الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: ما تشتكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل، قال: ما يقولون؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم، وجعلت الليل لله عز وجل، قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه، قال: ما يقولون؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي، ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجف، ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار، قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغنظ الغنظة (1) بين الأيام. قال: ما يقولون؟ قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذع، فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة. فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً، فتصيبني تلك الغنظة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيّل فراستي فيه [صفة الصفوة: 1/ 660 - 666].
10 - سليمان بن يسار
تقديم:
هذا أحد علماء التابعين، كان يشبه نبي الله يوسف، فقد كان من أحسن الناس وجهاً، وطمعت في جماله أكثر من امرأة، فكان خوفه من الله تعالى يردعه عن الفاحشة، ويقيه السوء.
ترجمته:
1 -
التعريف به: قال ابن الجوزي: سليمان بن ياسر مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: كان مكاتباً لها يكنى أبا أيوب.
(1) وفي نسخة: (تغنظه الغنظة). والغنظ: أشد الكرب والجهد.
2 -
حسنه وجماله وطمع النساء فيه: عن مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن ياسر من أحسن الناس وجهاً، فدخلت عليه امرأة فسألته نفسه، فامتنع عليها، فقالت له: ادن، فخرج هارباً عن منزله، وتركها فيه، قال: سليمان: فرأيت بعد ذلك يوسف عليه السلام فيما يرى النائم، وكأني أقول له: أنت يوسف؟ قال: نعم أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهمّ.
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجّين من المدينة، ومعهما أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلاً، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم، وبقى عطاء بن يسار قائماً في المنزل يصلي.
قال: فدخلت عليه امرأة عن الأعراب جميلة، فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجةً، فأوجز في صلاته، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم، قال: ما هي؟ قالت: قم فأصب مني، فإني قد ودقت (1)، ولا بعل لي. فقال: إليك عني، لا تحرقيني ونفسك بالنار.
ونظر إلى امرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه، ويأبى إلا ما يريد، قال: فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك إليك عني، قال: اشتد بكاؤه، فلما نظرت المرأة إليه وما داخله من البكاء والجزع، بكت المرأة لبكائه، قال فجعل يبكي والمرأتة بين يديه تبكي، فبينما هو كذلك إذ جاء سليمان من حاجته، فلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي، فبينما هو كذلك إذ جاء سليمان من حاجة، فلما نظر إلا عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت، بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلاً رجلاً، كلما أتى رجل فرآهم يبكون
(1) ودقت، أي: أرادت الفحل.
يبكي لبكائهم، لا يسألهم عن أمرهم، حتى كثير البكاء، وعلا الصوت، فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت.
قال: فقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالاً له وهيبة، قال: وكان أسنَّ منه.
قال: ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما، فلبث بها ما شاء الله، فبينا سليمان ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكي، فقال عطاء: ما يبكيك يا أخي؟ قال: فاشتد بكاؤه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة، قال: وما هي؟ قال: لا تخبر بها أحداً ما دمت حياً، رأيت يوسف النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر إليه، فلما رأيت حسنه بكيت، فنظر إليّ في الناس، فقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه.
قال: فهلَاّ تعجّبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ فعرفت الذي أراد فبكيت واستيقظت باكياً.
قال عطاء: أي أخي وما كان ما حال تلك المرأة؟ فقصّ عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحداً حتى مات عطاء، فحدَّث بها بعده امرأة من أهله، قال: وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار رضي الله عنهما.
وعن ابي الزناد عن أبيه قال: كان سليمان بن يسار بصوم الدهر، وكان عطاء بن يسار يصوم يوماً ويفطر يوماً.