الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الوضوء هل يجب لكل صلاة أم لا
؟
ش: أيّ هذا باب في بيان أنَّ الوضوء يجب لكل صلاة أم يجوز بوضوء واحد صلوات عديدة؟ والمناسبة بين البابين ظاهرة؛ لأن كلا منهما مشتمل على أحكام الوضوء.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا سفيان، عن علقمة ابن مرثد، عن سليمان بن بُرَيْدَة، عن أبيه:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحد".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو بكرة بكَّار، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي ذكرناه عن قريب في الباب الذي قبله، وبُريدة -بضم الباء الموحدة- ابن الحُصَيْب -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- بن عبد الله الصحابي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه أنه قال: "كان رسول الله عليه السلام يتوضأ
…
" إلى آخره نحوه.
قوله: "الفتح" أيّ فتح مكة، فتحت سنة ثمان من الهجرة في شهر رمضان يوم الجمعة لعشر بقين، وأقام بها النبي عليه السلام خمس عشرة ليلة.
في رواية البخاري (2)، وفي رواية أبي داود (3) والترمذي (4):"أقام ثماني عشر ليلة - لا يصلي إلَّا ركعتين".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 298).
(2)
كذا في "الأصل، ك"، والذي في "صحيح البخاري" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (4/ 1564 رقم 4047):"أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يومًا، يصلي ركعتين" فرواية البخاري "تسعة عشر وليس خمس عشرة".
أما رواية خمس عشرة فعند أبي داود (2/ 10 رقم 1231).
وانظر كلام الحافظ في "الفتح"(2/ 654) فإنه نفيس.
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 9 رقم 1229) من حديث عمران بن حصين.
(4)
"جامع الترمذي"(2/ 430 رقم 545) من حديث عمران بن حصين ولكن ليس فيه محل الشاهد.
ثم ظاهر قوله: "كان يتوضأ لكل صلاة" يدل على وجوب الوضوء لكل صلاة.
وقوله: "فلما كان الفتح
…
" إلى آخره، يدل على جواز صلوات كثيرة بوضوء واحد، ثم قيل: إنَّ الحكم الأول قد انتسخ بالحكم الثاني، والصحيح أنَّ مواظبته عليه السلام على الوضوء لكل صلاة كان لأجل العمل بالأفضل، وصلاته عليه السلام يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد بيان للجواز، والدليل عليه: قوله في الحديث الآتي: "عمدا فعلته يا عمر" فهذا يدل على أنَّ فعله الأول كان للأفضل، وفعله الثاني كان بيانا للجواز، ودليل آخر على ألَّا نسخ ثمة: أنَّ الوجوب إذا نسخ يبقى التخيير، ثم أجمع أهل الفتوى بعد ذلك على أنَّه لا يجب إلَّا على المُحدِث، وأنَّ تجديده لكل صلاة مندوب، ولم يبق بينهم اختلاف، على ما يجيء مزيد البيان إنْ شاء الله تعالى.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال ثنا أبو عاصم وأبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: "صلى رسولُ الله عليه السلام يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر رضي الله عنه: صنعت شيئًا يا رسول الله لم تكن تصنعه
…
قال: عمدا فعلته يا عمر".
ش: هذا أيضًا إسناد صحيح، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وأبو حذيفة النهْدي اسمه موسى بن مسعود البصري شيخ البخاري وغيره، وسفيان هو الثوري.
وأخرجه مسلم (1): وقال: ثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير، قال: نا أبي، قال: نا سفيان، عن علقمة بن مرثد.
وحدثني محمَّد بن حاتم -واللفظ له- قال: أنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثني علقمة
…
إلى آخره نحوه سواء.
وأبو داود (2): عن مُسدّد، عن يحيى، عن سفيان
…
إلى آخره نحوه.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 232 رقم 277).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 44 رقم 172).
والترمذي (1)، عن ابن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان
…
إلى آخره نحوه، وقال هذا حديث حسن صحيح.
ومما يُستفاد منه: جواز المسح على الخفين، وسؤال المفضول الفاضلَ عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة؛ لأنه قد يكون عن نسيان فيرجع عنه، وقد يكون تعمدا لمعنى خَفِي على المفضول ليستفيده.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال ثنا سفيان، قال: ثنا علقمة، عن سليمان، عن أبيه، عن النبي عليه السلام: "أنَّه كان يتوضأ لكل صلاة.
ش: هذا الإسناد بعينه هو إسناد الحديث الأول ولكن فيه اقتصر على قوله: "إنه كان يتوضأ لكل صلاة".
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": عن زهير، عن وكيع، عن سفيان، عن محارب ابن دثار، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، نحوه.
ص: فذهب قوم إلى أنَّ الحاضرين يجب عليهم أنْ يَتوضئوا لكل صلاة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من الظاهرية، وجماعة من الشيعة فإنهم أوجبوا الوضوء لكل صلاة في حق المقيمين دون المسافرين، واحتجوا في ذلك بحديث بُريدة المذكور؛ لأنه عليه السلام كان يتوضأ لكل صلاة، ثم صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد؛ لأنه كان مسافرا.
وذهبت طائفة إلى إيجاب الوضوء لكل صلاة مطلقا من غير حَدَثٍ، وروي ذلك عن ابن عمر وأبي موسى، وجابر بن عبد الله، وعَبِيدة السَّلْمَاني، وأبي العالية، وسعيد بن المسيّب، إبراهيم، والحسن، وحكى ابن حزم في كتاب "الإجماع" هذا المذهب عن عمرو بن عبيد قال:"وروينا عن إبراهيم النخعي: ألَّا يصلى بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات".
(1)"جامع الترمذي"(1/ 89 رقم 61).
ص: وخالفهم في ذلك أكثر العلماء فقالوا: لا يجب الوضوء إلَّا مِنْ حدَث.
ش: أيّ خالف القوم المذكورين أكثر العلماء من الأئمة الأربعة وأصحابهم، وأكثر أصحاب الحديث، وغيرهم، فقالوا: لا يجب الوضوء إلَّا من أجل حدَث، وذلك لأن آية الوضوء نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة؛ لأن قوله: تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (1) معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون.
وقال الإِمام أبو بكر الرازي ما ملخصه: إنَّ ظاهر الآية يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة؛ لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الصلاة، وحكم الجزاء تأخره عن الشرط، ولا خلاف بين السلف والخلف أنَّ القيام إلى الصلاة ليس بسبب لإيجاب الطهارة، وأنَّ سبب وجوبها شيء آخر غيره، وقد بُيِّن ذلك في حديث أسماء بنت زيد:"أنَّ رسول الله عليه السلام أُمِرَ بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلَّا من حدَثٍ"(2) فدلّ هذا أنَّ وجوب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة. هذا ما ذكره.
قلت: اختلفوا في سبب وجوب الوضوء؛ فقالت الظاهرية: هو القيام إلى الصلاة، وكل من قام إليها فعليه أنْ يتوضأ وإنْ كان على الوضوء، لظاهر الآية.
وقال أهل الطَّرْدِ: وسببه الحدث؛ لدورانه معه وجودا وعدما، وقال أبو بكر الرازي: سببه الحدث عند القيام إلى الصلاة. كما ذكرنا الآن، وكل ذلك فاسد، أما الأول فلحديث بُريدة أنَّه عليه السلام يوم الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، ولأن فيه تسلسلا على ما لا يخفى وهو باطل، وأما الثاني والثالث فكذلك لأنَّا
(1) سورة المائدة، آية:[6].
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه" بمعناه (1/ 12 رقم 48)، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 11 رقم 15)، والحاكم في مستدركه (1/ 258 رقم 556) كلهم من طريق أسماء بنت زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لا نسلم أنَّ الدوران دليل العليَّة، ولئن سلّمنا ذلك لا نسلم أنَّ الدوران وجودا موجود؛ لأنه قد يوجد الحدث ولا يجب الوضوء ما لم تجب الصلاة بالبلوغ ودخول الوقت، وقد يقال: السبب ما يكون مفضيًا إلى الشيء ويجتمع معه، والحدث رافع للطهارة، فكيف يكون سببا لها؟! والصحيح في المذهب: أنَّ سبب وجوب الوضوء الصلاة؛ لأنه نسب إليها، ويقوم بها، ويجب بوجوبها، ويسقط بسقوطها، وهو شرطها فيتعلق بها، حتى لم يجب قصدا لكن عند إرادة الصلاة، والحدث شرطه، فإنْ قلت: لا يجوز أنَّ تكون الصلاة سببًا لأنه لا بد حينئذ يكون الوضوء حكما وشرطا للصلاة، وهو فاسد؛ لأن المتقدم متأخر والمتأخر متقدم.
قلت: الوضوء شرط الجواز، والصلاة سبب الوجوب، وبينهما مغايرة. فافهم.
وإنما قلنا: إنَّ الحدث شرطه لأن الأمر بالوضوء أمر بالتطهير وهو يقتضي النجاسة لا محالة إما حقيقة أو حكمًا، والأول منتفٍ بالإجماع، فتعين الثاني، وإلَّا يلزم إلغاء النص عن الفائدة، وأنَّ القيام المذكور بإطلاقه يتناول كل قيام، وهو غير مراد بالإجماع، فتعين أخصّ الخصوص وهو القيام إلى الصلاة وهو محدث، قد يكون تقدير الآية: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون. أو إذا قمتم إلى الصلاة عن المنام. والنوم دليل الحدث، فإنْ قلت: قد صرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فما الفائدة فيه؟
قلت: ليعلم أنَّ الوضوء يكون سُنّة وفرضا، والحدث شرط في الفرض دون السُّنَّة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور (1)، والغسل على الغسل والتيميم
(1) هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 98 رقم 315): وأما الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الوضوء على الوضوء نور على نور" فلا يحضرني له أصل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله من كلام بعض السلف والله أعلم.
وقال العراقي في "تخريج الإحياء"(1/ 120): لم أجد له أصلًا.
ونقل صاحب "كشف الخفا"(2/ 447) عن الحافظ ابن حجر أنه قال: حديث ضعيف، ورواه رزين في "مسنده".
على التيمم ليس كذلك، فإنْ قلت: أليس هذا التقدير زيادة تُقَيِّد إطلاق الكتاب بخبر الواحد؟ وأنتم تأبون ذلك كما أبيتم زيادة تعيين الفاتحة على القراءة وزيادة الطهارة على الطواف بخبر الواحد.
قلت: بين الزيادتين فرق، وهو أنَّ هذه الزيادة لو لم تكن فيما نحن فيه يلزم منه فساد بيِّن وحرجٌ ظاهر، وكلاهما منتفٍ، وقد نفاهُ الشارعُ بقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1) وحججه لا تتناقض، فكانت الزيادة ثابتة بالنصّ الذي ينفي الحرج وخبر الواحد وقع موافقا له، وربما يقال: إنَّ هذه الزيادة ثبتت بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: "وأنتم محدثون" ورواية ابن بريدة "أنَّه خطاب للمحدثين" ومثله عن ابن عباس، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعُبَيْدة، وأبي موسى، وجابر، وأبي العالية، وسعيد بن المسيّب، وإبراهيم، والحسن، والضحاك، وعليه إجماع التابعين والفقهاء.
وعند الشافعية في موجب الوضوء ثلاثة أوجه حكاها المتولي والشاشي عنهم.
أحدها: وجوبه بالحدث، فلولاه لم يجب.
والثالث: وجوبه بالقيام إلى الصلاة، فإنه لا يتعين الوضوء قبله.
والثالث: وهو الصحيح عند المتولي وغيره: يجب بالحدث والقيام إلى الصلاة جميعا.
والأوجه الثلاثة جارية في موجب الغسل هل هو الإنزال والجماع، أم القيام إلى الصلاة، أم كلاهما؟
ص: وكان مما رُوِي عن النبي عليه السلام ما يوافق ما ذهبوا إليه في ذلك ما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد وابن جريج وابن سمعان، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: "ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار ومعه أصحابه، فقربت لهم شاة مصلية، فأكل وأكلنا ثم حانت
(1) سورة الحج، آية:[78].
الظهر، فتوضأ وصلى، ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل، ثم حانت العصر، فصلى ولم يتوضأ".
قال أبو جعفر رحمه الله: إنه صلى الظهر والعصر بوضوئِه الذي كان في وقت الظهر.
ش: "ما يوافق" في محل الرفع لاستناد "روي" إليه.
وقوله: "ما حدثنا" اسم لكان وخبره "مما رُوي".
وقوله: "ما ذهبوا إليه" في محل النصب؛ لأنه مفعول "يوافق" أيّ ما يوافق ما ذهب إليه أكثر العلماء.
وقوله: "في ذلك" أيّ في أنَّ الوضوء لا يجب إلَّا مِنْ حدث.
وإسناد الحديث المذكور صحيح على شرط مسلم، وابن وهب هو عبد الله بن وهب، وابن جريج هو عبد الملك بن جريج.
وابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سمعان، كذَّبَه أبو داود، وتركه النسائي، ولا يضر هذا صحة الإسناد؛ فإنّ ابن وهب رواه عن أسامة وابنُ جريج، وهما كافيان لصحة الإسناد، ولا يلتفت إلى ابن سمعان بينهم.
وأخرجه الترمذي (1): ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثنا عبد الله بن محمَّد بن عقيل، سمع جابر بن عبد الله -قال سفيان: وحدثنا محمَّد ابن المنكدر، عن جابر- قال:"خرج رسول الله عليه السلام وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى ثم انصرف، فأتته بعلالة من علالة الشاة فأكل، ثم صلى العصر ولم يتوضأ".
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2) نحو: رواية الطحاوي، وقال النووي في شرح المهذب: إسناد هذا الحديث صحيح على شرط مسلم.
(1)"جامع الترمذي"(1/ 116 - 117 رقم 80).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 156 رقم 702).
وأخرج أبو داود (1): ثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي، قال: نا حجاج، قال: نا ابن جريج، أخبرني محمَّد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "قربتُ للنبي عليه السلام خبزا ولحما. فأكل، ثم دعى بوَضوء فتوضأ، ثم صلى الظهر، ثم دعى بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".
قوله: "إلى امرأة من الأنصار" هي عمرة بنت حزم أخت عَمرو بن حزم، قاله ابن منده وأبو عمر، وقال أبو نعيم: عمرة بنت حزام، وكانت تحت سعد بن الربيع. فقتل عنها يوم أحد، وقال ابن الأثير: روى يحيى بن أيوب، عن محمَّد بن ثابت البناني، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر، عن عمرة بنت حَزْم:"أنها جعلت النبي عليه السلام في صُوْر نخل كَنَسَتْه ورَشَّتْه، وذبحتْ له شاة، فأكل منها وتوضأ وصلى الظهر، ثم قدّمت له من لحمها فأكل، وصلى العصر ولم يتوضأ" رواه أبو نعيم (2)، عن الطبراني، عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن عمرو بن الربيع ابن طارق، عن يحيى بإسناده، وقال: عمرة بنت حزام.
ورواه ابن منده بإسناده: عن محمَّد بن إسحاق الصاغاني، وأبي حاتم الرازي، عن عمرو بن الربيع، عن يحيى بن أيوب، عن محمَّد فقالا: عمرة بنت حَزم.
قوله: "فقرّبت" بتشديد الراء.
قوله: "مصلية" أيّ مشويّه، يقال: صَلَيْت اللحم -بالتخفيف- أيّ شَوَيْتُه، فهو مَصليٌّ، فأما إذا أحرقته وألقيته في النار. قلتَ: صلَّيتُه -بالتشديد- وأصْلَيْتُه.
قوله: "ثم حانت الظهر" أيّ آنت يعني حضرت، من الحين، وهو الوقت.
قوله: "فأتته بقِنَاع" بكسر القاف، وهو الطبق الذي يؤكل عليه، ويقال له القُنْعٍ -بالكسر والضم- وقيل: القناع جمعه.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 49 رقم 191).
(2)
"معرفة الصحابة" لأبي نعيم (6/ 3394 رقم 7759).
وهو عند الطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 339 رقم 848).
وقال الجوهري: القناع: الطبق من عُسُب النخل، وكذلك القِنع.
وفي "الدستور": هو طبق الفاكهة، وبالفارسية: طبق مِرِه.
قوله: "بِعُلالة"، بضم العين المهملة أيّ ببقية لحم الشاة ويقال لبقية اللبن في الضرع، وبقية قوة الشيخ، وبقية جري الفرس: علالة، وقيل: عُلالة الشاة: ما يُتَعَلَّل به شيئًا بعد شيء، من العَلَل: الشرب بعد الشرب.
قوله: "صَوْر" بفتح الصاد وسكون الواو، وهو النخل المجتمع الصغار، لا واحد له، ويجمع على صِيران.
ويُستفادُ منه ما ذكره الطحاوي، وجواز العود إلى فضلة الطعام، وجواز ترك الوضوء مما مسَّته النار.
ص: وقد يجوز أنْ يكون وضوءه عليه السلام لكل صلاة -على ما روى بُريْدة- كان ذلك على التماس الفضل لا على الوجوب.
ش: أشار بهذا إلى أنَّ حديث بريدة لا تقوم به حجة لهؤلاء القوم للاحتمال المذكور، على ما ذكرناه في أول الباب.
ص: فإنْ قيل: فهل في هذا من فضل فيلتمس؟ قيل له: نعم، قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبي غطيف الهذلي، قال:"صليتُ مع عبد الله بن عمر بن الخطاب الظهر، فانصرف في مجلس في داره، فانصرفت معه حتى إذا نُودي بالعصر دعى بوَضوء فتوضأ ثم خرج وخرجت معه، فصلى العصر، ثم رجع إلى مجلسه ورجعت معه حتى إذا نودي بالمغرب دعى بوضوء فتوضأ فقلت له: أيّ شيء هذا يا أبا عبد الرحمن، الوضوء عند كل صلاة؟! فقال: وقد فطنت لهذا مني؟ ليست سُنّة إنْ كان لكافيا وضوئي لصلاة الصبح وصلواتي كلها ما لم أُحدث، ولكني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من توضأ على طُهر كتب الله له بذلك عشر حسناتٍ، ففط ذلك رغبت يا ابن أخي".
فقد يجوز أنْ يكون رسول الله عليه السلام إنما فعل ذلك -[ما روى](1) عنه بُريدةُ- لأصابة الفضل لا لأن ذلك كان واجبا عليه.
ش: إيراد هذا السؤال على قوله: كان [يفعل](2) ذلك طلبا للفضل.
قوله: "فيلتمسُ" بالرفع أيّ فهو يلتمس؟
قوله: "حدثنا" بيان لما قاله من قوله المذكور.
ويونس هو ابن عبد الأعلى، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي قاضيها، فيه مقال، روى له الأربعة. وأبو غُطَيْف -بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة- ويقال: غُضَيف، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): مختصرا وقال: ثنا عبدة بن سليمان، عن الأفريقي، عن أبي غطيف، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من توضأ على طهرٍ، كتب له عشر حسنات".
وقال الترمذي (4): ورُوي في حديث عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام أنَّه قال:"من توضأ على طُهرٍ؛ كتب الله له عشر حسنات" وروى هذا الحديث الأفريقي، عن أبي غطيف، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام حدثنا بذلك الحسن بن حُريث المروزي، قال: ثنا محمَّد بن يزيد الواسطي، عن الأفريقي، وهو إسناد ضعيف.
قوله: "دعى بوَضوء" بفتح الواو في الموضعين، وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: "يا أبا عبد الرحمن الوُضُوء" هذا بضم الواو.
قوله: "وقد فَطِنْتَ" من الفطنة، وهو الفهم، تقول: فَطَنْتُ الشيء -بالفتح- ورجل فَطِن وفَطُن، وقد فَطِنَ -بالكسر- فطنة وفطانة وفطانية.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
في "الأصل، ك": يفعله، والصواب ما أثبتناه.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 16 رقم 53).
(4)
"جامع الترمذي"(1/ 87 رقم 59).
قوله: "إنْ كان لكافيا" إنْ هذه مخففة، من المثقلة، وأصله: إنه كان كافيا، أيّ: إنَّ الشأن كان وضوئي لكافيا، و"كافيا" خبر كان، مقدم على اسمه، وهو قوله:"وضوئي".
فإنْ قلتَ: ما الحكمة في تنصيص هذا العدد بالعَشْر؟
قلتُ: قالوا: إنَّ هذا أمر شرعي لا مجال للعقل فيه، وسنح بخاطري من الأنوار الربانية في حكمة هذا العدد أنَّ بالوضوء الأول حصل له خمس حسنات باعتبار أنه يمكن أنْ يصلي به خمس صلوات ثم بالوضوء الثاني تضاعف الأجر فيصير عشر حسنات!!
ص: وقد رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضًا ما يدل على ما ذكرنا.
حدثنا ابن مرزوق، قال ثنا وهب بن جرير، قال ثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك قال:"أُتي رسول الله عليه السلام بوضوءٍ فتوضأ منه، فقلت لأنس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء".
فهذا أنسن رضي الله عنه قد علم حكم ما ذكرنا من فعل رسول الله عليه السلام ولم يُردِ ذلك فرضا على غيره.
ش: أيّ قد روي عن أنس أيضًا ما يدل على ما ذكرنا من أنَّ النبي عليه السلام فعل ما رواه بريدة لإصابة الفضل لا لأنه كان واجبا، وقد علم أنس أنَّه النبي عليه السلام إنما كان يتوضأ عند كل صلاة لإصابة الفضل، وإلَّا لما كان وسعه ولا لغيره أنْ يخالفوه، وإسناد الحديث المذكور صحيح.
وأخرجه الترمذي (1): ثنا محمَّد بن بشار، قال: نا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ابن مهدي، قالا: نا سفيان بن سعيد، عن عمرو بن عامر الأنصاري، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "كان النبي عليه السلام يتوضأ عند كل صلاة. قلت: وأنتم، ما كنتم
(1)"جامع الترمذي"(1/ 88 رقم 60).
تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نُحدِثْ" قال هذا حديث حسن صحيح.
ص: وقد يجوز أيضًا أنْ يكون رسول الله عليه السلام كان يفعل ذلك وهو واجب ثم نسخ، فنظرنا في ذلك هل نجد شيئًا من الآثار يدل على هذا المعنى؟ فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلت له: "أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، عمَّ ذلك؟ قال: حدثتنيه أسماء ابنة زيد بن الخطاب، أنَّ عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها، أنَّ رسول الله عليه السلام أُمِرَ بالوضوء لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أُمِرَ بالسِّواك لكل صلاة، وكان ابن عمر رضي الله عنه يرى أنَّ به على ذلك قوة، وكان لا يدع الوضوء لكل صلاة.
ففي هذا الحديث: أنَّ رسول الله عليه السلام كان أُمِرَ بالوضوء لكل صلاة، ثم نُسخ ذلك، فثبت بما ذكرنا أنَّ الوضوء يجزئ ما لم يكن الحدث.
ش: هذا جواب آخر عن حديث بريدة، أنَّه عليه السلام كان يتوضأ لكل صلاة وهو طاهر.
قوله: "أنْ يكون" فاعل "يجوز" و"رسول الله عليه السلام" اسم "يكون".
وقوله: "كان يفعل ذلك" خبره.
وقوله: "وهو واجب" جملة حالية، وذلك إشارة إلى توضئه عليه السلام لكل صلاة، وإسناد الحديث المذكور جيد حسن.
والوَهْبيّ هو أحمد بن خالد بن موسى الكندي، ونسبته إلى وهب والد عبد الله المصري.
وابن إسحاق هو محمَّد بن إسحاق.
ومحمد بن يحيى بن حَبّان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- ابن منقذ بن عمرو بن مالك الأنصاري.
وأسماء ابنة زيد بن الخطاب أخت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، من التابعيات.
وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب واسمه عبد عمرو بن صيفي بن زيد بن أميّة الأنصاري، أبو عبد الرحمن المدني، له رؤية من النبي عليه السلام ويقال: توفي النبي عليه السلام وهو ابن سبع سنين. وروى له أبو داود هذا الحديث (1) فقط: عن محمَّد بن عوف الطائي، عن أحمد بن خالد، عن محمَّد بن إسحاق
…
إلى آخره نحوه بسواء.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من طريق أبي داود.
قوله: "أرأيت" معناه أَخْبِرْني.
قوله: "طاهرا"، نصب على أنَّه خبر "كان" مقدما عليه.
قوله: "أُمِرَ بالوضوء" على صفة المجهول، أيّ: أمره الله تعالى، وكذلك "أُمِرَ" الثاني.
قوله: "فلما شق ذلك عليه" أيّ: لما ثقل التوضؤ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر على النبي عليه السلام "أُمِرَ بالسواك" أيّ باستعماله؛ لأن نفس السواك لا يؤمر به.
قوله: "يرى أنَّ به قوة" أيّ يظن أنَّ به طاقة يتحمل الوضوء لكل صلاة.
قوله: "وكان لا يدع" أيّ: لا يترك، وهذا من الألفاظ التي أماتوا ماضيها، كذا قالوا، وليس بشيء؛ فإنه قرئ قوله: تعالى: {مَا وَدَّعَكَ} (3) بالتخفيف.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 12 رقم 48) وقد تقدم.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 37 رقم 157).
(3)
وهي قراءة ابن عباس وابن الزبير، انظر "تفسير القرطبي" لسورة الضحى (20/ 83).
ص: فإنْ قال قائل: معنى هذا الحديث إيجاب السواك لكل صلاة، فكيف لا توجبون ذلك وتعملون بكل الحديث إذْ كنتم قد عملتم ببعضه؟ قيل له: قد يجوز أنْ يكون النبي عليه السلام خُصَّ بالسواك لكل صلاة دون أمته، ويجوز أنْ يكون هو وجميع أمته في ذلك سواء، وليس يوصل إلى حقيقة ذلك إلَّا بالتوقيف، فاعتبرنا ذلك، هل نجد شيئًا يدلنا على شيء من ذلك؟ فإذا علي بن معبد قد حدثنا، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: نا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عمي عبد الرحمن ابن يسار، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كل صلاة".
ش: تحرير السؤال: أنَّ حديث عبد الله بن حنظلة دَلَّ على إيجاب السواك لكل صلاة، لقوله:"أُمِرَ بالسواك" ومقتضى الأمر الوجوب، فإذا كان كذلك فلِمَ لا توجبون السواك؟ وَلِمَ لا تعملون بكل الحديث؟ تعملون بعضه وتتركون بعضه؟!
قوله: "إذْ كنتم" أيّ "حين كنتم" ويصح أنْ تكون "إذ" للتعليل، كما في قوله: تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} (1).
وتحرير الجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّه قد يجوز أنْ يكون النبي عليه السلام مخصوصا بالسِّواك لكل صلاة، ولا يكون ذلك لأمته، فلا يجب على غيره، فلا يمكن العمل بكل الحديث، والأصل فيه أنَّ فعل النبي عليه السلام إذا علمت صفته أنَّه فعله واجبا أو ندبا أو مباحا فإنه يتتبع فيه بتلك الصفة، وإنْ لم يعلم فإنه تثبت له صفة الإباحة، ثم لا يكون الاتباع فيه ثابتا إلَّا بقيام الدليل على كونه مخصوصا بصفته، وهذا هو المذهب الصحيح في أفعال النبي عليه السلام.
فإنْ قلت: قد علمت هنا صفته أنَّه كان واجبا لقوله: "أُمِرَ بالسواك".
(1) سورة الزخرف، آية:[37].
قلت: قد يحتمل أنْ يكون ذلك الأمر خاصا به كما في الضحى ونحوه، ويحتمل أنْ يَعُمّ هو وأمته كما قال في الجواب الثاني بقوله: ويجوز أنْ يكون هو وجميع أمته في ذلك سواء، ولكن لهذين الاحتمالين يجب التوقيف حتى يقوم الدليل على ترجيح أحدهما، فاعتبرنا ذلك، فوجدنا حديث عليّ رضي الله عنه قد دلَّ على أنه ليس بواجب -على ما يجيء إنْ شاء الله تعالى-.
وإسناد حديث عليّ حسنٌ، بل صحيح؛ لأن ابن إسحاق ثقة ولكنه مدلس، ولكن قد صرّح هنا بالتحديث.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد مسند أبيه (1) وقال: حدثني عقبة بن مكرم الكوفي، نا يونس بن بُكير، نا محمَّد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.
وعن عبيد الله بن أبي رافع، عن عليّ رضي الله عنه قال: قال: رسول الله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(2) ولفظه: "لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
قوله: "لولا" كلمة لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيد لأكرمتك، أيّ لولا زيد موجود، والمعنى ها هنا: لولا مخافة أنْ أشق لأمرتهم أمر إيجاب. وإلَّا لانعكس معناها إذ الممتنع: المشقة، والأمر موجود، وقد استدلت جماعة من الفقهاء على سُنية السواك بهذا الحديث، فإنْ قلتَ: كيف تثبت بهذا؟ قلتُ: لما امتنع الوجوب لوجود المشقة، ثبت ما دون الوجوب وهو السُّنَّة، لعدم المانع، وهو المشقة؛ لأنه بسبيل في ترك السُّنَّة.
(1)"مسند أحمد"(1/ 80 رقم 607).
(2)
"المعجم الأوسط"(2/ 57 رقم 1238).
قوله: "بالسواك" أيّ باستعمال السواك؛ لأن نفس الخشبة التي تسمى سواكا ومِسْواكا أيضًا ليست بسنة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ لأمنِ اللبس، كما في قوله:"خير خلال الصائم السواك"(1)، أيّ استعماله.
قال أبو زيد: السواك يجمع على سُوُك، ككِتَاب وكُتب، وسَوَّكَ فاه تَسْوِيكا، وإذا قلت: اسْتَاك أو تَسَوَّكَ لم تذكر الفم.
وفي "النهاية" لابن الأثير: السِّواك بالكسر والمِسْواك: ما تدلك به الأسنان من العيدان، يقال: سَاكَ فاه يَسُوكَهُ إذا دلّكه بالسِّواك، فإذا لم تذكر الفم، قلت: أستاكَ.
قوله: "عند كل صلاة" يشُعرُ بأنه مستحب عند كل صلاة، وما روي من حديث أبي هريرة الذي رواه الطحاوي عن مالك -على ما يأتي- يشعر بأنه مستحب [عند](2) كل وضوء، وأكثر أصحابنا ذكروه عند الوضوء، كذا في "المحيط" و"شرح مختصر الكرخي" و"الطحاوي" و"التحفة" و"الغُنية" وقال صاحب "البدائع": ومن سنن الوضوء: السواك، ولكن المنقول عن أبي حنيفة على ما ذكره صاحب "المفيد" أنَّه من سنن الدين، فحينئذ تستوي فيه كل الأحوال، ولا سيما تتأكد سُنِّيَتَهُ عند تَغَيُّر الفم، وفي شرح الطحاوي: أنَّه سُنة، رطبا كان أو يابسا، مبلولا بالماء أو لا، في جميع الأوقات على أيّ حال كان.
وقال أبو عمر: فضل السواك مجمع عليه، لا خلاف فيه، والصلاة عند الجميع به أفضل منها بغيره، حتى قال الأوزاعي: هو شطر الوضوء. ويتأكد طلبه عند إرادة الصلاة، وعند الوضوء، وقراعة القرآن، والاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وعند الأكل، وفي السحر.
(1) أخرجه ابن ماجه في "سننه"(1/ 536 رقم 1677)، والدارقطني في "سننه" (2/ 203 رقم 6) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ:"من خير خصال الصائم السواك".
(2)
ليست في "الأصل، ك".
وفي "المغني" لابن قدامة: قال أبو القاسم: السِّواك سُنة مستحبة عند كل صلاة، لا يعلم في هذا خلاف، غير ما حكي عن إسحاق وداود أنهما قالا بوجوبه استدلالا بالأمر به، وقول سائر أهل العلم أصح.
وقال ابن حزم: هو سُنّة، ولو أمكن لكل صلاة لكان أفضل، وهو يوم الجمعة فرض لازم.
وحكى أبو حامد الإسفرائيني والماوردي عن أهل الظاهر وجوبه، وهو غير جيِّد، الفهم إلَّا إذا أراد به يوم الجمعة، وعن إسحاق: أنه واجب، إنْ تركه عمدًا بطلت صلاته، وزعم النووي أنَّ هذا لم يصح عن إسحاق.
ثم أصحابنا قالوا: الأولى أنْ يكون السواك من شجر مُرٍّ في غلظ الخنصر، وطول الشِّبر، وأنْ يستاك طولا وعرضا، وقد ورد في حديث أبي موسى (1) الاستياك طولا، وورد في حديث بَهْز (2)، وربيعة بن أكثم (3) وغيره الاستياك عرضا، وحديث عائشة رضي الله عنها "كان عليه السلام يستاكُ عرضا ولا يستاك طول" ذكره أبو نعيم (4).
وفي "مراسيل أبي داود"(5): "إذا استكتم فاستاكوا عرضا".
(1) قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" بعد أن ذكر أحاديث الاستياك عرضًا: هذا إنما هو في الأسنان، أما في اللسان فيستاك طولًا كما في حديث أبي موسى في "الصحيحين"، ولفظ أحمد:"وطرف السواك على لسانه يستن إلى فوق"، قال الراوي: كأنه يستن طولًا. والحديث أخرجه البخاري (1/ 96 رقم 241) ومسلم (1/ 220 رقم 254).
(2)
أخرجه: الطبراني في "المعجم الكبير"(2/ 47 رقم 1242) والبيهقي في "الكبرى"(1/ 41 رقم 172) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(1/ 440 رقم 1277)، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" (1/ 65): وفي إسناده ثبيت بن كثير وهو ضعيف، واليمان بن عدي وهو أضعف منه.
(3)
أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 229 رقم 1230)، والبيهقي في "الكبرى" (1/ 40 رقم 173) وقال العقيلي: لا يصح. وقال الحافظ في، "تلخيص الحبير" (1/ 65): وإسناده ضعيف جدًّا.
(4)
عزاه الحافظ في "تلخيص الحبير"(1/ 65) لأبي نعيم في كتاب "السواك" من حديث عائشة، وقال: وفي إسناده عبد الله بن حكيم وهو متروك.
(5)
مراسيل أبي داود (1/ 74 رقم 5) من طريق عطاء بن أبي رباح.
وفي "المغني" لابن قدامة: ويستحب أن يجعل السواك أراكا أو عرجونا أو زيتونا أو عودا ينقي ولا يجرح ولا يتفتت، ولا يستاك بالرياحين ولا الرمّان ولا الأعواد الذكية؛ لأنه رُوي أنَّ السواك بعود الرياحين يحرك عرق الجذام، وقيل: السِّك بعود الرمّان يضر بلحم الفم، فإنْ استاك بإصبعه أو بخرقة لم يُصِبْ السُّنَّة، وقيل: يكون مصيبا. انتهى (1).
وقال صاحب "الهداية": وعند فقده يُعالج بالإصبع.
أيّ عند عدم السواك يزاول بالإصبع.
وروى الطبراني في "الأوسط"(2): من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"الأصابع تجري مجرى السواك إذا لم يكن سواك".
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، قال: ثنا عبد الله بن يَسَار، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: ثنا أصحاب محمَّد عليه السلام، عن نبي الله عليه السلام مثل ذلك.
ش: إسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضره، ويحيى بن حماد بن أبي الزناد الشيباني، شيخ البخاري، وأبو عوانة الوضاح، وسليمان هو الأعمش، وعبد الله ابن يَسَار -بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة- الجهني، وثقه ابن حبان.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا عُبَيدة بن حميد، ثنا الأعمش، عن عبد الله بن يَسار، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بعض أصحاب النبي عليه السلام رفعه قال:"لولا أنْ أشق على أمتي لفرضت على أمتي السواك كما فرضت عليهم الطهور".
(1)"المغني"(1/ 70) لكن بتصرف واختصار.
(2)
"المعجم الأوسط"(6/ 288 رقم 6437).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 156 رقم 1797).
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن خلف الطُّفَاوي، قال: نا هشام ابن حسّان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
ش: عبد الله بن خلف ذكره في "الميزان" وقال: في حديثه وهم ونكارة.
والطُّفَاوِي -بضم الطاء- نسبة إلى طُفاوة حيَّ من قيس غيلان.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا محمد بن صالح بن النطاح، ثنا أرطاة أبو حاتم، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وروى أحمد في "مسنده"(2): ثنا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر، أنَّ النبي عليه السلام قال:"عليكم بالسواك فإنه مَطيبة للفم، ومرضاة للربّ تبارك وتعالى".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: هذا حديث غريب ما كتبناه إلَّا عن ابن مرزوق.
ش: أشار به إلى حديث ابن عمر هذا الذي رواه عن إبراهيم بن مرزوق، قال ابن منده: الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث سمي غريبا، وإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا في حديث سمي عزيزا، وإذا روى الجماعة عنهم حديثا سمي مشهورا.
وقال ابن الصلاح: الحديث الذي ينفرد به بعض الرواة يوصف بالغريب، وكذلك الحديث الذي ينفرد به بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره، إما في متنه وإما في إسناده، ثم إنَّ الغريب ينقسم إلى صحيح؛ كالأفراد المخرجة في "الصحيح"، وإلى غير صحيح وذلك هو الغالب على الغرائب.
(1)"المعجم الكبير"(12/ 375 رقم 13389).
(2)
"مسند أحمد"(2/ 108 رقم 5865).
وينقسم الغريب أيضًا من وجه آخر، فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا، وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راوٍ واحد، ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا؛ كالحديث متنه معروف مروي عن جماعة من الصحابة إذا انفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر كان غريبا من ذلك الوجه، مع أنَّ متنه غير غريب، ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، وهذا الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه، ولا أرى هذا النوع ينعكس فلا يُوجد إذن ما هو غريب مَتْنا وليْس غريبًا إسنادا، إلَّا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرّد به فرواه عنه عددٌ كثيرون، فإنه يصير غريبا مشهورا، وغريبا متنا وغير غريب إسنادا، لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد فإنّ إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول، متصف بالشهرة في طرفه الآخر، كحديث:"إنما الأعمال بالنيّات"(1) وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة، ومُراد الطحاوي ها هنا تفرّد عبد الله بن خلف الطُفاوي، عن هشام بن حسّان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وغيره يروي عن هشام عن عبيد الله، عن نافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن محمد بن [إبراهيم بن](2) الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن زيد بن خالد، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: هذا إسناد لا بأس به؛ لأن محمد بن إسحاق مدلِّس، ولم يصرّح بالتحديث إلَّا أنَّ الترمذي صححه كما يجيء الآن، وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف.
(1) أخرجه البخاري في صدر "صحيحه"(1/ 3 رقم 1) ومسلم (3/ 1515 رقم 1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الحافظ في "الفتح": قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودًا؛ لكونه فردًا، فإنه لا يروى عن عمر إلَّا من رواية علقمة، ولا عن علقمة إلَّا من رواية محمَّد بن إبراهيم، ولا عن محمَّد بن إبراهيم إلَّا من رواية يحيى بن سعيد
…
إلخ.
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار" ومصادر التخريج.
وأخرجه أبو داود (1): عن إبراهيم بن موسى، عن عيسى بن يونس، عن محمَّد بن إسحاق، عن محمَّد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن زيد بن خالد الجُهني، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وأخرجه الترمذي (2): عن هنّاد، عن عبدة بن سليمان، عن محمَّد بن إسحاق
…
إلى آخره نحوه، وزاد:"ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل. قال: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم لصلاة إلَّا استنّ، ثم يردّه إلى موضعه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه الحاكم أيضًا وصحّحه (3).
ص: حدثنا عليّ، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني سَعيد المَقْبري، عن عطاء مولى أم صُبَيَّة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: إسناده صحيح؛ صرَّح ابن إسحاق بالتحديث، وعطاء مولى أم صُبَيَّة وثقه ابن حبان.
والحديث أخرجه الجماعة بأسانيد مختلفة على ما نذكرها.
وبهذا الإسناد أخرجه البيهقي (4): وقال: أنا أبو طاهر، أنا أبو حامد، نا محمَّد ابن يحيى، أنا أحمد بن خالد، نا محمَّد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عطاء مولى أم صُبَيَّة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لولا أني أكره أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 12 رقم 47).
(2)
"جامع الترمذي"(1/ 35 رقم 23).
(3)
لم أجده عند الحاكم من حديث زيد بن خالد، وإنما أخرج نحوه (1/ 245 رقم 516) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 36 رقم 148).
ص: حدثنا يونس وابن أبي عقيل، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لولا أنْ يُشَقُّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وابن أبي عقيل عبد الغني.
وأخرجه البيهقي (1): عن أبي الحسن محمَّد بن الحسين بن داود العلوي، عن أبي النضر محمَّد بن محمَّد بن يوسف الفقيه، عن الحارث بن أبي أسامة، عن إسماعيل ابن أبي أويس، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد
…
إلى آخره نحوه.
ثم قال: وهكذا رواه الشافعي في رواية حرملة مرفوعا، وهو في الوطأ بهذا الإسناد موقوف دون ذكر الوضوء.
وقال أبو عمر في "التمهيد"(2): مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبي هريرة أنه قال:"لولا أنْ يَشُقَّ على أمته لأمرهم بالسِّواك مع كل وضوء" وهذا مُدْخل في المسند عند جميعهم لاتصاله من غير ما وجهٍ، وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك، وممّن رواه كذلك كما رواه يحيى: أبو المصعب، وابن بُكير، والقعنبي، وابن القاسم، وابن وهب، وابن [نافع](3) ورواه معن بن عيسى، وأيوب بن صالح، وعبد الرحمن بن مهدي، وحوثرة، وأبو قرة موسى بن طارق، وإسماعيل بن أبي أويس، ومطرف بن عبد الله اليَساري الأصم، وبشر بن عمر، ورَوْحُ [بن](4) عبادة، وسعيد بن عُفَير، عن مالك.
وسحنُون، عن ابن القاسم، عن مالك بإسناده، أنَّ رسول الله عليه السلام قال:"لولا أنْ يشُقُّ على أمتي لأمرتهم بالسِّواك مع كل وضوء". وبعضهم يقول: "مع كل صلاة".
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 35 رقم 144).
(2)
التمهيد (7/ 194).
(3)
في "الأصل، ك": قانع، وهو تحريف، وما أثبتناه من "التمهيد"، وابن نافع هو عبد الله بن نافع الصائغ صاحب مالك. وهو من رجال التهذيب.
(4)
سقط من "الأصل، ك"، والصواب إثباته كما في "التمهيد".
قوله: "مع كل صلاة" أيّ عند كل صلاة، وكلمة "مع" أصلها للمصاحبة، وتجيء بمعنى عند، وهو معناها.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال ثنا بشر بن عمر، قال ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله عليه السلام قال:"لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا صحيح، وقد اختلفت الرواية كما تراها، ففي الأولى:"مع كل صلاة"، وها هنا:"مع كل وضوء".
ص: حدثنا يونس، قال: أخبرني أنس بن عياض، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"لولا أنْ أشق على أمتي. لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
ش: إسناده صحيح، وأنس بن عياض بن ضمرة المدني روى له الجماعة، ومحمد ابن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، أبو عبد الله المدني، روى له الجماعة -البخاري مقرونا بغيره ومسلم في المتابعات- وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
وأخرجه الترمذي (1): عن أبي كريب، عن عبدة بن سليمان، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة
…
إلى آخره نحوه.
وقال: وحديث أبي هريرة إنما صح؛ لأنه روي من غير وجه.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة (ح).
وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: هذان طريقان آخران صحيحان:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر
…
إلى آخره.
(1)"جامع الترمذي"(1/ 34 رقم 22).
وأخرجه ابن ماجه (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن يحيى، عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل -أو شطر الليل-".
ص: حدثنا حسين بن نصر، قال: نا الفريابي، قال: ثنا ابن عُيَيْنة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، يرفعه مثله.
ش: هذا طريق آخر، وهو أيضًا صحيح، والفريابي محمَّد بن يوسف، وابن عُيينة هو سفيان، وأبو الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
وأخرجه أبو داود (3): عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، يرفعه قال:"لولا أنْ أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة".
وأخرجه مسلم (4): عن قتيبة وعمرو (بن)(5) الناقد وزهير بن حرب، كلهم عن سفيان
…
إلى آخره نحوه، قال: وفي حديث زهير: "على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 105 رقم 287).
(2)
"مسند أحمد"(2/ 250 رقم 7406).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 12 رقم 46).
(4)
"صحيح مسلم"(1/ 220 رقم 252).
(5)
كذا في "الأصل، ك"، وليست في "صحيح مسلم".
وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
والنسائي (2): عن قتيبة بن سعيد، عن مالك
…
إلى آخره.
قوله: "يرفعه" أيّ يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى رسول الله عليه السلام وهذه جملة فعلية وقعت حالًا، وفعلها مضارع مُثْبت، لا يحتاج إلى الواو.
وقال الخطيب: قول التابعي: يرفع الحديث، ويُنْميه، ويبلغ به، كلها كناية عن رفع الصحابي للحديث، وروايته إياه عن رسول الله عليه السلام ولا يختلف أهل العلم أنَّ الحكم في هذه الأخبار وفيما صرّح برفعه سواء، في وجوب القبول والتزام العمل.
ثم اعلم أنَّ الطحاوي أخرج حديث السواك عن ستة من الصحابة، وهم: عبد الله بن حنظلة، وعلي بن أبي طالب، وبعض أصحاب النبي عليه السلام، وعبد الله بن عمر، وزيد بن خالد، وأبو هريرة رضي الله عنه.
وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وابن عباس، وحذيفة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وأبي موسى، وعامر بن ربيعة، وبهز، وربيعة بن أكثم، ومليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده، وسليمان بن صُرَد بن الجَوْن، وسَهل بن سَعْد، وجَابرٍ، وعبد الله بن الزبير، ومُحْرِزٍ، وأسامة، وكَثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ بن جبل، وأبي خَيْرة الصُّبَاحِي، والعباس بن عبد المطلب، وشيخ من الأنصار، وعمَّار بن ياسر، وجبير بن مُطعم، وَوَضِين، وعبد الله بن جَراد، وعبد الله بن عمرو بن حَلْحَلة، ورافع بن خَديج، وعبد الله بن مسعود، وسعيد وعامِر بن واثلة، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وتمام بن عباس، وجعفر بن أبي طالب، وعائشة، وأم حبيبة، وزينبْ بنت جحْش، وأم سلمة رضي الله عنهم.
(1)"صحيح البخاري"(1/ 303 رقم 847).
(2)
"المجتبى"(1/ 12 رقم 7).
فحديث أبي بكر رضي الله عنه عند أحمد (1): عن أبي كامل، عن حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنَّ النبي عليه السلام قال:"السِّواك مَطهرة للفم مرضاة للرب".
وحديث ابن عباس عند ابن ماجه (2): عن سفيان، عن وكيع، عن عثام بن علي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي بالليل ركعتن ركعتين، ثم ينصرف فيستاك".
وحديث حذيفة: عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): عن هُشيم، عن حُصين، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا قام فتهجد، يشوص فاه بالسواك".
وأخرجه البخاري (4)، ومسلم (5)، وأبو داود (6)، والنسائي (7).
وحديث أنس بن مالك: عند البخاري (8): عن أبي معمر، عن عبد الوارث، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام صلى الله عليه وسلم: "أكثرت عليكم في السواك".
وأخرجه النسائي (9) أيضًا.
(1)"مسند أحمد"(1/ 3 رقم 7).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 106 رقم 288).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 155 رقم 1783).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 382 رقم 1085).
(5)
"صحيح مسلم"(1/ 220 رقم 255).
(6)
"سنن أبي داود"(1/ 62 رقم 55).
(7)
"المجتبى"(1/ 8 رقم 2).
(8)
"صحيح البخاري"(1/ 33 رقم 848).
(9)
"المجتبى"(1/ 11 رقم 6).
وحديث عبد الله بن عمرو: عند أبي نعيم من حديث إبراهيم بن سليمان بن هشام الإفريقي، عن معاوية بن صالح، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو، أنَّ رسول الله عليه السلام[قال] (1):"لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وحديث واثلة بن الأسقع: عند الطبراني في "الكبير"(2): عن أبي خليفة، عن علي بن المديني، عن إسماعيل بن إبراهيم وجرير، عن ليث، عن أبي بريدة، عن أبي المليح، عن واثلة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لقد أُمِرْتُ بالسواك حتى لقد خشيت أنْ يُكتب عليّ".
وأخرجه أحمد أيضًا (3).
وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: عند البخاري (4): بإسناده إليه قال: "أتيت النبي عليه السلام فوجدته يستنّ بسواك بيده يقول: أُعْ أُعْ، والسواك في فِيه كأنه يتهوّع".
وأخرجه مسلم (5)، وأبو داود (6)، والنسائى (7): بألفاظ مختلفة.
وحديث عامر بن ربيعة: عند الطبراني (8): عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن الثوري، وعن علي بن عبد العزيز، عن أبي نُعيم، وعن
(1) ليست في "الأصل"، والسياق يقتضيها.
(2)
"معجم الطبراني الكبير"(22/ 76 رقم 190).
(3)
"مسند أحمد"(3/ 490 رقم 16050).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 96 رقم 241).
(5)
"صحيح مسلم"(1/ 220 رقم 254).
(6)
"سنن أبي داود"(1/ 13 رقم 49).
(7)
"المجتبى"(1/ 9 رقم 3).
(8)
في الجزء المفقود، والحديث عند أبي داود (2/ 307 رقم 2364)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 294 رقم 9148)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(4/ 199 رقم 7479) وغيرهم.
وذكره البخاري تعليقًا (2/ 682).
سفيان، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يَسْتاك وهو صائم ما لا أُحْصِي".
وحديث بَهْز: عند الطبراني (1): أيضًا بإسناده إليه قال: "كان رسول الله عليه السلام يستاك عرضا".
وحديث ربيعة بن أكثم: عند البيهقي في "سننه"(2): بإسناده إليه قال: "كان رسول الله عليه السلام يَسْتاك عرضا ويَشْرَبُ مَصّا ويقى: هو أهنأ وأمرأ".
وحديث مليح بن عبد الله الخطمي، عن أبيه، عن جده عند البزار في "مسند" (3): بإسناده إلى مليح بن عبد الله الخطمي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله عليه السلام: "خمس من سنن المرسلين: الحياء والعلم والحماسة والسواك والتعطر". وحديث سليمان بن صُرَد: عند الطبراني في "الأوسط"(4): بإسناده إليه يرفعه: "استاكواو نظفوا
…
".
وحديث سهل بن سعد عنده أيضًا في "الكبير"(5) و"الأوسط"(6) بإسناده إليه قال: قال رسول الله عليه السلام: "أمرني جبريل رضي الله عنه بالسواك حتى ظننتُ أني سأدْرَد".
قلت: هو من دَرِدَ الرجل: إذا سقطت أسنَانُه، فهو أَدْرَدُ.
(1)"المعجم الكبير"(2/ 47 رقم 1242).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 40 رقم 173).
(3)
ذكره الهيثمي في "المجمع"(2/ 99) وقال: رواه البزار، ومليح وأبوه وجده لم أجد من ترجمهم.
وذكره الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار"(1/ 257 رقم 369).
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(4/ 233 رقم 2208).
وأخرجه الطبراني أيضًا في "الكبير"(22/ 293 رقم 749).
(4)
"المعجم الأوسط"(7/ 259 رقم 7442).
(5)
"المعجم الكبير"(6/ 205 رقم 6018).
(6)
"المعجم الأوسط"(2/ 316 رقم 2087).
وحديث جابر: عند البيهقي في سننه (1): من حديث سفيان، عن ابن إسحاق، عن أبي جعفر، عن جابر قال:"كان السواك من أذن النبي عليه السلام موضع القلم من [أذن] (2) الكاتب".
وحديث عبد الله بن الزبير: عند ابن أبي شيبة (3): بإسناده إليه عن النبي عليه السلام قال: "لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وحديث محرز -غير منسوب-: عند ابن منده وأبي نُعَيْم (4) بإسنادهما عن عكرمة قال: "جاءني محرز ذات ليلة عشاء، فدعونا له بعَشاء، فقال محرز: هل عندكم سواك؟ فقلنا: ما تصنع به هذه الساعة؟! فقال: إنَّ رسول الله عليه السلام ما نامَ ليلة حتى (تسوّك) (5) ".
وحديث أسامة: عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"(6): بإسناده إلى أبي عتيق، عن جابر قال:"كان يَسْتَاكُ إذا أخذ مضجعه، وإذا قام من الليل، وإذا خرج إلى الصبح، قال: فقلت له: قد شقَقْتَ على نفسك بهذا السواك. فقال: إنَّ أسامة أخبرني، أنَّ رسول الله عليه السلام كان يستاك هذا السواك".
وحديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده: عند الطبراني في "الأوسط"(7): بإسناده إلى كثير بن عبد الله بن عَمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (تجري الأصابع) (8) مجرى السواك إذا لم يكن سواك".
(1)"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 37 رقم 156).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن البيهقي الكبرى".
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 156 رقم 1795).
(4)
"معرفة الصحابة" لأبي نعيم (5/ 2592 رقم 6247).
(5)
في "معرفة الصحابة": "يستن".
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 155 رقم 1788).
(7)
"المعجم الأوسط"(6/ 288 رقم 6437).
(8)
في "المعجم الأوسط": الأصابع تجري.
وحديث أبي سعيد الخدري: عند أحمد في "مسنده"(1): بإسناده إلى عبد الرحمن ابن سعيد، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك وأنْ يمس من الطيب ما يقدر عليه".
وحديث معاذ بن جبل: عند الطبراني في "الأوسط"(2): بإسناده إليه قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "نعم السواك الزيتون؛ من شجرة مباركة، يطيب الفم ويُذهب بالحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي".
وحديث أبي خَيْرةَ الصُّباحي: عند الطبراني أيضًا في "الكبير"(3): بإسناده إليه قال: "كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله عليه السلام[من عبد قيس](4) فزوَّدنا بالأراك نستاكُ به
…
" الحديث.
وحديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: عند البزار (5) بإسناده إليه قال: "كانوا يدخلون على رسول الله عليه السلام ولم يَسْتاكوا، فقال: تدخلون عليَّ قلحا؟! استاكوا فلولا أنْ أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء".
وأخرجه الطبراني (6) وأبو يعلى (7).
قلت: القُلْح -بضم القاف وسكون اللام- جمع أقلح، من قَلِح الرجل -بالكسر قَلَحا- بالتحريك- وهو صفرة في الأسنان.
(1)"مسند أحمد"(3/ 30 رقم 11268)، و (3/ 69 رقم 11677).
(2)
"المعجم الأوسط"(1/ 210 رقم 678).
(3)
"المعجم الكبير"(22/ 368 رقم 924).
(4)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المعجم الكبير" للطبراني.
(5)
"مسند البزار"(4/ 129 رقم 1302).
(6)
"المعجم الكبير"(2/ 64 رقم 1301).
(7)
"مسند أبي يعلى"(12/ 71 رقم 6710).
وحديث شيخ من الأنصار: عند أحمد في "مسنده"(1): نا وكيع، عن سفيان، عن سَعد بن إبراهيم، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن شيخ من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق على كل مسلم: الغسل، والطيب، والسواك، يوم الجمعة".
وحديث عمار بن ياسر: عند أحمد (2)، وأبي داود (3)، وابن ماجه (4): في خصال الفطرة أنَّ رسول الله عليه السلام قال: "من الفطرة -أو الفطرة-: المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك
…
" الحديث.
وحديث جبير بن مطعم: عند ثابت بن أبي ثابت السَّرَقُسْطي في كتاب "الدلائل" له: ثنا موسى بن هارون، ثنا محمَّد بن الصباح، ثنا سفيان بن عُيينة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أُمِرْتُ بالسِّواك حتى خشيتُ أنْ يُدَردِرني" وأبو الحويرث ضعيف، والدَرْدرة: ذهاب الأسنان.
وحديث وَضين: عند أبي مسلم اللَيثي في "سننه": عن عبد العزيز بن خطاب، عن مندل، عن أبي رجاء، عن وضين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طيِّبوا أفواهكم؛ فإنّ أفواهكم طريق القرآن"(5).
وحديث عبد الله بن جراد: عند أبي نُعَيم: عن يَعلى بن الأشدق، عن عبد الله ابن جراد، عن النبي عليه السلام قال:"السِّواكُ من الفطرة".
(1)"مسند أحمد"(5/ 363 رقم 23126).
(2)
"مسند أحمد"(4/ 264 رقم 18353).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 14 رقم 54).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 107 رقم 294).
(5)
وأخرجه البيهقي في "الشعب"(2/ 382 رقم 2119) من حديث سمرة بن جندب بسند ضعيف.
حديث عبد اللهَ بن عمرو بن حلحلة، ورافع بن خديج: عند أبي نعيم (1): أيضًا من حديث القاسم بن مالك المزني، نا محمَّد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن صهيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن حلحلة ورافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السِّواك واجب، وغسل الجمعة واجب على كل مسلم".
وحديث عبد اللهَ بن مسعود: عند أبي يعلى الموصلي (2): من حديث زِرٍّ عنه: "كنت أجتني لرسول الله عليه السلام سواكا من أراك
…
" ورواه أحمد (3) أيضًا.
وحديث سعيد وعامر بن واثلة: عند أبي نعيم: أخرجه عن العاص أبي أحمد محمَّد بن أحمد بن إبراهيم، عن علي بن الحسن العجلي، عن محمَّد بن طريف، عن محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد وعامر بن واثلة يرفعانه عن النبي عليه السلام قال:"لقد أمرت بالسواك حتى خشيت على فمي".
وحديث أبي أمامة: عند ابن ماجه (4): عن هشام بن عمار، عن محمد بن شعيب، عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، أنَّ رسول الله عليه السلام قال:"تسوكوا؛ فإنّ السواك مَطهرة للفم، مرضاة للربّ، ما جاءني جبريل عليه السلام إلَّا أوصاني بالسواك ولقد خشيت أنْ يفرض على أمتي، ولولا أني أخاف أنْ أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى إني لقد خشيت أنْ أحفي مقادم فمي".
وحديث أبي أيوب: عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5): ثنا يزيد بن هارون، عن حجاج، عن مكحول، قال: قال أبو أيوب: قال رسول الله عليه السلام: "أربع من سنن المرسلين: التعطر، والنكاح، والسواك، والحِنّاء".
(1) قال الحافظ في "تلخيص الحبير"(1/ 68): رواه أبو نعيم، وإسناده واهٍ.
(2)
"مسند أبي يعلى"(9/ 209 رقم 5310).
(3)
"مسند أحمد"(1/ 420 رقم 3991).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 106 رقم 289).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 156 رقم 1802).
وحديث تمام بن العباس: عند البزار (1): بسند جيد عن تمام بن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله عليه السلام: "ما لي أراكم تدخلون عليّ قلحًا؟! استاكوا". وأعلّه ابن القطان بأبي علي الصَّيْقل في إسناده وليس بجيد؛ لعرفان حاله.
وحديث جعفر بن أبي طالب: عند محمَّد في "آثاره"(2) وقال: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثني أبوعلي، عن تمام، عن جعفر بن أبي طالب، عن النبي عليه السلام أنه قال:"ما لي أراكم تدخلون عليَّ قلحًا؛ استاكوا، ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا عند كل صلاة".
وأخرجه الدارقطني في "الغرائب".
وحديث عائشة رضي الله عنها: عند مسلم (3): نا أبو كريب محمَّد بن العلاء، ثنا ابن بشر، عن مسْعر، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال:"سألت عائشة، قلت: بأيّ شيء كان يبدأ النبي عليه السلام إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك".
وأخرج أبو يعلى في "مسنده"(4): بإسناد صحيح، عن عائشة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "السواك مطهرة للفم مرضاة للربّ".
(1)"مسند البزار"(4/ 130 رقم 1302) من طريق أبي علي الصيقل، عن جعفر بن تمام، عن أبيه، عن جده العباس.
ثم قال البزار: ولا نعلم يروى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا عن العباس عنه بهذا الإسناد، وقد روى تمام بن العباس عن أبيه حديثًا آخر.
ورواه أبو يعلى مثله (12/ 71 رقم 6710).
والحديث أخرجه البيهقي في "الكبرى"(1/ 36 رقم 150) من طريق أبي علي الصَّيْقل، عن ابن تمام، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر طرقه.
وهو عند ابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 114).
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1/ 214 رقم 1835) من طريق أبي علي الزراد، عن جعفر بن تمام بن عباس، عن أبيه مرفوعًا، وذكره العلائي في "المراسيل"(1/ 151 رقم 71).
وانظر تاريخ البخاري "الكبير"(2/ 157 رقم 2044)، و"تلخيص الحبير"(1/ 69).
(2)
كتاب "الآثار" لمحمد بن الحسن (1/ 54 رقم 40).
(3)
"صحيح مسلم"(1/ 220 رقم 253).
(4)
"مسند أبي يعلى"(8/ 73 رقم 4598).
وأخرج البزار في "مسنده": عنها -بإسناد فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف- عن النبي عليه السلام قال: "لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وحديث أم حبيبة: عند أحمد في "مسنده"(1): عن يعقوب، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني محمَّد [بن]، (2) طلحة بن يزيد بن ركانة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي الجراح مولى أم حبيبة، عن أم حبيبة أنها حدثته، قالت: سمعت رسول الله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". وأخرجه أبو يعلى (3) أيضًا.
وحديث زينب بنت جحش: عند أحمد (4): أيضًا بإسناد جيد، من رواية أبي الجراح مولى، أم حبيبة، عنها، عن زينب بنت جحش [قالت] (5) سمعت رسول الله عليه السلام يقول:"لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون".
وحديث أم سلمة: عند الطبراني في "الكبير"(6): بإسناده إليها أنها قالت: قال رسول الله عليه السلام: "ما زال جبريل عليه السلام يُوصّيني بالسواك حتى خفت على أضراسي".
ص: فثبت بقوله: صلى الله عليه وسلم: "لولا أنْ أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أنَّه لم يأمرهم بذلك، وأنَّ ذلك ليس عليهم، وأَنَّ ارتفاع ذلك عنهم وهو المجعول بدلا من الوضوء لكل صلاة؛ دليل على أنَّ الوضوء لكل صلاة لم يكن عليهم، ولا أُمِروا به، وأنَّ المأمور به النبي عليه السلام دونهم، وأنَّ حكمه كان في ذلك غير
(1)"مسند أحمد"(6/ 325 رقم 26806).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند أحمد".
(3)
"مسند أبي يعلى"(13/ 48 رقم 7127).
(4)
"مسند أحمد"(6/ 428 رقم 27355).
(5)
في "الأصل، ك": قال، وهو خطأ، والمثبت من "المسند".
(6)
"المعجم الكبير"(23/ 251 رقم 510).
حكمهم، فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار وقد ثبت بذلك ارتفاع وجوب الوضوء لكل صلاة.
ش: وجه ثبوت عدم أمره عليه السلام إياهم بالسواك ظاهر من ظاهر الحديث، وفي ارتفاع السواك عنهم والحال أنَّه كان بدلا من الوضوء لكل صلاة كما في حديث عبد الله بن حنظلة المذكورة دليل على أنَّ الوضوء لكل صلاة لم يكن واجبا عليهم، ولا أنهم أمروا بذلك بل المأمور به هو النبي عليه السلام فإذا كان كذلك يثبت ارتفاع وجوب الوضوء لكل صلاة.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا الوضوء طهارة من حدث، فأردنا أنْ ننظر في الطهارات من الأحداث كيف حكمها؟ وما الذي يَنْقُضُها؟ وجدنا الطهارات التي توجبها أحداثُ على ضربين: فمنها الغسل، ومنها الوضوء، فكان من جَامَع أو أَجْنَبَ وجبَ عليه الغسل، وكان من بالَ أو تغوَّطَ وجبَ عليه الوضوء، فكان الغسلُ الواجبُ بما ذكرنا، لا تنقضه مرور الأوقات ولا تنقضه إلَّا الأحداث، فلما ثبت أنَّ حكم الطهارة من الجماع والاحتلام كما ذكرنا، كان في النظر أيضًا أنْ يكون [حكم](1) الطهارات من سائر الأحداث كذلك وأنه لا ينقض ذلك مرور الوقت، كما لا ينقض الغسل مرور وقت.
ش: ملخصه على وجه التحرير: أنَّ الطهارة من الأحداث على نوعين: طهارة يرى وهو الغسل، وطهارة صغرى وهو الوضوء، فالموجب في الأولى: خروج المني على وجه الدفق، والشهوة، والتقاء الختانين، وفي الثانية: البول والغائط ونحوه.
ثم إنه إذا تطهر في الأولى، لا ترتفع طهارته تلك بمرور الأزمان، إلَّا إذا وُجِدَ الحدث، فكذلك في القياس، ينبغي أنْ يكون في الصغرى كذلك، بألَّا ترتفع بمرور الأزمان إلَّا بالحدث؛ قياسا على الكبرى؛ لأنها أختها ونظيرتها فافهم.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
ص: وحجة أخرى: أنّا رأيناهم أجمعوا أنَّ المسافر يُصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يُحدث، وإنما اختلفوا في الحاضر، فوجَدْنا الأحداث من الجماع والاحتلام والغائط والبول وكل ما إذا كان من الحاضر كان حدثًا يوجب به عليه طهارة، فإنه إذا كان من المسافر كان كذلك أيضًا، ووجب عليه من الطهارة ما يجب عليه لو كان حاضرا، رأينا طهارة أخرى يَنقضها خروجُ وقتٍ، وهي المسح على الخفين، فكان الحاضرُ والمسافر في ذلك سواء، ينقضُ طهارتَها خروج وقت ما، وإنْ كان ذلك الوقت في نفسه مختلفا في الحضر والسفر، فلما ثبت أنَّ ما ذكرنا كذلك، وأنَّ ما ينقض طهارة الحاضر من ذلك ينقض طهارة المسافر، وكان خروج الوقت عن المسافر لا ينقض طهارته؛ كان خروجه عن المقيم أيضًا كذلك؛ قياسا ونظرا على ما بَيَّنَّا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: لما ادعت أهل المقالة الأولى وجوب الوضوء لكل صلاة على الحاضرين دون المسافرين، أشار بهذه الحجة إلى بطلان هذا الفرق بالوجه الذي يقتضيه النظر والقياس، تحريره: أنَّ الكل متفقون على أنَّ المسافر يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يُحدث، واختلافهم في الحاضر، ومتفقون على أنَّ كل ما هو حدث في حق الحاضر مما يُوجب عليه الطهارة؛ فإنه في حق المسافر كذلك، ومتفقون أنَّ المسح على الخفين طهارة ينقضها خروج الوقت، يعني تمام المدة، وإنْ كانت المدة في نفسها مختلفة، فإذا ثبت هذا وثبت أنَّ ما ينقض طهارة الحاضر ينقض طهارة المسافر، وكان خروج وقت الصلاة عن المسافرلا ينقض طهارته؛ حتى لم يكن يحتاج إلى الوضوء إلَّا بالحدث، كان خروجه عن المقيم كذلك لا ينقض طهارته ما لم يحدث؛ قياسا عليه ونظرا.
قوله: "فوجدنا الأحداث من الجماع" أيّ الأحداث الحاصلة من الجماع
…
إلى آخره.
قوله: "وكلُّ ما إذا كان من الحاضرِ" بالرفع مبتدأ، وخبره: قوله: "فإنه إذا كان من المسافر" ودخلت الفاء لتُضَّمِّن المبتدأ معنى الشرط.
قوله: "خروج وقت ما" أيّ وقت من الأوقات، و"ما" ها هنا نكرة وقعت صفة لوقت.
قوله: "وإنْ كان ذلك الوقت في نفسه مختلفا في الحضر والسفر" لأنه في حق المقيم يوم وليلة، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها.
ص: وقد قال بذلك جماعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس بن مالك:"أنَّ أصحاب أبي موسى الأشعري توضئوا وصلوا الظهر، فلما حضر العصر قاموا ليتوضئوا، فقال لهم: ما لكم، أحدَثتم؟ فقالوا: لا. قال: الوضوء من غير حدث؟ ليوشك أنْ يَقْتُل الرجل أباه، وأخاه، وعمه، وابن عمه، وهو يتوضأ من غير حدث".
ش: أيّ قال بعدَمِ وُجُوب الوضوء لكل صلاة من غير حدث جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فمن ذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري، واسمُه: عبد الله بن قيس، أخرجه الطحاوي عن محمَّد بن خزيمة بإسناد صحيحٍ على شَرْط مسلمٍ.
وحجاجُ هو ابن المنهال، وحمادٌ هو ابن سلمة وأبو عمران اسمُه عبد الملك بن حبيب البصري، روى له الجماعة، والجَوْني نسبة إلى جَوْن -بفتح الجميع، وسكون الواو، وفي آخره نون- أحد الأجداد.
قوله: "ما لكم" استفهام على سبيل الإنكار، أيّ: ما لكم، أو ما أصابكم، فكأنه أنكر عليهم وضوءهم ذلك.
قوله: "أحدثتم" أصله أأحدثتم بهمزة الاستفهام.
قوله: "الوضوءُ من غير حدثٍ" ارتفاع الوضوء بالابتداء، وخبره "من غير حدث" ومتعلقه محذوف، أيّ: الوضوء يفعل من غير حدث؟ وتكون الجملة في موضع الاستفهام على سبيل الإنكار، ويجوز أنْ يكون ارتفاعه بالفعل المحذوف، أيّ: هل يفعل الوضوء من غير حدث؟!
ويجوز أنْ يكون منصوبا على تقدير: هل تفعلون الوضوءَ، أو تتوضئون الوضوءَ من غير حدث؟!
فأنكر عليهم ذلك ونسبهم إلى الجهل، ثم بالغَ في إنكاره بقوله: "ليوشك
…
" إلى آخره.
فقوله: "ليُوشِك" بكسر الشين، وفتحها لغة عَاميّة، وهو من أفعال المقاربة.
قال الجوهري: أوشك فلان، يُوشِك إيشاكا، أيّ أسْرع، ومنه قولهم: يوشك أنْ يكون كذا، وفي "المطالع": حكى بعضهم: وَشُك - بضم الشين أيّ أسْرع- وَشْكا وَوَشْكَانا بتثليث الواو فيهما، وأنكر الأصمعي أَوْشَكَ.
وخبرها فعل مضارع مقرون بـ"أنْ" غالبا، كعَسَى، وقد يجيء مجردا من "أنْ" كما فيما روى ابن ماجه في "سننه" (1): أنَّ رسول الله قال: "يُوشك الرجل متكئا على أريكته (يأتيه الأمر من أمري)(2)
…
" الحديث.
وقد عُلم أنَّ أحد استعمالي "عسى" أنْ يُذكر لها مرفوع فقط، فيستغني عن الخبر لاستعمال الإسم على المنسوب والمنسوب إليه، فكذلك "يوشك" ها هنا ذكر لها مرفوع فقط، وهو قوله:"أنْ يقتل الرجل أباه" كما تقول "عسى أنْ يخرج زيد" و"أنْ" مصدرية، والتقدير: قَرُب قتل الرجل أباه من الجهل، وهو يتوضأ من غير حدث، وهذه الجملة حال، أيّ حال كونه متوضئا من غير حدث، وهذه مبالغة عظيمة في غاية الإنكار، حتى جعل التوضؤ من غير حدث كقتل الوالد والأخ من الجهل، فإنْ قلت: هذا الإنكار العظيم يدل على أنَّ الوضوء من غير حدث ذنب عظيم؟ قلت: إنكار أبي موسى رضي الله عنه إنما كان لأجل فعلهم بالجهل، واعتقادهم أنَّ بوضوء واحد لا تجوز إلا صلاة واحدة، والدليل على ذلك ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (3): عن مَعمر، عن قتادة، عن يونس بن
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 6 رقم 12).
(2)
كذا في "الأصل، ك"، وفي "سنن ابن ماجة":"يُحدَّث بحديث من حديثي".
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 55 رقم 159).
جُبَير أبي غلّاب، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال:"كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في جيش على ساحل دجلة، إذ حضرت الصلاة، فنادى مناديه للظهر، فقام الناس إلى الوضوء، فتوضأ ثم صلى بهم، ثم جلسوا حِلَقا، فلما حضرت العصر نادى منادي العصر، فَهَبَّ الناسُ للوضوء أيضًا، فأمَر منادِيه: ألا لا وضوء إلَّا على مَنْ أَحْدَث، قال: أوْشك العلم أنْ يذهبَ، ويَظهر الجهل، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل". انتهى.
فهذا صريح على أنَّ إنكاره إنما كان على فعلهم بالجهل، فلذلك أكد كلامه في الإنكار باللام، وتشبيه حال من يتوضأ من غير حدث بالجهل؛ بحال مَن يقتل أباه أو أخاه بالجهل، ثم إنه خص الأب والأخ والعم وابن العم، ولم يُشبّه بقتل النفس مطلقا بالجهل، وإنْ كان القتل بالجهل كله حراما؛ زيادة للمبالغة أيضًا؛ لأن قتل هؤلاء أعظم في النفس من قتل غيرهم، مع حرمان الإرث، ومن الدليل على ما قلنا أيضًا:
ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع، عن أبي هلال، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال:"الوضوء من غير حدثٍ اعتداء".
أيّ ظلم، إذا كان عن جهل مثل ما ذكرنا، وإلَّا فالوضوء على الوضوء نور على نور، وقد ذكرنا ما رواه الطحاوي والترمذي من حديث عبد الله بن عمر "من توضأ على طهر؛ كتب الله له بذلك عشر حسنات"(2). ولكن ذكروا أنَّ هذا الثواب إنما يحصل إذا فصل بين الوضوءين بصلاة، أيّ صلاة كانت؛ لأنه لم ينقل عنه عليه السلام أنَّه توضأ لصلاة واحدة مرتين، قال أبو عمر في "التمهيد": لم يحفظ عنه عليه السلام قط أنَّه توضأ لصلاة واحدة مرتين، وإنْ كان توضأ لكل صلاة.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 295).
(2)
تقدم تخريجه عند التعليق على حديث: "الوضوء على الوضوء نور على نور".
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، قال: سمعت أنسا يقول: "كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نُحْدث".
ش: إسناده صحيح، وأبو داود سليمان الطيالسي، وذكره الطحاوي هنا في هذا الباب بأتم منه حيث قال: حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا وهب بن جرير قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك
…
إلى آخره.
وأخرجه الترمذي (1) أيضًا بنحوه، وقد ذكرناه.
وأخرجه البخاري (2) ثنا محمَّد بن يوسف، قال: نا سفيان، عن عمرو بن عامر، قال: سمعت أنسا.
ونا مُسَدّد، قال: نا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني عمرو بن عامر، عن أنس قال:"كان النبي عليه السلام يتوضأ عند كل صلاة. قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث" وقد قال بعض شراح البخاري: المراد من سفيان هو الثوري؛ لأنّا لم نجد لابن عيينة عن عمرو رواية.
قلت: قد صرح الترمذي في روايته بأنه هو سفيان الثوري حيث قال: نا محمَّد بن بشار، نا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان بن سعيد، عن عمرو بن عامر
…
إلى آخره.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني مسعود بن علي، عن عكرمة:"أنَّ سَعْدا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يُحْدِث".
ش: مَسعود بن علي وثقه ابن حبان، وسعدٌ هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): عن يحيى بن سعيد، عن مسعود بن علي، عن عكرمة، قال: قال سَعْدٌ: "إذا توضأت، فصلّ بوضوئك ما لم تُحْدِث".
(1)"جامع الترمذي"(1/ 88 رقم 60) وقد تقدم أيضًا.
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 87 رقم 211).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 301).
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: نا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة
…
فذكر بإسناده مثله، غيرَ أنَّه لم يذكر عكرمة، وزاد:"وكان عليّ رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويتلو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} "(1).
ش: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا يحيى بن سعيد، عن مسعود بن علي، عن عكرمة قال: قال سَعد: "إذا توضأت فصل بوضوئك ما لم تُحدث". وقال عليّ رضي الله عنه: "إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ".
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن رجل من أهل مصر، قال: أخبرني فُضيل بن مرزوق الهمداني: "أنَّ عليّا رضي الله عنه كان يتوضأ لكل صلاة".
قلت: هذا يرد كلام ابن شاهين حيث يقى: لم يبلغنا أنَّ أحدا من الصحابة والتابعن كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة إلَّا ابن عمر.
ويرده أيضًا ما رواه ابن أبي شيبة (4): نا يزيد بن هارون، قال: أنا حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن محمَّد قال:"كان أبو بكر وعمر وعثمان يتوضئون لكل صلاة، فإذا كانوا في المسجد دعوا بالطست".
ثنا (5) وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال:"كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: وليس في هذه الآية عندنا دليل على وجوب الوضوء لكل صلاة؛ لأنه قد يجوز أنْ يكون قوله ذلك على القيام وهم محدثون، ألا ترى أنهم قد أجمعوا أنَّ حكم المسافر هو هذا؟ وأنَّ الوضوء لا يجب عليه حتى يحدث، فلما ثبت أنَّ هذا حكم المسافر في هذه الآية، وقد خوطب بها كما خوطب الحاضر؛ ثبت
(1) سورة المائدة، آية:[6].
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 58 رقم 168).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 35 رقم 303).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 35 رقم 302).
أنَّ حكم الحاضر فيها كذلك أيضًا، وقد قال ابن الفَغْوَاء: إنهم كانوا إذا أحدثوا لم يتكلموا حتى يتوضئوا، فنزلت هذه الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (1) فأخبر أنَّ ذلك إنما هو لقيام إلى الصلاة بعد حدثٍ.
ش: هذا جواب عَمّا رُوي من فعل علي رضي الله عنه أنَّه كان يتوضأ لكل صلاة، ويحتج بقوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (2) وتحريره: أنَّ أهل المقالة الأولى احتجوا فيما ذهبوا إليه بما روي عن عليّ رضي الله عنه وليس في ذلك دليل على ما قالوا؛ لأنه قد يجوز أنْ يكون المراد من قوله: هو القيام في حالة الحدث، ونحن أيضًا نقول: إذا قام إلى الصلاة وهو محدث فعليه أنْ يتوضأ، وإنْ تعدّد قيامه مع الحدث، ثم أوضح ذلك بقوله: "ألا ترى أنهم قد أجمعوا، أيّ أهل المقالتين أجمعوا أنَّ حكم المسافر هو أنَّه لا يجب عليه الوضوء إلَّا بالحدث، وإنْ مضى عليه أوقات، والحال أنَّه مخاطب بالآية كما أن المقيم مخاطب بها، فإذا ثبت حكم المسافر على ما ذكرنا كان حكم الحاضر كذلك؛ لشمول الخطاب إياهما، ثم أكد ما ذكره من قوله: إنَّ المراد هو القيام إلى الصلاة وهم محدثون، بما قال ابن الفغواء، أنهم -أيّ الصحابة- كانوا إذا أصابهم الحدث، لم يتكلموا حتى يتوضئوا؛ فنزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} (1) فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك لأجل القيام إلى الصلاة بعد حدث لا لمطلق القيام، على ما عليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومَنْ بعدهم.
وابن الفغواء هو عمرو بن الفغواء، ويقال: ابن أبي الفغواء، والد عبد الله بن عمرو بن الفغواء، له صحبة، وهو بالفاء ثم الغين المعجمة.
وقد قال أبو بكر الرازي: الآية غير مستعملة على حقيقتها؛ لأن فيها مضمرا يتعلق إيجاب الطهارة به، وهو النوم، والتقدير: إذا قمتم من النوم، وأراد به نوم
(1) سورة المائدة، آية:[6].
(2)
سبق تخريجه.
النائم المضطجع؛ لأن من نام قاعدا، أو ساجدا، أو راكعا، لا يقال: إنه قام من النوم؛ لأن السلف وسائر فقهاء الأمصار اتفقوا على نفي إيجاب الوضوء على من نام قاعدا، غير مستندٍ إلى شيء، وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه:"أنَّ رسول الله عليه السلام أخّر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام الناسُ، ثم استيقظوا، فجاء عمر- رضي الله عنه فقال: الصلاة يا رسول الله، فخرج وصل"(1) ولم يذكر أنهم توضأوا.
وروى قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال:"كنا نجيء إلى مسجد رسول الله عليه السلام ننتظر الصلاة، فمنا مَنْ نعس، ومنّا منْ نام، ولا نُعيد وضوءا".
وروى نافع عن ابن عمر قال: "لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه وينام" ثم إنما كان نوم المضطجع حدثا؛ لاسترخاء مفاصله، فلا يؤمن منه خروج الريح، فإذا كانت العلة هذا يدخل في مضمر الآية إيجاب الوضوء من الريح، والغائط، والبول، والمذي، والمني، ودم الاستحاضة، فكل هذه أحداث، يشتمل عليها مضمر الآية، ويؤخذ من هذا أنَّ النوم حدث، وبه قال علماء الأمة، إلَّا ما روي عن أبي موسى الأشعري أنَّه لم يكن يراه حدثا، ولم يثبت ذلك
…
انتهى.
واعلم أنَّ العلماء اختلفوا في النوم هل ينقض الوضوء أم لا؟ على مذاهب:
أحدها: أنَّ النوم لا ينقض الوضوء بحال، وهو محكي عن أبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيّب، وأبي مجلز، وحميد بن عبد الرحمن، والأعرج، قال ابن حزم: وإليه ذهب الأوزاعي، وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة وغيرهم، منهم: ابن عمر، ومكحول، وعَبِيدَة السَلْماني.
وادّعى بعضهم الإجماع على خلافه، وهو غير جيد؛ لِمَا روى أنس:"كان أصحاب رسول الله عليه السلام ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة".
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(6/ 2645 رقم 6912).
قال ابن القطان: رواه قاسم بن أصبغ، عن محمَّد بن عبد السلام، ثنا ابن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة وهو كما ترى صحيح من رواته (1).
وعند البزار "يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ". ولما ذكر الأثرم لأبي عبد الله هذا، تبسّم وقال: هذا لمن لا يضعون جنوبهم.
وقال الطبري: فبان بهذا الحديث أنَّ من استغرق في نومه مضطجعا أو جالسا توضأ.
وزاد أحمد بن عبيد في "مسنده": من جهة يحيى بن سعيد، عن قتادة، عنه:"على عهد رسول الله عليه السلام وعند البيهقي (2): "كان الصحابة يوقَظُون للصلاة وإني لأسمع غطيطا، ثم يصلون ولا يتوضئون" وفي آخره قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس.
قال البيهقي وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي.
وذكره أيضًا الطبري في "التهذيب": عن هُشَيْم. ولكن يعارضه ما رواه أبو عيسى" (3): من حديث أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية عن ابن عباس: "أنَّه رأى رسول الله عليه السلام نام وهو ساجد حتى غطّ -أو نفخ- ثم قام فصل، فقلت: يا رسول الله، إنك قد نمت. قال: إنَّ الوضوء لا يجب إلَّا على من نام مضطجعا؛ فإنه إذا اضطجع، استرخت مفاصله".
قال أبو عيسى (4): رواه ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه.
(1) عزاه الحافظ ابن حجر في "الدراية"(1/ 34)، و"تلخيص الحبير"(1/ 119) للبزار في "مسنده".
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 120 رقم 587).
(3)
"جامع الترمذي"(1/ 111 رقم 77).
(4)
"جامع الترمذي"(1/ 113).
وفي "مسند دعلج": سمعت موسى بن هارون يقول: هذا حديث منكر، لا نعلم أحدا رواه إلَّا الدالانيّ.
ولفظه عند "البيهقي"(1): "لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا؛ حتى يضع جنبه؛ فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله". وقال: تفرّد به على هذا الوجه الدالانيُّ.
وقال أبو داود (2): قوله: "الوضوء على من نام مضطجعا" هو منكر.
قال: وذكرته لأحمد بن حنبل، فقال: ما للدالاني يُدِخل على أصحاب قتادة، ورأيته لا يعبأ بهذا الحديث، زاد في "التفرد": لم يسمع قتادة هذا من أبي العالية، ولم يجىء به إلَّا يزيد. انتهى.
وذكر الدارقطني له متابعا (3) -مع قوله أيضًا: تفرد به- وهو مقاتل بن سليمان، ويعقوب بن عطاء، فلا تفرد إذن على هذا، والله أعلم.
وقال شعبة (4): إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث ليس هذا منها.
وقال البخاريُّ (5): هذا لا شيء، ولا نعرف لأبي خالد سماعا من قتادة.
وقال الدارقطني (6): تفرد به الدالاني ولا يصح.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 121 رقم 593).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 52 رقم 202).
(3)
لم يذكر له الدارقطني متابعًا، بل قال بعد ذكره (1/ 159 رقم1): تفرد به أبو خالد عن قتادة، ولا يصح.
وذكر بعده بحديث حديثًا آخر من طريق يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وهذا يقال له: شاهد وليس متابعًا.
(4)
انظر "سنن أبي داود"، الموضع السابق.
(5)
"علل الترمذي الكبير"(1/ 45 رقم 43).
(6)
"سنن الدارقطني"(1/ 159 رقم 1).
وقال البيهقي: أنكره على أبي خالد جميع الحفاظ. وقال ابن الحصَّار: هذا منكر، وليس بمتصل الإسناد.
وقال ابن المنذر: لا يثبت.
وقال ابن أبي داود: هذا الحديث معلول، لم يسمع قتادة من أبي العالية إلَّا أربع أحاديث معروفة ليس هذا منها، وهذا مرسل من قتادة.
وقال أبو عمر: حديث أبي خالد هذا عند أهل الحديث منكر.
وفي كتاب البيهقي (1) عن أبي هريرة "من استحق النوم؛ فقد وجب عليه الوضوء؛ فسئل عن استحقاق النوم، فقال: هو أنْ يضع جنبه". قال البيهقي: ورُوي مرفوعًا أيضًا ولا يصح.
ولفظه عند ابن عدي (2): "إذا وضع أحدكم جنبه فليتوضأ".
وقال الحربي: هذا حديث منكر.
وعند الدراقطني (3): من حديث يعقوب بن عطاء -وهو ضعيف- عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنَّ رسول الله عليه السلام قال:"من نام جالسا فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء".
وعند البيهقي (4) مُضَعَّفا: عن حذيفة مرفوعا: "
…
حتى تضع جنبك".
قال ابن حزم: وبه قال داود: إنَّ النوم لا ينقض الوضوء إلَّا نوم المضطجع فقط، وهو قول رُوي عن عمر بن الخطاب وابن العباس، ولم يصح عنهما، وعن ابن عمر وصَحّ عنه، وصح عن النخعي، وعطاء، والليث، والثوري، والحسن بن حيّ.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 119 رقم 580).
(2)
"الكامل" لابن عدي (6/ 400).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 160 رقم 4).
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 120 رقم 591).
الثاني: أنَّ النوم ينقض الوضوء على كل حال، وهو مذهب الحسن، والمزني، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وإسحاق بن راهوية.
قال ابن المنذر: وهو قول غريب للشافعي، قال: وبه أقول، قال: ورُوي معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة.
وقال ابن حزم: النوم في ذاته حدث ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثُرَ، قاعدا أو قائما، في صلاة أو غيرها، أو راكعا أو ساجدا، أو متكئا، أو مضطجعا، أيقن من حواليه أنَّه لم يحدث أو لم يوقنوا، برهان ذلك حديث صفوان.
يعني المذكور عند ابن خزيمة في "صحيحه"(1) وكذلك عند ابن حبان (2).
وقال الحاكم (3): صحيح على شرط الشيخين وإنما لم يخرجاه لتفرد عاصم به عن زرّ، عن صفوان:"كان رسول الله عليه السلام يأمرنا ألَّا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلَّا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم". انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأنا قد رأينا غير عاصم رواه عن زرّ، وهو المنهال بن عمرو -فيما ذكره ابن السكن في كتاب "الحروف"- وحبيب بن أبي ثابت عند الطبراني (4).
قال ابن حزم: وهو قول أبي هريرة، وأبي رافع، وعروة، وعطاء، والحسن، وابن المسيب، وعكرمة، ومحمد بن شهاب في آخرين.
الثالث: كثير النوم ينقض وقليله لا ينقض بكل حال. قال ابن المنذر: وهو مذهب الزهري، وربيعة، والأوزاعي، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين.
(1)"صحيح ابن خزيمة"(1/ 13 رقم 17)، (1/ 98 رقم 196).
(2)
"صحيح ابن حبان"(3/ 381 رقم 1100)، (4/ 149 رقم 1320).
(3)
لم أجده بهذا اللفظ في "المستدرك".
(4)
"المعجم الكبير"(8/ 55 رقم 7350).
وعند الترمذي (1): قال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء. وبه يقول إسحاق.
الرابع: إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع، والساجد، والقائم، والقاعد، لا ينتقض وضوءه، سواء كان في الصلاة أو لم يكن، فإنْ نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض، وهو قول أبي حنيفة، وداود، وقول غريب للشافعي، وقاله أيضًا حماد بن أبي سليمان، وسفيان.
قال ابن حزم: احتجوا بحديث لا يثبت رواه ابن عباس. وقد ذكرناه.
الخامس: لا ينقض إلَّا نوم الساجد، رُوي عن أحمد.
السادس: لا ينقض إلَّا نوم الراكع، وهو قول عن أحمد ذكره ابن التين.
السابع: من نام ساجدا في مصلاه فليس عليه وضوء، فإنْ نام ساجدا في غير مصلاه توضأ، فإنْ تعمد النوم ساجدا في الصلاة فعليه الوضوء، وهو قول ابن المبارك.
الثامن: لا ينقض النوم في الصلاة، وينقض خارج الصلاة، وهو قول للشافعي.
التاسع: إذا نام جالسا مُمَكِّنا مقعدته من الأرض لم ينقض، سواء قلّ أو كثر، وسواء كان في الصلاة أو خارجها، وهذا مذهب الشافعي.
وقال ابن العربي: هذا كله في حقنا، فأما سيدنا رسول الله عليه السلام فمن خصائصه: ألَّا ينقض وضوءه بالنوم مضطجعا ولا غير مضطجع.
ص: وحدثنا ابن مرزوق مرة أخرى، قال: ثنا عبد الصمد وبشْر بن عمر، قالا: ثنا شعبة، عن مَسْعود بن علي
…
بذلك ولم يذكر عكرمة.
ش: أشار بهذا إلى أنَّ إبراهيم بن مرزوق أسمعهم هذا الأثر مرتين، وليس فيهما ذكر عكرمة، كما ذكره أبو بكرة بكَّار القاضي في روايته حيث قال: ثنا أبو داود،
(1)"جامع الترمذي"(1/ 113) بعد الحديث رقم (78).
قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني مسعود بن علي، عن عكرمة: "أنَّ سعدا
…
" غير أنَّه زاد في طريقه الواحد: "وكان علي رضي الله عنه يتوضأ
…
" إلى آخره.
ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمَّد:"أنَّ شريحا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد".
ش: إسناده صحيح، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال:"قلت لشريح: أأتوضأ لكل صلاة؟ قال: انظر ماذا يصنع الناس".
ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن:"أنَّه كان لا يرى بذلك بأسا".
ش: إسناده صحيح، ويزيد بن إبراهيم التستري، أبو سعيد البصري، روى له الجماعة.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا عبد الله بن إدريس، عن هشام، عن الحسن قال:"يصلي الرجل الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث، وكذلك التيمم".
قوله: "كان لا يرى بذلك بأسا" أيّ: بأن يصلي الصلوات بوضوء واحدٍ ما لم يحدث.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"(3): ثنا حفص، عن ليث، عن عطاء والحسن ومجاهد:"أنهم كانوا يصلون الصلوات كلها بوضوء واحدٍ".
ثنا (4) أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن عمارة، عن الأسود قال:"كان له قعب يتوضأ به، ثم يُصلي بوضوئه ذلك الصلوات كلها".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 296).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 33 رقم 290).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 33 رقم 284).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة (1/ 33 رقم 285).
ثنا (1) حفص، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة:"أنَّه كان يصلي الصلوات بوضوءٍ واحدٍ".
ثنا (2) يحيى بن سعيد، عن مجالد، قال:"رأيت الشعبي يُصلي الصلوات بوضوءٍ واحدٍ".
ثنا (3) وكيع، عن سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم قال:"إني لأصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوءٍ واحدٍ، إلَّا أنْ أُحدث، أو أقول منكرا".
ثنا (4) وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال:"تصلي الصلوات كلها بطهور واحد".
ثنا (5) ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن:"أنَّه صلى الظهر والعصر -ولا أعلمه إلَّا قال: صلى المغرب- ولم يَمسَّ ماء" والله أعلم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 287).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 288).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 289).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 294).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 34 رقم 297).