الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تؤمنوا باللَّه ورسوله. قالوا: فواللَّه ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة.
ورجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية، وخطمة، ووائل، وواقف، وهم من الأوس بن حارثة، فإنهم أطاعوا أبا قيس الشاعر، وهو ابن السلت، واسمه صيفي، فوقف بهم عن الإسلام حتى كان بعد الخندق (1).
وهذه الاستجابة العظيمة بفضل اللَّه، ثم بفضل مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقد ضُرِبَ به المثل في حكمته وحُسن دعوته وصبره وحلمه ورفقه وأناته عند سماع التهديد من قبل أسيد وسعد رضي الله عنهم، فأثر هذا الموقف الحكيم عليهما وأسلما، وأسلم - بفضل اللَّه ثم بإسلامهما - هذا الجمع الغفير في يوم واحد، فرضي اللَّه عن مصعب، ورضي اللَّه عن صاحبه أسعد، فقد أنقذ اللَّه بهما مدينة كاملة، وللَّه الحمد والمنة.
المبحث السادس: موقف ضمام بن ثعلبة مع قبيلة بني سعد
بعث بنو سعد ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقدم
(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 3/ 152، وسيرة ابن هشام، 2/ 43، والرحيق المختوم، ص140، وهذا الحبيب يا محبّ، ص145، وانظر: الإصابة في تمييز الصحابة، 3/ 421، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 1/ 145، وحياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 1/ 187 - 189.
المدينة، وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، وكان ضمام جلداً، فأقبل حتى وقف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: أيكم محمد؟ فقال الصحابة: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((قد أجبتك))، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمُشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك. فقال:((سل عما بدا لك)). فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اللَّه أرسلك؟ قال:((صدق)). قال: فمن خلق السماء؟ قال: ((اللَّه)). قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((اللَّه)). قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((اللَّه)). قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آللَّه أرسلك؟ قال:((نعم)). قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق)). قال: فبالذي أرسلك، آللَّه أمرك بهذا؟ قال:((نعم)). قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا. قال: ((صدق)). قال: فبالذي أرسلك آللَّه أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)). قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: ((صدق)). قال: فبالذي أرسلك، آللَّه أمرك بهذا؟ قال:((نعم)). قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً. قال: ((صدق)). قال فبالذي أرسلك، آللَّه أمرك بهذا؟ قال:((نعم)). ثم
ولّى، وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ((لئن صدق ليدخلن الجنة)) (1).
فأتى ضمام بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى. فقالوا: مه ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون. فقال: ويلكم، إنهما لا يضران ولا ينفعان، إن اللَّه قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه.
قال الراوي: فواللَّه ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً، وما سُمِعَ بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة (2).
وهذا يدل على حكمة ضمام بن ثعلبة، فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أولاً عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه بأن يصدقه في كونه مرسلاً لخالق هذه المخلوقات، ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله.
(1) انظر: البخاري مع الفتح في كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، 1/ 148، (رقم 63)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام، 1/ 41، (رقم 11)، وأحمد في المسند، 3/ 143، 3/ 193، والألفاظ من هذه المواضع كلها.
(2)
انظر: البداية والنهاية، 5/ 60، وسيرة ابن هشام، 4/ 342، والإصابة في تمييز الصحابة، 2/ 210.