المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة - نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

الفصل: ‌ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة

‌ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة

ورد إلى بغداد هذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم ويقول:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا، ثم إنه قصد يوما دار قاضي القضاة أبي عبد اللَّه الدامغاني بنهر القلائين فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دور بني الفراء وأخذ كتبهم وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن ولقب البكري من الديوان بعلم السنة ومات ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري (انتهى من الكامل لابن الأثير الجزء الثاني) .

ص: 15

أقول: لقد ابتلي المسلمون بمثل هؤلاء العلماء كأبي القاسم البكري السالف الذكر الذين جمدوا على التقليد ونبذوا الأخذ بالدليل، وفرقوا من جراء ذلك شمل المسلمين بتعصبهم الممقوت لمذهبهم وعقيدتهم، وإن كان في نفس الأمر فيها وفي المذهب ما يخالف الكتاب والسنة الصحيحة كاعتقادهم تأويل آيات الصفات جريا وراء مذهب المعتزلة والجهمية، والتقليد في الفروع ولو خالف نص الكتاب والسنة في بعض المسائل وإلا فلو لم يكن فيهم هذا الداء الوبيل، داء التأويل والتعطيل والتقليد ما عاب أبو القاسم الحنابلة ولا ذمهم، فأي عيب فيهم ومذهبهم في الأصول والفروع معروف، مذهبهم في العقيدة هو المذهب الصحيح من الإيمان باللَّه وبأسمائه وصفاته كما جاء في الكتاب والسنة إيمانا لا يشوبه تعطيل ولا تمثيل وحاشاهم عن التشبيه والتمثيل، وكذب أبو القاسم فيما عابه به عليهم وعفا اللَّه عنه.

وقال بعضهم، ناسبا إلى الحنابلة: إن القرآن قديم: وأصوات القراء قديمة، بل والمداد الذي يكتبون به قديم، بل زعم بعضهم بقدم الجلد والغلاف، حتى تهكم بعضهم وقال: ما بالهم لا يقولون بقدم الكاتب والمجلد، إلى غير ذلك من

ص: 16

الافتراءات الباطلة، والاختلاقات الكاذبة التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.

وما أدري كيف يوثق بعلم هؤلاء وبكتبهم وهم يفترون هذه الأكاذيب على جمهور من المسلمين، وصفوة أمة محمد سيد المرسلين.

وكيف ينقل زيد بن عمرو، وعمرو عن خالد من غير أن يرجع إلى كتب من نقل عنهم هذا القول ونسب إليهم؟

وكيف يكون المرء عالما محققا، إذا لم يمحص البحث ويحققه من جميع نواحيه، وينسب الأقوال إلى مصادرها الموثوقة؟.

أما مجرد أن يرى عبارة في كتاب لعالم يقول فيها قال العالم الفلاني، أو في المذهب الفلاني كذا، بدون ذكر المصدر فينقلها ناسبًا إياها إلى ذلك العالم أو المذهب، جازمًا بصحتها، فلا يكون محققا، ولا ينبغي أن يوثق بكلامه أو نقله، لأنه لم يبنه على دليل صحيح من نقل صحيح أو عقل رجيح.

فهؤلاء الذين نسبوا إلى الحنابلة هذه الأقوال السخيفة، التي لا تصدر إلا عن ملحد أو مبتدع ضال أرعن يعوزهم إثبات ذلك بنقل صحيح من

ص: 17

مصدر موثوق به، وها أنا بعون اللَّه وتوفيقه أبين بطلان هذه النسب الكاذبة التي لم يخش اللَّه ناسبوها ولم يتصفوا بالحياء ولا بالعقل الرجيح، فأقول وبالله التوفيق:

لا يخفى أن الحنابلة إمامهم أحمد بن حنبل، والإمام أحمد لم تخف مكانته العلمية، واتباعه للسنة المطهرة في عقائده وأقواله وأفعاله ومذهبه، وله مؤلفات عديدة، ولابنه عبد اللَّه مؤلفات، وقد بنى مذهبه في الأصول أعني العقائد - على الكتاب والسنة الصحيحة.

وإليك الآن بيان مذهب أحمد وعقيدته وأتباعه في الأصول والفروع، وأن عقيدتهم تمثل مذهب السلف الصالح، كما أن مذهبهم في الفروع مؤيد بالكتاب والسنة وبالإجماع والقياس الصحيح.

ص: 18