المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

آذنَتْ بِمَطَرٍ فَأطَلَّلتْ ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَؤُا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا - موارد الظمآن لدروس الزمان - جـ ٦

[عبد العزيز السلمان]

الفصل: آذنَتْ بِمَطَرٍ فَأطَلَّلتْ ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَؤُا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا

آذنَتْ بِمَطَرٍ فَأطَلَّلتْ ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَؤُا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَرَهَا جَاوَزَتْ الْعَسْكَرَ.

وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ أَيْضاً وَلَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَشَقَّةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي عَانَاهَا الْمُسْلِمُونَ فِي السَّيْرِ إِلى تَبُوكَ امْتِحَاناً مِن اللهِ لَهُمْ أَرَادَ بِهِ تَمْحِيصَ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِخْلاصَهُمْ وَإِعْدَادَهُمْ لاحْمِاَلِ مَشَاقِّ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وليَنْظِرُ مَبْلَغَ صَبْرَ الصَّابِرِينَ وَصِدْق الصَّادِقِينَ فِي سَبِيلِ الذَّبَ عَنْ دِينِهِمْ.

فَكَانَ لا يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَشَقَّاتُ إِلا الذِينَ لَهُمْ إِيمَانٌ عَمِيقٌ رَاسِخَةٌ عَقِيدَتُهُمْ أَمَا الذِينَ نَافَقُوا وَتَظَاهَرُوا بِالإِيمَانِ فَقَدْ تَضَعْضَعُوا وَضَعُفُوا وَخَارَتْ عَزَائِمُهُمْ فَكَانُوا يَتَسَلَّلُونَ مِنْ وَرَاءِ الصُّفُوف رَاجِعِينَ.

وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَمَ

‌مَوْعِظَة:

عِبَادَ اللهِ إِنَّ الْحَيَاءَ كَمَا عَلِمْتُمْ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ وَإِنَّهُ خُلُقُ الإِسْلامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجُرُّ إِلى الْكَمَالاتِ وَالْفَضَائِلِ وَهُوَ خُلُقُ الْكِرَامِ وَسِمَةُ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَعُنْوَانُ الْفَضْل وَالنُّبْل.

وَالْحَيَاءُ بَاعِثُهُ إِحْسَاسٌ رَقِيقٌ وَشُعُورٌ دَقِيقٌ يَبْدُو فِي الْعَيْنِ مَظْهَرُهُ وَعَلَى الْوَجْهِ أَثَرُهُ وَمَنْ حُرِمَهُ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَمَنْ تَحَلَّى بِهِ ظَفِرَ بِالْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ وَنَالَ الْخَيْرَ أَجْمَع.

وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ هُمْ أَهْلُ الْحَيَاءِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَفْتَدِيَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْخُلُقِ الْجَمِيل وَلَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ لا يُرَى مِنْهَا شَيْئاً أَبَداً وَتَبْتَعِدُ عَن الرِّجَالِ لاصِقَةً بِالْجِدَارِ مُرْخِيَةً ثَوْبَهَا شِبْراً أَوْ ذِرَاعاً فِي ثَوْبِ رَثٍّ خَلِقٍ وَعَبَاءَةٍ كَذَلِكَ.

ص: 329

مَضَى عَلَى هَذَا مُدَّةٌ من الزَّمَنِ ثُمَّ لَمَا غَشَوْنَا الأَجَانِبُ وَكَثِرُوا عِنْدَنَا وَهُمْ لا يَرَوْنَ فِي التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ بَأْساً ضَعُفَ دَاعِي الْحَيَاءِ وَأَثَّرُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ.

وَلا شَكَّ أَنَّ التَّبَرُّجَ وَإِبْدَاءَ الزِّينَةِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِبْدَاءَهَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَجِبُ إِنْكَارُهَا وَمَنْعُهَا لِمَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنْ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي وَإِفْسَادِ الأَخْلاقِ وَإِلَيْكَ الأَدِلَّةُ الدَّالَةُ عَلَى تَحْرِيم السُّفُورِ وَالتَّبَرُّجِ.

قَالَ اللهُ تَعَالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فَهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ الاحْتِجَابُ عَن الرِّجَالِ.

وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} .

وَقَالَ تَعَالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ} الآيةَ، فَدَلَّتِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهَا تَشَوُّقٌ إِلى النِّكَاحِ بَأَنْ كَانَتْ تَرْجُوهُ عَلَيْهَا جُنَاحٌ وَهُوَ الإِثْمُ إِنْ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا وَرَآهَا الأَجَانِبُ مِنْهَا فَالشَّابَاتُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى لا يَجُوزُ لَهُنَّ وَضْعُ ثِيَابِهِنَّ لأنَّ الْفِتْنَةَ بِهِنَّ أَشَدُّ وَإِثْمُهُنَّ أَعْظَمُ فَتَأَمَّلْ.

وَقَالَ تَعَالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ} الآيَةَ. وَأَعْظُمُ مَا تَبْدُو بِهِ الزِّينَةُ الْوَجْهُ.

ص: 330

وَقَالَ تَعَالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} وَوَجْهُ الدَّلالَةِ عَلَى الاحْتِجَابِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَنْ تَضْرِبَ بِرِجْلِهَا إِذَا مَشَتْ لِيُسْمَعَ صَوْتُ خِلْخَالِهَا مِنْ يَسْمَعُهُ مِنْ الرِّجَالِ فَتَتَحَرَّكَ الشَّهْوَةُ فَكَيْفَ بِإبْدَاءِ الْوَجْهِ الذِي فِتْنَتُهُ أَعْظَمُ وَتَحْرِيكُهُ لِلشَّهْوَةِ أَشَدُّ وَهُوَ الذِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الإِنْسَانُ أَقْدَم أَوْ أَحْجَمَ.

وَقَالَ تَعَالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . قَالَ فِي فَتْح الْقَدِير: وَفِي هَذِهِ دَلِيل عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلى غَيْرِ مَنْ يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ. أهـ.

وَمِنْ الأَدِلَّةِ قَوْلُهُ تَعَالى نَاهِياً لأَزْوَاجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} .

هَذَا النَّهْيُ وَهَذَا التَّحْذِيرُ فِي عَهْدِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي عَهْدِ الصَّفْوَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ الْبَشَرِ لِصُحْبَةِ رَسُولِهِ اللهُ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ بِهَذَا الْمُجْتَمَعِ الذِي نَعِيشُ فِيهِ الْيَوْمَ فِي عَصْرِنَا الْمَرِيضِ الدَّنِسِ الْهَابِطِ الذِي تَهِيجُ فِيهِ الْفِتَنُ وَتَثُورُ فِيهِ الشَّهَوَاتِ وَتَرِفُ فِيهِ الأَطمَاعُ نَسْأَلَ الله أَنْ يُفِيضَ لِدِينِهِ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير وَبِالإِجَابَةِ جَدِير.

ثُمَّ مِنْ الأَدِلَّةِ الدَّالَةِ عَلَى وُجُوبِ الْحِجَابِ وَالسَّتْرِ عَنْ الأَجَانِبِ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ حُمَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ إِمْرَأَةً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُر إِلَيْهَا لِخُطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لا تَعْلَمْ)) . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا بِطَاعَتِكَ وَأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَشُكْرَكَ وَارْزُقْنَا الإِنَابَةَ إِلَيْكَ وَحُسْنَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ

ص: 331

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ) : وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَفَى الْجُنَاحَ وَهُوَ الإِثْمُ عَنْ الْخَاطِبِ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِلْخُطْبَةِ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّاظِرَ لِغَيْرِ الْخُطْبَةِ إِثْمُ.

وَمِنْ الأَدِلَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَهُ شِبْراً» . قَالَتْ: إِذاً تَنَكَشِفْ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ: «يُرْخِينَ ذِرَاعاً لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» .

وَوَجْهُ دَلالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّسَتُّر عَنْ الأَجَانِبِ أَنْ الْقَدَمَ وَهُوَ أَقَلُّ فِتْنَةٍ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ سَتْرُهُ فَيَكُونُ وُجُوبُ سَتْرِ الْوَجْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ التَّسَتُّرِ مَا وَرَدَ عَنْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا إِلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ وابن مَاجة.

فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ دَلالَةً وَاضِحَةً عَلَى وُجُوبِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ عَنْ الأَجَانِبِ إِذَا فَهِمَتْ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِي اللهَ وَيَأْخُذَ عَلَى أَيْدِي نِسَائِهِ وَيَمْنَعَهُنَّ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِنَّ مِنْ السُّفُورِ وَالتَّبَرُّجِ.

وَلا عِبْرَةَ بِالأَجَانِبِ الذِينَ تَرَبُّوا عَلَى السُّفُورِ وَنَشَؤُا عَلَيهِ وَقَلَّدُوا فِيهِ أَعْدَاءَ الإِسْلامِ وَصَارُوا لا يُبَالُونَ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْعِيَاذُ بِاللهِ مِنْ تَرْكِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَحُضُورِ مُنْكَرَاتٍ وَرُكُوبِ النِّسَاءِ بِلا مَحْرَمٍ وَخَلْوَةٍ بِالرِّجَالِ الأَجَانِبِ وَمُبَاشَرَتِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

شِعْرًا:

إِذَا كَانَ الدَّبُورِ عَلَى أُنَاس

أُتِيحَ لَهُمْ أَكَابِرَ مُعْتَدِينَا

ص: 332

ذَوِي كِبْرٍ وَمَجْهَلَةٍ وَجُبْنٍ

وَإِهْمَالٍ لِمَا يَتَوَقَّعُونَا

وَإِنْ يُرِدِ الإِلَهُ صَلاحَ قَوْمٍ

أَتَاحَ لَهُمْ أَكَابِرَ مُصْلِحِينَا

ذَوِي رَأْيٍ وَمَعْرِفَةٍ وَفَهمٍ

وَإِعْدَادٍ لِمَا قَدْ يَحْذُرُونَا

وَلِذَالِكَ تَجِدْ أَهْل نَجْدٍ الَّذِينَ تَرَبَّوا فِي مَقَرِّ الدَّعْوَةِ يَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ الإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَتَى مِنْ بِلادِ الْكُفَّارِ فَأَهْلُ نَجْدٍ إِذَا تَأَمَّلْتَ أَكْثَرَهُمْ وَجَدْتَ عِنْدَهُمْ مَحَبَّةً لِلدِّينِ وَأَهْلِهِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ:

(دِيَار نَجْدٍ هِيَ لِلدُّنْيَا وَسَاكِنُهَا

هُمُ الأَنَامُ فَقَابِلْهَا بِتَفْضِيلِ)

(يَا مَنْ يُبَاهِي بِبُلْدَانٍ وَيَمْدَحُهَا

نَجْدٌ مُقَدَّمَةٌ وَاسْمَعْ لِتَعْلِيلِ)

(لأَنَّ فِيهَا حُدُودِ الشَّرْعِ نَافِذَةٌ

وَغَيْرُهَا فِي قَوَانِينٍ وَتَضْلِيلِ)

نَظْمٌ فِي الْحَثِّ عَلَى الأَخْذِ بِالْحَدِيثِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الآرَاءِ.

وَقَدِّمْ أَحَادِيثَ الرَّسُولِ وَنَصَّهُ

عَلَى كُلِّ قَوْلٍ قَدْ أَتَى بِإِزَائِهِ

فَإِنْ جَاءَ رَأْيٌ لِلْحَدِيثِ مُعَارِضٌ

فَلِلرَّأْي فَاِطْرَح وَاِسْتَرِحْ مِنْ عَنَائِهِ

فَهَلْ مَعَ وُجُودِ الْبَحَرِ يَكْفِي تَيَمُّمٌ

لِمَنْ لَيْسَ مَعْذُوراً لَدَى فُقَهَائِهِ

وَهَلْ يُوقِدُ النَّاسُ الْمَصَابِيح لِلضِّيَا

إِذَا مَا أَتَى رَدْؤُ الضُّحَى بِضِيَائِهِ

سَلامِي عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ

مَصَابِيحُ عِلْمٍ بَلْ نُجُومُ سَمَائِهِ

بِهِمْ يَهْتَدِي مَنْ يَقْتَدِي بِعُلُومِهِمْ

وَيَرْقَى بِهِمْ ذُو الدَّاءِ عِلَّةَ دَائِهِ

ص: 333

.. وَيَحْيَا بِهِمْ مَنْ مَاتَ بِالْجَهْلِ قَلبُهُ

فَهُمْ كَالْحَيَا تَحْيَ الْبِقَاعُ بِمَائِهِ

لَهُمْ حُلَلٌ قَدْ زَيَّنَتَهُمْ مِنَ الْهُدَى ٍ

إِذَا مَا تَرَدَّى ذُو الرَّدَا بِرِدَائِهِ

وَمَنْ يَكُنِ الْوَحْيُ الْمُطَهَّرُ عِلْمُهُ

فَلا رَيْبََ فِي تَوْفِيقِهِ وَاِهْتِدَائِهِ

وَمَا يَسْتَوِي تَالِي الْحَدِيثِ وَمَنْ تَلا

زَخَارِفَ مِنْ أَهْوَائِهِ وَهُذَائِهِ

وَكُنْ رَاغِباً فِي الْوَحْي لا عَنْهُ رَاغِباً

كَخَابِطِ لَيْلٍ تَائِهٍ فِي دُجَائِهِ

إِذَا شَامَ بَرْقاً فِي سَحَابٍ مَشَى بِهِ

وَإِلا بَقِي فِي شَكِّهِ وَاِمْتِرَائِهِ

وَمَنْ قَالَ ذَا حِلٌّ وَهَذَا مُحَرَّمٌ

بِغَيْرِ دَلِيْلٍ فَهْوَ مَحْضُ افْتِرَائِهِ

وَكُلُّ فَقِيهٍ فِي الْحَقِيقَةِ مُدَّعٍ

وَيَثْبُتُ بِالْوَحْيَيْنِ صِدْقُ ادِّعَائِهِ

هُمَا شَاهِدَا عَدْلٍ وَلَكِنْ كِلاهُمَا

لَدَى الْحُكْمِ قَاضٍ عَادِلٍ فِي قَضَائِهِ

فَوَاحَرَّ قَلْبِي مِنْ جَهُولٍ مُسَوَّدٍ

بهِ يُقْتَدَى فِي جَهْلِهِ لِشَقَائِهِ

إِذَا قُلْتُ قَوْلَ الْمُصْطَفَى هُوَ مَذْهَبِيْ

ص: 334