الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول:
ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة، وهذه الفرقة طائفتان:
مُدّعو النبوة وأتباعهم.
والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين، وتركوا الصلاة والزكاة، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية.
القسم الثاني:
هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها.
وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلاف، فثبت أبو بكر رضي الله عنه ثم وافقه جميع الصحابة على قتال جميع المرتدين ومانعي الزكاة (1).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فمن قال: لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه))؟! فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عِقالاً (2) كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه،
(1) انظر: شرح النووي على مسلم، 1/ 202، والبداية والنهاية، 6/ 311، وتاريخ الإسلام للذهبي - عهد الخلفاء الراشدين، ص27، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/ 67.
(2)
العقال: هو الحبل الذي يعقل به البعير، والعناق: هي السخلة من الغنم. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/ 280، 3/ 311.
فقال عمر بن الخطاب: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق (1).
وفي رواية: أن أبا بكر رضي الله عنه قال:)) واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها
…
(((2).
وفي هذا الموقف الحكيم لأبي بكر أدلّ دليل على شجاعته رضي الله عنه وتقدّمه في الشجاعة والعلم على غيره، فإنه ثبت للقتال في هذا الموطن العظيم الذي هو أكبر نعمة أنعم اللَّه – تعالى – بها على المسلمين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستنبط رضي الله عنه من العلم بحكمته، ودقيق نظره، ورصانة فكره، ما لم يُشاركه في الابتداء به غيره، فلهذا وغيره مما أكرمه اللَّه به، أجمع أهل العلم بالحق على أنه أفضل أمة
(1) مسلم بلفظه في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، 1/ 51، (رقم 20)، والبخاري مع الفتح في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/ 262، (رقم 1399)، 12/ 275، 13/ 250، 3/ 321، 322.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/ 262، 12/ 275، 13/ 250، (رقم 1399)، ورواية العناق عند البخاري دون مسلم. وما ذهب إليه أبو بكر رضي الله عنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، حيث جاء فيه ذكر الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
وقد أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، 1/ 53، (رقم 22)، وأبو داود في كتاب الزكاة، 2/ 93، (رقم 1556)، والترمذي في الإيمان، باب ما جاء بني الإسلام على خمس، 5/ 3، (رقم 2609، 2610)، والنسائي في الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، 5/ 14، (رقم 3938).
محمد صلى الله عليه وسلم (1).
فرضي اللَّه عن أبي بكر وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء؛ فإنه قد قام بما يجب عليه نحوها، من ترسيخ معاني الإسلام في قلوب ونفوس وحياة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمرها بالثبات على دين اللَّه الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقص، وطبق ذلك تطبيقاً عمليّا على نفسه، وعلى جميع من بايعه، وقاتل من أنكر شيئاً من ذلك، فقد أعز اللَّه به الإسلام والمسلمين، وخذل به أعداء اللَّه وأعداء الدين، ولهذا لم ينقص الدين في حياته كما قال رضي الله عنه لعمر بن الخطاب حينما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة: إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين، أفينقص وأنا حيّ؟ واللَّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((إلا بحقها))، ومن حقها: إيتاء الزكاة، واللَّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي)) (2).
وصدق رضي الله عنه، فقد حفظ اللَّه به الدين، ولم ينقص وهو حي، ولهذا كانت خلافته مليئة بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السنوات الطوال لإنجازها على الرغم من قصر مدة خلافته رضي الله عنه، فهي لم تزد
(1) انظر: شرح النووي على مسلم، 1/ 211.
(2)
انظر: تاريخ الطبري، 2/ 245، 246، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/ 68، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص75، وحياة الصحابة، 1/ 434.