الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما لو اقر الدكتور نظرية لأحد فلاسفة الغرب فأعجبته واقتنع بصحتها بعد دراسة وتأمل، فهذ نسميه مقلداً لذلك الفيلسوف صاحب النظرية.
إن معنى التقليد أن تؤخذ قضايا الأولين مسلمة من غير نظر في الأدلة المثبتة لها، وأما الإيمان بها عن دليل واقتناع فلا يسمى ذلك تقليداً.
ولو فرضنا ذلك تقليدا"، فليس يعيب الحركة أن تقلد في الحق، وأن تتأسى فيه بمن سبق.
وأما قوله إنها ليست استمراراً لحركة ابن تيمية في النقد أعني الهدم والبناء، فليس بصحيح، فإن موقفها من المذاهب المنحرفة في العقيدة من معتزلة وجهمية وأشعرية ومرجئة إلخ هو نفس موقف ابن تيمية من حيث الرد عليها والاشتغال بإبطالها.
وكذلك موقفها من الناحية الإيجابية، أعني الدعوة إلى إحياء مذهب السلف وبيانه، وإقامة الحجج المثبتة له هو عين موقفها.
ولعل الدكتور لو قرأ ما كتبه مؤسس هذه الحركة وعلماؤها من بعده، لما رماها بما رماها به من الجمهود والسلبية، ولتغيرت نظرته إليها وخفت قسوته في الحكم عليها.
مفخرة من مفاخر هذه الدعوة:
ثم يستدرك الدكتور على ما سبق بقوله: "ولكن إن كانت تعتبر تقليداً أو استمراراً لطور التقليد فإنها تتميز بأنها صانت آراء ابن تيمية
وعنيت بها في القرن الثامن عشر بعد مدة أربعة قرون لم تلق فيها تلك الآراء العناية الكبرى التي لقيتها من جانب حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"1.
وهنا نلمح في كلام الدكتور شيئاً من التقدير والإنصاف للدعوة الوهابية، بسبب صيانتها لآراء ابن تيمية وعنايتها بإحيائها ونشرها.
وتلك مفخرة من مفاخر هذه الدعوة ستظل تذكر لها بالعرفان والتقدير، فإن كتب شيخ الإسلام ورسائله كانت مطمورة تحت ركام الإهمال والنسيان، لا يسمح لها أهل البدع والإلحاد أن ترى النور، ولا أن تقوم بدورها الخطير في توجيه العالم الإسلامي نحو الطريق الصحيح.
بل كثيراً ما كانوا يحذرون من قراءتها ويقرنونها بكتب الفلاسفة في جواز الاستنجاء بها.
فلما قامت هذه الحركة المباركة2 أخذت تنقب عن تلك الثروة الهائلة التي خلفها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله، وجد المسؤلون عن هذه الدعوة في إبراز هذه الكنوز بالطبع والنشر.
وكان لجلالة الملك عبد العزيز - غفر الله له وأجزل مثوبته.. اليد الطولى في هذا الباب، حتى أصبحت كتب الشيخين الجليلين تملأ المكتبات العامة والخاصة.
1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85..
2 مباركة لأنها امتداد لما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وهي رجوع للإسلام الصحيح وتربية على هذا الإسلام الصافي النقي.
وأخذت العقيدة السلفية التي كانت قابعة في زوايا كتب الكلام، حيث تذكر ولا تقدر، وتعتبر مذهباً للحشوية والعوام، أخذت مركزها الصحيح في القيادة والتوجيه بعد قراءة كتب هذين الإمامين اللذين لم يأت الزمان لهما بنظير في الجمع بين المعقول والمنقول، فكتبهما الآن هي المنارة التي تضيء السبيل لكل مستقيم الفكر برئ من الهوى والتقليد، وآراؤهما أصبحت محل التقدير العظيم في جميع الأوساط والمحافل العلمية.