الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام.
(د) وعندما امتنع من قبول هذه الدعوة دعاه إلى النزال
، فلم ينزل فاستفزه ليغضبه، فلما نزل قتله رضي الله عنه فانهزم المشركون بفضل اللَّه، ثم بدخول الرعب في قلوبهم بهذا الموقف الحكيم.
المطلب الرابع: موقف علي رضي الله عنه في غزوة خيبر:
في السنة الرابعة للَّهجرة سار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى يُصبح، فلما أصبح صبح خيبر بكرة، فخرج أهلها بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((اللَّه أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) (1).
وعندما رأى أهل خيبر الجيش رجعوا هاربين إلى حصونهم، وخرج ملكهم مَرْحَب يرفع سيفه مرة، ويضعه أخرى ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع، فقال:
(1) البخاري مع الفتح، المغازي، باب غزوة خيبر 7/ 467، (رقم 4197)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر 3/ 1427، (رقم 1365)، وانظر: زاد المعاد لابن القيم، 3/ 316.
قد علمت خيبر أني عامر
…
شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يضربه من أسفله، فرجع سيفه على نفسه فمات شهيداً (1).
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله))، فبات الناس يدوكون (2) ليلتهم: أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال:((أين علي بن أبي طالب؟)) قيل: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال:((فأرسلوا إليه))، فأُتي به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم)) (3).
(1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، من حديث سلمة بن الأكوع، 3/ 1440، 1441، (رقم 1807)، وزاد المعاد لابن القيم، 3/ 319.
(2)
يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك. انظر: شرح النووي، 12/ 178.
(3)
البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 7/ 476، (رقم 4210)، وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي رضي الله عنه، 7/ 70، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي رضي الله عنه، (رقم 2406)، 4/ 1871، 3/ 1441.
وبدأ علي رضي الله عنه وأخذ الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره (1)
…
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره (2)
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه (3).
فرضي اللَّه عن علي وأرضاه، فقد قام بهذه البطولة النادرة بعد حصار النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر قريباً من عشرين يوماً، ثم يسر اللَّه فتحها على يد علي رضي الله عنه فخرج الناس من حصونهم يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها، وجعل عتقها صداقها،
(1) حيدرة: اسم للأسد، وكان عليٌّ رضي الله عنه قد سُمِّي أسداً في أول ولادته، وكان مرحب قد رأى أن أسداً يقتله، فذكره عليٌّ بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 185.
(2)
معناه: أقتل الأعداء قتلاً واسعاً ذريعاً، وقيل السندرة: مكيال واسع. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 185.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها مطولاً، 3/ 1441، (رقم 1807)، وانظر: زاد المعاد، 3/ 321، وحياة الصحابة، 1/ 544.