الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((ما أبقيت لأهلك؟)) قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله، قلت: واللَّه لا أسبقه إلى شيء أبداً)) (1).
وأبو بكر رضي الله عنه أولى الأمة بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (2).
المطلب الرابع: موقف أبي بكر عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
- (3):
أُصيب المسلمون يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمصيبة عظيمة، وهزّة
(1) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنه، 5/ 614، (رقم 3675)،وقال: <هذا حديث حسن صحيح>، وأبو داود في الزكاة، باب الرخصة في ذلك - أي الرخصة في إخراج المال كله، 2/ 129، (رقم 1678)، والدارمي في الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، 1/ 329، (رقم 1667)، والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/ 414، وأبو نعيم في الحلية، 1/ 32.
(2)
سورة الليل، الآيات: 17 - 21.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. انظر: تفسير ابن كثير، 4/ 522.
(3)
انظر له مواقف حكيمة في البخاري مع الفتح في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، 7/ 149، وأبي نعيم في الحلية، 1/ 31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وانظر: حياة الصحابة، 2/ 611، 612، وأعلام المرسلين لخالد البيطار، 1/ 30، وصحيح الجامع الصغير للألباني، 4/ 172، برقم 4395، وانظر أيضاً: فتح الباري، 7/ 14، فقد ذكر لأبي بكر عجائب في الورع.
عنيفة، أفقدت الكثير منهم صوابهم، حتى إن عمر أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الناس وخطبهم، وقال: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليبعثنه اللَّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.
وأقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرس من مسكنه بالسُّنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبتْ لك فقد متها (1)، ثم خرج أبو بكر - وعمر يُكلم الناس - فقال: أيها الحالف على رسْلِك، وقال: اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر رضي الله عنه فحمد اللَّه أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، قال اللَّه - تعالى -:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (2). وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه، 3/ 133، (رقم 1241، 1242)، وكتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، 8/ 145، (رقم 4452 - 4454).
(2)
سورة الزمر، الآية:30.
يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (1).
فواللَّه لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن اللَّه أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه وقال عمر: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.
وقال الراوي: فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون (2).
إن المصيبة عظيمة، والأمر كبير، والحادث جليل، والخلاف واقع؛ ولكن أبا بكر - رضي الله عنه بفضل اللَّه تعالى - حل الخلاف، وألف بين القلوب وثبّتها، ولا يقدر على هذا إلا من أوتي قلباً ثابتاً، وشجاعة فائقةً، وعقلاً راجحاً، وحكمة بالغةً، رضي الله عنه وأرضاه.
وفي اليوم الثاني - يوم الثلاثاء - خطب أبو بكر الناس، وبين لهم ما عليهم، وما لهم، فقام رضي الله عنه وأرضاه - فحمد اللَّه وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ
(1) سورة آل عمران، الآية:144.
(2)
انظر: البخاري مع الفتح، وقد صغت هذه الألفاظ من مواضع متفرقة منه، من كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت إذا أدرج في أكفانه، 3/ 113، (رقم 1241، 1242)، وكتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً، 7/ 19، (رقم 3667)، وكتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، 8/ 145، (رقم 4454)، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، 5/ 241، 242، وحلية الأولياء، 1/ 29.