الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افتراء بعض المتكلمين على الحنابلة
فالجواب:
ليست هذه أول فرية افتراها بعض المتكلمين الذين خالفوا مذهب السلف القويم، وتأثروا بآراء الفلاسفة فزعم بعضهم أن الحنابلة يمثلون الرب بخلقه، أو يجسمونه، تعالى اللَّه عن قولهم علوا كبيرا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} ، فقد افترى عليهم سالفًا الراضي العباسي وبعض وزرائه وإلى القارئ البيان:
قال ابن الأثير في حوادث سنة 323هـ.
ذكر فتنة الحنابلة ببغداد
وفيها عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون من دور القواد العامة، وإن وجدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء واعترضوا في البيع والشراء ومشي الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوا عن الذي معه من هو؟ فإن أخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، إلى أن قال: فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم ويوبخهم باعتقاد التشبيه وغيره - ا. هـ.
وهنا نسب إليهم أنهم يشبهون اللَّه بخلقه، وأن هيئتهم على هيئة رب العالمين، وأنهم يطعنون على خيار الأئمة، وينسبون آل محمد إلى الكفر، وينكرون زيارة قبور الأئمة ويقولون بنزول اللَّه في كل ليلة إلى السماء الدنيا.
ويظهر أن صاحب الشرطة أو الوزير نقل إلى الخليفة الراضي العباسي عن الحنابلة ما ليس صحيحا في نفس الأمر، ومن أجل ذلك نسب الراضي إليهم ما نسب، ومن جراء ما شحنوه بالأكاذيب والافتراءات عليهم قال في توقيعه (يعني منشوره) الذي نشره تحذيرًا لهم: وأمير المؤمنين يقسم باللَّه قسمًا جهدًا إليه يلزم الوفاء به لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنكم ضربًا وتشريدًا أو قتلًا وتبديدًا
وليستعملن السيف في رقابكم، والنار في منازلكم (من الكامل الجزء السادس) .
وزعم بعضهم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يعظ على منبر جامع دمشق، وقرأ حديث النزول وقال:"ينزل كنزولي هذا" -يقصد أنه مشبه- وسيأتي رد هذا الزعم.
إن خصوم السلف وهم المعطلة من الجهمية والمعتزلة، يرمون السلف الذين يثبتون للَّه الصفات الواردة في الكتاب وفي صحيح السنة بالتجسيم والتمثيل، لأن هذه الصفات -بزعمهم- من صفات المخلوقين حتى زعم الشهرستاني أن مثبتة الصفات من السلف، قد آل ببعضهم الإثبات إلى التشبيه.
وخصصت ذكر الحنابلة، لأنهم هم أكثر الذين يمثلون مذهب السلف ويناضلون عنه سائر الفرق الضالة؛ إذ الممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.
وبرأ اللَّه أهل السنة والجماعة والسلف من أنهم يمثلون اللَّه بخلقه أو يشبهونه.
والشهرستاني على جلالة قدره في علم الكلام لم يحقق مذهب السلف، ولو حقق لعرف أنهم أبرياء مما نسب إليهم؛ إذ المعطلة والمشبهة والمجسمة هم من أهل البدع والضلال، بل قد تؤول عقيدة بعضهم إلى الكفر.
وهذه النسب الكاذبة إلى الحنابلة من دعوى التشبيه والتجسيم حصلت أيام الفتن والنزاع بين الحنابلة والشافعية وبين الحنابلة والحنفية وإليك تأييدًا لما قلت ما ذكره ابن الأثير في حوادث 475.