الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار فقال: أنا أكفنك في ردائي هذا، وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي (1). قال: أنت فكفني، فكفنه الأنصاري، ودفنه في النفر الذين معه، منهم حجر بن عديّ بن الأدبر، ومالك بن الأشتر في نفر كلهم يمانٍ. [أخرج هذا الخبر في وفاة أبي ذر الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح].
وقد ذكر محمد بن إسحاق في المغازي أن أبا ذر مات بالرَّبذة سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة [صفة الصفوة: 1/ 584 - 599].
7 - الصحابي الجليل خبيب بن عدي بن مالك
تقديم:
الصحابي الجليل خبيب بن عدي بن مالك أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم يستطلع الأخبار، فعلمت هذيل به وبمن معه، فلحقوا بهم، وقتلوا بعض أصحاب خبيب، وأسروا خبيباً، وقتلوه بعد أسره، فلم يظهر جزعاً، ولا فزعاً، وهو القائل:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
…
على أي جنب كان في الله مصرعي
ترجمته:
1 -
قال ابن الجوزي في ترجمته لخبيب: "شهد خبيب أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني لحيان، فأسروه هو وزيد بن دثنة، فباعوهما من قريش فقتلوهما وصلبوهما بمكة بالتنعيم.
(1) العيبة: الزنبيل من أدم. أو ما تجعل فيه الثياب كالصندوق ونحوه.
وروى البخاري من حديث أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً (1)، فأمر عليهم عاصم بن ثابت حتى إذا كانوا بالهدة (2) بين عسفان ومكة ذكروا لحيٍّ من هذيل، يقال لهم بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رامٍ، فاقتصوا آثارهم، حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا، فأعطوا بأيدكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً.
فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة، ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق: منهم خبيب، وزيد بن الدَّثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، فو الله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجرّروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنت الحارث موسى ليستحد بها فأعارته فدرج بنيٌّ لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده، وإنه لموثق
(1) أي عشرة من المخبرين أو الرصد.
(2)
الهدّة (بتشديد الدال وقد تخفف): موضع بين عسفان ومكة.
بالحديد، وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين فتركوه، فركع ركعتين، وقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً (1)، ولا تبق منهم أحداً".
وقال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
…
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلوٍ ممزع (2)
ثم قام إليه أبو سروعه عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو سنَّ لكل مسلمٍ قتل صبراً (3) الصلاة.
وأبو سروعة أسلم وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج له البخاري في الصحيح ثلاثة أحاديث.
وقال سعيد بن عامر بن حذيم: شهدت مصرع خبيب، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذعه (4) فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة.
وعن إبراهيم بن إسماعيل قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عيناً إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا
(1) بدداً: يروى بكسر الباء: جمع بدّة وهي الحصة والنصيب، أي اقتلهم حصصاً مقسمةً لكل واحد حصته ونصيبه. ويروى بفتح الباء، أي متفرقين في القتل واحداً بعد واحد.
(2)
الشلو: العضو، ممزَّع: مقطَّع ومفرقّ.
(3)
يقال: قتل فلان صبراً، أي: حبس أو أوثق حتى يقتل أو يموت.
(4)
جذع الإنسان، جسمه ما عدا الرأس واليدين والرجلين.