الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. مَتَى صَحَّ عِنْدِي لَمْ أَقُلْ بِسَوائِهِ
يَرَى أَنَّهَا دَعْوَى اجْتِهَادٍ صَحِيحَةٌ
فَوَا عَجَباً مِنْ جَهْلِهِ وَجَفَائِهِ
فَسَلْهُ أَقُولُ اللهِ مَاذَا أَجَبْتُمُ؟
لِمَنْ هُوَ يَوْمُ الْحَشْرِ عِنْدَ نَدَائِهِ
أَيَسْأَلَهُمْ مَاذَا أَجَبْتُمْ مُلُوكَكُمْ
وَمَا عَظَّمَ الإِنْسَانُ مِنْ رُؤَسَائِهِ
أَمِ اللهُ يَوْمَ الْحَشْرِ يَمْتَحِنُ الْوَرَى
بِمَاذَا أَجَابُوا الرُّسْلَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ
وَهَلْ يَسْأَلُ الإِنْسَانُ عَنِ غَيْرِ أَحْمَدٍ
إِذَا مَا ثَوَى فِي الرَّمْسِ تَحْتَ ثَرَائِهِ
وَهَلْ قَوْلُهُ يَا رَبُّ قَلَّدْتُ غَيْرَهُ
لَدَى اللهِ عُذْرٌ يَوْمَ
فَصْلٍ
قَضَائِهِ
اللَّهُمَّ قَنِعْنَا مِنْ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ وَسهل عَلَيْنَا كُلَّ أَمْرٍ عَسِير وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبَّهُ وَتَرْضَاهُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير وَأَسْكِنَّا دَارَ كَرَامَتِكَ يَا مَنْ هُوَ مَلْجَؤُنَا وَمَلاذُنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً وَمِنْ كُلِّ ضَيْقٍ مَخْرَجاً وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ)
وَضَلَّلتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا وَعِنْدَ رَسُولِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ عِمَارَةُ بنُ حَزْمٍ الأَنْصَارِي.
وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بنُ لُصَيْتٍ الْقَيْنُقَاعِي وَكَانَ مُنَافِقاً فَقَالَ زَيْدُ بن لُصَيْتُ وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وعمَارَةُ عِنْدَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَهُوَ لا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ: «إِنَّ رَجُلاً قَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يخْبِرُكمُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَهُوَ لا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ إِلا مَا أَعْلمِنِي اللهُ وَقَدْ دَلَّنِي اللهُ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي الْوَادِي فِي شِعْب كَذَا وَكَذَا قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا بِهَا» .
فَذَهَبُوا فَجَاؤُا بِهَا وَقَدْ وَجَدَهَا الْحَارِثُ بنُ خزمَةَ الأَشْهَلِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ زَيْدٌ: لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلا الْيَوْمَ فَقَدْ كُنْتُ شَاكاً فِي مُحَمَّدٍ وَقَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا فِيهِ ذُو بَصِيرَةٍ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ فَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مُعْجِزَة وَاضِحَة.
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَائِراً فَجَعَلَ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلانٌ فَيَقُولُ: «دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللهُ بِكُمْ وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُم اللهُ مِنْهُ» . حَتَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍ وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرِه فَقَالَ: «دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللهُ بِكُمْ وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُم اللهُ مِنْهُ» .
وَتَلَوَّمَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ بَعِيرُهُ - أَيْ انْقَطَعَ - أَخَذَ الْمَتَاعَ مِنْ عَلَيْهِ فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَاشِياً وَنَزَلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنَازِلَهُ
فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ» . فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ - وَاللهِ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَحَمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ وَيَمُوتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ» . وَقَدْ تَحَقَّقَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه لَمَّا نَفَى أَبَا ذَرٍّ نَزَلَ أَبُو ذَرٍّ الرَّبْذَةَ فَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتُهُ وَغُلامُهُ فَأَوْصَاهُمَا أَنْ غَسِّلانِي وَكَفَّنَانِي.
ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَأَوَّلُ مَرْكَبٍ يَمُرُّ بِكُمْ فَقُولُوا لَهُ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلا ذَلِكَ بِهِ ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ.
فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَرَهْطٌ مَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَمَّاراً فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا جَنَازَةٌ عَلَى الطَّرِيقِ قَدْ كَادَتْ الإِبْلُ تَطَؤُهَا وَقَامَ الْغُلامُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَمْشِي وَحْدَكَ وَتَمُوتُ وَحْدَكَ وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ.
ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَوَارَوهُ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ وَمَا قَالَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرِهِ إِلى تَبُوكَ وَاسْمُ أَبِي ذَرٍّ (جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ) وَمَاتَ فِي سَنَة 32 هـ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ حِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ، وَعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الذِينَ أَهَّلْتَهُم لِخِدْمَتِكَ وَجَعَلْتَهُمْ آمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ فَاعِلِينَ لَهُ، وَنَاهِينَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَمُجْتَنِبِينَ لَهُ، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ
مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ) : وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ فِي قِصَّةِ وَفَاتِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن الأَشْتَرِ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ أُمِّ ذَرٍّ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقُلْتُ: مَا لِي لا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ وَلَيْسِ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً وَلا يَدَانِ لِي فِي تَغْيِيبِكَ.
قَالَ: أَبْشِرِي وَلا تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ فَأَنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فَوَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ فَقُلْتُ: أَنَّى وَقَدْ ذَهَبَ الْحَاجُ وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ.
فَقَالَ: اذْهَبِي فَتَبَصَّرِي قَالَتْ: فَكُنْتُ أَشْتَدُّ إِلى الْكَثِيبِ أَتَبَصَّرُ ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَمَرِّضَهُ فَبَيْنَا أَنَا وَهُوَ كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَى رِحَالِهِمْ كَأَنَّهُمْ الرَّخْمُ تَخِبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ قَالَتْ: فَأَشَرْتُ إِلَيْهِمْ فَأَسْرَعُوا إِلَيَّ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيَّ.
فَقَالُوا: يَا أَمَةَ اللهِ مَا لَكِ؟ قُلْتُ: امْرُؤٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُ قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ. قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَفَدَّوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَسْرَعُوا إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِنَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنْ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَر رَجُلٌ إِلا وَقَدْ هَلَكَ فِي جَمَاعَةٍ.
وَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَناً لِي أَوْ لامْرَأَتِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي أَوْ لَهَا وَإِنِّي أنْشُدُكُمْ اللهَ أَنْ لا
يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ بَرِيداً أَوْ نَقِيباً وَلَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ قَارَفَ بَعْضَ مَا قَالَ إِلا فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ: أَنَا أَكفِنُكَ يَا عَمَّ أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي قَالَ: فَأَنْتَ تُكَفِّينُنِي فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ وَقَامُوا عَلَيْهِ وَدَفَّنُوهُ فِي نَفَرٍ كُلُّهُمْ إِيمَان.
وَفِي هَذِهِ القصة أيضاً مُعْجِزَةٌ حيثُ وَقَعَ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَأَمَّلْ.
قال ابن إسحاق: ثم إن أَبَا خَيْثَمَةَ رَجَعَ - بَعْدَ مَا سَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّاماً إِلى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشٍ لَهُمَا فِي حَائِطِهِ قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا وَبَرَّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً وَهَيَأتْ لَهُ فِيهِ طَعَاماً.
فَلَمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ فَنَظَرَ إِلى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فِي الضَّحِّ - لَهَبُ الشَّمْسِ وَحَرَارَتُهَا - وَالرِّيحِ وَالْحَرِّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلِّ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَامْرَأةٍ حَسْنَاء فِي مَآلِهِ مُقِيمٌ مَا هَذَا بِالنَّصَفِ وَالْعَدْلِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لا أَدخُلَ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهيئا لِي زَاداً فَفَعَلَتَا ثُمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ - أَيْ أَحْضَرَ جَمَلَهُ فَوَضَعَ عَلَيْهِ الرَّحْلَ وَأَعَدَّهُ لِلسَّفَرِ -.
ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ وَكَانَ عِنْدَمَا أَقْبَلَ قَالَ النَّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ
هُوَ وَاللهِ أَبُو خَيْثَمَةَ فَلَمَّا أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْراً وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ» . وَفِي هَذِهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ حَيْثَ وَقَعَ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ.
وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بنُ ثَابِتٍ وَمِنْهُمْ مَخْشِيٌّ بنُ حِمْيَرَ قَالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جِلادَ بَنِي الأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً وَاللهِ لَكَأَنَّكُمْ غَداً مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ إِرْجَافاً وَإِرْهَاباً لِلْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: مَخْشِيُ وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ مِنَّا مَائِةَ جَلْدَةً وَأَنَّا نَنْقَلِبُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْانٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ وَقَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارِ بن يَاسِرٍ: «أَدْرَكَ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا» . فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ عَمَّارُ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ.
فَأَتَوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَدِيعَةُ بنُ ثَابِتٍ: كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} . فَقَالَ مَخْشِيُ بنُ حِمْيَرَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي فَكَانَ الذِي عَفَا عَنْهُ فِي هَذِهِ الآيةِ وَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ وسأل اللهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيداً لا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ، فَفِي هَذِهِ الْقِصَّةَ مُعْجِزَةٌ أَيْضاً وَهِيَ إِخْبَارُهُ بِمَا قَالُوا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّم رحمه الله:
وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ تَبُوكَ فِي زَمَانٍ قَلَّ مَاؤُهَا فِيهِ فَاغْتَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غُرْفَةً بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا فَاهُ ثُمَّ بَصَقَهُ فِيهَا فَفَارَتْ عَيْنُهَا حَتَّى امْتَلأَتْ فَهِيَ كَذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةَ.
قُلْتُ: فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا قَالَ «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى - عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِىَ النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئاً حَتَّى آتِىَ» .
قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْْءٍ مِنْ مَائِهَا فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئاً» ؟ قَالَا: نَعَمْ.
فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمََا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيْرٍ فاسْتَقَى النَّاسُ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَاناٌ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللهُ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِذَا رَسُولِ اللهُ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْر وَعُمَرُ وَإِذَا عَبْدُ اللهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ وَالْبِجَادُ الْكِسَاءُ الأَسْوَدُ الْغَلِيظُ - الْمُزَنِيُّ قَدْ مَاتَ.
وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ وَرَسُولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم فِي حُفْرِتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدْلِيَانِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ((أَدْنِيَا إِلَيَّ أَخَاكُمَا)) . فَدَلَيَّاهُ إِلَيْهِ
فَلَمَّا هَيأَهُ لِشَقِّةِ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِياً عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ)) . قَالَ: يَقُول عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ.
وَلَمَّا وَصَلَ صلى الله عليه وسلم إِلى تَبُوكَ وَصَارَ عَلَى حُدُودِ دَوْلَةِ الرُّومِ لَمْ يَجِدْ أَحَداً مِنْ الْعَدُوِّ وَمِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ الرُّوم آثرُوا الإنْسِحَابَ إِلى دَاخِلِ بِلادِ الشَّامِ لِيَتَحَصَّنُوا بِحُصُونِهَا حِينَ بَلَغَهُمْ أَمْرَ هَذَا الْجَيْشِ وَقُوَّتَهُ.
وَأَيُّمَا كَانَ الْوَاقِعُ فَقَدْ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ تَبُوكَ لَمْ يُجَاوِزْهَا وَبَعَثَ سَرَايَاهُ إِلى مَنْ حَوْلَ تَبُوكَ فَأَتَاهُ صَاحِبُ إيْلة فَصَالَحَهُ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَتَاهُ أَهْلَ جِرْبَاءَ وَأَذْرُحْ فَأَعْطُوهُ الْجِزْيَةَ وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كِتَاباً فَهُوَ عِنْدَهُمْ.
وَكَتَبَ لِصَاحِبِ إِيلَةَ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا أَمَنَةٌ مِنْ اللهِ وَمُحَمَّدِ النَّبِي رَسُولِ اللهِ لِيُوحِنَةَ بن ذُؤْبَةَ وَأَهْل إِيلةَ لِسُفْنِهِمْ وَلِسَيَّارَاتِهِمْ وَلِبَحْرِهِمْ وَلِبَرِّهِمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِي وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ كُلِّ مَارٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ.
فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثاً فَإِنَّهُ لا يَحُولُ مَالُهُ دُون نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِن النَّاسِ وَإِنَّهُ لا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَردُونَهُ وَلا طَرِيقاً يَرِدُونَهَا مِنْ بَرٍ وَبَحْرٍ هَذَا كِتَابُ جُهَيْمٍ بن الصَّلْتِ. أ.هـ.
اللَّهُمَّ قَوِّ إِيمَانَنَا بِكَ وَبِمَلائِكَتِكَ وَبِكُتُبِكَ وَبِرُسُلِكَ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا.
اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ عِبَادِكَ الأَبْرَارِ وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارَ وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَالْعِتْقِ مِن النَّارِ وَاحْفَظْنَا مِنْ الْمَعَاصِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ الأَعْمَارِ وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ