الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بزوجك إن شئت، قالت: وردّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابني فارتحلت ببعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق اللَّه
…
)) (1).
اللَّه أكبر ما أعظم هذا الموقف! وما أحكمه! فقد ترك أبو سلمة زوجته وابنه، وماله، وهاجر بنفسه تاركاً نصفه وراءه من أجل دينه ويتجاذب بنو عبد الأسد وبنو المغيرة ابن أم سلمة، ويخلعوا يده وهي تنظر، وتحبس من أجل دينها، وتبكي كل يوم في الأبطح سنة أو قريباً منها، إنه موقف عظيم وبلاء كبير أسفر عن قوة الإيمان والصدق مع اللَّه، فنسأل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة، ورضي اللَّه عن أبي سلمة وزوجته وأرضاهما، فقد جاهدا في اللَّه، وأُوذيا في اللَّه، وصبرا في اللَّه، واللَّه المستعان.
5 – وعندما ينظر الإنسان في موقف عبد اللَّه بن حذافة بن قيس
رضي الله عنه عندما حاول ملك الروم أن يصدّه عن دينه – يرى الموقف الحكيم، والرجل العظيم!
وجَّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم، فأسروا عبد اللَّه بن حذافة، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد. فقال: هل لك أن تتنصَّر وأُعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني
(1) انظر: سيرة ابن هشام، 2/ 77، والبداية والنهاية، 3/ 169، والرحيق المختوم، ص150، وهذا الحبيب يا محبّ، ص151.
جميع ما تملك، وجميع ما تَملُك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين، قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك، فأُمِرَ به فصُلِبَ وقال للرماة: ارموه قريباً من بدنه، وهو يعرض عليه ويأبى ولم يجزع، فأنزله، وأمر بقدر فصبَّ فيه ماء وأُغلي عليه حتى احترقت، ودعا بأسيريْنِ من المسلمين، فأمر بأحدهما، فأُلقي فيها فإذا عظامه تلوح، وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، فأمر بإلقائه في القدر إن لم يتنصّر، فلما ذهبوا به بكى، فقيل للملك: إنه بكى، فظن أنه قد جزع، فقال: ردوه، فقال: ما أبكاك؟ قال: قلت هي نفس واحدة تُلقى الساعة فتذهب فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تُلقى في النار في اللَّه. فتعجب الطاغية فقال له: هل لك أن تُقبّل رأسي وأًخلِّي عنك؟ فقال له عبد اللَّه: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم، فقبّل رأسه، فخلّى عنهم، وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره. فقال عمر: حقٌّ على كلِّ مسلم أن يُقبِّل رأس عبد اللَّه بن حذافة، وأنا أبدأُ. فقبَّل رأسه (1).
هذا موقف عظيم حكيم، فإن عبد اللَّه رضي الله عنه ثبت على دينه، ولم يقبل سواه، ولو أُعطى ملك كسرى ومثله معه، وملك العرب جميعاً، ثم لصدقه مع اللَّه لم يجزع من الرّماة عندما رموه وهو مصلوب، ولم يجزع من القِدْرِ والماء المغليّ وقد رأى من يُلقى في
(1) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 2/ 14، والإصابة في تمييز الصحابة، 2/ 269.