الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقين ليس لهم من دون الله من ولي ولا شفيع {لَيْسَ لَهُمْ مِّنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51].
وهذا التعريف لأولياء الله الذي نصّ الله عليه في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63] يدلُّ على أن كل مؤمن تقي، فإنه لله ولي، وهذا يدلُّ على مدى ضلال بعض المسلمين الذين ينسبون الولاية إلى أقوام جهلة، علمهم بالعقيدة والشريعة قليل، وجهلهم بهما كثير، حتى إن الواحد منهم قد لا يعلم كيف يصلي، وكيف يتوضأ، وتجده متلطخاً بالنجاسات، مغرقاً في الترهات، وقد تجد الواحد منهم مشتغلاً بالسحر والشعوذة، مضلاً لعباد الله، والناس يظنون فيه التقى، وهو أبعد الناس عن التقى.
المطلب السابع كرامات الأولياء
أخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون هم الذين آمنوا وكانوا يتقون {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63].
فكل مؤمن تقي، فهو لله ولي، وقد يخرق الله تبارك وتعالى لبعض أوليائه العادات، ولكن الذين خرقت لهم العادات لا يكونون أولياء إلا إذا كانوا مؤمنين أتقياء، أما الكفار وأهل البدع الضالون الذين تخرق لهم العادات، فتراهم لا يصلون، ولا يتوضؤون، تراهم مخالفين للكتاب والسنّة، ثم تراهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء، فهؤلاء ضالون
ليسوا من الولاية في شيء، وكثير من الكفرة والمشركين من اليهود النصارى وغيرهم يجري على يديه بعض الخوارق، وهذه الخوارق أحوال شيطانية، وليست بأحوال رحمانية.
وأولياء الرحمن المؤمنون المتقون - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - نوعان: الأبرار أصحاب اليمين؛ والسابقون المقربون، فالأولون هم المقربون إلى الله بفعل ما فرضه وترك ما حذَّره؛ والآخرون هم الذين يتقربون إليه بعد الواجبات بالنوافل المستحبات، كما روى البخاري في صحيحه [ورقمه: 6502] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدٌ بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه» .
فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نوع أولياء الله المتقربين بالفرائض، ونوع أهل النوافل بالمحبة، وما لم يكن من الواجبات ولا من المستحبات، ولم يأمر الله به ورسوله لا أمر إيجاب ولا استحباب، ولا فضَّله الله ورسوله بالترغيب فيه، فليس من الأعمال الصالحة، وليس من العبادات التي يتقرَّب بها إلى الله، وإن كان كثيرٌ من عبَّاد المشركين وأهل الكتاب والمبتدعين يتقربون بما يظنونه عبادات، وليس مما أوجب الله ورسوله ولا أحبَّه الله ورسوله، فهؤلاء ضالون مخطئون طريق الله.
وهم في الضلال درجات: فمنهم كافر، ومنهم فاسق، ومنهم مذنب، ومنهم مؤمن مخطئ أخطأ في اجتهاده، والخوارق التي تحصل بمثل هذه الأعمال التي ليست واجبةً، ولا مستحبة، بل هي من الأحوال الشيطانية، لا مما يكرم الله به أولياءه، كالخوارق التي تحل بالشرك والكواكب وعباداتها، وعبادة المسيح والعزير وغيرهما من الأنبياء، وعبادة الشيوخ الأحياء والأموات، وعبادة الأصنام، فإن هؤلاء قد تجعل لهم أرواحٌ تخاطب ببعض الأمور الغائبة، ولكن لا بد أن يكذبوا مع ذلك، كما قال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221 - 222]. وقد تقتل بعض الأشخاص أو تمرضه، وقد تأتيه بما تسترقه من الناس، إما دراهم وإما طعام وإما شراب أو لباس أو غير ذلك. وهذا كثير جداً.
فمن كذَّب بمثل هذه الخوارق فهو جاهل بالموجودات، ومن ظنّ أن هذه كرامات أولياء الله المتقين فهو كافرٌ بدين رب الأرض والسماوات، بل هذه من جنس أحوال الكهنة والسحرة، مثل مكاشفة عبد الله بن صيّاد للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ظنّه بعض الصحابة الدجَّال، ولم يكن هو الدجال، وتوقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تبيّن له أنه ليس هو الدجال، لكن كان له حالٌ شيطاني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«قد خبأت لك خبيئةً» [مسلم: 2924]، فقال: الدُّخ الدُّخ، وكان قد خبأ له سورة الدخان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«اخسأ، فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهَّان» . وقال له: «ما ترى؟» قال: أرى عرشاً على الماء، وقال: يأتيني صادقٌ وكاذب. [أخرجه مسلم: (2925، والترمذي: 2247 عن أبي سعيد الخدري]. وذلك العرش هو عرش إبليس. وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه» [مسلم: 2813].