الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في صلاة من أغمى عليه
فصل في المروي مرفوعًا:
روى الدارقطني في «سننه» (2/ 82) من طريق عبد الله بن حسين عن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي أن القاسم بن محمد بن أبي بكر حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُغمى عليه فيترك الصلاة فقال: «ليس بشيء من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة فيفيق وهو في وقتها فيصليها» .
ورواه البيهقي في «سننه» (1/ 388) عن عبد الله بن الحسين به نحوه، وقال عقبة: عبد الله بن الحسين ذكره البخاري في التاريخ وقال فيه نظر، والحكم بن عبد الله الأيلي تركوه كان ابن المبارك يوهِّنه ونهى أحمد عن حديثه. اهـ.
قلت: الأمر كما قال البيهقي، وفي «التقريب»: ضعيف، والحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي ترجمه في «الميزان» (1/ 572).
قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب، وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث. اهـ.
قلت: لا يصح في المسألة خبر مرفوع، والله أعلم.
فصل في الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
ما روي عن عمار سدد خطاكم: قال ابن أبي شيبة في «مصنفه» : (حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن السدي عن رجل يُقال له يزيد عن عمار بن ياسر أنه أغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأفاق في بعض الليل فقضاهن).
ورواه عبد الرزاق وابن عبد البر في «الاستذكار» ، والدارقطني
والبيهقي عن سفيان به مثله إلا أن الدارقطني قال عن يزيد مولى عمار.
قلت: يزيد مولى عمار ترجمه في «الجرح» وبيَّض له فلم يذكر فيه شيئًا، وقال شمس الحق آبادي في تعليقه على سنن الدارقطني: يزيد مولى عمار مجهول، وقال البيهقي في «المعرفة»: قال الشافعي: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت فمحمول على الاستحباب. قاله في «نصب الراية» .
وروى ابن المنذر في «الأوسط» من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل الخطمي عن أبيه عن لولوة مولاة عمار أنه أغمي عليه ثلاثًا فترك الصلاة ثم أفاق فدعا بوضوء فتوضأ ثم ابتدأ صلوات الثلاث حتى فرغ منها. ورواه من وجه آخر عن عبد الله بن الحارث به، وقال عن أم سعيد مولاة عمار: فلعل اسمها لولوة وكنيتها أم سعيد، وبكل حال لم أجد لها ترجمة بعد البحث الكثير عنها، والله أعلم.
ما روي عن عمران بن حصين وسمرة بن جندب رضي الله عنهما.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حفص عن التيمي عن أبي مجلز قال: قيل لعمران بن حصين إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه يقضي مع كل صلاة مثلها؟ فقال عمران: ليس كما يُقال يقضيهم جميعًا.
ورواه ابن المنذر عن سليمان التيمي به ولفظه: قال عمران: ليصليهن جميعًا.
ورواه ابن عبد البر في الاستذكار من طريق حفص بن غياث به مقتصرًا على قول عمران بن حصين سدد خطاكم.
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى الصاحبين رضي الله عنهما.
ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما:
روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة.
ورواه ابن أبي شيبة عن نافع ولفظه: «أنه أغمي عليه يومين فلم يقضِ» .
ورواه عبد الرزاق عن العمري المكبَّر لكن قال: يومًا وليلة.
ورواه إبراهيم الحربي من طريق العمري المصغَّر مثله.
ولعبد الرزاق من وجه آخر عن نافع فذكر شهرًا ولم يقض.
ورواه محمد بن الحسن الشيباني من طريق مالك مثله.
وروى الدارقطني من طرق عن نافع في بعضها يوم، وبعضها يومان، وبعضها ثلاثة، ولم يقض فيها.
ورواه البيهقي وابن المنذر عن نافع به نحوه.
وهذا إسناد في غاية الصحة عنه سدد خطاكم.
تنبيه: روى محمد بن الحسن ما يخالف ما تقدم عن ابن عمر فقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن ابن عمر في المغمى عليه يومًا وليلة قال: يقضي.
قلت: وفي هذا الإسناد نظر، فإن أبا حنيفة رحمه الله مع جلالته وإمامته تكلم في حفظه فقد ضعفه من جهة حفظه البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي، وأيضًا شيء آخر: فإبراهيم النخعي قال أبو حاتم: لم يلق أحدًا من الصحابة إلا عائشة ولم يسمع منها، وأدرك أنسًا ولم يسمع منه.
ثم هذا يخالف مذهب ابن عمر الذي نقله عنه أصحابه الحجازيُّون وهم به أبصر، والله أعلم.
ما روي عن أنس سدد خطاكم:
قال ابن المنذر: حدثنا كثير بن شهاب، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق، ثنا عمرو ابن أبي قيس عن عاصم قال: أغمي على
أنس بن مالك سدد خطاكم فلم يقض صلاته. اهـ.
قلت: وهذا إسناد جيد وعاصم هو ابن سليمان الأحول.
حديث: «يأتي على الناس زمان يأكلون الربا
فمن لم يأكله أصابه من غباره».
في كلام الأئمة:
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 289): ذهب مالك والشافعي وأصحابه إلى مذهب ابن عمر وهو قول طاووس، والحسن، وابن سيرين، والزهري، وربيعة، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وبه قال أبو ثور، وكل هؤلاء يجعل وقت الظهر والعصر النهار كله إلى الغروب، ووقت المغرب والعشاء الليل كله على ما تقدم من أصولهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن أغمي عليه يومًا وليلة قضى، وإن أغمي عليه أكثر لم يقض، وجعلوا من أغمي عليه يومًا وليلة في حكم النائم، ومن أغمي عليه أكثر في حكم المجنون الذي رفع عنه القلم.
قال: وقال عبيد الله بن الحسن: المغمى عليه كالنائم يقي كل صلاة من أيام إغمائه، وبه قال أحمد بن حنبل وهو قول عطاء. اهـ.
وقال ابن حزم في «المحلى» (2/ 234): والمغمى عليه لا يعقل ولا يفهم، فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان من ذكرنا غير مخاطب بها في وقتها الذي أُلزم الناس أن يؤدوها فيه، فلا يجوز أداؤها في غير وقتها؛ لأنه لم يأمر الله بذلك، وصلاة لم يأمر الله بها لا تجب، وبالله التوفيق. اهـ. وانظر:«التمهيد» (3/ 290) فهو مهم.
وقال ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 394): الإغماء مرض من الأمراض، والذي يلزم المريض إذا عجز عن القيام أن يصلي قاعدًا، ويسقط عنه فرض القيام لعجزه عن ذلك، فإن لم يستطع أن يصلي
قاعدًا صلى على جنب يومئ على قدر طاقته، وسقط عنه فرض القعود، فإذا أغمي عليه فلم يقدر على الصلاة بحال فلا شيء عليه؛ لأنه لما قالوا: يسقط عن المريض كل عمل لا سبيل له إليه، فكذلك لا سبيل للمغمى عليه إلى الصلاة في حال إغمائه، وإذا لم يكن عليه في تلك الحال صلاة لم يجز أن يوجب عليه ما لم يكن عليه، وإلزام القضاء إلزام فرض، والفرض لا يجب باختلاف، ولا حجة مع من فرض عليه قضاء ما لم يكن عليه حال الإغماء، وليس كالنائم الذي يوجد السبيل إلى انتباهه، وهو سليم الجوارح، لأن المغمى عليه واهي الجوارح من تعبها لا سبيل لأهله إلى تنبيهه، فإن أفاق المغمى عليه وقد بقي مقدار ما يصلي ركعة قبل غروب الشمس فعليه العصر، وإن أفاق قبل طلوع الفجر بركعة صلى العشاء، وإن أفاق قبل طلوع الشمس بركعة صلى الصبح، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» بيان لمن وفق لفهمه أنه غير مدرك لغيرها، إذ لو كان مدركًا لغيرها لكان بيان ذلك في الحديث. اهـ.
وقال السرخسي في «المبسوط» (1/ 217): (والفقه أن الإغماء إذا طال يجعل كالطويل عادة وهو الجنون، وإذا قصر يجعل كالقصير عادة وهو النوم، فيحتاج إلى الحد الفاصل بين القصير والطويل، فإن كان يومًا وليلة أو أقل فهو قصير؛ لأن الصلاة لم تدخل في حدِّ التكرار، وإن كان أكثر من يوم وليلة يكون طويلًا؛ لأن الصلاة دخلت في حدِّ التكرار» اهـ.
وقال صالح بن أحمد في «مسائله» (2/ 201): لأبيه رحمه الله.
قلت: المغمى عليه كم يعيد؟ قال: يعيد الصلاة كلها. قلت: فإن ابن عمر أُغمي عليه أكثر من ليلة فلم يعد الصلاة؟ قال: روي عن عمار أنه أغمي عليه ثلاثًا فقضى، وروي عن عمران بن حصين
وسمرة بن جندب أنه يعيد، قال سمرة مع كل صلاة صلاة يقول: مع الظهر الظهر، ومع العصر العصر، قال عمران: بل يعيدهن جميعًا، فمن ذهب إلى حديث ابن عمر يقول: إن القلم عنه مرفوع فلا يعيد شيئًا، فأما من قال: خمس صلوات، فلا نعلم له معنى، إما أن يعيد الصلوات كلهن، وإما لا يعيد.
هذا ما تيسر جمعه، والله الهادي إلى سواء السبيل (1).
(1) تم إعداده ليلة الأحد 11/ 5/ 1415هـ وعلَّق شيخنا بقوله: (الأحوط ثلاثًا، لأنه روي عن عمار، ولأن الثلاث جاءت في عدة أمور، وإطلاق سمرة وعمران ليس بجيد، يوجد أناس يغمى عليهم شهور .. فإذا كان الإغماء قصيرًا يُشبَّه بالنوم أقرب، والأصل عدم القضاء إذا خرج الوقت .. لكن إذا احتاط فثلاثة أيام يقضيها) بحروفه.
حديث: «يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره» .
رواه أحمد في «مسنده» (2/ 494): قال حدثنا هشيم عن عباد بن راشد عن سعيد بن أبي خيرة قال: حدثنا الحسن منذ نحو من أربعين سنة عن أبي هريرة سدد خطاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره.
ورواه أبو داود في «سننه» (3/ 243): قال: حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم به بنحوه.
ورواه النسائي في «المجتبى» (7/ 243) قال: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن سعيد بن أبي خيرة به.
ورواه أبو داود (3/ 243) قال: حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن داود - يعني ابن أبي هند - به نحوه وفيه: «أصابه من بخاره» .
رواه ابن ماجه في «سننه» (2/ 765) قال: حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل بن عُلية قال: حدثنا داود بن أبي هند به.
ورواه الحاكم في «مستدركه» (2/ 11) من طريق خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند (1) عن الحسن عن أبي هريرة .. وقال عقبة: وقد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة فإن صح سماعه منه فهذا حديث صحيح.
ورواه البيهقي في «سننه» (5/ 275) من طريق هشيم قال: أنبأنا عباد بن راشد قال: سمعت سعيد بن أبي خيرة يحدث داود بن أبي
(1) كذا بإسقاط سعيد بن أبي خيرة.
هند قال: حدثنا الحسن بن أبي الحسن منذ أربعين سنة أو نحو ذلك عن أبي هريرة فذكره.
ورواه كذلك من طريق أبي داود الثانية بإسناده ومتنه سواء.
ورواه ابن عدي في «الكامل» (4/ 1647) من طريق المسيَّب بن واضح قال: حدثنا ابن المبارك عن عبَّاد بن راشد عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن به.
ومدار هذا الحديث على الحسن وهو البصري الزاهد المشهور، وسماعه من أبي هريرة مختلف فيه، والمنقول عن أكثر الأئمة الكبار نفي سماعه، كما قال أحمد وابن معين، وابن المديني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبزَّار، والنسائي، والترمذي، وكذلك قاله أيوب وبهز ابن أسد، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد .. ولهذا قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/ 10):(والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة) فالحديث منقطع (1).
(1) وقرئ على شيخنا بتاريخ 16/ 4/1413هـ يوم الاثنين.