الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمعتزلة شبهات عقلية على اتصاف الله بالصفات عمومًا، والكلام خصوصًا
(1)
قالوا ما معناه: من المعلوم الثابت عقلًا ونقلًا وفطرة أن اللَّه واحد فرد، قديم أزلي، وعلى ذلك جميع المسلمين فإذا وصفناه بصفات عديدة، كصفة العلم والسمع والبصر والكلام، وقلنا كلها قديمة أزلية، لزم تعدد القدماء، وقد كفرت النصارى بالتثليث، فكيف بهذه الصفات العديدة؟
والجواب:
أولًا: لا ينبغي لمن كان مسلمًا مؤمنًا أن ينكر ما ثبت للَّه في القرآن وفي السنة الصحيحة بمثل هذه التشكيكات القبيحة، بل عليه الإيمان والتسليم، ويجزم أن عقله قاصر مهما بلغ وعلا وارتقى أن يدرك كنه ذاته تعالى أو صفاته.
فإذا كان لا يدرك كنه كثير من المخلوقات كالروح والعقل، فكيف يمكنه أن يدرك كنه اللَّه أو صفاته؟
وإذا كان لا يدرك، فهل ينكر؟ لا بل يجب أن
يؤمن ويسلم؛ لأن الشرائع لا تأتي بما يحيله العقل، بل بما يدركه أو يحير فيه.
وأي عاقل يقول: إذا كنا لا ندرك حقيقة الروح والعقل والكهرباء، يجب علينا أن ننكرها. وثانيًا: يلزم تعدد القدماء لو قلنا بتعدد الذوات، أما تعدد الصفات لذات واحدة فلا يلزم ذلك، وليس فيه محذور.
(2)
قالوا ما معناه: لو وصفنا اللَّه بالصفات المذكورة، وبالصفات التي تثبتها السلف، كصفة الرحمة والغضب والاستواء، لزم تمثيل اللَّه بخلقه وتشبيهه بهم، لأن هذه من صفات المخلوقين.
فالجواب:
أولًا: يفهم من الجواب السابق.
ثانيًا: معاذ اللَّه أن نقول بالمثلية والتشبيه، كيف وقد قال اللَّه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات -كما سبق- فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك صفاته.
ويلزم من قولهم أن القرآن مخلوق من تمثيل اللَّه وتشبيهه بخلقه؛ لأن القرآن طافح بصفات عديدة
لله يعز استقصاؤها، ولو كان لقولهم أصل لثبت عن رسول اللَّه وأصحابه والتابعين بأن يؤولوها كما تزعم المعتزلة وسائر المؤولة، ولا يسع المسلم الصحيح إلا ما وسعهم، والبحث في هذا يطول، وقد تكلفت كتب أئمة السنة برد هذه الشبه الواهية، وقد مر بعض ذلك في أوائل البحث.
(3)
في خصوص الكلام قالت المعتزلة: إذا كانت ذات البارئ بالاتفاق وصفاته- على حد تعبيركم أهل السنة، واحدة لا تتجزأ فمحال أن يكون القرآن كلام الله، على معنى أنه صفة من صفاته؛ لأنه لو كان كذلك لكان هو وذاته وبقية صفاته شيئا واحدًا، ونحن نرى أن في القرآن أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا، ووعدًا ووعيدًا، فهذه حقائق مختلفة، وخصائص متباينة.
ومن المحال أن يكون الواحد متنوعًا إلى خصائص مختلفة اهـ.
والجواب: أن نقول الحمد للَّه على نعمة العقل والهداية للإسلام والعقيدة الصحيحة، والحمد للَّه الذي عافانا مما ابتلاهم.
يزعم هؤلاء أنهم لا يثقون بالنقل، ويلجئون إلى العقل، أو يرجحونه على النقل، ويقولون: نبني عقائدنا على القواعد العقلية، لأنه يسلم بها كل عاقل ولو كان كافرًا.
هكذا زعموا.
ونحن نقول: أي عقل هذا يحكم أن الكلام إذا كان أمرًا ونهيًا ووعدًا ووعيدًا فإنه ينافي الوحدة؛ لأنه يحصل تغيير في ذات المتكلم كما يفهم من كلامهم.
ونقول ثانيًا -أن الله جل جلاله واحد في ذاته وفي صفاته، والكلام صفة من صفاته، والأمر والنهي والوعد والوعيد من أنواع الكلام، والتنوع في الكلام لا في ذاته، فأي استحالة في هذا؟ وأين المحذور الذي زعموه؟.
والمتكلم البشري إذا نوع كلامه من خبر إلى أمر إلى نهي فهل يقال إنها خصائص مختلفة؟ وأنها تؤثر على ذات الإنسان؟ والله أعلى من أن تضرب له الأمثال، ولكن له المثل الأعلى في صفاته العلى.
(4)
قالوا- إذا كان الكلام أزليا وهو صفة من صفاته، ترتبت على ذلك أمور مستحيلة، منها: أن الأمر لا قيمة له ما لم يصادف مأمورًا إلا إذا كان هناك مأمورون بالصلاة، ولا كتب عليكم الصيام إلا إذا كان هناك مأمورون بالصيام.
ومن المسلم به، أن في الأزل لم يكن هناك
مأمور بالصلاة والصيام، ومحال أن يكون المأمور معدومًا.
ثانيًا: يلزم من ذلك أن يكون الكلام من غير مكلم، وهذا من المستحيلات.
ثالثًا: الخطاب مع موسى غير الخطاب مع محمد، ومناهج الكلامين مع الرسولين مختلفة.
ويستحيل أن يكون معنى واحدًا هو في نفسه كلام مع شخص على معان ومناهج، وكلام مع شخص آخر على معان ومناهج أخرى، ثم يكون الكلامان شيئا واحدًا ومعنى واحدًا.
الجواب:
أن هذه الأمور التي ذكرتها المعتزلة من أنها تترتب على الكلام الأزلي، وهو صفة من صفاته أو نقول- هذه الشبهات التي ذكروها ترد على الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي كما سيأتي مذهبهم- لا علينا معشر السفليين.
لأننا نقول: "كلام اللَّه من حيث هو صفة له، وهو من صفات الذات والفعل".
وأما خطابه لموسى بقوله: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} ، ولنبينا محمد
صلى اللَّه عليه وسلم بقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} فقد حصل كل واحد من الخطابين في وقته لا في الأزل.
وكذلك الأوامر والنواهي القرآنية حصلت بعد ما أرسل اللَّه الرسول، وآمن بعض الناس لا في الأزل، إلا أمر تبليغه الرسالة فقد حصل قبل أن يؤمن أحد.
(5)
قالوا "قال اللَّه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} والمسموع حادث؛ لأنه لا يكون إلا حرفًا وصوتًا.
والجواب:
نحن قائلون اللَّه يتكلم بحرف وصوت خلافًا للأشاعرة وغيرهم.
ودليلنا على الحرف ما ورد في الحديث الصحيح، عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من قرأ حرفًا من كتاب الله فله عشر حسنات» .
وأما الصوت- فقد ورد في الحديث الصحيح: «أن اللَّه ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان» .
والنداء لا يكون إلا بصوت، ولكن لا يماثل صوت المخلوقين.
في شرح البخاري - ومن نفى الصوت، يلزمه أن اللَّه تعالى لم يسمع أحدًا من ملائكته ولا رسله كلامه، بل ألهمهم إياه إلهامًا، قال: "وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها التي عهدت ذات مخارج، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة، ولئن سلم فيمنع القياس المذكور؛ لأن صفة الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين.
وحيث ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به.
وقال ابن حجر أيضًا في موضع آخر من شرح البخاري "قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب، كما يسمعه من بعد» حمله بعض الأئمة على مجاز يأمر من ينادي فاستتبعه بعض من أثبت الصوت، لأن في قوله:«يسمعه من بعد» إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات، لأنه لم يعهد مثل هذا عنهم، وبأن الملائكة إذا سمعوا صعقوا، وإذا سمع بعضها بعضًا لم يصعقوا.
قال: "فعلى هذا صوته صفة من صفات ذاته ليس يشبه صوت غيره، إذ ليس يوجد شيء من صفات المخلوقين.
قال: "وهكذا قرره المصنف يعني الإمام البخاري في كتاب خلق أفعال العباد، اهـ.
فإن قيل: إن هذه أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن والعقائد ينبغي أن تبنى على العلم والقطع.
الجواب:
أن هذا القول اخترعه المتكلمون من المعتزلة، واغتر به بعض السنة، وهو قول باطل فيه هدم لكثير من العقائد والشرائع، ومن المستحسن أن نذكر بعض الأدلة على قبول ذلك.