المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شبهات المعتزلة النقلية - نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

الفصل: ‌شبهات المعتزلة النقلية

‌شبهات المعتزلة النقلية

للمعتزلة شبهات على قولهم: (أن كلام اللَّه مخلوق، خلقه منفصلًا عنه في بعض الأجسام) .

الأولى- قالوا: قال اللَّه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فالقرآن شيء، فيكون داخلًا في عموم (كل) فيكون مخلوقًا.

والجواب من وجوه:

الأول: أن هذا الاستدلال عجيب جدًا من هؤلاء، وبيان ذلك أنهم لا يعترفون ولا يعتقدون أن أفعال العباد مخلوقة لله، فإذا كان العموم مرادًا من قوله:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فلماذا أخرجوا أفعال العباد.

مع العلم أننا نقول: كلام اللَّه صفة من صفاته به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال اللَّه تعالى:{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} .

ص: 121

ففرق بين الخلق والأمر، فلو كان الأمر مخلوقًا، لكان بأمر آخر، وللآخر بآخر إلى ما لا نهاية له، ويلزم منه التسلسل وهو باطل كما لا يخفى.

الثاني: عموم (كل) في كل موضع بحسبه، ألا ترى قوله تعالى إخبارا عن بلقيس:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} .

فإن المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم من قرائن الكلام، وهو من أنواع التخصيص عند أهل الأصول.

وإذ عرفت ما ذكرنا لك، فاعلم أن المراد من قوله:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أنه خالق كل موجود

ص: 122

سوى اللَّه فدخل في هذا العموم أفعال العباد، ولم يدخل فيه الخالق وصفاته، والكلام صفة من صفاته.

وقول المعتزلة (أن اللَّه خلق الكلام منفصلًا عنه في بعض الأجسام) .

فيقال في جوابهم: أن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل، فإذا قام الكلام بمحل كان هو المتكلم به.

كما أن العلم والقدرة إذا قاما بمحل كان العالم القادر.

ولو كان كما تقول المعتزلة، لكان الكلام كلام ذلك الجسم الذي خلقه فيه، فكانت الشجرة هي القائلة:{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وتصور هذا كاف في بطلانه.

الشبهة الثانية:-

{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}

ص: 123

الآية.

والجواب: أن المعنى محدث في النزول.

الشبهة الثالثة:

قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ومعنى جعل: خلق.

والجواب: ما أفسد هذا الاستدلال؛ لأن جعل إذا كان متعديا إلى مفعول واحد يكون بمعنى خلق كقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} .

وأما إذا تعدى إلى مفعولين فلا يكون بمعنى خلق كقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} . فهل يقول عاقل: ولا تخلقوا اللَّه عرضة لأيمانكم) ، وقوله:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} وكالآية التي استدلوا بها.

فهل يقول عاقل بمعنى جعلتم اللَّه في هذه الآية، خلقتم الله؟ بل جعل هنا بمعنى صير كما هو غير خاف.

ص: 124