الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الخامس في مواجهة التنصير]
[تمهيد]
الفصل الخامس
في مواجهة التنصير
تمهيد لم يقف المسلمون - على العموم - مكتوفي الأيدي أمام الحملات التنصيرية. ورغم العرض لبعض الوسائل للتنصير والمنصرين، التي كان من بينها تساهل بعض المسؤولين المسلمين في مواقفهم من المنصرين، وتساهل بعض الأهالي، إلا أنه كانت هناك مواجهة مستمرة، ولا تزال قائمة، للحملات التنصيرية. ويبدو أن هناك اتفاقا بين المهتمين بالإسلام والمسلمين على المواجهة، لتكون هدفا من أهداف الدعوة إلى الله في الزمن الحاضر.
على أن المواجهة لا تتوقف عند مجرد حماية المجتمعات المسلمة من غائلة التنصير. بل إنها تتعدى ذلك إلى درء الفتنة، (1) وعلى أنه لا يفهم من كون التصدي
(1) ولعلنا بهذا نخرج من الشعور بأنا نتصدى للتحديات التي تواجهنا، فنكتفي بالتنبيه لها والتحذير منها، مما يدخل في انتظار الأفعال للرد عليها، إلى السعي إلى تقديم البديل الصالح الذي نعتقد أن فيه، لا في غيره، صلاح البلاد والعباد، وأنه سر السعادة في الدنيا والآخرة. وهذا المفهوم لا يأتي بمجرد الترديد النظري في المجتمع المسلم، بل لا بد أن تنطلق القدوة التي تحمل الإيمان على أكتافها بعد أن استقر في صدورها، فتقدم هذا الإيمان إلى الآخرين على أنه هو الخيار الوحيد في عالم مليء بمحاولات البحث عن الحقيقة والسعادة والاستقرار الروحي والنفسي والذهني والفكري، وتمثل ذلك كله بهذه الحركات والمذاهب التي جرى استغلالها على غير ما قصدت له في الغالب الكثير، كالتنصير الذي انطلق في البدء من رسالة عيسى ابن مريم عليهما السلام وحصل له ما حصل من تغيرات في المفهوم والأهداف، وإن لم يخرج في ناحية منه عن المفهوم الأساس له وهو إدخال غير النصارى في النصرانية. ولا أظن أننا بحاجة إلى استخدام المصطلح نفسه يطوع للدعوة إلى الله تعالى، كما حاول البعض في إثارة مفهوم التبشير الإسلامي أو التبشير المضاد. فالدعوة مفهوم يكفي في نشر الإسلام. انظر: عثمان الكعاك. صفحات سوداء من تاريخ المبشرين. - الهلال مج 81، ع 10 (أكتوبر 1973 م - رمضان 1393 هـ) . - ص 38 -50.
للتنصير والمنصرين هو غاية في حد ذاته، ولكن الدعوة إلى الله تعالى تقتضي العمل على التغلب على الصعاب التي تعترض الطريق. ومن أبرز هذه الصعاب - على ما يبدو لي - هي هذه الحملات التي لا تزال تتواصل على المجتمع المسلم.
وتتحقق المواجهة بمجموعة من الوسائل، هي - دائما - خاضعة للتغيير والتبديل والتكييف بحسب البيئات التي تقوم فيها المواجهة. والمهم عند المسلمين أن هذه المواجهات بأساليبها المتعددة لا تخرج بحال من الأحوال عن الإطار المباح شرعا، مهما كانت قوة الحملات التنصيرية، ومهما اتخذت هي من وسائل غير نزيهة، فاتخاذ المنصرين وسائل غير نزيهة لا يسوغ لنا نحن المسلمين اتباع هذا المنهج، فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا (1) .
وهذا يصدق على مجالات المواجهة بخاصة، وعلى مجالات الدعوة بعامة، (2) بل إن وسائل المواجهة هي في ذاتها أساليب للدعوة، فقصدنا نحن المسلمين من هذه المواجهة ليس مجرد المواجهة والصد فحسب، بل الدعوة إلى الله بهذه المواجهة، بحيث نسعى إلى هداية هؤلاء المنصرين، أو بعض منهم، في الوقت الذي نحمي فيه مجتمعنا المسلم من الحملات. ولا نبتغي بهذا كله إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، ولذا فإن روح المنافسة غير الشريفة في هذا المجال، وفي غيره، غير واردة
(1) ومصداق هذا ما يؤثر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا". رواه مسلم والترمذي وأحمد.
(2)
والغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، ولا ينتظر في سبيل الوصول إلى الأهداف أن تؤول الوسائل بحال من الأحوال. ويبدو أن التأويل الآن مدخل غير طيب لطرق سبل غير مشروعة تقود بسرعة إلى الغايات. مع أن الوسائل المشروعة تقود إلى الغايات بغض النظر عن الزمن.