الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسك المدوف في حل حديث عبد الرحمن بن سمرة في الكسوف
«عن عبد الرحمن بن سمرة سدد خطاكم قال: بينما أنا أرمي بأسهمي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ انكسفت الشمس فنبذتهن، وقلت: لأنظرن إلى ما يحدثُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انكساف الشمس اليوم، فانتهيت إليه وهو رافع يديه، يدعو ويكبر ويحمد ويهلل، حتى جُلِّي عن الشمس، فقرأ سورتين وركع ركعتين» . وفي لفظ: «فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه» .
…
أخرجه مسلم «نووي» (6/ 216) وأبو داود «عون» (4/ 58)، والنسائي في «الكبرى» (1/ 566)، و «المجتبى» (3/ 125)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2/ 310)، وابن المنذر في «الأوسط» (5/ 294)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 329)، والبيهقي في «السنن» (3/ 332)، كلهم من طرق عن سعيد بن إياس الجريري عن حيَّان بن عمير عن عبد الرحمن به.
قال النووي في «شرح مسلم» : «وهذا مما يُستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتداء صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك؛ فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء، وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرَّح به في الرواية الثانية، ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة السورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية، وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميمًا للصلاة فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء، وهذا الذي ذكرته من تقدير لابد منه
لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه، ولرواية باقي الصحابة، والرواية الأولى محمولة عليه أيضًا لتتفق الروايتان، ونقل القاضي عياض عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعًا مستقلًا بعد انجلاء الكسوف لا أنها صلاة كسوف، وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية، والله أعلم.
وقال على قوله: «وهو قائم في الصلاة رافع يديه» .. فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة» اهـ.
وقال الطيبي في «شرح المشكاة» (3/ 265): قوله: «حسر عنها» أي أزيل، وأذهب عن الشمس خسوفها يعني دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ووقف في القيام الأول وطوَّل التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد حتى ذهب الخسوف، ثم قرأ القرآن وركع وسجد ثم قام في الركعة الثانية وقرأ فيها القرآن وركع وسجد وتشهد وسلم» اهـ.
وبوَّب على حديث الترجمة ابن خزيمة وابن المنذر بقولهما: باب رفع اليدين عند الدعاء والتسبيح والتكبير والتحميد في الكسوف.
والذي تحرر لي أن الحديث وإن كان ثابت الأصل إلا أن سياقه غير محفوظ لوجوه:
1 -
إن لفظة النسائي في «المجتبى» و «الكبرى» تدل على أن الدعاء والتسبيح وقع قبل الصلاة ولفظه: «فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد فجعل يسبح ويكبر ويدعو حتى حسر عنها ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات» .
2 -
إن الراجح في صفة صلاة الكسوف أن تصلى بركوعين في كل ركعة كما في حديث عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وكلها متفق عليها، وليس في شيء منها ذكر التسبيح والدعاء ورفع
اليدين في الصلاة، وفي هذه الأحاديث المتفق عليها ذكر أشياء حفظت عنه صلى الله عليه وسلم من تقدمه لتناول العنب من الجنة وتأخره مما يدل على أن الراوي حفظ ما لم يحفظ غيره، فعائشة وابن عباس رضي الله عنهما حفظا الواقعة قبل دخوله في الصلاة وفي أثنائها وبعد انصرافه منها، وعبد الرحمن إنما أتى ووجده في الصلاة فشهدا ما لم يشهد أولًا.
3 -
أن التجلي إنما حصل بعد الصلاة كما في حديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه الشيخان ولفظه: «لما انكسف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة، فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع النبي صلى الله عليه وسلم في سجدة ثم جلس، ثم جُلي عن الشمس فقالت عائشة رضي الله عنها: «ما سجدت سجودًا قط كان أطول منها» .
4 -
قال علي بن سلطان القاري في «شرح المرقاة» على قوله: «وهو قائم في الصلاة رافع يديه» لا يُعرف مذهب أنه يرفع يديه في صلاة الكسوف في أوقات الأذكار، وقال شيخنا المحدِّث عبد العزيز بن باز رحمه الله:«رواية عبد الرحمن مجملة وفيها خفاء وعدم وضوح والعمدة على حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما» اهـ.
فأصاب شيخنا كبد الحقيقة، فإن هذا هو التحقيق لما تقدم، والروايات المجملة المشكلة تحمل على الروايات المبينة المفسرة حتى يتبين الأمر قال غير واحد من أئمة الحديث: إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.
فصل
1 -
قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه القاري في المرقاة: أن رفع اليدين المذكور كان لإرادة الركوع الأول، فجعل من ذلك الركوع
سبح .. وتعقبه بقوله: ولا يخفى ما فيه من التكلف» اهـ.
2 -
وقع في رواية لعبد الرزاق (3/ 103) عن الثوري عن سليمان الشيباني عن الحكم عن حنش عن علي أنه أمَّ الناس في المسجد للكسوف قال: فجهر بالقراءة فقام فقرأ ثم ركع ثم قام فدعا ثم ركع أربع ركعات في سجدة يدعو فيهن بعد الركوع .. الحديث.
ورواه البيهقي (3/ 330) من طريق الحكم به، وفي آخره:«ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل» .
قلت: وحنش هذا هو ابن المعتمر ابن ربيعة.
قال البخاري: تكلموا فيه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: كثير الوهم في الأخبار، ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج بحديثه، ووثَّقه العجلي. وقال ابن حزم: ساقط مطرح .. هذا ما عندي، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1).
(1) تم إعداده يوم الخميس 20/ 5/1414هـ، وأخذ الشيخ صورة منه.