المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقيدة موجزة لشيخ الإسلام في لاميته الشهيرة: - نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

الفصل: ‌عقيدة موجزة لشيخ الإسلام في لاميته الشهيرة:

وزيادة على ما أسلفناه نتحف القارئ ب‌

‌عقيدة موجزة لشيخ الإسلام في لاميته الشهيرة:

ومودة القربى بها أتوسل لكنما الصديق منهم أفضل آياته فهو الكريم المنزل المصطفى الهادي ولا أتأول حقًا كما نقل الطراز الأول وأصونها عن كل ما يتخيل وإذا استدل يقول قال الأخطل وإلى السماء بغير كيف ينزل أرجو بأني منه ريا أنهل فمسلم ناج وآخر مهمل وكذا التقي إلى الجنان سيدخل عمل يقارنه هناك ويسأل وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل وإن ابتدعت فما عليك معول حب الصحابة كلهم لي مذهب ولكلهم قدر علا وفضائل وأقول في القرآن ما جاءت به وأقول قال اللَّه جل جلاله

ص: 46

وجميع آيات الصفات أمرها وأرد عهدتها إلى نقالها قبحًا لمن نبذ القرآن وراءه والمؤمنون يرون حقًا ربهم وأقر بالميزان والحوض الذي وكذا الصراط يمد فوق جهنم والنار يصلاها الشقي بحكمة ولكل حي عاقل في قبره هذا اعتقاد الشافعي ومالك فإن اتبعت سبيلهم فموفق

ص: 47

وقال الشيخ في خصوص كلام اللَّه في رسالته الواسطية:

فصل

ومن الإيمان باللَّه وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام اللَّه منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأن اللَّه تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو كلام اللَّه حقيقة لا كلام غيره ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام اللَّه أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه بذلك في المصاحف لم يخرج عن أن يكون كلام اللَّه تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما قاله مبلغًا مؤديًا، وهو كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس كلام اللَّه الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف.

وها أنا أذكر زيادة على كلام شيخ الإسلام عقيدة شيخين جليلين من قدماء الحنابلة وأكابر علمائهم.

(الأول) - الشيخ الحافظ العلامة عبد الغني المقدسي.

(الثاني) - الشيخ العلامة موفق الدين

ص: 48

عبد اللَّه أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي مؤلف كتاب المغني.

وإلى القارئ ما قاله الشيخ عبد الغني المقدسي الحنبلي في عقيدته:

اعلم وفقنا اللَّه وإياك لما يرضيه من القول والعمل والنية، وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل أن صالح السلف وخيار الخلف وسادات الأئمة وعلماء الملة اتفقت أقوالهم وتطابقت آراؤهم على الإيمان باللَّه عز وجل، وأنه واحد أحد، فرد صمد، حي قيوم، سميع بصير لا شريك له ولا وزير ولا شبيه ولا نظير ولا عدل ولا مثيل، وأنه عز وجل موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وصح به النقل عن نبيه وخيرته من خلقه محمد سيد البشر الذي بلغ رسالة ربه لأمته، وجاهد في اللَّه حق جهاده، وأقام الملة، وأوضح الحجة، وأكمل الدين، وقمع الكافرين ولم يدع لملحد مجالًا ولا لمجادل مقالًا.

وروى طارق بن شهاب رضي الله عنه قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك عيدًا. قال:

ص: 49

أي آية قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .

فقال عمر إني لأعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن بعرفة عشية جمعة.

فآمنوا بما قال اللَّه سبحانه في كتابه وصح عن نبيه، وأمروه كما ورد من غير تعرض لكيفيته واعتقاد شبيه أو مثيل أو تأويل يؤدي إلى التعطيل، ووسعتهم السنة المحمدية والطريقة المرضية ولم يتعدوا بها إلى البدعة الردية فحازوا بذلك الرتبة السنية والمنزلة العلية.

كما قال في بحث الكلام:

ومن مذهب أهل الحق أن اللَّه عز وجل لم يزل متكلمًا بكلام مسموع مفهوم مكتوب، قال اللَّه عز وجل:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وروى عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «وما منكم من أحد إلا سيكلمه اللَّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ثم ينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه، ثم ينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه، ثم ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يقي وجهه النار ولو»

ص: 50

«بشق تمرة فليفعل» .

وروى جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: «لما قتل عبد اللَّه بن حرام قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا جابر ألا أخبرك ما قال اللَّه لأبيك؟ قال: بلى. قال: وما كلم اللَّه أحدًا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا قال يا عبد اللَّه: تمن علي أعطك. قال: يا رب تحيني فأقتل فيك ثانية. قال: إنه سبق مني أنهم لا يرجعون. قال: فأبلغ من ورائي فأنزل اللَّه عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} » رواه ابن ماجه.

والقرآن كلام اللَّه عز وجل ووحيه وتنزيله والمسموع من القارئ كلام اللَّه عز وجل قال اللَّه تبارك وتعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} وإنما سمعه من التالي، وقال عز وجل:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ، وقال عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وقال عز وجل:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} ، وهو محفوظ في الصدور كما قال عز وجل:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (ا. هـ من

ص: 51

المجموعة العلمية السعودية من درر علماء السلف الصالح) تحقيق الشيخ عبد اللَّه بن محمد بن حميد.

وقال الشيخ العلامة موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي: الحمد للَّه المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو عن علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، ولا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

له الأسماء الحسنى، والصفات العلى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} 5، 6، 7، سورة طه.

أحاط بكل شيء علمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكما، ووسع كل شيء رحمة وعلمًا

ص: 52

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} 110 سورة طه.

موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم، وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن، وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه، وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا وترك التعرض لمعناه ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله، اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى اللَّه عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} آية (7) - آل عمران، وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} آية 6 آل عمران فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، حجبهم عما أملوه وقطع أطماعهم عما قصدوه، بقوله سبحانه:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} .

آية 6 آل عمران.

قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى اللَّه عليه

ص: 53

وسلم: «إن اللَّه ينزل إلى السماء الدنيا» «وإن اللَّه يرى في القيامة» وما أشبهه: هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها، لا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا نصف اللَّه بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ونقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن.

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت باللَّه وبما جاء عن اللَّه على مراد الله، وآمنت برسول اللَّه وبما جاء عن رسول اللَّه على مراد رسول الله، وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب اللَّه وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله، وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم

ص: 54

وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» ، وقال عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

(ا. هـ من لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لشيخ الإسلام موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي) .

فهذه عقيدة شيخ الإسلام والشيخين الجليلين وهكذا سائر الحنابلة، أنهم كسائر السلف الكرام في صفات اللَّه جل وعلا ومنها كلامه، فهل فيها حرف واحد مما يزعمه أولئك الذين نسبوه إلى التشبيه والتجسيم، وأولئك الذين نسبوا إلى الحنابلة هذا الزعم الباطل، وأنهم يقولون أن الجلد والغلاف للقرآن قديمان.

يا لها من فرية عظيمة لا تليق بمن لم يكن من أهل

ص: 55

العلم، فكيف بمن يزعم أنه من العلماء ينتصب للتدريس والوعظ والإرشاد والتأليف، ويدعي أنه يقود الناس إلى الصراط المستقيم، إلى صراط أهل السنة والجماعة.

فأين في عقيدة أهل السنة والصحابة والتابعين والأئمة المهتدين كالإمام الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل والإمام أبي حنيفة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه والأوزاعي والنخعي والليث بن سعد والبخاري ومسلم وسائر أهل الصحاح والمسانيد، تأويل الاستواء بالاستيلاء، ونزول اللَّه بنزول الرحمة واليد بالقدرة وكلام اللَّه أنه مخلوق، أو أنه عبارة عن كلام اللَّه النفسي القائم بذاته، وأما هذا القرآن الذي يتلوه الناس فهو حادث كما يقول الأشاعرة:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} آية 15 من سورة النور.

ص: 56