الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَدَّلْتُ التَّثَاقُلَ مِنْ نَشَاطِي
…
وَمِنْ حُسْنِ النَّضَارَةِ بِالشُّحُوبِ
كَذَاكَ الشَّمْسُ يَعْلُوهَا اصْفِرَارٌ
…
إِذَا جَنَحَتْ وَمَالَتْ لِلْغُرُوبِ
تُحَارِبُنَا جُنُودٌ لا تُجَاري
…
وَلا تُلْقَى بِآسَادِ الْحُرُوبِ
هِيَ الأَقْدَارُ وَالآجَالُ تَأْتِي
…
فَتَنْزِلُ بِالْمُطَبَّبِ وَالطَّبِيبِ
تُفَوِّقُ أَسْهُمًا عَنْ قَوْسِ غَيْبٍ
…
وَمَا أَغْرَاضُهَا غَيْرُ الْقُلُوبِ
فَأَنّى بِاحْتِرَاسٍ مِنْ جُنُودٍ
…
مُؤَيَّدَةٍ تُمَدُّ مِنَ الْغُيُوبِ
وَمَا آسَى عَلَى الدُّنْيَا وَلَكِنْ
…
عَلَى مَا قَدْ رَكِبْتُ مِنَ الذُّنُوبِ
فَيَا لَهْفِي عَلَى طُولِ اغْتِرَارِي
…
وَيَا وَيْحِي مِنَ الْيَوْمِ الْعَصِيبِ
إِذَا أَنَا لَمْ أَنُحْ نَفْسِي وَأَبْكِي
…
عَلَى حَوْبِي بِتَهْتَانٍ سَكُوبِ
فَمَنْ هَذا الَّذِي بَعْدِي سَيَبْكِي
…
عَلَيْهَا مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبِ؟
اللَّهُمَّ طهر قلوبنا بالتوبة النصوح من الفساد واجمع قلوبنا على محبتك وخشيتك وأهدنا إلى أقرب الطريق إليك والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد.
«فَصْلٌ»
(فوائد متنوعة ومواعظ نافعة)
قَالَ في الفنون من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار وموت الأقارب والأسلاف والتحسر على الأرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه.
وقد رأوا من انهدام الإسلام وشعث الأديان وموت السنن وظهور البدع وارتكاب المعاصي وتقضي العمر في الفارغ الَّذِي لا يجدي والقبيح الَّذِي يوبق ويؤذي فلا أجد منهم من ناح على دينه ولا بكى على فارط عمره ولا آسى على فائت دهره.
وما أرى لذلك سبباً إلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدنيا في عيونهم ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ وينوحون على الدين، قلت فكيف لو
رأى أهل هذا الزمن الَّذِي كثرت فيه المعاصي والملاهي وانفتحت فيه الدنيا على كثير من الناس فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن عجيب ما رأيت أنا أن أحدنا إذا ناداه أمير أو وزير أو مساعد أو مدير يبادر ويقوم بسرعة لداعي الدنيا ولا يتأخر ويسمع داعي الله يدعوه إلى الصلاة التي هي الصلة بينه وبين ربه جل وعلا وتقدس فيتثاقل ولا يهتم لها وإن قام بعد التريث فكأنه مكره يدفع إليها دفعا عكس ما عليه السلف الصالح من المبادرة والمرابطة وترك الأعمال فوراً عند ما يسمعون (حي على الصلاة حي على الفلاح) وكثير من المساجد عندهم تجد الصف الأول يتم قبل الأذان وقد ازداد الطين بلة بما حدث عندنا من المنكرات قتالة الأوقات، مفرقة النفوس والأبدان، ومشتت القلوب، وذلك كالتلفزيون والمذياع والفيديو والجرائد والمجلات ومخالطة المنحرفين والفاسقين والمنافقين والكافرين والمجرمين أبعدهم الله.
سَيْرُ الْمَنَايَا إِلَى أَعْمَارِنَا خَبَبُ
…
فَمَا تَبِينُ وَلا يَعْتَاقُهَا نَصَبُ
كَيْفَ النَّجَاءُ وَأَيْدِيهَات مُصَمِّمَتٌ
…
بِذَبْحِنَا بِمُدِيَّ لَيْسَتَ لَهَا نَصَبُ
وَهَلْ يُؤَمِّلُ نَيْلَ الشَّمْلِ مُلْتَئِمًا
…
سَفَرٌ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ رِحْلَةٍ عَجَبُ
وَمَا إِقَامَتُنَا فِي مَنْزِلٍ هَتَفَتْ
…
فِيهِ بِنَا مُذْ سَكَنَّا رَبْعَهُ نُوَبُ
وَآذَنْتَنَا وَقَدْ تَمَّتْ عِمَارَتُهُ
…
بِأَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ دَاثِرٌ خَرِبُ
أَزْرَتْ بِنَا هَذِهِ الدُّنْيَا فَمَا أَمَلٌ
…
إِلا لِرَيْبِ الْمَنَايَا عِنْدَهُ أَرَبُ
هَذَا وَلَيْسَتْ سِهَامُ الْمَوْتِ طَائِشَةٌ
…
وَهَلْ تَطِيشُ سِهَامٌ كُلَّهُ نَصَبُ
وَنَحْنُ أَغْرَاضُ أَنْوَاعِ الْبَلأ بِهَا
…
قَبْلَ الْمَمَاتِ فَمَرْمِيٌ وَمُرْتَقِبُ
أَيْنَ الَّذِينَ تَنَاهَوْا فِي إِبْتِنَائِهِمُوا
…
صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتُ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا
قَالَ ابن القيم رحمه الله كل آفة تدخل على العبد فسببها ضياع القلب
وفساد القلب يعود بضياع حقه من الله تعالى ونقصان درجته ومنزلته عنده.
ولهذا أوصى بعض الشيوخ فَقَالَ احذروا مخالطة من تضيع مخالطته الوقت وتفسد القلب فإن ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها وكان ممن قَالَ الله فيه {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} .
ومن تأمل حال هذا الخلق وجدهم كلهم إلا أقل القليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى الَّذِي به تحيا القلوب وتطمئن واتبعوا أهواءهم وصارت أمورهم ومصالحهم فرطا أي فرطوا فيما ينفعهم ويعود عليهم بمصالحهم، واشتغلوا بما لا ينفعهم بل بما يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً.
وهؤلاء قد أمر الله سبحانه رسوله ألا يطيعهم فطاعة الرسول لا تتم إلا بعدم طاعة هؤلاء لأنهم إنما يدعون إلى ما يشاكلهم من أتباع الهوى والغفلة عن ذكر الله.
والغفلة عن ذكر الله والدار الآخرة متى تزوجت بأتباع الهوى تولد بينهما كل شر وكثيراً ما يقترن أحدهما بالآخر ولا يفارقه.
ومن تأمل فساد أحوال العالم عموماً وخصوصاً وجده ناشئاً عن هذين الأصلين فالغفلة تحول بين العبد وبين تصور الحق ومعرفته والعلم به فيكون بذلك من الضالين، وأتباع الهوى يصده عن قصد الحق وإرادته وأتباعه، فيكون من المغضوب عليهم.
وأما المنعم عليهم فهم الَّذِينَ من الله تعالى عليهم بمعرفة الحق علماً وبالانقياد إليه وإيثاره عما سواه عملاً وهؤلاء هم الَّذِينَ على سبيل النجاة ومن سواهم على سبيل الهلاك.
ولهذا أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقول كل يوم وليلة عدة مرات {اهدِنَا
الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .
فإن العبد مضطر إلى أن يكون عارفاً بما ينفعه في معاشه ومعاده وأن يكون مؤثراً مريداً لما ينفعه مجتنباً لما يضره فبمجموع هذين قد هدى إلى الصراط المستقيم فإن معرفه ذلك سلك سبيل الضالين.
وإن فاته قصده وأتباعه سلك سبيل المغضوب عليهم وبهذا تعرف قدر هذا الدعاء العظيم وشدت الحاجة إليه سعادة الدنيا والآخرة عليه.
وَقَالَ آخر حافظ على الأوقات فإن الوقت رأس المال ولا تضيعها بالفراغ وأملأها بالإفادة أو الاستفادة أو بهما جميعاً واعرف ما يذهب به ليلك ونهارُك وجدد توبتك في كل وقت.
وقسم وقتك ثلاثة قسم لطلب العلم وقسم للعمل الَّذِي تستعين به على مصالح دنياك وآخرتك وقسم لحقوق نفسك وما يلزمك واعتبر بمن مضى وتفكر في منصرف الفريقين بين يدي الله جل وعلا وتقدس فريق في الجنة وفريق في السعير.
واستحضر قرب الله منك كما في الحديث فإن لم تكن تراه فإنه يراك وأكرم الكتبة الحافظين فقد أوصى رسول الله بالجار من الناس الَّذِي بينك وبينه جدار وأحجار فكيف بالجار الكريم الَّذِينَ قَالَ الله فيهم {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وَقَالَ جل وعلا وتقدس {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} .
فرعاية جواره أحق وإكرام قربه أوجب لأنه أسبق وألصق وليس بينك وبينه جدار ولا أحجار ولا حائل ومع الأسف الشديد أن الأذية لهما لا تفتر على مر الساعات ولكن مقل ومكثر.
شِعْرًا:
…
وَوَكَّلَ الله مِنَ الْكِرَامِ
…
اثْنَيْنِ حَافِظِينَ لِلأَنَامِ
فَيَكْتُبَانِ كُلَّ أَفْعَالِ الْوَرَى
…
كَمَا أَنِّي بِالنَّصِّ مِنْ غَيْرِ امْتِرَا
قال بعضهم:
تَنَكَّر مَنْ كُنَّا نُسَر بِقُرْ بِهِ
…
وَصَارَ زُعَافًا بَعْدَ مَا كَان سَلْسَلا
وَحُقَّ لِجَارٍ لَمْ يُوَافِقْهُ جَارَهُ
…
وَلا لا أَمَتْهُ الدّرُ أنْ يتحَوَّلا
آخر:
…
كُنْ لَيِّنًا لِلْجَارِ وَأحْفَظْ حَقَّهُ
…
كَرَمًا ولا تَكُ لِلْمُجَاوِرِ عَقْرَبا
وَأحْفَظْ أَمَانَتَهُ وكُنْ عِزًا لَهُ
…
أَبَدًا وَعَمَّا سَاءهُ فَتَجَنَّبَا
علامة صحة الإرادة أن يكون همُّ المريد رضاءَ ربه واستعداده للقائه وحزنه على وقت في غير مرضاة ربه وأسفه على قربه والأنس به وجماع ذلك أن يصبح ويمسي وليس له هم غيره.
وَقَالَ: أعظم الإضاعات هما أصل كل إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة وإضاعة الوقت من طويل الأمل.
فاجتمع الفساد كله في أتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله في أتباع الهدى والاستعداد للقاء الله والله المستعان.
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين وليس لهم حظٌ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار.
ومن المحال عادة أن يطلب فيها نعيم ولذة وراحة إنما ذلك بعد انتهاء السفر ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من آنات السفر غير واقفة ولا المكلف واقف. وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير.
حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِيَّةِ جَارِ
…
مَا هَذِهِ الدُّنَيا بِدَارِ قَرَارِ
جُبلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنَتَ تُرِيْدُهَا
…
صَفْوًا مِنْ الأقْذَارِ والأكْدَارِ
فاقْضُوا مَآرِبَكُمْ عِجَالاً إِنَّمَا
…
أَعْمَارُكُمْ سَفَرٌ مِنْ الأسْفَارِ
قال بعض العلماء: يا إخواني اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجوا من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة وإن يكن الأمر شديداً كما نخاف ونحاذر لم نقل {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} نقول قد عملنا فلم ينفعنا.
وَقَالَ رجل لمُحَمَّد بن المنكدر الجد الْجد والحذر الحذر فإن يكن الأمر على ما ترجون كان ما قدمتم فضلاً وإن يكن الأمر على غير ذلك لم تلوموا أنفسكم.
وَقَالَ بعضهم لبعض الفقراء مرة وقد رأى عليه أثر الجوع والضر: لم لا تسأل ليعطوك، قَالَ أخاف أن أسالهم فيمنعوني فلا يفلحوا، وقد بلغني عن النبي أنه قَالَ:«لو صدق السائل ما أفلح من منعه» .
المراحل التي يمر بها الخلق ستة:
السفر الأول سفر السلالة من الطين.
السفر الثاني سفر النطفة من الظهر إلى الباطن.
السفر الثالث من البطن إلى الدنيا.
السفر الرابع من الدنيا إلى القبور.
السفر الخامس من القبور إلى العرض للحساب.
السفر السادس من العرض إلى منزل الإقامة.
وقد قطعنا نصف السفر نسأل الله الإعانة والسداد والله أعلم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وآلِهِ وصحبه وَسَلَّمَ
شِعْرًا:
حَيَاتُكَ فِي الدُّنْيَا قَلِيلٌ بَقَاؤُهَا
وَدُنْيَاكَ يَا هَذَا شَدِيدٌ عَنَاؤُهَا
ولا خَيْرَ فِيهَا غَيْرَ زَادٍ مِنَ التُّقَى
يُنَال بِهِ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَمَاؤُهَا
بَلَى إنَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مَطِيِّةٌ
عَلَيْهَا بُلُوغُ الْخَيْرِ والشَّرُ دَاؤُهَا
وَمَنْ يَزْرَع التَّقْوَى بِهَا سَوْف يَجْتَنِي
ثِمَارًا مِنَ الفِرْدَوْسِ طَابَ جَنَاؤُهَا
نُؤَمِلُ أنْ نَبْقَى بِهَا غَيْرَ أنَّنَا
عَلَى ثِقةٍ أنَّ الْمَمَاتَ انْتِهَاؤُهَا
فَكُنْ أيُهَا الإنْسَانُ في الْخيْرِ رَاغِبًا
يَلُوحُ مِنَ الطَّاعَاتِ فِيكَ بَهَاؤْهَا
وَجَانِبْ سَبِيلَ الْغَيَ واتْرُكْ مَعَاصِيًا
يُذِيبُكَ مِنَ نَارِ الْجَحِيمِ لَظَاؤُهَا
فَلا بُدَّ يَوْمًا أنْ تَمُوتَ بِمَشْهَدٍ
يُسَاعِدُ مِنْ نَاحَتْ عَلَيْكَ بُكَاؤُهَا
وَتَنْزِلُ قَبْرًا لا أَبَالَكَ مُوحِشًا
تَكُونُ ثَرَى أُمٍ عَلَيْكَ ثَرَاؤُهَا
وَتَبْقَى بِهِ ثَاوٍ إلَى الْحَشْرِ والْجَزَاء
وَنَفْسُكَ يَبْدُو في الْحِسَابِ جَزَاؤُهَا
فَإمَا تَكُونَ النَّفْسُ ثَمَّ سَعِيْدَةٌ
فَطُوبَى وإلا فالضَّرِيعُ غِذَاؤُهَا
يُسَاقُ جَمِيعُ النَّاسِ في مَوْقِفْ القَضَا
وَتُنْشَرُ أَعْمَالٌ يَبِينُ وَبَاؤُهَا
هُنَالِكَ تَبْدُو لِلْعْبَادِ صَحَائِفٌ
.. فَتُوضَعُ في الْمِيزَانِ والذَّنْبُ دَاؤُهَا
وَكَمْ مِنْ ذَلِيلٍ آخِذٍ بِشِمَالِهِ
صَحِيْفَتَهُ السَّوْدَا الشَّدِيدُ بَلاؤُهَا
وآخِرُ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةَ أَخِذٌ
صَحِيفَتَهُ الْبَيْضَاءَ طَابَ لِقَاؤُهَا
اللَّهُمَّ يا حي يا ذا الجلال والإكرام يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، أجمع بيننا وبين الصدق والنية الصالحة، والإخلاص والخشوع والمراقبة، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فصل) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما خمس من كن فيه سعد في الدنيا والآخرة، أولها أن يذكر لا إله إلا الله محمداً رسول الله وقتاً بعد وقت.
وإذا أبتلى ببلية قَالَ إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإذا أعطي نعمةً قَالَ الحمد لله رب العالمين شكراً للنعمة.
وعن سفيان الثوري أنه قَالَ اختار الفقراء خمساً واختار الأغنياء خمساً اختار الفقراء راحة النفس، وفراغ القلب، وعبودية الرب، وخفة الحساب والدرجة العليا،
وإذا ابتدأ في شيء قَالَ بسم الله الرحمن الرحيم
وإذا أفرط منه ذبناً قَالَ استغفر الله العظيم وأتوب إليه.
واختار الأغنياء تعب النفس وشغل القلب وعبودية الدنيا وشدة الحساب والدرجة السفلي
شِعْرًا:
…
يَا سَاكِنَ الدُّنْيَا تَأَهَّبْ
…
وانْتَظِرْ يَوْمَ الْفِرَاقْ
وأعِدَّ زَادًا لِلْرَّحِيلِ
…
فَسَوفَ يُحْدَى بالرِّفَاقْ
وابِكَ الذُّنُوبَ بِأَدْمُعِ
…
تَنْهَلُ مِن سُحْبِ الْمَآقْ
يا مَنْ أضَاعَ زَمَانَهُ
…
أرَضِيتَ مَا يَفْنَي بِبَاقْ
آخر:
…
ألَيْسَ إلَى الآجَالِ نَهْوىَ وَخَلْفَنَا
…
مِن الْمَوتِ حَادٍ لا يُغِبُّ عَجُوْلُ
.. وَمَنْ نَظَرَ الدُّنْيَا بِعَينٍ حَقِيْقَةً
…
تَيَقَنَ أنَّ الْعَسْشَ سَوْفَ يَزُوْلُ
وَمَا هَذِهِ الأيَّامُ إِلا فَوَارِسٌ
…
تُطَارِدُنَا وَالنَّائِبَاتُ خُيُولُ
وَقَالَ بعضهم العجلة تحسن في تجهيز الميت، وتزويج البنت إذا بلغت، وقطف الثمرة إذا استوت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا فرط، وإطعام الضيف إذا نزل.
وَقَالَ عثمان رضي الله عنه إن المؤمن في ستة أنواع من الخوف، أحدها من قبل الله تعالى أن يأخذ منه الإيمان، والثاني من قبل الحفظة أن يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة.
والثالث من قبل الشيطان أن يبطل عمله، والرابع من قبل ملك الموت أن يأخذه في غفلة بغتة، والخامس من قبل الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن الآخرة، والسادس من قبل الأهل والعيال أن يشتغل بهم فيشغلونه عن ذكر الله تعالى.
وَقَالَ أيضاً أضيع الأشياء عشرة عالم لا يسأل عنه، وعلم لا يعمل به، ورأي صواب لا يقبل، وسلاح لا يستعمل ومسجد لا يصلى فيه، ومصحف لا يقرأ فيه، ومال لا ينفق منه وخيل لا تركب، وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا، وعمر طويل لا يتزود صاحبه فيه لسفره.
وَقَالَ إبراهيم بن أدهم حين سألوه عن قول الله تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وأنا ندعوه فلم يَسْتجِبْ لنا فَقَالَ ماتت قلوبكم من عشرة أشياء، أولها إنكم عرفتم الله ولم تؤدوه حقه، وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، وادعيتم عداوة إبليس وواليتموه.
وادعيتم حب الرسول وتركتم أثره وسنته، وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها، وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن الذنوب، وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب أنفسكم ‘ وأكلتم رزق الله ولا تشكرونه.
شِعْرًا:
…
قَدْ قَلْتُ لِلْنَفْسِ وَبَالَغْتُ
…
وَزِدْتُ في الْعُتْبِ وَأَكْثَرْتُ
يا نَفْسُ قَدْ َقَصَّرتِ ما قَدْ كَفَى
…
تَيَّقِظي قدْ قَرُبَ الْوَقْتُ
جُدِّي عَسَى أنْ تُدْرِكي مَا مَضَى
…
قدْ سَبَقَ النَّاسُ وخُلِّفْتُ