الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقف انتشار الإسلام، أيها الآباء والإخوة، إنني ألجأ بجدية إلى شعاري، إن اللبيب بالإشارة يفهم!) (1) .
هذا بالإضافة إلى حرصهم الشديد الدؤوب على السيطرة على المواقع الاستراتيجية التي تحقق لهم الهيمنة السياسية في محاصرة الشعوب ومضايقة الدول كما جاء في التقرير الذي قدم إلى المؤتمر التنصيري المنعقد في القاهرة عام 1906م حيث جاء فيه: (وينصح التقرير بتركيز الجهد المسيحي على مراكز استراتيجية معينة معروفة، وتوفير الرجال من أجل هذا الغرض، وهؤلاء العاملون يحتاجون إلى معرفة بكل من اللغة الصينية واللغة العربية، وهذه دلالة تؤكد الحاجة إلى أنه لا بد أن يكون لدينا معهد عربي في مركز ما مثل القاهرة)(2) .
[المطالبة بالحرية الدينية والسياسية والفكرية]
المطالبة بالحرية الدينية والسياسية والفكرية الأصل في الخلق العبودية لله رب العالمين، وادعاء التحرر والتكبر على الله والخروج على أحكام الدين ارتكاس في هوة الجهالة، ومصادمة للفطرة، ومحادة لله رب العالمين.
بل هذا الادعاء شذوذ ونشاز عن نظام هذا الكون الذي استسلم لملكوت الله وجبروته، ونفذ فيه أمر الله وحكمه القدري
(1) المصدر السابق، ص: 32، بتصرف يسير.
(2)
المصدر السابق، ص:29.
دون أن يكون للخلق رأي أو اختيار. ولأجل ذلك خلق الله الخلق لعبادته فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](1) وجعل أشرف مقامات الخلق مرتبة العبودية فقال جل ثناؤه ممتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1](2) وقال عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1](3) وسخر هذا الكون لأجل الإنسان فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20](4) وقال أيضا: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الجاثية: 13](5) بل جعل هذا الكون كله مسبحا بحمد الله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة: 1](6) ساجدا لعظمته كما أخبر الله بقوله:
(1) سورة الذاريات، الآية:56.
(2)
سورة الإسراء، الآية:1.
(3)
سورة الفرقان، الآية:1.
(4)
سورة لقمان، الآية:20.
(5)
سورة الجاثية، الآية:13.
(6)
سورة الجمعة، الآية:1.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18](1) ولكن لأن هؤلاء الكفار يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم في ضلال بعيد كما أخبر الله عنهم بقوله جل ثناؤه: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم: 3](2) ويريدون أن نكون مثلهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89](3) .
ولذا فقد أشاعوا بين ظهراني المسلمين الدعوة إلى الحرية الدينية والسياسية والدعوة إلى الإباحية وإشاعة الرذيلة؛ لأنهم يعلمون أن لعبة المباحث النظرية لا تؤدي إلا إلى الضعف، وأن دعاوى الحرية والتقدم إنما هي شرك يكفل تردي البشرية لصالح فئة منها في مهاوي التخلف والتناحر (4) . ويعلمون -علم اليقين - أنه لا قبول لأفكارهم ومبادئهم في أجواء تحوطها أحكام الشريعة، وتحفظها- بحفظ الله- قواعد الملة، وتسيطر عليها نواميس الديانة، ويعلمون- أيضا- أن هذه
(1) سورة الحج، الآية:18.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:3.
(3)
سورة النساء، الآية 89.
(4)
المعتزلة بين القديم والحديث، محمد العبدة، وطارق عبد الحليم، نشر دار الأرقم، ص: 141-142.