المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة المحقق إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١

[بدر الدين العيني]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة المحقق إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة المحقق

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد

فإن كتاب "شرح معاني الآثار" من أعظم دواوين الإِسلام وأنفسها، وأكثرها فائدة ونفعًا، وقد تضمن مزايا عديدة، وفوائد فريدة يجدها من يمعن النظر فيه، وكما قال العيني رحمه الله: فإن الناظر فيه المنصف إذا تأمله يجده راجحًا علي كثير من كتب الحديث المشهورة المقبولة ويظهر له رجحانه بالتأمل في كلامه وترتيبه، ولا يشك في هذا إلا جاهل أو متعصب.

وقال في مقدمة "مغاني الأخيار": قد جمع من سننهم كتابا مُترَّهًا بشرح معاني الآثار، فائقًا غيره من الأمثال والأنظار، مشتملًا علي فوائد عظيمة وعوائد جسيمة، إن أردت حديثًا؛ فكبحر تتلاطم فيه أمواجه، وإن أردت فقها؛ رأيت الناس يدخلون فيه أفواجًا، بحيث من شرع فيه لم يبرح يعاوده، ومن غرف منه غرفة لم يزل يراوده، ومن نال منه شيئًا نال مُنَاهُ، ومن ظفر استوعب غناه، ومن تعلق به سِفْرًا ساد أهل زَمَانِهِ، ومن تعلق به كثيرًا يقول متلهفًا: ليت أيام الشباب ترجع إلى ريعانِهِ، ولم يهجر هذا الكتاب إلا حاسد ذو فساد، أو ذو عناد، أو متعصب مماري، أو مَنْ هو من هذا الفن عاري.

ص: 5

وقد قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(15/ 30) في ترجمة أبي جعفر الطحاوي: ومن نظر في تواليف هذا الإِمام علم محله من العلم وسعة المعرفة.

وقد يتميز هذا الكتاب بأنه يشتمل على الفوائد الكثيرة التي لا توجد في غيره.

فمنها: أنه يكثر من سرد أسانيد الحديث فكثير من الأحاديث المروية في غيره توجد فيه بزيادات مهمة كتعدد الأسانيد التي تزيد الأحاديث قوة.

وقد يكون الحديث في غيره بسند ضعيف ويوجد فيه بسند قوي.

أو يكون في غيره من طريق وتوجد فيه طرق أخرى، وتعدد الأسانيد يظهر للمحدث نكت وفوائد مهمة.

ومنها: أنه توجد في كتابه فوائد كثيرة في المتون؛ فيقع في كتابه مطولًا ما وقع في غيره مختصرًا، أو مفسرًا ما كان عند غيره مجملًا، أو مقيَّدًا ما كان عند غيره مطلقًا وغير ذلك من مهمات الفوائد.

ومنها: أنه يشتمل علي كثير من الأحاديث المرفوعة، والآثار عن الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم وآرائهم في الفقه ما لا يوجد في غيره من الكتب حاشا مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة والمحلي.

ولذلك قال العيني في كتاب الزكاة، باب "الصدقة علي بني هاشم": فانظر إلى اتساع رواية الطحاوي وجلالة قدره الذي أخرج في حكم واحد نادر الوقوع بالنسبة إلى غيره عن اثني عشر صحابيًّا مع استنباط الأحكام والتوغل فيها!

ومنها: أنه بوب كتابه علي مسائل الفقه ثم يورد الأحاديث وينبه على استنباطات عزيزة من الأحاديث لا يكاد يُنتَبَه إليها.

ومنها: أن مؤلفه رتب الكتاب علي ترتيب كتب الفقه ثم تلطف في استخراج مناسبات يورد فيها الأحاديث المتعلقة بالأمور التي يتبادر إلى الذهن أنها ليست متعلقة بتلك المسألة التي عقد لها الباب.

ص: 6

وهذا في كتابه كثير يظهر بالتتبع والتأمل.

ومنها: أنه مع إثباته مذهب الأحناف وإيراد أدلتهم يذكر أدلة المخالفين في الباب ثم يرجح بينها وينصر مذهب أبي حنيفة غالبًا إلا في مواضع يسيرة.

قال الكوثري: من مصنفات الطحاوي الممتعة: كتاب "معاني الآثار" في المحاكمة بين أدله المسائل الخلافية، يسوق بسنده الأخبار التي يتمسك بها أهل الخلاف في تلك المسائل ويخرج من بحوثه بعد نقدها إسنادًا ومتنًا رواية ونظرًا ما يقنع الباحث المنصف المتبرئ من التقليد الأعمى، وليس لهذا الكتاب نظير في التفقيه، وتعليم طرق التفقه، وتنمية مَلَكة الفقه.

وقد صرح الإِمام الطحاوي في مقدمته بسبب تأليفه للكتاب فقال: سألني بعض أصحابنا من أهل العلم أن أضع له كتابًا أذكر فيه الآثار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام التي يتوهم أهل الإلحاد، والضعفة من أهل الإِسلام أن بعضها ينقض بعضًا لقلة علمهم بناسخها ومنسوخها وما يجب عليه به العمل منها لِمَا يشهد له من الكتاب الناطق والسُّنَّة المجتمع عليها، وأجعل لذلك أبوابًا أذكر في كل كتاب منها ما فيه من الناسخ والمنسوخ، وتأويل العلماء، واحتجاج بعضهم علي بعض وإقامة الحجة لمن صح -عندي- قوله منهم بما يصح به مثله من كتاب أو سنة أو إجماع، أو تواتر من أقاويل الصحابة أو تابعيهم، وإني نظرت في ذلك وبحثت بحثًا شديدًا، فاستخرجت منه أبوابًا على النحو الذي سأل وجعلت ذلك كتبًا، ذكرت في كل كتاب منها جنسًا من تلك الأجناس.

قلت: وقد توسع: في دعوى النسخ كثيرًا، وقام بنصرة مذهب أبي حنيفة: وتكلف في كثير من الأحيان تكلفًا شديدًا لنصرة مذهبه.

فتراه في كتابه هذا يبدأ بعدد من الآثار والأدلة التي يذهب إليها المخالف ثم يتبعها بالآثار المعارضة التي يراها هي أولى بالاتباع، ويرجحها، ثم يصرح بأن هذا هو مذهب أبي حنيفة أو أحد أصحابه، أما غير الأحناف فنادرًا ما يصرح باسمهم.

ص: 7

ولما كان المشتهر بين الناس أن مذهب الأحناف هو مذهب أهل الرأي حتى ادعى عليهم بعضهم بأنهم يردون الأحاديث التي تتعارض مع مذهبهم؛ تصدر الطحاوي: لنصرة هذا المذهب بالأحاديث والآثار.

فأضحى هذا الكتاب أصلًا أصيلًا ومرجعًا مهمًّا في نصرة مذهب أهل الرأي بالأثر.

ومن أجل هذا كان لعلمائهم عناية خاصة بهذا الكتاب وروايته وتدريسه وشرحه وتلخيصه والكلام علي رجاله.

فألفوا حوله كتبًا كثيرة ما بين شروح ومختصرات وتراجم لرجاله.

ومن أعظم من شرحه العلامة بدر الدين العيني رحمه الله: وهو الشرح الذي بين أيدينا.

وقد كانت للحافظ بدر الدين العيني: عناية خاصة بهذا الشرح وكيف لا والسبب الداعي لتأليفه له هو دفع الفرية التي تتهم الأحناف بأخذهم الرأي وتقديمه على الأحاديث والآثار؛ لذلك شد العزم وأخرج كل ما في جعبته من علوم ومعارف لنصرة المذهب ودفع الشبهات والتشكيكات من حوله؛ فأضحى هذا الكتاب كنزًا للأحناف في نصرة مذهبهم.

وقد عني العيني بتدريسه سنين طويلة في المدرسة المؤيدية، وكان الملك المؤيد شيخ ملمًّا بالعلم يناقش العلماء فيه حتي جعل لهذا الكتاب كرسيًّا خاصًّا في جامعته كباقي أمهات كتب الحديث، وعين لهذا الكرسي البدر العيني فقام البدر بتدريس هذا الكتاب خير قيام مدة مديدة وألف في شرحه كتابين ضخمين فخمين صورة ومعنى أحدهما "نخب الأفكار في تنقيح معاني الآثار"، وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

والشرح الثاني هو "مباني الأخبار في شرح معاني الآثار" وهو خالٍ من الكلام في الرجال حيث أفردهم في تأليف خاص سماه "مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار"، وقد قال في مقدمته:

ص: 8

ولما كانت مخدرات هذا الكتاب مقَنَّعَة تحت النقاب، ومستوراته محتجبة وراء الحجاب، وأزهاره مستورة، وأثماره مخبأة في أكمامه، أردت أن أجلوها علي منصة الإِيضاح وأجلوها على الإفصاح؛ ليصير عرضة للخطاب وبغية للطلاب، فيرغب فيها كل من له دين سليم، ويميل إليها كل من كان علي منهج مستقيم؛ بأن أدون له شرحًا يزيل صعابه، ويستخرج عن القشور لبابه، ويبين ما فيه من المشكلات، ويكشف ما فيه من المعضلات؛ مشتملًا:

أولًا: علي تخريج رجاله من الرواة، وتمييز الضعفاء من الثقات؛ لأنهم العمدة في هذا الباب، وهم الأعمدة في قيام صحة كل كتاب.

وثانيًا: متعرضًا لمشكلات ما هي من المتون، فيما يتعلق بأحوال اللفظ والمعني، منبهًا علي من وافقه من أصحاب الصحاح والسنن. اهـ.

وسنتكلم عن منهجه إن شاء الله تعالى أثناء ترجمتنا للعيني رحمه الله.

وممن شرحه قبل العيني رحمه الله: محمد بن محمد الباهلي (314هـ)، وسماه:"تصحيح معاني الآثار".

وقد ذكره العلامة فؤاد سيزكين في "تاريخ التراث العربي"(2/ 86).

وكذا شرحه الشيخ العلامة عبد القادر القرشي (775 هـ) وسماه: "الحاوي في بيان آثار الطحاوي"، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم (195 حديث).

وكذا شرحه الحافظ أبو محمَّد المنبجي صاحب كتاب "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب"، وهو مخطوط يوجد منه قطعة في مكتبة آيا صوفيا في الآستانة.

وممن لخصه: حافظ المغرب ابن عبد البر.

وكذلك الحافظ الزيلعي صاحب "نصب الراية"، وهو مخطوط محفوظ بمكتبة رواق الأتراك، ومكتبة آيا صوفيا في الآستانة.

وكذلك اختصره ابن رشد المالكي وهو مخطوط في مجلد بدار الكتب المصرية تحت رقم (419 حديث).

ص: 9

وقد جمع مشايخ الطحاوي في جزء واحد عبد العزيز بن أبي الطاهر التميمي كما في "الحاوي".

وقد جمع الحافظ قاسم بن قطلوبغا رجاله في كتاب وترجم لهم بإسهاب وسماه "الإيثار في رجال معاني الآثار" كما في "الرسالة المستطرفة".

وقد اعتني بجمع أطرافه الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "إتحاف المهرة بأطراف العشرة".

وأما العيني رحمه الله: فقد أفرد كما ذكر في تراجم رجال الطحاوي كتابًا جعله كالمقدمة لكتابه "مباني الأخبار شرح معاني الآثار"، والذي لم يتعرض فيه لتراجم رجال الأسانيد بخلاف كتاب النخب الذي تعمد الترجمة لكل رجال أسانيده فيه. وسماه "مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار".

ص: 10