الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كشف الغمة عن حديث النور والظلمة
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق خلقه في ظلمه وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ» .
رواه أحمد في «مسنده» [6644]، حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري، ثنا الأوزاعي، ثنا ربيعة بن يزيد، ثنا عبد الله بن الديلمي عن عبد الله به.
وهذا إسناد صحيح، معاوية بن عمرو أبو عمرو البغدادي ثقة، روى له الجماعة، وإبراهيم بن محمد الفزاري حافظ له تصانيف، روى له الجماعة. والأوزاعي فقيه أهل الشام وإمامهم ثقة جليل، وربيعة بن يزيد هو الإيادي ثقة عابد روى له الجماعة، والديلمي عبد الله بن فيروز ثقة من كبار التابعين.
ورواه ابن أبي عاصم في «السنة» [243]: حدثنا ابن مصفَّى، ثنا بقية، ثنا الأوزاعي عن ربيعة به، وابن مصفَّى هو محمد الحمصي صدوق له أوهام، وكان يدلس لكنه صرَّح بالتحديث، وبقية بن الوليد صدوق معروف بالتدليس لكنه صرَّح بالتحديث، وقد توبعوا كما تقدم وسيأتي.
طريق أخرى لابن أبي عاصم [244]: ثنا المسيَّب بن واضح، ثنا أبو إسحاق الفزاري وابن المبارك عن الأوزاعي به. والمسيب قال فيه ابن أبي حاتم «الجرح» (8/ 294) سئل أبي عنه فقال صدوق يخطئ كثيرًا فإذا قيل له لم يقبل» اهـ.
قلت: لكنه قد توبع.
ومن طريق ابن المبارك أخرجه ابن حبان [6169].
ومن طريق بقية عن الأوزاعي أخرجه اللالكائي الطبري (3/ 604).
وأخرجه الآجري في «الشريعة» ص [175]: نا الفريابي، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا ربيعة به. وهذا سند جيد.
وأخرجه الحاكم (1/ 30) والبيهقي (9/ 4) من طريق الأوزاعي.
ورواه الترمذي في «سننه» (7/ 401 تحفة): حدثنا الحسن بن عرفة، أخبرنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله بن الديلمي به، وقال: حديث حسن وهو كما قال فالحسن صدوق وإسماعيل صدوق في الشاميين، وهذا منها فشيخه يحيى بن أبي عمرو السَّيباني بالمهملة ثقة حمصي. وتابع إسماعيل ضمرة، أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» [242]: حدثنا ابن مصفَّى، حدثنا ضمرة عن يحيى به، ورواه الآجري في «الشريعة» ص [175]: حدثنا الفريابي حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عياش به.
طريق أخرى: رواه أحمد في «مسنده» [6854]: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا محمد بن المهاجر، نا عروة بن رويم عن ابن الديلمي به.
واللالكائي (3/ 604)، والبزار «كشف» [2145] من طرق عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما به.
فالحديث صحيح بهذه الطرق.
وظاهر الحديث يفيد أن الخليقة في أصل خلقتها على غير الهدى ويؤيده حديث أبي ذر القدسي الذي رواه مسلم في «صحيحه» [2577]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.» . الحديث.
فإن قيل كيف الجمع بين هذين الحديثين وبين حديث أبي
هريرة المتفق عليه يرفعه «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يُمجِّسانه» الحديث «البخاري فتح» (3/ 219)، مسلم [2658].
وحديث عياض بن حمار المجاشعي الذي أخرجه مسلم [2865] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» . الحديث.
قلت: قال أبو العباس في «درء تعارض العقل والنقل» (3/ 71): (والرسل صلوات الله عليهم وسلامه بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بإفسادها وتغييرها، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]. وذكر الآيات.
وقال: وفي الصحيحين عن أبي هريرة سدد خطاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة» . وذكر الحديث، وحديث عياض:«خلقت عبادي حنفاء» الحديث.
وقال (8/ 460): والله قد بعث الرسل وأنزل الكتب ودعوا الناس إلى موجب الفطرة من معرفة الله وتوحيده، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة وإلا استجابت لله ورسله لما فيها من المقتضي لذلك، ومعلوم أن قوله:«كل مولود يولد على الفطرة» ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفًا بالله موحدًا له، بحيث يعقل ذلك فإن الله يقول:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78].
وقال: (8/ 455): «ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لموجب الفطرة شرطًا بل ذكر ما يمنع موجبها» اهـ.
وقال في «مجموع الفتاوى» (14/ 196): (والنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية، محبة له، تعبده لا تشرك به شيئًا،
ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل) اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب في «شرح الأربعين» على حديث أبي ذر القدسي: وقوله: «كلكم ضال إلا من هديته» قد ظن بعضهم أنه معارض لحديث عياض بن حمار .. «خلقت عبادي حنفاء» وفي رواية «حنفاء مسلمين» . وليس كذلك فإن الله خلق بني آدم وفطرهم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك، والاستعداد له بالقوة، لكن لابد للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنه قبل التعليم جاهل لا يعلم شيئًا، كما قال عز وجل:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78]. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]. والمراد وجدك غير عالم بما علَّمك من الكتاب والحكمة كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52]. فالإنسان يولد مفطورًا على قبول الحق، فإن هداه الله سبب له من يعلمه الهدى فصار مهتديًا بالفعل بعد أن كان مهتديًا بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له من يعلمه ما يغيِّر فطرته كما قال صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه وينصرانه ويمجسانه» .
قلت: لا شك أن الله خلق الخلق وفطرهم على الإسلام، فإن سلمت هذه الفطرة واتصلت بها الهداية التي بعث الله بها رسله كتبت للعبد السعادة وهو الذي أصابه النور في حديث عبد الله بن عمرو المتقدم، وإن انحرفت الفطرة بفعل شياطين الجن والإنس، كان الضلال والشقاوة وهو الذي أخطأه النور في الحديث المتقدم، والتغى حكم الفطرة لأن الأعمال بالخواتيم، هذا ما تيسر جمعه، والله المسئول أن يختم لنا بخاتمة السعادة، وأن يدخلنا دار الكرامة بمنِّه
وكرمه آمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين (1)(2).
(1) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (2/ 239) ط. شلبي.
(2)
تم إعداده يوم السبت 15/ 8/1413هـ.