الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أميهم وكتابيهم، وأنزل عليه أحسن الحديث كتابا متشابها يهدي به الله من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد.
[مراحل الصراع بين النصرانية والإسلام]
أما بعد: فمنذ أن التقت جيوش التوحيد - تحمل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله- بجيوش التثليث - تحمل راية الصليب - على أرض الشام، منذ ذلك الوقت والصراع محتدم بين المسلمين والنصارى ولا يزال كذلك حتى ينزل المسيح عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويحكم بالإسلام، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» (1) .
وقد مر هذا الصراع بأربع مراحل ذكرها الأديب الأريب محمود شاكر رحمه الله وهي:
المرحلة الأولى: صراع الغضب لهزيمة المسيحية في أرض الشام، ودخول أهلها في الإسلام، فبالغضب أملت اختراق دار الإسلام لتسترد ما ضاع.
المرحلة الثانية: صراع الغضب المتفجر المتدفق من قلب أوربا مشحونا ببغضاء جاهلة عاتية مكتسحة مدمرة سفاحة للدماء جاءت
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان حديث: 242، وانظر كتاب الفتن وأشراط الساعة منه حديث 34، 37، 110، 111.
تريد - هي الأخرى - اختراق دار الإسلام، وذلك عهد الحروب الصليبية الذي بقي في الشام قرنين، ثم ارتد خائبا إلى موطنه في قلب أوربا.
المرحلة الثالثة: صراع الغضب المكظوم الذي أورثه اندحار الكتائب الصليبية، من تحته بغضاء متوهجة عنيفة، ولكنها مترددة يكبحها اليأس من اختراق دار الإسلام مرة ثالثة بالسلاح والحرب، فارتدعت لكي تبدأ في إصلاح خلل الحياة المسيحية بالاتكاء الشديد الكامل على علوم الإسلام، ولكي تستعد لإخراج المسيحية من مأزق ضنك موئس.
وهذه المراحل الثلاث كانت ترسف في أغلال القرون الوسطى أغلال الجهل والضياع ولم تصنع هذه المراحل شيئا ذا بال.
المرحلة الرابعة: صراع الغضب المشتعل بعد فتح القسطنطينية، يزيده اشتعالا وتوهجا وقود من لهيب البغضاء والحقد الغائر في العظام على الترك (أي المسلمين) ، وهم شبح مخيف مندفع في قلب أوربا، يلقي ظله على كل شيء، ويفزع كل كائن، وإذا كانت المراحل الثلاث الأول لم تصنع للمسيحية شيئا ذا بال، فصراع الغضب المشتعل بلهيب البغضاء والحقد هو الذي صنع لأوربا كل شيء إلى يومنا هذا، صنع كل شيء لأنه هو الذي أدى بهم إلى يقظة شاملة قامت على الإصرار وعلى المجاهدة المثابرة على تحصيل العلم وعلى إصلاح
خلل الحياة المسيحية، ولكن لم يكن لها يومئذ من سبيل ولا مدد إلا المدد الكائن في دار الإسلام من العلم الحي عند علماء المسلمين، العلم المسطر في كتب أهل الإسلام، فلم يترددوا، وبالجهاد الخارجي وبالحماسة المتوقدة، وبالصبر الطويل؛ انفكت أغلال القرون الوسطى بغتة عن قلب أوربا وانبعثت نهضة العصور الحديثة مستمرة إلى هذا اليوم. من يؤمئذ، عند أول بدء اليقظة، تحددت أهداف المسيحية الشمالية، وتحددت وسائلها، لم يغب عن أحد منهم قط أنهم في سبيل إعداد أنفسهم لحرب صليبية رابعة (1) .
وبما أن الأمة تمر بالمرحلة الرابعة من مراحل الصراع الذي يعتمد على العلم والدين والعقل واستخدام الأساليب المؤثرة على الأديان والعقول، فإن من أبرز أساليب هذه المرحلة " التنصير" الذي تدفقت جحافله الآيسة - من رحمة الله ومن نجاح أعمالها - على أقطار الأمة الإسلامية يبشرونها بالكفر، ويدعونها إلى الضلال والخبال، ويعدونها الغنى إن هي آمنت بالصليب، ومن صدق بهذه الوعود الكاذبة فاز بنسخة من الإنجيل المحرف، وأخذ منه المنصرون كل شيء حتى نفسه، يقول جاك مندلسون: (حينما تكون صحة
(1) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف الأستاذ محمود محمد شاكر. نشر مكتبة الخانجي ودار المدني، 1417 هـ، ص: 44-46، ويحسن بالقارئ الكريم الاطلاع على هذه الرسالة؛ لأنها تكشف حقيقة الصراع بين المسلمين والنصارى، ولأنها تذكي في المسلم عقيدة الولاء والبراء.