رحمك الله.

فحدثه ساعة ثم قَالَ له: عَلَيْكَ دين؟ قَالَ: نعم فَقَالَ: أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قَالَ: ما أغنى عني صاحبُكَ شيئاً انظر لي رجلاً أسأله.

فقلت له: ههنا عبد الرزاق بن همام قَالَ: امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فَقَالَ من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين.

فخرج مسرعاً فَقَالَ: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. قَالَ: خذ لما جئناك له.

فحادثه ساعة ثم قَالَ له: عَلَيْكَ دين؟ قَالَ: نعم قَالَ:

ص: 725

أيا عباس اقض دينه. فلما خرجنا قَالَ: ما أغنى عني صاحبُكَ شيئاً انظر لي رجلا أسأله» .

قلت: ههنا فضيل بن عياض قَالَ: امض بنا إليه فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها. فقال: اقرع الباب فقرعت فَقَالَ: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين. فَقَالَ: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أو ما عَلَيْكَ طاعة؟

أليس قد روى النبي ? أنه قَالَ «ليس لمؤمن أن يذل نفسه» فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ المصباح ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت.

فدخلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه. فَقَالَ: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غداً من عذاب الله عز وجل.

فقلت فِي نَفْسِي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي. فَقَالَ له: خذ لما جئناك له رحمك الله.

فَقَالَ: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومُحَمَّد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فَقَالَ لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا على. فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابُكَ نعمة.

فَقَالَ له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت.

وَقَالَ له مُحَمَّد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أباً وأوسطهم أخاً وأصغرهم عندك ولداً فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك.

ص: 726

وَقَالَ له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت.

وإني أقول لك إني أخاف عَلَيْكَ أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يشير عَلَيْكَ بمثل هذا؟

فبكى هارون بكاءً شديداً حتَّى غشي عليه فقلت له: أرفق بأمير المؤمنين. فَقَالَ: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابُكَ وأرفق به أنا ثم أفاق فَقَالَ له: زدني رحمك الله.

فَقَالَ: يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكا إليه: فكتب إليه عمر: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بِكَ من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء.

قَالَ: فلما قرأ الكتاب طوي البلاد حتَّى قدم على عمر بن عبد العزيز فَقَالَ له: ما أقدمك؟ قَالَ: خلعت قلبي بكتابِكَ لا أعود إلى ولاية أبداً حتَّى ألقى الله عز وجل.

قَالَ: فبكى هارون بكاءً شديداً ثم قَالَ له: زدني رحمك الله. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى ? جاء النبي ? فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أمِّرني على إمارة فَقَالَ له النبي ?: «إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميراً فافعل» .

فبكى هارون بكاءً شديداً وَقَالَ له: زدني رحمك الله فَقَالَ: يا حسن الوجه أنت الَّذِي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقى هذا الوجه من النار فافعل، وإياك

ص: 727

أن تصبح وتمسى وفي قلبِكَ غش لأحد من رعيتك فإن النبي ? قَالَ: «من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة» .

فبكي هارون وَقَالَ له: عَلَيْكَ دين؟ قَالَ: نعم دين لربي يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألهم حجتي قَالَ: إنما أعني دين العباد.

قَالَ: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره، فَقَالَ عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} .

فَقَالَ له: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادتك. فَقَالَ: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك.

ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قَالَ هارون: أبا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، وهذا سيد المسلمين.

فدخلت عليه امرأة من نسائه فَقَالَ: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به. فَقَالَ لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه.

فلما سمع هارون هذا الكلام قَالَ: ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجبيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت يا هذا قد أتعبت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرف. تأمل يا أخي هل يوجد في

ص: 728

زمننا من يرد حطام الدنيا إذ عرض عليه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَسَلَّمَ.

اللهُمَّ اختم بالأعمال الصالحات أعمارنا وحقق بفضلك آمالنا وسهل لبلوغ رضاك سبلنا وحسن في جميع الأحوال أعمالنا يا منقذ الغرقي ويا منجي الهلكى ويا دائم الإحسان أذقنا برد عفوك وأنلنا من كرمك وجودك ما تقر به عيوننا من رؤيتك في جنات النعيم وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ)

دخل سليمان بن عبد الملك المدينة فأقام بها ثلاثاً فَقَالَ: أما هاهنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله ? يحدثنا؟ فقِيلَ له ها هنا رجل يقال له أبو حازم.

فبعث إليه فجاء فَقَالَ سليمان: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ فَقَالَ له أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني؟ فَقَالَ له: أتاني وجوه المدنية كلهم ولم تأتني.

فَقَالَ: ما جرى بيني وبينك معرفة أتيك عليها، قَالَ: صدق الشيخ يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قَالَ: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب، قَالَ: صدقت.

يا أبا حازم فكيف القدوم على الله تعالى؟ قَالَ: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحاً مسروراً، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه خائفاً محزوناً.

فبكى سليمان وَقَالَ: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم فَقَالَ أبو حازم: إعراض نفسك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عند الله.

ص: 729

قَالَ: يا أبا حازم وأني أصيب تلك المعرفة من كتاب الله قَالَ عند قوله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} .

قَالَ: يا أبا حازم فأين رحمة الله، قَالَ: قريب من المحسين.

قَالَ: يا أبا حازم من أعقل الناس؟ قَالَ: من تعلم الحكمة وعلمها الناس.

قَالَ: فمن أحمق الناس؟ قَالَ: من حط نفسه في هوى رجل وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره.

قَالَ: فما أسمع الدعاء؟ قَالَ: دعاء المخبتين. قَالَ: فما أزكا الصدقة؟ قَالَ: جهد المقل.

قَالَ: يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه. قَالَ: أعفني من هذا. قَالَ سليمان: نصيحة تلقيها.

قَالَ أبو حازم: إن ناساً أخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة المسلمين ولا إجماع من رأيهم فسفكوا فيها الدماء على طلب الدنيا ثم ارتحلوا عنها فليت شعري ما قَالُوا وما قِيلَ لهم.

فَقَالَ بعض جلسائهم: بئس ما قلت يا شيخ.

فَقَالَ أبو حازم: كذبت إن الله أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.

قَالَ سليمان: يا أبا حازم اصحبنا تصب منا ونصب منك قَالَ: أعوذ بالله من ذلك. قَالَ: ولم. قَالَ: أخاف أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني ضعف الحياة وضعف الممات.

ص: 730

قَالَ: فأشر علي. قَالَ: اتق الله أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك.

قَالَ: يا أبا حازم ادع لنا بخير فَقَالَ: اللهُمَّ إن كان سليمان وليك فيسره للخير وإن كان غير ذلك فخذ إلى الخير بناصيته.

فَقَالَ: يا غلام هات مائة دينار ثم قَالَ: خذ هذا يا أبا حازم، قَالَ لا حاجة لي بها لي ولغيري في هذا المال أسوة فإن واسيت بيننا وإلا فلا حاجة لي فيها إني أخاف أن يكون لما سمعت من كلامي أي ثمن له.

فكأن سليمان أعجب بأبي حازم فَقَالَ الزهري: إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته قط.

فَقَالَ أبو حازم: إنك نسيت الله فنسيتني، قَالَ الزهري: أتشتمني؟

قَالَ سليمان: بل أنت شتمت نفسك أما علمت أن للجار على الجار حقاً.

قَالَ أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء.

فلما رأى قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء استغنت الأمراء عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وهلكوا.

ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم لكانت الأمراء تهابهم وتعظمهم. فَقَالَ الزهري: كأنك إياي تريد وبي تعرض، وَقَالَ: هو ما تسمع» .أ. هـ.

ص: 731

أحضر الرشيد رجلاً ليوليه القضاء فَقَالَ له: أني لا أحسن القضاء ولست بفقيه.

قَالَ الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة.

وفيك حلم يمنعك من العجلة ومن لم يعجل قل خطؤه. وأنت تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فنظم إليك من تتفقه عليه فولاه فما وجد فيه مطعناً» .

دخل يزيد الرقاشي على عمر بن عبد العزيز فَقَالَ له: عظني يا يزيد.

قَالَ: يا أمير المؤمنين ليس بينك وبين آدم إلا أب ميت فبكى عمر وَقَالَ: زدني يا يزيد قَالَ: يا أمير المؤمنين ليس بين الجنة والنار منزلة فسقط عمر مغشياً عليه رحمه الله» .

وَقَالَ الرشيد لابن السماك: عظني وكان في يد الرشيد شربة من ماء فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أرأيت لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فلو حبس عنك خروجها أكنت تفديها بملكك؟ قَالَ: نعم.

قَالَ: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء ولا بولة فبكى الرشيد.

وَقَالَ علي رضي الله عنه لأسقف قد أسلم: عظني فَقَالَ: يا أمير المؤمنين

قَالَ: إن كان الله معك فمن تخاف. قَالَ: أحسنت زدني

ص: 732

قَالَ: هب إن الله غفر ذنوب المسيئين أليس قد فاتهم ثواب المحسنين. قَالَ: حسبي حسبي.

وَقَالَ سليمان بن عبد الملك لحميد الطويل: عظني. قَالَ: يا أمير المؤمنين إن كنت إذا عصيت الله تعالى ظننت أنه يراك فقد اجترأت على رب عظيم وإن كنت تظن أنه لا يراك فقد كفرت برب كريم. والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ)

عن أبي هريرة عن النبي ? أنه قَالَ: «كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في سبيل الله وعين يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله» يعني دمعة مثل رأس الذباب.

قَالَ ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قَالَ لامرأته (أكرمي مثواه) ، والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} ، وأَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقِ حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

قَالَ شقيق البلخي لحاتم الأصم: قد صحبتني مدة فماذا تعلمت مني؟ قَالَ: ثمان مسائل.

الأولى: نظرت إلى الخلق فإذا كان لشخص محبوب، عندما يصل إلى القبر يفارقه، فجعلت محبوبي حسناتي لتكون معي في القبر.

والثانية: نظرت إلى قول الله تعالى {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} فاجتهدت في دفع الهوى حتَّى استقرت على طاعة الله تعالى.

ص: 733

وأما الثالثة: فإني رأيت كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه، فنظرت في قوله تعالى:{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} فكلما وقع معي شيء له قيمة وجهته إليه ليبقى عنده.

وأما الرابعة: فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف، فنظرت إلى قول الله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} فعملت بالتقوى لأكون عنده كريماً.

وأما الخامسة: فإني رأيت الناس يتحاسدون فنظرت في قول الله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} فتركت الحسد.

وأما السادسة: فإني رأيتهم يتعادون فنظرت في قول الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان عدواً.

والسابعة: رأيتهم يذلون أنفسهم في طلب الرزق فنظرت في قول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} فاشتغلت بما له علي وتركت ما لي عنده.

وأما الثامنة: فإني رأيتهم متوكلين على تجارتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم فتوكلت على الله تعالى.

[فائدة]

اعلم أن ذكر الله تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة فالإجلال، وتارة يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن، وتارة لنعمته فيتولد منه الحمد والشكر ولذلك قِيلَ ذكر النعمة شكرها وتارة لأفعاله الباهرة فيتولد منه العِبَر، فحق على المؤمن أن لا ينفك أبداً من ذكره على أحد هذه الأوجه.

سأل بعضهم وكيعاً عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على هارون الرشيد فَقَالَ: كان أول من دعا به أنا.

ص: 734

فَقَالَ لي هارون: يا وكيع إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً وسموك لي فيمن سموا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي.

فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة. فَقَالَ هارون: اللهُمَّ غفراً خذ عهدك أيها الرجل وامض.

فقلت: يا أمير المؤمنين والله لئن كنت صادقاً إنه لينبغي أن لا يقبل مني ولئن كاذباً فما ينبغي أن تولي القضاء كذاباً فَقَالَ: أخرج فخرجت.

ودخل ابن إدريس فسمعنا وقع ركبتيه على الأرض حين برك وما سمعناه يسلم إلا سلاماً خفياً.

فَقَالَ له هارون: أتدري لما دعوتك؟ قَالَ لا. قَالَ: إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً وإنهم سموك لي فيمن سموا.

وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة فخذ عهدك وامض.

فَقَالَ له ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك فخرج. ثم دخل حفص فقبل عهده فأتى خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف.

فَقَالَ إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مؤنة فاستعينوا بهذه في سفركم.

قَالَ وكيع فقلت: أقرئ أمير المؤمنين السلام وقل له قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين وأنا مستغن عنها.

وأما ابن إدريس فصاح به مُرَّ من هاهنا أي ردها وقبلها حفص.

وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا عافانا الله وإياك

ص: 735

سألناك لآن تدخل في أعمالنا فلم تفعل ووصلناك من أموالنا فلم تقبل.

فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله.

فَقَالَ للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء الله» .

قام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهدي، فَقَالَ: إنه لما سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول إليك، قمنا مقام الأداء عنهم، وعن رَسُولِ اللهِ ?.

بإظهار ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنهي، عند انقطاع عذر الكتمان، ولا سيما حين اتسمت بميسم التواضع ووعدت الله وحملة كتابه بإيثار الحق على ما سواه

فجمعنا وإياك مشهد من مشاهد التمحيص، ليتم مؤدينا على موعود الأداء وقابلنا على موعود القبول، أو يزيدنا تمحيص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية ويحلينا حلية الكذابين.

وقد كان أصحاب رَسُولِ اللهِ ? يقولون من حجب الله عنه العلم عذبه الله على الجهل وأشد منه من أقبل عليه العلم وأدبر عنه، ومن أهدى الله إليه علماً فلم يعمل به، فقد رغب عن هدية الله وقصر بها.

فاقبل ما أهدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل، لا قبول سمعة ورياء، فإنه لا يعدمك منا إعلام لما تجهل أو مواطئة على ما تعمل أو تذكير من غفلة.

فقد وطن الله عز وجل نبيه ? على نزولها تعزيةً عما فات وتمحيصاً من التمادي ودلالة من المخرج فَقَالَ جل وعلا: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} .

اللهُمَّ اجعلنا بتذكيرك منتفعين ولكتابِكَ ورسولك متبعين وعلى طاعتك

ص: 736

مجتمعين وتوفنا ربنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(نظم الكبائر لابن عبد القوي)

وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ الذُّنُوبَ جَمِيعَهَا

بِكُبْرَى وَصُغْرَى قُسِّمَتْ في الْمُجَوَّدِ

فَمَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنَا أَوْ تَوَعُّدُ

بِأُخْرَى فَسِمْ كُبْرَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ

وَزَادَ حَفِيدُ الْمَجْدِ أَوْ جَا وَعِيدُهُ

بِنَفْيٍ لإِيمَانٍ وَلَعْنٍ لِمُبْعَدِ

كَشِرْكٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ إِلا بِحَقِّهَا

وَأَكْلِ الرِّبَا وَالسِّحْرِ مَعْ قَذْفِ نُهَّدِ

وَأَكْلُكَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى بِبَاطِلٍ

تَوَلِيكَ يَوْمَ الزَّحْفِ فِي حَرْبِ جُحَّدِ

كَذَاكَ الزِّنَا ثُمَّ اللَّوَاطُ وَشُرْبُهُمْ

خُمُورًا وَقَطْعٌ لِلطَّرِيقِ الْمُمَهَّدِ

وَسِرْقَةُ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَكْلُ مَالِهِ

بِبَاطِلِ صُنْع الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْيَدِ

شَهَادَةُ زُورٍ ثُمَّ عَقٌّ لِوَالِدٍ

وَغَيْبَةُ مُغْتَابٍ نَمِيمَةُ مُفْسِدِ

يَمِينٌ غُمُوسٌ تَارِكٌ لِصَلاتِهِ

مُصَلٍّ بِلا طُهْرٍ لَهُ بِتَعَمُّدِ

مُصَلٍّ بِغَيْرِ الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِ قِبْلَةٍ

ص: 737

.. مُصَلِّ بِلا قُرْآنِهِ الْمُتَأَكِّدِ

قُنُوطُ الْفَتَى مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ثُمَّ قُلْ

إِسَاءَةً ظَنِّ بِالإِلَهِ الْمُوَحَّدِ

وَأَمْنٌ لِمَكْرِ اللهِ ثُمَّ قَطِيعَةٌ

لِذِي رَحِمٍ وَالْكِبْرُ وَالْخُيَلا اعْدُدِ

كَذَا كَذِبٌ إِنْ كَانَ يَرْمِي بِفِتْنَةٍ

أَوْ الْمُفْتَرِي يَوْمًا عَلَى الْمُصْطَفَى أَحْمَدِ

قِيَادَةُ دَيُّوثٍ نِكَاحٌ مُحَلِّلٍ

وَهِجْرَةُ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَمُوَحِّدِ

وَتَرْكُ لِحَجٍ مُسْتَطِيعًا وَمَنْعُهُ

زَكَاةً وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُتَقَلِّدِ

بِحَقِّ لِخَلْقِ وَارْتِشَاهُ وَفِطْرُهُ

بِلا عُذْرِهِ فِي صَوْمِ شَهْرِ التَّعَبُّدِ

وَقَوْلٌ بِلا عِلْمٍ عَلَى اللهِ رَبِّنَا

وَسَبٌّ لأَصْحَابِ النَّبِي مُحَمَّدِ

مُصِرٌّ عَلَى الْعِصْيَانِ تَرْكُ تَنَزُّهٍ

مِنَ الْبُولِ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الْمُسَدَّدِ

وَإِتْيَانُ مَنْ حَاضَتْ بِفَرْجٍ وَنَشْزُهَا

عَلَى زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مُهَمَّدِ

وَإِلْحَاقُهَا بِالزَّوْجِ مَنْ حَمَلَتْهُ مِنْ

سِوَاهُ وَكِتْمَانُ الْعُلُومِ لِمُجْتَدِ

ص: 738

.. وَتَصْوِيرُ ذِي رُوحٍ وَإِتْيَانُ كَاهِنٍ

وَإِتْيَانُ عَرَّافٍ وَتَصْدِيقُهُمْ زِدِ

سُجُودٌ لِغَيْرِ اللهِ دَعْوَةٌ مَنْ دَعَا

إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ لِلضَّلالَةِ مَا هُدِي

غُلُولٌ وَنَوْحٌ وَالتَّطيُّرُ بَعْدَهُ

وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ فِي لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ

وَجَوْرٌ لِمُوصٍ فِي الْوَصَايَا وَمَنْعُهُ

لِمِيرَاثِ وُرَّاثٍ إِبَاقٍ لأَعْبُدِ

وَإِتْيَانِهَا فِي الدُّبُر بَيْعٌ لِحُرَّةٍ

وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الْبَيْتَ قِبْلَةَ مَسْجِدِ

وَمِنْهَا اكْتِسَابُ لِلرِّبَا وَشَهَادَةُ

عَلَيْهِ وَذُو الْوَجْهَيْنِ قَلَّ لِلتَّوَعُّدِ

وَمَنْ يَدَّعِي أَصْلاً وَلَيْسَ بِأَصْلِهِ

يَقُولُ أَنَا ابنُ الْفَاضِلِ الْمُتَمَجِّدِ

فَيَرْغَبُ عَنْ آبَائِهِ وَجُدُودِهِ

وَلاسِيَّمَا أَنْ يَنْتَسِبْ لِمُحَمَّدِ

وَغِشُّ إِمَامٍ لِلرَّعِيَّةِ بَعْدَهُ

وُقُوعٌ عَلَى الْعَجْمَا الْبَهِيمَةِ يُفْسِدِ

وَتَرْكٌ لِتَجْمِيعٍ إِسَاءَةً مَالِكٍ

إِلَى الْقَنِّ ذَا طَبْعٍ لَهُ فِي الْمُعَبَّدِ

(موعظة) إخواني إنكم في دار هي محل العبر والآفات وأنتم على سفر والطريق

ص: 739

كثيرة المخافات، فتزودوا من دنياكم قبل الممات، وتدار هفواتكم قبل الفوات، وحاسبوا أنفسكم وراقبوا الله في الخلوات، وتفكروا فيما أراكم من الآيات، وبادروا بالأعمال الصالحات، واستكثروا في أعماركم القصيرة من الحسنات، قبل أن ينادي بكم مناد الشتات، قبل أن يفاجئكم هادم اللذات، قبل أن يتصاعد منكم الأنين والزفرات قبل أن تنقطع قلوبكم عند فراقكم حسرات قبل أن يغشاكم من غم الموت الغمرات، قبل أن تزعجوا من هذه الحياة قبل أن تتمنوا رجوعكم إلى الدنيا وهيهات.

شِعْرًا:

مَا دَارُ دُنْيًا لِلْمُقِيمِ بِدَارِ

وَبِهَا النُّفُوسُ فَرِيسَةُ الأَقْدَارِ

مَا بَيْنَ لَيْلٍ عَاكِفٍ وَنَهَارِهِ

نَفْسَانِ مُرْتَشِفَانِ لِلأَعْمَارِ

طُولُ الْحَيَاةِ إِذَا مَضَى كَقَصِيرِهَا

وَالْيُسْرُ لِلإِنْسَانِ كَالإِعْسَارِ

وَالْعَيْشُ يَعْقِبُ بِالْمَرَارَةِ حُلْوَهُ

وَالصَّفْوُ فِيهِ مُخَلَّفُ الأَكْدَارِ

وَكَأَنَّمَا تَقْضِي بُنِيَّاتُ الرَّدَى

لِفَنَائِنَا وَطَرًا مِنْ الأَوْطَارِ

وَالْمَرْءُ كَالطَّيْفِ الْمُطِيفِ وَعُمْرُهُ

كَالنُّومِ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالأَسْحَارِ

خَطْبٌ تَضَاءَلَتَ الْخُطُوبُ لِهَوْلِهِ

أَخْطَارُهُ تَعْلُو عَلَى الأَخْطَارِ

نُلْقِي الصَّوَارِمَ وَالرِّمَاحَ لِهَوْلِهِ

وَنَلَوْذُ مِنْ حَرْبٍ إِلَى اسْتِشْعَارِ

إِنَّ الَّذِينَ بَنُو مَشِيدًا وَانْثَنَوْا

يَسْعَوْنَ سَعْيَ الْفَاتِكِ الْجَبَّارِ

سُلُبوا النَّضَارَةَ وَالنَّعِيمَ فَأَصْبَحُوا

مُتَوَسِّدِينَ وَسَائِدَ الأَحْجَارِ

تَرَكُوا دِيَارَهُمُ عَلَى أَعْدَاهِم

وَتَوَسَّدُوا مَدَرًا بِغَيْرِ دِثَارِ

خَلَطَ الْحِمَامُ قَويَّهُمْ بِضَعِيفِهِمْ

وَغَنِيَّهمُ سَاوَى بِذِي الإِقْتَارِ

وَالْخَوْفُ يُعْجِلُنَا عَلَى آثَارِهِمْ

لا بُدَّ مِنْ صُبْحٍ الْمُجِدِّ السَّارِي

وَتَعَاقُبُ الْمَلَوَيْن فِينَا نَاثِرٌ

بَأَكَرِّ مَا نَظَمَا مِنْ الأَعْمَارِ

ثم اعلم يا أخي أن الدنيا لا تذم لذاتها وكيف يذم ما منَّ الله به على عباده وما هو ضرورة في بقاء الآدمي وسبب في إعانته على تحصيل العلم والعبادة من مطعم ومشرب

ص: 740

وملبس ومسجد يصلي فيه وإنما المذموم أخذ الشيء من غير حِلِّهِ أو تناوله على وجه السرف لا على مقدار الحاجة ويصرف النفس فيه بمقتضى رعوناتها لا بإذن الشرع فالعاقل يجعلها مطية للآخرة فينفقها في سبيل الله في المشاريع الدينية من طباعة مصاحف وكتب دينية وعمارة مساجد وبذل للفقراء الَّذِينَ لا موارد لهم ونفقات على طلبة العلم الشرعي.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يسب الدنيا فَقَالَ له: إنها لدار صدق لمن صدقها، ودار عافيه لمن فهم عنها، ودار غني لمن تزود منها.

مسجد أحباب الله، ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه. اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذم الدنيا وقد آذنت بفراقها، ونادت بعيبها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت ببلائها وشوقت بسرورها إلى أهل السرور.

فذمها قوم الندامة ومدحها آخرون، وحدثتهم فصدقوا وذكرتهم فذكروا.

فيا أيها المعتز بالدنيا المغتر بغرورها، متى استلأمت إليك الدنيا، بل متى غرتك أبمضاجع آبائك تحت الثرى، أم بمصارع أمهاتك من البلى. كم قلبت بكفيك ومرضت بيدك تطلب له الشفاء وتسأل له الأطباء فلم تظفر بحاجتك ولم تسعف بطلبتك قد مثلت لك الدنيا بمصرعه مصرعك غداً ولا يغني عنك بكاءك ولا ينفعك أحبابك.

وَقَالَ ابن رجب رحمه الله على كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فبين أمير المؤمنين رضي الله عنه أن الدنيا لا تذم مطلقاً وأنها تحمد بالنسبة إلى من تزود منها الأعمال الصالحة وأن فيها مساجد ومهبط الوحي.

وهي دار التجارة للمؤمنين اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا بها الجنة فهي نعم الدار لمن كانت هذه صفته.

وأما ما ذكر من أنه تغر وتخدع فإنها تنادي بمواعظها وتنصح بعبرها وتبدي عيوبها بما ترى من أهلها من مصارع الهلكى.

وتقلب الأحوال من الصحة إلى السقم ومن الشبيبة إلى الهرم ومن الغنى إلى الفقر ومن العز إلى الذل ولكن محبها قد أعماه وأصمه حبها. انتهى أهـ.

ص: 741

موعظة

عباد الله لا شيء أغلى عليكم من أعماركم وأنتم تضيعونها فيما لا فائدة فيه. ولا عدو أعدى لكم من إبليس وأنتم تطيعونه، ولا أضر عليكم من موافقة النفس الأمارة بالسوء، وأنتم تصادقونها لقد مضى من أعماركم الأطايب، فما بقي بعد شيب الذوائب.

يا حاضر الجسم والقلب غائب، اجتماع العيب مع الشيب من أعظم المصائب، يمضي زمن الصبا في لعب وسهو وغفلة، يا لها من مصائب، كفى زاجراً واعظاً تشيب منه الذوائب، يا غافلاً فاته الأرباح وأفضل المناقب، أين البكاء والحزن والقلق لخوف العظيم الطالب أين الزمان الَّذِي فرطت فيه ولم تخش العواقب، أين البكاء دماً على أوقات قتلت عند التلفزيون والمذياع والكرة والسينما والفيديو والخمر والدخان والملاعب.

كم في يوم الحسرة والندامة من دمع ساكب على ذنوب قد حواها كتاب الكاتب، من لك يوم ينكشف عنك غطاؤك في موقف المحاسب، إذا قِيلَ لك ما صنعت في كل واجب، كيف ترجو النجاة وأنت تلهو بأسر الملاعب، لقد ضيعتك الأماني بالظن الكاذب، أما علمت أن الموت صعب شديد المشارب، يلقي شره بكأس صدور من النوائب فقد بنيت كنسج العنكبوت بيتاً أين الَّذِينَ علوا فوق السفن والمراكب أين الَّذِينَ علو على متون النجائب، هجمت عليهم المنايا فأصبحوا تحت النصائب وأنت في أثرهم عن قريب عاطب، فانظر وتفكر واعتبر وتدبر قبل هجوم من لا يمنع عنه حرس ولا باب ولا يفوته هربُ هارب.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

ص: 742

موعظة

إخواني إن في مواعظ الأيام والليالي لعبرة لذوي البصائر ركائب أموات تزعج عن مقصورات القصور ثم تحمل إلى مضائق القبور، فكم قد شاهدتم من شخصيات في الأرض، قد وضعت، وكم قد عانيتم من أبدان ناعمة في الأكفان قد لفت وإلى مضيق الإلحاد قد زفت فيا لها من غاية يستبق إليها العباد ويا له من مضمار يتناوبه جواد بعد جواد ويا له من هول شديد يعقبه أهوال شداد فتنة قبور وحشر في موقف مهيل موقف فيه تنقطع الأنساب وتخضع فيه الرقاب وتنسكب فيه العبرات وتتصاعد فيه الزفرات ذلك موقف تنشر فيه الدواوين، وتنصب فيه الموازين، ويمد فيه الصراط، وحينئذ يقع الامتياز فناج مسلم ومكردس في النار.

شِعْرًا:

مَا لِي أَرَاكَ عَلَى الذُّنُوبِ مُوَاظِبًا

أَأَخَذْتَ مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ أَمَانَا

لا تَغْفَلَنَّ كَأَنَّ يَوْمَكَ قَدْ أَتَى

وَلَعَلَّ عُمْرَكَ قَدْ دَنَا أَوْ حَانَا

وَمَضَى الحَبِيبُ لِحَفْرِ قَبْرِكَ مُسْرِعًا

وَأَتَى الصَّدِيقُ فَأَنْذَرَ الْجِيرَانَا

وَأَتوا بِغَسَّال وَجَاءُوا نَحْوَهُ

وَبَدَا بِغُسْلِكَ مَيِّتًا عُرْيَانَا

فَغُسِّلْتَ ثُمَّ كُسِيتَ ثَوْبًا لِلْبَلَى

وَدَعَوا لِحَمْلِ سَرِيرَكَ الإِخْوَانَا

وَأَتَاكَ أَهْلُكَ لِلْوَدَاعِ فَوَدَّعُوا

وَجَرَتْ عَلَيْكَ دُمُوعهُمْ غُدْرَانَا

فَخَفِ الإِلَهِ فَإِنَّهُ مِنْ خَافَه

سَكَنَ الْجِنَانَ مُجَاوِرًا رِضْوَانَا

جَنَّاتِ عَدْنٍ لا يَبْدُ نَعِيمُهَا

أَبَدًا يُخَالَطُ رُوحَهُ رَيْحَانَا

وَلِمَنْ عَصَى نَارًا يُقَالُ لَهَا لَظَى

تَشْوِي الْوُجُوهُ وَتَحْرِقُ الأَبْدَانَا

نَبْكِي وَحَقّ لَنَا الْبُكَى يَا قَوْمَنَا

كَيْ لا يُؤَاخِذُنَا بِمَا قَدْ كَانَا

موعظة

عباد الله مضى رجال من هذه الأمة كانوا يخشون ربهم خشية العارفين

ص: 743

الموقنين لذلك كانت أقوالهم وأفعالهم موزونة بما للشرع من موازين كانوا يزنون كلامهم قبل أن يلفظوا به لأنهم يوقنون أن خالقهم سمعها وشهد عليها وهو تعالى خير شاهد.

كانوا إذا أظلم الليل يقفون في محاريبهم باكين متضرعين لهم أنين كأنين المرضى ولهم حنين كحنين الثكلى وكانوا ربما مروا بالآية من كتاب الله فجعلوا يرددونها بقلب حزين فأثرت عليهم ومرضوا بعدها مات أولئك السلف الصالح الَّذِينَ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً.

وماتت تلك الخشية وأعقبها قسوة أذهلت العباد عن طاعة الله فصاروا يأتون ويذرون دون سؤال عن سخط الله ورضاه.

وغدت جوارحهم مطلقة في كل ما يغضب الله وصارت أفعالهم فوضى ليس لها ضوابط ولا قيود العين تجول في المناظر المحرمة من نساء سافرات إلى سينما إلى تلفزيون إلى الفيديو معلم الفساد إلى كوره إلى مجلات في طيها الشرور إلى صورة مجسدة وغير مجسدة إلى كتب هدامة للأخلاق إلى غير ذلك من المحرمات التي تجرح القلوب.

والفرج يسرح كما شاء إلى الفواحش الدين ضعيف والخلق فاسد والأذن لا تشبع من سماع ما يسخط ربها والبطن يستزيد من سحت الأقوات.

وأما اليد فحدث ولا حرج في تعدي الحدود وأما اللسان فليله ونهاره يتحرك ويتقلب في منكر القول وزوره ولا كأن ربه السميع البصير العليم موجود وتراه يطعن في أعراض الغوافل ويمزق جلودهم في السب والغيبة والبهت والكذب ولا ولا يعف عن عرض أي بشر.

ويحلف بالله العلي العظيم كل يوم مرات ولا يهمه أبر في يمينه أم فجر وأما وعوده وعهوده وعقوده فتهمل ولا كأنه مكلف باحترامها فهذا وأمثاله قد

ص: 744

انهمكوا في المعاصي وتوغلوا فيها فصارت عندهم عادات وشيء طَبَعِي مألوف لهم.

ولذلك إذا مررت بهم أو مررت حول بيوتهم استوحشت من سماع الأغاني والرقص والمطربين والسبب واللعن والقذف والاستهزاء بالدين وأخذت في العجب بين هؤلاء وأولئك الَّذِينَ في أوقات الجليات في حنادس الظلم يناجون ربهم راغبين في رضوان العزيز الجبار خائفين من سخط المنتقم القهار متفكرين في سرعة حلول المنايا التي تسارع الأيام والليالي في اقترابها وموقنين بأنهم محاسبون على الفتيل والنقير والقطمير عالمين بأنهم مكلفون بواجبات عبودية ما قاموا بالقليل منها وهم عنها مسؤلون وعلى ما قدموه من خير وشر قادمون.

وهل حال هؤلاء السعداء في جانب أولئك التعساء الأشقياء الإكحال المصاب بالجنود في جانب أوفر الناس عقلاً وأكملهم وقاراً فأكثر يا أخي من قولك الحمد لله الَّذِي عافانا مِمَّا ابتلاهم الله يعافيهم ولا يبلانا قَالَ تعالى {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .

وَكُل كَسْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَجْبُرُهُ

وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ

فتنبه أيها المؤمن واعلم أنك مسؤل عن كل ما تعمل لا مهمل كالأنعام فانهج الاستقامة وراقب ربَّكَ في مصادرك ومواردك لتقف عند الحدود قَالَ بعض المرشدين إلى معالم الرشد ضارباً لذلك مثلاً.

واعلم أن الإنسان في تقلبه في أطوار حياته كمثل غريب ألقت به المقادير إلى قوم استقبلوه بترحاب وتكريم وكان ذلك النازل فاقد القوى غير عالم بما عليه القوم من الشؤن ولا يدري من أين أتي ولا إلى أين يذهب.

ص: 745

فَقَامَ القوم بواجبات خدمته وإكرامه حتَّى قويت حواسه وجوارحه ومداركه وأخذ يعمل كما يعمل القوم فجاء رجل من عقلائهم قائلاً يا هذا إن هذه الدار توطنها مكرموك ما هي دار إقامة ولا هي مملوكة لأحد من الخلق ولكنهم أمثالك نزلاء من كانوا يعمرون هذه الدار قبلهم ثم رحلوا وتركوها وما كان رحيلهم إلى مكان بعيد ولكنه كان إلى سجن ضيق ومكان مظلم لو أرسلت ببصرك لرأيته وقد فقدوا تلك القوى وتناسوا ذلك النعيم.

ثم أخذ بيدِهِ إلى مكان قفر وأعني المقبرة وَقَالَ له هذا مراح القوم ومسقط رؤسهم وإن الطريق التي توصلك إلى هؤلاء القوم هي الطريق التي سلكها مكرموك وإنها لطريق ذات عقبات مهلكة ولها أوحال من تورطها هلك ولا مخلص من تلك الأوحال إلا بتجنب تلك العقبات أو تجاوزها عدواً.

فإن رمت السلامة فسر فريداً متحفظاً من تخاصم القوم وتنازعهم ومن ملاهيهم وألعابهم ولا تصغ لمن يناديك من خلفك فإن الَّذِي يناديك من خلفك في طريق النجاة هو أجهل منك بها ولا تخالف من ناداك من الأمام فإنهم أدرى منك بمفاوز الطريق.

وإياك أن تشتبه عَلَيْكَ الطريق وأصوات المنادين فإن طريق السلامة لها أعلام ومصابيح نيرة على رأس كل مرحلة من مراحلها وأما باقي الطريق فإنها مظلمة موحشة مهلكة وما هي إلا طريق واحدة ولكنها ذات شعب ومسارب كثيرة.

فاحذر إن تتهاون بنفسك كما تهاون القوم بنفوسهم فهلكوا وهم لا يشعرون فإن كان النازل الغريب على استعداد لتعقل النصائح وذا قابلية تقبل

ص: 746

الإرشاد وقف على أفواه الطريق وفتح عينيه واستعمل فكره وتبصر في أمره وتدبر عواقب ما عليه القوم وأخذ لنفسه بأحوط الأحوال وأقربها إلى السلامة وجعل عينه متجهة للنظر إلى منازل الراحلين التي لا أنيس بها ولا جليس.

وتأمل سرعة الرحيل وقصر أوقات الإقامة وتجنب الألعاب والملاهي وسلك سبيل المهتدين وإن كان ضيق الحضيرة قاصر النظر ضعيف الهمة ضائع العقل سيئ التصور فاقد الفكر خبيث الاستعداد لئيم الطبع لا يجد بداً من منازعة اللاعبين ومسابقة اللاهين وتغافل عن عاقبة أمره وسوء مصيره وتباعد عن صياح الناصحين وأصغى إلى مداهنة الغاوين أصبح من النادمين.

وما ضربنا لك هذا المثل إلا لتعلم أنك أنت الغريب الَّذِي نزلت يوم ولدتك أمك بقومك وأنت ضعيف القوى لا تعلم شيئاً كما قَالَ تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ففرح بِكَ قومك وأكرموك إلى أن قويت الآت أعمالك وصرت تحسن الرحيل وحدك.

ونريد بالرحيل هنا سلوك إحدى الطريقين إما طريق الكمالات وأما طريق النقائص لأنهما مسارب المكلفين الَّذِينَ لابد لهم من السير فيها للوصول إلى أحد الغايتين فإنه ما من طريق إلا ولها غاية ينتهي إليها مسير سالكها.

وما نريد بالرجل العاقل المرشد إلا صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام أو النائب عنه في تبليغها وما نريد بناديك من الأمام إلا السلف

ص: 747

الصالح الَّذِينَ سبقونا بالإيمان وبينوا لنا طريق النجاة أو الأتقياء المقتفون لآثارهم الَّذِينَ ثبتت استقامتهم.

وما نريد بالَّذِينَ ينادونك من خلفك إلا الَّذِينَ لا قدم لهم في طريق النبوة فلم يسلكوا سبيل المهتدين بل اعتمدوا في إرشادهم على مقال لا حال معه ولا عمل وهذا لا تصلح متابعته لأنهم أجهل الناس بطريق الاستقامة.

وما أهل الاستقامة إلا الَّذِينَ راقبوا قلوبهم وأمسكوا ألسنتهم وطهروا أقلامهم فلا عزم لهم إلا على أعمال البر والمواساة ولا يقولون إلا الحق المنجي ولا يكتبون إلا ما لو سئلوا عنه يوم القيامة لأحسنوا الإجابة والَّذِينَ يذكرون الله كثيراً وإذا ذكر الله وجلت قلوبهم والبكاؤون من خشية الله المقتفون لآثاره ? المخلصون لله في جميع أعمالهم.

شِعْرً:

لَعُمْرِي إِنَّ الْمَجْدَ وَالْفَخْرَ وَالْعُلا

وَنَيْلَ الأَمَانِي وَاكْتِسَابَ الْفَضَائِلِ

لِمَنْ يُخْلِصُ الأَعْمَالَ للهِ وَحْدَهُ

وَيَدْعُو إِلَيْهِ بِالضُّحَى وَالأَصَائِلِ

اللهُمَّ اجعلنا من عبادك المحبتين، والغر المحجلين الوفد المتقبلين.

اللهُمَّ إنا نسألك حياة طيبة، ونفساً تقية، وعيشة نقية، وميتة سوية، ومرداً غيرَ مخزٍ ولا فاضح.

اللهُمَّ اجعلنا من أهل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك يا رب العالمين.

اللهُمَّ افتح لدعائنا باب القبول والإجابة وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

موعظة

عباد الله يجب عليكم أن تعلموا أنكم ما دمتم في هذه الدار فأنتم في دار

ص: 748

المعاملات، وأن لكم دار أخرى أبدية، فيها تستوفون ما لكم على هذه المعاملات من جزاءات، فإن أحسنتم هنا أو أسأتم، كان جزاؤكم هناك إحساناً أو إساءات، هكذا وعدكم ربكم، وهو عليم بكل الأعمال، وعلى جزائكم عليها قدير، قَالَ الله تعالى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} وَقَالَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} وَقَالَ: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} من هذا قطعاً تعلم أن شأن هذه المعاملات عظيم، عظماً لا يعرف قدره إلا الرجل العاقل، البعيد النظر الحكيم، فإن عليها يترتب غضب الله، وعقابه أو رضاه، والنعيم المقيم، وشيء هذا قدره لا يتوقف ولا يتردد في بذل العناية به رجل بصير، وهذه المعاملات تارة تكون بينكم وبين الله، وتارة تكون مع عباد الله، فأما المعاملة مع الله جل وعلا فبأن تسمع وتطيع فيما أمر ونهى، وأما معاملتك مع عباد الله المؤمنين، فبأن تحب لهم ما تحب لنفسك، وذلك بأن تجعل نفسك ميزاناً في معاملة كبيرهم وصغيرهم، أنت تكره إساءتهم لك وتحب إحسانهم، فاحذر إساءتهم، وعاملهم بالإحسان، وكما تكره أن يمسوا ما بسوء، فلتكن أموالهم منك في أمان، وكما تكره أن يتعرضوا لأولادك وأهلك وشخصك بشر فكن لهم خير حفيظ ونصر، وكما تحب أن يريحوك إذا جاوروك فأرحهم عند مجاورتك لهم، وكما تحب أن ينصحوك ويصدقوك في وعودهم وعقودهم وأخبارهم، فاسبقهم أنت إلى ذلك، وكما تحب أن يفرحوا لفرحك، ويحزنوا لحزنك، فكن أنت كذلك معهم، وكما تحب أن لا يتكلموا فيك إلا بخير، فلا تكن أنت معهم بضد ذلك، وقس على ذلك ما يتعلق بالموضوع وأما معاملتك مع نفسك فهي أن تعودها دائماً على الخير بلا ضجر.

ص: 749

شِعْرًا:

يَا أَيُّهَا الَّذِي قَدْ غَرَّهُ الأَمَلُ

وَدُونَ مَا يَا مَل التَّنْغِيصُ وَالأَجَلُ

أَلا تَرَى إِنَّمَا الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا

كَمَنْزِلِ الرَّكْبِ حَلَّّّّّّوْا ثُمَتَ ارْتَحَلُوا

حُتُوفُهَا رَصْدٌ وَعَيْشُهَا نَكَدُ

وَصَفْوُهَا كَدَرٌ وَمُلْكُهَا دُوَلُ

تَظَلُّ تُفْزِعُ بِالرُّوعَاتِ سَاكِنَهَا

فَمَا يَلَذُ لَهُ عَيْشٌ وَلا جَذَلُ

كَأَنَّهُ لِلْمَنَايَا وَالرَّدَى غَرَضٌ

تَظَلُّ فِيهِ سِهَام الْوَقْتِ تَنْتَظِلُ

وَالنَّفْسُ هَارِبَةٌ وَالْمَوْتُ يَتَبَعُهَا

وَكُل عَثْرَةِ رِجْلٍ عِنْدَهَا جَلَلُ

وَالْمَرْءُ يَسْعَى بِمَا يَسْعَى لِوَارِثِهِ

وَالْقَبْرُ وَارِثُ مَا يَسْعَى لَهُ الرَّجُلُ

اللهُمَّ إِنَّكَ تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمع كلامنا وترى مكاننا لا يخفى عَلَيْكَ شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء إليك المستغيثون المستجيرون بِكَ نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات ويقيم علم الجهاد ويقمع أهل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تَغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

[نختم هذا الكتاب بنبذة من زهده ?]

كان رسول الله ? أزهد الناس، ويكفيك في تعريف ذلك أن فقره ? كان فقراً اختيارياً لا فقراً اضطرارياً.

لأنه ? فُتِحَتْ عليه الفتوحُ وجُلِبَتْ إليه الأموالُ، ومات ودِرْعُهُ مَرهونةٌ عند يهودي في نفقة عياله، وهو يدعو: اللهُمَّ اجعل رزق آل مُحَمَّد قوتاً.

وقالت عائشة رضي الله عنها: ما شبعَ رسول الله ? ثلاثة أيام تِباعاً مِن خُبز حتَّى مَضى لِسَبِيلِه، ولو شاء لأعطاهُ الله ما لا يخطر ببالٍ.

ص: 750

وعنها قالت: ما ترك رسول الله ? دِيناراً ولا شاة ولا درهماً ولا بعيراً ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذُو كبدٍ إلا شطر شعير في رَفٍّ لي.

وَقَالَ لي: إني عَرَضَ عَليَّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلتُ: لا يا رب أجُوعُ يوماً وأشبعُ يوماً، فأما اليومُ الَّذِي أجُوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الَّذِي أشبعُ فيه فأحْمِدُكَ وأثْنِي عَلَيْكَ.

وعنها قالت: إنْ كُنَّا آلُ مُحَمَّد لنمْكُثُ شهراً ما نَسْتَوقِدُ ناراً، إن هو إلا التمرُ والماء.

وعنها قالت: لم يمتل جَوفُ النبي ? شِبَعاً قط، ولم يَبُث إلى أحدٍ شكوى.

وكانت الفاقة أحَبَّ إليه من الغِنَى، وإنْ كان لَيَظَلُ جائعاً يَلْتَوِي طُولَ لَيلته مِن الجوع، فلا يَمْنَعُه مِن صِيام يوم ولو شاء لَسَألَ ربه جَميعَ كُنُوزِ الأرضِ وثِمارِهَا ورغد عيشها.

ولقد كنتُ أبكي له رحمة مِمَّا أرى به وأمسح بيدي على بطنه مِمَّا به من الجوع، وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك.

فيقول: «يا عائشة ما لي وللدنيا إخواني أولو العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم وأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم.

وأجدني استحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصرني غداً دونهم.

وما من شيء أحب إلي من اللحوق بإخواني وأخلائي» . قالت: فما أقام بعد إلا شهراً ثم توفى ?.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رفع رسول الله ? قط غداء لعشاء ولا عشاء قط لغداء.

ص: 751

ولا اتخذ من شيء زوجين لا قميصين ولا ردائين ولا إزارين، ومن النعال ولا رئي قط فارغاً في بيته إما يخصف نعلاً لرجل مسكين أو يخيط ثوباً لأرملة.

وعن أنس بن مالك أن فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة خبز إلى النبي ? فَقَالَ: «ما هذه الكسرة يا فاطمة» ؟

قالت: قرص خبزته فلم تطلب نفسي حتَّى أتيك بهذه الكسرة فَقَالَ: «أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام» .

وروى مسلم عن النعمان قَالَ: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فَقَالَ: لقد رأيت رسول الله يظل يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: إن كان ليمر بآل رسول الله ? الأهلة ما يسرج في بيت أحد منهم سراج ولا يوقد فيه نار إن وجدوا زيتاً ادهنوا به وإن وجدوا ودكاً أكلوه. رواه أبو يعلى ورواته ثقاتٌ.

عن عبد الله بن مسعود قَالَ: نام رسول الله ? على حصير فَقَامَ وقد أثر في جنبه، قلنا: يَا رَسُولَ اللهِ لو اتخذنا لك وطاء.

فَقَالَ: «مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» . رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه.

قَالَ عمر بن الخطاب: دخلت على رسول الله ? وهو على حصير فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه.

وإذا أنا بقبضةٍ من شعير نحو الصاع وقرظ في ناحية الغرفة وإذا إهاب معلق (الإهاب: الجلد) فابتدرت عيناي.

فَقَالَ: «ما يبكيك يا ابن الخطاب» ؟ فقلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبِكَ، وهذه خزانتك لا أرى إلا ما أرى.

ص: 752

وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك.

قَالَ: «يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» . رواه ابن ماجة بإسناد صحيح والحاكم وَقَالَ: على شرط مسلم.

روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ? وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ إِلا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.

عن ابن عباس أن النبي ? كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءً، وكان عامة خبزهم الشعير.

عن أبي هريرة أن رسول الله ? كان يشد صلبه بالحجر من الغرث أي الجوع.

بينما عائشة رضي الله عنها تحدث ذات يوم إذ بكت قِيلَ لها: ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ قالت: ما ملأت بطني من طعام، فشئت أبكي إلا بكيت أذكر رسول الله ? وما كان فيه من الجهد.

وعنها أيضاً أن رسول الله ? كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز برٍّ.

وعنها أيضاً قالت: ما شبع آل مُحَمَّد ثلاثاً من خبز برٍّ حتَّى قبض، وما رفع عن مائدته كسرة فضلاً حتَّى قبض.

عن الحسن (البصري) قَالَ: خطب رسول الله ? فَقَالَ: «والله ما أمسى في آل مُحَمَّد صاعٌ من طعام وإنها لتسعة أبيات» . (بيوت زوجاته) . والله ما قالها استقلالاً لرزق الله، ولكن أَرَادَ أن تتأسى به أمته.

ص: 753

عن ابن عباس قَالَ: والله لقد كان يأتي على آل مُحَمَّد ? الليالي ما يجدون فيها عشاء.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع رسول الله ? في يوم مرتين حتَّى لحق بالله، ولا عرفنا له فضل طعام عن شبع حتَّى لحق بالله، إلا أن نرفعه لغائب فقِيلَ لها: ما كانت معيشتكم؟ قالت: الأسودان: الماء والتمر. وقالت: وكان لنا جيران من الأنصار لهم ربائب يسقوننا من لبنها، جزاهم الله خيراً.

عن أنس بن مالك أن النبي ? لم يجمع غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف.

عن أنس بن مالك قَالَ: شهدت للنبي ? وليمة ما فيها خبز ولا لحم.

عن أنس بن مالك قَالَ: ما أعلم رسول الله ? رأى رغيفاً مرقّقاً بعينه حتَّى لحق بربه، ولا شاة سميطاً قط.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما اجتمع في بطن النبي ? طعامان في يوم قط، إن أكل لحماً لم يزد عليه، وإن كان تمراً لم يزد عليه، وإن أكل خبزاً لم يزد عليه. وكان رجلاً مسقاماً، وكانت العرب تنعت له فيتدواى بما تنعت له العرب، وكانت العجم تنعت له فيتداوى.

عن أبي نضر قَالَ: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: إني لجالسة مع رسول الله ? في البيت فأهدى لنا أبو بكر رجل شاة فإني لأقطعها مع رسول الله ? في ظلمة البيت. فَقَالَ لها قائل: أما كان لكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما يسرج به أكلناه.

عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد مات رسول الله ? وما شبع من خبز وزيت في يوم مرتين.

ص: 754

عن عائشة قالت: بلغني أن الرجل منكم يأكل من ألوان الطعام حتَّى يلتمس لذلك دواءً يمرئه. فذكرت نبيكم ? فذاك الَّذِي أبكاني خرج من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الخبز وإذ اشبع من الخبز لم يشبع من التمر.

عن أنس بن مالك قَالَ: ما يرفع بين يدي رسول الله ? شيء قط، ولا حملت معه طِنفسة يجلس عليها.

أخبرني الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ? كان يجوع. قلت لأبي هريرة: وكيف ذلك الجوع؟ قَالَ: لكثرة من يغشاه وأضيافه، وقوم يلزمونه لذلك، فلا يأكل طعاماً أبداً إلا ومعه أصحابه، وأهل الحاجة يتبعونه من المسجد. فلما فتح الله خيبر اتسع الناس بعض الاتساع وفي الأمر بعد ضيق والمعاش شديد. هي بلاد ظلف لا زرع فيها وإنما طعام أهلها التمر وعلى ذلك قاموا.

وروي عن جابر رضي الله عنه قَالَ: حضرنا عرس علي وفاطمة فما كان عرساً كان أحسن منه حشونا الفراش يعني من الليف.

وأوتينا بتمر وزيت فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. رواه البزار. الإهاب: الجلد.

عن عامر الشعبي قَالَ: قَالَ علي رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لها ولي فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها.

وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله ? لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف روحيين وسقاء وجرتين.

فَقَالَ علي لفاطمة ذات يوم: والله سنوت حتَّى اشتكيت صدري

ص: 755

(المعنى تعبت من إخراج الماء من البئر) وقد جاء الله بسبي فاذهبي فاستخدميه (أي اطلبي منه خادماً) .

فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتَّى مجلت يدي من العمل فأتت النبي ? فَقَالَ: «ما جاء بِكَ وما حاجتك أي بنية» . قالت: جئت لأسلم عَلَيْكَ واستحيت أن تسأله فرجعت.

فَقَالَ علي: ما فعلت؟ قالت: استحيت أن أسأله فأتياه جميعاً فَقَالَ علي: يَا رَسُولَ اللهِ والله لقد سنوت حتَّى اشتكيت صدري.

وقالت فاطمة: لقد طحنت حتَّى مجلت يداي، وقد جاءك الله عز وجل بسبي وسعة فأخدمنا.

فَقَالَ: «والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم» .

فرجعا وأتاهما النبي ?، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فَقَالَ:«مكانكما» .

ثم قَالَ: «ألا أخبركم بخير مِمَّا سألتماني» ؟ قالا: بلى. قَالَ: «كلمات علمنيهن جبريل تسبحان في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً.

وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين» . قَالَ: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله ?.

عن بريدة قَالَ: سمع النبي ? رجلاً يقول: اللهُمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الَّذِي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

ص: 756

فَقَالَ رسول الله ?: «والَّذِي نفسي بيدِهِ لقد سأل الله باسمه الأعظم الَّذِي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» . أخرجه أبو داود والترمذي.

وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: دعا رجل فَقَالَ: اللهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.

فَقَالَ النَّبِيُّ ?: «أتدرون بما دعا» ؟ قَالُوا: الله ورسوله أعلم قَالَ: «والَّذِي نفسي بيدِهِ لقد دعا الله باسمه الأعظم الَّذِي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» . أخرجه أصحاب السنن.

عن سعد بن أبي وقاص قَالَ: قَالَ رسول الله ?: «دعوة ذي النون إذ دعى وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له» . رواه الترمذي والنسائي والحاكم وَقَالَ: صحيح الإسناد.

وعن معاوية بن أبي سفيان قَالَ: سمعت رسول الله ? يقول: «من دعا بهؤلاء الكلمات الخمس لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» . رواه الطبراني بإسناد حسن.

وعن معاذ بن جبل قَالَ: سمع رسول الله ? رجلاً وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام فَقَالَ: «قد استجيب لك فسل» . رواه الترمذي.

ص: 757

اللهُمَّ اجعلنا مكثرين لذكرك مؤدين لحقك حافظين لأجرك راجين لوعدك راضين في جميع حالاتنا عنك.

راغبين في كل أمورنا إليك مؤملين لفضلك شاكرين لنعمك.

يا من يحب العفو والإحسان، ويأمر بهما أعف عنا، وأحسن إلينا.

فإنك بالَّذِي أنت له أهل من عفوك أحق منا بالَّذِي نحن له أهل من عقوبتك.

اللهُمَّ ثبت رجاءك في قلوبنا، واقطعه عمن سواك، حتَّى لا نرجوا غيرك ولا نستعين إلا إياك، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.

اللهُمَّ هب لنا اليقين والعافية، وإخلاص التوكل عَلَيْكَ، والاستغناء عن خلقك.

واجعل خير أعمالنا ما قارب آجالنا.

اللهُمَّ أعنا بما وفقتنا له من العلم، وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية.

اللهُمَّ افتح مسامع قلوبنا لذكرك وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك ووفقنا للعمل بكتابِكَ وسنة رسولك.

اللهُمَّ إنا نسألك الهدى، والتقى والعافية والغنى، ونعوذ بِكَ من درك الشقاء، ومن جهد البلاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء.

اللهُمَّ لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله وعلانيته وسره، أهل الحمد والثناء أنت، لا إله إلا أنت سبحانك إنك على كل شيء قدير.

ص: 758

اللهُمَّ اغفر لنا جميع ما سلف منا من الذنوب، واعصمنا فيما بقى من أعمارنا، ووفقنا لعمل صالح ترضى به عنا.

اللهُمَّ سامع كل صوت، ويا بارئ النفوس بعد الموت، يا من لا تشبه عليه الأصوات، يا عظيم الشأن، يا واضح البرهان، يا من هو كل يوم في شأن، اغفر ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهُمَّ يا عظيم العفو، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة، يا ذا الجلال والإكرام، هب لنا العافية في الدنيا والآخرة.

اللهُمَّ يا حي ويا قيوم فرغنا لما خلقتنا له، ولا تشغلنا بما تكلفت لنا به، واجعلنا ممن يؤمنن بلقائك، ويرضى بقضائك، ويقنع بعطائك، ويخشاك حق خشيتك.

اللهُمَّ اجعل رزقنا رغداً، ولا تشمت بنا أحداً.

اللهُمَّ رغبنا فيما يبقى، وزهدنا فيما يفنى، وهب لنا اليقين الَّذِي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يعول في الدين إلا عليه.

اللهُمَّ إنا نسألك بعزك الَّذِي لا يرام وملكك الَّذِي لا يضام وبنورك الَّذِي ملأ أركان عرشك أن تكفينا شر ما أهملنا وما لا نهتم به وأن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

اللهُمَّ يا عليم يا حليم يا قوي يا عزيز يا ذا المن والعطا والعز والكبرياء يا من تعنوا له الوجوه وتخشع له الأصوات.

وفقنا لصالح الأعمال وأكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك إنك على كل شيء قدير.

اللهُمَّ إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها

ص: 759

شملنا، وتلم بها شعثنا، وترفع بها شاهدنا، وتحفظ بها غائبنا، وتزكى بها أعمالنا، وتلهمنا بها رشدنا، وتعصمنا بها من كل سوء يا أرحم الراحمين.

اللهُمَّ ارزقنا من فضلك، واكفنا شر خلقك، واحفظ علينا ديننا وصحة أبداننا.

اللهُمَّ يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين، ومقِيلَ عثرات العاثرين، نسألك أن تلحقنا بعبادك الصالحين الَّذِينَ أنعمت عليهم من النبيين والصديقين الَّذِينَ أنعمت عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين.

اللهُمَّ يا عالم الخفيات، ويا رفيع الدرجات، يا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا أنت إليك المصير.

نسألك أن تذيقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، يا أرحم الراحمين وأرأف الرائفين وأكرم الأكرمين.

اللهُمَّ اعتقنا من رق الذنوب، وخلصنا من أشر النفوس، وأذهب عنا وحشة الإساءة، وطهرنا من دنس الذنوب، وباعد بيننا وبين الخطايا وأجرنا من الشيطان الرجيم.

اللهُمَّ طبِّعنا للقائك، وأهلنا لولائك وأدخلنا مع المرحومين من أوليائك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.

اللهُمَّ أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتلاوة كتابِكَ، واجعلنا من حزبِكَ المفلحين، وأيدنا بجندك المنصورين، وارزقنا مرافقة الَّذِينَ أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهُمَّ يا فالق الحب والنوى، يا منشئ الأجساد بعد البلى يا مؤي المنقطعين إليه، يا كافي المتوكلين عليه، انقطع الرجاء إلا منك، وخابت

ص: 760

الظنون إلا فيك، وضعف الاعتماد إلا عَلَيْكَ نسألك أن تمطر محل قلوبنا من سحائب يرك وإحسانك وأن توفقنا لموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك إنك جواد كريم رؤوف غفور رحيم.

اللهُمَّ نسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وعملاً متقبلاً، ونسألك بركة الحياة وخير الحياة، ونعوذ بِكَ من شر الحياة، وشر الوفاة.

اللهُمَّ إنا نسألك نفساً مطمئنةً، وتؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك، يا أرأف الرائفين، وأرحم الراحمين.

اللهُمَّ إنا نسألك التوفيق لما تحبه من الأعمال، ونسألك صدق التوكيل عَلَيْكَ، وحسن الظن بِكَ يا رب العالمين.

اللهُمَّ اجعلنا من عبادك المخبتين، الغر المحجلين الوفد المتقبلين.

اللهُمَّ إنا نسألك حياة طيبة، ونفساً تقية، وعيشة نقية، وميتة سوية ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح.

اللهُمَّ اجعلنا من أهل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك.

موعظة

قَالَ ابن الجوزي رحمة الله: الحذر الْحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذنوب خصوصاً ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ولا ينال لذة المعاصي إلا دائم الغفلة، فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها، لأنه عند التذاذهِ يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه الناهي وهو الله فيتنغص عيشه في حال التذاذه فإن غلبه

ص: 761

سكر الهوى كان القلب متنغضاً بهذه المراقبات وإن كان الطبع في شهوته فما هي إلا لحظة ثم خزي دائم وندم ملازم وبكاء متواصل وأسف على ما كان مع طول الزمان حتَّى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقيح آثارها وأسوء أخبارها انتهى.

فيا أيها الْمُسْلِمُونَ اتقوا الله ربكم وحافظوا على صلاتكم وقوموا لله خاضعين خاشعين لتفوزوا برضوان الله وتكونوا من المفلحين.

اللهُمَّ قوى إيماننا بِكَ وبملائكتك وبكتبِكَ وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

اللهُمَّ ثبت محبتك في قلوبنا وقوها وألهمنا ذكرك وشكرك وارزقنا صيانة أوقاتنا وحفظها عن المعاصي ووفقنا بالباقيات الصالحات وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اعْلَمْ وَفَّقَنا اللهُ وَإيَّاكَ وَجَمِيْعَ المُسْلِميْنَ أنَّهُ لَم يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وتَابِعْيِهْم بإِحْسَانٍ تَعْظِيْمُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالمُوَالِيْنَ لأَهْلِ البِدَعِ وَالمُنَادِيْنَ بِمُوَالاتِهمْ، لأَنّ أَهْلِ البِدَعِ مَرْضَى قُلُوب، وَيُخْشَى عَلَىَ مَنْ خَالطَهُمْ أَو اتَّصَلَ بِهِمْ أَنْ يَصِلَ إِلِيْهِ مِنْ مَا بِهِِِمْ مِنَ هَذَا الدَّاءِ العُضَال، لأِنّ المَرِيْضَ يُعْدِي الصَّحَيْحَ وَلَا عَكسْ، فَالْحَذَرَ الحذرَ مِنْ جَمِيعِ أهْلِ البدَعِ، وَمِنْ أهْلِ البِدَعِ الَّذِينَ يَجِبُ البُعْدُ عَنْهُمْ وَهِجَرانُهُمْ: الجَهْمِيَّةُ، والرَّافضَةُ، وَالْمُْعَتِزلَةُ، والْمَاتُرِيْدِيَّةُ، وَالخَوَارُِج، والصُّوْفِيَّةُ، والأَشَاعَرة، وَمَنْ عَلَىَ طَريْقَتِهمْ مِنَ الطَّوَائِف المُنْحَرِفَةِ عن طريقة السَّلَفْ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أنْ يَحْذّرَهُمْ وَيُحَذِرَّ عَنْهُمَ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.

عبد العزيز بن مُحَمَّد بن سلمان

ص: 762

فائدة عظيمة النفع

قَالَ أحد العلماء رحمه الله تعالى عَلَيْكَ يا أخي بمحاربة الشيطان وقهره، وذلك لخصلتين أحدهما أنه عدو مظل مبين، لا مطمع فيه بمصالحة واتقاء شره أبداً، لأنه لا يرضيه ويقنعه إلا هلاكك أصلاً فلا وجه إذا للأمن من هذا العدو والغفلة عنه، قَالَ الله جل وعلا:{لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وَقَالَ تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} والخصلة الثانية أنه مجبول على عداوتك ومنتصب لمحاربتك، في الليل والنهار يرميك بسهامه، وأنت غافل عنه، ثم هو له مع جميع المؤمنين عداوة عامة، ومع المجتهد في العبادة والعلم عداوة خاصة، ومعه عَلَيْكَ أعوان نفسك الأمارة بالسوء، والهوى، والدنيا وهو فارغ وأنت مشغول، وهو يراك وأنت لا تراه، وأنت تنساه وهو لا ينساك، فإذاً لابد من محاربته، وقهره، وإلا فلا تأمن الفساد والهلاك والدمار، ومحاربته بالاستعاذة بالله والإكثار من ذكره.

شِعْرًا:

مَا لِي أَرَاكَ عَلَى الذُّنُوبِ مُوَاظِبًا

أَأَخَذْتَ مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ أَمَانَا

لا تَغْفَلَنَّ كَأَنَّ يَوْمَكَ قَدْ أَتَى

وَلَعَلَّ عُمْرَكَ قَدْ دَنَا أَوْ حَانَا

وَمَضَى الحَبِيبُ لِحَفْرِ قَبْرِكَ مُسْرِعًا

وَأَتَى الصَّدِيقُ فَأَنْذَرَ الْجِيرَانَا

وَأَتوا بِغَسَّال وَجَاءُوا نَحْوَهُ

وَبَدَا بِغُسْلِكَ مَيِّتًا عُرْيَانَا

فَغُسِّلْتَ ثُمَّ كُسِيتَ ثَوْبًا لِلْبَلَى

وَدَعَوا لِحَمْلِ سَرِيرَكَ الإِخْوَانَا

وَأَتَاكَ أَهْلُكَ لِلْوَدَاعِ فَوَدَّعُوا

وَجَرَتْ عَلَيْكَ دُمُوعهُمْ غُدْرَانَا

فَخَفِ الإِلَهِ فَإِنَّهُ مِنْ خَافَه

سَكَنَ الْجِنَانَ مُجَاوِرًا رِضْوَانَا

جَنَّاتِ عَدْنٍ لا يَبْدُ نَعِيمُهَا

أَبَدًا يُخَالَطُ رُوحَهُ رَيْحَانَا

وَلِمَنْ عَصَى نَارًا يُقَالُ لَهَا لَظَى

تَشْوِي الْوُجُوهُ وَتَحْرِقُ الأَبْدَانَا

نَبْكِي وَحَقّ لَنَا الْبُكَى يَا قَوْمَنَا

كَيْ لا يُؤَاخِذُنَا بِمَا قَدْ كَانَا

ص: 763

موعظة

عباد الله إن طاعة الله صلاح في الأرض لهذا أمر عز وجل بالطاعات، وهذه الطاعات ترضي الله سبحانه لأنها شكر له على نعمه المتواليات، فينبغي لنا أن نحث عليها وأن نأمر من ترك الطاعة أن يعود إليها إذا كانت من فرائض الدين كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وأن ننكر على من رأيناه يقترف معصية من المعاصي، لأن المعاصي بكل أنواعها شرور وأضرار وفساد ولها شؤم قد يعم الدنيا ويفعل الأفاعيل العظام في بني الإنسان ومن آثارها المضرة بالقلب والبدن: أنها إفساد للعقل فإن العقل نور والمعصية تطفئ نور العقل ومنها أن المعاصي مدد من الإنسان يمد بها عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه ومنها أنها توهن القلب والبدن ومنها أنها تزرع أمثالها من المعاصي ومنها أنها تمحق بركة العمر ومنها أنها تسبب شماتة الأعداء، ومنها أنها تعسر على الإنسان أموره، ومنها أنها تسبب الوحشة بين العاصي وبين أهل الخير ومنها أنها تذهب الحياء ومنها أن تستدعي نسيان الله لعبده وتركه، ومنها أنها تطفئ من القلب نار الغيرة ومنها أنها تضعف في القلب تعظيم الرب ومنها أنها تعمي بصيرة القلب وتطمس نوره ومنها أنها تسقط الجاه والمنزلة عند الله إلا مالا نهاية له من الأضرار لهذا يجب علينا أن ننهي عن المعاصي لاسيما إذا كانت من كبار المعاصي، ولا تنس أن بني إسرائيل لعنهم الله لما فقدوا الغيرة على انتهاك الحرمات ولا تناهو عن المنكر وتأمل أحوال الأمم وما حل بها من العقوبات بأسباب الذنوب قَالَ تعالى:{فكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .

ص: 764

موعظة

عباد الله سرور المؤمنين يوم يعبرون القناطر ويأمنون العوائر فذلك يوم عيدهم وما داموا في دار الغرور فلا غبطة ولا سرور.

وأي سرور لمن الموت معقود بناصيته والذنوب راسخة في آنيته والنفس تقوده إلى هواها والدنيا تتزين في عينه بمشتهاها.

والشيطان مستبطن فقار ظهره لا يفتر عن الوسوسة في صدره ونفسه وماله بعرضه للحوادث ولا يدري في كل نفس ما عليه حادث.

قَالَ بعضهم:

إِنِّي بُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا

إِلا لأَجْلِ شَقَاوَتِي وَعَنَائِي

إِبْلَيْسَ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى

كَيْفَ الْخَلاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي

ومن ورائه المغير ومسأله منكر ونكير ويتوسد التراب إلى يوم النشور {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} يوم لا يبلغ وصف أهواله ولا شرح أحواله ما لا يسع المؤمن به أن يستقر له قرار ولا يخلد إلى هذه الدار ولا يكون له في هذه الدنيا إلا التقرب بأنواع القرب واجتناب الفواحش والريب وإقامة الدين الَّذِي في إقامته النجاة وفي تضييعه العطب العظيم.

يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَوْ عَلِمْتَ بِهَوْلِهِ

لَفَرَرْتَ مِنْ أَهْلٍ وَمِنْ أَوْطَانِ

يَوْمٌ تَشَقَّقَتِ السَّمَاءُ لِهَوْلِهِ

وَتَشِيبُ فِيهِ مَفَارِقُ الْوِلْدَانِ

يَوْمٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ شَرُّهُ

فِي الْخَلْقِ مُنْتَشِرٌ عَظِيمُ الشَّأنِ

يَوْمٌ يَجِيءُ الْمُتَّقُونَ لِرَبِّهِمْ

وَفْدًا عَلَى نُجُبٍ مِنَ الْعِقْيَاتِ

وَيَجِيءُ فِيهِ الْمُجْرِمُونَ إِلَى لَظى

يَتَلَمَّظُونَ تَلَمُّظَ الْعَطْشَانِ

وَالْجَنَّةُ الْعُلْيَا وَنَارُ جَهَنَّمِ

دَارَانِ لِلْخَصْمَيْنِ دَائِمَتانِ

اللهُمَّ اختم بالأعمال الصالحات أعمارنا وحقق بفضلك آمالنا وسهل لبلوغ رضاك سبلنا وحسن في جميع الأحوال أعمالنا يا منقذ الغرقى ويا منجي

ص: 765

الهلكى ويا دائم الإحسان أذقنا برد عفوك من كرمك وجودك ما تقر به عيوننا من رؤيتك في جنات النعيم وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

موعظة

عباد الله طلب الرزق الحلال فريضة على كل مسلم فالتمس الرزق أيها المسلم من حله وإياك وما نهاك الله عنه وحرمه فمتاع الدنيا قليل؛ أيها المسلم إن جمعك للمال من حله عبادة إذا كنت تريد به إعفاف نفسك، والقيام بما أوجبه الله عَلَيْكَ من الحقوق، واحذر من ترك العمل، وافعل الأسباب التي بها يحصل الرزق بإذن الله، واعلم أن من ترك العمل وغلب عليه الكسل حتَّى صار كلا على الخلق يعده أهله ثقلاً ويراه صاحبه بغيضاً ولا يلقاه أحد إلا وكره لقياه قَالَ تعالى حاثاً على طلب الرزق {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ} وَقَالَ تعالى:{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ} والمؤمن المحترف الكسوب الَّذِي يأكل من عمل يده مكرم محبوب محترم عند أهله، والأولاد، وكان نوح وداود يحترفان التجارة ومُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رعى الغنم، وموسى كان أجيراً عند صاحب مدين وكان إدريس خياطاً، وما أبعد هذه الأعمال الشريفة عن الكسل والبطالة وكان السلف رضي الله عنهم عمالاً مكتسبين فكلهم ما بين غني شريف وفقير شريف عفيف، لا تشغلهم الدنيا عن الآخرة ولا يمنهم الدين عن طلب الكسب والقيام بالواجبات وهم مع هذا من أقوى الناس توكلاً على الله ورضىً بما قدر الله وقضاه ولله در القائل:

ص: 766

وَكُنْ بِالَّذِي قَدْ خَطَّ بِاللَّوْحِ رَاضِيًا

فَلا مَهْرَبٌ مِمَّا قَضَاهُ وَخَطَّهُ

وَإِنَّ مَعَ الرِّزْقِ اشْتِرَاطُ الْتِمَاسِهِ

وَقَدْ يَتَعَدَّى إِنْ تَعَدَّيْتَ شَرْطَهُ

فَلَوْ شَاءَ أَلْقَى فِي فَمِ الطَّيْرِ قُوتَهُ

وَلَكِنَّه أَوْحَى إِلَى الطَّيْرِ لَقْطَهُ

موعظة: إخواني تفكروا في مصارع الَّذِينَ سبقوا، وتدبروا مصيرهم أين انطلقوا؟ واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا، قوم منهم سعدوا ومنهم قوم شقوا.

إخواني: إلى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة فبالله عليكم تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصدٍ فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالآجل وبين أيديكم يوم الحساب.

شِعْرًا:

وَالْمَرْءُ مِثْلُ هِلالَ عِنْدَ طَلْعَتِهِ

يَبْدُو ضَئِيلاً لَطِيفًا ثُمَّ يَتَّسِقُ

يَزْدَادُ حَتَّى إِذَا مَا تَمَّ أَعْقَبَهُ

كِرُّ الْجَدِيدَيْنِ نَقْصًا ثُمَّ يَنْمَحِقُ

كَانَ الشَّبَابُ رِدَاءً قَدْ بُهْجَتَ بِهِ

فَقَدْ تَطَايَرَ مِنْهُ لِلْبَلَى خِرَقُ

وَبَاتَ مُنْشَمِرًا يَحْدُو الْمَشِيبُ بِهِ

كَاللَّيْلِ يَنْهَضُ فِي أَعْجَازِهِ الْفَلَقُ

عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ

لِلرَّاكِنِينَ إِلَى الدُّنْيَا وَقَدْ صَدَقُوا

وَطَالَ مَا نُغِّصُوا بِالْفَجْعِ ضَاحِيَةٍ

وَطَالَ بِالْفَجْعِ وَالتَّنْغِيصِ مَا طُرِقُوا

دَارٌ تَغُرُّ بِهَا الآمَالُ مُهْلِكَةٌ

وَذُو التَّجَارُبِ فِيهَا خَائِفٌ فَرِقُ

يَا لِرِّجَّالِ لِمَخْدُوعٍ بِزُخْرُفِهَا

بَعْدَ الْبَيَانِ وَمَغْرُورٌ بِهَا يَثِقُ

أَقُولُ وَالنَّفْسُ تَدْعُونِي لِبَاطِلِهَا

أَيْنَ الْمُلُوكُ مُلُوكُ النَّاس وَالسَّوْقُ

أَيْنَ الَّذِينَ إِلَى لَذَّاتِهَا رَكَنُوا

قَدْ كَانَ فِيهَا لَهُمْ عَيْشٌ وَمُرْتَفَقُ

أَمْسَتْ مَسَاكِنُهُمْ قَفْرًا مُعَطَّلَةً

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَبْلَهَا خُلِقُوا

ص: 767

يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دَارٍ لا بَقَاءَ لَهَا

إِنْ اغْتِرَارًا بِظِلِّ زَائِلٍ حُمُقٌ

اللهُمَّ اغفر لنا ولا تعذبنا ووفقنا ولا تخذلنا ولا تسلب الإيمان منا لا ملجأ لنا إلا إليك ولا معول لنا إلا عَلَيْكَ يا أرحم الراحمين.

اللهُمَّ يا من فتح بابه للطالبين، وأظهر غناه للراغبين نسألك أن تسلك بنا سبيل عبادك الصادقين، وأن تلحقنا بعبادك الصالحين، اللهُمَّ أحْي قُلُوباً أَمَاتَهَا البُعْدُ عَنْ بَابِكَ، وَلا تَعذِّبْهَا بَأَلِيمٍ عِقَابِكَ، يَا كَرِيمُ يَا مَنَّانُ، يَا مَنْ جَادَ عَلَى عِبَادِهِ بالأنْعَامِ وَالأفضَالِ، اللهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا بُلُطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ وَتَجَاوَزْ عَنْ جَرَائِمْنَا بِعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَارْزُقْنَا مَا رَزَقْتَ أَوْلِيَاءِكَ، مِنْ نَعِيم قُرْبِكَ، وَلَذَّةِ مُنَاجَاتِكَ، وَصِدْقِ حُبِكَ، وَاغْفِرْ لَنَا ولِوالديْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.

خاتمة، وصية، نصيحة

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه الله ويرضاه أن مِمَّا يجب الاعتناء به حفظاً وعملاً كلام الله جل وعلا وكلام رسوله ?.

وأنه ينبغي لمن وفقه الله تعالى أن يحث أولاده على حفظ القرآن وما تيسر من أحاديث النبي ? المتفق على صحتها عنه كالبخاري ومسلم.

ومن الفقه مختصر المقنع ليتيسر له استخراج المسائل ويجعل لأولاده ما يحثهم على ذلك.

فمثلاً بجعل لمن يحفظ القرآن على صدره حفظاً صحيحاً عشرة آلاف أو أزيد أو أقل حسب حاله في الغنى.

ومن الأحاديث عقود اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الإمامان البخاري ومسلم، يجعل لمن يحفظ ذلك ستة آلاف (6000) .

ص: 768

فإن عجزوا عن حفظها فالعمدة في الحديث يجعل لمن حفظها ثلاثة آلاف (3000) أو الأربعين النووية ويجعل لمن يحفظها ألفاً (1000) .

ويجعل لمن يحفظ مختصر المقنع في الفقه ألفين (2000) من الريالات فالغيب سبب لحفظ المسائل وسبب لسرعة استخراج ما أريد من ذلك وما أشكل معناه أو يدخلهم في مدارس تحفيظ القرآن في بيوت الله أو البيوت المعدة لذلك فمدارس تعليم القرآن والسنة هي مدارس التعليم العالي الممتاز الباقي النافع في الدنيا والآخرة أو يدخلهم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم الموجودة في المساجد.

فمن وفقه الله لذلك وعمل أولاده بذلك كان سبباً لحصول الأجر من الله وسبباً لبرهم به ودعائهم له إذا ذكروا ذلك منه ولعله أن يكون سبباً مباركاً يعمل به أولاده مع أولادهم فيزيد الأجر له ولهم. نسأل الله أن يوفق الجميع لحسن النية.

وَلَمْ أَرَى لِلْخَلائِقِ مِنْ مُرَبٍّ

كَعْلْمِ الشَّرْعِ يُؤخَذُ عَنْ ثِقَاتِ

بِبَيْتِ اللهَ مَدْرَسَةِ الأَوَالَي

لِمَنْ يَهْوَى العُلُومُ الرَّاقِيَاتَ

آخر:

أَيْقِظْ جُفُونَكَ يَا مِسْكِينُ مِنْ سِنَةٍ

وَانْظُرْ بِعَقْلِكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ عِبَرِ

بِالأَمْسِ كُنْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ في لَعِبٍ

غَضِّ الشَّيَابِ قَلِيلِ الْهَمِّ وَالْفِكَرِ

وَقَدْ كَبِرْتَ وَحَانَ الشَّيْبُ مِنْكَ وَلا

أَرَاكَ تَنْظُرُ يَا مَغْرُورُ فِي الْكِبَرِ

تَبِعْتَ وَيْحَكَ دُنْيَا لا بَقَاءَ لَهَا

تُمْسِي وَتُصْبِحُ مَسْرُورًا عَلَى النُّكُرِ

أَمَا اعْتَبَرْتَ بِمَا شَيَّعْتَ مِنْ سَلَفٍ

إِلَى الْقُبُورِ مِنَ الأَشْيَاخِ وَالصِّغَرِ

وَأَنْتَ فِي كُلِّ يَوْمٍ زَائِدًا أَمَلاً

وَالدَّهْرُ يَهْدِمُ مِنْكَ الْعُمْرَ فَابْتَدِرِ

يَا مَنْ مَضَى عُمْرُهُ الْمَكْنُونُ في سَفَه

وَفِي الْمَحَالِ وَفِي اللَّذَاتِ وَالْبَطَرِ

أَيْنَ الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ كُنْتَ تَحْمِدُهُ

مَضَى سَرِيعًا كَمِثْلِ اللَّمْحِ فِي الْبَصَرِ

وَقَدْ أَتَى لَكَ شَيْبٌ لا زَوَالَ لَهُ

إِلا بِمَوْتِكَ يَا مَغْرُورُ فَانْتَظِرِ

ص: 769

.. إِنَّ الرَّحِيلَ حَقِيقٌ فَاسْتَعِدَّ لَهُ

وَقَدْ أَتَاكَ نَذِيرُ الشَّيْبِ فَازْدَجِرْ

بَادِرْ مَتَابَكَ يَا مِسْكِينُ فِي عَجَلِ

قَبْلَ الْمَنُونِ وَبَادِرْ فُسْحَةَ الْعُمُرِ

حَافِظْ عَلَى الْخَمْسِ في الأَوْقَاتِ إِنَّ لَهَا

فَضْلاً وَقُلْ يَا إِلَهِي نَجِّ مِنْ سَقَرِ

طُوبَى لِعَبْدٍ تَقِيٍّ خَائِفٍ وَجِلٍ

خَافَ الذُّنُوبَ وَبَاعَ النَّوْمَ بِالسَّهَرِ

وَقَامَ بِاللَّيْلِ لِلرَّحْمَنِ مُبْتَهِلاً

يَتْلُو الْكِتَابَ وَدَمْعُ الْعَيْنِ كَالْمَطَرِ

إِنْ كُنْتَ تَبْغِي جِنَانَ الْخُلْدِ تَسْكُنُهَا

مَعَ الْحِسَانِ ذَوَاتِ الْغُنْجِ وَالْحَورِ

تُسْقَى بِهَا سَلْسَبِيلاً طَابَ شَارِبُهَا

مِنْ كَفٍّ غَانِيَةٍ أَضْوَى مِنَ الْقَمَرِ

فِي قُبَّةٍ مِنْ لُجَيْنٍ جَلَّ صَانِعُهَا

قَدْ خَصَّهَا بِاخْتِلالِ النَّخْلِ وَالنَّهْرِ

وَالطَّيْرُ فِيهَا عَلَى الأَغْصَانِ عَاكِفَةٌ

أَصْوَاتُهَا كَحَنِينِ الْعُودُ وَالْوَتَرِ

وَالْحُورُ يَمْشِينَ فِي حُلْي وَفِي حُلَلٍ

كَمَا أَتَى فِي بَيَانِ الذِّكْرِ وَالسُّورِ

وَأعْكِفْ عَلَى سُنَّةِ الْهَادِي وَتَابِعِهِ

وَاتْبَعْ طَرِيقَتَهُمْ تَقْفُوا عَلَى الأَثَرِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ عَنْ أَهْلِيكَ مُرْتَحِلٌ

عَمَّا قَلِيلٍ لِبَيْتِ الدُّودِ وَالْمَدَرِ

لا تَأَمَنَّنَ مِن الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا

لأَنَّهَا كَسِرَاجٍ لاحَ لِلْبَصَرِ

أَيْنَ الأَحِبَّةُ وَالْجِيرَانُ مَا صَنَعُوا

صَارُوا لَنَا خَبَرًا مِنْ أَعْظَمِ الْخَبَرِ

أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِي عَاشَرْتَهُمْ زَمَنًا

صَارُوا جَمِيعًا إِلَى الأَجْدَاثِ وَالْحُفَرِ

أَيْنَ الْقُصُورُ الَّتِي كَانَتْ مُعَمَّرَةً

حُصُونُهَا مُلِئَتْ بِالْبُسْطِ وَالسُّرُرِ

أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ مُنَعَّمَةً

أَيْنَ الْخُدُودُ الَّتِي تَسْبِي أولي النَّظَرِ

صَارُوا جَمِيعًا إِلَى ضِيقِ الْقُبُورِ وَقَدْ

صَارَتْ مَحَاسِنُهُمْ مِنْ أَقْبَحِ الصُّوَرِ

وَنَحْنُ عَمَّا قَلِيلٍ لاحِقُونَ بِهِمْ

فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ وَاحْذَرْ غَايَةَ الْحَذَرِ

آخر:

يَا مُحِبَّ الدُّنْيَا الْغَرُورِ اغْتِرَارًا

رَاكِبًا فِي طِلابِهَا الأَخْطَارَا

يَبْتَغِي وَصْلَهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ

وَتَرَى أُنُسْهُ فَتُبْدِي نِفَارَا

خَابَ مَنْ يَبْتَغِي الْوِصَالَ لَدَيْهَا

جَارَةٌ تَزَلْ تُسِيءُ الْجِوَارَا

ص: 770

كَمْ مُحِبٍّ أَزَتْهُ أُنْسًا فَلَمَّا

حَاوَلَ الزَّوْرَ صَيَّرَتْهُ ازْوِرَارَا

شِيبَ حُلْوُ اللَّذَاتِ مِنْهَا بِمُرٍّ

إِنْ حَلَتْ مَرَّةً أَمَرَّتْ مِرَارَا

فِي اكْتِسَابِ الْحَلالِ مِنْهَا حِسَابٌ

وَاكْتِسَابُ الْحَرَامِ يُصْلِي النَّارَا

وَلِبَاغِي الأَوْطَارِ مِنْهَا عَنَاءٌ

سَوْفَ يَقْضِي وَمَا قَضَى الأَوْطَارَا

كُلُّ لَذَّاتِهَا مُنَغَّصَةُ الْعَيْشِ

وَأَرْبَاحُهَا تَعُودُ خَسَارَا

وَلَيَالِي الْهُمُوم فِيهَا طِوَالٌ

وَلَيَالِي السُّرُورِ تَمْضِي قِصَارَا

وَكَفَى أَنَّهَا تَظُنُّ وَإِنْ جَادَتْ

بِتَرْرٍ أَفْتَتْ بِهِ الأَعْمَارَا

وَإِذَا مَا سَقَا خُمُورَ الأَمَانِي

صَبَّرَتْ بَعْدَهَا الْمَنَايَا خِمَارَا

كَمْ مَلِيكٍ مُسَلَّطٍ ذَلَّلَتْهُ

بَعْدَ عِزٍّ فَمَا أَطَاقَ انْتِصَارَا

وَنَعِيمٍ قَدْ أَعْقَبَتْهُ بِبُؤْسٍ

وَمَغَانٍ قَدْ غَادَرَتْهَا قِفَارَا

أَيُّهَا الْمُسْتَعِيرُ مِنْهَا مَتَاعًا

عَنْ قَلِيلٍ تَسْتَرْجِعُ الْمُسْتَعَارَا

عَدِّ عَنْ وَصْلِ مَنْ يُعِيرُكَ مَا

يَفْنَى وَيَبْقَى إِثْمًا وَيَكْسِبُ عَارَا

قَدْ أَرَتْكَ الأَمْثَالَ فِي سَالِفِ الدَّ

هْرِ وَمَا قُدْرَاتُكَ فِيكَ اعْتِبَارَا

وَجَدِيرٌ بِالْعُذْرِ مَنْ قَدَّمَ الأَ

عْذَارَ فِيمَا جَنَاهُ وَالإِنْذَارَا

فَتَعَرَّضْ مِنْهَا بِخُلَّةِ صِدْقٍ

وَالْتَمِسْ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ دَارَا

وَالْبِدَارَ الْبِدَارَ بِالْعَمَلِ الصَّا

لِحِ مَا دُمْتَ تَسْتَطِيعُ الْبِدَارَا

اللهُمَّ نور قلوبنا بنور الإيمان وثبتها على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا هداة مهتدين وتوفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينْ.

ص: 771