الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير هذا – يعنون قميصه المرقع – وركبت برذوناً (1)، لكان ذلك أعظم في أعين الروم، فقال: نحن قوم أعزنا اللَّه بالإسلام، فلا نطلب غير اللَّه بديلاً.
ثم سار عمر من الجابية إلى بيت المقدس، وقد تعبت دابته، فأتوه ببرذون فجعل يهملج به، فقال: لمن معه: احبسوا، احبسوا، فنزل عنه، وضرب وجهه، وقال: لا علّم اللَّه من علّمك، هذا من الخيلاء، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين، هاتوا جملي، ثم نزل وركب الجمل، ثم لم يركب برذوناً قبله ولا بعده (2).
(ب) ولما قدم عمر بن الخطاب
رضي الله عنه الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع خُفَّيه، وأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره، وقال: أوَّه، لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذَّل الناس، وأحقر الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يُذلكم اللَّه (3).
(1) البرذون: الدابة، ويطلق على غير العربي من الخيل والبغال. انظر: القاموس المحيط، باب النون، فصل الباء، ص1522، والمعجم الوسيط، مادة: برذن، 1/ 48، ومختار الصحاح، مادة (برذن)، ص18.
(2)
انظر: البداية والنهاية، 7/ 57، 7/ 60، 7/ 135، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150، 151.
(3)
انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/ 60، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص59، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150.
وله مواقف حكيمة في دعوته إلى اللَّه إلى اللَّه – تعالى – لا يتسع المقام لذكرها (1).
وهذه المواقف العظيمة يبين فيها للناس بقوله وفعله أن العزة والرفعة والتمكين لا تأتي عن طريق الكبر، والغطرسة، والإعجاب بالنفس أو الجاه أو السلطان، وإنما يأتي ذلك كله لمن تمسك بالإسلام، ولهذا قال لأبي عبيدة في الخبر السابق:((إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقرَ الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة من غير اللَّه يذلّكم اللَّه)).
رضي اللَّه عن الفاروق وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء، فقد قام بالأعمال العظيمة، وسلك مسلك الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتي خيراً كثيراً، ونفَّذ وصية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في
(1) ومن حصره على التواضع أنه كان يدرب نفسه عليه، ولذلك إذا أنكر نفسه أدبها وجازاها وخاطبها يخوفها بالله، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت مع عمر، فدخل حائطاً لحاجته فسمعته يقول: - وبيني وبينه جدار الحائط –: <عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك>.
وقيل: إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعاً إلى منزله، فيعاد أياماً ليس به مرض إلا الخوف من الله عز وجل، انظر: البداية والنهاية، 7/ 135.
وانظر مواقف له أخرى في: تاريخ الطبري، 2/ 567، 568، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 3/ 30، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص69، والبداية والنهاية، 3/ 135، وحياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 2/ 97.