الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: حكم الأذنين في وضوء الصلاة
ش: أي هذا باب في بيان حكم الأذنين في الوضوء هل يمسحان أم لا؟ فإذا كانا يمسحان، هل يمسحان بماء الرأس أو بماء جديد؟
ص: حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن محمَّد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة، عن عبيد الله الخولاني، عن عبد الله بن عباس قال:"دخل عليَّ عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقد أراق الماء، فدعا بإناء فيه ماء، فقال: يا ابن عباس ألا أتوضأ لك كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قلت: بلى فداك أبي وأمي، فذكر حديثا طويلًا، وذكر فيه أنه أخذ حفنة من ماء بيديه جميعًا فصكّ بهما وجهه، ثم الثانية مثل ذلك، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم ألقم إبهامَيه ما أقبل من أذنيه، ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فصبّها على ناصيته، ثم أرسلها تستن على وجهه، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، واليسرى كذلك، ثم مسح برأسه، وظهور أذنيه".
ش: رجاله ثقات.
وعَبَدَة بفتحات (1) قيل: اسمه عبد الرحمن، وعبدة لقب عليه.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني، نا محمَّد يعني ابن سلمة،
(1) لم أجد من ضبطه بفتحات غير المصنف، والمشهور بسكون الباء الموحدة، ولما ذكره ابن ماكولا في "الإكمال" قال: أما عَبْدة بسكون الباء، فجماعة.
فكأن الأصل أن يكون بسكون الباء.
ثم قال: وأما عَبَدة بفتح العين والباء فهو عَبَدة بن هلال أبومالك، شاعر. ولم يذكر في هذا الباب غيره. فالله أعلم.
انظر "الإكمال"(6/ 28، 29).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 29 رقم 117).
عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس قال:"دخل عليَّ عليٌّ بن أبي طالب، وقد أهراق الماء، فدعا بوَضوء، فأتيناه بتَور فيه ماء حتى وضعنا بين يديه، فقال: يا ابن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله عليه السلام؟ قلت: بلى، فأصغى الإناء على يديه فغسلهما، ثم أدخل يده اليمني، وأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه ثلاثا، ثم تمضمض، واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين؟! قال: قلت: وفي النعلين؟! قال: وفي النعلين".
وأخرجه أحمد (1)، والبيهقي (2) أيضًا: وقال الترمذي: سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريّ عن هذا الحديث فقال: لا أدري ما هذا الحديث، وقال البيهقي: فكأنه رأى حديث عطاء بن يسار أصحّ.
وحديث عطاء ما رواه زيد بن أسلم عنه قال: "قال لي ابن عباس: ألا أُريك وُضوء رسول الله عليه السلام فتوضأ مرة مرة، ثم غسل رجليه وعليه نعله".
أخرجه الجماعة (3) بألفاظ مختلفة.
(1)"مسند أحمد"(1/ 82 رقم 625).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 74 رقم 355).
(3)
لم يخرجه مسلم ولم يعزه المزي في "أطرافه"(5/ 105 رقم 5978) إلَّا للبخاري والأربعة، وهو عند البخاري (1/ 65 رقم 140)، وأبي داود (1/ 34 رقم 137)، والترمذي (1/ 52 رقم 36)، والنسائي (1/ 74 رقم 102) وابن ماجه (1/ 151 رقم 439).
قلت: هذا الحديث إسناده جيد، ولكن الجواب عنه أن قوله:"فأخذ حفنة من ماء" يحتمل أن تلك الحفنة قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه وإنْ كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، والحفنة من الماء ربما كفت مع الرفق في مثل هذا، ولو كان أراد المسح على بعض القدم لكان يكفيه ما دون الحفنة، وسيجيء البحث فيه مستقصى باب فرض الرجلين في وضوء الصلاة، إنْ شاء الله.
قوله: "أَلا" كلمة تنبيه.
قوله: "بلى" حرف جواب، وألفه أصلية، وقيل: أصله "بل" والألف زائدة، والفرق بينها وبين "نعم" أنَّ "بلى" حرف إيجاب بعد النفي، و"نعم" تصديق لما قبله نفيا كان أو إثباتا.
قوله: "فداك أبي وأمي" معناه أنت مفدّى بأبي وأمي، والفداء بفتح الفاء والقصر، وإذا كسرت الفاء تُمدُّ، يقال: فَداه يفديه فِداء، وفَدَى، وفَادَاهُ يُفَاديه مُفَادَاة إذا أعطى فداءه وأنقذه، وفَدَاه بنفسه، وفَدَّاه إذا قال له: جُعلِتُ فداك، وقيل: المفاداة: أن يُفْتَكَّ الأسير بأسير مثله.
قلت: فدى الأسير معناه افتكَّهُ بمال، وإذا أخذ مالا ودفع الأسير يقال: أفداه، وإذا دفع أسيرا وأخذ أسيرا عوضه يقال: فاداه.
قوله: "فصك" أي ضرب، ومنه قوله تعالى:{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} (1).
قوله: "ثم ألقم إبهاميه" أي أدخلهما، من الإلقام، كأنه جعلهما لقمة لأذنيه.
قوله: "يستن" بالسن المهملة أي يسيل وينصب، من سننت الماء إذا صببته صبّا سهلا.
(1) سورة الذاريات، آية:[29].
قوله: "وظهور أذنَيْه" أي مسح ظهري أذنيه، أطلق الجمع على التثنية مجازا كما في قوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (1) أي قلباكما.
ص: فذهب قوم بلى هذا الأثر فقالوا: ما أقبل من الأذنين فحكمه حكم الوجه يغسل مع الوجه، وما أدبر منهما فحكمه حكم الرأس يمسح مع الرأس.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشعبيّ، وابن سيرين، والنخعي، وابن جرير الطبري، وإسحاق بن راهويه.
وقال أبو عمر: حكي هذا القول ابن أبي هريرة عن الشافعي (2)، وقد روي عن أحمد مثله.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): نا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال:"ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس".
ثنا (4) ابن عُلية، عن ابن عون، عن ابن سيرين:"كان يغسل أذنيه مع وجهه، ويمسحهما مع رأسه".
(1) سورة التحريم، آية:[4].
(2)
في "التمهيد"(4/ 37) بعد أن عزا هذا القول لابن راهويه والحسن بن حي قال ابن عبد البر: وحكي عن أبي هريرة هذا القول وعن الشافعي والمشهور من مذهبه ما تقدم ذكره، رواه المزني والربيع والزعفراني والبويطي وغيرهم.
قلت: وهذا تحريف وتلفيق من محققه؛ والصواب ما أثبتناه، وابن أبي هريرة هو الإِمام أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة البغدادي القاضي، قال الإِمام الذهبي في "السير" (15/ 430): الإِمام شيخ الشافعية، من أصحاب الوجوه، انتهت إليه رئاسة المذهب، تفقه بابن سريج ثم بأبي إسحاق المروزي، وصنف شرحًا لمختصر المزني، أخذ عنه أبو علي الطبري والدارقطني وغيرهما. واشتهر في الآفاق.
وكأن محقق "التمهيد" لم يعرف ابن أبي هريرة، واستبعد أن يروي عن الشافعي فلفق الكلام حتى يستقيم مع فهمه دون التنبيه عليه، غفر الله لنا وله.
وكأن ابن عبد البر أراد أن يذكر الخلاف في الروايات عن الشافعي في المسألة.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 165).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 166).
ثنا (1) ابن فضيل، عن حُصين، عن إبراهيم قال:"سألته عن مسح الأذنين، مع الرأس أو مع الوجه؟ فقال مع كلٍ".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: الأذنان من الرأس يمسح مقدمهما، ومؤخرهما.
ش: أي خالف القوم المذكورين "في ذلك" أي في حكم الأذنين جماعة آخرون وهم: أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد، وأصحابهم، فقالوا: الأذنان من الرأس، فإذا كانتا من الرأس فتمسحان مع الرأس، وليس لهما حكم في الغسل، وقال ابن قدامة في"المغني": والأولى ألَّا يخل بمسحهما؛ لكونهما من الرأس، ولكون رسول الله عليه السلام مسحهما في وضوئه وقد صح أنه عليه السلام مسحهما مع رأسه ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه مرة واحدة، وروى ابن عباس:"أن النبي عليه السلام مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما".
وقال الترمذي: حديث ابن عباس، وحديث الرُّبَيِّع صحيحان، فيستحب أن يدخل سبابته في صماخي أذنيه، ويمسح ظاهر أذنيه بإبهاميه.
وقال أبو عمر: قال داود: إنْ مسح أذنيه فحسن، وإنْ لم يمسح فلا شيء عليه، وأهل العلم يكرهون للمتوضئ ترك مسح أذنيه، ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي عليه السلام، ولا يوجبون عليه إعادة، إلَّا إسحاق فإنه قال: إنْ ترك مسح أذنيه عمدًا لم يجزه، وقال أحمد: إنْ تركها عمدًا أحببت أن يعيد، وقد كان بعض أصحاب مالك يقول: من ترك سُنة من سنن الوضوء أو الصلاة عامدا أعاد، وهذا عند الفقهاء ضعيف، وليس لقائله سلف، ولا له حظّ من النظر، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف الفرض والواجب من غيره.
وقال ابن حزم: وأما مسح الأذنين فليس بفرض، ولا هما من الرأس؛ لأن الآثار في ذلك كلها ضعيفة، فلو كانتا من الرأس لأجزأ أن يمسحا عن مسح
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 170).
الرأس، وهذا لا يقوله أحد، ويقال لهم: إنْ كانتا من الرأس فما بالكم تأخذون لهما ماء جديدا وهما بعض الرأس؟!
قلت: هذا كلام ساقط؛ لأنه يفرُّ من القياس، ويستدل على خصمه بالقياس على ما لا يخفى من كلامه، قلت:"لأن الآثار في ذلك ضعيفة كلها" غير صحيح؛ لأن الآثار الصحيحة في سُنية مسحهما كثيرة، وورد أيضًا بعض الآثار بأنهما من الرأس بأسانيد جيدة كما نُبينه- إنْ شاء الله.
وقوله: "فلو كان الأذنان
…
إلى أخره"، قياس فاسد، على أنه لا يعمل بالقياس؛ لأن معنى كونهما من الرأس كونهما تبعًا لها، فحينئذ لا يثبت لهما حكم الأصل من كل وجه.
وقوله: "ويقال لهم
…
إلى آخره" لا يرد على الحنفية أصلًا؛ لأنهم لا يأخذون لهما ماء جديدا، ولا على الشافعية أيضًا؛ لأنهم يأخذون ماء جديدا لورود الأثر، لا لكونهما ليستا من الرأس.
ص: واحتجوا في ذلك بما قد حدثنا الربيع، قال: ثنا أسد، قال: ثنا إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه:"أنه توضأ فمسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ".
ش: الربيع هو ابن سليمان المرادي المؤذن صاحب الشافعي، وأسد هو ابن موسى، وإسرائيل هو ابن يونس، وعامر بن شقيق بن جمرة -بالجيم- فيه مقال، والبقية ثقات.
وأخرجه الدارقطني (1): عن دَعلج، عن موسى بن هارون، عن أبي خيثمة، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل
…
" إلي آخره نحوه.
وأخرجه البيهقي (2) أيضًا نحوه.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 86 رقم 13).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 63 رقم 299).
ص: حدثنا إبراهيم بن محمَّد الصَيْرفي، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا الدراوردي، قال: نا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أن رسول صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح برأسه وأذنيه".
ش: أبو الوليد هو: هشام بن عبد الملك الطيالسي، شيخ البخاريّ.
والدراورديّ هو: عبد العزيز بن محمَّد.
وأخرجه أبو داود (1): عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمَّد بن بشر، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار نحوه بأتم منه، وفيه:"ثم مسح [بها] (2) رأسه وأذنيه".
والنسائي (3): ولفظه: "ثم مسح [برأسه] (4)، وأذنيه باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه".
والترمذي (5): ولفظه: "مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما".
وقال: حديث حسن (6)، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا عبد العزيز
…
فذكر بإسناده مثله غير أنه قال: "مرة واحدة".
ش: يحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد العزيز هو: الدراوردي.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 34 رقم 137).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".
(3)
"المجتبى"(1/ 74 رقم 102).
(4)
في "الأصل، ك": "رأسه"، والمثبت من "المجتبى".
(5)
"جامع الترمذي"(1/ 52 رقم 36).
(6)
في المطبوع من "جامع الترمذي": "حسن صحيح".
وأخرجه النسائي (1): أخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني، ثنا عبد العزيز بن محمَّد قال: ثنا زيد بن أسلم (2).
يقول مِأقٍ ومؤقٍ بكسرها، وبعضهم يقول ماق بلا همز كقاض، والأفصح الأكثر المأْقي بالهمزة والياء، والمُؤْق بالهمز والضم، وجمع المؤق آماق وأماق، وجمع المأقي مآقي وفي "المطالع": فيه لغات: موق وماق على مثال: قاض، ومؤقٍ على مثال: مُعطٍ ناقص أيضًا، وموقي على مثال: موقع، وأمق على مثال عنق.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا محمَّد بن عجلان، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الربيعّ ابنة معوذ بن عفراء:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها فمسح رأسه على مجاري الشعر، ومسح صدغيه، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما".
ش: تكرر ذكر ربيع، وأسد، وابن لهيعة عبد الله.
ومحمد بن عجلان المدني روى له مسلم متابعة، وروى له الأربعة.
وعبد الله بن محمد بن عَقيل -بفتح العين- ابن أبي طالب، ضعفه يحيى في رواية، وقال الحاكم كان أحمد وإسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه، ولكن ليس بالمتين عندهم، وقال يعقوب بن سفيان: صدوق، روى له الأربعة.
والرُبَيِّع -بضم الراء، وفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء آخر الحروف- ابنة مُعوّذ -بكسر الواو المشددة- بن عفراء الصحابيّة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه الترمذي (4): عن قتيبة بن سعيد، عن بشر بن المفضل، عن عبد الله بن
(1)"المجتبى"(1/ 73 رقم 101).
(2)
وقع هنا في "الأصل، ك" سقط بمقدار لوحة -نصف ورقة-.
(3)
"مسند أحمد"(6/ 359 رقم 27067).
(4)
"جامع الترمذي"(1/ 48 رقم 33).
محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء:"أن النبي عليه السلام مسح برأسه [مرتين] (1) بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
وأخرجه ابن ماجه (2): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن شريك، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الرُبيّع:"أن النبي عليه السلام توضأ فمسح ظاهر أذنيه، وباطنهما".
وأخرجه الدارقطني (3)، والبيهقي (4)، والطبراني (5).
قوله: "على مجاري الشعر" أي على مواضعه، فإن قلت: ما محل هذه الجملة؟ قلت: "النصب" لأنها بدل من الرأس، والتقدير فمسح على مجاري شعر رأسه.
قوله: "مسح صُدغيه" الصُدغ بضم الصاد ما بين العين والأذن، ويسمى أيضًا الشعر المتدلي عليها: صدغا، يقال: صدغ معقرب.
قوله: "وأذنيه" أي ومسح أذنيه.
قوله: "ظاهرِهما" بالجرّ بدل من أذنيه، و"باطِنِهما" عطف عليه.
ويستفاد منه: استيعاب مجاري شعر الرأس بالمسح، والمسح على الصغدين، وسنية المسح على الأذنين ظاهرهما وباطنهما.
ص: حدثنا إبراهيم بن منقذ العصفري، ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: ثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني ابن عجلان، ثم ذكر بإسناده مثله.
ش: هذا طريق آخر حسن، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب مقلاص الخزاعي، عن محمَّد بن عجلان
…
إلى آخره.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "جامع الترمذي".
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 151 رقم 440).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 106 رقم 50).
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 59 رقم 277).
(5)
"المعجم الكبير"(24/ 267 - 269 رقم 676، 682، 683).
ص: حدثنا أبو العوام محمَّد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي، قال: ثنا عمي أبو الأسود، قال: حدثني بكر بن مضر، عن ابن عجلان
…
فذكره بإسناده مثله.
ش: هذا طريق آخر رجاله ثقات، وأبو الأسود اسمه: النضر بن عبد الجبار بن النضير، كلاهما بالضاد المعجمة لكن الأول مكبر، والثاني مصغر.
وأخرجه أبو داود (1): من حديث بكر بن مضر، عن ابن عجلان
…
إلى آخره، ولفظه:"رأيت رسول الله عليه السلام يتوضأ، قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وأدبر، وصدغيه، وأذنيه مرة واحدة".
وأخرجه الترمذي (2): وقال: حديث حسن (3).
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا همام، قال: ثنا محمَّد بن عجلان، فذكر بإسناده مثله.
ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا حسن، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهمام بن يحيى.
وأخرجه أحمد (4): من حديث ابن عجلان
…
إلى آخره، ولفظه:"أن رسول الله عليه السلام توضأ عندها، فمسح برأسه، فمسح الرأس كله من فوق الشعر كل ناحية بمَنْصِب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته" انتهى، ومَنْصِب الشعر: أصله، بفتح الميم، وكسر الصاد.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: ثنا شريك، عن عبد اللهَ بن محمَّد، عن الربيّع قالت:"أتانا النبي عليه السلام -فتوضأ فمسح ظاهر أذنيه وباطنهما".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 32 رقم 129).
(2)
"جامع الترمذي"(1/ 49 رقم 34).
(3)
في المطبوع: "حسن صحيح".
(4)
"مسند أحمد"(6/ 359 رقم 27069).
ش: هذا طريق آخر وهو حسن.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني، ثنا شريك، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:"وضأت النبي عليه السلام فأتيتُه بميضأة تسع مُدّا أو مدّا وثلثا، فقال: اسكبي، فتوضأ ومسحَ مقدم رأسه، ومسح ظاهر أذنيه وباطنهما".
و"الميضأة" -بكسر الميم-: الركوة.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا رَوحُ بن القاسم، عن عبد الله بن محمَّد، عن الربيع، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا حسن.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): وقال: ثنا أبو مسلم الكشِّي، ثنا محمَّد بن المنهال
…
إلى آخره، ولفظه:"قالت: كان النبي عليه السلام يأتينا فنأتيه بمضأة لنا فيها ماء، يأخذ بمد المدينة مدا ونصفا أو ثلثا، فأَصُبُّ عليه فيغسل يديه ثلاثا، ويمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه ثلاثا، ويمسح برأسه مرة واحدة، ويمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وبظهر قدميه".
ص: ففي هذه الآثار أن حكم الأذنين ما أقبل منهما وما أدبر من الرأس، وقد تواترت الآثار بذلك ما لم يتواتر بما خالفه، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أي ففي هذه الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الثانية.
قوله: "وقد تواترت" أي تكاثرت وتتابعت، وليس المراد منه التواتر المصطلحي.
قوله: "بما خالفه" أراد به حديث أول الباب الذي احتج به أهل المقالة الأولى.
قوله: "فهذا وجه هذا الباب" أراد أن العمل بالذي تواتر أولى من الذي لم يتواتر مثله، وهذا هو الوجه في التوفيق بين الأحاديث المخالفة.
(1)"المعجم الكبير"(24/ 269 رقم 682).
(2)
"المعجم الكبير"(24/ 267 رقم 676).
ص: وأما من طريق النظر: فإنا قد رأيناهم لا يختلفون أن المحرمة ليس لها أن تغطي وجهها، ولها أن تغطي رأسها، وكلٌّ أجمع أن لها أن تغطي أذنيها ظاهرهما وباطنهما، فدلّ ذلك أن حكمهما حكم الرأس في المسح لا حكم الوجه.
ش: هذا ظاهر.
قوله: "رأيناهم" أي أهل المقالة الأولى والثانية، وجه القياس يقول الأذنان من الرأس: لأنهما تُغطيان معها في إحرام المرأة، وكل جزء من أجزاء الرأس يغطي فهو من الرأس، ينتج أن الأذنين من الرأس.
ص: وحجةٌ أخرى: أنا رأيناهم لم يختلفوا أن ما أدبر منهما يمسح مع الرأس، واختلفوا فيما أقبل منهما على ما ذكرنا، فنظرنا في ذلك، فرأينا الأعضاء التي اتفق على فرضها في الوضوء هي: الوجه، واليدان، والرجلان، والرأس، فكان الوجه يغسل كله، وكذلك اليدان، وكذلك الرجلان، ولم يكن حكم شيء من تلك الأعضاء خلاف حكم البقية، بل جعل حكم كل عضو منها حكمًا واحدا فجعل مغسولا كله أو ممسوحا كله، واتفقوا أن ما أدبر من الأذنين فحكمه المسح، فالنظر على ذلك أن يكون ما أقبل منهما كذلك، وأن يكون حكم الأذنين كله حكما واحدا كما كان سائر الأعضاء التي ذكرنا؛ فهذا هو وجه النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.
ش: أي "حجة أخرى" عقلية، وارتفاعها بالابتداء، وخبرها قوله:"إنا رأيناهم" أي أهل المقالتين، وهذه ظاهرة، ولكن قيل: هذا النظر ليس بمستقيم؛ لأن الأذنين ليستا من الأعضاء الأربعة التي اتفق على فرضيتها حتى يلزم أن يكون حكمهما حكمًا واحدا، فنقول: لا يضرنا ذلك؛ لأن حقيقة وجه النظر هو أن الوضوء ليس فيه عضو -سواء كان عضو الفرض كالأعضاء الأربعة أو عضو السُّنه كالرقبة- يختلف حكمه بأن يمسح بعضه ويغسل بعضه، بل إما يغسل كله وإما
يمسح كله، فالنظر على [ذلك](1) ينبغي أن تكون الأذنان مما يمسح كله قياسا على نظائرها.
قوله: "وهو قول أبي حنيفة" أي وجه النظر الذي اقتضى أن يكون ما أقبل من الأذنين وما أدبر منهما من الرأس فيمسحان معها، هو قول أبي حنيفة.
ص: وقد قال بذلك جماعة من أصحاب رسول الله عليه السلام، حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا هشيم، عن حُمَيد قال: "رأيت أنس بن مالك توضأ، فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما مع رأسه، وقال: إنّ ابن مسعود كان يأمر بالأذنين.
ش: أي قد قال بأن ما أقبل من الأذنين وما أدبر منهما من الرأس؛ جماعة من الصحابة، وبيّن ذلك بقوله: حدثنا
…
إلى آخره.
وإسناده صحيح، وهُشيم بن بشير، وحميد الطويل أبو عُبيدة البصري.
وأخرجه الدارقطني (2): عن أحمد بن عبد الله الوكيل، عن الحسن بن عرفة، عن هشيم
…
إلى آخره نحوه سواء.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني حميد، فذكر مثله.
ش: هذا طريق آخر وهو أيضًا صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب الغافقي، عن حميد الطويل.
وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(3) من طريقين:
الأول: عن أبي سعيد بن أبي عمرو، عن محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن هشام، عن مروان بن معاوية، عن حميد قال: "توضأ أنس ونحن عنده، فجعل يمسح
(1) ليست في "الأصل، ك" والسياق يقتضيها.
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 106 رقم 52).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 64 رقم 308، 309).
باطن أذنيه وظاهرهما، فرأى شدة نظرنا إليه، فقال: إنَّ ابن مسعود كان يأمرنا بهذا".
الثاني: عن محمد بن عبد الله الحافظ، عن محمد بن يعقوب، عن أسيد بن عاصم، عن الحسن بن حفص، عن سفيان الثوري، عن حميد قال:"رأيت أنس ابن مالك توضأ ومسح أذنيه، فنظرنا إليه، قال: كان ابن أمّ عبد يأمرنا بذلك".
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا هشيم، عن أبي جمرة قال:"رأيت ابن عباس توضأ فمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما".
ش: إسناده صحيح.
وأبو جمرة -بالجيم، والراء- واسمه نصر بن عمران الضُبَعي البصري، روى له الجماعة.
ص: فهذا ابن عباس رضي الله عنهما قد روى عن علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام ما قد رويناه في أول هذا الباب، وروى عنه عطاء بن يسار، عن النبي عليه السلام كما رويناه في الفصل الثاني من هذا الباب، ثم عمل هو بذلك، (وترك ما حدثه)(1) عليّ عن النبي عليه السلام فهذا دليل أن نسخ ما روى عن علي رضي الله عنه قد كان ثبت عنده.
ش: قد تقّرر أن الراوي إذا عمل بخلاف ما روى، أن ذلك فيه احتمالات كثيرة، وأحسنها أن يحمل ما رواه على النسخ، تحسينا بالظن في حق الصحابي رضي الله عنه.
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول:"الأذنان من الرأس".
ش: إسناده صحيح.
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري.
(1) تكررت في "الأصل".
وأبوه: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، روى له الجماعة. وابن إسحاق هو محمَّد بن إسحاق المدني.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي أسامة، عن أسامة، عن هلال بن أسامة، عن ابن عمر قال:"الأذنان من الرأس".
ثنا (2) عبد الرحيم بن سليمان، عن محمَّد بن إسحاق، عن نافع قال:"كان ابن عمر يمسح أذنيه ويقول: هما من الرأس".
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:"الأذنان من الرأس".
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا هشيم، عن غيلان بن عبد الله، قال: سمعت ابن عمر يقول: "الأذنان من الرأس".
ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا صحيح.
وهذا الطريق أخرجه الدارقطني (4): عن أحمد بن عبد الله النحاس، عن الحسن ابن عرفة، عن هشيم، عن غيلان بن عبد الله مولى بني مخزوم، قال: سمعت ابن عمر يقول: "الأذنان من الرأس".
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا أيوب، عن نافع:"أن ابن عمر كان يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، يتتبع بذلك الغضون".
ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 163).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 164).
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 11 رقم 24).
(4)
"سنن الدارقطني"(1/ 98 رقم 9).
وأخرجه عبد الرزاق (1): عن عبد الله بن عمر، عن نافع:"أن ابن عمر كان يمسح بأذنيه مع رأسه إذا توضأ، يدخل أصبعيه في الماء فيمسح بهما أذنيه، ثم يرد إبهاميه خلف أذنيه".
قوله: "الغضون" جمع غَضْن -بفتح الغين وسكون الضاد المعجمتين- وجاء بالتحريك أيضًا، وهي مكاسر الأذنين.
وقد روي أيضًا عن أبي موسى، فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2): عن عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي موسى قال:"الأذنان من الرأس"، والحسن [لم يسمع](3) من أبي موسى.
وعن عثمان رضي الله عنه فروى ابن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن الجُريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، عن عثمان قال:"واعلموا أن الأذنين من الرأس".
وعن ابن عباس، فروى ابن أبي شيبة (4): عن وكيع، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال:"الأذنان من الرأس".
وعن أبي هريرة، فروى عبد الرزاق في "مصنفه" (5): عن عبد الله بن محّرر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال:"الأذنان من الرأس".
وروي عن التابعين أيضًا، وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6): عن عبدة بن سليمان، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب والحسن قالا:"الأذنان من الرأس".
(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 12 رقم 29).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 158).
(3)
في "الأصل، ك": "لم يرو"، والصواب ما أثبتناه.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 169).
(5)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 12 رقم 21).
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 24 رقم 157).
وروى عبد الرزاق (1): عن معمر، عن قتادة:"أنه كان يمسح الأذنين، ويقول: الأذنان من الرأس".
وروى أيضًا (2): عن الثوري، عن منصور، عن أبي معشر، عن إبراهيم:"أنه كان يَمسحُ ظهور الأذنين، وبطونهما".
(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 13 رقم 31).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 13 رقم 32).