المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: سؤر بني آدم - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: سؤر بني آدم

‌ص: باب: سؤر بني آدم

ش: أي هذا باب في بيان أحكام سؤر بني آدم، وأرادَ به ما يبُقِيه في الإناء بعد الغسل والوُضوء، وتأخيره عن سؤر الكلاب من قبيل قوله تعالى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} (1).

ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا المعليّ بن أسد، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعا".

ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا ابن خزيمة.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمَّد بن يحيى الباهلي، عن المعلى بن أسد

إلى آخره نحوه، وفيه:"بفضل وَضُوء المرأة".

وأخرجه الدارقطني (3): أيضًا، عن عبد الله بن محمَّد بن سعيد المقرئ، عن أبي حاتم الرازي، عن المعلي بن أسد

إلى آخره نحوه.

ثم قال: خالفه شعبة، حدثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا الحسن بن يحيى، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس قال:"تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها".

وهذا موقوف [صحيح](4) وهو أولي بالصواب.

(1) سورة الحج، آية:[40].

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 133 رقم 374).

(3)

"سنن الدارقطني"(1/ 116 رقم 1).

(4)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن الدارقطني"(1/ 116 رقم 1).

ص: 195

وأخرجه البيهقي أيضًا مرفوعا (1) وموقوفا (2)، ثم قال: الموقوف أولى، وقال: قال البخاري: أخطأ من رفعه.

قلت: الحكم للرافع (3) لأنه زاد، والراوي قد يفتي بالشيء، ثم يرويه مرة أخرى فيجعل الموقوف فتوى فلا تعارض المرفوع، وعبد العزيز بن المختار أخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة، فلا يضره وقف من وقفه، وصححه ابن حزم مرفوعا من حديث عبد العزيز بن مختار، وقال ابن القطان؛ رفعه عبد العزيز وهو ثقة، ولا يضره وقف من وقفه، وتوقف ابن القطان في تصحيحه لأنه لم يره إلَّا في كتاب الدارقطني، وشيخ الدارقطني فيه لم يعرف حاله، ولو رآه عند ابن ماجه أو عند الطحاوي لا توقف؛ لأن ابن ماجه رواه عن محمَّد بن يحيى، عن المعلى بن أسد، والطحاوي رواه عن محمَّد بن خزيمة وهما مشهوران.

قلت: لا نشك أنه صحيح لأن رجاله رجال الصحيح، ولا يلتفت إلى قول ابن خزيمة، أما عبد العزيز بن المختار فجاء في هذا الإسناد بطامّة، وهو خبر خطأ في السند والمتن جميعا، وشعبة أحفظ من مائتين من عبد العزيز، وأما عاصم عن ابن سرجس من النوع الذي كان يقول الشافعي: أخذ من طريق المجرَّة.

قوله: "بفضل المرأة" أراد به فضل الماء الذي اغتسلت منه المرأة.

قوله: "ولكن يشرعان جميعا" أراد أنهما يغتسلان معا، فلا يتقدم أحدهما على الآخر حتى لا يكون مغتسلا بفضل الآخر.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 192 رقم 876).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 192 رقم 877).

(3)

في هذا نظر؛ بل الحكم للأحفظ والأتقن سواء رفعه أو وقفه. والزيادة من الثقة قد تكون شاذة إذا خالف بها مَنْ هو أوثق منه أو أكثر عددًا كما سيأتي.

ص: 196

ص: حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: نا مسدد، قال: ثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، قال: "لقيت مَنْ صَحِبَ النبي عليه السلام كما صَحِبَه أبو هريرة أربع سنين، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

" فذكر مثله.

ش: إسناده صحيح، وصححه ابن القطان، وأبو بكر بن المنذر.

وقال أحمد بن حنبل: إسناده حسن -فيما ذكره الأثرم- ولا التفات إلى قول ابن منده وابن حزم: لا يثبت من جهة سنده، زاد ابن حزم إنْ كان داود هذا هو عم ابن إدريس فهو ضعيف وإنْ لم يكن إياه فهو مجهول؛ لأن الحميدي كتب إلى أبي محمَّد في العراق يخبره بصحة هذا الخبر، ويبين له أن داود هذا هو ابن عبد الله الزعافري أبو العلاء الكوفي، روى عنه جماعة ووثقه أحمد وغيره، وقال ابن مفُوِّز: فلا أدري رجع أبو محمَّد عن قوله أم لا، وذكره البيهقي في "المعرفة"، وقال: هو منقطع، وداود بن عبد الله متفرد به، وذكره في "السنن" وقال رواته ثقات: إلَّا أن حميدا لم يسمّ الصحابي، فهو بمعنى المرسل، إلَّا أنه مرسل جيد؛ لولا مخالفة الأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود لم يحتج به الشيخان انتهى.

وعليه فيه مآخذ:

الأول: قوله: "إنَّه بمعنى المرسَل" إنْ أراد أنه يشبهه في أنه لم يسم الصحابي فصحيح، لكنه لا يمنع خصمه من الاحتجاج ذاهبا إلى أنه لا حاجة إلى تسمية الصحابي بعد أن حكم التابعي له بالصحبة، وإنْ أراد أنه في معناه في أنه لا يحتج به قوم كما لا يحتجون بمرسل التابعي فغير صحيح لما قدمناه.

الثاني: قوله: "مرسل جيّد" غير جيّد؛ بل هو مسند على الصحيح من أقوال العلماء.

الثالث: قوله: "لولا مخالفة الأحاديث الثابتة" يعني بذلك ما تقدم، فليس جيدا لأمرين، الأول: شأن المحدث الأعراض عن المعارضة كما قرره الأئمة.

الثاني: على تقدير التسليم يجاب بأنه لا بأس أن يتوضئا أو يغتسلا جميعًا من إناء

ص: 197

واحد يتنازعاه، على حديث عائشة، وميمونة، وأنس، وغيرهم، علي أنه لا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة على حديث الحكم الغفاري، ولأن الأحاديث التي وردت في الكراهة عن الصحابة والتابعين لم يكن في شيء منها أن الكراهة في ذلك للرجل أن يتطهر بفضل وضوء المرأة، ولتلك الأحاديث علل ذكرها أبو بكر الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ.

الرابع: قوله: وداود لم يحتج به الشيخان، فيه نظر في موضعين: الأول: أنه إنْ أراد عيبه بذلك فليس بعيب عند المحدثين قاطبة؛ لأنهما لم يلتزما الإخراج عن كل ثقة، ولو التزماه لما [أطاقاه] (1).الثاني: إنْ كان يريد بهذا الكلام رد الحديث وهو الأقرب بضميمة كلامه على انقطاعه وغيره؛ فهو كلام متناقض لا حاصل تحته.

الخامس: قوله: "منقطع" إنما يريد به الإرسال الذي أشار إليه في "السنن" لا الانقطاع الصِناعيّ، وزعم أبو عمر أن أبا عوانة رواه عن داود، عن حميد، عن أبي هريرة، وأخطأ فيه.

قلت: زعم ابن القطان أن المبهم ها هنا قيل: هو عبد الله بن مغفل، وقيل: ابن سرجس.

والحديث أخرجه أبو داود (2): عن مسدد، عن أبي عوانة

إلى آخره نحوه.

والنسائي (3): عن قتيبة عن أبي عوانة

إلى آخره، ولفظه "نهي رسول الله عليه السلام أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو المرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا".

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن شعبة، عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم الغفاري قال: "نهى

(1) في "الأصل": أطاه. وكتب في الحاشية بخط مغاير: لعله: أطاقاه. وأظنه هو الصواب.

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 21 رقم 81).

(3)

"المجتبى"(1/ 130 رقم 238).

ص: 198

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة أو بسؤر المرأة". لا يدري أبو حاجب أيهما قال.

ش: إسناده حسن، وأبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم العنزي، وثقه ابن حبان، وأخرجه الثلاثة:

فأبو داود (1)، عن ابن بشار، عن أبي داود، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو -وهو الأقرع- "أن النبي عليه السلام نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة".

والترمذي (2)، عن ابن بشار، ومحمود بن غيلان كلاهما، عن أبي داود، عن شعبة إلى آخره نحوه.

وابن ماجه (3)، عن ابن بشار

إلى آخره نحوه، ولفظه:"بفضل وضوء المرأة".

وقال جماعة من المحدثين: هذا الحديث لا يصح.

وقال البخاري: سوادة بن عاصم لا أراه يصح عن الحكم بن عَمرو.

وأشار الخطابي أيضًا إلى عدم صحته، وقال ابن منده في كتاب الطهارة: لا يثبت من جهة السند.

وقال أبو عمرو والآثار في هذا الباب مضطربة ولا تقوم بها حجة.

وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله: يسنده أحد غير عاصم؟ قال: لا، ويضطربون فيه عن شعبة، وليس هو في كتاب غُندَر، بعضهم يقول: من فضل سؤر المرأة، وبعضهم يقول: من فضل المرأة، ولا يتفقون عليه، ورواه التيمي إلَّا أنه لم يسمه، قال: عن رجل من الصحابة، والآثار الصحاح واردة بالإباحة.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 21 رقم 82).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 93 رقم 64).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 132 رقم 273).

ص: 199

قلت: لما أخرجه الترمذي قال: هذا حديث حسن.

ورجحه ابن ماجه على حديث عبد الله بن سرجس، وصححه ابن حبان وأبو محمَّد الفارسي، والقول قول من صحَّحه لا من ضعَفه؛ لأنه بسندٍ ظاهره السلامة من مُضعَّفٍ وانقطاع، وقال ابن قدامة: الحديث رواه أحمد واحتج به.

وتضعيف البخاري له بعد ذلك لا يقبل؛ لاحتمال أن يكون وقع له من غير طريق صحيح، ويُجاب عن قول أبي عبد الله بأنه مضطرب بأن معنى ما روي كله يرجع إلى شيء واحد وهو البقية، إِذ الرواية بالمعني جائزة بلا خلاف، وكونه ليس في كتاب غندر ليس بقادح؛ لأن غندر لم يَدَّعِ الإحاطة بجميع حديث شعبه، وإبهام الصحابي لا يضر بالإجماع.

ص: حدثنا حسين بن نصر قال: ثنا الفريايى، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان، عن سوادة بن عاصم أبي حاجب، عن الحكم الغفاري قال: نهي رسول الله عليه السلام عن سؤر المرأة".

ش: هذا طريق آخر، وفيه قيس بن الربيع، ضَعَّفه يحيى، وتركه النسائي.

والفريابي هو محمَّد بن يوسف شيخ البخاري.

ص: فذهب قوم إلى هذه الآثار، فكرهوا أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، أو تتوضأ المرأة بفضل الرجل.

ش: أراد بالقوم: الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأحمد بن حنبل، وداود، وآخرين، ولكن عندهم تفصيل:

ففي "المغني": اختلفت الرواية عن أحمد في وضوء الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به، والمشهور عنه أنه لا يجوز له ذلك، وهذا قول عبد الله بن سرجس، والحسن، وغنيم بن قيس، وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب، قال أحمد: كرهه غير واحد من أصحاب النبي عليه السلام، وأما إذا كانا جميعًا فلا بأس، والثانية: يجوز الوضوء به للرجال والنساء. اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم.

ص: 200

وفي "التمهيد": قال أبو عمر: في هذه المسألة أقوال:

الأول: لا بأس أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جُنبا.

الثاني: الكراهة، أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة أو تتوضأ المرأة بفضل الرجل.

الثالث: الكراهة في أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، والترخيص في أن تتطهر المرأة بفضل وضوء الرجل.

الرابع: أنهما إذا شرعا جميعا في التطهر فلا بأس به، وإذا خلت المرأة بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها، وهو قول أحمد بن حنبل.

الخامس: لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه؛ شرعا جميعا أو خلا كل واحد منهما به، وعليه فقهاء: الأمصار، والآثار في معناه متواترة.

وفي "المحلى" قال ابن حزم: وكل ما توضأت منه امرأة حائض أو غير حائض، أو اغتسلت منه فأفضلت منه فضلا لم يحل لرجل الوضوء من ذلك الفضل ولا الغسل منه، سواء وجدوا ماء آخر أو لم يجدوا غيره، وفرضهم التيمم حينئذ، وحلالٌ شربه للرجال والنساء، وجائز الوضوء به والغسل للنساء على كل حال، ولا يكون فضلا، إلا ما كان أقل مما استعملته منه، فإن كان مثله أو أكثر فليس فضلا، والوضوء والغسل به جائز أي للرجال والنساء، وأما فضل الرجل فالوضوء به والغسل جائز للرجل والمرأة، إلَّا أن يصح خبر في نهي المرأة عنه فنقف عنده، ولم نجده صحيحا، فإن توضأ الرجل والمرأة من إناء واحد أو اغتسلا من إناء واحد يغترفان معا فذلك جائز ولا نبالي أيهما بدأ قبل، أو أيهما أتم قبل.

ثم استدل [بحديثي](1) الحكم وابن سرجس، ثم قال: وبهذا يقول ابن سرجس والحكم وغيرهما، وبه تقول جويرية أم المؤمنين، وأم سلمة أم المؤمنين، وعمر بن الخطاب، وقد روي عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول،

(1) في "الأصل، ك": بحديث.

ص: 201

وقال قتادة: "سألت سعيد بن المسيب والحسن البصري عن الوضوء بفضل المرأة، فكلاهما نهاني عنه".

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا بأس بهذا كله.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة ومالك والشافعي وجماهير العلماء.

ص: وكان مما احتجوا به في ذلك ما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب ابن عطاء، عن شعبة، عن عاصم، عن معاذة، عن عائشة رضي الله عنه قالت:"كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناء واحد".

ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا ابن معبد، وعاصم هو ابن سليمان الأحول.

ومعاذة بنت عبد الله العدوية، من العابدات رضي الله عنها.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): عن يزيد بن هارون، عن عاصم الأحول، عن معاذة، عن عائشة

إلى آخره نحوه.

وأخرجه البخاري (2): عن قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد وكلانا جنب".

قوله: "ورسولُ الله" بالرفع عطف على قوله: "أنا" وذلك لأنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع إلَّا بمؤكد -على ما عرف- وفيه خلاف بين الكوفيين والبصريين.

ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عاصم، فذكر بإسناده مثله.

(1)"مسند أبي يعلى"(7/ 457 رقم 4483) من طريق إبراهيم، عن حماد، عن قتادة وعاصم الأحول، عن معاذة العدوية

إلى آخره بنحوه.

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 115 رقم 295).

ص: 202

ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا صحيح، وحماد هو ابن سلمة وقد أخرج الطحاوي هذا الحديث من ثمانية عشر طريقا على ما تقف عليها في هذا الباب.

ص: حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: ثنا الليث بن سعد، قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة مثله.

ش: إسناده صحيح، وأبو عبد الرحمن اسمه عبد الله بن يزيد الفقير، روى له الجماعة. وابن شهاب هو محمَّد بن مسلم الزهريّ.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد، وكان يغتسل من القدح- وهو الفَرق".

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عروة، عن عائشة مثله.

ش: إسناده صحيح، وأبو الوليد اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي، شيخ البخاري وأبي داود.

وأبو بكر بن حفص اسمه عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، روى له الجماعة.

وأخرجه البيهقي (2): من حديث أبي الوليد، عن شعبة إلى آخره نحوه، والبزار كذلك بهذا الإسناد.

ص: حدثنا يونس، نا ابن وهب أن مالك حدثه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بمثله.

ش: رجاله كلهم رجال الصحيح.

(1)"مسند أحمد"(6/ 37 رقم 24135).

(2)

"سنن البيهقي"(1/ 187 رقم 847).

ص: 203

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعلى بن عبيد عن حريث، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة مثله.

ش: إسناده معلول بحريث بن أبي مطر أبي عمرو الحنّاط -بالنون- الكوفي، ضعفه يحيى بن معين وغيره.

ويعلى بن عبيد الطنافسي الكوفي، روى له الجماعة، والشعبي هو عامر بن شراحيل، ومسروق هو ابن الأجدع الهمْداني الكوفي، روى له الجماعة.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمَّد بن عبيد الله بن يزيد الحراني، حدثني أبي، عن سليمان بن أبي داود الجزري، عن الحكم بن عتيبة، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت:"لقد رأيتني أنازع رسول الله عليه السلام من إناء واحد" تعني الغسل.

ص: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب ابن خالد، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة مثله.

ش: رجاله موثقون وأم منصور اسمها صفية بنت شيبة الحاجب الصحابية.

فهذه طرق سبعة متوالية، والبقية تأتي عن قريب.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحدا".

ش: الوهبي هو أحمد بن خالد الكندي، روى له الأربعة، وهو نسبة إلى أحد أجداه.

وشيبان بن عبد الرحمن المؤدب، روى له الجماعة.

وأبو سلمة هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، روى له الجماعة.

وزينب بنت أم سلمة صحابية بنت صحابية.

وأم سلمة اسمها هند.

ص: 204

وأخرجه البخاري (1): بأتم منه، عن [سعد](2) بن حفص، عن شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن زينب ابنة أبي سلمة حدثته، أن أم سلمة قالت:"حِضْتُ وأنا مع النبي عليه السلام في الخميلة، فانسَلَلْتُ فخرجت منها، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله عليه السلام: أَنَفِشتِ؟ قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة".

قالت: وحدثتني "أن النبي عليه السلام كان يقبلها وهو صائم، وكنت أغتسل أنا والنبي عليه السلام من إناء واحد من الجنابة".

وأخرجه مسلم (3): أيضًا مختصرا نحو: رواية الطحاوي.

و"الخميلة" هي الأسود من الثياب.

قوله: "فانسللتُ" أي ذهبت في خفية.

قوله: "أنَفِستِ" بنون مفتوحة وفاء مكسورة، قال النووي: هذا هو الصحيح في اللغة أبي أَحِضْتِ، فأما في الولادة فَنُفِست بضم النون وكسر الفاء، وقيل: بضم النون وفتحها، وفي الحيض بالفتح لا غير.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنه قال:"أخبرتني ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبي عليه السلام من إناء واحد".

ش: حدثنا أبو بكرة بكَّار القاضي.

وإبراهيم بن بشار الرمادي، وثقه ابن حبان.

وسفيان هو: ابن عُيينة.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 122 رقم 316).

(2)

في "الأصل، ك": سعيد، وهو تحريف، والمثبت من "صحيح البخاري"، وسعد بن حفص هو الطلحي أبو محمَّد الكوفي، المعروف بالضخم، شيخ البخاري، له ترجمة في "تهذيب الكمال"(10/ 260).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 257 رقم 324).

ص: 205

وجابر بن زيد الأزدي اليحمدي، روى له الجماعة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة جميعا، عن ابن عيينة -قال قتيبة: ثنا سفيان- عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، قال:"أخبرتني ميمونة أنَّهَا كانت تغتسل هي والنبي عليه السلام في إناء واحد".

وأخرجه الترمذي (2): أيضًا نحوه، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عُيينة

إلى آخره.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الحكم بن عتيية، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"اغتسلت أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد".

ش: إسناده صحيح، وعُتَيبَةُ بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة وفي آخره هاء.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): من حديث الأسود، عن عائشة:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد ونحن جنبان".

ص: حدثنا يزيد بن سنان البصري، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: نا رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن عائشة مثله.

ش: إسناده صحيح، وأبو عامر اسمه عبد الملك بن عمرو.

وعطاء هو ابن أبي رباح.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4): عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة أنَّهَا أخبرته، عن النبي عليه السلام:"أنهما شرعا جميعا وهما جنب في إناء واحد".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 257 رقم 322).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 91 رقم 62).

(3)

"مسند أحمد"(6/ 191 رقم 25624).

(4)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 268 رقم 1028).

ص: 206

وأخرجه البيهقي (1): من طريقه.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال أخبرنا سعيد بن يزيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: حدثني ناعم مولى أم سلمة، عن أم سلمة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام في مِركن واحد، نفيض على أيدينا حتى نُنْقيها، ثم نفيض علينا الماء".

ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وناعم -بالنون- بن أُجَيْل الهَمداني أبو عبد الله المصري مولى أم سلمة زوج النبي عليه السلام.

وأخرجه النسائي (2) وقال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: ثنا عبد الله بن يزيد

إلى آخره نحوه.

قوله: "في مِركن" بكسر الميم، وهو الإجّانة التي تغسل فيها الثياب.

قوله: "نفيض" من الإفاضة.

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا شعبة (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن عبد اللهَ بن جَبْر، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل هو والمرأة من نسائه من الإناء الواحد".

ش: رجال الطريقين كلهم من رجال الصحيحين، ما خلا ابن مرزوق وأبا بكرة.

وأخرجه البخاري (3)، عن أبي الوليد، عن شعبة

إلى آخره نحوه.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 188 رقم 855).

(2)

"المجتبى"(1/ 129 رقم 237).

(3)

"صحيح البخاري"(1/ 103 رقم 261).

ص: 207

ومسلم أيضًا (1) وزاد: "من الجنابة".

قوله: "والمرأةُ" بالرفع عطف على الضمير الذي في "يغتسل"، وقد ذكرنا أنه لا يحسن إلَّا بمؤكد.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فلم يكن في هذا عندنا حجةٌ على كل ما يقول أهل المقالة الأولى؛ لأنه قد يجوز أن يكونا كانا يغتسلان جميعا، وإنما التنازع بين الناس إذا ابتدأ أحدهما قبل الآخر، فنظرنا في ذلك فإذا عليّ بن معبد قد حدثنا، قال: ثنا عبد الوهاب، عن أسامة بن زيد، عن سالم، عن أم صُبيَّة الجُهنِيّة- زعم أنَّهَا قد أدركت وبايعت رسول الله عليه السلام قالت:"اختلفت يدي ويد رسول الله عليه السلام -في الوضوء من إناء واحد".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة، عن سالم بن النعمان، عن أم صُبَيّة الجهنية مثله.

ففي هذا دليل على أن أحدهما قد كان يأخذ من الماء بعد صاحبه.

ش: لما احتجت أهل المقالة الثانية بالأحاديث المذكورة على أهل المقالة الأولى، عارضوهم وقالوا: لا نسلم أن أحاديثكم حجة علينا؛ لأن دعوانا في كراهة فضل الرجل للمرأة وفضل المرأة للرجل، وأحاديثكم لا تمنع هذا؛ لأنه يجوز أن يكونا قد اغتسلا معا، فلا يكون كلٌّ منهما مغتسلا بفضل الآخر، وهذا معنى قوله:"فلم يكن في هذا عندنا حجة"

إلى آخره.

فأجاب أهل المقالة الثانية عن هذا وقالوا: وجدنا أحاديث منها حديث أم صُبَيّة يدل على أن أحدهما قد كان يأخذ من الماء بعد صاحبه، فَفَسَّرت هذه الأحاديث معنى الأحاديث المذكورة، وأزالت الاحتمال الذي ذكروه.

(1) هذا وهم من المؤلف رحمه الله؛ فمسلم هذا ليس صاحب الصحيح، وإنما هو مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري، فقد قال البخاري عقب إيراده للحديث في الموضع المذكور: وزاد مسلم ووهب عن شعبة: "من الجنابة".

فذهل المؤلف رحمه الله، وظنه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح فعزاه إليه. ومسلم لم يخرج هذا الحديث. ووهب هو ابن جرير كما حرره الحافظ في "الفتح".

ص: 208

ثم إنَّه أخرج حديث أم صُبيّة من طريقين صحيحين؛ لأن رجالهما كلهم موثقون، وسالم بن النعمان ويقال: أبو النعمان ويقال له: سالم بن سَرْج -بالجيم- وهو ابن خربوذ مولى أم صُبَيّة، وثقه ابن حبان.

والحديث أخرجه أيضًا أبو داود (1)، وقال: ثنا النفيلي، ثنا وكيع، عن أسامة بن زيد، عن ابن خرَّبُوذ، عن أم صُبَيَّة الجُهنية قالت:"اختلفت يدي ويد رسول الله عليه السلام في الوضوء من إناء واحد".

وأخرجه ابن ماجه (2): عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، عن أنس بن عياض، عن أسامة بن زيد، عن سالم أبي النعمان -وهو ابن سرْج- عن أم صُبَيّة الجُهَنيَّةِ، قالت:"ربما اختلفت يدي ويد رسول الله عليه السلام في الوضوء من إناء واحد". قال أبو عبد الله (3): سمعت محمدا يقول: أم صُبَيَّة هي خولة بنت قيس، فذكرت لأبي زرعة، فقال: صدق.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبان بن صَمْعة، عن عكرمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد، يبدأ قبلي".

ش: إسناده صحيح، وأخرجه البيهقي (4): وقال أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمَّد بن أيوب، نا موسى بن إسماعيل، نا أبان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"كنت أنا ورسول الله عليه السلام نغتسل من إناء واحد، فيبدأ قبلي".

ص: ففي هذا دليل على أن سؤر الرجل جائز للمرأة التطهر به.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 20 رقم 78).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 135 رقم 382).

(3)

أي ابن ماجه.

(4)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 188 رقم 854).

ص: 209

ش: أي في حديث عائشة هذا دليل صريح أن فضل الرجل يجوز للمرأة أن تتطهر به؛ لأنها قالت: "يبدأ قبلي"، أي يبدأ رسول الله عليه السلام في الغرف من الإناء؛ فتكون عائشة رضي الله عنها مغتسلة بما فضله رسول الله عليه السلام.

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف فيه أيدينا من الجنابة".

ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا شيخ الطحاوي.

وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2): كلاهما عن عبد الله بن مسلمة، عن أفلح

إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال: نا أفلح. وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا أفلح

فذكر بإسناده مثله.

ش: هذان طريقان صحيحان:

أحدهما: عن عبد الله بن مسلمة شيخ الشيخين، والآخر: عن إبراهيم بن مرزوق.

ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنه قالت:"كنت أَتَنَازعَ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم -الغُسل من إناء واحد من الجنابة".

ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا شيخ الطحاوي.

وأخرجه النسائي (3): وقال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبيدة بن حميد، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"لقد رأيتُني أُنَازعُ رسول الله عليه السلام الإناء أغتسل أنا وهو منه".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 103 رقم 258).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 256 رقم 321).

(3)

"المجتبى"(1/ 129 رقم 234).

ص: 210

قوله: "أتنازع" معناه تريد هي أن تغترف أولا، ويريد رسول الله عليه السلام أن يغترف أولا، فيتسابقان في تحصيله.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: ثنا الخَصيب، قال: ثنا همام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:"أنَّهَا والنبي عليه السلام كانا يغتسلان من إناء واحد يغترف قبلها وتغترف قبله".

ش: إسناده صحيح، والخَصِيب -بفتح الخاء المعجمة- بن ناصح، وهمام بن يحيى البصري.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"، وقال: ثنا أبو خيثمة، نا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"أغتسلت أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد كل واحد منا يغترف منه".

قوله: "يغترف قبلها وتغترف قبله" معناه أنهما يتسابقان، يسبق أحدهما تارة والآخر أخرى.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن مبارك بن فضالة، عن أمه، عن معاذة، عن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد، فأقول: ابْق لي، ابْق لي".

ش: أبو عاصم النَّبيل اسمه الضحاك بن مخلد، روى له الجماعة.

ومبارك بن فضالة بن أبي أمية البصري، ضعفه النسائي، ووثقه ابن حبان، واستشهد به البخاري.

وأم مبارك لا ندري حالها ولا اسمها، ومعاذة [بنت](1) عبد الله العدوية من العابدات.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): وقال: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا المبارك، حدثتني أمي، عن معاذة العدوية، عن عائشة

إلى آخره نحوه.

(1) في "الأصل، ك": ابن، وكتب بالحاشية بخط مغاير: لعله: بنت. وهو الصواب.

(2)

"مسند أحمد"(6/ 91 رقم 24643).

ص: 211

ص: حدثنا محمَّد بن العباس بن الربيع اللؤلؤى، قال: ثنا أسد بن موسى قال: ثنا المبارك، فذكر بإسناده مثله.

ش: أخرج مسلم (1) هذا الحديث: عن يحيى بن يحيى، عن أبي خيثمة، عن عاصم الأحول، عن معاذة، عن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد بيني وبينه، فيبادرني حتى أقول له: دَعْ لي، دَعْ لي" قالت: وهما جنبان.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن يزيد الرِّشْك، عن معاذة، عن عائشة مثله.

ش: إسناده صحيح، ويزيد الرِّشْك هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي أبو الأزهر البصري، روى له الجماعة، والرِّشْك -بكسر الراء وسكون الشين المعجمة- معناه القَسَّام بلغة أهل البصرة، وكان يُقَسِّم الدور فَسُمِّي به، ويقال: الرشك بالفارسية: الكبير اللحية، وكان كبير اللحية حتى قيل: إنَّ عقربا دخلت في لحيته فمكثت بها ثلاثة أيام فلم يعلم بها.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): وقال: ثنا محمَّد بن جعفر، ثنا شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة قالت:"سألت عائشة رضي الله عنها عن الغسل من الجنابة، فقالت: إنَّ الماء لا ينجسه شيء؛ قد كنت [أغتسل] (3) أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحد، يبدأ فيغسل يديه".

ص: حدثنا أبو بكرة [قال](4): ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن بعض أزواج النبي عليه السلام اغتسلت من جنابة، فجاء النبي عليه السلام فتوضأ، فقالت له، فقال: إنَّ الماء لا ينجسه شيء".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 257 رقم 321).

(2)

"مسند أحمد"(6/ 172 رقم 25428).

(3)

في "الأصل، ك": اغتسلت، والمثبت من "مسند أحمد".

(4)

تكررت في "الأصل".

ص: 212

ش: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة بكَّار القاضي، وأبو أحمد اسمه محمَّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الزبيري.

وسفيان هو الثوري.

وسماك هو ابن حرب بكسر السين المهملة.

وأخرجه الأربعة، فأبو داود (1): عن مسدد، عن أبي الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"اغتسل بعض أزواج النبي عليه السلام في جفنة، فجاء النبي عليه السلام ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله إني كنت جُنبا، فقال رسول الله عليه السلام: إنَّ الماء لا يجنب".

والترمذي (2): عن قتيبة، عن أبي الأحوص

إلي آخره نحوه.

والنسائي (3): عن سويد بن نصر، عن عبد الله المبارك، عن سفيان، عن سماك

إلى آخره، ولفظه:"إنَّ الماء لا ينجسه شيء".

وابن ماجه (4): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص

إلى آخره نحو رواية أبي داود.

و"الجَفْنة": القصعة الكبيرة، ومعنى "الماء لا يَجنب": لا ينجس، من أجنب إجنابا.

ثم اعلم أن أحاديث هذا الباب رويت عن عشرة من الصحابة، وهم عليّ، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو هريرة، وعائشة، وأم صُبيّة، وأم سلمة، وأم هانئ، وميمونة بنت قيس.

أما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه أحمد (5): من حديث الحارث، عن عليّ رضي الله عنه قال:"كان رسول الله عليه السلام وأهله يغتسلون من إناء واحد".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 18 رقم 68).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 94 رقم 65).

(3)

"المجتبى"(1/ 73 رقم 325).

(4)

"سنن ابن ماجه"(1/ 132 رقم 370).

(5)

"مسند أحمد"(1/ 77 رقم 572).

ص: 213

وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني (1) في "الكبير": من حديث عكرمة عنه: "أن رسول الله عليه السلام وعائشة اغتسلا من إناء واحد من جنابة، وتوضآ جميعا للصلاة".

وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا محمَّد بن الحسن الأسديّ، قال: ثنا شريك، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال:"كان رسول الله عليه السلام وأزواجه يغتسلون من إناء واحد".

وأما حديث أنس فأخرجه الطحاوي والبخاري، وقد ذكرناه (3).

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار في "مسنده"(4): من حديث عكرمة، عن أبي هريرة:"أن النبي عليه السلام كان هو وأهله -أو بعض أهله- يغتسلون من إناء واحد".

وأما حديث عائشة فأخرجه الطحاوي، والبخاري (3).

وأما حديث أم صُبَيّة فأخرجه الطحاويّ وأبو داود وابن ماجه (3).

وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطحاوي أيضًا، وأحمد (3).

وأما حديث أم هانىء فأخرجه النسائي (5): من حديث مجاهد، عن أم هانئ بنت أبي طالب "أن النبي عليه السلام اغتسل هو وميمونة من إناء واحدٍ في قصعة فيها أثر العجين".

وأخرجه ابن ماجه (6) أيضًا.

(1)"معجم الطبراني الكبير"(11/ 361 رقم 12016).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 40، 41 رقم 382).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

ذكره الهيثمي في "المجمع"(1/ 273)، وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.

(5)

"المجتبى"(1/ 131 رقم 240).

(6)

"سنن ابن ماجه"(1/ 134 رقم 378).

ص: 214

وأما حديث ميمونة فأخرجه الترمذي (1): بإسناده إلى ابن عباس قال: حدثتني ميمونة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام من إناء واحدٍ من الجنابة"، وقال هذا حديث حسن صحيح.

ص: فقد روينا في هذه الآثار تَطَهُّرِ كل واحد من الرجل والمرأة بسؤر صاحبه، فضاد ذلك ما روينا في أول هذا الباب؛ فوجَبَ النظر ها هنا لنستخرج به من المعنين المتضادين معنى صحيحا، فوجدنا الأصل المتفق عليه أن الرجل والمرأة إذا أخذ بأيديهما الماء معا من إناء واحد أن ذلك لا ينجس الماء، ورأينا النجاسات كلها إذا وقعت في الماء قبل أن يتوضأ منه أو مع التوضيء منه أن حكم كل ذلك سواء، فلما كان ذلك كذلك وكان وضوء كل واحد من الرجل ومن المرأة مع صاحبه لا ينجس الماء عليه؛ كان وضوءه بعده من سؤره في النظر أيضًا كذلك، فثبت بهذا ما ذهب إليه الفريق الآخر، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن.

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي وردت عن عائشة، وأم سلمة، وأم صُبَيَّة، وأنس، وابن عباس رضي الله عنهم.

وأراد بما روينا في أول هذا الباب: حديث عبد الله بن سرجس، والحكم الغفاري. وجه التضاد بينهما ظاهر؛ لأن أحاديث أول الباب تمنع اغتسال الرجل بفضل المرأة واغتسال المرأة بفضل الرجل، وأحاديث عائشة ومن معها تطلق ذلك وتُجَوِّزه، ففي مثل هذا يطلب المخلص، ووجوهه كثيرة على ما عرف في موضعه، منها: يكون بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة كما فيما نحن فيه، وكان الذي ينبغي على هذا أن تكون أحاديث أول الباب متأخرة عن الأحاديث الأخرى، ولكن هنا أبقى ما كان على ما كان؛ لكون الإباحة أصلًا فصارت الأحاديث [

] (2) كالمنسوخة [

] (3).

(1)"جامع الترمذي"(1/ 91 رقم 62).

(2)

طمس في "الأصل، ك".

(3)

سبق تخريجه.

ص: 215

وقد قال البيهقي في الخلافيات:

وحديث أبي حاجب عن الحكم إنْ كان صحيحا فمنسوخ، بإجماع الحجة على خلافه.

قوله: "وَكَان وضوء" الواو فيه للحال.

قوله: "فثبت بهذا" أبي بما ذكرنا من وجه النظر.

قوله: "وهو قول أبي حنيفة" أي الذي ذكرنا من ثبوت ما ذهب إليه الفريق الآخر، وهو قول الشافعي، ومالك أيضًا.

ص: 216